الشرق الأوسطتقارير

نحو تصورات عملية لدعم نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


تمهيد

بعد انهيار نظام الأسد، برز حجم الدمار الواسع الذي لحق بسوريا على مدار السنوات الماضية، مما يستدعي توفير موارد وإمكانات هائلة لتعويض الخسائر وإعادة الإعمار على أسس قوية ومستدامة. لم يقتصر هذا الدمار على البنية التحتية فحسب، بل امتد ليشمل القطاعات الاقتصادية، والنسيج الاجتماعي، والمؤسسات الحكومية، مما خلق تحديات غير مسبوقة أمام عملية إعادة البناء.

بالإضافة إلى ذلك، تعاني البلاد من أوضاع اقتصادية متدهورة على مدار سنوات، حيث أدى انهيار العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم، وتوقف عجلة الإنتاج، إلى تفاقم الأوضاع المعيشية السيئة للسكان. كما أن الأعداد الكبيرة من اللاجئين والنازحين، الذين ينتظرون الفرصة للعودة إلى وطنهم، يواجهون عقبات عدة، مثل نقص فرص العمل، وضعف الخدمات الأساسية، وانعدام الاستقرار الأمني، وهو ما يجعل عودتهم مرهونة بتوفير بيئة اقتصادية واجتماعية مناسبة.

كل هذه التحديات تستلزم حلولاً مبتكرة ونهجاً غير تقليدي لتحفيز عجلة الاقتصاد، عبر دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع ريادة الأعمال، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة تُمكّن العائدين من المساهمة الفاعلة في إعادة البناء. كما تتطلب جهود الإعمار إشراك مختلف الفاعلين المحليين والدوليين، بما يشمل القطاعين العام والخاص، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الدولية، لضمان استدامة عملية التعافي الاقتصادي والاجتماعي. فالانتقال من حالة الأزمة إلى مرحلة من التعافي والنمو لا يمكن تحقيقه دون استراتيجيات متكاملة تُعيد الثقة للمواطنين، وتوفر لهم فرصاً اقتصادية تضمن حياة كريمة ومستقرة لملايين السوريين، وتؤسس لمستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.

في دراسة للمعهد المصري للدراسات، نشرت بعد نحو ثلاثة أسابيع من سقوط نظام بشار الأسد، تم استعراض التحديات الرئيسة التي تواجه سوريا المستقبل، وتم اقتراح عدد من الإستراتيجيات العامة أمام القيادة السورية الجديدة لمواجهة هذه التحديات. فيما يتعلق بتحديات إعادة البناء وعودة اللاجئين، وتم استعراض استراتيجية مركزية تتعلق بتمكين المجتمع الأهلي للقيام بدوره في هذا الصدد، فضلاً عن أدوار أخرى للمجتمع ذكرتها الدراسة، تجعل دعم الدولة لهذا التمكين ضرورة محورية شديدة الأهمية في تحصين المجتمع وتمتينه.

فيما يتعلق بالبعد الاقتصادي، فقد أكدت الدراسة على أن تحميل الدولة بالمهمة الاقتصادية بالكامل، سيكون خارج قدراتها وسيؤخر الإنجاز كثيراً. كما أكدت الدراسة أيضاً على أن نموذج تحكُّم حفنة من كبار رجال الأعمال في الثروة، النموذج النيو ليبرالي، سيترتب عليه آثار مدمرة على المجتمع السوري. لذلك أكدت الدراسة على أهمية تمكين المجتمع في أداء دوره التنموي، بما يزيح جزءًا كبيراً من العبء عن كاهل الدولة، ولن يكون ذلك إلا عبر تهيئة البيئة المناسبة، وتشجيع رواد الأعمال بتبني المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهو ما سيكون له أثر كبير أيضا على توزيع الثروة بشكل أكثر تناسبا وعدالة على كافة فئات المجتمع. في سوريا تحديداً، ما يدعم هذا النهج هو القدرات العالية لدى السوريين على ريادة الأعمال والاستقلالية والنجاح بالكثير من النشاط والمهارة. سيجعل هذا النهج أيضاً من العائدين لسوريا ثروة كبيرة تضيف للناتج المحلي الإجمالي، بدلاً من أن يكونوا عبئاً على البلاد.

في هذه الورقة نطرح مقترحاً عملياً لكيفية قيام الدولة بتبني هذا النهج، نقلنا فيه أيضاً رؤى بعض أهل الخبرة ورواد الأعمال العرب، وذلك بمساعدة الدولة لتأسيس هيئة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سوريا. تقدم الورقة بعض النماذج العالمية الناجحة في هذا المجال، بالإضافة إلى النماذج المشابهة لإنشاء جمعيات وبرامج مساندة للتدريب المهني، وصولاً لمقترحات عملية لتنظيم هذه الهيئة.

تجارب عالمية لمؤسسات دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة

1- تجربة ألمانيا: دور المؤسسات الصغيرة في بناء الاقتصاد

“Mittelstand” هو مصطلح ألماني يُطلق على قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) في ألمانيا، والذي يُعتبر العمود الفقري للاقتصاد الألماني. يتميز هذا القطاع بتعدد الشركات العائلية وإدارتها المستقلة، بالإضافة إلى تركيزه على الجودة والابتكار والاستدامة. (انظرInnovative Business Models in the German „Mittelstand“).

شكل هذا القطاع حوالي 99 في المائة من الشركات الألمانية، وساهم بنسبة 60 في المائة من الناتج المحلي، كما يوفر هذا المشروع 70 في المائة من الوظائف في البلاد، مما يجعلها مصدراً رئيسياً لفرص العمل.

المشاريع التي يقوم عليها يتم دعمها من خلال برامج تمويل حكومية وإعفاءات ضريبية، بالإضافة إلى برامج تدريب مهني متطورة تُركز على التكنولوجيا والابتكار. كما يتم تقديم دعم مستمر من البنك الألماني للتنمية (KfW) الذي يوفر قروضاً ميسرة وبرامج دعم فني، ويوفر برامج لدعم التوسع الدولي، وتمويل عمليات الرقمنة، والتحول نحو الطاقة المستدامة.

وتعتبر ألمانيا رائدة في نظام التدريب المهني الثنائي  (Dual System)، حيث يحصل الشباب على تدريب عملي في الشركات إلى جانب التعليم النظري في المؤسسات الأكاديمية.

ومن الأمثلة الناجحة لهذه المشاريع، والتي أصبحت اليوم علامة عالمية رائدة في مجالها، شركات  Bosch  و Kärcher  و TRUMPF.

ويعود نجاح نموذج Mittelstand في ألمانيا إلى مجموعة من العوامل الاستراتيجية التي ساهمت في ترسيخ مكانته كمحرك أساسي للاقتصاد الوطني.

 أولاً، يعتمد هذا النموذج بشكل كبير على الإدارة العائلية، حيث تُدار معظم الشركات من قبل العائلات المالكة، مما يعزز الاستقرار المؤسسي والاستمرارية على المدى الطويل، ويضمن انتقال المعرفة والخبرات عبر الأجيال. 

ثانياً، تحافظ شركات Mittelstand على معايير صارمة للجودة والابتكار، إذ تستثمر بشكل مكثف في البحث والتطوير لضمان التفوق التكنولوجي والتنافسية في الأسواق العالمية. 

ثالثاً، يلعب التصدير العالمي دوراً محورياً في نجاح هذا النموذج، حيث تستفيد الشركات الصغيرة والمتوسطة من اتفاقيات التجارة الحرة والبنية التحتية التجارية المتطورة في ألمانيا، مما يمكّنها من الوصول إلى الأسواق الدولية وتعزيز النمو الاقتصادي.

 وأخيراً، تساهم السياسات الحكومية الداعمة في تهيئة بيئة استثمارية مواتية، وذلك من خلال تقديم تخفيضات ضريبية، وبرامج تمويل مرنة، ومبادرات لدعم التحول الرقمي والتوسع في الأسواق العالمية. يجتمع كل ذلك ليجعل من Mittelstand نموذجاً اقتصادياً مستداماً يتمتع بمرونة عالية وقدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية المتغيرة.

  الدروس المستفادة من هذه التجربة

إن توفير بيئة تنظيمية مستقرة يعد عاملاً أساسياً في دعم نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهو الأساس الذي ارتكزت عليه هذه التجربة، حيث يضمن هذا الاستقرار توفير سياسات واضحة وقوانين عمل تتميز بالمرونة، مما يقلل من العراقيل ويعزز ثقة المستثمرين، وبالتالي يعود بالفائدة على نمو هذه المشاريع. 

كما أن التمويل الميسّر يلعب دوراً حيوياً في تحفيز ريادة الأعمال، حيث لعبت هذه الخاصية على عامل الأمان لدى أصحاب المشاريع، وأتاحت لهم التوسع والابتكار دون الحاجة إلى المغامرة برأس المال، مما يقلل من المخاطر المالية ويعزز الاستقرار الاقتصادي. 

إلى جانب ذلك، يمثل الاستثمار في رأس المال البشري أحد الركائز الأساسية لنجاح هذا القطاع، حيث تسهم برامج التدريب المهني والتعليم التقني في تأهيل القوى العاملة بمهارات متخصصة تلبي احتياجات السوق وتضمن استمرارية النمو. 

ويعد تحفيز الابتكار والجودة بديلاً أكثر استدامة من التركيز على النمو السريع، إذ يعزز قدرة الشركات على التكيف مع التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، ويضمن لها تنافسية طويلة الأمد في الأسواق المحلية والعالمية.

2- تجربة الهند: دعم ريادة الأعمال الريفية

Start-Up India هي مبادرة حكومية أطلقتها حكومة الهند في عام 2016 بهدف دعم وتعزيز بيئة ريادة الأعمال والابتكار في البلاد. تهدف المبادرة إلى تمكين الشركات الناشئة، وتقديم تسهيلات إدارية ومالية، وتحفيز بيئة عمل ملائمة للمبدعين ورواد الأعمال، مما يعزز النمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل جديدة خاصة في المناطق الريفية. 

تمثل مبادرة Start-Up India نموذجاً ناجحاً لدعم ريادة الأعمال من خلال توفير بيئة تنظيمية ومالية محفزة. وقد ساعدت في تحويل الهند إلى مركز عالمي للشركات الناشئة، مما يجعلها تجربة يمكن الاستفادة منها في الدول التي تسعى إلى تعزيز قطاع المشاريع الناشئة.

