fbpx
تقارير

مصر وتحدياتها الاستراتيجية: سد النهضة نموذجاً

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة:

يعد سد النهضة أكبر تهديد للزراعة المصرية منذ الشدة المستنصرية التي ضربت البلاد في عهد الخليفة المستنصر الفاطمي بين عامي ٤٥٧ و٤٦٤ هجرية أواخر ١٠٦٤ إلى أواخر ١٠٧١ ميلادية، والتي تسببت في جلاء وهجرة الكثير من المصريين بسبب الغلاء والجوع الذي ترتب على جفاف النيل وحصار القاهرة من قبل الوزير ناصر الدولة الحمداني وعصابات العربان التي كانت معه…ووصلت الأمور حسبما ذكر المؤرخون أمثال بن تغربردي والمقريزي إلى أن أُكلت الجيف والحيوانات بل والصبية والنساء والفقراء والضعفاء..

هذا السيناريو الكارثي مرشح للتكرار بدرجة كبيرة حال تنفيذ إثيوبيا وداعميها لمخطط بناء السد وجفاف النيل وتعطيش مصر وبوار ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية وفقدان الملايين لأعمالهم المرتبطة بالزراعة ومياه النيل… ولا تقتصر أضرار السد على الزراعة فقط بل تتعداها إلى خفض الطاقة الكهربائية للسد العالي، وكلك توقف كل الأعمال المرتبطة بالنيل مثل النقل النهري والرحلات النيلية والسياحة النيلية والصيد من النيل وغير ذلك.

في هذا التقرير نتناول القصة الكاملة لسد النهضة والأهداف الإثيوبية في مياه النيل، والدور الصهيوني والغربي في خنق مصر وتعطيشها، وكيف فرط السيسي في حقوق مصر التاريخية في مياه النيل بتوقيعه على اتفاقية المبادىء في الخرطوم في مارس ٢٠١٥ لاكتساب الشرعية الدولية ولكي تعود مصر لعضوية الاتحاد الأفريقي بعدما تتم تجميد عضويتها بعد انقلاب 3 يوليو 2013، والمحاولات المتكررة لإثيوبيا لبناء سدود على النيل، ومنع مصر إقامة تلك السدود والتلويح باستخدم القوة العسكرية لتدمير السد حال إقامته استناداً إلى المعاهدات المبرمة مع الجانب الإثيوبي منذ أوائل القرن الماضي، والتي كانت تحفظ حق مصر والتي أهدرها السيسي وأضاعها للبقاء في السلطة، والبحث عن حلول للأزمة أو تقليل آثارها لأقصى درجة.

المحور الأول: قصة السد:

لسد النهضة الإثيوبي أو كما يُسمّى أيضاً “سد الألفية الكبير”، قصة بمعرفة تفاصيلها نخلص إلى أهمية السد بالنسبة لإثيوبيا وماذ يعني لها، وسر تمسكها الشديد ببنائه رغم آثاره الكارثية على مصر، ويُقام هذا السّد حالياً على مجرى نهر النيل الأزرق، الذي يمر في ولاية بنيشنقول – قماز الإثيوبية، التي تقع على مقربةٍ من الشّريط الحدودي الفاصل بين إثيوبيا والسودان، وتبلغ مساحة هذا السّد بين عشرين إلى أربعين كيلومتراً، ويبلغ ارتفاع حاجزه مِئةً وخمسةً وأربعين متراً،” وذكرت مصادر أن ارتفاعه 147 متراً” وأما طوله فيصل إلى ألف وثمانمائة متر، وقامت إثيوبيا ببناء هذا السّد المنيع من الخرسانةِ المرصوصة، وبلغت تكلفة بناء هذا السّد حتى الآن ما يقارب أربعة مليارات وسبعمائة مليون دولار تقريباً.

وتترقب الدّول الإفريقية المُشتركة بعبور نهر النيل من أراضيها اكتمال بناء سد النّهضة؛ نظراً لما ستحظى بها من أهمية؛ إذ ستمتلك بذلك القارة الإفريقية أكبر سدٍ كهرومائيٍ يُستفاد منه في رَفع مُعدلات الطاقة الكهربائية، كما سيحتلّ السّد المرتبة العاشرة على مستوى العالم كأكبر سدٍ مُولّدٍ للطاقة الكهربائية. ومن المتوقع وفق تقديرات هيئة الطاقة الكهربائية الإثيوبية أنْ يولّد سد النّهضة ستة آلاف ميجا واط، وذلك بالاعتماد على توربيناتٍ (مولدات كهربائية) تصل قوتها وسعتها إلى 16× توربيناً، وتبلغ سعة الواحد منها ثلاثمائة وخمسةٍ وسبعين ميجا واط.

باستعراض المعاهدات والاتفاقيات التي تم توقيعها بين مصر نجد أن المعاهدة التي تم توقيعها عام 1929 بخصوص مياه النيل أعطت لمصر الكثير من الحقوق ومنها حصة ممتازة من المياه بتقدير ذلك الوقت، ورفعت المعاهدة التي وقعت عام 1959 من نصيب مصر مرة اخري، فحصلت مصر علي 66 % من المياه التي تصل لها هي والسودان وحصلت السودان علي بقية الحصة اي بنسبة 34 %,

وفكرة انشاء سدود في إثيوبيا ليست وليدة اليوم، بل هي قديمة ترجع الي عقود وتحديدا منذ العام 1964، ففي دراسة أجريت بواسطة مكتب الاستصلاح الأمريكي us bureau of reclamation ، حدد المكتب 26 موقعًا لإنشاء السدود، أهمها أربعة سدود على النيل الأزرق، وحمل سد الألفية في تلك الدراسة اسم سد “بوردر” ولم يكن الهدف الأمريكي في هذا التوقيت تنمية القارة الافريقية بقدر ما كان الهدف هو التأثير سلبا علي تقدم الدولة المصرية.. ولجأت أمريكا الي تدمير مشروعات التنمية الزراعية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ابتداء من عرقلة بناء السد العالي، ومنع البنك الدولي من تمويل المشروع وبعد تأميم القناة والشروع في بناء السد لجأت أمريكا الي هذه الحيلة بهدف إيقاف بناء السد العالي، لكن الدراسات أكدت فيما بعد أن سد الألفية (سد النهضة) غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع، وذلك إلى أن تربة إثيوبيا غير صالحة لإنشاء سدود وأنه حال إنشاء سد الألفية (النهضة)، فاحتمالية صمود السد ورسوخه قليلة جداً، وتكاد تكون معدومة مقارنة بسقوطه وانهياره.

وبالرغم من نتائج هذه الدراسة بدأت مشكلة السد الإثيوبي خلال حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فبعد أن تطورت علاقات مصر بدول أفريقيا في تلك الفترة، ونتيجة للاتفاق السياسي مع القارة السمراء، لم تشهد مصر خلافاً على قضية المياه، خصوصاً أنه كانت تجمع الرئيس عبد الناصر والإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسى علاقات قوية، ورغم فترة الوفاق تلك، سرعان ما نشبت الخلافات بين البلدين، على خلفية قيام مصر ببناء السد العالي دون استشارة دول المنبع” أوغندا، رواندا،بوروندي، تنزانيا، الكونغو كينيا، إريتريا، إثيوبيا” وهو ما عارضته إالأخيرة بشدة.

كما توقف المشروع والدعم الامريكي للسد العالي بعد هزيمة يونيو 1967 لتسببها في توقف مشروعات التنمية في مصر لتخصيص موارد الدولة لدعم المجهود الحربي لاستعاده الأرض والكرامة ولم يتم بناء هذا المشروع وقتها، وبعد حرب اكتوبر واتفاقية السلام تحديدا قامت واشنطن عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتمويل دراسة شاملة عن أوجه التعاون المحتمل قيامها بين مصر والكيان الصهيوني مائيًا وذلك في الفترة التي تم الترويج فيها لعملية السلام المصرية – الإسرائيلية، حيث قامت أمريكا في عام 1976 م بتمويل مشروع ترشيد استخدام مياه الري في مصر وقد أثار هذا المشروع تساؤلا عما إذا كان الغرض من المشروع توفير مياه لمصلحة إسرائيل.

