fbpx
تقديرات

مصر: سيناريوهات ومآلات خفض قيمة الجنيه

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد (1 ):

في بداية يوليو 2016، وصف محافظ البنك المركزي المصري “طارق عامر” سياسة الدفاع عن الجنيه خلال السنوات الخمس الماضية “بالخطأ الفادح”. وقال: “إن المركزي حصل على 23 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، ضاع أغلبها على استهداف سعر الصرف، في حين كان يجب استخدامها في إصلاح السياسة النقدية ومنظومة النقد الأجنبي”. وأضاف: “لن أكون سعيدا إن كان سعر صرف العملة المصرية متوازناً بينما المصانع لا تعمل”. هذه التصريحات اعتبرها مراقبون تلميحاً قوياً بأنه سيتحرك لخفض سعر صرف العملة2 .

وكان البنك المركزي المصري قد أعلن في 14 مارس 2016، خفض سعر الجنيه بنحو 13% مقابل الدولار، ليصل السعر الرسمي للدولار إلى 8.85 جنيهاً3 . وكان عامر، آنذاك قد تولى منصب المحافظ قبل موعده ببضعة أيام، وأقدم على رفع سعر الجنيه مقابل الدولار بواقع 20 قرشا للبنوك ليصل السعر إلى 7.73 جنيهاً مقارنة بسعر 7.93 جنيهاً إبان أواخر ولاية المحافظ السابق هشام رامز4 .

وبرر عامر وقتها قرار خفض قيمة الجنيه بالقول إن القرارات الجديدة تستهدف “علاج التشوهات في منظومة أسعار الصرف، واستعادة تداول النقد الأجنبي داخل الجهاز المصرفي بصورة منتظمة ومستدامة، تعكس آليات العرض والطلب”5 .

التحول في السياسة النقدية:

نحن بصدد تحول جذري في السياسة النقدية، يقوم على التحول من سياسة تعتمد على دعم الجنيه وقيمته إلى سياسة أخرى لا تبالي بقيمة الجنيه بقدر ما تبالي بقيمة الاستثمارات المتدفقة. فوجهة النظر الأولى تقوم على تقدير مخاطر كل من “الدولرة” و”التضخم”6 . وكلاهما يؤدي لفقدان الثقة في العملة المحلية، ويزيد من ضغوط المعيشة على الشرائح الاجتماعية البسيطة التي تشكل الكتلة الأساسية من المواطنين. بينما الرؤية الأخرى ترى أن تدفق الاستثمارات الأجنبية تؤدي إلى معالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد المصري، وتصب في معالجة أزمة العملة الأجنبية في الأمد المتوسط.

وكان مراقبون قد أشاروا إلى أن الخفض الرسمي للجنيه دال في أن البنك المركزي لم يعد قادرا على الدفاع عن قيمة العملة المحلية بسبب النقص الشديد في النقد الأجنبي، وأدى العجز الرسمي عن تلبية الطلب على الدولار إلى اتساع السوق الموازية7 . وهو ما يفسر الانزلاق للرؤية الجديدة التي تعني التخلي عن دعم الجنيه.

السياسة السابقة:

التصريح الأخير، المذكور عالية، لعامر يعكس تحولا جذريا في رؤيته المتعلقة بالسياسة النقدية المصرية التي وضعها مع توليه مهام منصبه، وهي التي وصلت بالسوق المصري لحالة تناقض واضحة، حيث السوق الموازية (غير الرسمية) ما زالت مزدهرة، وما زال الجنيه يخضع لخفض طبيعي وفق آليات العرض والطلب الحقيقية، حيث تبلغ قيمة الانخفاض في قيمته بالسوق الموازي نحو 20% في مقابل العملة الأمريكية. ويؤدي الاتساع المستمر في الفجوة بين السعرين الرسمي وغير الرسمي لتقويض جهود جذب الاستثمارات الأجنبية التي تبدو الحل الأمثل اليوم لمشكلات الاقتصاد المصري8 .

