fbpx
تقارير

مظاهرات 25 أبريل: من المنتصر؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 (1) تمهيد

جاءت تداعيات تظاهرات يوم الخامس والعشرين من أبريل 2016 باعثة للتفاؤل والتحدي عند البعض وباعثة على التشاؤم والإحباط عند الآخرين، وبينما انشغل الجميع ما بين الكشف عن أماكن المعتقلين والدفاع ومحاولة الإفراج عنهم، وما بين تحليل ما حدث ورصد البيانات السياسية، كان السؤال من المنتصر في الخامس والعشرين من أبريل؟ وهل غاب عن المشهد الرصد المجتمعي لهذا اليوم وتفاعل شرائح المجتمع المصري له في ظل استياء ظاهر من مستخدمي موقع الفيسبوك من طبقة كبار السن والفقراء نتيجة بعض المشاهد التي تم تصويرها لسيدة ترفع علم السعودية وسيدة ورجل يضعون البيادة العسكرية فوق رؤوسهم؟

للإجابة عن هذا لابد من رصد عدة مشاهد قبل الإنتقال للإجابة عن سؤال المنتصر.

المستوي الأول: 25 أبريل ـ مشاهد متعددة:

أولاً: المشهد الحقوقي:

استبق النظام المصري هذه التحركات بحملة اعتقالات موسعة ضد النشطاء على مستوى الجمهورية مع تشديد القبضة الأمنية في الميادين الرئيسية وميدان التحرير ونقابة الصحفيين ومنطقة وسط البلد، بينما دفعت القوات المسلحة بقوات تأمين للمنشآت الحيوية وقوات تدخل سريع، وكان نتاج هذه الحملة وفقاً لبيان جبهة الدفاع عن متظاهري مصر، فكان كالتالي:

  • حسب التحرك أو الإجراء الأمني: عدد 577 واقعة “قبض وتوجيه اتهام” (حيث تم العرض على النيابة سواء تم إخلاء سبيلهم لاحقاً أم لا)، وعدد 619 حالة ” استيقاف ثم إطلاق سراح” (دون عرض على النيابة)، وعدد 81 حالة “غير معلوم” (حيث لم يتم التوصل إلى الوضع القانوني للشخص وقد يكون بينهم حالات محدودة لم تظهر بعد).
  • حسب المرحلة العمرية: عدد 1225 بالغ، وعدد 52 قاصر (مع مراعاة أن حالات القصر ترتبط بالتوصل إلى عمر الشخص).
  • حسب النوع الاجتماعي: عدد 1170 ذكر، وعدد 107 أنثى.
  • حسب أكثر الأيام التي حدثت فيها تلك الوقائع: يوم 25 أبريل إجمالي 711 حالة، ويوم 15 أبريل “جمعة الأرض” إجمالي 387 حالة، ويوم 22 أبريل إجمالي 87 حالة، ويوم 24 أبريل إجمالي 37 حالة.

ثانياً: المشهد السياسي:

1ـ الإخوان المسلمين:

صدر عن الجماعة بيانان، الأول: بيان اللجنة الإدارية العليا لإخوان الداخل، وقد جاء البيان ليوضح أن الإشكالية ليست في بيع الجزر فقط بل أيضاً في التنازل عن حقوق مصر التاريخية في النيل، ثم ربط البيان بين عيد تحرير سيناء وبين ما يعانيه أهل سيناء من قتل واعتقال وتهجير وتعاون مع العدو الصهيوني، ثم شدد على تجنب الخلافات في التظاهرات حتى لا يتم استخدام ذلك لصالح النظام(موقع إخوان أون لاين)، والثاني بيان جماعة الإخوان المسلمين “جبهة محمود عزت”، وجاء البيان ليستعرض بإيجاز لمحة سريعة عن سيناء وما يحدث بها من انتهاكات، موضحاً أن ما يحدث هو فعل نفر من قادة الإنقلاب العسكري، ثم دعا للمشاركة في الحراك الشعبي يوم 25 أبريل(إخوان سايت).

