fbpx
تقديرات

مصر تقترض: خريطة تفاقم المديونية الخارجية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تضمن التقرير الفصلي الأخير للبنك المركزي المصري حول المديونية الخارجية أرقاما تستحق التوقف. فما معنى زيادة مديونية البنك المركزي المصري 14 ضعفا في 5 سنوات؟ وما معنى مضاعفة الديون الدولارية للبنوك في 3 أشهر؟ وما معنى أن تكون مديونيات البنك المركزي المصري من الودائع الأجنبية “فقط” أكبر من الاحتياطي النقدي الدولي لمصر، والمودع في نفس البنك المركزي؟

لم يحظ تقرير المركزي، برغم صدور في مارس 2016، بأكثر من معالجة الرقم النهائي المجمل، أو ما يسمى بين المحاسبين وأصحاب البزنس بالـ “Bottom Line”، أو رقم المديونية الإجمالي، وبالرغم من أهمية هذا الرقم، إلا أنه لا يكشف خريطة المديونية كاملة، ولا يقدم صورة كاملة عما تريد السلطة التنفيذية تصديره من صورة دين حكومي ضئيل يخفي وراءه تفاقما هائلا في مديونية قطاعية لم تحتسب ضمن مديونية “الحكومة”.

وما دفعنا للعودة للتقرير اليوم أيضا ما تداولته صحف مصرية وعربية ووكالات أنباء خلال الأيام القليلة الماضية عن اتجاه الحكومة المصرية للتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار1. ونسب الخبر الذي بثته وكالة أنباء رويترز عن أحد وزراء المجموعة الاقتصادية، لم تسمه، أن البنك المركزي يتفاوض على هذا القرض الآن، وأن وفدا من الصندوق سيزور مصر في منتصف يوليو 2016 لاستئناف التفاوض. بينما سارع طارق عامر، محافظ البنك المركزي لنفي خبر ضلوع البنك المركزي في تفاوض من هذا النوع2. وهو ما أثار حيرة استدعت التوقف مع التقرير.

أولاً: إدارة ملف القروض وتناقضاته:

يمكن إرجاع التضارب لبعض التخصص الوظيفي الذي كشف عنه خلاف حدث بين البنك المركزي ووزارة التعاون الدولي مطلع هذا الشهر، واتضح فيه أن إدارة ملف القروض يتبع وزارة التعاون الدولي لا البنك المركزي، وهو الخلاف الذي تفجر عقب استلام الوزارة دفعة أولى من المنحة السعودية بلغت 500 مليون دولار، وتأخرت إحاطة البنك المركزي بوصولها، ما كشف عن أزمة ربما تبدو أعمق مما يبدو على السطح3.

ولعل ما نشرته وكالة رويترز في 27 يونيو 2016 يفيد في توضيح طبيعة المكايدة التي تحدث بين المركزي المصري ووزارة التعاون الدولي، حيث نشرت رويترز خبرا يُعلق فيه البنك المركزي المصري على خبر القرض بقول مصدرها بالمركزي: “المركزي لم يقدم طلبا رسميا للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، لكن بوسعه الحصول على نحو عشرة مليارات دولار إذا أراد ذلك”4.

وأيا ما كان من شأن هذا الخلاف، أو من تضارب الأنباء حيال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فإنه أقل أهمية من قضية أخرى يثيرها السعي الدؤوب لزيادة أعباء مصر من الدين الأجنبي، الذي تطور خلال 14 شهرا من 41.3 مليار دولار في ديسمبر 2014 إلى 53.4 مليار دولار في مارس 20165.

مع العلم بأن هذه الأرقام لم تتضمن بعد الدفعة الأولى من قرض البنك الدولي التي تنتظر إقرار الموازنة ويتأكد إثرها البنك الدولي من استجابة الحكومة المصرية لمطالبه التي تتضمن زيادة أسعار الكهرباء، وزيادة حصيلة الضرائب، وتقليص ميزانية الأجور الحكومية، وإدارة أقوى للدين العام، وتقليل دعم الطاقة6.

