أثار طرح 4.2% من أسهم شركة الشرقية للدخان بقيمة أجمالية 1.72 مليار جنيه، الكثير من التساؤلات في الوسط الاقتصادي، وخصوصا في اختيار وقت وسعر الطرح، واللذان أثرا بشكل كبير على تغطية كلا من الطرح (الخاص والعام).
ونفذت الشركة طرحًا خاصًا لعدد 96.2 مليون سهم تمثل نسبة 4.27% من إجمالي أسهم رأس مال الشركة المصدرة بقيمة 1.635 مليار جنيه، فيما بلغت أسهم الطرح العام نحو 5.06 مليون سهم تمثل نسبة 0.225% من أسهم رأس مال الشركة المصدرة بقيمة 86 مليون جنيه، وأعلنت الشركة تغطية الطرح الخاص 1.8 مرة، وتغطية الطرح العام 4.28 مرة تقريبًا.
وقبل أن نلقى الضوء تفصيلياً على هذا الطرح، تجدر الإشارة إلى كيفية تأثير طرح أسهم الشركات وبيع الاصول في عدة دول تتمتع بسوق أوراق مالية قوي وهيئات رقابية توفر المعلومات للمستثمرين، ولها من الادوات الرقابية ما يجعلها تؤمن سير عمليات طرح أسهم الشركات في البورصة، ونقارن ذلك بأساليب الطرح في مصر.
كما تجدر الإشارة إلى فترة هامة في تاريخ مصر الاقتصادي بدأت من عام 1993 وحتى نهاية عام 2010أي خلال سبعة عشر عاما، والتي تم خلالها بيع 236 شركة بسعر 33 مليار جنيه في الوقت الذي كان ثمنهم يقدر ب 270 مليار جنيه ولم يتبق الا 136 شركة فقط مملوكة للدولة، ثم تأتي الإشارة إلى الطرح الاخير لشركة الشرقية للدخان، ومقارنته بالطروحات التي تمت منذ عام 2011 والي الآن.
أولا: تجارب بيع الدولة لبعض الاصول في بعض الدول
انطلق قطار بيع جزء او كل أصول الشركات في الغرب في أعتي معقلين للرأسمالية في العالم وهما الولايات المتحدة بزعامة رونالد ريجان وفي بريطانيا بقيادة مارجريت تاتشر، وسقطت قلاع القطاع العام في الغرب الواحد تلو الآخر تحت ضربات الشركات متعددة الجنسيات تحت دعاوي من قبيل أن الخصخصة تعني كفاءة التشغيل والمنافسة الحرة والأسعار الرخيصة والجودة الأفضل.
وبسرعة انتقلت حمي الخصخصة لدول الجنوب وصارت ركنا أساسيا في مضمون أي التزامات تفرضها المؤسسات الدولية خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين على الدول النامية كشرط لمساندة إصلاحاتها الاقتصادية.
ويمكن استعراض بعض تجارب الخصخصة وذلك كما يلي:
1- بريطانيا وطرح أسهم الشركات:
توصف التجربة البريطانية في طرح جزء أو كل أسهم شركات حكومية بأنها تجربة ناجحة، من حيث التهيئة التشريعية والسياسية والاقتصادية، وكذلك مع إجراء إصلاحات في سوق الأوراق المالية والهيكل الضريبي، ثم شمول الخصخصة كافة قطاعات الاقتصاد القومي السلعية والخدمية، وكذلك في المجهودات الترويجية على استخدام حملات إعلامية وإعلانية مكثفة موجهة إلى كل القطاعات السوقية المستهدفة (الشعب – المستثمرين – العاملين – المديرين – الأجهزة الرسمية – القيادات السياسية والاجتماعية)؛ وذلك لإقناعهم وترغيبهم واستمالتهم بجدوى الخصخصة، فمثلاً استمرت الحملات الإعلامية والإعلانية في بيع شركة British Telecom سنة ونصف السنة، وأيضاً إعمال الأسلوب التدريجي في الخصخصة ومؤسسي الشركات.
عملت الحكومة البريطانية على توسيع قاعدة الملكية بعدة خطوات، على رأسها تشجيع الدولة للمؤسسين في المقام الأول على شراء نصيب الدولة من الأسهم أو جزء منها، وتشجيع المديرين والعاملين بإعطائهم أولوية في شراء الأسهم، أو إعطائهم أسهماً مقابل نصيبهم في الأرباح أو تخفيض ثمن الأسهم لهم، أو إعطائهم حافزاً للشراء، أو منح المتميزين من العاملين أسهماً مجانية لكونهم ذوى المسئولية الأولى في استمرار عطائهم للشركة وتطويره ومضاعفته (إعطاء مزايا واضحة للعاملين)، ووضع قيود على المستثمرين الأجانب في عمليات الخصخصة، وألا تزيد حصة المستثمر الأجنبي على 15% من إجمالي أسهم الشركة، مع عدم مشاركة الأجنبي في مجلس الإدارة واحتفاظ الحكومة بسهم خاص يسمى السهم الذهبي Golden Share في الشركة المباعة، كما يحق لها به حضور الجمعية العمومية، والتصويت، وتعيين ممثل لها من رجال الأعمال في مجلس الإدارة، وكذلك يحق لها الاعتراض في الأحوال الطارئة على بعض القرارات، وهذا يعطى صورة ذهنية أمام المواطن أن الشركات المخصخصة تعمل بمراقبة الدولة لإعمال الصالح العام ودون إضرار متعمد بحقوق المستثمرين والمساهمين.
كما أن التجربة البريطانية خيرت المديرين في المؤسسات العامة في الدولة، والمعارضين للخصخصة إما بنقلهم إلى وظائف بديلة في المؤسسات المخصخصة أو بحل هذه المؤسسات، فيفقدون وظائفهم.
وأخيراً توخت الحكومة البريطانية طريقتين في ضبط أسعار البيع للشركات المعروضة للخصخصة، إما بقرار مباشر منها أو عن طريق المزايدات، وفى كلتا الحالتين يسبق قرار السعر تقييم يقوم به مكتب محاسبة متخصص بالاشتراك مع البنك المسئول ووزارة المالية ثم ينتهي الأمر إلى ضبط سعر يؤخذ به في عمليات الخصخصة المباشرة إلى بعض أصناف المستثمرين أو يؤخذ به كحد أدنى في عمليات المزايدة التي تلجأ إليها الحكومة.
2- فرنسا وبيع الأصول العامة (انجي-رينو):
بدأت فكرة بيع الاصول الشركات الحكومية في فرنسا تجد رواجاً وقبولاً بين الأوساط القيادية الفرنسية، منذ أن تولى فرانسوا ميتران الحكم، وكان ثمة تطلع لنتائج تجربة بيع الاصول في بريطانيا، وقد بدأت تجربة فرنسا عام 1986م، بخصخصة شركة رينو لصناعة السيارات، وكانت الأهداف والأساليب المتبعة لتنفيذ برنامج الخصخصة في فرنسا شبيهة إلى حد كبير بالأهداف والأساليب المتبعة في برنامج الخصخصة لدى الحكومة البريطانية.
وقامت الحكومة الفرنسية بتهيئة المناخ الاستثماري، وتطوير أسواق رأس المال الفرنسية، وأعطت اهتماماً متزايداً لتوسيع قاعدة الملكية، وقامت الحكومة بتشجيع صغار المستثمرين المواطنين، بإعطائهم أولوية في شراء الأسهم المعروضة، وإعطاء المزيد من الاهتمام للعاملين في الشركات التي يشملها برنامج الخصخصة، بإعطائهم حق الاكتتاب في حدود 10% من أسهم منشآتهم.
واحتفظت الدولة لنفسها بسهم ذهبي في بعض المنشآت، وقامت الحكومة الفرنسية بتطوير القوانين لجذب الاستثمارات الأجنبية، مع وضع ضوابط لمساهمة المستثمرين الأجانب، حتى لا يترتب عليها ضرر للاقتصاد، والقيام بحملات إعلامية ضخمة لتشجيع المواطنين على شراء الأسهم، وبخاصة أسهم الشركات التي يعملون فيها.
وبذلك فان الدولة الفرنسية أصبحت تمتلك الدولة حافظة غير قليلة من الاستثمارات، حيث إن لديها حصصا في 81 شركة تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 100 مليار يورو، وتتنوع أنشطة تلك الشركات بين صناعة السيارات والاتصالات والنشاط النووي وأعمال الدفاع، وتدير تلك الحصص تحت شركة واحدة تحمل اسم وكالة المساهمات الحكومية (Agence des participations del’état) والتي قامت بعمليات بيع أصول صفقتين أجريتا خلال عام 2017، وهما بيع 4 % من شركة الطاقة «انجي» مقابل 1.5 مليار يورو، لينخفض نصيب الدولة في الشركة إلى 25.5 %، وحصة 5% في شركة السيارات «رينو» مقابل 1.2 مليار يورو، ليصل نصيبها إلى 15.1%.
ولم تمر صفقات الخصخصة دون انتقادات، إذ قال موقع «ذا لوكال فرانس» إن بعض المحللين رأوا أن أسهم شركة «إنجي» لم يتم بيعها بسعر جيد، حيث كان سعر السهم يقل عن سعر إغلاقه في السوق. ونقل الموقع عن كريستيان سانت إيتين، من جامعة باريس دوفين، قوله: «أسهم (إنجي) تساوي أكثر، لم يكن بالضرورة أفضل وقت للبيع.
ورأت صحيفة «فاينانشيال تايمز» أن برنامج الخصخصة ستكون له حساسية سياسية، خصوصا أن بعض الأصول تمس الأمن القومي مثل المطارات، كما يعتبر البعض أن الدولة تكبح نشاط المراهنات من خلال امتلاكها لشركة عاملة في هذا المجال.
ومن أكثر الصفقات التي أثارت جدلا في فرنسا هو بيع الدولة لأصولها في قطاع المطارات، فهناك أنباء غير مؤكدة عن شمول برنامج الخصخصة لحصة الدولة في شركة «أيرو بورت دي باري»، البالغة 50.6 في المائة، وهي الشركة التي تمتلك مطاري «باريس – شارل ديغول» و«أورولي»، ولديها رسملة سوقية بقيمة 15.6 مليار يورو.
وقالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» إنه، وفقا لأكثر من مصدر، فإن الدولة اختارت «بنك أوف أميركا ميرل لينش» لبحث سبل بيع شركة المطارات التي يصل رأسمالها السوقي إلى 15.6 مليار يورو.
وتشير الصحيفة إلى أن ثاني أكبر مالك في الشركة، «فينسي» العاملة في مجال الإنشاءات والبنية الأساسية ولديها حصة 8 %، هي الأقرب للفوز بالصفقة.
إلا أن الصحيفة نقلت عن مصادر أن خصخصة قطاع المطارات لن يكون بالأمر الهين في ظل التعقيدات التشريعية المحيطة بعملية بيع شركة تعمل في مجال الخدمات العامة. ونقلت «فاينانشيال تايمز» عن تقارير إعلامية أن الحكومة ستدفع بتشريع خلال الخريف المقبل لتمهيد الطريق إلى المزيد من الخصخصة. فيما قال محللون لدى وكالة «ناتيكسيس»: «لدينا شكوك تتناقص باستمرار في أنه ستتم خصخصة شركة المطارات»
ومع ذلك، فكثير من المحللين يتوقعون أن هناك تعقيدات كثيرة في الانتظار، نظرا لأن شركة المطارات واحدة من الشركات الرئيسية التي تشكل البنية التحتية لفرنسا، إضافة إلى الحساسية السياسية والأمنية، خاصة إذا جرى البيع لجهة واحدة؛ لأنها حتى ولو كانت فرنسية، فإنه يمكن لاحقا أن يتم الاستحواذ عليها من جهة أجنبية[1].
ويأمل ماكرون في أن يجني من عملية الخصخصة إيرادات بقيمة 10 مليارات يورو يوجهها لدعم الإبداع في القطاع الخاص، وفق مفهومه الليبرالي الذي يحاول مساندة اقتصاد البلاد دون سيطرة مباشرة للدولة على الأصول.
3- تجربة ماليزيا:
بلغ عدد الشركات الحكومية في ماليزيا نحو 900 شركة تساهم في الناتج الإجمالي المحلى بنحو 48%، ويعتمد الاقتصاد الماليزي على تصدير منتجين رئيسيين هما المطاط والقصدير، وحدثت تقلبات في الأسعار والأسواق وركود اقتصادي في عام 1985م، لهاتين السلعتين لدرجة سلبية معدل النمو الاقتصادي في هذا العام مقارنة بمعدل نمو 6.3% عام 1983م، 7.3% عام 1980م.
ونظراً لتزايد الحاجة لبناء وتحديث البنية التحتية Infrastructure وتوسعة القاعدة الصناعية، تبنت الدولة استراتيجية الخصخصة، حيث بلغ عدد المشروعات المخصخصة 110 مشروع، منها 25 مشروعاً جديداً تماماً في الفترة من 1983م، وحتى 1994م، وشاملة للخطوط الجوية الماليزية، الاتصالات، الكهرباء، النقل، البريد والمواصلات، الصرف الصحي.
اتصفت الجهود الترويجية للحكومة الماليزية بمراقبة الدولة، من خلال إطار رقابي تنفذه وحدة تنظيمية ملحقة بكل وزارة للأنشطة التجارية والمرافق التي تمت خصخصتها، وذلك عن طريق إصدار التراخيص لمدة زمنية محددة لإدارة الخدمات العامة، وبعد أن تنتهي يتم تعديل شروطها وفق المتغيرات المستحدثة، لزيادة نطاق المنافسة، ومراجعة آلية الأسعار.
أما الطريقة الثانية فهي منح عقود الامتياز Concession Agreements لإدارة المرافق العامة، متضمنة شروط تغيير بعض بنود العقد حسبما تراه الدولة ضرورياً.
4- تجربة شيلي في الخصخصة:
بدأت شيلي فترتها الأولى في الخصخصة فيما بين 1975-1984م، حيث كان القطاع العام يساهم بحوالي40% من إجمالي الناتج المحلى، إلا أن الدولة قامت بإعادة المنشآت المؤممة إلى أصحابها السابقين في القطاع الخاص، كما قامت بتحرير التجارة الخارجية وإزالة القيود المفروضة على النشاط الاقتصادي، وتمثلت المجهودات الترويجية وما يعضدها من مجهودات تسويقية لبرنامج الخصخصة، حيث استخدمت حكومة شيلي أساليب البيع بالمزاد، والعطاءات، وإجراء المفاوضات المباشرة.
وأفرز أسلوب الخصخصة في الفترة (1975-1984) إفلاساً لكثير من المشروعات، وتصفية بعضها، كما وضعت الحكومة يدها على المشروعات التي كانت تديرها البنوك، بالإضافة إلى تصفية وإدارة بعض التكتلات الصناعية.
وكان من أهم أسباب الفشل أن عمليات الشراء يتم تمويلها بأموال مقترضة، والتكالب على شراء المشروعات المعروضة للبيع دون أن يتوافر للمستثمرين خبرات فنية وإدارية بطبيعة النشاط، بينما تلهفت حكومة شيلي إلى البيع، لزيادة إيرادات الدولة، ولتخفيض العجز في الموازنة.
أقدمت حكومة شيلي في الفترة التالية للخصخصة من (1985-1988)، ونتيجة للفشل، على علاج السلبيات التي عانى منها الاقتصاد في السابق، مثل التكتلات الصناعية والمالية، وتركز الملكية، وعجز الموازنة نتيجة التوسع في القروض الممنوحة، فاتجهت الحكومة إلى توسيع قاعدة الملكية عن طريق تشجيع العاملين في المؤسسات العامة على شراء الأسهم بأسعار مغرية أو تقديم قروض ميسرة لهم، إلى جانب تنويع المشروعات المخصخصة.
فتحت حكومة شيلي الأبواب أمام صغار المستثمرين، مع تقديم الحوافز للمواطنين لإعادة الأموال المهربة للخارج، وتعديل القيود المفروضة على النقد الأجنبي، والسماح بمقايضة الدين الأجنبي بأسهم عادية محلية، وشراء ديون البلاد الخارجية وتحويلها إلى ديون داخلية، وتم اللجوء إلى أسلوب البيع بالمزاد العلني مع وضع سقف للملكية، وألا تزيد حصة المشترى على 20% من رأسمال المشروع، وكذلك طرح الأسهم للاكتتاب العام، مع اشتراط أن يكون 50% من رأس المال للمشروع مملوكاً على الأقل لمائة مساهم أو أكثر.
5- تجربة البرازيل:
بدأت حكومة البرازيل في تنفيذ برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي الهيكلي ومنه الخطط التي تتعلق بالخصخصة، منذ منتصف عام 1994م.
وقامت الحكومة البرازيلية بتهيئة كاملة للمناخ الاستثماري، لتحفيز الإنتاج والتصدير، وجذب الاستثمار الأجنبي، ولكن وضعت قيوداً على الاستثمار الأجنبي في بعض القطاعات الاستراتيجية مثل البترول والصناعات الاستراتيجية والمرافق العامة، إلى جانب ضرورة أن يسجل المستثمر السلع والاستثمارات حتى ولو كانت غير ملموسة، كالعلامات التجارية في المؤسسة القومية للملكية الصناعية في البرازيل، بالإضافة إلى تحصيل ضرائب مرهقة نسبياً دون أي إعفاءات للمستثمر الأجنبي أكثر من المستثمر الوطني، رغم تعديل التشريعات الضريبية في الإصلاح الاقتصادي ولكن وفقاً لنوع الصناعة.
واهتمت الحكومة البرازيلية بتنمية مهارات العاملين، كما قدمت الحكومة برامج تدريبية مجانية للعاملين في المدن الرئيسية، والمناطق الصناعية في ظل التركيز على التوجه التصديرى بعد عبور سياسة الإحلال محل الواردات.
ثانيا: موجة الخصخصة المصرية الثانية:
أعلنت الحكومة المصرية في يناير 2016، البدء في الخطوات التنفيذية لطرح حصص من خمس شركات – مدرجة أصلاً في البورصة – هي: الإسكندرية للزيوت المعدنية “أموك”، والشرقية للدخان “إيسترن كومباني”، والإسكندرية لتداول الحاويات، وأبو قير للأسمدة، ومصر الجديدة للإسكان والتعمير.
وفي يوليو 2017 بدأت الحكومة المصرية الترويج لطرح أسهم الشركات المملوكة للدولة في البورصة، تحت شعار تنشيط البورصة وزيادة رؤوس أموال القطاع العام، لكن على عكس الحالات السابقة لبيع شركات القطاع العام، فإن عددًا كبيرًا من الشركات المطروحة اليوم تحقق أرباحًا، وتعدها الحكومة من نقاط القوة لديها، إذ تصل القيمة السوقية لهذه الشركات 430 مليار جنيه مصري، ويُنظر إلى هذه العملية كموجة جديدة من خصخصة القطاع العام، حتى وإن اختلفت طريقة البيع عن تجارب الخصخصة السابقة.
وكانت الحكومة قد قالت في مايو2018 الماضي إنها ستطرح حصصًا من 4 إلى 6 شركات حكومية في البورصة في فترة تمتد من يونيو 2018 وحتى مطلع 2019، لجمع ما بين 15 و18 مليار جنيه، على أن تُطرح الدفعة الثانية من الشركات المقرر بيعها خلال 2019، لجمع 30 إلى 40 مليار جنيه، ومن بين الشركات التي تستهدف الحكومة بيع حصص منها في البورصة: بنك القاهرة وبنك الإسكندرية وشركة الشرق الأوسط لتكرير البترول “ميدور” وشركة مصر للتأمين.
وعند النظر إلى الشركات المطروحة للبيع، نرى أنها شركات ناجحة وتحقق أرباحًا وتمتلك قاعدة سوقية ومالية ضخمة، فهي تشمل قطاع البنوك الوطنية الذي ستُطرح منه نسب مختلفة من ثلاثة بنوك، بالإضافة إلى واحدة من أكبر شركات التأمين في مصر، وهي “مصر للتأمين” التي تسيطر على 52% من السوق المحلي، كذلك ستُطرح نسبة من الشركة الشرقية للدخان “إيسترن كومباني” التي يبلغ رأسمالها المتداول في البورصة 1.5 مليار جنية مصري، وبلغت مبيعاتها 570 مليون جنية مصري العام الماضي.
ورغم قوة الشركات المطروحة، فإن البعض يشير إلى أن الطرح الجزئي، مع احتفاظ الحكومة بالنسبة الأكبر، وبالتالي إدارة هذه الشركات، قد يدفع المستثمرين للعزوف عن عمليات الشراء، وهذا ما يعيد للأذهان الفترة العصيبة التي شهدتها مصر منذ عام 1993 حيث بدأت عجلة الخصخصة في الدوران.
1- ارهاصات وجرائم الموجة الاولي من الخصخصة:
تعد الموجة الاولي من برنامج الخصخصة من الجرائم الكبري التي تنسب إلى عاطف عبيد ووزارته، لما تضمنته من إهدار للمال العام الذي ضاع في عمليات الخصخصة، حيث أتمت حكومة عبيد بنهاية مايو 2003 بيع 194 شركة بيعا كاملاً أو جزئياً بمبلغ 16.6 مليار جنيه، وظهرت مؤشرات وحقائق فعلية دلت على إهدار المال العام في عمليات الخصخصة بسبب الفرق في القيمة السوقية للشركات المباعة وبين القيمة الفعلية التي بيعت بها، والذي بلغ 500 مليار جنيه حسب تقديرات بنك الاستثمار القومي. مما يدل علي تلاعب وزارة عبيد في الخصخصة وإهدار المال العام، فضلاً عن خداع الرأي العام بتقديم بيانات وأرقام غير صحيحة عن عوائد الخصخصة التي أصابت الاقتصاد بأضرار فادحة أدت إلى انهيار الاقتصاد الوطني، فضلاً عن تشريد مئات الآلاف من العمال وإهدار حقوقهم، مما كان له أثر سلبي علي الضمان الاجتماعي والتفاوت الرهيب بين طبقات الشعب، وارتفاع معدل البطالة، وزيادة قضايا الفساد، حيث أعلن الجهاز المركزي للمحاسبات أن عام 2003 وصل فيه حجم الكسب غير المشروع إلى 100 مليار جنيه، وارتفاع حجم الأموال التي دفعت في الرشاوي إلى 500 مليون جنيه، وغسيل الأموال بما يوازي 5 مليارات جنيه، والزيادة في هذه المعدلات سببها القصور الجسيم الذي شاب عمليات بيع الشركات.
بلغ حجم الدين المحلي في بداية وزارة عاطف عبيد 245.5 مليار جنيه (الدين المحلي مضافاً إليه ديون الهيئات الاقتصادية العامة ودين بنك الاستثمار القومي)، ثم ارتفعت الديون المحلية خلال حكم عبيد إلى أن وصل عام 2004 إلى 387.4 مليار جنيه أي بزيادة قدرها 141.9 مليار جنيه، مما هدد الاستقرار الاقتصادي، وساهم في رفع معدلات التضخم والعجز الدائم في الموازنة العامة.
عجزت حكومة عبيد عن تنمية الاقتصاد، وزيادة الإيرادات العامة لأنها حكومة عاجزة وضعيفة الإحساس بالمسئولية الملقاة على عاتقها، وبدون كفاءة واضحة، لهذا لجأت إلى بيع الأصول الإنتاجية التي أقامتها حكومات سابقة.
كما عملت السياسات المتخبطة لحكومة عاطف عبيد على تدمير البنوك المصرية التي اعتمدت على تسهيل عمليات القروض بدون ضمانات، وتدخل رئيس الوزراء بشكل مباشر في شئون البنوك لمنح بعض رجال الأعمال قروضاً كبيرة رغم عدم قدراتهم الائتمانية التي لا تسمح بسدادها، فضلاً عن عدم تقديم ضمانات أو تقديم ضمانات وهمية.
وقد كشفت نتائج بيع ممتلكات الدولة، عن ضياع ما يقرب من 89 شركة من أفضل الشركات المصرية التي استولى عليها رجال أعمال الحكومات السابقة من دون وجه حق وبعقود باطلة ثم بيعها للمستثمرين الاجانب مما أهدر ملايين الدولارات على البلاد، وشرد عددا ضخما من العاملين بهذه الشركات التي قامت الإدارات الجديدة لها بتسريحهم أو إنهاء خدمتهم بنظام المعاش المبكر.
وفي دراسة أعدها الدكتور “صلاح جودة”، تحت عنوان “الخصخصة ورجال الأعمال”، تشير إلى أنه لا يمكن عودة شركات الخصخصة إلى قطاع الأعمال العام إلا إذا شاب عقود البيع البطلان، ويبلغ عدد الشركات التي تم خصخصتها منذ عام 1973 نحو 371 شركة كانت من أفضل الشركات المصرية ذات الأغراض المتميزة وتحقق أرباحا هائلة، وذات عمالة كثيفة، بينما يبلغ عدد الشركات التي شابها البطلان ما يقرب من 89 شركة، سواء بسعر أقل من سعر التقييم أو من خلال مخالفات في بنود العقد[2].
وهناك معلومة يعلمها العاملون في مجال الاوراق المالية أنه كان هناك شركة خاصة كانت مهمتها بيع الشركات العامة والترويج لها وقبض سمسرة جاهزة من المشترين على طريقة بيع ديون مصر، وسميت هذه الشركة باسم “يونيكاب” وهو تلخيص لكلمتي “يونايتد كابيتال” وهي شركة مساهمة مصرية اسست طبقًا لقانون الاستثمار القانون رقم 8 لسنة 1997 وتحمل سجلًا تجاريًا رقم 31547 وترخيصا من هيئة سوق المال رقم 235 لسنة 1998 ووظيفتها المعلنة ترويج وضمان الاكتتاب في الأوراق المالية. وتؤكد الأوراق نفسها أن مهام الشركة تغطية إصدارات الاسهم والسندات والتعاون مع البنوك والمؤسسات للصفقات المشتركة بجانب الترويج محليا وعالميا لشركات قطاع الأعمال والعام والخاص.
2- نموذج للفساد في بيع بعض أصول الشركات المصرية:
ويمكن استعراض أحد نماذج الفساد الصارخ في بيع أصول شركات الاسمنت ألا وهي فضيحة بيع أسمنت حلوان وذلك كما يلي:
تعود تفاصيل القصة إلى 10 سبتمبر 2001 عندما قرر رئيس مجلس الوزراء حينئذ ورئيس اللجنة الوزارية للخصخصة تنفيذ صفقة بيع شركة أسمنت بورتلاند حلوان لصالح الشركة العربية السويسرية للاستشارات الفنية “أسيك ” بمبلغ 3.1 مليار جنيه.
بدأت شركة أسيك صاحبة الصفقة في عام 1984 كمكتب للاستشارات الفنية، وعندما تولي د. عاطف عبيد وزارة قطاع الأعمال تحولت إلى شركة للاستشارات الفنية قطاع خاص، وحملت اسم الشركة العربية السويسرية للاستشارات الفنية “أسيك”، ويرأس مجلس إدارتها في ذلك الوقت المهندس عمر أمين جميعي.
وبأوامر من د. عاطف عبيد وزير قطاع الأعمال، قامت كل من شركات طرة للأسمنت والقومية للأسمنت وأسمنت بورتلاند حلوان قطاع عام بالمساهمة في تكوين شركة “أسيك” حيث ساهمت شركة أسمنت بورتلاند حلوان بنسبة 10.33 % في “أسيك” أي أن الشركة المبيعة- أسمنت بورتلاند حلوان- من المؤسسين للشركة التي اشترت أسيك.
وكان رأس مال شركة أسيك عند تنفيذ الصفقة 52 مليون جنيه فقط، وقامت بشراء شركة الأسمنت بمبلغ 1.3 مليار جنيه وبأوامر من د. عاطف عبيد تزعم بنك مصر وسيتي بنك كونسرتيوم لتمويل الصفقة بـ 3.1 مليار جنيه وتم بالفعل تدبير المبلغ بدون ضمانات تذكر.
وتمهيدا لإتمام هذه الصفقة، تم تنفيذ مخطط بدأ في فبراير عام 2000 وذلك بإنشاء شركة “الأهرام للأسمنت” قطاع خاص وأرسل مجلس إدارتها عمر جميعي وبأوامر من الدكتور مختار خطاب وتعليمات من د. عاطف عبيد شاركت شركة أسمنت بورتلاند حلوان في تأسيس شركة “الأهرام” بنسبة مساهمة 10%.
وبعد فترة قصيرة وبشكل مفاجئ انسحبت شركة أسمنت بورتلاند حلوان من التأسيس وبشكل مفاجئ أيضا قامت شركة “الأهرام” بشراء عدد 54 397,6 سهم من أسهم شركة” أسمنت بورتلاند حلوان، وتم تعيين المهندس عمر جميعي رئيس مجلس إدارة شركة” أسيك ” و”الأهرام” عضوا في مجلس إدارة شركة أسمنت بورتلاند حلوان، وله حق التصويت.
وفي يوم 31 مايو 2000 أي قبل عملية البيع بحوالي عام و 6 أشهر اجتمع مجلس إدارة شركة أسمنت بورتلاند حلوان ورأس الاجتماع الكيميائي حسن محمد كامل حسن رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب واعتذر عمر جميعي عضو مجلس الإدارة عن عدم الحضور وفوض حسن كامل في التصويت علي قرارات المجلس، حيث وافق مجلس الإدارة علي التعاقد مع الشركة العربية السويسرية للهندسة أسيك، والتي يرأس مجلس إدارتها عمر جميعي علي إجراء عمليات التحديث والتطوير والإدارة الفنية لخطي الإنتاج بمصنع 2 بالشركة وبتكلفة إجمالية تبلغ 647 مليون جنيه، أي أن شركة أسيك ورأس مالها 25 مليون جنيه تم التعاقد معها علي أعمال بمبلغ 647 مليون جنيه، وتم بالفعل التعاقد ودفع مبلغ 40 مليون جنيه مقدما وبذلك تم التسهيل لاستيلاء شركة أسيك علي شركة أسمنت حلوان قبل البيع.
وكانت أعباء التعاقد خيالية، وتنقسم إلى 34 % بإجمالي مبلغ 220 مليون جنيه قيمة توريدات معدات وآلات، و33 % بإجمالي مبلغ 213 مليون جنيه قيمة خدمات إشراف على التركيب والتشغيل – يؤكد الخبراء ان هذا مبلغ خيالي بالنسبة لهذه الخدمات – و33 % بإجمالي مبلغ 213 مليون جنيه قيمة قطع غيار ومستلزمات تشغيل وتم توقيع عقد التطوير في يونيو 2000.
ومن الغريب أنه عندما أعلن عن قيام شركة أسمنت حلوان بعملية التطوير تمت دراسة كراسة الشروط بالمواصفات المطلوبة، والتي وضعتها شركة أسيك وتقدمت 4 شركات عالمية وأرسلت شركة أسمنت حلوان بالعروض إلى شركة أسيك، والتي أوصت بعدم قبول جميع العروض المقدمة وفي النهاية أسندت عملية التطوير لشركة “أسيك” بمبلغ 1.3 مليار جنيه.
وبعد حوالي عام ونصف توفي عمر جميعي واشتري الشركة أحمد محمد حسنين هيكل صاحب شركة القلعة للاستثمار ورأس مالها 10 ملايين دولار من ورثة الجميعي بمبلغ 3.6 مليار جنيه وباعها إلى المجموعة الإيطالية بمبلغ 5.2 مليار جنيه بعد عام واحد[3].
ثم اشتري بعد ذلك أحمد محمد حسنين هيكل شركة “أسيك” ومجموعة من الشركات وأنشأ مصنع أسمنت التكامل بالسودان علاوة على باقي شركات القلعة القابضة للاستثمار وخصصت صافي إيراد النشاط مبلغ 615 مليون جنيه ويبلغ إجمالي الربح الصافي 175 مليون جنيه.
قبل تنفيذ عملية البيع بأيام تم ضخ مبلغ نقدي لشركة أسمنت حلوان مقداره 155 مليون جنيه قيمة استثمارات قصيرة الأجل في شركة أسمنت السويس ولا يدري أحد أين ذهب هذا المبلغ، وفي نفس يوم موافقة الحكومة على صفقة البيع أعلنت هيئة سوق المال عدم قانونية العرض المقدم من شركة سيسيل البرتغالية لشراء 75 % من أسهم شركة أسمنت حلوان، والتي تسيطر على 13 % من حجم سوق الأسمنت المحلي وكان العرض بمبلغ 1.3 مليار جنيه[4].
وارتبطت شركتا أسيك وشركة “الأهرام للأسمنت” ارتباطا بشركة “ميت ” الفرنسية وهي شركة مملوكة ليهودي، ويبقي الحكم الأخير للقضاء بشأن الصفقة التي كانت مثار جدل منذ عهد الدكتور عاطف عبيد، وحتى الآن.
ختاما:
كما سبق من عرض لنماذج دوليه لبعض الدول المتقدمة والنامية، في طريقتها لإدارة بيع اصول شركاتها مرورا بالتجربة المريرة التي عاشتها مصر في عهد مبارك من بيع أصول شركات بأسعار زهيدة، وتقديم نموذج لذلك شركة أسمنت حلوان.
وتؤكد التجارب الدولية التي تم استعراضها أهمية مجموعة من العناصر الداعمة لعملية البيع يأتي على راسها طريقة التقييم المتبعة لأصول تلك الشركات، والتي تعمدت الإدارات المصرية تجاهلها والدخول في عمليات مركبة بحرفية لإضاعة الحقيقة في كيفية بيع وتقييم تلك الشركات.
وللأسف اعتمدت الدولة المصرية في الموجة الثانية الحالية من الخصخصة على اسلوب الطرح عن طريق البورصة، مع اعتماد متوسط السعر السوقي لمدة شهر للسهم المطروح كآلية للتسعير.
ومع بدء العملي للموجة الثانية من الخصخصة المصرية بطرح جزء من أسهم الشركة الشرقية للدخان، تتبدي للأذهان مجموعة من الأسئلة من بينها، هل يكون طرح أسهم الشركات العاملة بالسوق الان إعادة للتجربة السابقة، أم تماشيا مع ما يطلبه صندوق النقد الدولي، ام لإنعاش سوق الاوراق المالية، وكيف سيتم التسعير هذه المرة مقارنة بالأسعار الحقيقية؟ [5].
الهامش
[1] صحيفة الشرق الأوسط، لندن، عدد 8 يناير 2018، الرابط
[2] علا العيسوي، منى إمام، الخصخصة: حكاية بيع اصول مصر، 19-7-2011، دار أخبار اليوم، الرابط
[3] علاء أحمدـ بوابة الأهرام تنشر تفاصيل صفقة بيع أسمنت بورتلاند حلوان، 16 أبريل 2011، الرابط
[4] صالح الصالحي، بلاغ للنائب العام يكشف اسرار مخطط عبيد للخصخصة، 3 أبريل 2011، الرابط
[5] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.