مصر: تطورات المشهد السياسي 4 مارس 2016
تمهيد
يتناول التقرير أهم القضايا التي تناولتها وسائل الإعلام المصرية خلال الفترة بين 25 فبراير و3 مارس 2016، وذلك على النحو التالي:
أولاً: خطاب السيسي ومضامينه:
ألقى عبد الفتاح السياسي في 24 فبراير 2016، خطاباً مطولاً امتد لأكثر من ساعة ونصف الساعة تقريبا تحت ما يسمى بإطلاق استراتيجية مصر للتنمية المستدامة “رؤية مصر 2030 “، وقد ثار الخطاب موجة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب احتواء الخطاب على أكثر من إشارة وكلمة تعد غير لائقة بخطاب رسمي لشخص في هذا الموقع، إلا أن الخطاب احتوى على رسائل ودلالات هامة نشير إليها هنا باختصار:
1ـ لغة خطاب السيسي اختلفت بشكل كبير عن خطاباته السابقة حيث ظهر عليه في هذا الخطاب الحدة والغضب والتوتر الواضح على قسمات الوجهة والتي ربما تعكس حجم الأزمات بين مراكز القوى داخل الدولة، فضلا عن الحالة الاقتصادية المتردية.
2ـ حشد عاطفة المصريين في إطار وهمي بالتبرع للدولة لحل مشاكلها الاقتصادية، بدون شك لن تقدم هذه الحملة ولو تفاعل معها عدد ضخم من الشعب سوى مبالغ ضئيلة لا تتناسب مع حجم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، في حين ان الهدف الرئيسي من تلك الحملات التي اعتاد السيسي على إطلاقها هو دغدغة مشاعر الجماهير وإشعارهم بعمق الأزمة وهو ما يؤدي في النهاية بالجماهير إلى حالة قبول لا إرادي بالواقع المتأزم للاقتصاد المصري وما يستتبعه من أزمات محتملة.
3ـ رسائل تحمل لهجة العنف والتحدي والتهديد ذكرها السيسي أكثر من مرة في طي خطابه، حيث جاء استفساره “من أنتم؟” في إشارة إلى توجيه حديثه إلى جهات محددة بعينها وعن حديثه انه لن يتركها في إشارة إلى حكم مصر وليس إلى مصر، ربما تأتي هذه الإشارات التي امتلأ بها خطاب السيسي لتحمل رسائل مباشرة إلى قوى إقليمية وقوى داخلية يدرك السيسي أنها تسعى لتهديد استمرار بقاءه في الحكم.
4ـ حالة الغضب الشديدة التي ظهرت في نبرة حديث السيسي عندما تحدث أكثر من مرة موجها حديثه للجميع بالا يسمعوا إلا من خلاله هو فقط، في إشارة إلى الإعلام وتوجيه النقد لشخصه ولحكومته، الحديث بهذه اللغة والتعبير بهذا الشكل الفج يشير إلى حدة الصراع بين مراكز القوى داخل الدولة والذي بدا يظهر بوضوح من خلال وسائل الإعلام التابعة لمراكز القوى المختلفة وتناولها لأداء الحكومة بالنقد والاقتراب أحيانا من نقد شخص السيسي.
5ـ من زاوية البعد الاقتصادي لخطاب السيسي، لم يقدم الخطاب رؤية حقيقة أو حتى الحديث عن خطوات واضحة للمستقبل بل اعتمد السيسي على إخفاء ذكر مشاريع تحققت خوفا من “الأشرار” على حد تعبيره وهو ما يشير إلى غياب إنجازات اقتصادية حقيقية يمكن تقديمها للشعب لكسب الثقة وطمئنة الجماهير، في حين ان الخطاب لم ينجح في تصدير مشهد لمشاريع اقتصادية تمت أو ستتم في المستقبل وهو ما يعبر عن عمق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
ثانياً: زيارة السيسي إلى كازخستان:
التقى السيسي برئيس كازاخستان، نور سلطان نزارباييف في زيارة إلى العاصمة أستانا في 26 فبراير 2016، ويمكن فهم زيارة السيسي إلى كازخستان من خلال عدة أبعاد، يأتي في مقدمتها السياسي والاقتصادي والأمني:
على المستوى السياسي جاءت الزيارة استكمالا لسياسية السيسي في الاتجاه إلى الشرق مع دول مثل روسيا والصين، حيث ان كازخستان تقع في الجنوب من روسيا والشمال الغربي من الصين وتعد امتداد حيوي لكل من روسيا والصين، مما يجعلها محطة هامة للنظام المصري في إطار سعيه لتوسيع العلاقات مع كلا من روسيا والصين.