وفي تصريحات له (21 فبراير 2016)، أعلن طارق عامر أن البنك المركزي المصري لا يعتزم تعويم الجنيه خلال الفترة الحالية، لكنه ألمح إلى أن التعويم قد يتخذ بالفعل حال تمكن البنك من زيادة احتياطي النقد الأجنبي إلى مستوى يتراوح بين 25 إلى 30 مليار دولار، وهو ما أرفقه بتصريح بان التعويم في هذه الحالة يستهدف رفع قيمة الجنيه، وبحسبه، فإن سعر الدولار مع توفر هذا القدر من الاحتياطي سيبلغ 4 جنيهات، وهي التصريحات التي أثارت جدلا وقتها بالشارع السياسي المصري. ووجه عامر في هذا اللقاء الاتهام للقطاع الخاص بأنه يبحث عن مصلحته منفردا عندما يطالب بعمليات التعويم. وطالب عامر المستثمرون والشركات الأجنبية بـ “الصبر على مصر”.

ولفت عامر إلى أن إمكانيات مصر الاقتصادية، ورخص تكلفة خدمات الاستثمار فيها أدت لإثراء المستثمرين، وأكد أن أسعار الكهرباء وتكاليف العمالة والضرائب في مصر أقل من نظيرتها في الدول الأجنبية، مما يؤدى إلى جنى القطاع الخاص أرباحا مضاعفة، داعيا المستثمرين للصبر في الفترة الراهنة. كما أضاف أن الشركات الأجنبية العاملة في مصر، حصلت على “الكثير من المكاسب” خلال الفترة الماضية، وأن “بعضهم أتى إلى مصر بدون أموال واستطاع تكوين أرباح هائلة عقب الحصول على جميع التسهيلات من قروض وغيرها”. منوها إلى أن “مصر من منحهم هذه الفرصة وليس الخارج، لذلك عليهم أن يصبروا”.

وأوضح عامر أن دواعي الصبر مفادها أن مصر ستكون قادرة خلال عام على “حل مشاكل توفير الدولار، والإفراج عن البضائع في الموانئ، وتسهيل عمليات الاستيراد، سيكون خلال العام المقبل”. وأعلن كذلك أنه تعهد، مع توليه مهام منصب المحافظ، بالحفاظ على القوة الشرائية للجنيه، لأن الحفاظ على قيمة العملة المحلية بديلا للدولرة، وأنه لو ترك الجنيه من دون دعم فإن الناس سيتخلون عنه، ويذهبون لأصول أخرى9 .

ويعد التضخم أحد أبرز المشكلات الأساسية التي تواجه الدولة ما لم تتجه لدعم قيمة العملة المحلية 10. فتردي العملة المحلية في مقابل الدولار ينعكس بصورة مباشرة على أسعار السلع المستوردة بالعملة الأمريكية، أو السلع المحلية التي تملك مكونات خارجية مستوردة بنفس العملة، وهو ما يعني معدل تضخم حرج يصب في غير صالح إدارة سياسية ترى أن عدم إرهاق الكتلة الحرجة غاية سامية ضحت في سبيلها بموارد غير قليلة، أبرزها حرمان المصانع من الطاقة، وتوجيهها للمنازل، وغيرها من الإجراءات المتعددة، لعل أبرزها ما صرح به طارق عامر نفسه من أن المركزي المصري تلقى 23 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، ضاع أغلبها على استهداف دعم سعر الصرف، في حين كان يجب استخدامها في إصلاح السياسة النقدية ومنظومة النقد الأجنبي بحسب تصريحه11 . ولعل مقصد طارق عامر بإصلاح منظومة النقد الأجنبي العمل على دعم منظومة الإنتاج المفضية لدعم موارد البلاد من العملة الأجنبية، وهو نفس المنطق وراء بناء الرؤية الجديدة.

السياسة المزمعة:

أما عن الرؤية الجديدة، فإن منطق البنك المركزي، كما منطق الخبراء الليبراليين المطالبين بخفض قيمة العملة، فيرون أن هناك 3 عوائد تعود على مصر بتخفيض قيمة العملة:

1ـ أن خفض قيمة العملة يؤدي تباعا لرفع درجة تنافسية منتجات الدولة، وصادراتها من هذه المنتجات، وهو ما يؤدي لزيادة صادرات مصر نتيجة انخفاض أسعار منتجاتها مقارنة بمنتجات غيرها من الدول. وفي نفس السياق، فإن تخفيض قيمة العملة يؤدي لارتفاع أسعار السلع المستوردة، ما يؤدي لتزايد تحول الطلب على السلع المنتجة محليا بدلا من تلك المستوردة، كما أنه من شأنه أن يشجع الصناعات البديلة للواردات، ويصب في دعم قوة الاقتصاد المحلي.