وعادت الأزمة بين مصر وإثيوبيا لتطل برأسها من جديد فى عهد “السادات”، بعد إعلانه عن مشروع لتحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان فى سيناء، وهو ما رفضته أديس أبابا، باعتباره خطرا يهدد مصالحها المائية، وتقدمت بشكوى إلى منظمة الوحدة الأفريقية في ذلك الوقت تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل، واحتدم الخلاف إلى حد تهديد الرئيس الإثيوبي في ذلك الوقت ”منجستو هيلا ماريام” بتحويل مجرى نهر النيل، ليرد السادات بأن مياه النيل ”خط أحمر”، وأن المساس بها مساس بالأمن القومي المصري، وقال بشكل واضح عام 1979 : “إذا كان هناك ما سيدفع مصر لخوض حرب جديدة فهي المياه” معلناً أنه سيدمر السد بمجرد بنائه، دون اعتبار لأى أمور أخرى غير مصلحة مصر.

وهذه المرة لم يكن هناك مصلحة لإسرائيل أو امريكا في هذا التهديد ولكن الفكرة التي زرعتها امريكا في عقول النظام الإثيوبي أصبح من الصعب تحجيمها ولم تجد إثيوبيا أي دعم هذه المرة في اقامة سدها المزعوم خاصة بعد تهديد الرئيس الراحل أنور السادات باستخدام القوة.

وأثناء فترة حكم المخلوع حسني مبارك أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن عام 1988 م بحثاً عن السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الموارد المائية في الشرق الأوسط بهدف انتهاج استراتيجية للمستقبل لتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة.. وحددت الدراسة أزمة مياه حوض نهر النيل وكيفية معالجتها وأبرزت أن مياه النيل مصدر تحكم في كل من مصر والسودان، ويذكر ان وزير دفاع مبارك الاول “المشير / محمد عبد الحليم ابو غزالة ” أعلن أن الجيش المصري سيوجه ضربة لأي مشاريع تضر بمصالح مصر في دول حوض النيل.

وفي تلك الاثناء تم استكمال العمل بالفعل في ترعة السلام ولم تحرك إثيوبيا ساكنا وحين استكمل المشروع في عهد الرئيس مبارك وتدفقت المياه الي سيناء بالفعل وطالبت إسرائيل باستكمال الترعة اليها فرفضت مصر وتم وقف المشروع ولم تتدخل أمريكا لصالح اسرائيل كما جرت العادة “حتى فترة بوش الابن الثانية وتحديدا منذ غزو العراق” ما دفع إسرائيل الي التحرك منفردة في أفريقيا بشكل عام، وفي دول حوض النيل بشكل خاص منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، ما فسره المراقبون بأنه التطور الأخطر على الأمن المصري.

ونستخلص مما سبق أن الموقف المصري كان واضحاً وثابتاً، وقوياً، بقيادة سياسية ترفض إقامة إي سدود، وقوة عسكرية تستطيع إجهاض أي عمل مماثل، وقدرة معدومة للطرف الإثيوبي علي توجيه ضربة مضادة لمصر، أو حتي التصدي لهجمة يشنها المصريون، لذلك فكر الطرف الإثيوبي في إضافة عامل جديد للمعادلة، يهمه التأثير والضغط علي الدولة المصرية، ولم يجدوا أنسب من إسرائيل للقيام بذلك، فهي العدو الأول لمصر، ولذلك تم إعادة العلاقات بين إثيوبيا وإسرائيل رسميا عام 1989.

المحور الثاني: آثار سد النهضة على مصر

يجمع الخبراء على وجود آثار كارثية مدمرة لسد النهضة على مصر سواء عند تشغيله وبدء عملية تخزين المياه وتفاقم الأزمات مع مرور الوقت بعد التشغيل.. وثانيا آثار كارثية حال سقوطه وانهياره لوجود احتمالات كبيرة بانهيا السد. ولإدراك حجم الآثار الكارثية للسد وما سيحجزه من المياه على مصر لابد أن نبداً بتعريف بسيط لمصادر مياه النيل وتحكم السد في نسبة كم في المائة من المياه الواردة إلى مصر.

وقد ذكر عبد الحافظ الصاوي الخبير الاقتصادي عن تداعيات سد النهضة أن الإحصاءات كشفت أن نصيب الفرد في مصر كان يبلغ عام 2013 من المياه يبلغ نحو 750 “متر مكعب” سنويًا، وهو دون المتوسط العالمي لاستهلاك الفرد من المياه والبالغ ألف متر مكعب سنويًا. ويتوقع أن ينخفض نصيب المصري من المياه إلى 525 مترا مكعبا سنويًا عام 2050.

وحال تشغيل سد النهضة فإن حصة مصر من مياه نهر النيل ستنخفض بنحو 9 إلى 12 مليار متر مكعب. وخطورة هذا الأمر تكمن في أن مشروعات استصلاح الأراضي بمصر ستتوقف بسبب ما سينتج من عجز في كميات المياه المتاحة، وبالتالي ستتوقف المساحات الزراعية بمصر عند معدلها الحالي وهو قرابة ثمانية ملايين فدان..وتوجد دراسات تجزم ببوار 3ملايين فدان في الدلتا والوادي وهو ما بدت مؤشرات على حدوثه بعد جفاف الترع ومراوي المياه في العامين الأخيرين، وفقدان مصر لمساحات من أراضيها الزراعية الحالية، أو توقف مشروعاتها لاستصلاح أراضيها الصحراوية، يعني ببساطة فقدان عدد كبير من مواطنيها لفرص العمل التي يتيحها لهم قطاع الزراعة الذي يستوعب نحو 6.5 ملايين عامل. والمعروف أن معدل البطالة بمصر في ظل تحقيقها لمعدلات نمو مرتفعة، بلغ 7% كانت في حدود 10%، فكيف يكون الوضع إذا تراجعت مساحة الأراضي الزراعية؟

كما أن خصم نحو 9 أو 12 مليار متر مكعب سنويًا من حصة مصر من مياه النيل، فإن ذلك يعني انخفاض حصتها الحالية بنسب تتراوح بين 16.3 و21.8%. وهذا سيضيف أعباء اقتصادية جديدة على كاهل الاقتصاد المصري، تتمثل في تكاليف تحلية مياه البحر لسد العجز في المياه الصالحة للشرب، أو ما يمكن عمله من خلال إعادة المعالجة لمياه الصرف للاستفادة منها في ري الأراضي الزراعية.

وهذه الإجراءات المتعلقة بعمليات التحلية أو المعالجة ستزيد الوضع الاقتصادي تأزماً..لأن المساحات الزراعية المتاحة لمصر حاليًا لا تتناسب مع تزايد عدد سكانها الذي يناهز 92 مليون نسمة، وهو قابل للزيادة خلال السنوات القادمة في ظل معدل زيادة سكانية تقدر بنحو 1.9% سنويًا. ومما هو معروف أن ثبات المساحة الزراعية ووجود زيادة سكانية سيؤثر بشكل كبير على حجم الاحتياج من المنتجات الزراعية والغذائية التي تنتجها مصر.

وفي ظل حصتها الحالية من المياه بدون نقصها، تستورد مصر نحو 60% من غذائها، فكيف يكون الوضع لو نقصت حصة المياه وتوقف التوسع في استصلاح الأراضي الصحراوية؟ بالقطع سيزيد العجز في الميزان التجاري المصري الذي يعاني بدوره من عجز تاريخي.

ويمثل توفير الطاقة في مصر خلال السنوات القليلة الماضية تحديًا كبيرًا، حيث تبنت مصر منذ عام 2008 سياسات من شأنها أن تعمل على إلغاء دعم الطاقة الذي يحمّل الموازنة العامة نحو 120 مليار جنيه (نحو 17.2 مليار دولار) سنويًا، وتركزت سياسة إلغاء الدعم على الصناعات كثيفة استخدام الطاقة، كما تم رفع أسعار الوقود للسيارات والبيوت.

ومن شأن التأثير على حصة مصر من المياه أن تنخفض الكهرباء المنتجة من السد العالي الذي يوفر نسبة 10 إلى 12% من الطاقة المنتجة في البلاد. ويعتبر الـتأثير على هذه الحصة رغم صغرها نقطة ضغط على الاقتصاد المصري. لأن خفض حصة السد العالي من إنتاج الكهرباء يعني تعويضها من مصادر أخرى ذات تكلفة اقتصادية عالية، فضلًا عن نظافة المصادر المائية في توليد الكهرباء.

والتفكير في مصادر بديلة للكهرباء المتحصل عليها من السد العالي، يستغرق وقتًا حال اللجوء إلى المصادر الجديدة والمتجددة مثل الرياح أو الطاقة الشمسية أو تدوير المخلفات، كما أن اللجوء إلى الطاقة النووية محفوف بكثير من المخاطر رغم أهميته لمصر، وكذلك اللجوء إلى مصادر أحفورية من خلال النفط والغاز ذوي التكلفة العالية، وخاصة بعدما أصبحت مصر تستورد أكثر مما تصدر من النفط والغاز بسبب سياسات التصدير الخاطئة التي نفذتها قبل ثورة يناير.

ويضيف د. محمد حافظ خبير السدود والهندسة المدنية بجامعة يونيتن بماليزيا أنه في عام 1990 كانت حصة مصر تكفي تعداد سكانها ويزيد عليها بعض الفائض والذي كان يخزن ببحيرة السد العالي. في عام 2000 وتعادل حجم الإيرادات المائية لدولة مصر مع حجم الإستهلاك السنوي.. وفي عام 2015 وصل العجز لقرابة 18 مليار متر مكعب مما إستلزم تدوير مياه الصرف الزراعي والصحي لري أكثر من مليون فدان وهذا بعدما وصلت حصة المواطن المصري عام 2017 لأقل من 620 متر مكعب سنويا أي بعجز قدره 40% عن خط الفقر المائي العالمي. كل هذه الأرقام قبل بدء تشغيل سد النهضة، االذي سيزيد من الفقر المائي لمصر في المستقبل القريب (4)

ومن جانبه ذكر د.محمد البسطويسي الأستاذ المساعد بالهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، فى ورقة علمية حول ” تأثير سد النهضة الإثيوبى على موارد المياه فى مصر” فى إحدى الدوريات العالمية المرموقة وهى مجلة الهندسة الهيدرولوجية التى تتبع الجمعية الأمريكية للهندسة المدنية، واستند البحث على تحليل صور الأقمار الصناعية لموقع سد النهضة والسد المساعد والمنطقة أمام السد المنتظر والتى تكون البحيرة الصناعية بها، وأوضحت النماذج التى أعدتها الدراسة أن ارتفاع سد النهضة بمقدار 145 مترا فوق مستوى سطح النهر عند منطقة الإنشاءات يحتاج إلى ارتفاع السد المساعد بحوالى 45 مترا فوق سطح المنطقة الجبلية التى يتم إنشاؤه بها.

وأوضح البسطويسي أنه فى تلك الحالة ستبلغ سعة التخزين حوالى 73 مليار متر مكعب من المياه وسيبلغ مسطح البحيرة حوالى 2300 كم مربع، ما سيؤدى إلى فقد حوالى مليارى متر مكعب من المياه سنويا نتيجة للبخر، وذكر أنه يمكن التقليل من مخاطر سد النهضة بتقليل ارتفاع السد المساعد والمسئول الرئيسى فى رفع سعة التخزين لبحيرة سد النهضة إلى ما يزيد على 18 مليار متر…وأكد أن سد النهضة يعد جرس إنذار لمستقبل المياه فى مصر بغض النظر عن التأثير المؤقت الذى قد يحدثه حتى فترة ملء الخزان أمام السد لأن الجميع منتبه إلى الأثر المؤقت على حصة المياه خلال فترة إنشاء السد وتناسى الحاجة إلى زيادة هذه الحصة لكى تقابل الزيادة السكانية المضطردة والحاجة إلى إنتاج مزيد من الغذاء، موضحا أن إثيوبيا لا تستطيع أن تلعب دورا محوريا فى زيادة الإيراد من مياه النيل نظرا لفقرها فى المستنقعات مقارنة من جنوب السودان ودول الهضبة الاستوائية والتى تمتلك مخزونا استراتيجيا فى البحيرات والمستنقعات.5

وقد ظهرت بوادر الآثار الكارثية لسد النهضة على منسوب مصر من نهر النيل بعدما لوحظ قلة منسوب المياه بدرجة كبيرة عن الأعوام السابقة ومعاناة اكثير من المزارعين من نقص المياه وهلاك المزروعات نتيجة العطش والجفاف وانخفاض منسوب المياه.6

وتم التقاط العديد من الصور ومقاطع الفيديو تظهر قاع النهر بالقاهرة وبالتحديد أمام ماسبيرو وكوبري قصر انيل ومناطق أخرى بالعاصمة المصري والمحافظات التي يمر بها النهر.7

وبررت وزارة الزراعة ذلك بانخفاض الكميات التي تطلقها،مفسرة ذلك بأنه يتم السماح بكميات مياه حسب احتياجات المزروعات، وهو مايخالف الواقع لوجود احتياج مائي طوال العام لاختلاف توقيت الزراعة وعملي اتالري لللمحاصيل المختلفة وفي المحافظات المختلفة، وكذلك ردت هيئة الاستشعار عن بعد على ادعاءات وزارة الري بوجود خطر حقيقي على مصر حال البدء في ملء خزان سد النهضة،وهو التفسير الوحيد المقبول لانخفاض منسوب النيل عن نظيره في السنوات السابقة 8

ويضيف د. محمد حافظ استاذ الهندسة المدينة وخبير السدود بجامعة يونيتن أنه وفقا للبيانات التصميمة لسد النهضة فإن حجم فيضان أغسطس 2016 بلغ 58.5 مليار متر مكعب سيتم خصم قرابة 28.1 مليار متر مكعب من الفيضان داخل بحيرة سد النهضة يضاف إليها 0.9 مليار متر مكعب للعملية البخر بالبحيرة أي أن حجم المستقطع من الفيضان يعادل 30 مليار متر مكعب يخصم مباشرة من حصة مصر بينما تحصل السودان على ما تبق من تدفق. ولقد سربت جريدة التحرير المصرية التابعة للمخابرات المصرية تقريراً يؤكد فقدان مصر لــ 30 مليار متر مكعب وفقا لأحد الدراسات الأمريكية.

المحور الثالث:

المعاهدات التاريخية التي تحفظ حق مصر في مياه النيل

كانت الدول المتشاطئة على نهر النيل في السابق مستعمرات لدول أجنبية ثم حصلت هذه الدول على استقلالها. وجميع الاتفاقيات التي وقعت بين الدول الأجنبية الاستعمارية تمنع إقامة اي سدود على منبع النهر، وبعد الاستقلال توارثت الحكومات الوطنية تلك المعاهدات التي أثبتت كلها حقو مصر التاريخية في مياه النيل، وعدم أحقية إثيوبيا أو دول المنبع في إقامة سدود أو حجز مياه عن دول المصب، وتثبت بما لايدع مجالاً للشك عدم صحة موقف السد من ناحية القانون الدولي من جانب، وصحة الموقف المصري من جانب اخر وتفصيل ذلك على النحو التالي:

1- بروتوكول روما الموقع فى 15 إبريل 1891م بين كل من بريطانيا وإيطاليا التي كانت تحتل إريتريا فى ذلك الوقت -بشأن تحديد مناطق نفوذ كل من الدولتين فى أفريقيا الشرقية، وتعهدت إيطاليا فى المادة الثالثة من الاتفاقية بعدم إقامة أية منشآت لأغراض الري على نهر عطبرة يمكن أن تؤثر على تصرفات النيل، والواقع ان هذه الاتفاقية من وجهه نظرنا تعتبر ذات اهمية بالغة جدا، فإثيوبيا دائما ماتقول في تصريحات مسئوليها ان هذه الاتفاقيات غير ملزمة لها لانها وقعت في عصور الاحتلال، ولكن بالنظرة الي هذه الفترة نجد ان إثيوبيا في هذه الفترة لم تكن تسمع مايملي عليها وتنفذه بخضوع وخنوع بل كان لها سيادة وكانت تعارض الدول الكبري، بل تحاربها وتنتصر عليها وتفرض ارادتها ويتضح لنا ذلك جليا فيما يلي :

اولا : في عام 1887 اي قبل توقيع الاتفاقية بأربعة سنوات فقط، وجه ” منليك ” ملك الحبشة وقتها خطابا للدول الخمس العظمي المهتمة بالمنطقة وهي ” بريطانيا العظمي – فرتسا – روسيا القيصرية – ايطاليا – المانيا ” حدد فيه حدود إثيوبيا، ووقع فعليا مع ايطاليا معاهدة ” أوتشيالي ” في مايو 1889 لترسيم حدود بلاده.

ثانيا : نجحت إثيوبيا في الفترة بين عامي 1881 : 1889 في توسيع ملكها وسط كل هذه الدول الكبري وبشكل يفصح عن امتلاك قرار وقوة فعلية فنجد انها ضمت كل مايلي ذكره من اقاليم : ” كفا وجما عام 1881، عروسي 1882، للجا 1886، هرر وايليبابور عام 1887، جوراج عام 1889، بالي وسيدامو عام 1891، جوفا وولامو عام 1894، الاوجادين عام 1897، ثم بوني وشانجول عام 1898.

