fbpx
اقتصادعسكريقلم وميدان

مصر: مؤسسات العسكر الاقتصادية والطريق نحو الهيمنة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

بعد قيام عبد الفتاح السيسي بانقلابه العسكري في 03 يوليو 2013م، تبنت قيادات المؤسسة العسكرية الحاكمة نهجاً جديداً لإدارة الملف الاقتصادي داخل الدولة المصرية، يتحول بموجبه الجيش من كونه لاعباً كبيراً في الاقتصاد المصري إلى وضعية الفاعل المهيمن المسيطر على الاقتصاد المصري ككل.

ومنذ اللحظة الأولى، بعد الانقلاب العسكري، وطبقاٌ لخطة الاستحواذ على منظومة الاقتصاد حددت القيادات العسكرية الحاكمة آليات لتنفيذ ذلك المخطط وهو التركيز أولاً على الكيف وليس الكم، مع اعتبار أن الكم سيأتي في مرحلة الاستحواذ التام، ولكن الكيف والذي يعني المفاصل المؤثرة للاقتصاد المصري هو أولويات المؤسسة العسكرية حالياً في السيطرة عليها، وبناء عليه وضع الجيش يده على أهم الملفات الاقتصادية داخل الدولة المصرية وعلى سبيل المثال: قطاع المقاولات والبنية التحتية، قطاع الاتصالات، قطاع الصحة وسوق الأدوية، المشروعات القومية، القطاع العقاري وما يرتبط به من صناعات، مجالات الصناعة الكيماوية والتعدين، مجال الإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية، مجال الاستزراع السمكي، إنتاج وتجارة اللحوم الحمراء والبيضاء، لبن الأطفال، استيراد القمح، والسكر، تنفيذ مشروع بطاقات التموين.

مؤسسات الجيش الاقتصادية[1]:

الجيش المصري تتبعه عدة مؤسسات اقتصادية، أنشئت بالأساس لتلبية احتياجات الجيش العسكرية من تسليح ومعدات وما شابه ذلك، ولكن معظم تلك المؤسسات بعد 03 يوليو 2013م، تحول مسارها بشكل كبير، بعد أن كانت تقوم بالتصنيع العسكري، وتقدم الدعم العسكري للجيش المصري تحولت الي إنتاج منتجات مدنية بشكل كبير، ومن أهم هذه المؤسسات:

1-جهاز مشروعات الخدمة الوطنية:

أنشئ بقرار من الرئيس السادات رقم 32 لسنة 1979 عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، وكان يستهدف الاكتفاء الذاتي النسبي من الاحتياجات الرئيسية للقوات المسلحة لتخفيف أعباء تدبيرها عن كاهل الدولة مع طرح فائض الطاقات الإنتاجية في السوق المحلي والمعاونة في مشروعات التنمية الاقتصادية في الدولة من خلال قاعدة صناعية إنتاجية متطورة، إلا أن ما يقوم به الجهاز حالياً تعدى ذلك بمراحل، وأصبح يصنع منتجات لمنافسة الشركات المدنية في بعض الصناعات المدنية.

والجهاز تتبعه الآن له شركتان تغطيان مجموعة واسعة من القطاعات من البناء والنظافة إلى الزراعة والمنتجات الغذائية، وتضم شركات معروفة منها: كوين سرفيس للخدمات الأمنية، الشركة الوطنية لاستصلاح الأراضي، وشركة مصر للتصنيع الزراعي التي تمتلك 7 مصانع لإنتاج “صلصة طماطم، منتجات ألبان، أعلاف الماشية والأسماك، البصل المجفف”، وشركة كوين لإنتاج المكرونة، إضافة إلى قطاع الأمن الغذائي الذي يمتلك عدداً كبيراً من المزارع والمجازر للحيوانات والدواجن، إضافة إلى وحدات إنتاج الألبان ومجمعات إنتاج البيض وغيرها.