2ـ أن خفض سعر صرف الجنيه يستهدف تحقيق طفرة كبيرة في تدفق الاستثمارات الأجنبية لمصر. ويركز الخبراء في هذا السياق على تدفق الاستثمارات الدولارية لشراء الأصول، سواء أكانت أصول ثابته عقارية، أو غير عقارية كالأسهم والسندات. فمع افتراض ثبات أسعار هذه الأصول بالعملة المحلية، فإن انخفاض قيمة العملة المحلية سيؤدي إلى خفض قيمة وأسعار هذه الأصول، ما يغري رؤوس الأموال الأجنبية بالتعامل معها وشرائها.

3ـ أن البنك المركزي يسعى لأن يعكس سعر العملة المحلية درجة قوة الاقتصاد المصري، حيث ينتج عن نمو الصناعة المحلية، سواء أكان نموا لأجل التصدير أو نموا لأجل الإحلال محل الواردات، فإن المحصلة ستتمثل في انخفاض عجز الميزان التجاري، سواء من باب ترشيد إنفاق العملة الأجنبية، أو الزيادة في التدفقات من العملات الأجنبية الحقيقية. ويؤدي هذا الوضع لدعم العملة المحلية وقيمتها بشكل تلقائي، من دون الحاجة لتدخل اصطناعي يؤدي لتوفير مزيد ضغط على العملة المحلية عبر تحجيم صحي لتنامي الطلب على العملة الأجنبية.

سيناريوهات الخفض:

نظرا لتثبيت البنك المركزي سعر الجنيه أمام الدولار في العطاء الدوري الأخير12 ، ولأن رؤية طارق عامر ما زالت محض تصريحات من دون صدور قرار فعلي، فقد أجرت الجمعية المصرية لخبراء الاستثمار استبيانا لحملة شهادة CFA (المحللون الماليون المعتمدون من جمعية المراجعين الأمريكيين) والعاملين بالقطاعات المصرفية والخدمات المالية غير المصرفية، حيث استطلعت آراءهم عن السياسات النقدية التي يتوقعون لجوء البنك المركزي المصري على المدى القصير، توقَّع 59% من المحللين الماليين اتجاه البنك المركزي لتخفيض سعر الجنيه مرة أخرى، بينما توقع 24% من المشاركين قيام “المركزي” بالتعويم التام للعملة المحلية، مع زيادة سعر الفائدة، وذلك لتقليل الأثر التضخمي لأية تدفقات مالية تدخل السوق، كما توقع 17% منهم تخفيض سعر الجنيه مع زيادة الفائدة.

أما عن المستجيبين للاستبيان من العاملين بالقطاعات المصرفية والخدمات المالية غير المصرفية بالاستطلاع المشار إليه، حيث توقع 40% منهم قيام البنك المركزي بتخفيض سعر الجنيه مع زيادة الفائدة، بينما توقع 38% القيام بتخفيض سعر الجنيه مرة أخرى فقط، وتوقع 9% لجوء البنك المركزي للتعويم التام مع زيادة سعر الفائدة، و7% توقع التعويم التام، وتوقع 6% عدم حدوث أية تغيرات على المدى القصير13 .

والاستبيان السابق يعني أن الخبراء في المجال المالي يتوقعون عدم لجوء البنك المركزي للتعويم الكامل للجنيه، وأن ما سيحدث هو محض خفض لقيمة الجنيه، وإن اختلف الخبراء حول الإجراء المرافق لخفض الجنيه، ففي حين رأى العاملون بالقطاع المالي أن قرار خفض قيمة الجنيه سيتبعه قرار برفع سعر الفائدة تجنبا للآثار التضخمية، فإن المحللين الماليين رأوا أن الخفض سيكون قرارا وحيدا من دون أية إجراءات نقدية إضافية، ويبدو أن المحللين الماليين رجحوا اكتفاء المركزي المصري بالرفع السابق لسعر الفائدة، بينما توقع العاملون بالمصارف والمؤسسات المالية أن يرتبط القرار بتدفقات مالية قد تؤدي لضغوط استهلاكية، مما رجحوا معه أن يرفع المركزي سعر الفائدة توقيا لأية احتمالات تضخمية.