2ـ حزب مصر القوية:

جاء بيان مصر القوية يوم 23 أبريل ليؤكد مشاركته في الحراك الشعبي ليوم 25 أبريل وان مشاركته ليست فقط من اجل مسألة بيع الجزر بل من أجل فساد السلطة وذكر عدة أسباب، ليختم البيان بأن يرحب بأي تعاون مع أي قوى سياسية مهما كانت درجة الإختلاف مادامت هذه القوى سلمية معارضة للنظام على أرضية سياسية (14). ثم أصدر بياناً آخر مساء يوم 25 أبريل يؤكد فيه أنه كما كان السادس من أبريل لعام 2008 نقطة فاصلة في إدراك الشعب المصري لمدى هشاشة نظام مبارك القمعي الفاسد بعد أن رآه مهتزًا مرعوبًا مفزوعًا أمام دعوات الإضراب التي اطلقت حينها ، فإن أيضاً يوم الخامس والعشرين من أبريل لعام 2016 سيكون نقطة فاصلة لشعبنا المصري، وأن هذا اليوم سيكون بداية جديدة لمسيرة نضال تهدف إلى تحقيق دولة العدل والحرية والكرامة والديمقراطية، وستكون كذلك نقطة انطلاق نحو استعادة المصريين لأراضيهم سواء كانت أم الرشراش المغتصبة من الكيان الصهيوني، أو كانت تيران وصنافير التي باعتها السلطة (15).

3ـ حزب الدستور

أصدر القائم بأعمال الحزب بيان يوم 24 أبريل خصصه للرد على بيان جماعة الإخوان المسلمين بالتظاهر قال فيه “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون للإخوان مكان بين قوى الثورة فهذه الجماعة التي دأبت على إرهاب الشعب المصري وحرضت على قتل الأبرياء وتلوثت أيديهم بدماء الشهداء” (16). ثم صدر بيان للحزب بتاريخ 27 أبريل استنكر فيه ما حدث من محاصرة لمقري حزب الدستور والكرامة، والاعتقالات التي طالت المتظاهرين، وطالب باعتذار وزارة الداخلية وسحب التوقيع على بيع الجزيرتين وكف الإجراءات التعسفية، وختم بالتحذير من استمرار والصلف والغطرسة (17).

4ـ حركة شباب 6 أبريل

أعلنت الحركة مشاركتها بكل قوتها في مظاهرات 25 أبريل ورغم حملة الاعتقالات التي طالت أعضائها، أخذت صفحاتها تحشد لهذا اليوم من دعوات ونقل لفاعليات ميدانية، ونشرت الصفحة صباح يوم 25 أبريل “صباح النزول…صباح أننا هنقول لا للظلم…. هنقول لا للتفريط في أرضنا…. هنقول لا لتكميم أفواهنا وحبسنا” (18). وبعد انتهاء الفاعليات وحملة الاعتقالات نشرت الصفحة بتاريخ 28 أبريل توضيح هام لدعم متابعيها قائلة “مقاومة الظلم ومحاولة تغيير العالم من حولنا لمكان أفضل من وجهة نظرنا هو طريق طويل بنعدى فيه بمحطات وجولات ومعارك بعضها مع من نقاومه وبعضها لازم يكون مع أنفسنا أولا” وتعهدت فيه بأنها لن تصمت أو تقف وأن هذا عهد عليها (19).

5ـ الإشتراكيون الثوريون:

قام الإشتراكيون الثوريون بإصدار بيان يوم 23 أبريل ذكروا فيه أن التنازل عن الجزيرتين يأتي في إطار مشروع الثورة المضادة وسياسات النظام الاقتصادية القائمة على النهب والإفقار، والعلاقات المعادية للجماهير والثورة بين نظام السيسي والسعودية وممالك الخليج، ثم حذر البيان من احتواء هذه القضية في داخل الإطار الوطني فقط وفصلها عن بقية قضايا الحريات والنهب الإقتصادي، ثم تحدث عن بيان حركة 6 أبريل ومحاولة استدعاء المؤسسة العسكرية، ثم تطرق لصراع أجهزة الدولة وأسبابها، ثم ختم بأن واجب الوقت هو إنشاء جبهة ثورية موحدة (20).

ثالثاً: المشهد الميداني

1ـ المظاهرات المؤيدة للنظام:

وفقا لجريدة اليوم السابع فلقد كان هناك خمس أماكن تجمع  لمظاهرات مؤيدة للنظام في ميدان مصطفى محمود، وميدان التحرير، وميدان طلعت حرب، ونقابة الصحفيين، وأمام قصر عابدين(اليوم السابع)، ولكن النظام فشل أن يظهر حشود حقيقية في تلك المظاهرات فلم يظهر إلا بضع عشرات.

