fbpx
قلم وميدان

مصر: ولما كان الخامس والعشرين من أبريل

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نحو 3 سنوات من الممارسات القمعية، من الانتهاكات ضد كل القيم، ضد كل الحقوق، ضد كل الحريات، منذ انقلاب 3 يوليو 2013، وحتى الآن، آلاف الشهداء، عشرات الآلاف من المعتقلين، مئات الآلاف من المطاردين والمشردين، كل هذا ونبض الثورة لم يتوقف، بأحجام مختلفة، وفي أماكن مختلفة، بغض النظر عن معيار الحجم أو التأثير أو الانتشار، ولكن ظلت الثورة قائمة، ظلت الثورة مستمرة.

إلا أن حدود النظام العسكري الحاكم في مصر وممارساته، لم تقف عند حدود القمع والقهر، في الداخل، وملاحقة اللاجئين والمطاردين في الخارج، ولكنها امتدت لتصل حد التفريط في الأرض، وبيعها مقابل حزمة مزايا اقتصادية، لن تستفيد منها مصر بأي حال من الأحوال، وإلا لكانت استفادت من عشرات المليارات التي تدفقت على المجلس العسكري ورموزه، ولم يكشف حجمها ومسارها سوى التسريبات.

ووصل الأمر حد التفريط في الأرض وبيعها لصالح الداعم الأول للانقلاب العسكري، ليس حرصاً على قادة الانقلاب، ولكن من باب استخدام الجيش المصري كأداة لتأمين نظامهم، وضمان استمرارهم واستقرارهم.

ومع هذا التفريط، كان رد الفعل حاسما وقوياً، وكانت البداية في جمعة الأرض، 15 أبريل 2016، حيث اختفت كل الشعارات، اختفت كل الرايات، تجاوزت معظم القوى السياسية والاجتماعية انقساماتها الداخلية، أو خلافاتها فيما بينها، رغم بعض الأصوات الشاذة هنا وهناك ولكن لم يكن لها تأثير على المسار العام، أو على وحدة الهدف أو على القضية الجامعة “كرامة الأرض”.

ومع التحول النوعي في المسار الثوري، دفاعاً عن الأرض، كان لابد من استثمار الحدث، فكانت الدعوة لانتفاضة جديدة، أكثر قوة، وأفضل إعداداً وتنظيماً، مع تحديد يوم الخامس والعشرين من أبريل ليكون يوماً للحشد، ولم يكن اختياره عشوائياً، بل جاء محسوباً بدقة، لأنه اليوم الذي تحتفل مصر بذكرى تحرير سيناء، حتى يكون الاحتفال بيوم التحرير رفضا للبيع والاحتلال الجديد.

وقبل أن يبدأ اليوم، تعددت الفعاليات الثورية، ممثلة في بيانات ودعوات للحشد والتعبئة، واتصالات ومشاورات وعمليات تنسيق، وفي المقابل كان العسكر وأجهزته الأمنية والعسكرية والإعلامية، ومؤسسات الدولة العميقة، وكل قوى الثورة المضادة تحشد، ولكن بأشكال مختلفة، من خلال نشر آلاف الآليات العسكرية والأمنية في شوارع وميادين الجمهورية، بدعوى تأمين المنشآت الحيوية، وقيام إعلام العسكر بدعوة من أسماهم “المواطنين الشرفاء” للنزول للميادين للمشاركة في احتفالات تحرير سيناء.

ومثل هذه الدعوات ليست جديدة، فالعسكر لا يتركون فرصة تدعو فيها القوى الثورية للتظاهر رفضا لسياساتهم، إلا وتتحرك آلتهم الإعلامية تدعو لمظاهرات مضادة، دون اكتراث بما يمكن أن تؤول إليه تطورات الأمور، من مواجهات بين فصائل الشعب وبعضها البعض، دون اكتراث بتهيئة المناخ الدافع للتحارب الأهلي، وتوفير البيئة الدافعة لحرب أهلية، يسقط فيها من يسقط، ويدمر فيها ما يدمر، ولما لا والدافع الرئيس هو حماية سلطتهم وامتيازاتهم على حساب كل شيء، ولو كان الأرض بعد الدماء التي سفكوها والحرمات التي انتهكوها.

رغم كل تجهيزاتهم وحشودهم، قناعاتي التي تشكلت عبر عشرات المشاهد، أن يوم التحرير نجح في تحقيق أهدافه قبل أن يبدأ، وأن نجاحاته لن تقف عند تاريخ يوم الخامس والعشرين من أبريل، ولكنه البداية، والشواهد كثيرة، لعل في مقدمتها:

أولاً: لقد رسَّخ هذا اليوم، الذي جاء امتدادا لجمعة الأرض، أهمية الميدان، وقيمته، ودوره في الثورة، وأن الثورة لن تنجح إلا في الميدان، ولن تُحقق أهدافها إلا بملء الميادين والصمود فيها، وأن كل الآليات الأخرى، مهما كان حجمها، داخل مصر أو خارجها، تبقي عوامل مساعدة، فالحسم الثوري سيبقى دائما للميدان، منه تستطيع القوى الثورية تغيير كل المعادلات، وخلط كل الأوراق، مهما كان مصدرها.