ثالثا : حصلت إثيوبيا علي أملاك مصر الخديوية في البحر الاحمر بتلك المناطق، حيث وقعت انجلترا مع الملك الإثيوبي ” يوهانس ” اتفاقا تمنحه الاملاك المصرية بمقتضاه، بما في ذلك الحاميات العسكرية في المرتفعات الاريترية وهضبة كرن، وانسحب المصريون من هرر عام 1885، واستولت الحبشة علي اقليم الاوجادين كله في نفس العام، ولو سرنا علي نفس النهج الإثيوبي، فيمكن اذن للحكومة المصرية ان تقول ان هذا الاتفاق وقع ابان الاحتلال الانجليزي لمصر واننا لانعترف به ولايلزمنا ونذهب لاحتلال تلك المناطق لنكون علي مرمي حجر من سدهم.

رابعا : وقع خلاف بين إثيوبيا وايطاليا في تفسير المادة 17 من معاهدة ” أوتشيالي “، فكان النص الايطالي يلزم علي إثيوبيا ان يكون اتصالاتها مع الدول الاخري عبر ايطاليا، بينما كان النص الامهري يجعل ذلك اختياريا، ورفض ” منليك الثاني ” ملك الحبشة التفسير الايطالي، والغي المعاهدة، وقامت الحرب، وانتهت بنصر إثيوبيا، نعم نصر إثيوبيا، فلما تتحدث إثيوبيا الان عن تلك المعاهدات وكأنها كانت مكرهه، بينما التاريخ يقص علينا انهم عندما كانوا يرفضون المعاهدات لمجرد اختلاف حول تفسير طريقة الاتصال كانوا يلغونها ويدخلون حروباً وينتصرون، فهل كانوا يسكتون حول المياه ؟.

2 – اتفاقية أديس أبابا الموقعة فى 15 مايو 1902م بين بريطانيا وإثيوبيا، تعهد فيها الإمبراطور منيليك الثاني امبراطور إثيوبيا وقتذاك بعدم إقامة أو السماح بإقامة أي منشآت على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل إلا بموافقة الحكومة البريطانية والحكومة السودانية مقدماً، وكل ماتقدم من براهين تدحض الحجة الإثيوبية ينطبق علي هذه المعاهدة ايضا لوقوعها في نفس التاريخ ولكن نري ان هناك عامل اخر يكشف ضعف الموقف الإثيوبي وهو انه قد تم النص في مقدمة الاتفاقية علي كونها ملزمه علي ملوك إثيوبيا ومن يتبعونهم في الحكم.

3 – اتفاقية لندن الموقعة فى 13 ديسمبر 1906م بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وينص البند الرابع منها على أن تعمل هذه الدول معاً على تأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر. والدول الثلاثة المذكوره والموقعه لهذه الاتفاقية وقعتها للتعاون معا ففي هذا الوقت كان هناك اراضي تحتلها كل دولة من الدول الثلاث في مناطق القرن الافريقي ومن الضروري التعاون فيما بينهم، ويلفت النظر في هذه الاتفاقية مايلي :

اولا : نصت الدول الثلاثة فيها علي انها وما سبقها من اتفاقيات لاتشكل اي اعتداء علي الحقوق السيادية لامبراطور الحبشة ” إثيوبيا حاليا “.

ثانيا : عندما نص في المادة 4 البند أ من الاتفاقية علي مراعاة مصالح مصر وبريطانيا التي كانت تفرض حمايتها علي مصر وقتها وضع بين قوسين العبارة التالية ” مع الاخذ في الاعتبار الحرص علي مراعاة المصالح المحلية ) ومن هنا يمكننا الانطلاق، ان المعاهدة وضعت نصب اعينها مصالح إثيوبيا وليست مجحفة لها كما يصدعون ادمغتنا ليل نهار، وان في الامكان عدم المساس بمصالح مصر المائية مع تحقيق مصالح إثيوبيا، وهذا موقف حكومة القاهرة ولكن كما يقولون لدينا في مصر ” العند يولد الكفر “.

ثالثا : عندما نص في العديد من المواد التالية علي انشاء السكك الحديدية والتي تستفيد منها إثيوبيا الي يومنا هذا، هل من المنطقي أو المعقول ان تطالب الدول الثلاث الحكومة الإثيوبية الان بتسديد المبالغ التي دفعوها في انشائه علي اعتبار ان المعاهدة من عهود الاحتلال ويجب ان لانعتد بها، هذا الموقف الغير عقلاني بتاتا هو ماتفعله إثيوبيا اليوم وكأن القانون الدولي عدم قاعدة ” المراكز القانونية المستقرة “.

رابعا : اليس من المتناقض ان نقول انها معاهدة من عهد الاحتلال وان إثيوبيا لم تكن ذات قرار وفرضت عليها وينص في المادة 9 من الاتفاقية ان الحكومة البريطانية في حالة الضرورة لها الحق في الاستفادة من الاذن الذي منحه الإمبراطور منيليك الثاني امبراطور إثيوبيا في انشاء السكك الحديدية في الثامن والعشرين من اغسطس 1904، اي ان البريطانيين قبل انشاء الخط كانوا قد تفاوضوا مع الامبراطور واخذوا منه الاذن، مع الاخذ في الاعتبار ان انشاء السكك الحديدية كان سيجر العديد من الفوائد علي إثيوبيا ومع ذلك لم تقم اقوي امبراطوريات العالم وقتها ببناءه الا بعد اخذ اذن امبراطور إثيوبيا، فكيف لإثيوبيا بعد ذلك ان تتدعي انه قد تم الافتاءت علي حقوقها المائية ؟.

4 – اتفاقية روما وهى عبارة عن مجموعة خطابات متبادلة بين بريطانيا وإيطاليا فى 1925، وتعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان فى مياه النيل الأزرق والأبيض وروافدهما، وتتعهد بعدم إجراء أى إشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسى.

وبالنظر لوجهه النظر البريطانية في ذلك الوقت نجدها تكشف الكثير من الحقائق في خطاب السفير البريطاني في روما الي رئيس الوزراء الايطالي فنجده يقول في بعض اجزاء خطابه : ” ان فخامتكم تدرك الاهمية الكبري بالنسبة لمصر والسودان في ان يحافظا علي حجم المياه الواصل اليهم، ان لم يكن زيادته، وكما تعلم فقد اجريت حكومة صاحبه الجلالة – الحكومة البريطانية – مفاوضات مع الإثيوبيين في اديس ابابا لانشاء هذا الوابل، ولكن لم يتم الوصول الي نتيجة حتي الان، ويجب ان تكون ايطاليا الي جانب الاعتراف بحقوق مصر والسودان في المياه، وان لاتشارك في اي عمل علي النيل الازرق أو النيل الابيض أو اي من روافده تؤدي الي التأثير علي تدفق المياه الي النهر الرئيسي، ومن المفهوم ان ذلك لن يمنع الإثيوبيين من ان يقيموا مشاريع توليد طاقة كهربائية واستخدام المياه في الزراعة ” نفس الموقف المصري الحالي “، فهل تخطئ بريطانيا ومصر وتصيب إثيوبيا؟

وانه ليس من المتقبل ان تتحكم قوة اجنبية في مياه النيل والتي تمثل امرا حيويا جدا لازدهار بل لوجود مصر والسودان، ولكن بناء علي علاقات الثقة المتبادلة بيننا فأنه يشرفني ان اطلب منكم ان تساعدونا للحصول علي امتياز بناء هذا الوابل ” الحاجز ” الذي تريد إثيوبيا بناءه في مقابل دعم الحكومة الايطالية في مسعي الحصول علي امتياز بناء السكك الحديدية من حدود اريتريا الي الحدود الايطالية في الصومال ”

وكان الرد الايطالي ان الايطاليين يوافقون علي دعم الحكومة البريطانية لبناء الوابل علي بحيرة Tsana ، في مقابل دعم الحكومة البريطانية لحصول ايطاليا علي امتياز السكك الحديدية من حدود اريتريا الي الحدود الايطالية في الصومال، واننا نعترف بحقوق مصر والسودان في مياه النيل ونتعهد بعدم اقامة اي مشروعات تؤثر علي تدفق المياه إلى البلدين.

الملاحظ من الخطاب :

أولا : إدراك البريطانيين ان حجم المياه وقتها سيحتاج الزيادة ان عاجلا أو اجلا.

ثانيا : كان الإثيوبيين وقتها يريدون حاجزا لحجز المياه عند بحيرة tsana ولمن لايعلم فهذه البحيرة هي اكبر بحيرة في إثيوبيا ومنبع النيل الازرق، ولقد بني فعليا فيما بعد ” وهذا هو بيت القصيد وهذا ماتثبته هذه المعاهدة ومافات من كل المعاهدات المذكوره من حقيقة ان إثيوبيا لم تظلم وان إثيوبيا عندما كانت تريد ان تفعل شئ تفعله، وان انجلترا سعت الي تنفيذ ماتريد بل سعت للحصول علي امتياز البناء.

5 – اتفاقية 1929 وهى عبارة عن خطابين متبادلين بين كل من رئيس الوزراء المصرى آنذاك محمد محمود وبين المندوب السامى البريطانى لويد، وكلا الخطابين موقعين بتاريخ 7 مايو 1929 ومرفق بهما تقرير للجنة المياه الذى سبق إعداده فى عام 1925. ويعد هذا التقرير جزءاً من هذه الاتفاقية، وكان توقيع بريطانيا على هذه الاتفاقية نيابة عن كل من السودان وأوغندا وتنجانيقا (تنزانيا حالياً) وجميعها دول كانت تحتلها بريطانيا آنذاك وأهم ما ورد فى تلك الاتفاقية:

أ- ألا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أعمال رى أو توليد قوى أو أية إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التى ينبع منها سواء فى السودان أو فى البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أى وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر.

ب- وتنص الاتفاقية أيضاً على حق مصر الطبيعى والتاريخى فى مياه النيل.

6 – اتفاقية 1929، وتنظم تلك الاتفاقية العلاقة المائية بين مصر ودول الهضبة الإستوائية،كما تضمنت بنوداً تخص العلاقة المائية بين مصر والسودان وردت على النحو التالى فى الخطاب المرسل من رئيس الوزراء المصرى والمندوب السامى البريطانى: حيث جاء فيه: “إن الحكومة المصرية شديدة الاهتمام بتعمير السودان وتوافق على زيادة الكميات التى يستخدمها السودان من مياه النيل دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية فى تلك المياه، وتوافق الحكومة المصرية على ما جاء بتقرير لجنة مياه النيل عام 1925 وتعتبره جزءاً لا ينفصل من هذا الاتفاق، وألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال رى أو توليد قوى أو أية إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التى تنبع سواء من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أى وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر، وتقدم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لعمل الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل فى السودان ويمكنها إقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر بالاتفاق مع السلطات المحلية.

7 – اتفاقية 1959، وقد وقعت هذه الاتفاقية بالقاهرة فى نوفمبر 1959 بين مصر والسودان، وجاءت مكملة لاتفاقية عام 1929 وليست لاغية لها، حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان فى ظل المتغيرات الجديدة التى ظهرت على الساحة آنذاك، وهي الرغبة فى إنشاء السد العالى ومشروعات أعالى النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات فى أسوان. وتضم اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل على عدد من البنود من أهمها: “احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنويًّا وكذلك حق السودان المقدر بأربعة مليارات متر مكعب سنوياً، وموافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالى وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق وما يستتبعه من أعمال تلزم السودان لاستغلال حصته.

8 – إطار التعاون الذى تم توقيعه فى القاهرة فى الأول من يوليو 1993م بين كل من الرئيس المصرى المخلوع حسني مبارك ورئيس الوزراء الإثيوبى الراحل ميليس زيناوى، وتضمن هذا الإطار التعاون بين مصر وإثيوبيا فيما يتعلق بمياه النيل فى النقاط التالية: عدم قيام أى من الدولتين بعمل أى نشاط يتعلق بمياه النيل قد يسبب ضرراً بمصالح الدولة الأخرى، وضرورة الحفاظ على مياه النيل وحمايتها، واحترام القوانين الدولية، والتشاور والتعاون بين الدولتين بغرض إقامة مشروعات تزيد من حجم تدفق المياه وتقليل الفواقد.

وتعتمد فكرة الحقوق التاريخية والمكتسبة لمصر فى مياه نهر النيل على مجموعة من القواعد والمبادئ القانونية المستقرة، لخصها د.مفيد شهاب أستاذ القانون الدولي ووزير التعليم العالي الأسبق في المبادىء التالية :

(١) مبدأ عدم الإضرار:

يستند هذا المبدأ على قاعدة مستقرة فى القانون الرومانى تفيد: «استعمل ما هو مملوك لك دون الإضرار بالآخرين». مفاد ذلك أن كل دولة مشتركة فى نهر دولى من حقها استخدام الجزء الذى يجرى بإقليمها دون إلحاق ضرر بدولة شريك فى ذات النهر. الأمر الذى جسدته المادة ٢١ من إعلان استكهولم بشأن البيئة والتنمية لعام ١٩٧٢، حيث نصت صراحة على ضرورة تأكد الدول من أن الأنشطة التى تقوم بها فى إقليمها أو تتم تحت سيطرتها لن تتسبب فى إلحاق أى ضرر للأقاليم التى تجاوز حدود إقليم الدولة التى تقوم بالنشاط أو المشروع. كما يتأكد هذا المبدأ صراحة فى المادة ٧ من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدامات المجارى المائية الدولية فى غير الشؤون الملاحية لعام ١٩٩٧. ويشترط فى الضرر المقصود هنا أن يبلغ درجة من الأهمية يسهل معها اكتشافه وإثباته بأدلة موضوعية، وأن تتأثر معه معيشة السكان على ضفاف النهر لانتقاص نوعيتها أو تغييرها. وبتطبيق هذا المبدأ على وضع مصر يتضح أن المساس باستخداماتها القائمة يمثل ضرراً بالغاً لها، فى ضوء حقيقة عدم وجود موارد بديلة.

(٢) مبدأ الاستخدام العادل والمعقول:

يعد هذا المبدأ من أهم معايير تقاسم مياه الأنهار الدولية، ويقصد به الحصول على أقصى المنافع الممكنة لجميع الدول المشتركة فى النهر الدولى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا لا يعنى بأى حال التساوى الحسابى لأنصبة الدول المشتركة فى النهر الدولى. فهناك عوامل عدة ذكرتها تفصيلاً مختلف تقنيات قواعد استخدام مياه الأنهار الدولية مثل قواعد هلسنكى ١٩٦٦ واتفاقية الأمم المتحدة لعام ١٩٩٧ وقواعد برلين ٢٠٠٤ يستند إليها فى تحديد النصيب العادل والمعقول، ومن أهمها الاستخدامات القائمة، والتى تمثل سنداً أساسياً من أسانيد مصر فى حماية استخداماتها لمياه نهر النيل.

(٣) مبدأ الطبيعة العينية لاتفاقيات الأنهار الدولية:

يؤكد الفقه والقضاء الدوليان على الطبيعة العينية لمعاهدات تقاسم مياه الأنهار الدولية. وقد قررت لجنة القانون الدولى عند صياغة اتفاقية عام ١٩٩٧ اعتبار معاهدات الأنهار الدولية من طائفة المعاهدات العينية التى لا تتأثر بالتغييرات التى تحدث فى شكل الدولة أو نظامها، فضلاً عن تأكيد محكمة العدل الدولية لذات المعنى فى حكمها الصادر فى ٢٥ سبتمبر ١٩٩٧ فى النزاع المجرى- السلوفاكى، حيث أقرت بالطبيعة العينية لمعاهدات استخدام مياه الأنهار الدولية فى غير أغراض الملاحة وخضوعها لنص المادة (١٢) لاتفاقية فيينا لعام ١٩٧٨، والتى تؤكد عدم تأثر الاتفاقيات ذات الطابع الإقليمى بالتوارث الدولى. ويبطل هذا المبدأ أى قول بعدم التزام دول حوض النيل بالاتفاقيات السابقة على اعتبار أنها قد أبرمت فى عهود الاستعمار.

وفى ضوء المبادئ الحاكمة لفكرة الحقوق التاريخية، يمكن القول إن مبدأ الحقوق التاريخية قد استقرت عليه مبادئ القانون الدولى ذات الصلة، وأكده الفقه الدولى، وجرى عليه القضاء الدولى وأحكام المحاكم الوطنية، سواء فيما يتعلق باكتساب الإقليم والسيادة عليه فى البر والبحر، أو فيما يتعلق بحقوق الاستخدام والاستغلال، مادامت قد توافرت فيه شروط الظهور وطول المدة وعدم اعتراض ذوى المصلحة، وهى الشروط التى انتهت إليها محكمة العدل الدولية فى حكمها الصادر بشأن قضية المصائد النرويجية لعام ١٩٥١، حين قررت أن ثمة شروطاً ثلاثة يتعين توافرها للاعتداد بهذه الحقوق، وهى: وجود ممارسة ظاهرة ومستمرة للحق، يقابلها موقف سلبى من الدول الأخرى، مع استمرار هذا الموقف السلبى لفترة زمنية كافية لاستخلاص قرينة التسامح العام، والذى يبين- هذا المبدأ- الكيفية التى ارتضتها الدول المشتركة فى النهر الدولى فى اقتسام مياهه على مدى تاريخها، وهو ما يعد أمراً شديد الأهمية لتحقيق السلم والأمن الدوليين، لصلته الوثيقة بالمصالح المباشرة للدول التى تعتمد على مياه النهر فى نموها الاقتصادى والاجتماعى.11

المحور الرابع:

التفريط في حقوق مصر التاريخية في مياه النيل مقابل الحصول على الشرعية

المعاهدات والمبادىء القانونية السابقة كانت تثبت حقوق مصر في مياه النيل، وتحرم وتجرم إنشاء أي سدود أو مشروعات إلا بموافقة الطرفين المصري والسوداني، لكن السلطة العسكرية الحالية بقيادة عبد الفتاح السيسي فرطت في حقوق مصر في مياه النيل الثابتة بموجب نصوص المعاهدات السابقة حتى تم توقيع اتفاقية إعلان المبادىء بين مصر وإثيوبيا والسودان والتي تم توقيعها في الخرطومك في مارس 2015 التي لم تنص على اي بنود صريحة تحفظ حقوق مصر في مياه النيل، وبالقراءة الدقيقه لاتفاقيه اعلان المبادئ بين مصر وإثيوبيا والسودان وبعد المقدمة نجد مكتوباً في الوثيقة.. قررت الدول الثلاثه الالتزام بالمبادئ التاليه نجد أهم البنود :

١- مبدأ التعاون:

ن نتعاون بناء علي التفاهم المشترك والمنفعه المتبادله والنيه الحسنه والفوز المشترك ومبادئ القانون الدولي. وان نتعاون كي نفهم متطلبات مصب ومنبع النهر باشكالها المختلفة.

لقد سلمت مصر كثيراً من اوراقها التفاوضية. لأن مشكله الأنهار مشكلة أساسية في القانون الدولي كل الأنهار الدوليه بها نفس المشكله. فدول المنبع تدعي دائماً ان لها سياده مطلقة أو ما يطلق عليه absolute territorial sovereignty علي كل مصادر المياه داخل حدودها. في حين ان دول المصب تقول دائماً ان النهر وحدة متكاملة أو absolute river integrity . وهو مايعني أن النهر لا يجوز قطعه أو تغير أو تغيير مساره بل يظل كما هو من المصدر إلى المصب.

وإضافة إلى القانون الدولي توجد أعراف دولية راسخة، فمثلا لو أن دولة احتلت ارض دولة أخرى وبمرور الوقت عمرتها واستغلتها فذلك يكون بمثابة إقرار بالوضع القائم من الدولة الثانية وبتطبيق ذلك على الأنهار لو أن دولة منذ خمسين سنة تستخدم كمية معينة من المياه والدول الأخرى لم تعترض ومتقبلة ذلك يصبح أمراً واقعاً وجزءاً من الوضع القانوني الدوالي العرفي أو المتعارف عليه ومسلم به دولياً…وبتطبيق ذلك على صياغه الاتفاقيه. نلاحظ اولا انه لا توجد اي إشارة لأي اتفاقيات سابقة، وهذا تنازل مهم للجانب الإثيوبي.

لأن إثيوبيا دائماً تقول إن اتفاقيات ١٩٥٤ و١٩٢٩ التي تحدد كمية المياه التي تصل لمصر، هي اتفاقيات فرضت علي إثيوبيا من بريطانيا وانها لذلك لا تعترف بهذه الاتفاقيات. لذلك عدم الإشارة لهذه الاتفاقيات معناه اعتراف مصري ضمني ان هذه الاتفاقيات الآن قابلة للتغيير والتفاوض. وهذا ما نقصده بالتنازل المهم من مصر لإثيوبيا وللأسف تنازل بدون مقابل…وكان يجب أن ينص في الاتفاقية على ““عالمون ايضا بحقوق دول المنبع التاريخيه وفقا لقواعد القانون الدولي العرفي وعالمون بالاتفاقيات السابقه بين دول حوض نهر النيل”

وذلك لو تم النص عليه لكان بمثابة مرجعية قانونية. حتي اتفاقية كامب ديفيد بدأت الديباجة بالآتي: “كل مبادئ قرار مجلس الامن رقم ٢٤٢ سيتم تطبيقها لحل المشكله بين مصر واسرائيل”.

يعني اتفاق كامب ديفيد حدد مرجعيه محدده من القانون الدولي وليس كلاماً مرسلاً. وكان لابد الاتفاقيه الجديده تحدد مرجع محدد أو حتي عدة مراجع. لكن المراجع كلها في الاتفاقية عائمة وتصب في مصلحة إثيوبيا”.

٢- مبدأ التنمية والتكامل الإقليمي والتنمية المستدامة

هدف سد النهضه العظيم هو توليد الكهرباء والتنمية الاقتصادية وتطوير التعاون الإقليمي من خلال توليد طاقة نظيفة. و هذا كلام إنشائي لا معني له. وللأسف لا يلزم إثيوبيا ان الهدف الوحيد هو توليد الكهرباء بل بالعكس فواو العطف بين توليد الكهربا “و” التنميه الاقتصادية تعني أنه يمكن أن تكون أهداف أخرى”.

٣- مبدأ عدم إحداث ضرر كبير:

ستأخذ الدول الثلاث احتياطات مناسبه كي لا تؤدي لأضرار كبيره خلال استخدام النهر الأزرق أو النيل الأساسي.

و اذا حدثت أضرار كبيرة بالرغم من هذا لأحدى الدول، ستقوم الدولة المتسببة في الضرر، باتخاذ الإجراءات المناسبة بالتشاور مع الدولة المتضررة لالغاء الضرر أو تقليله وعند اللزوم مناقشه سوْال التعويضات.

أ‌- هذه صياغه كارثية. وهذه صياغة منقولة حرفيا من المادة السابعة في اتفاقية الأمم المتحدة حول المجاري المائية لعام ١٩٩٧. وهي اتفاقية وافقت عليها كلا من مصر وإثيوبيا في اتفاقية الأمم المتحدة لكنها لم توقع عليها في  الجمعية العامة للأمم المتحدة ولم يوافق البرلمان المصري عليها ما يعني أن مصر لم توقع ولم تصدق علي هذه الاتفاقيه (منذ سنه ١٩٩٧). فقط ٣٦ دوله في العالم وقعت على الاتفاقية وبالتالي فمصر غير ملزمة بالاتفاقية. لكن توقيع مصر الآن في اتفاقية مع السودان وإثيوبيا بنفس صياغة اتفاقية الامم المتحدة يعني أن مصر ملزمة بهذه الصياغة الآن.

ب – كما أن الاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا مرجعيته هي القانون الدولي وليس القانون الدولي العرفي. واتفاقيه الامم المتحده للمجاري المائيه هي اهم وثيقه في القانون الدولي حاليا. وكان يجب أن كان تكون المرجعيات في اتفاق مصر مع إثيوبيا هي الاتفاقيات السابقة والقانون الدولي العرفي…وطبقاً لنص هذا البند لو أن إثيوبيا تسببت في ضرر لمصر فعلينا غثبات وقوع الضرر الكبير..ما يعني أن تقليل التدفق المائي ١٠٪ لمده خمس سنين، فترة ملء السد بإمكان إثيوبيا ن تزعم أنه ليس ضرراً كبيراً لان مصر تمتلك السد العالي ومخزون مياه في بحيره ناصر ولن نعطش أو نتضرر بدرجة كبيرة. ويمكن لكثير من الخبراء الهيدروليكيين في العالم القول بأن وجود خزان النيل في إثيوبيا افضل من وجوده في مصر لأن البخر في إثيوبيا اقل منه في بحيره ناصر.