2ـ الهيئة العربية للتصنيع:

أنشئت عام 1975 بتعاون بين مصر وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بهدف بناء والإشراف على تطوير قاعدة تصنيع دفاع عسكري مشتركة. وفي عام 1993، قامت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بإعطاء مصر أسهمها في الهيئة والتي بلغت قيمتها آنذاك 1.8 مليار دولار، فأصبحت الهيئة مملوكة بالكامل للحكومة المصرية. ويتبع الهيئة العربية للتصنيع 11 مصنعاً وشركة تعمل في مجالات الصناعات العسكرية والمدنية، منها مصانع صخر وقادر وحلوان للصناعات المتطورة ومصنع سيماف الذي ينتج عربات السكك الحديدية والقضبان.

يرأس الهيئة العربية للتصنيع حالياً الفريق عبد المنعم التراس “عضو مجلس عسكري على قائمة الاستدعاء” الهيئة العربية للتصنيع الآن انتاجها العسكري متواجد ولكن بشكل ضعيف جداً، وتصنع معدات عسكرية ليست متوسطة كما يري الخبراء بل ضعيفة ومحدودة الإمكانيات، ولم تُلب احتياجات الجيش من التصنيع العسكري، رغم أن هذا كان هو الدور المنوط بها والذي كان يعمل عليه وزير الدفاع الأسبق المشير أبو غزالة.

وأصبح الجيش المصري يعتمد على التسليح الخارجي بشكل أساسي، ويبعد تماماً عن التسليح العسكري الوطني، وبناء على ما كشفه معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري SIPRI)، فإن مصر أصبحت ضمن قائمة الدول الأكثر استيراداً للأسلحة في العالم بين أعوام 2008-2012 و2013-2017. [2]

وتقوم الهيئة العربية للتصنيع بتصدير المعدات التي تقوم بتصنعها إلى جيوش متهالكة وضعيفة من الناحية العسكرية وتحديداً الدول الأفريقية، وأصبحت المصانع الحربية التابعة للهيئة تركز على تصنيع مواد أساس منزلية بالدرجة الأولي.

3-الهيئة الهندسية للقوات المسلحة:

تحولت الهيئة الهندسية بعد وصول عبد الفتاح السيسي الي الحكم في مصر في متصف عام 2014م، من كونها إدارة متخصصة بالأعمال الهندسية العسكرية داخل الجيش المصري إلى شركة مقاولات كبرى مهيمنة على السوق، وهذا ما كشف عنه الفنان ورجل الأعمال المصري محمد علي، والذي عمل مع الهيئة في عدد من المشروعات ذات الصلة.[3]

فالهيئة الهندسية الآن تُسيطر عن طريق إدارتها التابعة (الأشغال العسكرية، المساحة العسكرية، المياه، المشروعات الكبرى، المهندسين العسكريين) بتنفيذ وإنشاء شبكات الطرق الحرة والكباري والمطارات والفنادق والمدن العمرانية الجديدة في مختلف محافظات مصر، وإقامة العديد من محطات تحلية المياه وحفر الأبار، ومد خطوط المياه إلى المدن والتجمعات العمرانية الجديدة، وتنفيذ الأعمال المساحية وإصدار الخرائط والموسوعات لمعاونة الأجهزة المدنية في تنفيذ المشروعات العملاقة.

فضلا عن المشاركة في مشروعات التنمية الحضارية والاجتماعية الصحية بإنشاء وتطوير المدارس والمستشفيات والوحدات الصحية ومراكز التنمية الحضارية في جميع ربوع مصر، وإقامة المشروعات الزراعية والإنتاجية وصناعة الخامات والمواد الإنشائية المستخدمة في المشروعات، وإنشاء وتطوير الإستادات والملاعب والساحات الرياضية لإقامة البطولات المحلية والدولية.

كما تقوم أيضا بمعاونة القطاع المدني في التغلب على الآثار الناجمة عن الكوارث الطبيعية والصناعية، والقيام بعمليات الإنقاذ والنجدة والتدخل السريع باستخدام أحدث الأجهزة والمعدات المتنوعة والقدرات والإمكانات، والقيام بإيواء المتضررين وإزالة الأنقاض والمعاونة في إنشاء معسكرات العزل الصحي.

4-الهيئة القومية للإنتاج الحربي:

تأسست عام 1984، بهدف الإشراف على المصانع الحربية، وتمتلك حالياً أكثر من 18 مصنعاً للصناعات العسكرية والمدنية ولكن تصنيعها بالأساس حالياً ينحصر على الصناعات المدنية ومن تلك المصانع “أبو قير – أبو زعبل – شبرا – حلوان” للصناعات الهندسية، إضافة إلى مصنع حلوان للأثاث ومصنع حلوان لمحركات الديزل ومصنع حلوان للصناعات غير الحديدية، وفي الصناعات الكيمياوية تمتلك الهيئة مصانع “أبو زعبل وقها وهليوبوليس” وفي الصناعات الإلكترونية هناك مصنع بنها للصناعات الإلكترونية، كما تمتلك الهيئة أسهماً في شركات أخرى مثل “ثروة البترول” و”إيبيك” العالمية لصناعة المواسير، وهي أكبر منتج لأنابيب النفط والغاز في المنطقة، كذا الشركة العالمية لصناعة الكمبيوتر.

5-وزارة الإنتاج الحربي:

هي الوزارة المسؤولة عن إدارة وتطوير وتشغيل المصانع الحربية، ويتولى رئاستها الآن اللواء محمد سعيد العصار “عضو مجلس عسكري على قائمة الاستدعاء” ولكن معظم المصانع الحربية التابعة للوزارة اتجهت للتصنيع المدني بشكل كبير وكان آخر تلك المصانع، مصنع النجيلة الصناعي الذي أصبح مهيمناً على ذلك المجال في مصر.

خاتمة:

قال أحد الساسة مؤخراً في توصيفه لهيمنة الجيش على القطاع الاقتصادي “لقد وصلنا إلى نقطة يتنافسون فيها حتى مع البائعين المتجولين“.

إن أي عمل اقتصادي يقوم به الجيش يرتبط ارتباطاً كلياً بعقيدة ومنهج الجيش، فإذا تخلى الجيش عن الدور المنوط به، وتغيرت عقيدته الوطنية يحدث تحول كبير في كافة أنشطته، وعند النظر إلى كافة المؤسسات الاقتصادية التي يرتكز عليها الجيش حالياً في أعماله، نرى أنها كانت تهدف بالأساس الي امتلاك وتصنيع السلاح ومعاونه الجيش في تنفيذ مهامه، وظلت تلك المؤسسات حتى بعد اتفاقية كامب ديفيد على قدر جيد من التصنيع وتلبية الجيش لاحتياجاته اللوجستية، ولكن بعد يوليو 2013م، تغيرت عقيدة ومنهج الجيش المصري في مستوياتها الثلاث الأساسية والبيئية والتنظيمية، وأصبح العدو الاستراتيجي للجيش والدولة المصرية ليس الكيان الصهيوني بل ما يسميه النظام “الإرهاب والإسلام السياسي”[4]، وأصبح الانتشار العسكري للجيش وسط مصر وغربها وليس شرقها.[5]

وأصبح التصنيع العسكري أمراً غير ضروري للنظام العسكري الحالي، وأصبحت السيطرة على الحياة الاقتصادية من أولويات ذلك النظام، كما أن تحول الجيش المصري من كونه لاعب رئيس الي فاعل مهيمن ومسيطر يعني أنه يسير نحو السيطرة التامة على كافة الجوانب الاقتصادية، فلذلك فإن المستثمرين الأجانب ورجال الأعمال المصريين حتى المؤيدين منهم لسياسات النظام، والذين يظنون أن أعمالهم في منأى عن سيطرة الجيش على كافة الحياة الاقتصادية واهمون، وهيمنة المؤسسة العسكرية على القطاع الاقتصادي ستلحق الضرر بالجميع.


الهامش

[1] “اقتصاد العسكر” القصة الكاملة لإمبراطورية الجيش المصري.. من حماية الحدود لحماية “البيزنس”، فيلم وثائقي، الرابط

[2] مصر: سياسات التسليح العسكري 2018، محمود جمال، المعهد المصري للدراسات، الرابط

[3] محمد على: هل يقود صراع الأجنحة إلى سقوط السيسي؟، محمود جمال، المعهد المصري للدراسات، الرابط

[4] الجيش المصري وإسرائيل: تحولات العقيدة، محمود جمال، المعهد المصري للدراسات، الرابط

[5] الجيش المصري: التكوين وخرائط الانتشار، الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close