ثانياً: كشفت ردود أفعال سلطة الانقلاب وأجهزتها، عن تخبط وارتباك، يرقي في بعض شواهده إلى الصراع فيما بينها، وهو ما يعكس عدم قدرتها على السيطرة على مجريات الأمور سوي عبر الإفراط في نشر الأجهزة والآليات العسكرية، بل وإطلاق عشرات الطائرات الحربية عبر سماء العاصمة والمحافظات، بحجج واهية، تعكس شعوراً عميقاً بالقلق، بل ورعباً حقيقياً من مآلات الأحداث وتسارعها، رغم كل ممارسات القمع والتنكيل بالمتظاهرين.

ثالثاً: أدركت جمعة الأرض ويوم التحرير أنه إذا كان العسكر ومَن خلفهم، يتحركون بعشرات، أو بمئات العقول، التي تخطط وتفكر للنيل من الثورة، ومن الثائرين، وفي كيفية تدمير قدرات الوطن، فإن الثورة يفكر لها ملايين بطول البلاد وعرضها، مؤكدين أن المعركة في جوهرها معركة وعي، معركة انتماء، وأن المواجهة الممتدة هي “حرب نفسية” بامتياز، وأن من يملك القدرة على التحكم في حركته، والسيطرة على أدواته، وترتيب الأوراق، والمبادرة في الفعل وليس التحرك كرد فعل، هو من سيحقق أهدافه في النهاية، مهما كانت طبيعة توازنات القوى على الأرض.

رابعاً: أكدت جمعة الأرض ويوم التحرير، أن العسكر، ومن معهم، يتحركون معتقدين أنهم على قلب رجل واحد، من ناحية، وأنهم نجحوا في ضرب القوى الثورية وتفكيكها بل وضرب الكيان الواحد واختراقه، من ناحية ثانية، ولا يدركون أن الثورة لا تعترف بأية توازنات أو أية انقسامات داخلية، أو أية خلافات أو حتى صراعات سياسية، وأنه عندما يرتبط الأمر بالأرض والسيادة والكرامة الوطنية والأمن القومي للدولة يتجاهل الجميع كل ما بينهم من خلافات أو انقسامات، ولا يعلو إلا صوت الوطن، وصوت حريته وكرامته.

خامساً: يعتقد العسكر أن الخامس والعشرين من أبريل سيكون معركتهم الأخيرة في مواجهة القوى الثورية، وأنهم إذا نجحوا في قمع الحراك في هذا اليوم فسوف يستقر لهم الأمر لسنوات، ويقضون بذلك على الثورة قضاءً نهائياً وحاسماً، مستندين في ذلك إلى أن سفكهم دماء الآلاف في الميادين لم يسقطهم، وانتهاكهم حقوق وحريات الملايين لم يسقطهم، وحتى بيع الأرض لم يسقطهم، وبالتالي من حقهم التمادي في ممارساتهم ضد الأرض والشعب، مهما كانت النتائج، المهم أن تبقي سلطتهم، ويبقي استعبادهم لهذا الشعب.

ولكنه اعتقاد واهم، وحسابات خاطئة، فالثورة التي بدأت إرهاصاتها في السنوات الأولي من هذا القرن، وكانت شعلتها الأولي في 25 يناير 2011، لن تتوقف جذوتها إلا بعد أن تقوم بتطهير شامل لكل قوى الفساد والاستبداد والتسلط والاستعباد، مهما كانت قوتها، مهما كانت هيمنتها، مهما كانت تجهيزاتها، أو من يقف خلفها.

سادساً: أكدت جمعة الأرض، 15 أبريل 2016، رغم ما حققته من تحول نوعي، أن الصمود في الميادين لأكثر من يوم، كنموذج 25 يناير، هو معيار الحسم في العمل الثوري، لأن كل الأجهزة الأمنية والعسكرية، رغم كل ما تملكه من قدرات لا تستطيع الصمود عدة أيام أمام طوفان الملايين من المؤمنين بقيم الثورة، المُضَحين بأرواحهم وفدائهم دفاعاً عن وطنهم، أصحاب العقيدة الذين تجمع بينهم أخلاق الميدان (الصمود، الإرادة، التحدي، الحرية، الكرامة، العزة) مقابل رابط المصلحة، وفقط، الذي يجمع بين أجهزة العسكر ومؤسسات القمع والاستبداد.

فالثورة ليست يوماً حاسماً، وليست عدة أيام فقط، ولكنها مسيرة بذل وعطاء، تستطيع تحقيق أهدافها فقط، متي تجاوز حاملو لواءها انتماءاتهم الضيقة، ومطالبهم الخاصة، وتوجهاتهم الفكرية، وهذا هو التحدي الأكبر الذي لو نجحت فيه القوى الثورية المصرية، لن تستطيع أية قوة على الأرض، وليس فقط أجهزة أمنية أو عسكرية داخلية، الوقوف في وجه ثورتها وإرادتها. ومن هنا يبقي الرهان دائماً، بعد توفيق الله ونصره، على ثبات الثائرين وصمودهم في الميادين، وعندها سيفرضون إرادتهم وسيتحكمون في مسار ثورتهم، وبناء الوطن الذي يفخرون بالانتماء إليه.

خلاصة القول: الثورة في الميدان. الحسم في الميدان. الصمود بداية الحسم، ندرك تماماً أن الطريق طويل، ندرك تماماً أن التحدي كبير، ولكن ندرك أيضاً أن صمود الثائرين أطول، وأن إرادتهم أكبر، مُتسلحين بثقتهم في نصر ربهم.

—————–

الهامش

الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close