كما أنه لم يتضمن بعد أي من دفعات القرض الروسي الخاص بإنشاء محطات الضبعة النووية، والذي تبلغ قيمته نحو 25 مليار دولار تغطي 85% من تكلفة المحطات الأربعة المزمع إنشاؤها في هذه المنطقة.

وتثير ميول الحكومة المصرية للاقتراض من الخارج قلق المراقبين7، بالنظر لاعتبارين أساسيين:

الاعتبار الأول: أنه بالرغم من محاولات التطمين التي تسوقها وزارة التعاون الدولي، والتي تؤكد بموجبها أن هذه القروض محض استثمارات للأجيال القادمة8، فإن هذه القروض تمثل عبئاً فعلياً على الأجيال القادمة، خاصة وأنها تتم لمواجهة عجز المعروض من الدولار في السوق المصري، وهو ما يعني أنها تتجه وجهة استهلاكية، بالنظر إلى أن حجم الطلب على الدولار يتضخم لسداد أمرين مهمين: أعباء الديون الأجنبية، وسداد فاتورة الواردات9، والتي يغلب عليها أن تكون سلعا غذائية.

الاعتبار الثاني: حق الأجيال الحالية، حيث أن قيمة الدين العام بلغت 3.1 تريليون جنيه وفق البيان المالي لوزارة المالية والخاص بموازنة عام 2016/2017، حيث قدرت الموازنة قيمة مدفوعات الفائدة المستحقة عليه خلال السنة المالية بنحو 293 مليار (31% من المصروفات الكلية و9% من إجمالي قيمة الناتج المحلي) بزيادة 20% تقريبا عن مدفوعات الفائدة التي تم رصدها في ميزانية السنة المالية السابقة 2015/201610، وهو ما يأتي على حساب اعتبارات بالغة الأهمية، منها الإنفاق على التعليم والتعليم الجامعي والصحة، وهي البنود التي تدهور إجمالي الإنفاق العام عليها، وهو الإنفاق الذي تحدد بموجب الدستور المصري بحيث لا تقل نسبته عن 10% من إجمالي الإنفاق العام11. وهذه الاعتبارات ما دفعت لفتح ملف “ميل الحكومة المصرية للاقتراض”، والتعرف على ملامح الاقتراض الخارجي.

ثانياً: خريطة الدين العام الأجنبي المصري:

في آخر تقرير للبنك المركزي المصري حول وضع المديونية الخارجية، وهو التقرير الصادر في مارس 201612، أعلن البنك المركزي عن بلوغ الدين الأجنبي المصري نحو 53 مليار و444 مليون و900 ألف دولار، وذلك في مارس 2016.

وعن تطور إجمالي الدين الخارجي المصري، يفيد التقرير إلى أن إجمالي الدين الأجنبي بلغ 34.9 مليار دولار في يونيو 2011، وانخفض إلى 34.4 مليارا في يونيو 2012، ثم قفز إلى 43.2 مليار في يونيو 2013، وبلغ 46.1 مليارا في يونيو 2014، وتصاعد إلى 48.1 مليار دولار في يونيو 2015، ثم بلغ 53.4 مليار دولار في مارس 2016. (جدول ـ 1):

وعن توزيع إجمالي الدين الخارجي المصري بحسب أجل استحقاقه، أفاد تقرير البنك المركزي أن إجمالي الدين متوسط وطويل الأجل يبلغ نحو 46.6 مليار دولار، وتمثل هذه النسبة نحو 87.2% من إجمالي الدين الخارجي. بينما يبلغ الدين قصير الأجل نحو 6.83 مليار دولار، ويمثل نحو 12.8% من إجمالي الدين الخارجي، لكنها تمثل نحو 41.3% من صافي الاحتياطيات الدولية. (جدول ـ 2)

وعن توزيع الدين الأجنبي بحسب الجهات المدينة داخل مصر، فقد أشار تقرير البنك المركزي المصري إلى أن مديونية الحكومة المركزية ووحدات الحكم المحلي قد بلغت في مارس 2016 نحو 24.5 مليار دولار، بينما بلغت مديونية البنك المركزي نحو 20.8 مليار دولار، وبلغت مديونية البنوك نحو 3.8 مليارا، كما بلغت مديونية “القطاعات الأخرى” 4.4 مليار دولار، ليبلغ الإجمالي نحو 53.4 مليار دولار. وهذه الأرقام تعني أن مديونية مؤسسات الدولة متضمنة البنك المركزي تبلغ نحو 45.3 مليار دولار، ما يمثل نحو 84.8% من إجمالي هذه المديونية، وإن كان تقرير البنك المركزي يميل للفصل بين مديونية الحكومة ومديونيته كبنك مركزي، ليهبط بمديونية الحكومة أمام الجهات التي يخاطبها بهذا التقرير إلى نحو 45.8% من إجمالي الدين الخارجي.