تمثل المبادرة أربعة محاور رئيسية تشمل الدعم المالي، التسهيلات الإدارية، برامج التدريب، وتحفيز الابتكار والتكنولوجيا.

وكان من أهم عناصر البرنامج:

أ. الدعم المالي:

  • إنشاء صندوق دعم الشركات الناشئة (Fund of Funds for Startups – FFS) بقيمة 10,000 كرور روبية هندية (حوالي 1.2 مليار دولار) لتمويل الشركات الناشئة.
  • تقديم إعفاءات ضريبية لمدة 3 سنوات للشركات الناشئة المؤهلة.
  • تسهيل الوصول إلى التمويل المصرفي عبر برنامج الائتمان المضمون.

ب. التسهيلات الإدارية:

  • تسريع إجراءات تسجيل الشركات الناشئة عبر بوابة إلكترونية حكومية.
  • تقليل المتطلبات التنظيمية وإلغاء العقبات البيروقراطية التي تعيق نمو المشاريع الناشئة.
  • إتاحة آلية خروج سريعة للشركات غير القادرة على الاستمرار.

ج. برامج الدعم والتدريب:

  • إنشاء مراكز ابتكار وحاضنات أعمال بالتعاون مع الجامعات والمؤسسات البحثية.
  • تقديم برامج تدريبية متخصصة في إدارة الأعمال، التسويق، والابتكار التكنولوجي.
  • إطلاق بوابة Start-Up India الرقمية التي توفر موارد معرفية وأدوات قانونية لرواد الأعمال.

د. تحفيز الابتكار والتكنولوجيا:

  • دعم الشركات الناشئة التي تركز على التكنولوجيا والتقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والبلوك تشين.
  • تعزيز ثقافة البحث والتطوير من خلال شراكات مع الجامعات والمختبرات العلمية.
  • تسهيل تسجيل براءات الاختراع من خلال آلية سريعة وبأسعار مدعومة.

ولقد أثرت هذه الجهود بشكل واضح على الاقتصاد الهندي، حيث استطاعت الهند منذ بدء المبادرة أن تؤسس أكثر من 100,000 شركة ناشئة، مما ساهم في توفير آلاف فرص العمل في مجالات حيوية مثل التكنولوجيا والصحة والتعليم. وقد أسهم نجاح هذه المبادرة في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مما عزز مكانة الهند كإحدى أبرز البيئات الداعمة للشركات الناشئة على مستوى العالم. كما ألهم هذا النجاح العديد من الدول، خصوصاً في آسيا وأفريقيا، للعمل على تطوير مبادرات مماثلة لتعزيز بيئة ريادة الأعمال والابتكار.

كما كان من أبرز الدروس المستفادة من المبادرة الهندية، هو التركيز على دعم المناطق الريفية لتحقيق تنمية شاملة، خاصة في البلدان التي يشكل فيها الريف نسبة كبيرة من مساحته، حيث يمكن استثمار الجهود والمال في تطويره بالاعتماد على الموارد البشرية، واستغلال المقدرات الاقتصادية. 

كما أن دعم المرأة والشباب يمكن أن يكون ركيزة للنمو الاقتصادي، وتوفير يد عاملة تعود بالنفع على العجلة الاقتصادية في البلاد.

3- تجربة تركيا: دعم الصناعات الحرفية والصغيرة

  قامت الحكومة التركية بتأسيس “منظمة دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة (KOSGEB)” التي تقدم تمويلاً وخدمات تدريبية للمشاريع الناشئة. 

يركز هذا الجهاز على دعم وتطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما يهدف مساعدة هذه الشركات في مواجهة التحديات الأساسية مثل التمويل، والتعليم، والتطور التكنولوجي، مما يساهم في تعزيز قدرتها التنافسية والمساهمة في النمو الاقتصادي المستدام. (انظر)

ومن أبرز مهام هذا الجهاز:

  • تقديم قروض مالية بفوائد مخفضة.
  • توفير برامج تدريبية في التسويق، الإدارة المالية، وتطوير الأعمال.
  • إنشاء حاضنات أعمال متخصصة لدعم المشاريع التقنية وريادة الأعمال الرقمية.

من يمكنه الاستفادة من هذا الجهاز:

  • الأشخاص الذين شاركوا في دورات ريادة الأعمال التي تنظمها KOSGEB وأكملوها بنجاح.
  • رواد الأعمال الذين لديهم أفكار تجارية ويرغبون في تنفيذها.
  • الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تمتلك إمكانيات نمو وتطور.
  • الشركات أو الأفراد الذين لديهم أفكار ومشاريع مبتكرة.
  • رواد الأعمال الذين قاموا بتأسيس شركات في مراكز تطوير الأعمال (İŞGEM) خلال العام الماضي.
  • الأشخاص الذين شاركوا في برامج ريادة الأعمال للشباب التي تنظمها الجامعات بالتعاون مع KOSGEB.

ومن أبرز هذه البرامج:

  • برنامج دعم ريادة الأعمال: يشمل دعم مالي ومنح وقروض بدون فائدة لرواد الأعمال الذين يخططون لتأسيس أو توسيع شركاتهم.
  • برنامج دعم البحث والتطوير والابتكار: يقدم الدعم المالي للشركات التي تقوم بمشاريع بحثية وتطويرية.
  • برنامج دعم تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة  : KOBİ)قدم مساعدات مالية واستشارات لتوسيع الشركات الصغيرة والمتوسطة.
  • برنامج دعم المعدات والآلات: يقدم دعماً لشراء المعدات والآلات اللازمة لتحسين الإنتاجية.
  • برنامج دعم التدريب والاستشارات: يهدف إلى تحسين القدرات المؤسسية من خلال برامج تدريبية واستشارية لمالكي الشركات وموظفيها.
  • برنامج دعم التسويق والترويج: يقدم دعماً للتسويق والترويج لمنتجات وخدمات الشركات في الأسواق المحلية والدولية.
  • برنامج دعم الصادرات: يساعد الشركات في التوسع للأسواق الدولية وزيادة قدرتها التصديرية.

 الدروس المستفادة من هذه التجربة:

  • أهمية إنشاء مؤسسات متخصصة لدعم هذا القطاع، حيث تقدم KOSGEB نموذجاً جيداً حول كيفية تأثير الدعم الحكومي على نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة. يساعد ذلك الشركات على تخطي التحديات المالية والتقنية التي قد تواجهها. كما يبرز أهمية وجود سياسات داعمة للتنمية الاقتصادية المستدامة.
  • ربط المشاريع الصغيرة بالابتكار والتكنولوجيا يرفع من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية. إذ يساعد هذا النوع من الدعم في تطوير المنتجات والخدمات وتحديث العمليات الإنتاجية.
  • وضعت KOSGEB معايير وشروط واضحة للتقديم على الدعم، مما عزز من الشفافية في شروط التقديم، وهذا الأمر يساهم في ضمان وصول الدعم إلى أصحاب المشاريع القادرين فعلا على الاستفادة منه مما يقلل من هدر الموارد. 

4- تجربة الولايات المتحدة: برنامج SBIR دعم الابتكار والشركات الصغيرة

تم إطلاق برنامج “”Small Business Innovation Research (SBIR) في الولايات المتحدة في عام 1982، ويعد من أهم المبادرات الفيدرالية التي تهدف إلى تعزيز الابتكار التكنولوجي في الشركات الصغيرة. يوفر هذا البرنامج تمويلاً غير مسترد لتطوير مشاريع البحث والتطوير (R&D) في المجالات التي قد تكون ذات فائدة كبيرة في المستقبل، خاصة في الصناعات التكنولوجية والصحية والبيئية. يعتمد البرنامج على تقديم تمويل تدريجي، حيث يتم تقديم أول دفعة للبحث الأولي، ثم يتم تقديم دفعات إضافية عندما يحقق المشروع نتائج ملموسة. (انظر)

يتميز برنامج SBIR بكونه يوفر تمويلاً لا يُطلب استرداده في مراحله الأولى، مما يشجع الشركات الصغيرة على المخاطرة بالابتكار دون القلق من عبء الديون.

أحد أبرز نجاحات برنامج SBIR هو دوره المحوري في نمو العديد من الشركات التكنولوجية الرائدة. على سبيل المثال، ساعد البرنامج شركات مثل Qualcomm  وiRobot  في تطوير تقنيات مبتكرة أدت إلى نجاحات تجارية ضخمة.

برامج التدريب المهني

تلعب برامج التدريب المهني دوراً محورياً في تعزيز الاقتصادات الناشئة من خلال تزويد القوى العاملة بالمهارات التقنية والتطبيقية التي تتوافق مع احتياجات القطاعات الإنتاجية. تعتمد هذه البرامج على مناهج مصممة لسد الفجوة بين التعليم التقليدي ومتطلبات سوق العمل، مما يؤدي إلى رفع كفاءة الأيدي العاملة وتقليل معدلات البطالة. 

تسهم هذه المبادرات في تحسين الإنتاجية الاقتصادية عبر تأهيل فنيين ومتخصصين قادرين على دعم القطاعات الاستراتيجية، مثل التصنيع، والبناء، والزراعة، والتكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والأتمتة الصناعية. كما تعزز برامج التدريب المهني بيئة ريادة الأعمال، إذ توفر للأفراد المهارات اللازمة لإنشاء مشروعات صغيرة ومتوسطة تسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية. علاوة على ذلك، فإن توفر قوة عاملة مدربة يزيد من جاذبية الاقتصاد الوطني للاستثمارات الأجنبية، حيث يضمن للشركات خفض تكاليف التدريب الداخلي وزيادة كفاءة العمليات التشغيلية. تعتمد العديد من الدول الناشئة على نماذج متطورة للتدريب المهني، تشمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، واعتماد تقنيات التعلم القائم على المحاكاة والواقع الافتراضي، لضمان اكتساب المهارات المطلوبة بكفاءة عالية. لذلك، يعد الاستثمار في التدريب المهني عنصراً أساسياً في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتعزيز القدرة التنافسية للدول النامية في ظل التغيرات السريعة في الاقتصاد العالمي.

بالطبع، إعادة التأهيل والتدريب المهني هما جزء أساسي من دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خاصة في السياق السوري الذي يتطلب إعادة بناء القدرات البشرية المتأثرة بالحرب. إضافة برامج تدريبية مهنية متخصصة يمكن أن تكون حجر الزاوية لنجاح هذه المشاريع، لأنها تُجهز الأفراد بمهارات عملية تُمكنهم من تنفيذ مشاريع ذات جدوى اقتصادية واستدامة.

  1. دور التدريب المهني في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة
  • سد فجوة المهارات:

كثير من أصحاب المشاريع الصغيرة قد يفتقرون إلى المهارات الفنية والإدارية الأساسية. برامج التدريب المهني تعوض هذا النقص من خلال تأهيلهم للعمل بفعالية في مجالات تخصصهم.

  • تعزيز الابتكار والإنتاجية:

التدريب على أحدث التقنيات وأساليب العمل يُمكّن أصحاب المشاريع من تقديم منتجات وخدمات تنافسية، مما يُعزز نمو أعمالهم واستدامتها.

  • زيادة فرص التشغيل الذاتي:

تأهيل الأفراد مهنياً في مجالات مختلفة مثل الحِرف اليدوية، الزراعة الحديثة، التصنيع، أو التكنولوجيا يُساعدهم على إطلاق مشاريعهم الخاصة بدلاً من انتظار وظائف تقليدية.

  1.  القطاعات المستهدفة بالتدريب
  2. الزراعة والصناعات الغذائية:

تعتبر الزراعة أحد القطاعات الرئيسية في الاقتصاد السوري، حيث تساهم بشكل كبير في توفير الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي، إضافةً إلى دورها في تشغيل نسبة كبيرة من السكان، لا سيما في المناطق الريفية. تمتد الأراضي الزراعية على مساحة تقدر بحوالي 6 ملايين هكتار، تُستثمر منها 5.7 مليون هكتار، فيما تبلغ مساحة الأراضي المروية 1.4 مليون هكتار والبعلية 3.3 مليون هكتار.

تتميز سوريا بتنوع بيئي وزراعي واسع، إذ تقسم أراضيها إلى خمس مناطق استقرار زراعي بناءً على معدلات الهطول المطري. تعد المنطقة الأولى، التي تغطي نحو 14.6% من المساحة، الأكثر ملاءمة للزراعة بسبب معدل أمطارها المرتفع، حيث تزرع فيها الحبوب، البقوليات، الأشجار المثمرة، والخضروات. بينما تتميز المناطق الأخرى بإنتاج محاصيل ملائمة لمستويات الهطول المتفاوتة، مثل الشعير في المناطق الجافة، واستخدام الأراضي في المراعي في المناطق الأقل استقراراً زراعياً.

تساهم الزراعة بنسبة كبيرة في الاقتصاد السوري من خلال إنتاج الحبوب (مثل القمح والشعير)، المحاصيل الصناعية (مثل القطن والتبغ والشوندر السكري)، إضافة إلى الأشجار المثمرة كالزيتون، العنب، التفاح، والفستق الحلبي. وتعد الحمضيات من أهم المحاصيل المخصصة للتصدير، حيث تتميز بجودتها العالية. كما تشكل الثروة الحيوانية جزءاً أساسياً من القطاع الزراعي، وتشمل الأبقار، الأغنام، الماعز، الدواجن، والنحل، ما يوفر مصدراً مهماً لإنتاج اللحوم، الألبان، البيض، والعسل.

ورغم أهمية الزراعة، يواجه القطاع تحديات كبيرة، أبرزها قلة الموارد المائية، تدهور الأراضي، التغيرات المناخية، وانخفاض كفاءة استخدام المياه، مما يدفع الباحثين إلى تطوير أصناف زراعية مقاومة للجفاف، وتحسين تقنيات الري. كذلك، يمكن أن تلعب الصناعات الزراعية التحويلية، مثل تصنيع دبس التفاح، دوراً مهماً في تقليل الهدر وزيادة القيمة المضافة للمحاصيل، مما يعزز من دخل المزارعين واستدامة الاقتصاد الزراعي.

لذلك فإن الاستثمار في المجال الزراعي في سوريا، وتدريب يد عاملة ماهرة قادرة على الإنتاج، وتقليل التحديات التي تواجه هذا القطاع، من ضمن الأولويات الكبرى لمشاريع التدريب المهني القادرة على تشغيل عجلة الاقتصاد الوطني من جديد.

مثال على ذلك دراسة أجريت في عام 2015 عن جدوى تصنيع دبس التفاح لاستثمار الفاقد الزراعي نتيجة تلف المحاصيل غير القابلة للتسويق. (انظر)

حيث أثبتت الدراسة التي أعدتها الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية أن الصناعات الزراعية التحويلية، مثل تصنيع دبس التفاح، تعد من الحلول الاقتصادية الفعالة لاستثمار الفاقد الزراعي وتقليل الخسائر التي يتكبدها المزارعون نتيجة الإنتاج غير القابل للتسويق.

 وفقاً للدراسة، تشكل زراعة التفاح في سوريا نسبة 6% من إجمالي مساحة الأشجار المثمرة، وتساهم بنسبة 4% من الصادرات الزراعية. ومع ذلك، يتعرض جزء كبير من المحصول للتلف لأسباب مختلفة، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة للمزارعين. تشير البيانات إلى أن نسبة الفاقد لكل هكتار تصل إلى 10% من إجمالي الإنتاج، مما يشكل فرصة لتحويل هذا الفاقد إلى منتجات ذات قيمة مضافة مثل دبس التفاح.

تحليل الجدوى الاقتصادية أظهر أن تصنيع دبس التفاح من الثمار غير القابلة للتسويق يمكن أن يعزز العائد المالي للمزارعين، حيث يمكن تحويل مئات الكيلوجرامات من التفاح الفاقد لكل هكتار إلى عشرات الكيلوجرامات من الدبس، مما يحقق أرباحاً أعلى مقارنة ببيع التفاح الفاقد بأسعار منخفضة. تتوزع تكاليف الإنتاج بين شراء الفاكهة الفاقدة، أجور العصر، تكاليف النقل، وتكاليف التعبئة، إلا أن القيمة السوقية للدبس تبقى مرتفعة، مما يجعل صافي الربح مجدياً للمزارعين.

بناءً على ذلك، فإن إقامة دورات تدريب مهني متخصصة في الصناعات الزراعية التحويلية، مثل تصنيع دبس التفاح، ستتيح للعاملين في القطاع الزراعي فرصة لاكتساب المهارات اللازمة لتحسين الإنتاج وتعزيز فرص التسويق. كما أن هذه الدورات يمكن أن تساهم في تطوير المعاصر، وتحسين تقنيات الإنتاج، وتوسيع آفاق التصدير، مما يدعم الاستدامة الاقتصادية للمجتمعات الريفية ويعزز من قدرة المنتجات الزراعية السورية على المنافسة في الأسواق المحلية والدولية. نجاح مثل هذه المبادرات قد يشجع على إطلاق مشاريع تحويلية أخرى في مجالات إنتاج العصائر، والمربيات، والزيوت النباتية، مما يسهم في تنويع مصادر الدخل الزراعي وتحقيق تنمية اقتصادية متكاملة.

  1. الحرف اليدوية والتراثية:

تُعدُّ الحرف اليدوية جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي السوري، حيث تعكس الهوية الثقافية والفنية للبلاد، وتمثل امتداداً لحضاراتها العريقة. نظراً لأهميتها التراثية والاقتصادية، أصبح من الضروري دمجها ضمن البرامج التدريبية المهنية، لضمان استدامتها وتطويرها بما يتلاءم مع متطلبات العصر.

ويُعتبر استثمار مجال الحرف اليدوية في البرامج التدريبية المهنية خطوة استراتيجية نحو الحفاظ على التراث الثقافي السوري، وتعزيز فرص العمل، وتنشيط الاقتصاد المحلي. ومن خلال إدخال التدريب المهني في هذا القطاع، يمكن تحقيق توازن بين الحفاظ على الأصالة والانفتاح على الابتكار والتطوير، مما يضمن استدامة هذه الحرف للأجيال القادمة.

أهمية دمج الحرف اليدوية في البرامج التدريبية المهنية

  1. حفظ التراث الثقافي: إنَّ دمج الحرف اليدوية ضمن البرامج التدريبية المهنية يسهم في الحفاظ على الفنون التقليدية السورية، مثل الزجاج المعشق، والبروكار الدمشقي، والتطعيم بالصدف. من خلال نقل هذه المهارات للأجيال الجديدة، يتم ضمان استمرارية هذا التراث العريق.
  2. خلق فرص عمل مستدامة: يُشكل قطاع الحرف اليدوية فرصةً هامة لخلق وظائف جديدة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه العديد من الصناعات الأخرى. إذ تساهم البرامج التدريبية في تمكين الشباب والنساء من دخول سوق العمل عبر تعلم مهارات حرفية ذات قيمة اقتصادية.
  3. تعزيز الاقتصاد المحلي: تُعتبر الحرف اليدوية مصدر دخل رئيسي للعديد من الأسر السورية، كما أنها تسهم في تحفيز النشاط الاقتصادي عبر دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. يمكن للبرامج التدريبية أن تساعد في تحسين جودة المنتجات وزيادة قدرتها على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية.
  4. تشجيع الابتكار والتجديد: على الرغم من أن الحرف اليدوية تعتمد على تقنيات تقليدية، إلا أن دمجها في برامج تدريبية مهنية يتيح المجال لإدخال تقنيات حديثة وأساليب تسويق مبتكرة، مما يسهم في تطويرها وجذب المزيد من العملاء.
  5. تطوير قطاع السياحة: تُعد المنتجات الحرفية عنصراً جذاباً للسياح، حيث يبحثون عن قطع فريدة تحمل الطابع الثقافي المحلي. من خلال الاستثمار في التدريب المهني للحرفيين، يمكن تحسين جودة المنتجات الحرفية وجعلها أكثر جاذبية للأسواق السياحية.

أمثلة على الحرف اليدوية القابلة للتطوير من خلال البرامج التدريبية

  • فن صناعة الآغباني: يمكن تطويره عبر دمجه مع تصاميم حديثة تناسب الأزياء العصرية.
  • البروكار الدمشقي: إدخال أساليب جديدة في التصنيع والترويج يمكن أن يعزز من انتشار هذا المنتج عالمياً.
  • التطعيم بالصدف: إدخال تقنيات حديثة في التصميم والتشكيل يُساهم في تحسين جودة المنتجات وزيادة الطلب عليها.
  • النفخ بالزجاج: يمكن للبرامج التدريبية أن تساعد في تطوير تقنيات جديدة للزخرفة والتلوين.
  • تعزيز الحِرف التراثية مثل صناعة الفخار، النسيج، أو التطريز، وربطها بأسواق محلية ودولية.
  • التدريب على التصميم والإبداع لتطوير منتجات عصرية من التراث.
  1. التكنولوجيا وريادة الأعمال الرقمية:

عند الحديث عن التكنولوجيا المرتبطة بالواقع المعيشي والخدمي والاقتصادي في سوريا، نجد أنه وبالرغم من ضآلة حجم هذه المشاريع والبنية التحتية المعدومة للنهوض بها بالمستوى المطلوب، إلا أنه وفي الوقت نفسه يمكن أن تكون البيئة التكنولوجيا الناشئة فرصة لوضع أساسيات بناء رقمي حديث، من خلال المشاريع التقنية الرائدة ووضع رأس المال في تطوير البنية التحتية لرقمنة الحياة في سوريا. وبالتالي فإن هذه المشاريع لتصبح رائدة تحتاج أيضاً بالإضافة للموارد المالية إلى موارد بشرية، يمكن صناعتها من خلال البرامج التدريبية المكثفة مثل:

  • الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات: يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تحسين الخدمات وتحليل السوق واتخاذ القرارات الذكية.
  • الأمن السيبراني: مع التوسع الرقمي، يصبح تأمين البيانات والمعلومات ضرورة لحماية المستخدمين والشركات.
  • تطوير البنية التحتية الرقمية: مثل تحسين خدمات الإنترنت وتوفير مراكز بيانات محلية لدعم المشاريع الناشئة.
  • التشريعات والقوانين: وضع إطار قانوني يحمي المستثمرين ويسهل عمليات الدفع الإلكتروني والتعاملات الرقمية.
  • ريادة الأعمال التقنية: دعم حاضنات الأعمال والمسرّعات لتمكين الشركات الناشئة من النمو في بيئة تنافسية.
  •  التدريب على إدارة المشاريع التقنية مثل تصميم المواقع، التسويق الرقمي، أو تطوير البرمجيات.
  • التركيز على التجارة الإلكترونية كوسيلة للوصول إلى الأسواق العالمية.
  1.  الطاقة المتجددة:

تُعد الطاقة المتجددة من الركائز الأساسية التي تُسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني على مختلف الأصعدة. من خلال تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، تساهم الطاقة المتجددة في تقليص النفقات الوطنية على الواردات الطاقية، مما يحسن الميزان التجاري ويقلل من العجز التجاري. كما أن قطاع الطاقة المتجددة يوفر فرص عمل جديدة في مجالات مثل البحث والتطوير، التصنيع، التركيب والصيانة، ما يعزز التوظيف في الاقتصاد المحلي. إضافة إلى ذلك، تحفز الطاقة المتجددة الاستثمارات سواء من القطاع الحكومي أو الخاص، مما يدعم تطوير البنية التحتية ويجذب الشركات المحلية والدولية للاستثمار في هذا المجال.

من الناحية البيئية، تُسهم الطاقة المتجددة في تقليل الانبعاثات الكربونية والتلوث، مما يُحسن جودة البيئة ويقلل من التكاليف الصحية المرتبطة بالأمراض الناتجة عن التلوث. علاوة على ذلك، تساهم مشاريع الطاقة المتجددة في دعم تنمية المناطق الريفية من خلال توفير مصادر دخل جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي في تلك المناطق. أخيراً، تُعزز الطاقة المتجددة من الأمن الطاقي الوطني، حيث تتيح تنويع مصادر الطاقة المحلية، مما يقلل من تأثير تقلبات أسعار النفط والغاز العالمية. بذلك، تسهم الطاقة المتجددة في تحقيق الاستدامة الاقتصادية والبيئية على المدى الطويل، مما يجعلها خياراً حيوياً لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.

ويمكن الاعتماد على البرامج التدريبية في مجال الطاقة المتجددة من خلال:

 • تدريب العاملين على تركيب وصيانة أنظمة الطاقة الشمسية والرياح.

 • دعم المشاريع التي تركز على الطاقة النظيفة كمصدر بديل في المناطق النائية.

ويمكن تعزيز دور الطاقة المتجددة في الاقتصاد الوطني من خلال بعض الاقتراحات الإضافية التي تساهم في تحسين فعالية هذا القطاع على المدى الطويل:

  1. تطوير السياسات الحكومية: من خلال وضع سياسات تحفيزية لدعم استخدام الطاقة المتجددة، مثل تقديم الحوافز المالية والإعفاءات الضريبية للمستثمرين والشركات التي تتبنى تقنيات الطاقة النظيفة. كما يمكن تحسين القوانين والتشريعات المتعلقة باستخدام الطاقة المتجددة لتسهيل استثمارات القطاع الخاص وتوسيع نطاق تطبيقها.
  2. التكامل مع الشبكات الذكية: العمل على تطوير شبكات كهرباء ذكية تُسهم في تحسين إدارة توزيع الكهرباء الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة، مما يضمن استفادة أكبر من الطاقة المنتجة ويقلل من الفاقد. هذه الشبكات تسهم أيضاً في التعامل مع التحديات الناتجة عن تقلبات الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح.
  3. البحث والابتكار: تعزيز البحث العلمي والابتكار في مجال الطاقة المتجددة من خلال دعم الجامعات والمعاهد البحثية لتطوير تقنيات جديدة أكثر كفاءة وأقل تكلفة في إنتاج وتخزين الطاقة. يمكن أن يؤدي الابتكار في هذا المجال إلى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
  4. الشراكات الدولية: إنشاء شراكات مع دول ومنظمات دولية متقدمة في مجال الطاقة المتجددة لتبادل المعرفة والتقنيات الحديثة. التعاون مع الدول الرائدة في هذا المجال يمكن أن يعزز من قدرة البلاد على تحقيق أهدافها في استخدام الطاقة النظيفة.

5) إعادة الإعمار والبناء:

 • برامج تأهيل متخصصة في أعمال البناء والديكور باستخدام تقنيات مستدامة.

 • تدريب على إدارة المشاريع المتعلقة بإعادة إعمار المباني والبنى التحتية.

  1. كيفية تنفيذ برامج التدريب
  • إطلاق مراكز تدريب مهنية:

إنشاء مراكز تدريب موزعة في المناطق المختلفة تُركز على تقديم دورات عملية في مجالات محددة بناءً على احتياجات كل منطقة.

  • التعاون مع الشركاء الدوليين:

إشراك المنظمات الدولية والإقليمية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ومنظمة العمل الدولية (ILO)، لتوفير الدعم الفني والتمويل لهذه البرامج.

  • استخدام التكنولوجيا للتدريب عن بُعد:

استغلال منصات التعليم الإلكتروني لتقديم دورات تدريبية عبر الإنترنت خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها.

  • التدريب المرتبط بالسوق:

تصميم برامج تدريبية بالتعاون مع القطاع الخاص لتلبية احتياجات السوق، وضمان توظيف المتدربين بعد انتهاء البرامج.

  1. تمويل برامج التدريب
  • الشراكة مع المنظمات الدولية:

طلب الدعم من المؤسسات المانحة مثل الاتحاد الأوروبي أو البنك الإسلامي للتنمية.

  • إشراك رجال الأعمال المحليين:

يمكن للجمعية التي نقترح إنشاؤها أن تموّل بعض برامج التدريب كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية.

  • استخدام التمويل الحكومي:

تخصيص جزء من ميزانية إعادة الإعمار لدعم مبادرات التأهيل والتدريب المهني.

التوصيات الخاصة ببرامج التدريب المهني

  • إطلاق برنامج وطني للتأهيل والتدريب المهني: يتعاون فيه القطاع الخاص والعام مع المنظمات الدولية، يهدف إلى تدريب آلاف الأفراد على مدار السنوات المقبلة.
  • تقديم حوافز للمشاريع المرتبطة ببرامج التدريب: تقديم قروض ميسرة أو إعفاءات ضريبية للشركات التي توفر فرص تدريب أو توظيف للأفراد المؤهلين.
  • تقييم الأثر: إنشاء آلية لتقييم أثر برامج التدريب على توظيف الأفراد وزيادة الإنتاجية في المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

إضافة هذا الجانب يُعزز من شمولية ورقة العمل، ويوضح أن التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تتحقق دون الاستثمار في العنصر البشري. إذا كنت ترى أهمية تسليط الضوء أكثر على أمثلة عالمية أو نماذج مشابهة، يمكننا إضافتها.

  1. تجارب عالمية ناجحة في مجال التدريب
  2.  تجربة سنغافورة: برنامج المهارات المستقبلية  (Skills Future)

  أطلقته الحكومة السنغافورية لدعم القوى العاملة وتمكينها من المهارات المطلوبة في سوق العمل الحديث.

  • يُقدم البرنامج منحاً تدريبية لكل مواطن سنغافوري لتعلم مهارات جديدة أو تطوير مهاراته الحالية.
  • يغطي قطاعات متعددة مثل التكنولوجيا، الحرف اليدوية، والتصنيع.
  • يركز على ربط التدريب باحتياجات السوق المستقبلية، مما يضمن توظيف المتدربين بعد انتهاء البرامج.

الدروس المستفادة:

  • أهمية ربط التدريب المهني بالتحولات الاقتصادية المستقبلية.
  • توفير حوافز للمشاركين في البرامج التدريبية لضمان التزامهم.
  1.  تجربة تونس: دعم ريادة الأعمال من خلال التدريب

 أطلقت تونس برامج ريادة الأعمال في إطار مشروع التنمية الريفية المتكاملة بالتعاون مع البنك الدولي.

  • تم تدريب الشباب في المناطق الريفية على إنشاء مشاريع صغيرة مثل الزراعة العضوية، الصناعات التقليدية، والسياحة البيئية.
  • تُقدم القروض بعد اجتياز التدريب لضمان الجدية والاستفادة من المهارات المكتسبة.
  • تُتابع الجهات المانحة سير المشاريع لضمان نجاحها واستدامتها.

  الدروس المستفادة:

  • أهمية الجمع بين التدريب والتمويل لضمان جدوى المشاريع.
  • توجيه الدعم إلى المناطق الأكثر احتياجاً يُعزز التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
  1. تجربة جنوب إفريقيا: حاضنات الأعمال للمشاريع الناشئة

أطلقت جنوب إفريقيا برنامجاً لإنشاء حاضنات أعمال في مختلف القطاعات، مثل التكنولوجيا، الزراعة، والتصنيع.

  • تُقدم الحاضنات بيئة داعمة تشمل التدريب، الاستشارات، والمساحات المكتبية المجانية أو الميسرة.
  • يتم توفير التمويل الأولي لأصحاب الأفكار المبتكرة، بالإضافة إلى التوجيه من خبراء في إدارة الأعمال.

 الدروس المستفادة:

  • الحاضنات تُشكل بيئة مثالية لرواد الأعمال الشباب.
  • توفير التوجيه والإرشاد بجانب الدعم المالي يُعزز من نجاح المشاريع.

أهم التوصيات بناءً على الأمثلة العالمية المذكورة

بناء على استعراض التجارب السابق، يمكن الجمع بينها، ومن ثَمَّ تقديم التوصيات التالية:

  1. إطلاق برامج متكاملة:

الجمع بين التمويل الميسر والتدريب المهني، كما في النموذجين الألماني والهندي، لتحقيق نجاح طويل الأمد للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

  1. إنشاء حاضنات أعمال:

توفير بيئة متكاملة لدعم رواد الأعمال الشباب والمبتكرين، مستوحاة من تجربة جنوب إفريقيا وتركيا.

  1. تطوير سياسات شاملة:

كما في سنغافورة، يجب ربط برامج التدريب المهني بالاحتياجات المستقبلية للسوق المحلي والإقليمي، لضمان استدامة هذه المبادرات.

  1.  توطين الدعم في المناطق الريفية:

التركيز على تدريب وتمويل المشاريع في المناطق الأكثر تضرراً، كما في التجربة التونسية والهندية، لتحقيق توازن اجتماعي واقتصادي.

  1.  الشراكة مع المنظمات الدولية:

التعاون مع مؤسسات مثل البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، ومنظمات التنمية الإقليمية لتوفير التمويل والدعم الفني.

الخلاصة من التجارب العالمية

يمكن للأمثلة العالمية أن تكون مصدر إلهام لتطوير برامج ومبادرات لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا. النجاح يكمن في تبني نهج شامل يدمج التمويل، التدريب، والتكنولوجيا، مع استهداف فئات الشباب والنساء والمناطق الريفية. إذا تم استثمار هذه النماذج بطريقة مخصصة للسياق السوري، يمكن للمشاريع الصغيرة والمتوسطة أن تصبح أساساً لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية المستدامة.

التجربة التركية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة: نموذج تطبيقي للواقع السوري

يمكن التركيز على التجربة التركية بما يناسب السياق السوري، حيث تتمتع تركيا بخبرة واسعة في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتعزيز ريادة الأعمال، خاصة في القطاعات الحرفية والتقنية، كما ينتظر أن يكون التعاون بين سوريا وتركيا في مجالات التنمية استراتيجياً ومحورياً.

تلعب المشاريع الصغيرة والمتوسطة دوراً حيوياً في تعزيز الاقتصادات الوطنية، حيث تسهم في توفير فرص العمل، تنويع مصادر الدخل، وتحفيز الابتكار. تعد تركيا نموذجاً بارزاً في هذا المجال، إذ استطاعت من خلال منظمة دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة (KOSGEB) بناء بيئة داعمة لريادة الأعمال، من خلال تقديم الدعم المالي، التدريبي، والاستشاري. في هذا السياق، يُعد استلهام التجربة التركية وتكييفها مع خصوصية الواقع السوري خطوة ضرورية لتعزيز التنمية المستدامة ودعم إعادة الإعمار الاقتصادي.

تُعد تركيا من أبرز الدول التي نجحت في تطوير نموذج متكامل لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويُعدّ تأسيس “منظمة KOSGEB” (المنظمة التركية لدعم وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة) من أبرز محطات هذا النموذج. تمثل هذه الهيئة جهة حكومية متخصصة تُعنى بتوفير الدعم المالي والتقني والإداري لأصحاب المشاريع، من خلال برامج تمويلية وتدريبية واستشارية مصممة بعناية. وتعمل KOSGEB في إطار من الشراكة والتكامل مع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والجامعات، بما يتيح خلق بيئة حاضنة لريادة الأعمال تعزز الابتكار وتوظف التكنولوجيا كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.

آليات الدعم في تركيا اتسمت بالشمولية، حيث شملت توفير قروض ميسّرة ومنح مالية للمشاريع الناشئة، لا سيما تلك التي تقدم قيمة مضافة عالية. كما تم تطوير برامج تدريبية متخصصة تغطي مجالات متعددة مثل الإدارة المالية، إعداد دراسات الجدوى، والتسويق الرقمي. وترافق ذلك مع إنشاء حاضنات أعمال توفر بيئة عمل متكاملة، تشمل مساحات تشغيلية واستشارات تقنية وخدمات الربط مع المستثمرين. ومن ناحية أخرى، سعت الدولة إلى تشجيع الشركات الكبرى على تقديم دعم مباشر للمشاريع الناشئة، سواء عبر الاستثمار أو عبر توفير موارد تقنية وبشرية.

استهدفت السياسات التركية عدداً من القطاعات الحيوية، شملت الصناعات الحرفية والتقليدية التي تعكس الهوية الثقافية للبلاد وتسهم في تعزيز الصادرات، بالإضافة إلى قطاعات التكنولوجيا والبرمجيات، الزراعة والصناعات الغذائية، والطاقة المتجددة. وقد ساعد هذا التنوع القطاعي في تعزيز مرونة الاقتصاد المحلي، وتوسيع قاعدة الإنتاج.

أفضت هذه الجهود إلى نتائج ملموسة، تمثلت في ارتفاع مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن خلق آلاف فرص العمل، خصوصاً في صفوف الشباب والنساء. كما ساهم هذا النموذج في تعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، ما انعكس على تنوع الصادرات التركية وزيادة تنافسيتها في الأسواق العالمية.

تشكل تجربة تركيا في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة نموذجاً يمكن تكييفه وفق احتياجات الاقتصاد السوري، مع التركيز على القطاعات الأكثر احتياجاً، وتعزيز التكامل بين الدعم المالي، التدريب، والتكنولوجيا. من خلال تنفيذ هذه الاستراتيجيات، بما يمكن من تحفيز الاقتصاد السوري، تعزيز فرص العمل، وتحقيق نهضة اقتصادية مستدامة في مرحلة إعادة الإعمار. وتُعتبر  التجربة نموذجاً ملهماً يمكن تكييفه بما يناسب الواقع السوري. الجمع بين الدعم المالي، التدريب، والتكنولوجيا، إلى جانب استهداف القطاعات الأكثر احتياجاً، سيكون له أثر كبير في تحفيز الاقتصاد السوري وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

تطوير مقترحات للتواصل مع الشركاء الدوليين وتصميم نموذج عمل للهيئة السورية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة

أولاً: استراتيجيات فعالة للتواصل مع الشركاء الدوليين:

في إطار السعي لتأسيس هيئة سورية فعالة تُعنى بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، برزت ضرورة وضع تصور استراتيجي مزدوج يتضمن أولاً بناء آليات فعالة للتواصل مع الشركاء الدوليين وثانياً صياغة نموذج عمل شامل يعزز من قدرة هذه الهيئة على إحداث تأثير اقتصادي واجتماعي ملموس داخل سوريا.

ينطلق التصور الاستراتيجي للتواصل الدولي من تحديد الشركاء الأكثر قدرة على الإسهام في تمويل ودعم هذا القطاع، وعلى رأسهم المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ومنظمة العمل الدولية (ILO)، والاتحاد الأوروبي، إلى جانب صناديق إقليمية كالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الإسلامي للتنمية، إضافة إلى شركات التكنولوجيا العالمية كـ Microsoft وGoogle التي يمكن أن تقدم دعماً تقنياً وبرامجياً لريادة الأعمال.

ولتحقيق تواصل فعّال مع هذه الجهات، يُقترح إعداد خطة اتصال واضحة تستند إلى صياغة رؤية تنموية متكاملة، تتضمن أهدافاً محددة لدعم المشاريع الصغيرة في سوريا، وتُبرز دور الشركاء الدوليين في تحقيق هذه الأهداف عبر مبادرات التمويل والتدريب ونقل الخبرات. كما يتطلب الأمر إعداد مقترحات مشاريع قوية تستند إلى تحليل دقيق للواقع الاقتصادي المحلي، مع تحديد واضح لآليات التمويل والقطاعات المستهدفة والأثر التنموي المتوقع. ويُعد بناء شبكة علاقات دولية عنصراً حاسماً في هذه العملية، ويمكن تحقيقه من خلال تنظيم فعاليات تعريفية افتراضية أو المشاركة في منتديات اقتصادية عالمية، والاستفادة من الطاقات السورية في المهجر لتوسيع دوائر الدعم والاستثمار.

من جهة أخرى، يمكن للهيئة الاستفادة من تجارب إقليمية ناجحة عبر التعاون مع مؤسسات مثل جهاز تنمية المشروعات المصري وهيئة KOSGEB التركية، بما يتيح نقل النماذج والتقنيات وتكييفها مع السياق السوري. كما يُوصى بالبدء بتوقيع مذكرات تفاهم ذات طابع محدد كمرحلة أولى، تتعلق بالتمويل أو التدريب، قبل التوسع إلى شراكات أعمق وأكثر شمولاً.

ولتعزيز الشفافية واستدامة التعاون الدولي، يجب اعتماد تقارير دورية توثق سير العمل والتقدم في دعم المشاريع، مع تضمين قصص نجاح حقيقية، وتحليل للتحديات والحلول المقترحة، وبيان الأثر الاجتماعي والاقتصادي المحقق. وتشكل هذه التقارير أداة استراتيجية لتعزيز الثقة مع الشركاء وضمان تدفق التمويل والدعم الفني.

ثانيا: نموذج عمل مقترح للهيئة السورية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة

أما على مستوى نموذج العمل المقترح للهيئة السورية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فتتمحور رؤيتها حول بناء اقتصاد وطني متنوع ومستدام يرتكز على تمكين رواد الأعمال، فيما تسعى رسالتها إلى توفير الدعم المالي والتقني والتدريبي للمشاريع، مع التركيز على الابتكار والاستدامة والتنمية المحلية. ويُقترح أن يتكون الهيكل التنظيمي للهيئة من مجلس إدارة يضم ممثلين عن الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والشركاء الدوليين، يتولى رسم السياسات العامة والإشراف على تنفيذ البرامج، إلى جانب أقسام تنفيذية متخصصة في التمويل والتدريب وريادة الأعمال والمتابعة والتقييم والعلاقات الدولية.

وتتضمن المصادر التمويلية للهيئة مزيجاً من الدعم المحلي والدولي، من خلال مساهمات رجال الأعمال السوريين، وتخصيص ميزانيات حكومية، إلى جانب التعاون مع المؤسسات الدولية، وإطلاق حملات تمويل جماعي على منصات إلكترونية  Crowd Funding، مع التركيز على إشراك المغتربين السوريين في جهود التنمية عبر استثمارات صغيرة ومتوسطة. إضافة لذلك، يمكن تشجيع مساهمة الأوقاف الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية في تمويل الهيئة المقترحة.

ويُقترح أن تركز الهيئة على تنفيذ برامج نوعية، من بينها برنامج “إحياء الحِرف السورية” الذي يهدف إلى إعادة تنشيط الصناعات التقليدية من خلال دعم الحرفيين وتنظيم معارض للترويج للمنتجات، وبرنامج “ريادة الأعمال للشباب” الذي يقدم حاضنات أعمال ومصادر تمويل وتدريب، وبرنامج “الزراعة المستدامة” الهادف إلى تطوير الإنتاج الزراعي باستخدام التقنيات الحديثة، إضافة إلى برنامج “تمكين المرأة في الاقتصاد” لدعم النساء في تأسيس وإدارة مشاريع اقتصادية مستقلة، لا سيما في المناطق الريفية.

وفيما يتعلق بضمان استدامة الهيئة، يبرز دور التكنولوجيا في توفير بوابة إلكترونية متكاملة للتشبيك، التدريب، والتقدم للحصول على التمويل، إلى جانب استراتيجية توسع تدريجي تبدأ من المدن الكبرى ثم تمتد إلى الأرياف، مع تأمين شراكات محلية فعالة لضمان وصول المبادرات إلى المستفيدين في كافة المناطق.

خطوات التنفيذ بحسب المقترح:

يتعين أولاً تحديد الشركاء الدوليين الأنسب. ويبدأ ذلك بحصر الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة في دعم وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. ومن أبرز الشركاء المحتملين الذين يمكن التعاون معهم، المنظمات الدولية مثل البنك الدولي الذي يمول مشاريع التنمية وإعادة الإعمار عبر قروض ميسرة ومنح موجهة لدعم المشاريع الصغيرة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) الذي يساهم في تعزيز ريادة الأعمال وتوفير حلول اقتصادية مستدامة، ومنظمة العمل الدولية (ILO) التي تقدم برامج تنموية وتدريب مهني لتمكين سوق العمل، والاتحاد الأوروبي الذي يدعم مبادرات ريادة الأعمال في مناطق النزاع لتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

كما يمكن التعاون مع الصناديق الإقليمية مثل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (AFESD) الذي يركز على تمويل المشاريع الصغيرة في الدول العربية، وكذلك البنك الإسلامي للتنمية الذي يوفر دعماً مالياً وتقنياً للمشاريع الناشئة والصغيرة. إلى جانب ذلك، فإن القطاع الخاص العالمي يضم شركات تكنولوجيا كبرى مثل Google و Microsoft التي تقدم دعماً لبرامج الابتكار والتكنولوجيا في ريادة الأعمال.

بعد تحديد الشركاء الدوليين المناسبين، يتعين إعداد خطة اتصال استراتيجية واضحة. تبدأ هذه الخطة بصياغة رؤية متكاملة للمبادرة تحدد أهداف التنمية للمشاريع الصغيرة في سوريا، مع توضيح دور الشركاء الدوليين في تحقيق هذه الأهداف. كما يجب أن تشمل الخطة توضيح الأثر الإيجابي المتوقع على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في سوريا والمنطقة. يجب أيضاً إعداد مقترحات مشاريع قوية تتضمن خلفية تحليلية عن الواقع الاقتصادي السوري وأهمية المشاريع الصغيرة في تعزيز النمو، بالإضافة إلى تحديد آليات التمويل المطلوبة مثل المنح، القروض الميسرة، وبرامج تدريبية. كما ينبغي توضيح القطاعات المستهدفة والعوائد الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة من هذه المشاريع.

أيضاً، من الضروري بناء شبكة علاقات دولية فعالة من خلال تنظيم لقاءات وندوات إلكترونية، أو المشاركة في فعاليات اقتصادية دولية مثل منتدى الاقتصاد العالمي للتعريف بالمبادرة. وينبغي الاستفادة من الجاليات السورية ورجال الأعمال السوريين في الخارج لتعزيز التواصل مع الجهات الداعمة واستقطاب الاستثمارات.

تعتبر الاستفادة من التجارب الإقليمية جزءاً مهماً في تنفيذ الاستراتيجية. يمكن التعاون مع مؤسسات مثل KOSGEB التركية وجهاز تنمية المشروعات المصري للاستفادة من خبراتهم في دعم المشاريع الصغيرة. يمكن أيضاً توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع هذه الجهات، بدءاً باتفاقيات صغيرة تتعلق بالتمويل أو التدريب، ثم التوسع إلى مبادرات أكثر شمولاً لتعزيز الشراكة طويلة الأمد.

وأخيراً، يجب تقديم تقارير دورية لتعزيز الثقة والتعاون بين الشركاء. يتم إعداد هذه التقارير لرصد تطور المشاريع الصغيرة في سوريا، وتشتمل على قصص نجاح تلقي الضوء على المشاريع المدعومة، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها المشاريع والحلول المقترحة. كما ينبغي أن تتضمن التقارير الأثر الاجتماعي والاقتصادي للبرامج المنفذة. يتم استخدام هذه التقارير كأداة لبناء علاقات شفافة مع الشركاء الدوليين وتعزيز الثقة لضمان استمرار الدعم.

هذه الاستراتيجية تساهم بشكل فعال في تعزيز فرص الشراكة الدولية وجذب التمويل الضروري لتنمية قطاع المشاريع الصغيرة في سوريا، مما يسهم في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.

الإطار التنفيذي للمقترح: الأقسام التنفيذية الأساسية وآليات التنفيذ التفصيلية

الرؤية والرسالة

الرؤية تتمثل في بناء اقتصاد سوري متنوع ومستدام قائم على تمكين المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال. أما الرسالة فتتمثل في توفير الدعم المالي والتقني والتدريبي لأصحاب المشاريع، مع التركيز على الابتكار، التنمية المحلية، والاستدامة الاقتصادية.

الهيكل التنظيمي 

يتضمن الهيكل التنظيمي المقترح للهيئة مجلس إدارة يتكون من ممثلين عن الحكومة، القطاع الخاص، منظمات المجتمع المدني، والشركاء الدوليين. يقوم هذا المجلس بوضع الاستراتيجيات العامة، الإشراف على المبادرات، وضمان تحقيق الأهداف التنموية. كما يشمل الهيكل التنظيمي أقساماً تنفيذية أساسية تهتم بتنفيذ المهام الموكلة إليها لضمان تحقيق أهداف الهيئة.

الأقسام التنفيذية الأساسية

  1. قسم التمويل والدعم المالي : يقوم بتقديم قروض ميسرة ومنح للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما يركز على تطوير شراكات مع البنوك المحلية والدولية لتوفير حلول تمويلية مبتكرة.

يعنى هذا القسم بتوفير حلول تمويلية متنوعة تلائم طبيعة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويعمل على تنفيذ ما يلي:

  • إطلاق برنامج القروض الميسرة؛ تحديد الفئات المستهدفة (شباب، نساء، مشاريع ريفية…).
  • تصميم نماذج طلبات مبسّطة وسريعة المعالجة.
  • التعاون مع البنوك المحلية لتخفيض شروط الضمانات وتسهيل الإجراءات.
  • إنشاء صندوق دعم تنموي ممول من تبرعات رجال الأعمال، المنح الدولية، ورسوم رمزية من المستفيدين.
  • تمويل تشاركي عبر إشراك مستثمرين محليين ومغتربين لتمويل المشاريع مقابل نسب ربح أو أسهم رمزية.
  • تقديم منح صغيرة لدعم مراحل التأسيس أو التجريب لبعض المشاريع الناشئة ذات الجدوى العالية.
  1.   قسم التدريب والتأهيل المهني: يهتم بتنظيم برامج تدريبية في مجالات إدارة المشاريع، التسويق الرقمي، والتقنيات الحديثة، بالإضافة إلى توفير ورش عمل متخصصة للشباب والنساء لتعزيز مهاراتهم المهنية والإدارية.

يركز على تنمية المهارات التقنية والإدارية اللازمة لنجاح المشاريع من خلال:

  • تصميم حقائب تدريبية متخصصة في:

– ريادة الأعمال وإدارة المشاريع.

– التسويق الرقمي والمبيعات.

– المحاسبة وإدارة الموارد المالية.

– استخدام الأدوات التكنولوجية الحديثة-  ERP، CRM….

  • ورش عمل دورية في المحافظات والمناطق الريفية، بالتعاون مع الجامعات والمعاهد المهنية.
  • برامج موجهة لفئات معينة (مثل النساء أو ذوي الإعاقة) تتضمن محتوى تدريبي مرن وسهل الوصول.
  • شهادات معتمدة بالتعاون مع شركاء دوليين UNDP، ILO  لرفع كفاءة المتدربين وزيادة فرص تشغيلهم.
  1. قسم ريادة الأعمال والابتكار : يركز على دعم المشاريع التكنولوجية والمبتكرة عبر حاضنات الأعمال ومراكز الابتكار. كما يقدم بيئة داعمة لرواد الأعمال من خلال الاستشارات التقنية والإدارية.

يشجع على الابتكار واحتضان المشاريع الجديدة عبر:

  • إنشاء حاضنات أعمال في المدن الكبرى لتوفير:

– مكاتب عمل مشتركة.

– دعم قانوني وتسويقي.

– إرشاد إداري وتقني عبر خبراء محليين ودوليين.

  • تحديات وهاكاثونات لتشجيع الشباب على ابتكار حلول اقتصادية واجتماعية جديدة.
  • منصة إلكترونية تفاعلية تقدم موارد تعليمية، أدوات تحليل جدوى، ونماذج خطط عمل جاهزة.
  • ربط الرواد بشبكات مستثمرين (Angel Investors)  من سوريا والخارج.
  1. قسم المتابعة والتقييم :يتولى مراقبة تنفيذ المشاريع لضمان استدامتها وتحقيق الأثر الاقتصادي والاجتماعي المطلوب. كما يقوم بإعداد تقارير دورية لمجلس الإدارة والشركاء الدوليين حول أداء المشاريع والتحديات القائمة.

يتولى تقييم الأثر وضمان استدامة المبادرات من خلال:

  • نظام رقمي لتتبع المشاريع منذ التأسيس وحتى التشغيل، مع تقارير أداء شهرية.
  • زيارات ميدانية دورية لفِرق من المتخصصين لمراقبة التقدم ومعالجة التحديات.
  • نماذج تقييم أداء ترتكز على مؤشرات كمية مثل:

-عدد فرص العمل الجديدة.

– نسبة النمو في المبيعات.

– مدى التوسع في السوق المحلي أو الخارجي.

  • مراكز شكاوى واستفسارات لمعالجة التحديات التي يواجهها أصحاب المشاريع.
  1. قسم العلاقات الدولية والشراكات: يهتم بإدارة التواصل مع المنظمات الدولية والجهات المانحة، بالإضافة إلى تنسيق الاتفاقيات الدولية ومذكرات التفاهم لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي.

يتولى إدارة العلاقات مع الشركاء الخارجيين وتوسيع فرص الدعم، عبر:

  • وحدة مختصة بصياغة مقترحات المشاريع الموجهة للجهات المانحة الدولية.
  • قاعدة بيانات للشركاء المحتملين مع تصنيف بحسب نوع الدعم (تمويل، تدريب، لوجستيات…).
  • تنظيم لقاءات ثنائية ومؤتمرات دولية للترويج لأنشطة الهيئة وبناء جسور تعاون.
  • متابعة تنفيذ الاتفاقيات وتقييم مدى التزام الطرفين بتطبيق بنود التعاون.

مصادر التمويل

  1. التمويل المحلي يشمل دعم رجال الأعمال السوريين والشركات الكبرى، تخصيص ميزانية حكومية موجهة لدعم الهيئة ومبادراتها، بالإضافة إلى مساهمة الأوقاف الخيرية والجمعيات التنموية.
  2. التمويل الدولي يتضمن التعاون مع المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، فضلاً عن الاستفادة من صناديق إعادة الإعمار والتمويل التنموي المخصص لسوريا.
  3. التمويل المجتمعي (Crowdfunding) يتمثل في إطلاق حملات تمويل جماعي على منصات مثل Kickstarter و GoFundMe لدعم المشاريع الناشئة، كما يشمل إشراك المغتربين السوريين في دعم التنمية الاقتصادية عبر استثمارات صغيرة ومتوسطة.

البرامج والمبادرات الرئيسية

  1. برنامج “إحياء الحِرف السورية” يهدف إلى إعادة تنشيط الصناعات التقليدية السورية مثل النسيج، الفخار، وصناعة الصابون، من خلال تقديم قروض صغيرة لدعم الحرفيين وأصحاب الورش التقليدية، وتنظيم معارض محلية ودولية للترويج للمنتجات السورية، وتدريب الحرفيين على تحسين جودة الإنتاج وطرق التسويق الرقمي.
  2. برنامج “ريادة الأعمال للشباب” يهدف إلى تمكين الشباب السوري من تأسيس مشاريعهم الخاصة في مختلف القطاعات، ويتم من خلال إنشاء حاضنات أعمال توفر التمويل الأولي، التدريب، والاستشارات، بالإضافة إلى ربط رواد الأعمال الشباب بشبكات المستثمرين المحليين والدوليين.
  3. برنامج “الزراعة المستدامة” يهدف إلى تعزيز الإنتاج الزراعي عبر تبني تقنيات زراعية حديثة ومستدامة، من خلال تقديم قروض صغيرة للمزارعين لشراء المعدات الزراعية الحديثة، وتنظيم دورات تدريبية حول تقنيات الزراعة الذكية وتحسين الإنتاجية.
  4. برنامج “تمكين المرأة في الاقتصاد” يهدف إلى دعم النساء في تأسيس مشاريع صغيرة، خاصة في المناطق الريفية والحضرية، ويتم من خلال تقديم منح خاصة لتمويل مشاريع النساء الرياديات، وتنظيم تدريبات حول إدارة المشاريع، التسويق الإلكتروني، وإدارة الموارد المالية.

استدامة الهيئة وآفاق التوسع

  1. توظيف التكنولوجيا في دعم المشاريع يتضمن تطوير منصة إلكترونية تربط رواد الأعمال بالمستثمرين والجهات التمويلية، بالإضافة إلى توفير برامج تدريبية إلكترونية تتيح لأصحاب المشاريع الاستفادة من أحدث المعارف والتقنيات.
  2. التوسع التدريجي يتضمن البدء بتنفيذ المبادرات في المدن الكبرى مثل دمشق، حلب، وحمص، ثم التوسع إلى المناطق الريفية. كما يهدف إلى التعاون مع السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية لضمان وصول الدعم إلى جميع الفئات المستهدفة.

إن هذا النموذج المقترح لا يُمثل فقط إطاراً مؤسسياً لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بل يشكل مدخلاً حيوياً لإعادة بناء الاقتصاد السوري على أسس شمولية ومستدامة، ترتكز على تحفيز ريادة الأعمال، وتفعيل التعاون الدولي، وتمكين الفئات الشابة والنساء في بيئة ما بعد النزاع.

ثالثا: خطة تأسيس جمعية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا

في هذه الورقة، نحاول أن نضع أُطر اً عامة وإرشادات، ضمن الجهود المبذولة لإعادة بناء الاقتصاد السوري، وتعزيز التنمية المستدامة. وعطفاً على ما سبق من تجارب أوردناها في مستهل هذه الورقة، تبرز الحاجة في سوريا إلى إنشاء جمعية متخصصة، تعنى بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. نقترح تسمية هذه الجمعية بـ “جمعية رواد الأعمال السوريين للتنمية” (Syrian Entrepreneurs for Development Association – SEDA)، وهي كيان يطمح إلى أن يكون منصة وطنية استراتيجية تستهدف النهوض بالاقتصاد من خلال تمكين رواد الأعمال، لا سيما من فئتي الشباب والنساء، وتعزيز ريادة الأعمال وإعادة تأهيل القطاعات الإنتاجية التي تضررت بفعل الأزمة.

على ماذا تعتمد رؤية الجمعية؟ إن الجمعية المقترحة تعتمد على بناء اقتصاد وطني مستدام، وهي الرؤية بعيدة المدى لهذا الكيان، وذلك من خلال تعزيز دور المشاريع الصغيرة والمتوسطة في النهوض بالقطاعات الحيوية في سوريا. في حين تتمثل رسالتها في توفير بيئة ملائمة لنمو هذه المشاريع وذلك من خلال تسهيل الحصول على التمويل وتقديم التدريب وتعزيز التشبيك مع المستثمرين والأسواق. وتهدف الجمعية أيضا إلى تمكين الفئات الشابة والنساء الذين يمكن أن يشكلوا مفاصل عجلة الدوران الحقيقية للاقتصاد السوري مستقبلا، وذلك من خلال تأسيس وإدارة مشاريعهم الخاصة، وخلق فرص عمل مستدامة في قطاعات الإنتاج إلى جانب استقطاب الاستثمارات المحلية والدولية لدعم ريادة الأعمال في المناطق الريفية المهمشة والمناطق التي تأثرت بمخلفات الحرب. 

يقوم الهيكل التنظيمي للجمعية على مجلس إدارة يضم نخبة من رجال الأعمال السوريين المقيمين داخل البلاد والمغتربين، بالإضافة إلى خبراء في مجالات متعددة، يتولون وضع الاستراتيجيات العامة والإشراف على تنفيذ البرامج والمبادرات. ويُساند المجلس عدد من اللجان المتخصصة، منها لجنة التمويل والقروض التي تعنى بتصميم وإدارة برامج التمويل الميسر، ولجنة التدريب والتأهيل التي تُشرف على تطوير المهارات ومهارات إدارة المشاريع، ولجنة التسويق والتشبيك المسؤولة عن ربط المشاريع بالأسواق المحلية والدولية، وأخيراً لجنة الشراكات الدولية التي تُعنى ببناء علاقات مع المؤسسات المانحة والمنظمات الإقليمية والدولية.

تنقسم أنشطة الجمعية إلى أربعة محاور أساسية:

 أولاً التمويل والدعم المالي، حيث تسعى الجمعية إلى إنشاء صندوق تمويل تنموي يعتمد على مساهمات رجال الأعمال السوريين في الداخل والمغتربين، إلى جانب المنح الدولية، وتوفير قروض ميسّرة بفوائد منخفضة للمشاريع الناشئة، بالإضافة إلى إطلاق نظام للتمويل التشاركي يتيح لرجال الأعمال الاستثمار المباشر مقابل حصص في المشاريع. 

ثانيا، التدريب والتأهيل، إذ تُعِد الجمعية برامج تدريبية متخصصة في مجالات مثل الزراعة الحديثة، والصناعات الصغيرة، والتكنولوجيا والابتكار، إلى جانب ورش عمل تتناول موضوعات مثل التخطيط المالي، والتسويق، وإدارة المشاريع. 

ثالثا، التشبيك والتعاون، من خلال تنظيم منتديات اقتصادية، وإنشاء منصة إلكترونية للتواصل بين رواد الأعمال والمستثمرين، وتقديم خدمات تسويقية تعزز من فرص نجاح المشاريع على المستويين المحلي والدولي.

 أما المحور الرابع، فيتمثل في تقديم الدعم القانوني والإداري عبر استشارات قانونية تتعلق بتسجيل المشاريع وتراخيصها، والمساعدة في إعداد دراسات الجدوى وخطط العمل.

تقوم الجمعية على شبكة من الشراكات تشمل أطرافاً محلية وإقليمية ودولية. على المستوى المحلي، تعتمد الجمعية على دعم رجال الأعمال السوريين، والغرف التجارية والصناعية، والحكومات المحلية، التي توفر بيئة تشريعية مواتية. أما على المستوى الإقليمي والدولي، فتسعى الجمعية إلى التعاون مع مؤسسات كالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ISESCO)، إلى جانب منظمات دولية مثل البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، والاتحاد الأوروبي. كما يُمكن الاستفادة من برامج الدعم التي تقدمها شركات التكنولوجيا الكبرى مثل Microsoft و Google، لما لها من خبرة في دعم الابتكار وريادة الأعمال.

نقترح بناء الجمعية على عدد من الخطوات التنفيذية التي تبدأ بتنظيم مؤتمر تأسيسي يجمع رجال الأعمال السوريين والشركاء الدوليين للإعلان عن انطلاق الجمعية وخطتها الاستراتيجية. يلي ذلك إعداد دراسات جدوى شاملة لتحليل احتياجات السوق المحلي وتحديد القطاعات والمناطق ذات الأولوية، ثم يتم إطلاق برنامج تمويل تجريبي لدعم مجموعة أولية من المشاريع الصغيرة يتراوح عددها بين 10 إلى 20 مشروعاً، مع إجراء تقييم مفصل للأثر الاقتصادي والاجتماعي الناتج عنها. ولضمان الاستدامة، ستُطلق الجمعية منصة إلكترونية شاملة تُستخدم لتقديم طلبات التمويل والتدريب، وتوفير موارد تعليمية، وتسهيل التشبيك بين المستثمرين ورواد الأعمال.

أما من حيث التمويل، فتعتمد الجمعية على مزيج من مصادر تشمل مساهمات رجال الأعمال السوريين بنسبة تُقدّر بـ 50%، والمنح الدولية والإقليمية بنسبة 40%، بالإضافة إلى رسوم عضوية رمزية تشكل 10% من الميزانية. ويتم توزيع الميزانية بشكل يضمن تخصيص 60% من الموارد للتمويل المباشر للمشاريع، و 20% لبرامج التدريب، و 15% للإدارة والتشغيل، و 5% للتسويق والتشبيك.

وتضع الجمعية نُظماً واضحة لقياس الأداء، حيث تعتمد في تقييم نجاحها على عدد المشاريع الممولة خلال السنة الأولى، ومعدلات خلق فرص العمل في المناطق المستهدفة، ونسبة النمو في العوائد الاقتصادية للمشاريع المدعومة. كما تعتمد آليات للتقييم المستمر، تشمل إعداد تقارير دورية عن أداء المشاريع، وإجراء استطلاعات رأي لقياس رضا المستفيدين عن الخدمات المقدمة.

إن هذه الخطة تمثل خارطة طريق عملية لتأسيس جمعية قادرة على دعم الاقتصاد السوري في مرحلته الانتقالية، من خلال تمكين فئات واسعة من المجتمع، وجذب الاستثمارات، وتوفير بنية مؤسسية تتيح إطلاق طاقات الريادة والإبداع في خدمة التنمية المستدامة.

رابعاً: مبادرة “هاكاثون سوريا” – منصة الابتكار من أجل التعافي

ومن بين المبادرات التي رصدناها في هذا الصدد، مبادرة هاكاثون سوريا. وهي مبادرة انطلقت من التحديات المتراكمة التي تواجه البلاد، وأبرزها الأزمات الاقتصادية محل نقاش هذه الورقة. مما أدى إلى تدهور البنية التحتية. فبرزت المبادرة بوصفها نموذجاً رائداً، يسعى إلى تسخير التكنولوجيا والابتكار في خدمة جهود التعافي وإعادة البناء. 

تمثل هذه المبادرة منصة دولية تهدف إلى جمع المبتكرين، من السوريين في الداخل والخارج، إضافة إلى الخبراء الدوليين، ضمن مساحة افتراضية للتعاون وتطوير الحلول، لا سيما في مجالات البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والاقتصاد، والزراعة، والتماسك الاجتماعي.

لا تقتصر “هاكاثون سوريا” على كونها مسابقة تقنية، بل تتجاوز ذلك لتكون أداة استراتيجية تهدف إلى تحفيز الابتكار واستخدام التكنولوجيا كركيزة أساسية في مسار تعافي سوريا. كما تسعى إلى تعزيز التعاون بين السوريين المنتشرين حول العالم وربطهم مع شبكة من الخبرات العالمية، ما يخلق بيئة حاضنة لتبادل المعرفة وتوليد أفكار إبداعية. 

وتسعى المبادرة إلى تحويل هذه الأفكار إلى مشاريع عملية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، بما يساهم في دعم الاقتصاد وتحسين جودة الحياة للسكان. كما يتضمن نطاق المبادرة تقديم الدعم والموارد للمشروعات الفائزة، بما يساعدها على النمو والاستدامة.

آلية المشاركة في “هاكاثون سوريا” تعتمد على فتح المجال أمام الأفراد إما لطرح أفكار جديدة لمعالجة التحديات المجتمعية، بحيث تخضع هذه الأفكار للتقييم من قبل لجنة مختصة، أو للانضمام إلى فرق عمل قائمة للمساهمة في تطوير حلول موجودة، من خلال تقديم مهارات تقنية أو معرفية تسهم في إنجاح المشروع.

وتُقسم مراحل تنفيذ الهاكاثون إلى أربع مراحل رئيسية. تبدأ المرحلة الأولى بتكوين الفرق، حيث يتم عرض الأفكار المختارة وتشكيل الفرق بشكل رقمي عبر منصات تواصل مثل  Discord، تليها مرحلة تطوير المشاريع، التي تتضمن المشاركة في ورش عمل تدريبية، والتفاعل مع خبراء وموجهين، والعمل على اختبار الحلول التقنية. بعد ذلك، يتم تقديم المشاريع النهائية لتقييمها وفق معايير محددة تشمل درجة الابتكار، مدى إمكانية التطبيق، والأثر الاجتماعي المحتمل. أما المرحلة الأخيرة، فتُخصص لتقديم الدعم للمشاريع الفائزة، من خلال توفير موارد تقنية وتمويلية تهدف إلى ضمان استمرارية هذه المشاريع وتوسيع نطاقها.

تستهدف المبادرة عدداً من التحديات الأساسية التي تواجه سوريا في المرحلة الراهنة. في مجال البنية التحتية والخدمات العامة. تُشجع المبادرة على تطوير حلول مبتكرة لاستعادة خدمات المياه والكهرباء، وتحسين إدارة النفايات، وتحديث شبكات النقل. أما في قطاع التعليم، فتهدف إلى دعم إنشاء منصات تعليمية رقمية، وتطوير حلول فعّالة للتعليم عن بُعد، بالإضافة إلى تصميم برامج تدريبية للفئات الشابة والنازحة. وفي المجال الصحي، تسعى المبادرة إلى دعم مشاريع تعنى بالتطبيب عن بُعد، وخدمات الصحة النفسية، وتحسين إدارة سلاسل التوريد الطبي. 

أما على الصعيد الاقتصادي، فتركز الجهود على تطوير أدوات لدعم الشركات الناشئة، وتمكين الأفراد من العمل المستقل، إلى جانب ابتكار نماذج للتمويل الصغير. كما تتناول المبادرة مسألة الأمن الغذائي والزراعة من خلال دعم الحلول الزراعية المستدامة، وتحسين آليات توزيع الغذاء، وتطبيق تقنيات متقدمة للحد من الهدر الغذائي. وفي سياق بناء السلام والتماسك الاجتماعي، تهدف المبادرة إلى تعزيز الحوكمة المحلية، وتوسيع نطاق المشاركة المجتمعية، لا سيما في المناطق المتأثرة بالصراع، ودعم الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.

تجدر الإشارة إلى أن “هاكاثون سوريا” لا يعمل بمعزل عن السياق الدولي، بل يعتمد على شبكة من الشراكات مع منظمات غير حكومية، ومؤسسات إقليمية ودولية، وجهات مانحة، بالإضافة إلى حاضنات أعمال ورواد مبادرات من داخل وخارج سوريا. تسهم هذه الشراكات في تأمين بيئة داعمة تسهل تنفيذ المشاريع وتوفر موارد معرفية ومالية وتقنية تُعزز من فرص نجاحها واستدامتها على المدى الطويل.

يمكن بعد إنشاء الهيئة السورية لدعم المشاريع الصغير ة والمتوسطة، والتي نقترحها في هذه الدراسة، أن تستفيد بناتج مخرجات مبادرة هاكاثون سوريا، وتقوم بدعم المفيد منه، لتعظيم هذا الناتج ووضعه في إطار عملي قابل للتنفيذ.

خاتمة

يُمثل دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، لاسيما في الدول التي تسعى إلى تجاوز آثار الأزمات وإعادة بناء اقتصادها على أسس مستدامة.

ويأتي اقتراح تأسيس “الهيئة السورية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة” كخطوة ضرورية لمواكبة التحولات الاقتصادية والاحتياجات التنموية الملحة في سوريا، خصوصاً في مرحلة ما بعد النزاع. إن إنشاء هيئة وطنية تتولى التنسيق بين الجهات الحكومية والشركاء الدوليين والمحليين، وتعمل ضمن رؤية واضحة تدعم ريادة الأعمال، من شأنه أن يساهم في إحياء القطاعات الإنتاجية، وتحقيق التمكين الاقتصادي للفئات المتضررة، خصوصاً الشباب والنساء.

وقد ركز النموذج السوري المقترح على محاور استراتيجية، من ضمنها تحديد القطاعات ذات الأولوية كالحرف اليدوية، الزراعة، الطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمي، وتوفير أدوات تمويل وتدريب تتناسب مع الواقع المحلي، إلى جانب تفعيل الشراكات الدولية لتأمين الدعم الفني والمالي. كما تم اقتراح مبادرات نوعية مثل برامج إحياء الحرف، وتمكين المرأة، والزراعة المستدامة، وريادة الأعمال للشباب، بما يعزز التمكين الاقتصادي والاجتماعي ويضمن الاستدامة.

في ضوء ذلك، فإن تبني هذا النموذج والعمل على تنفيذه تدريجياً وبشكل مرن يأخذ في الاعتبار خصوصية السياق السوري، سيكون خطوة عملية نحو بناء اقتصاد وطني متنوع ومستدام، وقادر على استيعاب التحولات والمتغيرات، مما يشكل ركيزة للنمو والاستقرار في مرحلة إعادة الإعمار وما بعدها.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


د. عمرو درّاج

سياسي وأكاديمي مصري، رئيس المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة الرئيس محمد مرسي، 2013.

صوفيا خوجاباشي

صحفية وباحثة في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى