ترجمات

نيولاينز: سقوط الأسد في سوريا يثير الخوف والتفكر في مصر


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


نشرت مجلة نيولاينز الأمريكية في 7 يناير 2025 مقالاً بعنوان: “سقوط الأسد في سوريا يثير الخوف والتفكّر في مصر” للصحفية تقى ​​عز الدين، المقيمة في القاهرة والتي تغطي موضوعات السياسة والثقافة. المقال جاء ضمن نشرة “سبوت لايت” التي تُصدرها المجلة الأمريكية، وهي نشرة إخبارية عن الاتجاهات الثقافية والأخبار التي يتم تناولها في جميع أنحاء العالم، حيث ترى الكاتبة أنه “وسط الانقسامات السياسية والمعاناة الاقتصادية، أثارت الأحداث الأخيرة التي وقعت في سوريا مخاوف للنظام في مصر من إمكانية حدوث شيء مماثل في البلاد ضد السيسي”.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

في أوائل شهر ديسمبر (تحديداً في 8 ديسمبر) ، ضجّ حي “السادس من أكتوبر” وحي “العبور” الصاخبين، في القاهرة الكبرى، حيث تتجمع الجالية السورية في مصر، بإطلاق الصافرات وأبواق السيارات، حيث تجمع السوريون بشكل عفوي للاحتفال بأنباء نهاية حكم سلالة الأسد (بعد سقوط بشار). وكان المصريون يصفقون ويصورون مقاطع فيديو لتلك الاحتفالات.

ولكن بينما كان الناس يستمتعون بلحظة النشوة العابرة في شمال غرب القاهرة، قامت قوات الأمن بفض تلك التجمعات. وتم اعتقال ثلاثين مواطناً سورياً وإصدار أوامر ترحيل ضد ثلاثة منهم، وفقاً للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة مستقلة لحقوق الإنسان.

المعلوم أن مصر تستضيف جالية سورية كبيرة وصلت إليها بعد ثورة 2011 في سوريا والحرب الأهلية التي تلت ذلك. وبينما تم تسجيل نحو 153 ألف سوري رسمياً في البلاد لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بحلول نهاية عام 2023، فإن إجمالي عدد السوريين المقدّر في مصر قد ارتفع ليصل إلى 1.5 مليون شخص. ورغم أن هذا الرقم غير مؤكد بسبب عدم وجود إحصاء رسمي معلن، فإن المؤكد هو أن معظم السوريين قد اندمجوا بالفعل في المجتمع المصري.

وقال راسم الأتاسي، الرئيس السابق لجمعية الجالية السورية في مصر، لنيولاينز إن السوريين يتجنبون عن عمد التسجيل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لأن مصر مثل الوطن، حيث كان المصريون منذ فترة طويلة متعاطفين بشدة مع السوريين.

كان محمد وأنس، وهما من سكان حلب، واللذان طلبا استخدام اسميهما الأولين فقط في هذا المقال، يعملان بجد في كشك لبيع الشاورما، حيث كانا يعبئان طلبات الطعام لمطعم سوري في حي شعبي بجنوب القاهرة. لم يكن أي منهما منخرطاً في السياسة في سوريا، لكنهما كانا في غاية السعادة عند سماع خبر الإطاحة بالأسد.

قال محمد: “هنأني جميع أصدقائي المصريين. هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها مصريين يتفاعلون مع الأخبار القادمة من سوريا. لقد اعتادوا، مثل أي شخص آخر، على الفظائع التي تعرضنا لها هناك. وأنا لا ألومهم”.

واتفق أنس، الذي يبدو أصغر سناً من محمد، مع محمد، حيث قال: “لن يدعم المصريون (بشار الأسد) الذي دمر حياة السوريين، أبداً”.

ورغم أن المصريين تعاطفوا بشدة مع سقوط الأسد في الثامن من شهر ديسمبر 2024، فإنهم عبروا عن مشاعرهم بشكل خافت بسبب أجواء الخوف السائدة في المجتمع، والتي جعلت الشوارع المصرية خالية من أي أثر للتعبير السياسي. ولكن كان الأمر على أي حال مختلفاً في الفضاء الإلكتروني.

