تمهيد:
في الوقت الذي يواجه العالم كله تهديد خطر فيروس كورونا الذي أوقف الحياة في شرايين الدول، نجد ملائكة الرحمة في أنحاء العالم هي الجيوش الوحيدة التي تقف على الجبهة تُحارب منفردة من أجل إنقاذ الشعوب وليس من أجل حكام وأنظمة، كما تفعل الجيوش المُسلحة.
ويواجه أصحاب المهن الطبية منذ ظهور فيروس كورونا حرب شرسة وغير متكافئة، وصارت الكوادر الطبية تبذل جهدا مُضاعفا لمحاربة الفيروس الغير مرئي، فيروس حرمهم حتى من النوم لإنقاذ أرواح المصابين، فتوجهت الكوادر الطبية إلى خطوط الدفاع للحفاظ على البشرية، معرضين أنفسهم وأهاليهم للخطر بالعدوى أو الوفاة، وتركت آثار الكمامات والنظارات الواقية علامات على وجوههم في صور ومشاهد لن ينساها التاريخ.
أولاً: الكوادر الطبية حول العالم
أكد رئيس مجلس التمريض الدولي (يضم 130 رابطة محلية وأكثر من 20 مليون ممرض وممرضة) إن هناك حاجة للمزيد من التجهيزات لحماية أبناء هذا القطاع الذين يعملون على خط المواجهة في جهود مكافحة فيروس كورونا.
ووصف هوارد كاتون الرئيس التنفيذي لمجلس التمريض الدولي، الكوادر الطبية بأنهم أبطال، وقال أعتقد أنه لا يوجد وصف آخر لما يفعلونه حاليا غير ذلك، وأعلن أن معدلات الإصابة بلغت 9% بين العاملين بقطاع الصحة.
وحسبما أعلنت وكالة أنباء “أنسا” الإيطالية، ارتفعت حصيلة الوفيات في صفوف الأطباء الإيطاليين إلى 46 خلال معركة التصدي لوباء كورونا.
وأعلنت وسائل إعلام بريطانية عن وفاة أربعة من الأطباء في بريطانيا، بسبب فيروس كورونا، وكانوا في الصفوف الأولى لمواجهته، وهم من المسلمين. وأوضحت أن اثنين منهم من أصول سودانية، والثالث من أصول باكستانية، والرابع من أصول نيجيرية، والخامس من أصول مصرية وهم أول أطباء في المملكة المتحدة يموتون وهم على الخطوط الأمامية لمكافحة الفيروس.
ثانياً: أزمة الأقنعة الطبية
منذ بداية أزمة انتشار فيروس كورونا دعت منظمة الصحة العالمية الدول والمصنعين إلى زيادة إنتاج الأقنعة والقفازات والملابس الطبية للعاملين بقطاع الصحة المعرضين للخطر، في ظل نقص حاد بهذه المواد.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إن نحو نصف الإنتاج العالمي من الكمامات الطبية يأتي من الصين مصدر الوباء، في وقت أغلقت به المصانع أبوابها بالتزامن مع الاحتفالات برأس الصينية، ما أدى في نهاية المطاف إلى نفاد المنتج من الأسواق لمدة زمنية طويلة مع استمرار إغلاق تلك المصانع لأبوابها على خلفية انتشار الوباء.
وتنتج الصين نحو 20 مليون كمامة طبية يوميا ونحو 7 مليارات كمامة بالعام أي ما يعادل نصف الإنتاج العالمي، لكن تفاقم الأزمة تسبب في صعوبة توفير الأيدي العاملة.
ثالثاً: أقنعة (N95)
مع الانتشار الواسع لفيروس كورونا، بدأت مختبرات الأبحاث تعاني نقصاً متسارعاً في إمدادات معدات الحماية، خاصة أقنعة (N95)، حيث وصلت مبيعاتها إلى أرقامٍ قياسية، وترجع سبب تسمية أقنعة (N95) بهذا الاسم إلى قدرتها على تصفية نحو 95% من الجسيمات الهوائية، وبالتالي فهي تحمي بالفعل من الأمراض بما فيها فيروس كورونا، وهي الأنسب والأمن للكوادر الطبية.
رابعاً: الكادر الطبي في مصر
يقف الأطباء وطواقم التمريض والعاملين في القطاع الصحي منذ بداية أزمة كورونا على الجبهة الأمامية لمكافحة انتشار الفيروس، وشهدت المستشفيات في مصر التواجد الملحوظ للكادر الطبي، حيث كانوا يعملون لفترات طويلة تصل إلى 12 ساعة يوميا، والعديد منهم كان يقضي أياما متواصلة داخل مستشفيات العزل للحالات المصابة دون الذهاب إلى منزله، كل ذلك رغم نقص الإمكانيات والمستلزمات الطبية.
ولكن مع الوقت وإهمال الحكومة المصرية للكادر الطبي، فتحت وزارة الصحة المصرية باب التطوع للالتحاق بفرق مواجهة فيروس كورونا بعد هرب العديد من الأطباء والصيادلة والممرضين، وذلك بعد تأكدهم بأن الحكومة المصرية لا تُبالي بحياتهم ولا بحياة أُسرهم، وذلك بعد غياب وسائل الحماية الكافية لهم في معركتهم مع فيروس كورونا، ويؤكد الكادر الطبي في مصر بأن هناك نقص كبير في الأدوات الأولية للحماية من كمامات طبية ومعقمات داخل المستشفيات، والمراكز الصحية الحكومية.
ورغم تخصيص وزارة الصحة المصرية 28 مستشفى للعزل لم تستخدم منها سوى ثمانية حتى الآن، وذلك حسب تصريحات رئيس اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا بوزارة الصحة.
وأعلنت الحكومة المصرية مؤخرا عن زيادة بدل المهن الطبية بنسبة 75%، للأطباء العاملين بالمستشفيات الجامعية، ولكن الأطباء في مصر اعتبروا هذا الزيادة محبطة ومخيبة للأمل حيث أنها لا تشمل جميع الأطباء والكادر الطبي.
وفى ظل تلك الأزمة تعالت الأصوات من داخل المهن الطبية للمطالبة بتنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الذي قرر زيادة بدل العدوى للأطباء بمبلغ 1000 جنيه شهريا بدلا من 19 جنيها، والذي يشمل جميع الأطباء، ورغم أن الحكم قد أصدر منذ نوفمبر عام 2015 من محكمة القضاء الإداري، إلا أن الحكومة منذ ذلك الحين تتفاوض على تنفيذ الحكم بحجة الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
بل سبق للحكومة المصرية الطعن على حكم المحكمة الخاص ببدل العدوى أمام المحكمة الإدارية العليا ليظل الوضع كما هو عليه حتى بعد أزمة كورونا. ورغم كل الصراعات بين الأطباء والحكومة المصرية، طالب العاملون في جهاز الإسعاف عن غضبهم لعدم إدراجهم ضمن القرار بدل العدوى، مطالبين بحصولهم على البدل باعتبارهم جزءا من الكادر الطبي.
وحذرت منى مينا عضو مجلس نقابة أطباء مصر سابقا ا من كارثة تهدد المجتمع بتفشي عدوى فيروس كورونا، إثر تعليمات جديدة أقرتها وزارة الصحة بشأن فحص الأطقم الطبية.
جاءت تحذيرات مينا بعد يومين من بيان أصدرته نقابة الأطباء طالبت فيه كلا من وزيرة الصحة هالة زايد ورئيس هيئة الرعاية الصحية بإعادة النظر أو إلغاء القرار الإداري رقم 1 لسنة 2020، والخاص بتقسيم العمل بين أطباء العزل، حيث رأت النقابة أنه يحتوي على سلبيات عديدة تحول دون تطبيقه عمليا.
وأكدت النقابة أن أبرز سلبيات قرار هيئة الرعاية الصحية هو تقسيم فريق العمل إلى مجموعتين أو ثلاث يعملون بالتناوب، حيث تعمل مجموعة لمدة عشر أو 15 يوما متتالية بشكل متواصل من دون انقطاع وعلى مدار الساعة، على أن تلتزم المجموعة الثانية بالعزل الذاتي من دون مخالطة أي فرد خلال هذه الفترة، ثم يتم التبادل بينهما وهكذا، الأمر الذى يستلزم انقطاع عضو الفريق الطبي عن الحياة العامة وعن البشر وعن رعاية أسرته طوال فترة غير معروف أمدها، كما لم يتضح المقابل المالي الذي سيحصل عليه.
حصيلة الإصابات بين الأطقم الطبية في مصر
أشارت العديد من التقارير إلى أن حصيلة الإصابات المعلنة بين الأطقم الطبية في مصر حتى 29 أبريل 2020، بلغت أكثر من 90 إصابةـ و5 وفيات[1]، وكانت أبرز تلك الحالات 17 حالة بين أفراد الطاقم الطبي بمستشفى المعهد القومي للأورام، مما أدى إلى غلق المستشفى.
أما مستشفى الزيتون التخصصي بالأميرية في مصر فتم اكتشاف 22 إصابة بها جميعهم من الأطباء والتمريض والكيميائيين، ولم يتم غلق المستشفى أو الاستقبال، ومازالت أعداد الإصابات في صفوف الكادر الطبي في تزايد بالإضافة إلى حالات الوفاة التي تم الإعلان عنها.
فقد ذكر الدكتور إيهاب الطاهر أمين عام نقابة الاطباء إن أعداد الأطباء المصابين بفيروس كورونا ارتفع إلى 91 طبيبا، و 5 وفيات، في ظل التجاهل الشديد من جانب وزارة الصحة المصرية في حماية الطواقم الطبية التي تواجه الوباء القاتل بدون إجراءات وقائية لازمة.
وفي السياق نفسه، اكتشفت السلطات المصرية وجود إصابة بكورونا داخل مستشفى جامعة قناة السويس في الإسماعيلية، وعلى الفور تم عزل الطاقم الطبي المخالط وهم 5 أطباء و13ممرضا وممرضة وتعقيم وتطهير المستشفى وأقسام الطوارئ. وقررت السلطات إخلاء مبنى للعناية المركزة وعزل الطاقم الطبي والعمال بالمستشفى إثر مخالطتهم لحالة مصابة بفيروس كورونا.