2ـ المظاهرات المعارضة للنظام:

كان أكثر المظاهرات تغطية صحفية هي مظاهرة ميدان المساحة بالدقي ومظاهرات منطقة ناهيا و منطقة فيصل، ووفق موقع المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية فلقد شهدت 17 محافظة مصرية تظاهرات معارضة للنظام (المعهد المصري)، وشهد تظاهرات محافظة القاهرة والجيزة والإسكندرية تعاملاً حاسماً من الأمن لضمان عدم توسعها، وسط إجراءات أمنية مشددة وانتشار قوات أمن مكثفة بزي مدني.

رابعاً: الموقف المجتمعي:

اعتمد النظام العسكري بعد الثالث من يوليو 2013، على استدعاء الحاضنة الشعبية له دوماً، بل ونجح في عزل القوى السياسية والثورية عن المجتمع تدريجياً فور انتهاء ثورة 25 يناير 2011، بدأ هذا بسلسلة من الإجراءات استهدف فيها حركة 6 أبريل ابتداء والتحريض عليها، ثم جماعة الإخوان المسلمين، ثم انتهاء بمنظمات المجتمع المدني والناشطين. ولكن زيادة آلة البطش مع الممارسات الإقتصادية كانت سيئة الأثر على المواطن بشكل مباشر، مع إصرار فئات كثيرة من الكتلة الحرجة لثورة 25 يناير بكافة مكوناتها على عدم الصمت، وهو ما أدى تدريجياً لتقليص شعبية النظام العسكري، برز هذا فيما سمي “الإستفتاء على دستور 2014″، ثم فيما سمي “الإنتخابات الرئاسية” ثم انتهاء بما سمي “الإنتخابات البرلمانية”.

ثم جاءت عملية بيع الجزيرتين لنشاهد لأول مرة في مظاهرات جمعة الأرض 15 أبريل عودة ظهور وجوه كبار السن والبسطاء ممن لا ينتمون لأي أحزاب أو حركات سياسية، مع بوادر احتضان شعبي لاحظها بعض الشباب المشاركين في المظاهرات من سخط أصحاب المحال التجارية في منطقة وسط البلد ضد النظام وليس ضدهم ككل مرة، بل ووصل الأمر إلى حماية بعضهم في بعض المناطق من المطاردات الأمنية عقب فض المظاهرات وتحديداً يوم 25 أبريل.

وهذا مؤشر إلى نجاح تسلسل الأحداث والإنتهاكات إلى كسر حالة الصراع المجتمعي المجتمعي الذي حرص النظام العسكري على إيجادها من بعد 25 يناير، لتتحول الحالة مرة أخرى إلى بدايات حالة صراع مجتمعي ضد السلطة العسكرية. ولكن هذا النجاح قد يصبح مهدداً إذا لاحظنا بعض ردود الأفعال على شبكات التواصل الاجتماعي، حول صور السيدة البسيطة التي ترفع البيادة العسكرية فوق رأسها هي والرجل ذو الشعر الأبيض، ورقص بعض الرجال والسيدات ورفع بعضهم لعلم السعودية، وهنا يبرز سؤال هل تؤيد الفئات الفقيرة في مصر النظام العسكري؟

طبقاً للمنشور على موقع اليوم السابع هنا في ديسمبر 2015 على لسان اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإنه طبقا لبيانات آخر بحث أجراه الجهاز وأعلن نتائجه حينها، فإن نسبة الفقر العامة فى مصر تقدر بـ26.3%. إذن وبحساب هذه النسبة مقارنة بإجمالي سكان مصر والذي تعدي ال 90 مليون فإن عدد الفقراء في مصر هي أكثر من 23 مليون نسمة.