ثالثاً: الاقتراض من الخارج والتشجيع على الاقتراض:

يلفت عدد من الخبراء إلى أن الاقتراض من الخارج أداة من أدوات توجه الدولة الساعية لتخفيض تكلفة القروض الحكومية، حيث تفيد وثائق الدولة وتصريحات مسؤوليها إلى أن تنويع مصادر التمويل، بما فى ذلك الاقتراض من الخارج، يرجع لكون أسعار الفائدة على النقد الأجنبي أقل كثيرا من سعر الفائدة على الجنيه المصري. ولفتت د. سلوى العنتري، مدير عام قطاع البحوث في البنك الأهلي سابقا، إلى أن تحليل وثائق الموازنة العامة خلال العامين الماضيين يؤكد أن الحكومة عندما طرحت سندات الاقتراض من أسواق المال الدولية، فإنها قد فتحت الباب كذلك لقطاعات الدولة المختلفة للجوء لتلك الأسواق كمصدر للتمويل13. فهل يوضح تقرير البنك المركزي هذه الحقائق؟

الواقع أن تقرير البنك المركزي يشير إلى أن الحكومة المصرية لم تستطع جذب أكثر من 500 مليون دولار فقط خلال العام الأخير، وأن مديونيتها من العملة الأجنبية تتراجع، لكنه أشار إلى تفاقم حاد في مديونية البنك المركزي بالعملة الأجنبية عبر الودائع التي يتلقاها لمساندة الاحتياطي، ويدفع فائدة في مقابلها. كما تضمن التقرير مؤشرا خطيرا على تزايد مديونيات البنوك بصورة غير مسبوقة. وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1ـ تراجع مديونية الحكومة:

وفق معيار التمييز بين الدين الحكومي الأجنبي والدين الأجنبي الخاص بالبنك المركزي المصري، فقد تضمن التقرير ربع السنوي للبنك المركزي المصري عن فترة السنوات الخمسة الماضية ما يشير لتراجع إجمالي الدين الأجنبي الحكومي. فقد كان إجمالي المديونية الأجنبية للحكومة المصرية نحو 27.1 مليار دولار في يونيو 2011، وهبط إلى 25.6 مليارا في يونيو 2012، ثم ارتفع مجددا إلى 28.5 مليارا في يونيو 2013، ثم إلى 29.1 مليارا في يونيو 2014، ثم هبط إلى 25.7 في يونيو 2015، ثم انخفض مجددا لنحو 24.5 مليار دولار مجددا في مارس 2016. (جدول ـ 3)

وعن مكونات المديونية الخارجية للحكومة المصرية، ففي مارس 2016، كانت المديونية 24.5 مليار دولار تقريبا، وزعت بين 20.95 مليار دولار في صورة قروض، و3.51 مليار دولار في صورة سندات وأذون.

ويلاحظ على المديونية الحكومية أن حجم القروض فيها لم يزد خلال الاثني عشر شهرا الأخيرة وفق تقرير المركزي إلا بنحو 500 مليون دولار14، هي الدفعة الأولى من قرض بنك التنمية الأفريقي15. وهكذا، حيث تطور إجمالي القروض الحكومية بالعملة الأجنبية من 20.46 مليار دولار في مارس 2015 إلى 20.95 في مارس 2016. بينما انخفضت المديونية القادمة من بوابة السندات والأذون بالعملة الأجنبية بقيمة 70 مليون دولار، حيث كانت قد بلغت نحو 3.58 مليار دولار في مارس 2015 إلى 3.51 في مارس 201616.