وكان تقرير لبنك “جي بي مورجان”، صدر بعد يومين من الخفض في سعر الجنيه في 14 مارس 2016، توقع إقدام البنك المركزي على خفض قيمة الجنيه المصري مرة أخرى، ولكن بنسبة أكبر من المرة الأولي، وأضاف أن الخفض المتوقع للجنيه سيكون بنسبة 35% وذلك خلال العام الحالي 2016. وتوقعات جب بي مورجان تعني أن ينخفض الجنيه إلى مستوى 12 جنيها14 .

ومن جهة أخرى، وبعد أسبوع من تصريح طارق عامر حول “خطأ دعم الجنيه”، توقع بنك الاستثمار الإماراتي أرقام كابيتال أن يقوم البنك المركزي بتخفيض جديد في قيمة الجنيه مقابل الدولار خلال الفترة المقبلة، ليتراوح السعر الرسمي للعملة الأمريكية بين 10 إلى 10.5 جنيه، وهو ما يعني نسبة خفض تبلغ نحو 11%. وربط البنك توقعه هذا بانعكاس الزيادة على تكاليف الواردات للسلع الغذائية الأساسية، وحجم النقد الأجنبي المتوافر لدى البنك المركزي لتأمين ما اعتبره عملية “إدارة ناعمة لتعويم الجنيه”. واتفق مع هذه النسبة من الخفض بنك الاستثمار سي آي كابيتال، حيث توقع هاني فرحات محلل الاقتصاد الكلي بالبنك تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار إلى مستوى 10 جنيهات، ليرتفع الدولار بذلك بنسبة 12%15 .

وعلى صعيد آخر، أعد هاني جنينة، رئيس قطاع الأسهم بشركة بلتون المالية القابضة، ورقة بحثية حول احتمالات التغير في سعر العملة في مصر بعد تصريحات محافظ البنك المركزي، توقع فيها أن يبلغ سعر صرف الدولار مستوى 9.25 و9.5 جنيها كأعلى سقف للتوقعات خلال العام الجاري16 . ويلاحظ أن هذا المستوى السعري محدود التأثير في تحقيق الأهداف المرجوة من خفض قيمة العملة، لكنه في النهاية توقع مرهون بانتهاء العام الجاري، ولا يرتبط بانتهاء العام المالي.

أما فيما يتعلق بأمد تحريك سعر الجنيه، فإن الخبراء اختلفوا في تحديد التوقيت. فبينما يرى هاني فرحات، محلل الاقتصاد الكلي ببنك الاستثمار سي آي كابيتال، أن تحريك سعر الدولار سيجري خلال الأسابيع المقبلة، فإن هاني جنينة، استبعد في ورقته البحثية إقدام البنك المركزي المصري على خفض سعر الجنيه قبل نهاية النصف الأول من العام الجاري، معللا توقعه بالآثار التضخمية الناجمة عن عملية خفض قيمة الجنيه في 14 مارس من العام الجاري، لافتا إلى أن السوق لم يمتص أثر الخفض السابق بعد. ولفت إلى أن تحريك سعر الدولار المزمع لن يكون قبل حلول الربع الثالث من العام الجاري.

هل يحقق الخفض هدفه؟

من الناحية المبدئية، فإن الحديث عن أثر خفض العملة المحلية في اتجاه دعم الصادرات وتحفيز الاستثمار وضبط سوق العملة يمثل خطا كلاسيكيا مدرسيا، غير أن الناحية العملية تؤكد صعوبة تحقيق هذا الخفض لهدفه. فإذا ما اقترن هذا التوجه بالأثر التضخمي الضخم المتوقع، لحد دفع البعض لتوصيفه بالكارثي17 ، خاصة وأن برامج الحماية الاجتماعية في مصر ليست بالمرونة التي تسمح باحتواء الأثر التضخمي المتوقع لأية عملية خفض جديدة للجنيه على الشرائح الاجتماعية المتوسطة والبسيطة، فإن هذا التوجه لخفض الجنيه يصبح خطوة أخرى غير مدروسة تضاف لجملة التضارب الذي تشهده عملية صناعة القرار المصري.

1ـ الأثر على الصادرات:

يرى الخبير الاقتصادي عمرو عادلي أن النظرية الاقتصادية الكلاسيكية تفيد أن تخفيض سعر الصرف من شأنه أن يحفز الصادرات ويحسن من وضع الميزان التجاري بالحد من الواردات، لكنه يشكك في أن تنطبق تلك النظرية على الاقتصاد المصري، حيث يرى أنه من غير الواضح ما إذا كانت الصادرات المصرية تتمتع بالمرونة اللازمة للتوسع والاستفادة من الميزة التنافسية التي يمنحها تخفيض سعر الصرف، خاصة أن نحو نصف الصادرات المصرية من المواد الخام البترولية، وهذه تشهد انخفاضا مع انخفاض أسعار البترول العالمية.

ويقارن عادلي بين أثر قرار خفض الجنيه في 2003 على الصادرات المصرية وبين الوضع الحالي، لافتا إلى أنه في أعقاب تعويم الجنيه في ٢٠٠٣، شهدت قيمة الصادرات المصرية ارتفاعا كبيرا في الفترة بين ٢٠٠٤ و٢٠١٠، لكنه شكك في أن يكون خفض الجنيه وراء هذه الزيادة مقارنة بعوامل أخرى أسهمت في ذلك التحسن، من بينها سياسات دعم الصادرات والوضع الاقتصادي العالمي الأفضل قبل أزمة 2008 المالية العالمية. ويضيف عادلي أثر ارتفاع أسعار الواردات في التقليل من فرص التعافي الاقتصادي لأنها سترفع من تكلفة مدخلات الإنتاج. كما لفت إلى أن اتجاه الاقتصاد المصري نحو التعافي قد يزيد من الطلب على الدولار، ما يزيد حدة مشكلة السوق الموازية في حال لم تشهد الاحتياطيات من النقد الأجنبي زيادة تدعم سعر الصرف الجديد18 .

غير أن ثبات معدل الصادرات وضعف القدرة على فتح أسواق جديدة قد يعني تراجع قيمة الصادرات كما حدث في خواتيم 2015، حين انخفض سعر الجنيه فانخفضت معه قيمة الصادرات19 .

2ـ زيادة الاستثمارات:

لا شك في أن خفض قيمة العملة سيؤدي لدعم الاستثمار الأجنبي، حيث يزيد من جاذبية الأسهم المصرية ذات الأداء الجيد والسعر المنخفض، بالإضافة لانخفاض قيمة الأصول العقارية. غير أن الطلب الأجنبي على الأسهم في السوق المصرية سيعقبه اتجاه دوري لجني الأرباح وتحويلها، وهو ما سيمثل اتجاها ضاغطا على العملة الدولارية في المقابل، ويكون هذا الاتجاه أكثر من قيمة الضخ الوافدة للسوق، حيث إن تحويل رؤوس الأموال سيضاف إليه أرباحها. ويبقى أن الاعتماد على الأسهم في جذب رؤوس الأموال يبقى مشروطا باستمرار جاذبية السوق المصري بما يضمن استمرار الأموال في السوق وعدم خروجها بعد تحقيق مكاسب، وهو ما يعتمد على عوامل عدة تقع في دوائر الأمن والاستقرار السياسي20 .

ومن جهة أخرى، فإن الاستثمار العقاري أيضا يعتمد على اتجاه رأس المال للتملك وليس المضاربة، حيث إن المضاربة تفترض خروج رؤوس الأموال في الأمد القصير. غير أن كلا الاتجاهين: التملك والمضاربة يؤديان لمواجهة الركود في القطاع العقاري، حيث تنتظر أكثر من 2 مليون عين سكنية نوعية الخروج من دائرة الركود. وبرغم أن المضاربة قد تؤدي إلى زيادة أسعار العقارات، إلا أن هذه الزيادة تجعل العقارات مخزنا آمنا للقيمة، وتمتص سيولة السوق21 .

أما عن الاستثمارات في القطاع الصناعي، فإن تناميه لا يرتبط بخفض قيمة العملة المحلية بقدر ما يتمثل في استقراراها لئلا يؤدي مزيد من خفض قيمة العملة في تآكل أرباح المنتجين. هذا فضلا عن ضرورة توفير الدولار لتحويل مستلزمات الإنتاج والأرباح 22. هذا فضلا عن بقية عناصر مناخ الاستثمار التي تحتاج لما هو أكثر من توفر الدولار وثبات سعره من قبيل التشريعات الجاذبة، والتكامل في الأداء الحكومي، حيث بلغ التضارب في السياسات الاقتصادية حدا يقلق المستثمرين23 .