كانت الأيام التي أعقبت الإطاحة بالأسد مزدحمة بالنسبة للمصريين على وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج الحوارية، كما كانت شديدة الاستقطاب. وكانت الدردشة على وسائل التواصل في الغالب سعيدة بتحرر السوريين من حكم الأسد، وإن كانت متشككة في قدرة الحكام الجدد على رسم مسار جديد للبلاد. لكن الأصوات الأعلى كانت أصوات السلطات المصرية وأبواقها الإعلامية، التي كانت تحذر من الفوضى المحتملة وتحذر المصريين من المؤامرات الأجنبية المحتملة.

قال مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسي، لمجلة نيولاينز: “كانت ردود الفعل في مصر تُمليها ثلاثة عوامل – المشاعر تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وموقف حكومة السيسي، والخوف من وقوع أحداث مماثلة في مصر”.

وتعليقاً على سقوط الأسد، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بياناً هنّأت فيه الشعب السوري على الإطاحة بـ “النظام الخائن”.

وظهرت بيانات متعددة من الجماعة على الإنترنت. ورغم أن تلك التصريحات التي نُسبت لبعضها شكّك فيها المحللون، إلا أن أنصار السيسي، بما في ذلك أبواق وسائل الإعلام، استغلوها. جاء في أحد تلك التصريحات المزعومة التي انتشرت على الإنترنت: “لن يرحل هذا النظام إلا بثورة، ولن يتحرر سجناؤنا في السجون المصرية إلا بثورة حقيقية تقتلع الطغيان، ولن تتحقق هذه الثورة بأي مفاوضات مذلة مع نظام لا يعرف إلا القهر والظلم”.

المعروف أن جماعة الإخوان المسلمين كانت قد وصلت إلى السلطة في مصر في عام 2012، بعد انتخابات برلمانية ورئاسية، ولكنها بقيت في السلطة لمدة عام واحد، وخلال هذه الفترة تحاشت المعارضة العلمانية. وفي عام 2013، أطاح الجيش بقيادة عبدالفتاح السيسي بالرئيس الراحل محمد مرسي وحل محله السيسي في سدة الحكم، والذي صنف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية وقمع جميع قياداتها البارزة. وبين الحين والآخر، تنتشر دعوات منسوبة للجماعة تدعو إلى تنظيم احتجاجات، لكنها نادراً ما تتحقق.

وعلى الرغم من عدم وجود رد فعل شعبي في شوارع مصر على سقوط الأسد، فمن الواضح أن تصريحات التهنئة بسقوطه قد أثارت غضب أنصار السيسي، الذين جاءوا للدفاع عن الحكومة كإجراء وقائي (مخافة أن يتكرر ذلك في مصر).

وكان مقدمو البرامج الحوارية قد سارعوا إلى انتقاد صعود الإسلاميين في سوريا وزعيمهم الفعلي أحمد الشرع، الذي قادت مجموعته، هيئة تحرير الشام، الهجوم الذي أطاح ببشار الأسد. وجاءت الانتقادات متسقة مع الخطاب المعادي للإسلاميين المستمر في وسائل الإعلام المصرية على مدى العقد الماضي، والذي غالباً ما يلقي باللوم على جماعة الإخوان المسلمين (ككبش فداء) في جميع أوجه القصور في حكومة السيسي. وبعد أيام قليلة من الإطاحة بالأسد، دعا أحمد موسى، مقدم البرامج التلفزيوني المصري الموالي لحكومة السيسي، إلى إعدام المعارضين السياسيين المحتجزين في السجون المصرية والذين صدرت ضدهم أحكام بالإعدام (في غياب محاكمات عادلة). وقال موسى في مقطع تلفزيوني من برنامج التوك شو الذي يقدمه، في إشارة إلى أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في السجون المصرية: “يتعين علينا تنفيذ عدد من عمليات الإعدام هذه حتى يعرف الناس أننا لن نتراجع عن قراراتنا”.

وحذّرت شخصيات إعلامية أخرى، بما في ذلك المذيع التلفزيوني والنائب البرلماني مصطفى بكري، من احتمال اندلاع حرب أهلية في سوريا، وشكّكت في قصص التعذيب التي خرجت من سجن صيدنايا – وهو السجن الذي كان يديره نظام الأسد وكان معروفاً باسم “المسلخ البشري“.

وقال الصحفي والمحلل عبد العظيم حماد لنيولاينز: “ما حدث في سوريا كان ذريعة للشخصيات الإعلامية والسلطات في مصر لإحياء مخاوف المصريين من المؤامرات الأجنبية. إنهم يزرعون هذه المخاوف لصالح الحكومة الحالية فقط”.