ولم يشر تقرير البنك المركزي عن المديونية الخارجية لوجود مديونية قصيرة الأجل على الحكومة المصرية، حيث أشار إلى أن كل مديونيات “الحكومة ووحدات الحكم المحلي” بالعملة الأجنبية هي محض ديون طويلة ومتوسطة الأجل فقط.

2. تفاقم مديونية البنك المركزي:

تضمن تقرير البنك المركزي أيضا ما يشير ما يشير لتفاقم مديونيته بشكل كبير. ويكشف تقرير المركزي عن تزايد مديونيته من 1.5 مليار دولار في يونيو 2011، إلى 2.6 مليار دولار في يونيو 2012، ثم إلى 9.1 مليار دولار في يونيو 2013، ثم إلى ما يزيد قليلا عن 11 مليار دولار في يونيو 2014، وتزايدت لتبلغ نحو 16.3 مليار دولار في يونيو 2015، ثم زادت إلى 20.76 مليار دولار في مارس 2016 (جدول ـ4)

ووفقا لبيانات البنك المركزي المصري، فقد تضاعفت المديونية الخارجية لهذا البنك نحو 14 مرة في نحو خمس سنوات، من 1.5 مليار دولار في يونيو 2011 إلى 20.758 مليار دولار في مارس 2016.

وبالنظر لتفاصيل هذه المديونية، فإن خريطة التقرير الخاص بالربع الثالث من العام المالي 2015/2016، تقرير مارس 2016، فإن إجمالي مديونية البنك المركزي بلغت 20.76 مليار دولار في مارس 2016، جلها ودائع لدول أجنبية. ويمكن تفصيل مديونية البنك المركزي فيما يلي:

(أ) تبلغ قيمة المديونية الأجنبية متوسطة وطويلة الأجل للبنك المركزي نحو 17.56 مليار دولار، بنسبة 85% من إجمالي المديونية الأجنبية للبنك. بينما تبلغ قيمة المديونية قصيرة الأجل نحو 3.2 مليار دولار، بنسبة 15% من إجمالي المديونية بالعملة الأجنبية المستحقة على البنك للخارج.

(ب) بلغ إجمالي قيمة الودائع الأجنبية طويلة ومتوسطة الأجل في البنك المركزي المصري نحو 14.9 مليار دولار بنسبة 85% من إجمالي ديون البنك طويلة ومتوسطة الأجل، ونحو 72% من إجمالي المديونية الخارجية للبنك المركزي المصري، ونحو 28% من إجمالي المديونية الأجنبية المستحقة على مصر.

(ج) بلغ إجمالي قيمة القروض متوسطة وطويلة الأجل المستحقة على البنك المركزي نحو 1.4 مليار دولار في صورة قروض مباشرة، منها مليار دولار كاملة قرض تسلمه المركزي المصري خلال زيارة الرئيس الصيني لمصر في يناير ختام 201517. كما تتضمن أيضا 1.3 مليار دولار قيمة حقوق سحب من صندوق النقد الدولي. وهكذا، تبلغ قيمة القروض متوسطة وطويلة الأجل المستحقة على البنك المركزي نحو 2.7 مليار دولار، بما يمثل 13% من إجمالي المديونية الأجنبية للبنك المركزي، ونحو 5% من إجمالي المديونية الخارجية لمصر.

(د) أما عن المديونية قصيرة الأجل المستحقة على البنك المركزي فتتمثل في مجموعة ودائع قيمتها 3.2 مليار دولار تستحق في الأجل القصير. وتبلغ نسبة المديونية قصيرة الأجل للبنك المركزي نحو 11% من إجمالي مديونيته. وهو ما يعني أنه يتحتم على مصر سداد 3.2 مليار دولار خلال العام القادم، وهو ما يتجاوز قيمة القرض المقدم من البنك الدولي للإنشاء والتعمير.