3ـ تصحيح سوق الصرف الأجنبي:

لا شك في أن توفير سعر صرف عادل للجنيه سيؤدي لتقويض الأثر السلبي للسوق الموازية في ضغطها على العملة المحلية، بسبب زيادة الطلب على الجنيه. إلا أن هدف ضبط سوق الصرافة يشترط ضرورة توفر احتياطي دولاري يساعد البنك المركزي في دعم السعر الجديد 24.

—————————-

الهامش

( 1 ) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

( 2 ) عامر: الدفاع عن الجنيه في السنوات الماضية “خطأ فادح”، موقع شبكة العربية، 4 يوليو 2016.

( 3 ) الجنيه المصري. من التعويم إلى التخفيض، موقع سكاي نيوز، 16 مارس 2016.

( 4 ) المركزي المصري يرفع سعر الجنيه مقابل الدولار للبنوك 20 قرشا، سي إن بي سي العربية، 11 نوفمبر 2015.

( 5 ) سكاي نيوز عربية، الجنيه المصري. من التعويم إلى التخفيض، إشارة سابقة.

( 6 ) العربية. نت، عامر: الدفاع عن الجنيه في السنوات الماضية “خطأ فادح”، إشارة سابقة.

( 7 ) ماذا يعني خفض قيمة الجنيه المصري رسميا؟، شبكة الجزيرة نت، 15 مارس 2016.

(8 ) Sherine Abdel-Razek, towards devaluation? Ahram Weekly, 12 July 2016.

( 9 ) طارق عامر: لا نعتزم تعويم الجنيه لحين زيادة الاحتياطي الأجنبي، صحيفة الشروق المصرية، 23 فبراير 2016.

(10 ) طارق عامر: لولا دعم الجنيه لانفجرت الأسعار، بوابة الوفد، 21 فبراير 2016.

( 11 ) العربية. نت، عامر: الدفاع عن الجنيه في السنوات الماضية “خطأ فادح”، إشارة سابقة.

( 12 ) شروق حسين، المركزي يثبت سعر الدولار‏. ‏ والسوق الموازية تأبي التراجع، الأهرام المسائي، 13 يوليو 2016.

( 13 ) صلاح الدين عبد الله، “المصرية للاستثمار”: 58.8% يتوقعون خفض قيمة الجنيه، بوابة الوفد الإلكترونية، 11 يوليو 2016. وانظر أيضا: استطلاع لـ ” CFA” يتوقع إقدام البنك المركزي على خفض الجنيه في المدى القصير، جريدة البورصة الإلكترونية، 12 يوليو 2016 .

( 14 ) الحسيني حسن، جي بي مورجان تتوقع خفض الجنيه 35% خلال 2016، جريدة البورصة الإلكترونية، 16 مارس 2016 .

( 15 ) محللون: 10 جنيهات السعر العادل للدولار بالسوق الرسمي، موقع أراب فاينانس، 11 يوليو 2016.

( 16 ) أحمد إسماعيل، ارتباك المتعاملين في السوق السوداء يهبط بالدولار إلى 11.40 جنيه، بوابة الشروق، 14 يوليو 2016.

( 17 ) سعيد العربي، تلميحات «المركزي» بخفض الجنيه. الأسعار تشتعل مجددًا، موقع البديل5 يوليو 2016.

(18 ) عمرو عدلي، محاولة لفهم تخفيض سعر الجنيه وآثاره المتوقعة، بوابة الشروق المصرية، 6 أبريل 2015.

( 19 ) ليان عودة، خبراء: تخفيض قيمة الجنيه إيجابي للاقتصاد المصري، شبكة العربية، 13 سبتمبر 2015.

( 20 ) عبد الحافظ الصاوي: أزمة مصر الاقتصادية أعمق من تخفيض الجنيه، الجزيرة مباشر، 18 مارس 2016.

( 21 ) محمد علي، خبراء يحذّرون من المضاربة العقارية في ظل انخفاض قيمة الجنيه، مصر العربية، 8 أبريل 2016.

( 22 ) سحر الزرقاني، كيف يحصل المستثمرون على الدولار في مصر؟، جريدة البورصة المصرية، 7 سبتمبر 2015.

( 23 ) محمد مجدي السيسي، خبراء ينتقدون غياب الرؤية الاقتصادية في مصر، اليوم السابع، 27 مايو 2016.

(24 ) خدمة مشتركة، محللون: 10 جنيهات السعر العادل للدولار بالسوق الرسمي، موقع أراب فاينانس، إشارة سابقة.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
Close
زر الذهاب إلى الأعلى
Close