وعند أخذ هذه النسبة ومقارنتها بأعداد المؤيدين للنظام العسكري يوم 25 أبريل 2016 فإننا سنجد أننا أمام رفض من تلك الفئة المجتمعية لتأييد النظام العسكري، وقس على هذا الطبقة المتوسطة وهي الأكثر تضرراً من النظام العسكري الحالي، ولكن الإشكالية الحقيقة هنا هو غياب آلية للقياس والرصد المجتمعي. ولكن هذا يدفعنا للتساؤل بشكل حقيقي عن من انتصر في الخامس والعشرين من أبريل وما تداعيات هذا؟

المستوي الثاني: المنتصر في 25 أبريل:

1ـ المشهد الإعلامي: يتضح من المشهد الإعلامي هو الخوف من تظاهرات 25 أبريل ومحاولة إظهار فشلها والتركيز على  نجاح النظام وأن هناك الآلاف من المتظاهرين نزلوا لتأييده، في حين كتب ما يسمى ب “ابن الدولة” في اليوم السابع قائلاً: “من اختار 25 أبريل للتظاهر؟.. الإجابة موجودة فقط فى بيانات الإخوان. من يتابع صفحات التنظيم يمكنه أن يشم رائحة المال التركي والقطري. والتنظيمات المرتزقة تخلط الإرهاب بالعمل السياسي” وأنه “يجب التفريق بين المعارضة والسعي لإسقاط الدولة”. و”ابن الدولة”، وفقاً لبعض المصادر، هو اسم رمزي لأحد الضباط العسكريين المقربين من السيسي.

2ـ المشهد الحقوقي: قام النظام بتوجيه ضربات استباقية شديدة الفعالية وكانت أجهزة الأمنية قوية في احتواء اليوم، ولكنه فشل لأول مرة في حصر التحرك المعارض له في فئة الإخوان فقط، وشكل وجود تيارات متعددة سياسية ومجتمعية ضده أزمة له في الداخل والخارج، وهو ما انعكس على سرعة الإفراج عن الكثير من المعتقلين لعدم تشكيل مساحات ضغط غير مبررة.

3ـ المشهد السياسي: تعلية مصلحة إسقاط النظام فوق الخلافات السابقة ووضع أرضية تحرك مشتركة ولو بدون تنسيق وهو ما ظهر في بيانات الحركات السياسية المرصودة ماعدا بيان حزب الدستور، والذي أصدره القائم بالأعمال، ولكن رد عليه رفضاً له عدد من أعضاء الحزب البارزين.

4ـ المشهد الميداني: برزت قلة وضعف المظاهرات المؤيدة للنظام مقابل المظاهرات المعارضة له رغم القبضة الأمنية المشددة، وزيادة مساحات الإصرار على استكمال محاولة إضعاف النظام وإسقاطه.

خلاصات:

رغم وضوح ظاهرة الغضب المجتمعي ضد النظام الحاكم ولكن هذا الرفض لم يتحول بعد لقناعة بإزالة هذا النظام، مع الأخذ في الاعتبار ممارسات القمع الأمني التي يقوم بها النظام، في مواجهته لهذه الفعاليات، خلافاً لما كان عليه الوضع في 15 أبريل 2016، الأمر الذي يتطلب وضوح رؤية حقيقية بين القوى الثورية، هذا الوضوح يفرض عليهم جميعاً الإجابة على التساؤلات التالية:

1ـ هل نحن نريد ثورة حقيقية كاملة أم نريد استبدال فقط لرأس النظام مع استمرار نفس المنظومة بوجوه أخرى؟

2ـ هل هناك درجة من الوعي الكافي لدى السياسيين والحركات السياسية تسمح لها ألا تقع في نفس أخطاء ما قبل الثالث من يوليو 2013؟

3ـ هل هناك مشروع حقيقي للثورة يحل محل الشكل الحالي للدولة المصرية؟ ولو تأسيسيات له؟

4ـ هل سيظل الخطاب الثوري خطاب سياسي أم انه سيتحول لخطاب مجتمعي يلامس المزاج المجتمعي العام واحتياجاته ويحترم ثقافته ودينه؟

5ـ هل تعرف القوي السياسية والثورية مساحات العمل المشترك التي يمكن أن تجمعها ومساحات الصراع المحتملة وكيفية إدارتها؟

6ـ هل معركة التغيير تحتاج لموجات ثورية متتابعة بلا فكر ومنهج وقائد؟ أم أن هذا سيؤدي لمثل ما حدث بعد الخامس والعشرين من يناير 2011؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة والعمل عليها هي التي ستحدد شكل التغيير القادم في مصر ومساحات الإنتصار والهزيمة لكلا الأطراف المتصارعة.

——————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close