البعد الاقتصادي كان هو الصفة المميزة لزيارة كازخستان، حيث ان كازخستان تنتمي إلى دول منطقة أسيا الوسطى (القوقاز) والتي تشمل 5 دول، كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وقرقيزيا وطاجيكستان، وتعد منطقة أسيا الوسطى من المناطق الواعدة حيث أنها تمتلك حوالي 34% من إجمالي احتياطات الغاز الطبيعي العالمية و27% من إجمالي احتياطات النفط العالمية.
وفي هذا السياق يمكن القول إن هناك أكثر من مسار تطرقت إليه الزيارة:
1ـ سعي النظام المصري لإيجاد بدائل للدول التي يستورد منها القمح ولا سيما ان اعتماده على كلا من روسيا وكندا وفرنسا، يسبب له مشاكل وأزمات بشكل دوري كان أخرها أزمة شحنة القمح المسرطن، مع التهديد المستمر بنقص المخزون الاستراتيجي للقمح، حيث يهدف النظام إلى فتح سوق أخر لإستيراد القمح من كازخستان، حيث ان كازخستان تعد من أكبر الدول المصدرة للقمح للعالم.
2ـ دعم السياحة وتسيير خطوط طيران مباشرة من كازخستان إلى القاهرة أو شرم الشيخ، قد يكون الهدف من ذلك هو جعل كازخستان البوابة الخلفية للسياحة الروسية إلى مصر، حيث ان إعادة الرحلات السياحية الروسية المباشرة إلى مصر في الوقت الحالي يمكن ان يسبب حرج شديد للحكومة الروسية أمام الشعب الروسي، على أثر حادث تحطم الطائرة الروسية في سيناء في أكتوبر 2015.
3ـ التعاون في مجال الطاقة النووية، حيث تعد كازخستان ثاني أكبر منتج لليورانيوم عالميا، وهو ما يمكن ان يمثل أهمية للجانب المصري، من خلال سعيه إلى البدء في مشروع محطة الضبعة النووية.
4ـ تأتي الزيارة في إطار سعي النظام المصري إلى دعم اتفاق إنشاء منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الأوراسي، حيث أن كازخستان تعد أحد مؤسسي الاتحاد الأوراسي.
ويمكن حصر أهم النتائج الرسمية للزيارة وفق ما تناولته وسائل الإعلام المصرية على النحو التالي:
(أ) إعلان نزارباييف أن بلاده ستواصل إمداد مصر بالحبوب وإقامة علاقات طويلة الأمد مع مصر فى مجال الزراعة .
(ب) توقيع مصر على ميثاق المنظمة الإسلامية للأمن الغذائي التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي.
(ج) دعم كازخستان لمصر فى مفاوضات التوصل إلى اتفاق لإنشاء منطقة للتجارة الحرة مع الاتحاد الإقتصادي الأوراسي، يذكر ان الاتحاد الإقتصادي الأوراسي، هو تحالف اقتصادي على خطى الأوروبي، تأسس في عام 2010 بين روسيا وكازخستان وروسيا البيضاء، بينما وصل عدد أعضاءه حاليا إلى 5 دول، بعد ان انضم إلى الاتحاد كلا من أرمينيا وقرقيزيا.
(د) مشاركة مصر فى المعرض الدولي “EXPO-2017” فى العاصمة الكازخستانية، أستانا.
(هـ) الإعلان عن استئناف رحلات الطيران المباشرة المنتظمة بين البلدين.
ثالثاً: زيارة السيسي إلى اليابان:
اليابان كانت المحطة التالية للسيسي بعد زيارة كازخستان، ويبدو أن الهدف الرئيسي من زيارة اليابان يأتي في سياق التركيز عل الشق الاقتصادي وتطوير التعليم حيث يمكن حصر نتائج زيارة السيسي لليابان في الآتي:
1ـ الإعلان عن توقيع الشركات اليابانية والمصرية لأكثر من عشر مذكرات تفاهم في مجالات النقل والتوزيع والطاقة المتجددة، بحسب تصريحات مسؤول بوزارة الخارجية اليابانية.