وبينما عقد دبلوماسيون عرب وأجانب من عدة دول اجتماعات رفيعة المستوى مع أحمد الشرع، إلا أنه لم يلتق به أي مسؤول مصري حتى الآن.

وبعد أيام قليلة من فرار الأسد من سوريا، استمع الصحفيون وممثلو وسائل الإعلام إلى السيسي جيداً وهو يلقي خطابه التلفزيوني الأول بعد الحدث، حيث أحاطوا به في إطار شبه رسمي. وقال السيسي للصحفيين الذين نادراً ما يعارضونه، بتلك النبرة الحزينة التي غالباً ما تميز خطاباته: “حاجتين أنا معملتهمش بفضل الله، إيدي لا اتعاصت بدم حد، ولا خدت مال حد”.

كما حذر مراراً من وجود “خلايا نائمة” قد تجلب الفوضى في مصر. وقال كامل السيد “إن أولئك الذين يعارضون جماعة الإخوان المسلمين يخشون من انتشار تلك الأخبار القادمة من سوريا لأن الإسلام السياسي يعود مرة أخرى إلى الظهور في المنطقة، وهذا قد يؤدي إلى تصاعد المقاومة من قبل الإسلاميين في مصر”.

وبعد سقوط الأسد مباشرة، فرضت مصر تدابير سفر جديدة على السوريين الذين يحملون تصاريح إقامة والقادمين من الخليج أو أوروبا أو الولايات المتحدة. فقد كانوا في السابق يدفعون 25 دولاراً كرسوم عند الوصول لدخول مصر، ولكن هذه السياسة ألغيت على الفور بعد سقوط الأسد. وأصبح يتعين عليهم الآن الحصول على موافقة أمنية من السفارات المصرية، وفقاً للأتاسي. كما يتعين على السوريين الذين يحتفظون بحق الإقامة في مصر التقدم بطلب للحصول على تصاريح (أمنية) ليكونوا قادرين على السفر وإعادة دخول البلاد.

ويعتقد المحللون أن مصر قد سارعت إلى إدخال تلك السياسات الجديدة، التي تعيق دخول السوريين إلى البلاد، بسبب الخوف من احتمال “تسلل متطرفين بينهم”.

ولكن المدافعين عن الحكومة المصرية ليسوا وحدهم الذين يخشون صعود الإسلاميين في سوريا. فقد قال المحلل السياسي ماجد مندور لنيولاينز إن نجاح الإسلاميين في سوريا يثير بعض التساؤلات العميقة بين المعارضة العلمانية أيضاً. وكان الدعم (الذي قدمه العلمانيون) للإطاحة بمرسي في مصر نابعاً من فكرة مزعومة مفادها أن الإسلاميين قد يحولون مصر إلى “أفغانستان” جديدة وأنهم قد يؤسسون لـ “فاشية دينية”.

وقال مندور: “إذا أظهر الإسلاميون في سوريا الاعتدال وقدموا حكومات تمثل وتشمل الجميع، فقد لا يبشر هذا بالخير بالنسبة للمعارضة العلمانية المزعومة في مصر. فلا يزال الانقسام بين المعارضة والإسلاميين يشكل عقدة لا يستطيع سوى عدد قليل جداً من الناس تجاوزها في مصر”، كما أوضح مندور.

وفي عام 2013، أثار وفد من الحزب الناصري المصري الجدل عندما زار بشار الأسد في سوريا لإظهار دعمه. وقال المؤسس المشارك للحزب فاروق العشري لوسائل الإعلام المملوكة للدولة آنذاك إن النية وراء دعم الأسد كانت زيادة المقاومة ضد الخطط الأمريكية والإسرائيلية. ووصف العشري الأسد بأنه “خط الدفاع الأخير” للعروبة، والتي تشكل جوهر الأيديولوجية القومية والناصرية.

وبعد أحد عشر عاماً، يجد بعض الناصريين والقوميين المصريين أنفسهم تحت طائلة اللوم الشديد لحزنهم على رحيل الأسد. فقد كتب المرشح الرئاسي السابق والشخصية الناصرية البارزة حمدين صباحي على منصة إكس بعد وقت قصير من فرار الأسد من سوريا: “آه يا سورية الحبيبة .. الطعنة غائرة في قلب العروبة .. لكن العروبة لن تموت”. وكان ناشطون مصريون من بين أولئك الذين انتقدوا على الفور دعم حمدين صباحي للأسد. ورداً على منشور صباحي، كتبت المحامية الحقوقية ماهينور المصري: “‏و هي العروبة دي ما بتصمدش غير على جثث شعوبها عن طريق طغاة و سفاحين و مجرمين و كمان مدعومين من ايران و روسيا؟ ده ايه العروبة العرّة دي؟!”

