fbpx
كتب إليكترونيةمختارات

هل مصر بلد فقير حقا؟ ـ الجزء الأول

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

فى يناير من مطلع العام الجديد 2017 ، أطل علينا رئيس الجمهورية، بتصريحات غريبة ومثيرة للدهشة، قال فيها أيوه أحنا بلد فقير. . وفقير قوي كمان ، وبقدر ما صدمت هذه الكلمات القصيرة والحادة، الرأي العام فى مصر، بقدر ما كشفت أننا إزاء رئيس لا يمتلك أفقا ولا رؤية لإخراج البلاد من مأزقها الاقتصادي والسياسي، الذى تسبب به أسلافه من جنرالات الجيش والمؤسسة العسكرية الذين حكموا مصر منذ عام 1952 حتى يومنا.
صحيح أن الشعب المصرى قد اعتاد منذ أن تولى الجنرال السيسي منصبه كرئيس للجمهورية على تلك التصريحات الغريبة، والمثيرة للإستهجان، من قبيل ” وأنا كمان غلبان. .. حاجيبلكم منين ” ، بيد أن هذا التصريح الأخير الخاص بأن مصر بلدا فقيرا. . وفقير قوي، لم يكن ليمر دون رد، ودون شرح، لأنه كان كاشفا عن جهل فاضح بالقدرات الكامنة والحقيقية فى الاقتصاد والمجتمع المصري، وغياب رؤية قادرة على الإستفادة من تلك القدرات والإمكانياتء، ومن ثم فإنها مؤشر لا تخطئه عين الخبير على غياب أى أفق تحت قيادة هذا الرجل للخروج من الكارثة الاقتصادية التى أستمرت خلال السنوات الأربعة من حكمه يوليو 2014 – يوليو 2018 ، وذهبت بنا إلى ما هو أبعد وأخطر.
وقد تصادف أن طلبت منى إدارة الموقع الإليكترونى )مصراوى ( ، الذى يديره الصحفى مجدى الجلاد، ومجموعة مختارة من الصحفيين المعاونيين له، أن أطل على قراء الموقع بمقال أسبوعى أتناول فيه بعض القضايا الاقتصادية بالشرح والتحليل، فوجدتها فرصة للتصدى لتلك المقولة الخطيرة التى أطلقها رئيس الجمهورية، وأشرح بكل ما أوتيت من معرفة كذب هذه المقولة وخطورتها على الرأى العام المصرى، وقد كان .
ثم اقتضت الضرورة، أن أجمع هذه المقالات بين ضفتى كتاب، يكون كلمة للتاريخ والناس، تتداوله الأيدى والعقول عبر الزمن، فيرد للشعب كرامته ويحفظ للحقيقة مكانها.

مأزق الاقتصادء المصرى. . وصانع القرار

كثيرا ما سألنى الأصدقاء والقراء، لماذا بعد كل ما كتبت عن الأزمة الاقتصادية المصرية، والتى تزيد على الخمسين كتابا، ومئات المقالات الصحفية، وعشرات اللقاءات الإعلامية والتليفزيونية، لا يستفيد صناع القرارات وراسمي السياسات الاقتصادية من كتاباتك، وإجتهاداتء الأخرين، خاصة أنكم تقدمون خططا وأفكارا تبدو واقعية للخروج من هذا المأزق الاقتصادى المستعصي فى البلاد منذ أكثر من ثلاثين عاما ؟ وهل صناع القرار وراسمى السياسات فى بلادنا لا يعرفون ما تقولون، أو يغيب عن فطنتهمء وخبراتهم ما تقولون به ؟
والحقيقة التى ينبغى أن نؤكد عليها، أن الخبراء الاقتصاديين المتحلقين حول الحكومة والسلطة السياسية في البلاد، يدركون ما نقول، ويحيطون بما نطرح من أفكار لكن جوهر المشكلة التى ينبغى أن يعرفها القراء والأصدقاء، أن علم الاقتصاد ليس علما محايدا بالمطلق، وليس مجرد معادلات فنية وطرق حسابية ورياضية، بقدر ما هو علما إجتماعيا، محملا بعبء الإنحيازات الاجتماعية لصانع القرار أو راسمى السياسات الاقتصادية.
وهنا ينبغى أن نلفت نظر القراء أن علم الاقتصاد الحديث، يكاد ينقسم بين تيارين ومدرستين متناقضتين ومتصارعتين، ويجب على صانع القرار أن يختار بينهما، أو على الأقل يمزج بين الوسائل والأساليب المتبعة بين المدرستين والتيارين.
فمن جهة هناك مدرسة اقتصاد السوق والتى تترك لعوامل العرض والطلب وآلياته الغاشمة، أن تحدد بوصلة النشاط الاقتصادي، وطريقة توزيع الدخول والثروات، وتترك للقوى المسيطرة أن تحدد مسارات النمو وقطاعاته الأولى بالرعاية والإهتمام، بصرف النظر عنما يسمى مصالح المجتمع والطبقات المحدودة الدخل، وقد زادت وحشة هذا التيار منذ مطلع الثمانينات حينما سيطرت على القرار الاقتصادي والسياسي فى بعض أهم الدول الغربية وفى طليعتها الولايات المتحدة الريجانية وبريطانيا التاتشرية ، وهيمنت على الأدبيات والمنتجات الفكرية لبعض أهم المعاهد التعليمية والأكاديمية فى الغرب، وعزز من هذه الهيمنة الأنهيار المفاجي وغير المتوقع للنظام السياسى السوفيتى والتجربة الاشتراكية برمتها.
وعلى الجانب الآخر هناك التيار الفكرى الذى يؤكد خصوصا فى الدول النامية والفقيرة على أهمية أدوات التخطيط، وتوجيه مسارات التنمية دون أن يصادر على المبادرات الفردية والمشروع الخاص، ويرسم فى ضوء الاحتياجات الأساسية للسكان الأنماط المناسبة للتنمية والإنطلاق. والحقيقة أن نمط اقتصاد السوق الفوضوي الذى ساد فى مصر طوال الخمسين سنة الخيرة، وخصوصا منذ عام 1974 ، كان يتفق تماما مع صعود قوي إجتماعية جديدة وتحالف اجتماعى بدأ يتشكل منذ هذا التاريخ، مكوناً من أربعة روافد هى رجال المال والأعمال الجدد وكبار جنرالات المؤسسة الأمنية والعسكرية، وبعض الطامحين والطامعين من المؤسسة الجامعية )أساتذة الجامعات ( ، وأخيرا بعض أعضاء المؤسسةالقضائية، ومنهم تحددت السياسات، وأشكال توزيع الفائض والأرباح. وأصبحت معاداة هؤلاء لفكرة
التخطيط والتحيز للفقراء والطبقة الوسطي، بمثابة عمل يومى وغذاء روحي، ومن هنا لم تعد للأفكار التى تنتصر لمفهوم التخطيط أى مكان لدى صانع القرار فى بلادنا.

هل عرفتم إجابة للسؤال الذى يشغل بال الكثيرون فى مصر؟

ثم يستكمل القراء تساؤلاتهم وهذا حقهم علينا : إذا كانت هذه هى سياسة الحكومة المتحالفة مع رجال المال والأعمال، فهل هناك بدائل لإنقاذ الوضع الاقتصادي عموما والجنيه المصري خصوصا من حد الكارثة والأنهيارء، وتجنب تجارب الإنهيارء التى واجهتها دول مثل روسياء عام 1999 ، والأرجنتين عام 2001 ، والبرازيل والمكسيك وأدت إلى إضطرابات أجتماعية وسياسية عاصفة ؟
والإجابة بالقطع نعم. . والأهم. . هل نحن بلدا فقيرا حقا؟ والإجابة هنا بالقطع لا. .

هل نحن بلدا فقيرا حقا؟

لعل أخطر ما تردد فى السنوات والشهور الأخيرة، هو ما قال به أحد المسئولين الكبار فى يناير 2017 ، بأننا بلد فقير. . ثم عاد وكرر العبارة بانفعال شديد قائلاً: أيوه أحنا بلد فقير قوى ” . وبقدر ما أن هذا الكلام غير صحيح جملة وتفصيلا، بقدر ما يعكس أما عدم إدراك بالقدرات والإمكانيات المتاحة فى مصر، أو عدم رغبة حقيقية فى إعادة بناء اقتصادء البلاد، ونظامها الضريبي بما يلبى المطالب العادلة للمواطنين، وبما يأخذ من الأغنياء ورجالء المال والأعمال حق الدولة والمجتمع، كما يؤكد هذا الكلام فى نفس الوقت عدم رغبة فى وقف الإهدار والإسراف الذى يميز الإدارة الحالية ووزرائها، ومجلس نوابها وراجعواء موضوع الإنفاق الحكومى ستجدون فضائح بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ووفقا لما هو منشور فى جريدة أخبار اليوم الحكومية يوم السبت الموافق 11 فبراير 2017 ، فإن مبيعات
السيارات فى مصر عام 2016 بلغت 198271 سيارة، بعد أن كانت فى العام 2015 حوالى 278406 سيارة، وإذا حسبنا أن متوسط سعر السيارة الواحدة 150 ألف جنيه فقط، فإن مشتريات المصريين من السيارات بلغت عام 2016 حوالى 3.0 مليارات جنيه، وإذا كان متوسط سعر السيارة 200 ألف جنيه فنحن نتحدث عن 4.0 مليار جنيه، هذا بخلاف السيارات المستوردة من الخارج.

هل هذا تعبير عن بلد فقير. . وفقير قوى كما يردد هذا المسئول الكبير ؟

ونضيف إلى ذلك ما كشفته دراسات حديثة بشأن حجم مشتريات المصريين من فيلات وقصور وشاليهات سياحية فاخرة، منذ عام 1980 حتى عام 2011 ، قد بلغ 415 مليار جنيه على الأقل، بما يعادل 180 مليار دولار بأسعار الصرف السائدة فى تلك الفترة الزمنية، فهل هذا تعبير عن بلد فقير حقا.
وعلاوة على ذلك فأن النتائج التى تسربت من أبحاث الاستخبارات المركزية الأمريكية عام 2001 حول حجم ودائع المصريين فى البنوك الخارجية – أى خارج مصر – قد تجاوزت 160 مليار دولار، وهو ما يصل
حاليا إلى 250 مليار دولار وفقا لمعدلات النمو الطبيعية فى هذه الودائع والثروات، وإذا أضفنا إليها ما جرى تهريبه من أموال بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ، فنحن نتحدث عن قدرات مالية هائلة. . فهل نحن بلدا فقيرا حقا ؟
وتكشف الأموال التى جمعت من المصريين أفرادا كانوا، أو مؤسساتء مالية، فى أقل من أسبوعين من أجل حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس عام 2014 ، والتى تجاوزت 64 مليار جنيه عن مقدار الفائض والمدخرات المتاحة لدى المصريين، وقدرتهم على تعبئة هذا الفائض، إذا ما توافرات الثقة فى القيادة السياسية للبلاد، وطرحت أمامهم آفاق للمستقبل، والخطورة هنا إذا ما أصطدمت هذه الثقة مرة بعد أخرى بخيبة أمل، وضياع للبوصلة، مما يؤدي إلى تبديد هذه الثقة، خصوصا لدى الفئات الوسطي والفقراء فى المجتمع.
الحقيقة أننا مجتمع لديه فوائض مالية كبيرة لدى الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، ومن طبقة رجال المال والأعمال، تذهب فى أنواع عديدة من الاستهلاك الترفى، بسبب غياب سياسات للتنمية، وإنسحاب الدولة من تعبئة الموارد والتخطيط، بما يعيد صياغة الموارد والإمكانيات بصورة تنموية، والتفرغ فقط إلى أعمال المقاولات والطرق والعاصمة الإدارية، أى أننا بصدد عقل مقاولى إنشاءات، وليس رجال تخطيط وتنمية وعدالة إجتماعية، ورؤية بعيدة المدى لتصحيح الإختلالات العميقة فى نمط توزيع الثروات والدخول.
تعالوا نتأمل معا بعض القدرات والإمكانيات الكامنة فى الاقتصاد المصرى، والمجتمع المصرى حتى نقدم إجابة علمية وموضوعية على هذا السؤال الاستراتيجى.
لقد أشارت تقارير منظمة النزاهة المالية الدولية أن حجم التدفقات غير المشروعة من مصر، إلى الخارج نتيجة للفساد الحكومى يقدر بحوالى 57 مليار دولار خلال السنوات الممتدة من عام 2000 حتى عام 2008 ، أى بإجمالى مبالغ تقدر بأكثر 336.8 مليار جنيه مصرى خلال هذه السنوات التسعة وحدها بسعر الصرف 5.91 جنيها للدولار ، وأن السنوات الثلاثة الأخيرة من هذه الفترة قد شهدت زيادة ملحوظة فى حجم هذه التدفقات غير المشروعة إلى الخارج، حيث بلغت عام 2006 حوالى 13.0 مليار دولار، وفي عام 2007 بلغت 13.6 مليار دولار، وفى عام 2008 بلغت 7.4 مليار دولار.
وقد فجرت فضيحة ما يسمى ” أوراق بنما PANAMA PAPERS” فى أواخر عام 2015 هذا الجرح الغائر من جديد سوا لدى الشعب المصري، أو شعوب العالم المنهوبة من المستبدين وطبقة رجال المال والأعمال الجديدة فى هذه المجتمعات التى جرى تخليقها معمليا فى المختبرات الأمريكية والأوربية ومؤسسات التمويل الدولية، ومما أظهرته هذه الأوراق حتى الأن :
1- أنه قد تبين أن هناك 250 ألف شركة مسجلة بنظام الأوف شور فى مكتب المحاماه المسمى موساك فوسيكا في معظمها مجرد شركات وهمية بهدف التهرب الضريبي وإخفاء الأموال لأصحابها.
2- أظهرت أوراق بنما تلك أن هناك موظفة فقيرة فى مكتب المحاماة هذا تترأس أكثر من 11 ألف مجلس إدارة من بين هذه الشركات الوهمية.
3- أظهرت هذه الأوراق أن فى فرنسا وحدها 250 ألف شخص من كبار الشخصيات ورجال المال والأعمال
والأنشطة الرياضية وغير الرياضية، قد تهربوا من دفع الضرائب عبر إنشاء هذه الشركات الوهمية التى أسست
فى خارج فرنسا، ووفقا لخبير التحقيقات الضريبية الفرنسى ” مسيو رولان فابيو ” ، قد استطاعوا إخفاء حوالى 250 مليار يورو خارج البلاد، وأن من شأن كشف هذه الأوراق أن تستعيد فرنسا هذا المبلغ، وأن من بين هؤلاء أسماء كبيرة منهم مثلا المحامى أرنوالد كلود شريك الرئيس الفرنسى السابق نيكولاى ساركوزى فى أعمال المحاماة، والذى مارس عمليات احتيال وإنشاء شركات وهمية وعمليات غسل أموال.
4- وأن مكاتب المحاماه الأجنبية التى تقوم بهذه الأعمال القذرة، سواء فى قبرص وجزر الكايمان أو جزيرة العذراء البريطانيتين، أو جزيرة مونت كارلو الفرنسية وغيرهم تحصل فى المتوسط على نسب عمولات تتراوح بين 1% إلى 3% من قيمة الأموال المهربة والمحولة عبر البحار والمحيطات.
HSBC -5 كما تبين أن هناك بنوك كبرى وذات سمعة عالمية تقوم بهذه الأعمال القذرة ومن ضمنها بنك
البريطاني، وبنك سوسيتيه جنرال الفرنسي، وبنك ” أدموند دو روتشيلد ” السويسرى، وكريدى أجريكول السويسرى الشهير، وشركة ” فيدو سويس ” ، وغيرها كثير، فعلى سبيل المثال أظهرت الأوراق أن بنك “سوسيتيه جنرال ” الفرنسي، قد أنشا 136 شركة وهمية فى الملاذات الضريبية الآمنة، لمساعدة عملائه على التهرب الضريبي، أما بنك ” أدموند دو روتشيلد ” الكبير والشهير ومديره مارك أمبروزيان والكائن مقره فى لوكسمبرغ فقد سجل 142 شركة وهمية، ووضع عناوينها فى مقر البنك فى عنوانه فى لوكمسبرغ، ومن بين هؤلا رجل إماراتي يدعى خادم القبيسى ” كان يعمل مستشارا ومسئولا ماليا فى حكومة الشيخ زايد آل نهيان، نجح فى إخفاء أكثر من مليار يورو عبر صناديق استثمار فى ماليزيا والجزر البريطانية وبنك ” أدموند دو روتشيلد ” ، سارقا أياها من صندوق أبو ظبى السيادي أبيك ، وقد تبين فيما بعد أن هذا الرجل كان شريكا لكل من علاء وجمال مبارك فى بعض أنشطتهما فى الخليج وفى غير الخليج.
6- كما كشفت أوراق بنما، الشبكة الواسعة الممتدة من نيوزيلاندا وهونج كونج شرقاء، مرورا بماليزيا ودول جنوب شرق آسيا، وصولا إلى أوربا فى قبرص وبريطانبا وفرنسا وألمانيا، وعطفا على جزر المحيط الهادى الأمريكية. DELWARE فى الباهامس وسامورا، إنتها إلى ولاية ديلاور وقد ساعد حسنى مبارك على عمليات السرقة والتلاعب المالى – والتى أدين فى قضية القصور الرئاسية ونجليه جمال وعلاء – أن ميزانية رئاسة الجمهورية كانت كبيرة، وغير مراجع عليها من الأجهزة الرقابية، بحيث أن الجز الغاطس منها كان كبير جدا من خلال ما يسمى الصناديق والحسابات الخاصة التى يملك رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات جمهورية بإنشائها دون رقيب أو حسيب، وتسريب جزء كبير من أموال المساعدات والمعونات العربية والأجنبية إلى هذه الصناديق، وكذلك جزءا من إيرادات هيئة قناة السويس، فمؤسسة الرئاسة تمتلك 65 قصرا، وتشرف على أعمال مؤسسة الرئاسة 9 إدارات أو قطاعات إدارية مما يسهل عمليات إخفاء الأموال، هذا علاوة على عدة مليارات من الجنيهات المصرية والعملات الأجنبية المتنوعة تضمها أكثر من ثمانى صناديق وحسابات خاصة لا يعرف عنها أحد شيئا سوى عدد محدود جدا من العاملين فى رئاسة الجمهورية فى مقدمتهم اللواء الدكتور زكريا عزمى والسكرتير الخاص للرئيس جمال عبد العزيز ومسئول الشئون المالية بالرئاسة. فهل هذا تعبير عن دولة فقيرة. . وفقيرة قوي كما يقولون؟

نماذج من شركات رأسمالية المحاسيب

فى دراسة رائدة قام بها ثلاثة من الباحثين الغربيين هم أسحاق دوين ومارك تشيفبور وفيليب كيفير عن أثر اقتصاد المحاسيب أو رأسمالية المحاسيب، صادرة عام 2013 ، إنتهت إلى نتائج على درجة عالية جدا من الأهمية والخطورة، فبعد أن جرى تحديد المفهوم والتعريف الإجرائى للمشروعات ذات الصلة بالحكم والإدارة والتى يقصد بها أن يكون أن مديرها أو أصحابها على صلة بأفراد فى، الحكم والإدارة، أو عضوا فى الحزب الحاكم، أو فى مركز أبحاث يديره أو أسسه نجل الرئيس مبارك، أو عضوا فى مجلس إدارة أحد المؤسسات الرسمية أو الحكومية، حددت الدراسة 469 شركة يتحكم فيها 32 من كبار رجال الأعمال فى مصر بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على صلة بنجل الرئيس حسنى مبارك جمال مبارك وبالحكم والحزب الحاكم،وقد توزعت هذه الشركات والمشروعات على النحو التالى :
أن هذه الشركات تتوزع بين 20 شركة قابضة والباقى شركات تابعة وفرعية، 47 شركة منها لديها واحد على الأقل من كبار رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة يشغل وظيفة مدير لها. و 140 شركة لديها عضو مجلس إدارة واحد على الأقل من كبار رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة. و 334 شركة لديها على الأقل واحد من رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة، و 172 مشروع منها حصلت على معظم استثماراتها من صناديق استثمار تدار من جانب رجال المال والأعمال أو أكثر على صلة بالحكم والسياسة.
وقد تبين من واقع هذه الدراسة الهامة أوضاع هذه الشركات على النحو التالى :
-1 أن 469 شركة هذه الشركات لا يعمل بها سوى 569 ألف موظف وعامل فقط، بما لا يشكل سوي 11% فقط من العمالة الصناعية بالقطاع الخاص المنظم مقابل 7.2 مليون عامل وموظف يعملون، فى بقية المنشآت الاقتصادية غير الزراعية وغير الحكومية وفقا لنتائج تعداد عام 2006
-2 معظم هذه الشركات أو المنشأت تعمل فى مجالات الصناعة مثل الصناعات الغذائية والسيارات والنسيج
والملابس الجاهزة، والبلاستيكء، والسيراميك والأسمنت والصناعات المعدنية، ثم تأتى بعدها الخدمات السياحية، وأخيرا تأتى صناعة البرمجيات والمعلوماتية.
-3 كما تبين أن معظم هذه الشركات قد نشأت بعد عام 2000 فى إطار إعادة تنظيم المشروعات العائلية، كما أن معظم هذه الشركات أنشئت كشركات قابضة وشركات تابعة وهذا يحقق لأصحابها عدة أهداف وأغراض أهمها:
أ – يؤدي إلى خفض مدفوعات الضرائب وفقا لقانون الضرائب الذى عدل بالقانون رقم 91 لسنة 2005 .
ب -يسمح لهم بفرص أكبر للإقتراض من البنوك والتملص من القيود المصرفية السقوف الائتمانية.
ت -يسمح لهم ببيع بعض أصولهم فى أى وقت وإعادة التموضع داخل وخارج البلاد وإخراج أموالهم إلى الخارج
وقد أظهرت الدراسة كذلك نتائج جد خطيرة ومن أهمها:
1- أن هذه الشركات بينما لا توظف سوى 11 % من العمالة الموجودة بالقطاع الخاص المنظم، فأنها تحقق
%60 من صافي الأرباح المحققة سنويا فى هذا القطاع المنظم، كما أنها تحصل على 92 % من إجمالى
القروض الممنوحة من البنوك لهذا القطاع المنظم.
2- أن هذه الشركات وأصحابها يحصلون على الأراضى بأسعار بخسة جدا، والتى تدخل بدورها كعنصر من
عناصر تقييم الأصول فى هذه الشركات، بما يقييمها ماليا واقتصاديا بأعلى من قيمتها الحقيقية، وبما يسمح
بالتالى بالحصول على الائتمان المصرفى المبالغ فيه.
3- كما تحصل هذه المشروعات المرتبطة سياسيا على حماية من المنافسة الأجنبية عبر القيود غير الجمركية
. Non –Traffic Procedures
4- كما تحصل على دعم الطاقة خصوصا للمشروعات كثيفة استخدام الطاقة 36 % منها تعمل فى صناعات
كثيفة استخدام الطاقة، و 21 % منها فى مشروعات منخفضة استخدام الطاقة.
5- وتحصل هذه المشروعات على حصة أكبر فى السوق المصرية وفي الخارج، وان لديها أعلى هوامش للأرباح، وهى وإن كانت الأكثر كثافة فى رأس المال، فأنها ليست بالضرورة الأعلى إنتاجية.
6- وتؤدى المزايا التى تحصل عليها هذه الشركات إلى إضعاف فرص دخول السوق لدى المشروعات الأصغر حجما وبالتالي تقليل المنافسة.
7- كما يؤدى تمويل هذه المشروعات من خلال صناديق استثمار خاصة يملكها أو يديرها رجال أعمال مرتبطين أيضا بالحكم والسياسة، إلى تكامل رأسى فيما بين هؤلا رجال الأعمال، وبالتالى يحد من المنافسة فيما بينهم.
هكذا يبدو بوضوح كيف تنشأ الميول الإحتكارية داخل الاقتصاد المصري، بسبب هذا التكامل والتواطؤ بين رجال المال والأعمال وبعضهم البعض من ناحية، وتواطؤ وصمت بل ومشاركة الدولة واجهزتها ومسئوليها فى هذه العملية الخطيرة والضارة بمستقبل البلاد من ناحية أخرى.
8- تزامن مع نمو ظاهرة المشروعات المرتبطة بالحكم والسياسة خلال العقد الأخير من حكم مبارك 2000 / 2010 ، تنامى ظاهرة أخرى هى تزايد معدل هروب وتهريب الأموال إلى الخارج، بحيث قدرتها الدراسة بحوالى 5% إلى 10 % من الناتج المحلى الاجمالى المصري سنويا أى ما يتراوح بين 50 إلى 100 مليار جنيه سنويا.
9- كما تبين من حيث الملكية أن 289 شركة بنسبة 62 % مملوكة بواسطة عائلة أعمال واحدة، وهناك 180 شركة بنسبة 38 % مملوكة بواسطة عائلتين على الأقل، و 79 مشروع بنسبة 17 % مملوكة بواسطة أربعة عائلات على الأقل، وهناك 37 مشروعا بنسبة 8% مملوكة بواسطة 6عائلات على الأقل.

فهل هذا تعبير عن دولة فقيرة. . وفقيرة قوي كما يقال ؟

تقدير قيمة الأصول والممتلكات الحكومية فى محاولة للإجابة على السؤال الكبير الذى أثار جدلا واسعا فى المجتمع المصرى طوال الشهور التسعة الماضية : هل نحن بلد فقير حقا ؟
تأتى محاولتنا لحصر الأصول والممتلكات الحكومية، التى أنفق عليها المجتمع والدولة المصرية مئات المليارات من الجنيهات طوال أكثر من سبعة عقود سابقة، والتعرف على طرق ووسائل أستخدامها، خاصة أن الكثير منها لم يحل دون الفشخرة الاستثمارية، وبنا وأقامة المزيد منها، مثل المبانى الإدارية للوزارات والمصالح الحكومية المختلفة.
وتنبع مشكلة البحث من طبيعة القطاع الحكومى ذاته ؛ فإذا كان ما يمكن تسميته ” بأدبيات الخصخصة ” منذ مطلع عقد التسعينيات ؛ قد أوجدت إطار معرفياً مفهوماً تجاه قضايا حصر وتقييم الأصول والممتلكات الحكومية لدى شركات الإنتاج والتجارة والتوزيع ؛ بحيث بءدا أن هناك مجالاً للجدل النظرى والمحاسبى والإقتصادي حول تقييم هذه الأصول ؛ فإن الجهاز الحكومى بخصائصه المعروفة يجعل من إمكانية تطبيق نفس هذا الإطار محلاً للشك وسو التقدير .
ذلك أن ” جهاز الخدمة المدنية الحكومية ” يتسم بأنه جهاز لا يهدف إلى الربح من ناحية ؛ وعدم وجود سوق تنافسية خاصة فى مجال الخدمات السيادية، والمنافع والمرافق العامة من ناحية أخرى ؛ هذا بالإضافة إلى عدم تجانس أهداف أصحاب المصالح . ومن جانب آخر ؛ فإن بنية الإحصاءات المصرية ما زالت تفتقر إلى بيانات منشورة وموثقة عن حجم هذه الأصول الحكومية وتقديراتها على مستوي قطاعات الإقتصاد المصرى عموماً .فثروة أى بلد تقدر بما تملكه من رأس مال في يشتمل على الموارد العينية والموارد البشرية ؛ وحساب الإهلاك Wealth كافة المجالات ؛ وحساب هذه الثروة من رأس المال كأحد متطلبات الحسابات القومية، وهو ما يُمكًن من بنا النماذج الإقتصادية والتنبؤ الاقتصادي، وهكذا إذا حاولنا التحديد الدقيق لمشكلة هذا النوع من الأبحاث نجد الآتى :
1- غياب الدراسات المسحية الإقتصادية، أوالعينية حول هذه الأصول .
2ـ غياب التمييز بين التعريفات المنهجية الواضحة بشأن مفاهيم من قبيل الأصول سوائ فى صورته المالية والعينية أو البشرية، ورأس المال والثروة.
3- وبنا عليه فإن هذه الأصول والممتلكات الحكومية لم يجر عليها عمليات تحليل وتقييم من أجل صياغة نماذج مما يؤدى عملياً إلى إهدار الكثير منها بسبب سوء الاستخدام أو تكرار نفس النشاط دون الاهتمام برفع كفاءة الموجود منها فعلاً .
4- ولأن مقياس المخرجات / المدخلات، أو التكلفة / العائد لم تعد معياراً دقيقاً لقياس درجة كفاءة الأداء الحكومي ؛ نظراً للطبيعة الخاصة لأدوار ” أجهزة الخدمة المدنية الحكومية ” فى العالم أجمع، خاصة في المجتمعات النامية وعدم القدرة على فصل أدا وكفاءة هذا القطاع الحكومي عن السياسة وأهدافها بمفهومها الواسع فى النموذج التحليلى للأداء الحكومى يعنى إدخال مقتضيات – Politics ، فإن إدخال هذا المعطى – أى السياسة ومقولات علم ” اقتصاديات الإدارة الحكومية ” الحديث نسبياً فى صلب تحليل نتائج أدا الأصول الحكومية .
5- كما تثير مسألة تكلفة اقتنا الأصول الحكومية مشكلات شديدة التعقيد من عدة جوانب بعضها يرتبط بالتمرحل وبعضها الآخر بتقدير القيمة الحالية لهذه الأصول وفقاً لأسعارها السوقية أو،Stages Of Time الزمنى الدفترية بحسب الأحوال، وهى قضايا تتداخل فيها أسس العلوم المحاسبية بمفاهيم العلوم الإقتصادية والمالية .
6- ثم نأتى أخيراً إلى واحدة من أكبر المشكلات المنهجية المتعلقة بهذا النوع من الموضوعات وهو درجة التنوع الهائل فى تلك الأصول والممتلكات الحكومية – باستبعاد أصول الشركات العامة – حيث لدينا ما يزيد عن ثلاثمائة صنف من هذه الممتلكات الحكومية التى أنفقت عليها الحكومات المتعاقبة من الأموال العامة لإقامتها بدءاً من الطرق والكبارى، مروراً بالمستشفيات العامة والوحدات الصحية ؛ انتقالاً إلى المدارس والجامعات ؛ إنتهاءاً بمحطات الكهربا والمياه والصرف الصحى، والموانئ والمطارات وغيرها، ثم انتقالاً إلى تفاصيل هذه المكونات والأصول مثل المبانى التى تشغلها الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية وما تحويه من أثاث وأجهزة ومعدات مكتبية وسيارات وغيرها .
من كل هذه اللوحة المتشعبة والخرائط الهائلة للممتلكات الحكومية، تجعل مسألة حصرها عدداً وحجماً، وتقديرها قيمة ونقداً، قضية من أكثر القضايا تعقيداً فى مثل هذه الدراسات .
ونهدف هنا إلى تحقيق أربعة أهداف أساسية هى :
الأول : المساعدة فى خلق تيار فكري إقتصادى وإداري ومالى يتعامل مع الأصول الحكومية باعتبارها عناصر إنتاجية تخضع دوماً لعمليات الحصر والتقييم والتقدير فى إطار ما أصبح يطلق عليه فى الأدبيات النظرية بعلم ” إقتصاديات الإدارة العامة والحكومية “.
الثانى : محاولة البدء فى رسم خريطة وهيكل لهذه الأصول الحكومية، وتقدير حجمها وتوزيعها، وتكاليفها على المجتمع والدولة، ووضع اللبنات الأساسية للتعامل الدوري مع هذه الأصول، ونظم صيانتها وإحلالها وتجديدها تماماً كما المنشآت الإنتاجية بالشركات والمصانع وفقاً لعلم الاقتصاد والمحاسبة المالية .
الثالث : استخلاص أوجه القصور وثغرات الاستخدام الأمثل لهذه الأصول فى كافة صورها – العينية والبشرية وسبل الاستفادة منها، ووقف نزيف الإهدار الراهن بسبب عدم وجود سياسات حكومية واضحة تجاه إدارة وتدوير هذه الأصول الحكومية الهائلة ووضع سياسات بديلة.
الرابع : أن بنية العمل الإدارى المصرى تتأثر سلبا أو إيجابا بمدى كفاءة الإدارة الاقتصادية داخل بنية الوحدات
الإدارية الحكومية.
وتنطلق دراستنا من عدة فروض أساسية هى :
1- أن حصراً فعلياً للأصول والممتلكات الحكومية لم تتم بصورة مناسبة حتى الآن، سوا فى مصر أو غيرها من الدول النامية .
2- ومن ثم فإن عمليات التحليل المالى والإقتصادى لهذه الأصول لم تدخل بصورة جدية فى نماذج التحليل الكلى للثروة القومية، ولمفعولها فى الناتج المحلى الإجمالى بصورة دورية .
3- وأنه لم تجر عمليات ربط دقيق بين تواضع كفاءة استخدام وتشغيل هذه الأموال والممتلكات الحكومية فى أجهزة الخدمة المدنية من جهة، وتزايد حجم الديون المحلية والأجنبية على الإقتصاد المصرى من جهة أخرى .
4- أن انشغال العقل الرسمى لدوائر رسم السياسات واتخاذ القرارات فى مصر بعمليات الخصخصة للشركات طوال العقود الثلاثة الأخيرة، قد طغى وأزاح إلى خلف المشهد العام، الأهمية القصوى التى ينبغى أن تحتلها مسألة تقدير وتدوير، وكفاءة استخدام الأصول والممتلكات الحكومية فى القطاع الخدمى وأجهزة الحكومة المختلفة .
5- ونظرا لصعوبة الحصر الشامل لهذه الأصول الحكومية، والتى قد تحتاج إلى فريق عمل واسع ؛ فإننا سوف
نقتصر على مجموعة من عناصر هذه الأصول والممتلكات، وهذه العناصر هى :
– المبانى الحكومية .
– السيارات الحكومية .
– أجهزة الحاسبات الالكترونية .
– المكاتب والتجهيزات المكتبية .
– الموجودات المخزنية .
– الموارد البشرية والهيئة الوظيفية .
6- وبالتأكيد فإن غياب عناصر من هذه الأصول كلفت الدولة المصرية أكثر من 420 مليار جنيه منذ منتصف السبعينات حتى عام 2008 ، مثل ممتلكات الأراضى المتاحة التى جرى التصرف فيها وبيعها بأبخس الأثمان ؛ سيترك أثره على درجة شمول نتائج هذا البحث .
بيد أن طريق الألف ميل يبدأ دائماً بخطوة ؛ وها نحن نبدأ بالخطوة الأولى،علنا نقدم إجابة علمية وموضوعية
حول سؤال : هل نحن بلد فقير حقا ؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close