وكانت السلطات المصرية قد قررت صباح الثلاثاء 28 أبريل 2020، إغلاق قسم الأعصاب في مبنى الباطنة الخاصة بمستشفى جامعة المنصورة شمال البلاد، وعزل كل من بداخله بعد اكتشاف 9 حالات إصابة بفيروس كورونا.
وأعلن الدكتور أشرف عبدالباسط رئيس جامعة المنصورة، إغلاق مبنى الباطنة الخاصة بالمستشفى الجامعي الرئيسي، والذى يضم 5 أقسام تشمل الأعصاب والمتوطنة والصدر والجلدية والعزل، مع عزل جميع الأطقم الطبية بداخله، بعد ظهور 9 إصابات بفيروس كورونا.
وتسلل فيروس كورونا للأطباء في مستشفيات جامعات القاهرة وعين شمس والمنصورة، كما تسلل لمعهد القلب ومعهد الأورام، ومستشفى الزيتون وأسوان وقنا والصدر بدكرنس بالدقهلية، وكذلك لمستشفيات جامعة بنها التي شهدت إصابة 16 من الأطباء وإضراب عدد كبير من الممرضات[2].
وبجانب الإصابات، تم الإعلان عن عدد من الوفيات في صفوف الكادر الطبي، وكان أول الشهداء في مجابهة فيروس كورونا هو الطبيب أحمد عبده اللواح الذي فقد حياته بعد أن انتقلت إليه العدوى ثم نقلها لزوجته وابنته، وما زال القطاع الطبي يفقد كوادره واحدًا تلو الآخر، وكان آخرهم، ولن يكون الأخير، الصيدلي حازم ماهر نبيل متأثرا بإصابته بفيروس كورونا نتيجة عدوى انتقلت له أثناء عمله بصيدليته في الجيزة، والممرض بمستشفى النجيلة في مطروح السيد المحسناوي الذي توفي إثر إصابته بكورونا أثناء أداء عمله.
كيف تعاملت الحكومة المصرية مع مطالب الكادر الطبي؟
رغم الجهود والتضحيات التي يقدمها الكادر الطبي المصري بكل فئاته، إلا أننا نجد النظام في مصر يتعمد بشكل واضح تجاهل مطالبهم، ففي الوقت الذي يحتاج الكادر الطبي إلى توفير سبل الحماية والوقاية وسرعة الكشف والعلاج للأطباء، نجد وزيرة الصحة المصرية تسافر يمينا ويسارا لتقديم الهبات الطبية بالإضافة إلى وفد من القوات المسلحة المصرية مصاحباً لها لتقديم الدعم لدول خارجية، أكثر قدرة وإمكانيات طبية وصحية مما تتمتع به مصر، وفق كل المؤشرات الدولية.
ولم يكتف النظام بتجاهل مطالب الكادر الطبي في مصر، ولكن تفاجأت ممرضات مصر بتزامن عرض فيلم “يوم وليلة ” والذي أساء لسمعة ستمائة ألف ممرضة مصرية، عبر شخصية ممرضة لعوب تجسدها في الفيلم الممثلة التونسية درة، الأمر الذي أثار حفيظة نقيب عام التمريض في مصر الدكتورة كوثر محمود والكادر الطبي كله.
وانتشرت في الآونة الأخيرة العديد من الفيديوهات على مواقع التواصل لأطباء وممرضين ينتقدون فيها طريقة تعامل وزارة الصحة مع فيروس كورونا، وعدم توفير وسائل لحماية الكادر الطبي من انتقال العدوى، مما يضطر الأطباء إلى شرائها بشكل شخصي لحماية أنفسهم.
خلاصة
1ـ على الإعلام المصري التوقف عن تزييف دعم الحكومة المصرية للأطباء، فبدل العدوى المزعوم لن يشمل كل الأطباء، وسوف يتراوح بين 250 جنيها إلى 400 جنيه فقط، وذلك بعد خصم الاستقطاعات منه، وكذلك التوقف عن تصدير فكرة أزمة الأطباء في مصر بأنها أزمة مادية بين الدولة والأطباء، فالمرحلة تتطلب دعم الأطباء والمطالبة بتوفير الأدوات والأجهزة اللازمة للمواجهة انتشار الفيروس.
2ـ أهمية العمل على مراعاة كل الاعتبارات التي من شأنها الحد من كفاءة وفاعلية الكوادر الطبية في مواجهة الوباء، مثل الرواتب والبدلات، والدعم النفسي والإعلامي، فهذه الكوادر هي خط الدفاع الأول عن المواطنين الآن في هذه المواجهة.
[1] محمد محي الدين، 90 إصابة و5 وفيات، كورونا يضرب القطاع الطبي في مصر، موقع الحرة، 29 أبريل 2019، الرابط: https://arbne.ws/3d4nfTz
[2] أشرف عبد الحميد، 5 وفيات و91 إصابة بكورونا بين أطباء مصر، موقع العربية، 28/4/2020، الرابط: https://bit.ly/2WcUMEh