ج- الأسوأ ان اتفاقية الامم المتحدة تقول إنه في حالة الخلاف بين الدول لابد من التفاوض وبعد المفاوضات يتم اللجوء للقانون الدولي في محكمه العدل الدوليه…وهذه الخطواتوالإجراءات تستغرق مالايقل عن ١٠ سنوات تكون إثيوبيا أتمت وأنهت كل شيء وتكون اراضي مصر بارت وتوقف السد العالي وتوقفت كل الأنشطة القائمة على النيل لسنوات والحكم غير مضمون لصالح مصر والخطير في هصا النص ايضاً أنه ينحصر الشكوى من السد حال وقوع الضرر على مصر لكن لو أحدث السد أضراراً بالبيئة في السودان أو إثيوبيا لا يحق لنا الشكوى قبل أن يمتد تأثيره إلى مصر، وذلك رغم تأكيد العديد من الخبراء أن سد النهضة سيتسبب في مشاكل بيئية عديدة وفي انقراض طيور وكائنات حية وسيخل البتوازن البيولوجي للمنطقة وهذه الجزئية كانت ورقه ضغط مهمه لمصر كان يمكن استغلالها للتعاون مع منظمات البيئه في العالم للضغط على إثيوبيا..

ولتلافي الأخطاء والكوارث في النص السابق كان يجب أن يتم النص على ” وستقوم الدول المعنية بدراسة التأثيرات المناخية والبيئية بالتعاون مع منظمات البيئة العالمية لتقرير مدي الضرر علي البيئة في أي من دول النهر أو غيرها واتخاذ خطوات وفقا لما يقرره برنامج الأمم المتحده للبيئة”

وكان من المهم جداً إدخال إداره جديدة للأمم المتحدة في الموضوع وهو برنامج البيئة لانها ممكن أن تصدر تقريرا يدين إثيوبيا وتخلق مناخا دوليا رافضا للسد…

د- والأسوأ ايضاً أن اتفاقية الأمم المتحدة التي تمثل مرجعية اتفاق مصر وإثيوبيا والسودان تنص على أن ان بند عدم إحداث ضرر كبير (المعروف بالبند السابع) هو بند ثانوي لمبدأ الاستخدام العادل للمياه! ما يعني إمكانية إحداث ضرر كبير لدولة أخرى لكي يتحقق الاستخدام العادل للمياه !

٤- الاستخدام العادل والمنطقي للمياه

ستأخذ الدول في حسبانها كل العوامل التاليه في توزيع المياه: الجغرافيا والمناخ وعوامل الطبيعة، السكان المعتمدين علي مصدر المياه في كل دولة، تأثير الاستخدام على الدول الأخرى، الاستخدام الحالي والمستقبلي للمياه، الحفاظ على وتطوير استخدام المياه، وجود مصادر بديلى للمياه، مشاركه كل دولى في تشكيل مياه النهر ، وجود شبكة صرف وحجمها في كل دولى.

ولم يتم النص على الحقوق التاريخية. فقط الاستخدام الحالي والمستقبلي وحاجه السكان تؤخذ بعين الاعتبار لتحديد التوزيع العادل للمياه.  وبهذا المبدأ تكون مصر تنازلت تماماً عن حصتها في النهر فهذا المبدأ يقول اننا نعود تقريبا لنقطة الصفر ويمكن أن نحسب الاستخدام العادل للمياه. وهذا تنازل كبير لإثيوبيا دون مقابل له في الاتفاقيه)

٥- مبدأ التعاون من أجل الملء الأول للخزان:

تطبيق توصيات لجنه الخبراء، ومن خلال تلك التوصيات توافق الدول الثلاث على الآتي: الموافقه علي قواعد الملء الأول للخزان تحت كل السيناريوهات خلال فترة انشاء السد، والاتفاق على قواعد التشغيل السنويه للسد، وإبلاغ دول المصب بأي تغييرات أو طوارئ تتطلب تغيير قواعد تشغيل السد، والحفاظ علي روح التعاون خلال تشغيل سد النهضة من خلال الوزارت المعنية، ويتم التوصل لما أعلاه خلال فترة ١٥ شهراً من بدء الدراستين اللتين طالبت بهما لجنه الخبراء.

وهذا هو المبدأ الوحيد المكتوب لصالح مصر. حيث يلزم إثيوبيا بالاتفاق علي قواعد تشغيل وملء السد خلال فترة بنائه.. وإن كان المبدأ يناقض نفسه حيث يقول إنه يجب أن ينتهي الاتفاق خلال ١٥ شهر من بدء الدراستين. رغم أن قواعد القراءه القانونية تقول إن shall المنصوص عليها في هذا البند كلمة ملزمة (مصدر ٧). بينما عبارة “بروح التعاون” غير ملزمة…و المقطع المذكور فيه ان الاتفاق يحدث خلال بناء السد يبدأ بعباره “بروح التعاون”.

السطر الأخير بيبدأ بكلمه shall بوضوح بتحدد ١٥ شهراً من بداية الدراسات. يعني ١٥ شهراً ملزمة..والباقي غير ملزم. ولذلك يمكن لإثيوبيا تأخير بدء الدراسات حتى انتهاء بناء السد وهو ما تفعله حالياً

كما يلاحظ في هذه الاتفاقية تكرار مصطلح “النوايا الحسنه”. ٥ مرات في اربع صفحات. وعادة ما يذكر هذا المصطلح مره واحده فقط في الديباجة..وليس التكرار خمس مرات.11

المحور الخامس: مقترحات وحلول

رغم كل ما سبق فإن مصر تملك حلولاً يمكنها أن تخرج من المأزق الحالي أو على اقل تقدير تقلل الخسائر الكارثية الناجمة عن السد، وخاصة أن مصر بإمكانياتها الكبيرة وتاريخها العريق وقتها الناعمة يمكن أن تغير في المشهد الحالي، فمصر تملك العديد من الأوراق المهمة لإدارة هذا الملف، خاصة أن الملف له بعد تاريخي، ولدى مصر مؤسسات ذات خبرة في إدارته، سواء على الصعيد الدبلوماسي أو باستخدام القوى الناعمة عبر الأزهر والكنيسة. ويمكن الاستشهاد هنا بنتائج اللجنة الثلاثية التي تشكلت عام 2011 باتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا عندما أعلنت الأخيرة رغبتها في بناء سد النهضة. وتضم اللجنة عشرة أعضاء: اثنان من كل بلد والبقية خبراء دوليون..

ولو تضمنت المباحثات ما دار في اجتماعات هذه اللجنة لاستفادت مصر كثيراً،ويضيف أحمد عبد المنعم الخبير في مركز مياه الشرق الأوسط، إن هناك العديد من البدائل أمام مصر فى حال انتهاء إثيوبيا من بناء السد وحجب حصة مصر من المياه، من أهمها ترشيد استهلاك المياه…وهى أن يتم إلغاء زراعة ما يقرب من 100 ألف فدان أرز، لأن هذا سيوفر لمصر ما يقرب من مليار متر مكعب ماء، لأن مصر تستهلك ما يقرب من 10 مليارات متر مكعب مياه فى زراعة 100 فدان أرز فقط، فعلينا توفير هذه الكمية من المياه…بالإضافة إلى تطوير أجهزة الرى واستحداثها بأجهزة جديدة لتوفير أكبر قدر من المياه، مع استخدام طريقة الرى الليلى والابتعاد عن الرى فى الصباح لمنع تبخر المياه فى النهار…و لا بد من إقامة مشروعات نماء واستخدام الليزر فى الرى لتقليل إهدار المياه، مع استخدام أجهزة تسوية الأرض.12

ويضاف إلى ماسبق زراعة الاصناف والسلالات قصيرة العمر وشححة الاستخدام للمياه، وتشجيع المراكز البحثية لاستنباط سلالات جديدة قصيرة العمر وشحيحة الاستخدام للمياه وتتحمل المياه المالحة…وبالطبع على الدولة الإسراع فيبحث سبل تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة المسية وطاقة الرياح، ويقول الكاتب الصحفي عباس الطرابيلي عن ذلك إن البحر الاحمر يمتد شرق مصر بطول 1000 كيلو متر من السويس إلي حلايب وخط عرض 22 شمالاً.. والبحر المتوسط ولمصر عليه سواحل تمتد 1000 كيلو متر اخري من رفح المصرية شرقاً إلي السلوم غرباً قرب الحدود مع ليبيا.. ليس هذا فقط، بل هناك 5 بحيرات مالحة في شمال مصر هي البردويل والمنزلة والبرلس وادكو ومريوط.. وهناك هذا الشريان المائي المالح الممتد من بورسعيد شمالاً إلي السويس جنوباً وطوله يزيد علي 170 كيلو متراً.