(هـ) أما الأخطر بين بيانات التقرير ربع السنوي الأخير للبنك المركزي، فهو أن إجمالي الودائع الأجنبية بالبنك المركزي المصري بلغت قيمتها في مارس 2016 نحو 18.1 مليار دولار، منها 3.2 مليار دولار ودائع قصيرة الأجل، و14.9 مليار دولار ودائع متوسطة وطويلة الأجل، بينما كان الاحتياطي النقدي المصري خلال نفس الشهر يبلغ نحو 16.1 مليار دولار. ما يعني أن الاحتياطي النقدي الدولي بمصر مكشوف تماما.

3. مديونية البنوك ومؤشرات نوعية

لفتت د. سلوى العنتري (مدير عام قطاع البحوث في البنك الأهلي سابقاً) إلى أن توجه الحكومة نحو تنويع مصادر التمويل، والتوجه للاقتراض من الخارج على خلفية انخفاض قيمة الفائدة على القروض الدولارية، أدى لفتح الباب أمام القطاع المصرفي للاقتراض من الخارج18. وقد سبق للبنك المركزي المصري أن دعا البنوك إلى تنويع مصادرها من الدولار، وعدم الاعتماد على طلب الدولار منه؛ أي من المركزي، والتحول إلى أن تكون المصارف مصدراً للعرض وليس الطلب. ووفقا للتوجه الجديد من البنك المركزي، أقدم بنك مصر في نفس الأسبوع على توقيع اتفاق لترتيب تسهيلات قرض مشترك بقيمة 250 مليون دولار لصالحه، حيث قام بنك المؤسسة العربية المصرفية ABC بالبحرين، وشركة الإمارات دبي الوطني كابيتال المحدودة وبنك HSBC الشرق الأوسط المحدود وبنك المشرق وبنك الاتحاد الوطني (مدراء الترتيب وسجل الاكتتاب المكلفون) بترتيب القرض لبنك مصر (المُقترض)19. وخلال زيارة الرئيس الصيني لمصر، تمكن المصرفين، البنك الأهلي وبنك مصر، من توقيع اتفاقيتين للحصول على قروض من بنك التنمية الأسيوي بقيمة إجمالية بلغت 800 مليون دولار، كان نصيب البنك الأهلي منها 700 مليون دولار20.

ويشير التقرير ربع السنوي الأخير للبنك المركزي المصري، مارس 2016، إلى أن المديونية الأجنبية للبنوك الحكومية المصرية قد تضاعفت خلال 3 شهور، حيث تطورت هذه المديونية من 1.7 مليار دولار في يونيو 2011، إلى 3.8 مليارا في مارس 2016، ولم يسبق للبنوك المصرية أن بلغت هذا الحجم من المديونية الخارجية أو اقتربت منه إلا مرة واحدة خلال السنوات الخمسة الأخيرة. ففي يونيو 2011 كانت مديونية الأجنبية للبنوك نحو 1.62 مليار دولار، ثم انخفضت في يونيو 2012 إلى 1.59، ثم انخفضت مجددا إلى 1.5 مليارا في يونيو 2013، ثم قفزت إلى 2.4 مليار دولار في يونيو 2014، لكنها عاودت الانخفاض مجددا إلى 1.5 مليار في يونيو 2015، لتتضاعف قيمة هذه المديونية في مارس 201621. (جدول 5):

وبملاحظة تفاصيل هذه المديونية الأجنبية، وتوزيعها بين مديونيات قصيرة الأجل وأخرى طويلة أو متوسطة الأجل، نجد أن القروض قصيرة الأجل تتجاوز 55% بقيمة إجمالية بلغت 2.1 مليار دولار، بينما بلغت قيمة القروض طويلة الأجل نحو 1.7 مليار دولار، بنسبة 45% من إجمالي المديونية الخارجية للبنوك. كما نلاحظ أن الزيادة في مديونية البنوك كانت لمصادر المديونية قصيرة أو متوسطة أو طويلة الأجل على حد سواء، وإطلالة سريعة على التقرير المرفق تكشف هذه السمة.

أما عن أسباب هذه الهجمة الإقتراضية، فإن تفسيرها وجدته دراسة أجرتها مؤسسة بلتون القابضة للاستثمارات المالية، كشفت فيها أن البنوك المصرية أودعت نحو 3.6 مليار دولار من ودائع عملائها بالبنك المركزي، لإخفاء انكماش حاد في أرصدة الاحتياطي الأجنبي خلال الربع الثاني من العام المالي 2015/201633. بل إن خبيرا أجنبيا أفاد أن البنوك التجارية اضطرت لبيع بعض أصولها الخارجية لتودع تلك الودائع في البنك المركزي، ونتيجة لذلك تدهور صافي الأصول الأجنبية الخارجية لدى البنوك التجارية22.

4. مديونية القطاعات الأخرى

بخلاف المديونية الخارجية لكل من الحكومة ووحدات الحكم المحلي، ومديونية البنك المركزي، أو مديونية البنوك الحكومية، فإن تقرير البنك المركزي تضمن إشارة لقطاع رابع من المديونيات، وضع له عنوان “القطاعات الأخرى”، والتي يعني بها مجموعة المؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة، كقطاع الأعمال العام وهيئة قناة السويس وغيرها من القطاعات الاقتصادية المحسوبة على اقتصاد الدولة، وإن لم تكن محسوبة على الحكومة نفسها. وقد بلغت المديونية الأجنبية لهذا القطاع نحو 4.4 مليار دولار. منها 2.9 مليارا في صورة قروض خارجية اتسمت كلها بأنها طويلة ومتوسطة الأجل (5 سنوات فأكثر)، بينما غلب على المديونيات قصيرة الأجل أن تمثلت في تسهيلات تجارية حصلت عليها بعض المؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة.

وفي إطلالة عامة على هذا البند من بنود المديونية الخارجية، فإن هذه المديونية شبه مستقرة، ولها خمس سنوات تدور حول نفس الرقم23. غير أن ما لفت ناظري خلال العام الماضي، أن أحد أهم مصادر هذه المديونية، نحو 18% منها، كان مديونية رتبتها مجموعة بنوك مصرية لتضمن قرضا طلبته الهيئة العامة لقناة السويس، والذي بلغت قيمته 400 مليون دولار، وسبقه العام الماضي قرض بنفس القيمة، ليبلغ مجموعهما 800 مليون دولار24.

خاتمة

تم التعامل مع تقسيم البنك المركزي المصري في تقريره ربع السنوي لأنواع الديون بحسب الجهات المدينة، وهو معيار لا أظنه سيؤثر كثيرا على خريطة المديونية المصرية وتداعياتها، ولن يتوقف الدائنون عن المطالبة بمستحقاتهم سواء أكان المدين جهة حكومية، أو بنكا مركزيا، أو بنوكا تجارية مملوكة للحكومة، أو هيئات اقتصادية تابعة للدولة. ففي النهاية، تستوي الديون الأجنبية جميعها بالنظر لمعيار واحد، ألا وهو أنها كلها التزامات واجبة الأداء. وأن أداءها سيكون حتما على حساب ما يتوفر لمصر من رصيد بالعملة الأجنبية.

ومن ناحية ثانية، فإن محدودية موارد مصر من العملة الأجنبية من شأنها أن تنتج أثراً سلبيا في مسارين، أولهما الضغط على الموازنة العامة، والضغط على موارد مصر من العملة الأجنبية لأجل سداد هذه الديون وتبعاتها من أقساط وفوائد. والثاني الضغط أن استمرار محدودية العملة الأجنبية قد يؤدي لتزايد الطلب عليها على نحو يشكل ضغطا على العملة الوطنية (الجنيه)، وإذا كانت موارد البنوك لا تسمح بتوفير الدولار، فستلجأ الجهات المقترضة للسوق السوداء لتغطية احتياجاتها، الأمر الذي قد يؤدي لانخفاض سعره مجددا، وهو ما يعني زيادة عبء الدين الأجنبي، لأن سعر العملة الأجنبية في هذه الحالة سيزداد.

ومن ناحية ثالثة، من الاعتبارات التي لابد من الوقوف عندها نصيب الأجيال القادمة من هذه التركة. فالحكومة تستخف بالفائدة المخفضة25، وتسهيلات السداد الممنوحة الآن، وتتوجه بالتدفقات النقدية المرتبطة بهذه القروض لتمويل ضغوط استهلاكية، من باب تغطية فاتورة الواردات، ومعالجة عجز الميزان التجاري. وهو ما يثير علامات استفهام بشأن القدرة على توفير آليات ذاتية لتوليد الدولار بعيدا عن الحلقة المفرغة للاقتراض (26).

———————————–

الهامش

(1) الخبر في صحيفة الشروق، وفي المصري اليوم، وفي القبس الكويتية، وفي موقع روسيا اليوم.

(2) محمد مكي، «البنك المركزي»: لا تفاوض مع صندوق النقد للحصول على قرض، صحيفة الشروق، 27 يونيو 2016.

(3) سمير فهمي، مصادر: «المركزي» يعلن الاحتياطي مبكرًا.. و«التعاون» تؤكد دخول الـ500 مليون دولار، بوابة مصر العربية، 3 يونيو 2016.

(4) أحمد إلهامي، البنك المركزي: بوسع مصر اقتراض 10 مليارات دولار من صندوق النقد، موقع وكالة رويترز، 27 يونيو 2016.

(5) وكالات، المركزي: الدين “المحلي” يقفز لـ 2.49 تريليون جنيه و”الخارجي” 53.4 مليار دولار، موقع محيط الإخباري، 9 يونيو 2016.

(6) موقع برلماني، 5 اشتراطات لحصول مصر على قرض المليار دولار من البنك الدولي، موقع برلماني، 31 يناير 2016.

(7) سامي سعيد، إجمالي دين مصر بلغ 2.8 تريليون جنيه “يرثه الأجيال القادمة”، موقع البديل، 21 مايو 2016.

(8) محسن البديوي، وزيرة التعاون: القروض الخارجية استثمار للأجيال القادمة وليست عبئا، صحيفة اليوم السابع، 19 أبريل 2016.

(9) خليفة أدهم، 76 مليار دولار فاتورة الواردات. وعجز الميزان التجاري 39 مليارا، صحيفة الأهرام المصرية، 27 ديسمبر 2015.

(10) إبراهيم نوار، الموازنة الجديدة: وتحديات تنفيذ إستراتيجية مصر 2030، المركز العربي للبحوث والدراسات، 21 يونيو 2016.

(11) هدير الحضري، دراسة: الإنفاق على الصحة في الموازنة الجديدة نصف ما نص عليه الدستور، موقع أصوات مصرية، 22 يونيو 2016.

(12) انظر تقرير البنك المركزي للدين الخارجي عبر القطاع المدين.

(13) د.، سلوى العنتري، مصيدة الديون الخارجية، صحيفة الأهرام المصرية، 19 يونيو 2016.

(14) انظر المرجع السابق: تقرير البنك المركزي للدين الخارجي عبر القطاع المدين.

(15) وكالات، قرض بـ 500 مليون دولار من البنك الأفريقي لمصر، بوابة مصر العربية، 15 ديسمبر 2015.

(16) انظر المرجع السابق: تقرير البنك المركزي للدين الخارجي عبر القطاع المدين.

(17) أحمد بشارة، مصر تحصل على قروض صينية بقيمة 1.6مليار دولار، مصر العربية، 17 يناير 2016.

(18) د. سلوى العنتري، مصدر سابق.

(19) أحمد بشارة، بنوك مصر تتوسع في اقتراض الدولار، مصر العربية، 7 ديسمبر 2015.

(20) إسماعيل حماد، 800 مليون دولار لـ«الأهلى» و«مصر» من «التنمية» الصيني، الوطن المصرية، 25 يناير 2016.

(21) انظر المرجع السابق: تقرير البنك المركزي للدين الخارجي عبر القطاع المدين.

(22) محمد جاد، أزمة الدولار.. لا نمو ولا إفلاس، أصوات مصرية، 2 مارس 2016.

(23) انظر المرجع السابق: تقرير البنك المركزي للدين الخارجي عبر القطاع المدين.

(24) وكالات، «قرض جديد» لهيئة قناة السويس بقيمة “400 مليون” دولار، موقع البديل، 3 يناير 2016.

(25) محمد صفاء الدين، «القروض» استثمار للمستقبل أم إرث تتحمله الأجيال القادمة؟، موقع البديل، 13 يونيو 2016.

(26) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close