2ـ الإعلان عن مشاركة الشركات اليابانية لمشاريع مصرية قيمتها حوالي 17.7 مليار دولار، بحسب تصريحات رئيس الوزراء الياباني .
3ـ الإعلان عن توقيع اتفاقيات تشمل ثلاثة قروض ميسرة لمشروعات في مجالات النقل والطاقة بإجمالي ما يزيد عن نصف مليار دولار بفائدة تتراوح بين 0.1% و0.3 %.
4ـ الاستفادة من الخبرة اليابانية فى التعليم الأساسي والفني، وهو ما صرح به السيسي في حوار مع أحد الصحف اليابانية “THE ASAHI SHIMBUN” عن رغبة مصر في تعزيز التعاون المشترك فى مجال التعليم.
رابعاً: أزمة السياحة في مصر:
أزمة السياحة لا تزال تلقي بانعكاساتها على الحالة المتأزمة للاقتصاد المصري والتي عبر عنها رئيس الوزراء
شريف إسماعيل بأن قيمة تراجع عائدات السياحة منذ سقوط الطائرة الروسية بلغت حوالي 1.3 مليار دولار، ثم امتداد أزمة السياحة لتصل إلى المستثمرين والأفراد العاملين في قطاع السياحة، حيث بدا ذلك واضحا من التصريحات الأخيرة لوزير السياحة التي أشار فيها إلى أن عدد الفنادق التي أغلقت رسميا بعد حادث سقوط الطائرة الروسية في سيناء، في أكتوبر 2015، وصلت إلى 25 فندقا، منها 11 بمحافظة جنوب سيناء و14 بالغردقة، فيما تبلغ نسب الإشغال صفر% فى نحو 70 فندقا، ولم تبلغ الوزارة بإغلاقها حفاظا على سمعتها، وهو ما يشير إلى تصاعد تفاقم أزمة العاملين في قطاع السياحة في الأيام المقبلة.
خامساً: اعتصام نقابة الصحفيين:
لا يزال الاعتصام الذي قام به عدد من الصحفيين بمقر النقابة العامة للصحفيين، قائما حتى اللحظة، حيث بدأ الاعتصام في 29 فبراير 2016، احتجاجا على الأوضاع السيئة للصحفيين المعتقلين، وتتركز مطالب المعتصمين حول المطالبة بحقوق الصحفيين المعتقلين، وفي نفس السياق دعت نقابة الصحفيين لعقد جمعية عمومية، يوم الجمعة 4 مارس الجاري، لمناقشة بعض القضايا والتي سيكون من أبرزها قضية الحريات. في نفس التوقيت تقريبا دخلت نقابة المحامين على نفس خطى نقابتي الأطباء والصحفيين، حيث خرج بيان نقابة المحامين في 29 فبراير 2016، ليندد بممارسات وانتهاكات وزارة الداخلية، على إثر إعلان وزارة الداخلية القبض على أحد المحامين بعد اختفائه لفترة.
حالة الاحتقان التي تتصاعد يوميا بين بعض النقابات المهنية وبين وزارة الداخلية، ربما تمتد لتشمل الكثير من النقابات المهنية والعمالية في ظل استمرار الممارسات والانتهاكات التي تقوم بها الداخلية مع جميع الفئات وفي ظل الحالة الإيجابية التي تولدت نتيجة تعاطي نقابة الأطباء مع الانتهاكات التي يتعرض لها الأطباء.
سادساً: تصاعد التوتر في النوبة:
في يناير 2016 أقر البرلمان القرار الجمهوري رقم 444 (نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 3 ديسمبر 2014، وينص على تحديد المناطق المتاخمة لحدود مصر)، الأمر الذي أثار غضب النوبيين حيث ينظر النوبيين إلى القرار على انه الرصاصة الأخيرة لحلم العودة، حيث ان عدد من القرى النوبية القديمة على ضفاف بحيرة ناصر تدخل ضمن المناطق المحظورة في القرار رقم 444، وهو ما يعني حرمان النوبيين من عودتهم الكاملة إلى قراهم الأصلية التي هجروا منها في عام 1963 لبناء السد العالي. ونتيجة لذلك شهدت النوبة موجة غضب وحدوث اشتباك بين الأهالي وعناصر من الجيش.