و هذا المصدر الدائم للمياه لماذا لا نستغله.. وهل تقف نقطة ان هذه المياه مالحة امام استغلالنا لها.. هنا لابد من ان ننظر إلي هذه المياه علي انها مصدر للخير ونعمة من نعم الله.. ورأي علماء مصر وعقولها أن ذلك يكون بتحلية هذه المياه لتوفير احتياجاتنا للحياة والصناعة والزراعة.. مهما كانت التكاليف المالية.. نقول ذلك وفي مصر الآن عمليات ناجحة لتحلية مياه البحر في كثير من القري السياحية والحياتية سواء في سيناء أو حتي في مرسي مطروح وفي بعض المواقع البترولية والصناعية المتطرفة.. ولكن كل هذه المحاولات تستخدم وسائل الطاقة التقليدية لتحلية هذه المياه البحرية المالحة.. وهي بذلك تستهلك طاقة نستهلك فيها الكهرباء والغاز الطبيعي ومنتجات البترول.. فلماذا لا نلجأ للطاقة الجديدة والمتجددة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية.

إن المناطق التي نحلم بتنميتها وتعميرها تقع في مناطق سطوع عالية للغاية، سواء علي امتداد سواحلنا الشمالية أو علي امتداد سواحلنا الشرقية.. وفي أرض الفيروز سيناء وبين خليجي السويس والعقبة.

ويخطئ البعض ان هذه العملية تتكلف كثيراً ذلك ان المياه هي اغلي ما في الوجود، وعندما بدأت عمليات التحلية في مصر علي استحياء كان كوب المياه الجديد يتكلف كثيراً، ولكن تكنولوجيا التحلية الآن تتقدم بشكل مذهل من حيث كميات المياه المنتجة ونوعيتها.. وايضا تكاليفها.. واسألوا السعودية وكل دول الخليج التي نجحت في اقامة مشروعات تحلية عملاقة وفي مقدمتها دول الامارات والكويت وقطر..13

وبالطبع لايغيب عن الاذهان الحل العسكري الذي لوحت به السلطة العسكرية مؤخراً عبر تصريح ملتبس كان نصه أنه سيكون لمصر شأنٌ آخر، وهذا الحل آثار الخلاف بين الخبراء العسكريين وخاصة بعد دخول إسرائيل كحليف قوي لإثيوبيا وخروج مانشيتات لصحف إثيوبية بأن لديهم القدرة على الرد بتدمير السد العالي 14

لكن الخبير العسكري، اللواء مختار قنديل، أكد أن مصر قادرة على ضرب إثيوبيا عسكريًا، لأن هذا الخيار الوحيد أمام مصر، مشيرًا إلى أن بناء السد سيحدث مشكلات كثيرة لمصر…و هذا الأمر يتطلب استعدادات كاملة، خاصة أن السد عبارة عن “خرسانة مسلحة”، كما أنه يجب التنسيق مع السودان فى هذا الأمر من خلال إحدى القواعد العسكرية الموجودة بها.

ونبه إلى أن موضوع الخيار العسكرى يجب أن يكون سرًا، ولا تتم مناقشته على الهواء، فمثلاً فى الحرب مع إسرائيل تم التنسيق مع سوريا سرًا ولم تكن تعلم إسرائيل أو أمريكا، وتم الحفاظ على السر حتى موعد الحرب.

لكن اللواء حسين زكريا، الخبير العسكري، وأستاذ العلوم الاستراتيجية، اشترط اعتداء إثيوبيا على مصر ليكون من حق الأخيرة الرد عسكريا مؤكداً أن الدستور المصرى يمنع مصر من الاعتداء على أى دولة حتى لو تخطت الحدود… وأن من حق مصر فقط الرد على الأعتداء الخارجي أو رد العدوان، مضيفاً أنه إذا لجأت مصر إلى الحل السياسى بدل العسكري، سيكون أفضل بكثير.

كما استبعد اللواء حمدى بخيت، الخبير العسكري، لجوء مصر للحل العسكرى مع إثيوبيا، مهما تأزمت الأمور بين البلدين، مؤكداً أن التدخل العسكرى لحل مشكلة سد النهضة سيكون آخر الحلول التى من الممكن أن تفكر مصر فى اللجوء إليها.12

 

الخلاصة:

الوضع الحالي لمصر في ملف المياه كارثي بكل ما تعني الكلمة، والسبب في ذلك يرجع للسيسي الذي فرط في حقوق مصر التاريخية في النيل بتوقيعه على اتفاقية المبادىء في الخرطوم، ولم يتضمن الاتفاق أي بند يحفظ حقوق الشعب المصري في مقدراته المائية، ولذلك فشبح العطش وبوار الأراضي الزراعية ماثل للأعين، وبدأت بوادره في جفاف الأراضي وحروب المياه في بعض المحافظات مثل الدقهلية والبحيرة والقليوبية، والعديد من قرى ومراكز الصعيد، وللخروج من المأزق الحالي لابد من تواجد إدارة وإرادة حقيقية تنقذ البلاد من الهلاك الوشيك، وتملك أدوات القوة لاستعادة حقوق الشعب، وإنقاذ الوطن من المجاعة المقبلة، ولا تستبعد حلاً سياسياً أو قانونياً ( 1)

 

المصادر:

1 -سد النهضة الإثيوبي ” ملف شامل ” (فريق فرسان المجد ) الأربعاء 26 مارس 2014 الرابط

›… › مواضيع عسكرية عامة

2- جولة نتنياهو الأفريقية: الأبعاد والتداعيات، صلاح بديوي بتاريخ يولية ١٣, ٢٠١٦ المعهد المصري للدراسات السياسية والاقتصادية

الرابط جولة-نتنياهو-الأفريقية-الأبعاد-والتداعيات/2/0/884

3- تداعيات “سد النهضة” على اقتصاد مصرد. عبد الحافظ الصاوي. الجزيرة.نت نشر بتاريخ 02‏/06‏/2013

الرابط تداعيات-سد-النهضة-على-اقتصاد-مصر

4- د. محمد حافظ. … شهادتي بشأن سد النهضة أمام الله والوطن بتاريخ 27 فبراير 2016…الرابط

5- اليوم السابع أول باحث مصرى ينشر أول بحث علمى دولى عن سد النهضة فى أكبر. ..بتاريخ 30 أغسطس 2014…الرابط

6- الرابط 2/05‏/2016.

7-انخفاض-ملحوظ-جدا-فى-منسوب-مياه النيل موقع نجوم مصر بتاريخ 10 مارس 2016 الرابط

وحلقة برلنامج العاشرة مساء على قناة دريم يوم 12/3/2016 الرابط

8- الاستشعار عن بعد مؤشرات كارثية عن جفاف النيل اليوم السابع بتاريخ 13 مايو 2015 الرابط

9- مؤشرات كارثية عن سد النهضة موقع محيط نشر بتاريخ 2أبريل 2017 الرابط

موقع سودان خبر بتاريخ 30مارس 2017 الرابط

10- د. محمد حافظ انهيار سد النهضة الحل الأسهل والأخطر لمصر والعرب.. موقع خليج أون لاين بتاريخ 2017 -08-19، الرابط

11- مصادر إضافية عن النصوص الكارثية في اتفاق المبادىء بالخرطوم

–  تحليل جوده العلمي لمشكله سد النهضه وكيفيه التعامل معها : الرابط (1) الرابط (2

–  اهميه كلمه shall في المصادر القانونيه :الرابط

كوراث تهدد المصريين موقع المصريون بتاريخ 24/10/2015 الرابط

– أخطاء للحكومة خلال مفاوضات «سد النهضة » أفقدتنا موقع رصد … بتاريخ 17/07/2017 الرابط

– سد-النهضة-ونهاية-الزمن-العربي موقع الجزيرة نت نشر بتاريخ 24‏/03‏/2015.. الرابط

– مستقبل اتفاق “سد النهضة” بين إثيوبيا ومصر والسودان موقع الجزيرة نت نشر بتاريخ 23‏/03‏/2015 الرابط

– د. بدر شافعي – مصر وسدّ النهضة.. كلاكيت 14 مرة – موقع العربي الجديد..بتاريخ 20/502017 العربي الجديد

اليوم السابع بتاريخ 11 مايو 2016..الرابط

12- 4 حلول بديلة لردع هاجس السد الإثيوبى – المصريون 01‏/01‏/2016

13 – حتي نقص المياه.. مشكلة لها حل للكاتب عباس الطرابيلي -الوفد نشر بتاريخ 22‏/07‏/2012

الرابط

14- صحيفة الركوبة السودانية، الصحف الإثيوبية : في حالة تفجير سد النهضة..طائراتنا الحربية ستقصف السد العالى وغيره من الأماكن الحيوية.. بتاريخ 06-11- 2013الرابط

———————–

الهامش

( 1 ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close