وقال حماد إن بعض الأشخاص الذين يعتنقون الإيديولوجية القومية وغيرها من وجهات النظر العالمية المماثلة يعانون من “الهلوسة السياسية. إنهم يعتقدون أنه طالما قال الأسد إنه ضد إسرائيل، فيجب دعمه واعتباره بطلاً قومياً”، مضيفاً أن بعض القوميين واليساريين مصممون على دعم أي شخص يقف ضد الولايات المتحدة وإسرائيل بغض النظر عما يقومون به.

ومع ذلك، فإن الأيديولوجية والحركة القومية العربية في مصر أكثر تنوعاً مما قد يوحي به تصريح صباحي. حيث قال الصحفي الناصري حسام مؤنس لنيولاينز إن الناصريين في مصر ليسوا كتلة واحدة، وردود أفعالهم على أخبار الإطاحة بالأسد معقدة.

وأضاف مؤنس، مبرراً دعم بعض القوميين للأسد: “حتى ولو بشكل غير مباشر، ينظر بعض الناصريين إلى سوريا، إلى حد ما، كطرف سهّل الخدمات اللوجستية أو تسليح أو تدريب حركات المقاومة، سواء في فلسطين أو لبنان”.

وعلى العكس من ذلك، فإن مؤنس، الذي ينظر إلى الأسد باعتباره مجرماً، يعتقد أن الاختلافات بين الأجيال وسط الحركة القومية موجودة بالفعل، حيث يقول: ” بعض الناصريين أكثر حساسية تجاه مواضيع مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، وكانوا ينظرون إلى بشار باعتباره مجرماً.”

وقال الأستاذ الدكتور مصطفى كامل السيد إن الحكومة ومحللون آخرين يخشون ما حدث في سوريا لأن أحمد الشرع ظهر بعد أيام قليلة من رحيل الأسد في صورة مع محمود فتحي، وهو قيادة إسلامية مصرية كان وثيق الصلة بالمرشح الرئاسي السابق والمعتقل حالياً حازم صلاح أبو إسماعيل.

وقال د. السيد: “ربما أثارت هذه الصورة الانزعاج لأنها تلمح إلى الرغبة في تقليد ما حدث في سوريا. ومع ذلك، كان النظام السوري تحت بشار في حالة من الفوضى، على عكس النظام المصري بقيادة السيسي. لقد اعتمد إلى حد كبير على الدعم الأجنبي وربما كان هذا هو السبب في انهياره بسرعة”.

ووفقاً للدكتور السيد، فإن مصر حالة مختلفة. فلا يوجد تدخل أجنبي أو جماعة مسلحة تسيطر على أراضي. وعلى الرغم من المظالم في مصر، يخشى الناس ثورة محتملة لأنهم يعتبرونها قد تقود إلى فوضى وستترك البلاد تواجه مستقبلاً غير مؤكد. وأضاف د. السيد: “وهذا الخوف لا أساس له”.

ويعاني المصريون من ظروف اقتصادية صعبة، حيث تعاني البلاد من نقص طويل الأمد في العملات الأجنبية وهناك معدلات تضخم عالية أدت إلى تآكل مدخراتهم. ومع ذلك، فإن الاختلافات بين السياقين السوري والمصري اختلافات صارخة.

وقال ماجد مندور: “في سوريا، كانت للمعارضة خبرة في القيادة حتى لو كانت على أجزاء صغيرة من البلاد – منظَّمة ومنضبطة بشكل جيد. ولكن في مصر، المعارضة منقسمة وضعيفة، والانقسام بين الإسلاميين والمعارضة العلمانية لا يزال مهيمناً بشكل كبير”. وأضاف أن المصريين ليسوا في مزاج مناسب للقيام باحتجاجات؛ حيث “يخشى الناس على سلامتهم، (لعلمهم أنه) في حالة اندلاع أي مظاهرات، فلن يتم مواجهتها إلا بالعنف الحاد”. ويستبعد مندور أيضاً إمكانية أي تحشيد أو تعبئة (للتظاهر ضد النظام) لأن “رواية النظام لا تزال مسيطرة، بأنه ستنهار البلاد وستكون هناك فوضى وأنا (السيسي) الوحيد الذي يمكنه الوقوف في وجه هذه الفوضى الشاملة المحتملة”.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى