مناظرة عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد: قراءة وتحليل
المقدمة
تمثل الورقة قراءة تحليلية للمناظرة التي دارت بين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد (رضي الله عنهما) في ضوء قراءات أربع لتحليل النص هي: القراءة العالمة – القراءة الفاعلة – القراءة الاتصالية – القراءة في أفق النص. ويلاحظ أن هناك قدر من التداخل بين القراءات؛ فالقراءة الفاعلة في شقها الثاني ترتبط بالتحليل والدلالات المفاهيمية للنص وهو ما يشكل جزءاً من القراءة العالمة، كما أن القراءة في أفق النص ترتبط بمجمل القراءات الثلاث السابقة لها.
كذلك يتضمن التحليل محاولة موجزة لربط بعض دلالات النص بقراءة أخرى وهو ما تمثل في ربط النص بجزء مما قدمه ابن تيمية في كتابه “السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية”.
وبالنظر إلى الطبيعة الحوارية للنص محل التناول نجد أن هناك بعض الأمور التي لم تطرح في ضوء عناصر القراءات المحددة حيث تم التركيز على النقاط التي تتناسب مع طبيعة النص الحواري، ومن ثم تم إهمال عدد من النقاط منها: سياق المؤلف – سياق اللغة – منهاجية بناء المفاهيم – واجهة النص … ومن ناحية أخري، فعلى الرغم من الطبيعة الحوارية للنص إلا أنه يحمل العديد من الدلالات والمعاني التي يمكن ربطها مع عدد من الكتابات والمؤلفات المتعلقة بإدارة الحكم وأصوله ومفاهيم المساءلة – المحاسبة – المسئولية – القيادة … إلا أن المطروح في الورقة لا يتمثل سوى خريطة تشريحية أولية لأهم تلك الدلالات دون إجمالها، ومن ثم فهناك حاجة إلى إيجاد قراءة جامعة تأخذ في اعتبارها ربط تلك الدلالات الأولية بالنص مع تفاصيلها في قراءات وإسهامات فكرية أخرى، وهو الأمر الذي لم يتم تقديمه بعد.
ثانياً: ملخص النص
يدور النص الحواري حول نقطة رئيسية وهي أسباب عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد من ولاية الجيش وتولية أبي عبيدة الجراح بدلاً منه. وتدور الأسباب التي يطرحها عمر لذلك، حسب بعض الروايات، حول إجازة ابن الوليد لقدر كبير من المال للأشعث بن قيس –أحد الشعراء- وهو ما وجد فيه عمر إسرافاً وترفاً و صفة لا يجب على الولاة الاتصاف بها، فضلاً عن شعوره بإعجاب وزهو ابن الوليد بانتصاراته وقوله عندما طُلب منه الخروج على بن الخطاب في الشام انه لن يفعل طالما بن الخطاب حي، وهو ما وجد فيه عمر مؤشراً على وقوع الفتنه من بعده، فأراد أن يمنع المسلمين من ذلك.
في المقابل، وجد الوليد في عزل عمر له ما يمثل غيرة وحسداً من انتصاراته التي حققها ضد الروم، ورغبة عمر في الحفاظ على مقاليد الأمر خوفاً من أن يخرج المسلمون عليه ويختاروا بن الوليد بدلاً عنه. كما أن المال الذي أنفقه كان من ماله الخاص ومن ثم لا يحق لعمر محاسبته عليه، وخاصة أنه قام بذلك علناً وكأن في الأمر رغبة في إذلال خالد.
ومن ثم دارت المناظرة بين الطرفين حول تلك النقاط، إلا أن خالد في النهاية عدل عن أمره بعد أن تبين له أن عمر لم يفعل ذلك رغبة في الانتقام منه أو رغبة في السيطرة على الشام، خاصة وأنه عين بدلاً منه أبا عبيدة بن الجرّاح الذي وصفه خالد بالزهد، كما أن خالد رأى بنفسه تمسك المسلمين بولاية عمر على الرغم من ضيقهم بشدته، وكان على رأس هؤلاء الحارث بن هشام الذي كان قديماً لا يذكر عمر بالخير ويتمنى موته.
ثالثاً: المرتكزات الرئيسية الثلاث للنص
1- المدخل: أسباب عقد المناظرة والتي حددها عمر في بداية حديثه:
“أيها الناس، فقد سألني خالد بن الوليد أن أجمعكم اليوم ليناقشني أمامكم وأناقشه وقد أشفق بعض ذوي الرأي من ذلك على كلمة المسلمين أن تفترق فنصحوني ألا أقبل ولكني استخرت الله فقبلت.. لا بطراً، يعلم الله، ولا رياء ولا استخفافاً بالفتنة أو استدراراً لها؛ ولكني نظرت فوجدتني بين أمرين: فإما أن أصدع بالحق فإن الحق من الله، والله سبحانه وتعالى المسؤول أن يجنبنا الفتنة فإن الفتنة من الشيطان. أيها الناس لقد أمرت بخالد بن الوليد فنوقش في حمص على رؤوس الأشهاد ليكون عبرة لغيره من ولاة الأمصار، وأريد اليوم أن اجعل نفسي حجة على كل من يلي هذا الأمر بعدي فلا يأبى أحدهم أو يستنكف أن يناقشه أحد من رعيته على رؤوس الأشهاد أبداً”.
ومن ثم فمدخل النص يدور حول الأسباب الرئيسية لانعقاد المناظرة والتي يمكن إجمالها في الآتي:
توضيح أسباب عزل خالد بن الوليد (أسس الرقابة والمحاسبة).
- تقديم عبرة للولاة من بعد عمر (التواصل وتراكم الخبرات).
- إقرار الحق وتحقيق التوافق بين الطرفين في نهاية الأمر (تحقيق إجماع الأمة والقضاء علي الفرقة).
2-المتن:
وتمثل الأسباب التي قدمها كل من خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب في تدعيم موقفيهما في مقابل بعضهما البعض، حجج النص إجمالاً:
خالد بن الوليد |
عمر بن الخطاب |
1- “حسد عمر وغيرته من ابن الوليد مما دفعه لعزله”، وقد جاء ذلك على لسان خالد في العبارات الآتية: – ولكنك تحسدني يا عمر والحسد شر من الزهو. – بل غرت مني يا عمر. – إنك لا تطيق أن ترى رجلاً يمتاز على الناس كالغرة في جبهة الفرس الأدهم. – بل أردت إرغامي وإذلالي لتشفى ما في صدرك من وجذ، وإلا لأمرت رسولك فسألني وحدي ولم يشهر بي أمام الناس وينزع قلنسوتي ويحل عمامتي ويعقل بها يدي من خلفي. 2-خوف عمر من أن ينازعه خالد الخلافة، وتمثل ذلك في العبارات الآتية: – لقد خشيت أن أنازعك هذا الأمر. – واعجبا لك يا عمر أليس للمسلمين إذا قضى ابن الخطاب نحبه أن يختاروني لولاية هذا الأمر؟ – وإذا فعلوا يا عمر إذا اختاروني وفيهم السابقون من المهاجرين والأنصار أتقوم أنت من موتك لتحول دون ذلك؟ – بل تخشى يا عمر أن يظهر هؤلاء عليك فيغلبوك على أمرك. |
1- الرغبة في كسر الزهو والغرور لدى ابن الوليد، وتمثل ذلك في: – ومن هذا الزهو أشفقت عليك يا خالد وعلى المسلمين. – ولقد قالت لي نفسي غداة أردت أن أعزلك، لا تفعل يا عمر وإلا ظن الناس بك الحسد، فهممت أن أنصاع لأمرها لولا أن قلت لنفسي فماذا أنت قائل لربك غدا إن خشيت الناس وهو أحق أن تخشاه… على أي شيء أحسدك، على مناقبك، ففي سبيل الله ولإعلاء كلمة الله ومن أجلها وليتك؛ وأما معايبك فمن آثار الجاهلية ومن أجلها عزلتك. – معاذ الله يا أبا سليمان ولكن الشيطان يوسوس للمؤمن كما يوسوس للكافر وليجدن سبيله من زهوك واستعلائك وفتنة الناس بك. – هذه العنجهية الجاهلية فيك هي التي أردت أن استأصلها منك. – ويحك إن الذي يبدد ماله على سنة الجاهلية لغير أمين على مال الله أن يبدده في غير موضعه. – فاكفف من غرورك واتق الله في نفسك، فإن طاف بك طائف من الشك فاذكر ماذا صنعت في بدر وأحد والخندق. 2- الخوف من إحداث الفتنة بين المسلمين وهو ما تمثل في: – أما هذا فنعم، لقد خشيت يا خالد أن تشق عصا المسلمين فيضرب بعضهم رقاب بعض. – ولكني احتطت لدين الله والمسلمين وحق على ولي أمر المسلمين أن يحتاط لهم. – لقد سمعت ناعق الفتنة في عهدي فحق علي ألا أتركه حتى أمسك بعنقه فلا يزعج المسلمين من بعدي بنعيقه، ولقد جاءك أمري وأنت في الشام أن تكذب نفسك فلم تفعل. |
يلاحظ بذلك أن المتن هنا يرتكز على العناصر الرئيسية التي من أجلها عقدت المناظرة واشتد الجدال حولها بين الطرفين. وإن كان الحديث قد تطرق لأمور تتعلق بإمكانية عصيان وخروج ابن الوليد على عمر ومدى شرعية حكمه.
3-الخاتمة:
تمثلت في نزول خالد عن موقفه وقبوله بصلاحية عمر وحقه في عزله، وذلك في قول خالد: “لقد وضح اليوم أن سابقة الإسلام لا يعدلها شيء عند المسلمين ولو جئتهم بهرقل في قفص وإن مثلك ومثلي يا عمر لكَما قال الشاعر:
“يا لك من قنبرة بمقفرة.. خلا لك الجو فبيضي وافرخي وانقري ما شئت أن تنقري”
وما أعقب ذلك من قول عمر، رداً عليه: “يا معشر المسلمين اثنوا على أخيكم خالد لشجاعته وصراحته وطاعته، فقد كان في وسعه أن يشق عصا المسلمين وهو بالشام ولكنه كظم غيظه وصبر حتى قدم إلينا بالمدنية فصارحني وناقشني أمامكم لتقولوا كلمتكم في وفيه، ولقد أراد الله به خيراً إذ لم تؤيدوه فيما نازعته نفسه إليه، إذاً والله ليكونن هذا الفارس المغوار أعجز من هرة قد حبست في قفص”.
وترجع الأسباب التي استندت إليها تلك الخاتمة إلى:
- اقتناع ابن الوليد بأن عمر لم يكن يرغب بالاستئثار بالشام لنفسه وذلك بدليل توليته لأبي عبيدة، وهو معروف بالزهد في الدنيا.
- شرعية عمر والتفاف المسلمين حوله على الرغم من الخوف من مهابته وشدته.
رابعاً: القراءة العالمة
1- السياق التاريخي للنص:
يشير إلى الأسباب السياقية الدافعة إلى انعقاد المناظرة بين الطرفين، والتي ترجع إلى أن خالد بن الوليد كان قد قام بالعديد من الفتوحات والانتصارات بدءاً من شمال الشام إلى أرجاء أرمينية وآور والرهاء، مما جعل الناس يعجبون به ويتحدثون عن انتصاراته وكان من بين هؤلاء الشعراء وعلى رأسهم “الأشعث بن قيس” الذي ذهب ليمتدح خالد فأجازه خالد بعشرة آلاف درهم.
فعلم عمر بن الخطاب بذلك فغضب من الأمر لأنه كان قد أمر خالد بأن يوزع الأموال على الفقراء والضعفاء. لذلك كتب عمر إلى “أبي عبيدة” أن يستقدم خالد ويعقله بعمامته وينزع عنه قلنسوته حتى يعلم إذا ما كان قد أنفق هذه الأموال على “الأشعث” من مالة الخاص أم من مال المسلمين، وفي الحالتين يقوم أبو عبيدة بعزل خالد عن قيادة الجيش، لأنه إذا كان ذلك من أموال المسلمين فهي خيانة، وإذا كان ذلك من ماله الخاص فذلك إسراف لا يحق لقائد أن يتصف به.
وبالفعل، عقد أبو عبيدة محاكمة لخالد واعترف خالد بأنه قد صرف هذه الأموال من ماله الخاص، وقد تم تحديد أموال خالد بثمانين ألف درهم ترك له ستون ألفاً منها وأُخذ الباقي إلى بيت المال، ولكن عمر استبطأ تنفيذ عزل خالد فبعث إليه يستقدمه ليبلغه بذلك بنفسه، خاصة وأن خالد بعد المحاكمة كان قد شكاه إلى المسلمين. فاراد عمر أن يعقد مناظرة بينه وبين خالد ليستوضح المسلمون الأمر، وهو ما حدث بالمسجد النبوي بالمدينة وبحضور عدد كبير من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)[1].
2- التحليل الحججي:
أولاً: بالنسبة لعمر ابن الخطاب
وسائل الإقناع:
– الصور التمثيلية:
“لقد سمعت ناعق الفتنة في عهدي فحق علي ألا أتركه حتى أمسك بعنقه فلا يزعج المسلمين من بعدي بنعيقه”. “إني وإياكم فى سفينتين فى لجة البحر تذهب بنا شرقاً وغرباً فلم يعجز الناس أن يولوا رجلاً منهم فإن استقام اتبعوه وإن جنق قتلوه”.
“ذلك عدو آخر، فأما العدو الذي أعني فإنه يرى الفرس فى عزته فيرديه….أعنى العدو الأكبر، أعنى الشيطان…”
– التكرار:
“هي الغرر والحجول، هي الغرر والحجول، هي الغرر والحجول”.
ثانياً: بالنسبة لخالد بن الوليد
وسائل الإقناع:
الاستعانة بالحضور من المسلمين بالمسجد:
“وما يدريك يا عمر ألا يكون هؤلاء معي عليك؟ فإنهم قد كرهوا شدتك وضاقوا بعهدك ولولا خوفهم منك لصارحوك برأيهم فيك”.
الصور التمثيلية :
“إنك لا تطيق أن ترى رجلاً يمتاز على الناس كالغرة فى جبهة الفرس الأدهم”.
3-التحليل المفاهيمي
المنظومة المفاهيمية للنص: يرتكز النص علي عدد من المفاهيم الرئيسية و التي تتمثل في الأتي:
-المفاهيم الإيجابية والسلبية:
4-العبارات المرجعية بالنص:
يلاحظ أنه بحكم الطبيعة الحوارية للنص تنوعت عباراته المرجعية بين كونها عبارات موقفية و تقويمية.
عبارة موقفية إجمالية: “لا بطراً، يعلم الله، ولا رياء ولا استخفافاً بالفتنة أو استدراراً لها، ولكني نظرت فوجدتني بين أمرين: فإما أن أصدع بالحق ولا أخشى الفتنة، فإن الحق من الله، والله سبحانه وتعالى المسؤول أن يجنبنا الفتنة فإن الفتنة من الشيطان”. فهذه العبارة تجمل موقف الخطاب من عقد المناظرة.
تساؤلية: “فماذا أنت قائل لربك غداً إن خشيت الناس وهو أحق أن تخشاه؟”، هذه العبارة تكشف عن أسباب قيام عمر بعزل خالد.
حجاجية استشرافية: “ولكني احتطت لدين الله والمسلمين، وحق على ولي أمر المسلمين أن يحتاط لهم”.
موقفية حجاجية: “إني لا أحاسبك من أجل نفسي، بل من أجل المسلمين”.
حجاجية تمثيلية: “لقد سمعت ناعق الفتنة في عهدي فحق علي ألا أتركه حتى أمسك بعنقه فلا يزعج المسلمين من بعدي بنعيقه”.
تفصيلية بعد إجمال: “وإن لنا في رسول الله أسوة حسنة، نثنى على خالد بما هو أهله ما كان على الطريق، فإذا حاد حاسبناه وعاتبناه، فإذا لم يستقم قومناه وأنفه راغم.” فهذه العبارة تفصل كيفية الاقتداء برسول الله في التعامل مع خالد يوم مؤته ويوم بني خزيمة.
خبرية: “فما جعل الله أحداً أعظم من الحق وإن كان عظيماً، وإن الله قد أذهب بأس الجاهلية وخيلاءها، كما أذهب أصنامها وأوثانها”.
موقفية: “فلا والله لا أوتى برجل يريد أن يكون صنماً يعبده الناس إلا حطمته”.
موقفية مقارنة: “إني عزلت المثني بن حارثة الشيباني يوم عزلتك لأن الناس فتنوا به كما فتنوا بك”.
تساؤليه كاشفة: “أتدري ما مقاتلنا يا خالد؟ هي الغرر والحجول، هي الغرر والحجول، هي الغرر والحجول، إلا من عصم الله”.
إرشادية تقويمية: “على من ولي هذا الأمر ألا يتكل على أحد وأن يعمل كأن ليس على ظهرها من يعنيه أمر المسلمين سواه”.
موقفية: “بالله إنك في أمري غير مجمل يا عمر”.
تقويمية كاشفة: “فكان جزاؤك من جنس عملك، لو أنك أعطيت الأشعث في السر لحاسبتك في السر”.
تقويمية استدلالية: “إن الذي يبدد ماله على سنة الجاهلية لغير أمين على ماله الله أن يبدده في غير موضعه”.
تساؤلية: “هل أردت وجه الله إذ عزلتني عن الشام؟
تساؤلية نافية: “فأي وجه أردت إذ عزلتك يا خالد غير وجه الله سبحانه؟”.
تمثيلية إرشادية: “أما والله لوددت أني وإياكم في سفينتين في لجة البحر تذهب بنا شرقاً وغرباً فلم يعجز الناس أن يولوا رجلاً منهم، فان استقام اتبعوه وإن جنف قتلوه”.
خامساً: القراءة الفاعلة
- الإسهام فى عصر النص: يرتبط ذلك بالعبر التي أراد عمر إرساءها من عقد المناظرة، ثم ما ترتب علي نتائجها بالنسبة للمسلمين في وقتها و هو ما تمثل في الآتي:
- تقديم العبرة لولاة الأمصار حول العلاقة بينهم وبين المحكومين من حيث العدل فى تقسيم الموارد حيث توجه إلى حاجات الأمة وأولوياتها بعيداً عن مظاهر الترف والإسراف، وكذلك تقديم العبرة فى محاسبة الولاة عن أفعالهم الشخصية وأنها لا تنفصل عن أمور إدارة الدولة والرعية.
- تقديم العبرة للولاة من بعد عمر ألا يخشوا مناقشة ولاتهم وإقرار الحق.
- وقف الفتنة التى كان من الممكن أن تنشأ بين أنصار كل من الطرفين.
- الإسهام فى عصرنا: يرتبط ذلك بتحليل الدلالات و المعاني التي تحملها عبارات النص:.
1) المحاسبة والرقابة:
– “أما والله لوددت أنى وإياكم فى سفينة فى لجة البحر تذهب بنا شرقاً، وغرباً فلا يعجز الناس أن يولوا رجلاً منهم، فإن استقام اتبعوه وإن جنف قتلوه”.
– “فماذا أنت قائل لربك غداً إذا خشيت الناس وهو أحق أن تخشاه”.
– “لا أوتى برجل يريد أن يكون صنماً يعبده الناس إلا حطمته”.
– “أتدري ما مقاتلنا يا خالد؟ هي الغرر والحجول”.
– “إني عزلت المثنى بن حارثة الشيباني يوم عزلتك لأن الناس فتنوا به كما فتنوا بك”.
– “فكان جزاؤك من جنس عملك”.
– “إن الذى يبدد ماله على سنة الجاهلية لغير أمين على مال الله أن يبدده فى غير موضعه”.
– “أي أن لا أحاسبك من أجل نفسى بل من أجل المسلمين”.
– “فأي وجه أردت إذ عزلتك يا خالد غير وجه الله سبحانه وتعالى؟”
– “ويحك يا خالد أترى لو قام بها والٍ غيرك كنت أتركه دون أن آخذ بناصيته؛ والله لو تركت ذلك لأحد لكرامته عندي لتركته لك”.
2) المسئولية والرعاية:
تطرح العبارات المقدمة علي لسان بن الخطاب العديد من المعاني المتعلقة بمفهوم المسئولية والرعاية والتي يمكن إجمالها في الآتي:
- الاستدامة (عناصر التخطيط المستقبلي):
” لكني احتطت لدين الله، وحق على من ولي أمر المسلمين أن يحتاط لهم”.
“لقد سمعت ناعق الفتنة فى عهدي فحق علي ألا أتركه حتى أمسك بعنقه فلا يزعج المسلمين من بعدى بنعيقه”.
- الشمول والعموم ( يتضح ذلك من إحساس عمر بمسئوليته عن كافة شئون الرعاية والولاة خاصة أنه المسؤول عن اختيارهم):
– “يا ليت لي سبيلاً إلى ذلك فلا يفوتني من شؤون المسلمين فى كل مصر من أمصارهم شيء، يا ليتني أستطيع أن أكفي كل عامل يعمل لنا عمله، إذا لاستراح بالي واطمأنت نفسي”
– أنى المسؤول… ألست أنا الذى وليتهم، والله لأُسألن بين يدى الله ومنعه للفقراء”
– “على من ولي الأمر ألا يتّكل على أحد وأن يعمل كأن ليس على ظهرها من يعينه على أمر المسلمين سواه”.
- تحديد الأولويات (بحيث توجه بالأساس إلى فئات الأمة الأضعف والأكثر استحقاقاً للرعاية فيظهر ذلك فى اللوم الذى وجه الخطاب لخالد على إنفاق أمواله على الشعراء):
“ويلك، أتريد من هؤلاء أن ينتجعوك، إن عليك أنت أن تنتجعهم أن بينهم لضعفة ومساكين وقد أمرتك أن تحبس مال الله على هؤلاء فأعطيته لذوي المال والغنى واللسان”.
3)الشفافية:
يظهر ذلك من خلال انعقاد المناظرة أمام عموم المسلمين ليتعرفوا على حقيقة الأمر من الطرفين:
“ليسمعن منك اليوم وليسمعن مني حتى يتبين لهم وجه الحق فيحكموا لك أو يحكموا عليك”
كما أن سير الحوار وتبادل الحجج بين الطرفين يعكس حرية تبادل المعلومات، بل يستمر الأمر لدرجة إعلان الحضور من الصحابة عن رأيهم فى عمر:
فيقول سعيد بن يزيد: أجل يا أمير المؤمنين قد كرهنا شدتك وإن لم نضق بعهدك، أنك قد أخشيتنا حتى والله ما نستطيع أن نديم إليك أبصارنا، فلو لنت للناس قليلاً يا عمر.
عبد الرحمن بن عوف: أنا أتكلم عنهم يا أمير المؤمنين، لِن للناس يا عمر فإنه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك فى حاجته حتى يرجع ولم يكلمك.
من ناحية أخرى يطرح الحوار شفافية فى طرح المبررات والأسس التى يبني عليها كل طرف وجهة نظره وهو ما يظهر فى الجزء الأخير من الحوار، ومن أهم مقاطعه التى تبرز ذلك:
خالد: هل أردتَ وجه الله إذ عزلتني عن الشام؟
عمر: أنت الذى تقول إن عمر ولّاني الشام حتى إذا صارت بثينة وعسلا عزلني وولّاها غيري.
خالد: أجل قلت هذا القول للمسلمين في كل مكان
عمر: … أتعلم أنى عزلت من يدك البثينة والعسل لأستأثر بهما لنفسي أو ذوي قرباي؟
خالد: كلا إني لم أقل ذلك، أنا لم أدّعِ عليك هذا.
عمر: هل تعلم أن أبا عبيدة متهالك على هذا؟
خالد: معاذ الله يا عمر إن أبا عبيدة – ما علمت وعلم الناس – لأزهد الناس فى الدنيا وأرغبهم في الأخرة.
وعند تدخل الحارث ابن هشام ضد عمرو ابن حفص – الذى دعا ابن الخطاب إلى اعتزال ولاية المسلمين – رد عليه:
خالد: ما أسرع ما تغيرت علينا يا حارث، من أجل ابنتك أم حكيم؟
الحارث: أن تكون أم حكيم ابنتي زوجاً لأمير المؤمنين فإن فاطمة بنت الوليد أختك زوجي، وإنها لتحرضني عليه ما لا تحرضني أم حكيم عليك، ولكنها كلمة حق أقولها غير محابٍ له ولا ظالم لك ولا ناظر إلا إلى خير المسلمين.
خالد: ما كان هذا رأيك فيّ من قبل إذ كنا بالشام.
الحارث: أجل لقد كنت أوقع في ابن الخطاب كلما ضمني مجلس وأتمنى موته إلى أن سمعني أبو عبيدة ذات يوم فقال …
4) الشورى (المشاركة في صنع القرار):
النص يتضمن العديد من العبارات التى تشير إلى الاحتكام لجمهور المسلمين وعدم الاستئثار بالرأي مثل:
- “ليسمعن منك اليوم وليسمعن مني حتى يتبين لهم وجه الحق فيحكموا لك أو يحكموا علي”.
- “يا معشر المسلمين من يعلم لي منكم مخرجاً عن هذا فليُشر به على، فإني والله لا أعرف لي مخرجاً من ذلك”.
- “يا صحابة رسول الله لقد نصحني خالد وصدق أنكم وجوه المسلمين وألسنتهم فأفتوني في أمري إن كان خير المسلمين فى بقائي أميراً لهم بقيت، وإن كان خيرهم في اعتزالي اعتزلت”.
كذلك هناك العديد من الأقوال لعمر بن الخطاب التي تؤكد هذا المعني منها قوله: “من دعا إلى إمارة نفسه أو غيره من غير مشورة فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه”، ” الإمارة شورى”، “فمن تأمر عليكم من غير مشورة المسلمين فاقتلوه”.
سادساً: النص كرسالة اتصالية
سابعاً:القراءة فى أفق النص
الخريطة |
تتمثل فى الحجج التى قدمها الطرفان للدفاع عن موقفيهما وصولا إلى نزول خالد عن رأيه. |
مرتكزات النص |
المدخل – المتن – الخاتمة. |
المرسل |
خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب. |
الأدوات |
حجج كل طرف. |
الزمان |
فى أعقاب محاكمة خالد وعزله عن الولاية. |
البيئة |
تتعلق بالسياق التاريخي للنص. |
المصادر |
حجج الطرفين، بالإضافة إلى الاستعانة بالحضور. |
المسكوت عنه |
غير موجود بالنص حيث إنه “مناظرة” قائمة على المواجهة والدفاع بالحجة، كما أنه كانت هناك ندّية بين الطرفين. |
الوزن والمكانة |
تتعلق بالقراءة الفاعلة للنص. |
ماذا يقول النص؟ |
أسباب عزل خالد وارتباط ذلك بسنن المحاسبة والمساءلة والمسئولية. |
من يقول النص؟ |
خالد + عمر + عدد من الحضور. |
كيف يقول النص؟ |
عرض الحجج المتبادلة بين الطرفين. |
لمن يقول النص؟ |
– لجمهور المسلمين من الحضور – ولاة الأمصار للعبرة – الخلفاء من بعد عمر |
متى يقول النص؟ |
(الزمان ) |
أين يقول النص؟ |
بالمسجد النبوي بالمدينة. |
لم يقول النص؟ |
لاطلاع المسلمين على حقيقة الأمر والحكم بين الطرفين فيما اختلفوا عليه. |
من أين يُستقى النص؟ |
– من الحجج المتنوعة التى يقدمها الطرفان (عقلية – واقعية – تاريخية – مرجعية …) – من التفاعل مع ما يشارك به بعض الحضور. |
الهامش
[1] عبد السلام السكري “أعظم حوار ديمقراطي في التاريخ عمر بن الخطاب مع خالد بن الوليد”، القاهرة: الدار المصرية للنشر والتوزيع، 1992، ص ص 97 – 109.
صراع الأيديولوجيات في العالم الإسلامي