fbpx
الحركات الإسلاميةكتب إليكترونية

الجزء العاشر :داعش: التحالفات الدولية وسيناريوهات المستقبل

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

في ختام هذه الحلقات سنحاول الوقوف على بعض الخلاصات المتعلقة بتنظيم داعش ومستقبله، وهنا نقول بالنسبة لتنظيم داعش بان تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي بات يسيطر على المشهد السياسي والعسكري في سوريا والعراق، ويحمل تهديدًا واضحًا لدول أخرى، إلى اليوم لم ينل مقاربة بحثية شاملة ومركبة، يمكنها أن تقرأ بشكل جيد أسباب الظهور، ومستقبل هذه الظاهرة. ومن المؤكد أن تناولاً سريعًا لهذه الظاهرة، في ورقة أو ورقتين، لن يكون كافيًا لتفحُّص، ومراجعة المعلومات المتوفرة بشأنه، فضلاُ عن تقديم تفسير عميق للظاهرة.

لكن رغم ذلك فان الدراسات والبحوث المنشورة حول هذا التنظيم تمكننا من تسجيل الخلاصات والنتائج التالية- وهو ما ذهبت إليه خلاصة ملف نشره مركز الجزيرة للدراسات:

1ـ إن فكرة “الغلو والانحراف” في نهج (داعش) تدفع إلى القول: إننا أمام تطور داخل العالم المفاهيمي للجهاد العالمي وانفلات من القيود المفروضة من القيادة المركزية؛ تجاوبًا مع ما تفرضه التطورات على الأرض، والاختلاف حول الوسائل الأجدى لتحقيق المشروع، بالإضافة إلى الصراع على الإمارة نفسها التي هي مركزية في المشاريع الحركية التنظيمية عامة.

2ـ لا يمكن لمسلسل الخروج عن “نظام الفقه الإسلامي” الذي بدأه فقهاء الجهاد العالمي أن يقف عند الحدِّ الذي رسموه هم لأنفسهم وأتباعهم.

3ـ إن سيطرة تنظيم الدولة على الأرض، لا يمكن فهمها إلا في إطار التغيرات في المنطقة منذ الحرب على أفغانستان والعراق وصولاً إلى الثورات الشعبية، فتنظيم الدولة تمدَّد في الفراغ الذي خلَّفه ضعف الدولة وفي أجواء الاستبداد بعد احتلال العراق، وكذلك الحال مع الثورة السورية التي قوبلت بعنف وحشي فتحولت إلى ثورة مسلحة.

4ـ إن الاختلاف بين تنظيم الدولة والقاعدة يظهر في التقديرات والحسابات السياسية خصوصًا مع حنكة وخبرة القاعدة وصِدَامية تنظيم “الدولة الإسلامية”.

5ـ يرتبط مستقبل الأيديولوجيا التي يدشنها تنظيم “الدولة الإسلامية” تتوقف في تجذرها وتمكنها على الحرب الدولية التي تخاض ضده، وهناك احتمالان، الأقرب منهما أن يُحجَّم التنظيم أو يُهزَم فسيكون مستقبله أشبه بما آلت إليه دولة طالبان تنظيميًّا، وسيكون أيديولوجيًّا حركة جهادية منشقة تُصنَّف على يمين تنظيم القاعدة.

6ـ ستدخل أيديولوجيا التيارات الجهادية عمومًا، ومنها تنظيم الدولة في نفق المراجعات كما سبق وحصل مع التيارات الجهادية في مصر وليبيا وسواهما، لأن تنظيم الدولة وصل بالأفكار التي زرعتها التيارات الجهادية وخاصة القاعدة إلى أعلى مستويات الإشباع، وفي لحظة كانت الشعوب العربية تتجه بخلاف قبلة هذا التيار.

7ـ هناك مسار بياني تصاعدي في البنية الهيكلية الداخلية لتنظيم الدولة الإسلامية، فقد بدأ بصورة بسيطة عنقودية شبيهة بالجماعات الإسلامية الجهادية المحلية، خلال الأشهر الأولى، ثم بدأ يتطوَّر مع تأسيس جماعة التوحيد والجهاد، بإضافة مؤسسات وهيئات متخصصة، ووصل إلى مرحلة أكثر تطورًا مع انضمامه إلى القاعدة المركزية بعد أن أصبح اسمه “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”.

8ـ انتقل التنظيم نحو الصيغة المؤسسية التي تحاكي ما جاء في كتب التراث الإسلامي، مع الإعلان عن إقامة الدولة الإسلامية في بلاد الرافدين، بعد مقتل الزرقاوي، عبر الإعلان عن تشكيل وزارات وتعيين ولاة على المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، في محاولة للانتقال من صيغة التنظيم إلى بنية الدولة.

9ـ حدثت الطفرة الحقيقية، لاحقًا، مع تولِّي أبي بكر البغدادي؛ إذ تمَّ تطوير عمل الأجهزة المختلفة وتأطيرها مؤسسيًّا ومنحها مهمات محددة ودقيقة تجمع ما بين طبيعة المؤسسات في الدولة المعاصرة وأدوارها الوظيفية من جهة، وطبيعة التنظيم وظروف عمله، التي تمتاز بدرجة أكبر من التعقيد والغموض من جهة أخرى، وهو ما جعلنا أمام حالة هجينة وخاصة تُزاوِج بين صورة الدولة والتنظيمات السرية في الوقت نفسه.

10ـ تزاوج التطور على الصعيد المؤسسي والوظيفي مع إعادة هيكلة القيادة، وتصعيد القيادات المحترفة المحلية، على أكثر من صعيد، بخاصة عسكريًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا.

11ـ تميُّز التنظيم بقدرة لافتة على توزيع المهمات وتقسيم الأدوار بين العنصر المحلي والقادمين من الخارج “المهاجرين العرب والمسلمين”.

12ـ ارتفعت أعداد الذين ينتمون إلى التنظيم بصورة مضاعفة، بعد السيطرة على الموصل وإعلان الخلافة، وهو أمر طبيعي، ويرتبط بعامل القوة والهيمنة والنفوذ.

13ـ بالرغم مما أظهره التنظيم من عمل مؤسسي وتنظيمي معقد ومتطور، وكفاءة كبيرة في التجنيد والدعاية، وحماية التماسك الداخلي؛ إلا أن ذلك لا يعني أنه لا يواجه تحديات حقيقية، فلا يزال التوسع الكبير في عمله والمناطق التي يسيطر عليها يحمل في ثناياه مخاطر حقيقية على قدرة التنظيم على التماسك والتوسع في حال تعرَّض لضربات عسكرية وأمنية كبيرة.

14ـ إن السعي لتفسير الالتحاق بـ”داعش” يجب عدم قصره على الوقائع الصلبة والمنسجمة، وهو أيضًا شيء من اللعب خارج السياسة وخارج السوسيولوجيا.

15ـ إذا كانت “القاعدة” تنظيمًا عنقوديًّا، فإن “داعش” تنظيم أفقي، يقتطع مناطق ويُخضع قبائل وعشائر ويضم في تشكيلاته فروعًا لأحزاب وكتائب انشقت بأكملها. هذه السعة تتيح أيضًا مرونة وتدفع اللعب إلى أقصاه. فإلى جانب “سلفيته الجهادية” هناك أثر قوي لبعثية “داعش” ولعشائريته، وتتجاور فيها محلية مغرقة في رجعيتها وعالمية لا حدود لحداثتها.

16ـ يُشكِّل (داعش) مجموعة مفارقات تتعلق بسياق ظهوره في زمن الربيع العربي، وبطبيعة كنهه السياسي، وبإرباكه لسياسات الدول الإقليمية والولايات المتحدة.

17ـ مثَّل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) كفاعل من غير الدول تحديًا حقيقيًّا للدولتين اللتين ينشط في إطارهما الجغرافي، العراق وسوريا؛ ففي العراق تسبَّب في الإطاحة بحكومة المالكي ومجيء حكومة جديدة، وسوَّغ التدخل الخارجي في العراق مرة ثانية.

18ـ في سوريا أثَّر سلْبًا على مسار الثورة السورية؛ إذ دعم موقف الأسد الذي لم يكِلَّ عن ترويج روايته الخاصة عن الثورة السورية بوصفها تخريبًا يتزعمه متطرفون ظلاميون ومأجورون.

19ـ أربك هذا التنظيم طبيعة السياسات الخارجية لباقي الدول الفاعلة في الإقليم؛ فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها في نهاية المطاف ترسِّخ بعملياتها العسكرية ضد (داعش) أقدام الأسد مزيدًا في سوريا؛ ومن ثَمَّ تزيد من نفوذ إيران في المنطقة بطريقة أو بأخرى.

20ـ قد تجد واشنطن نفسها مضطرة لعقد صفقات سياسية مع طهران، وكأن واقع الحال أن واشنطن تقف مع طهران والأسد في نفس الخندق وهو ماحدث فعلا.

21ـ تبدو علاقة واشنطن بأنقرة معرضة للتوتر بسبب تباطؤ الأخيرة في الانضمام للتحالف ضد (داعش) بصورة جذرية؛ حيث إن أنقرة لا ترى في عملياته ضد (داعش) وحده، دونما استراتيجية شاملة تتضمن الإطاحة بالأسد، جدوى حقيقية.

22ـ يرتبط صعود تنظيم الدولة الإسلامية بوصفه فاعلاً إقليميًّا، عابرًا للدول والمجتمعات، بعاملين رئيسين، الأول: يتمثل بالنزعة الطائفية في المنطقة الناجمة عن النفوذ الإقليمي الإيراني، والفراغ السياسي السني، وانفجار الصراعات الداخلية على أسس طائفية ودينية وعِرقية في كل من العراق وسوريا، والثاني: ينبثق من سياسات الأنظمة السلطوية وقمع الاحتجاجات السلمية وحالة الانسداد السياسي، والانقلاب على مخرجات الربيع العربي، أي: إنه مركَّبٌ على أزمة سياسية عربية.

23ـ لا تقتصر مسألة امتداد الخطر الراديكالي لـ(داعش) إلى القوقاز وآسيا الوسطى على الأخطار الأمنية ولكنها تمتد إلى ما يمكن أن تسهم فيه من توسع أو انكماش لدول إقليمية في جوارها الجغرافي.

24ـ إن تمدد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، سيكون له تأثيرات عابرة للإقليم تتجاوز حواف الشرق الأوسط لتمتد إلى إقليمي القوقاز وآسيا الوسطى.

25ـ إن صعود هذا التنظيم، محليًّا وإقليميًّا، ليس طارئًا وهزيمته تتجاوز الجانب العسكري والأمني، إلى مواجهة الشروط الموضوعية السياسية التي تقف وراءه ووراء التنظيمات والنماذج الشبيهة.

26ـ من الضروري أن تتم قراءة هذا الفاعل السياسي الجديد في إطار العنف السلطوي، سواء كان ذا طابع طائفي، مثل: العراق وسوريا، أو استبدادي، كما هي الحال في مصر والجزائر والدول العربية الأخرى، وفي إطار الأزمات البنيوية التي تعاني منها الدول العربية، وتخلق مشاعر شعبية جامحة للتهميش والإقصاء وغياب الأفق السلمي والظروف الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة.

27ـ من الضروري، النظر إلى صعود تنظيم الدولة في سياق الفوضى الطاحنة في ليبيا، والفراغ السياسي ونمو الجماعات المرتبطة بالسلفية الجهادية هناك، وفي صحراء سيناء، وفي اليمن مع سيطرة الحوثيين على صنعاء، ومع الأزمة البحرينية والأزمات الداخلية العربية، فهنالك اليوم حالة جديدة متنامية من تفكيك المجتمعات وانهيار السلطة الأخلاقية للدولة، والعودة إلى الأشكال الأولية من التعبير عن الهوية.

28ـ مثل هذه المناخات تخلق جاذبية لنموذج الدولة الإسلامية وقابلية لاستنساخه وتطبيقه في العديد من المجتمعات، طالما أن المسارات البديلة مغلقة إلى الآن، فليست خطورة هذا التنظيم أنه اجتاز الحدود وأقام كيانًا عابرًا لها، ومتوحشًا في سلوكه مع الخصوم، بل إنه أصبح نموذجًا للوعي الشقي السلبي ولحالة المجتمعات العربية والمسلمة.

29ـ أصبح هذا التنظيم “نموذجًا”، وقد وجدنا كيف سعت جماعات أخرى في ليبيا واليمن ومصر إلى استنساخه، فطالما أن الأزمة السياسية السُّنِّية لم تُحل، والأزمة السلطوية العربية قائمة، فإن هذا التيار والتيارات الأخرى، سواء كانت شيعية أو عِرقية أو غيرها ستجد فرصةً للنمو والصعود والتكيف مع الضغوط والظروف المختلفة، وإذا تراجعت في مكان ستتنشر في مكان آخر.

30ـ تمر المنطقة بأسرها بمرحلة انتقالية تشهد انهيارًا للدولة القُطرية ومنظومتها السياسية، وهي حالة تتجاوز العراق وسوريا إلى أغلب دول المنطقة؛ إذ نجد حالة الفوضى وعدم الاستقرار تسود في اليمن وليبيا ولبنان وصحراء سيناء في مصر، في مقابل حالة صعود للميليشيات العسكرية ذات الطابع الطائفي أو الديني أو العِرقي.

31ـ إن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية عسكريًّا لن يخلق حالة من الاستقرار الإقليمي ولن ينقذ الدولة القُطرية العربية؛ إذ تؤشِّر المعطيات الواقعية إلى أننا أمام مرحلة انهيار للتوازنات القديمة من دون خلق آفاق سلمية بديلة، وهي التي كان يمكن أن توفرها الثورات الديمقراطية العربية.

32ـ يبدو سيناريو الفوضى والعنف والتفتيت السياسي والجغرافي على أسس بدائية هو السيناريو المتوقع في المدى المنظور، طالما أن البديل الديمقراطي الوطني التوافقي ليس ناجزًا بعدُ في كثير من الدول والمجتمعات العربية؛ وذلك يعني الدوران في حلقة من الصراعات والأزمات الداخلية والإقليمية الطاحنة.

 

تنظيم الدولة: السيناريوهات المتوقعة:

ينبثق عن هذا السؤال أسئلة متعددة؛ من قبيل ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتمكن مع حلفائها من القضاء عسكريًّا على هذا التنظيم وإنهاء دولته التي أعلن عنها ممتدة بين الأراضي السورية والعراقية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي مآلات الأوضاع في العراق وسوريا في حال لم تحل المشكلة السياسية السنية في سوريا، وفشلت جهود احتواء السنة العراقيين؟ وهل إنهاء “داعش” سيؤدي إلى عودة الاستقرار الإقليمي؟

يرتبط صعود تنظيم الدولة الإسلامية بوصفه فاعلاً إقليميًّا، عابرًا للدول والمجتمعات، بعاملين رئيسين: الأول: يتمثل بالنزعة الطائفية في المنطقة الناجمة عن النفوذ الإقليمي الإيراني، والفراغ السياسي السنِّي، وانفجار الصراعات الداخلية على أسس طائفية ودينية وعِرقية في كل من العراق وسوريا، والثاني: ينبثق من سياسات الأنظمة السلطوية وقمع الاحتجاجات السلمية وحالة الانسداد السياسي، والانقلاب على مخرجات الربيع العربي أي إنه مركَّب على أزمة سياسية عربية.

يمكن النظر إلى تنظيم الدولة باعتباره نموذجًا من نماذج متعددة عابرة للمجتمعات، تتمثل بالجماعات الدينية والطائفية التي أصبحت فاعلاً رئيسًا في ظل حالة الفوضى السياسية والأمنية، فالجماعات الشيعية العراقية وحزب الله والقوى الكردية والحركات السلفية الجهادية وفروع القاعدة والحوثيين تتوافر على الشروط السياسية والمجتمعية نفسها التي أدت إلى صعود ذلك التنظيم.

ويتأسس هذا الدور السياسي والأمني والعسكري لهذه التنظيمات والجماعات على فشل الدولة الوطنية العربية في الإدماج السياسي وحماية قيم المواطنة والقانون وسيادة حالة من الفوضى الأمنية والفراغ السياسي.

كما أن صعود هذا التنظيم، محليًّا وإقليميًّا، ليس طارئًا وهزيمته تتجاوز الجانب العسكري والأمني، إلى مواجهة الشروط الموضوعية السياسية التي تقف وراءه ووراء التنظيمات والنماذج الشبيهة.

 

من هذه الملاحظات يمكن استنطاق نتيجتين مهمتين، هما:

الأولى: أن النجاح الفعلي، طويل المدى، للحرب الراهنة، لن يتحقق إلا بشرط رئيس وهو فكُّ الاشتباك بين تنظيم الدولة الإسلامية والمجتمع السني، ومدى قناعة المجتمع السني بالانقلاب مرة أخرى على التنظيم، كما حدث في العام 2007 مع تجربة الصحوات.

الثانية: أن المنطقة بأسرها تمر بمرحلة انتقالية تشهد انهيارًا للدولة القُطرية ومنظومتها السياسية، وهي حالة تتجاوز العراق وسوريا إلى أغلب دول المنطقة؛ إذ نجد حالة الفوضى وعدم الاستقرار تسود اليمن وليبيا ولبنان وصحراء سيناء في مصر، في مقابل حالة صعود للميليشيات العسكرية ذات الطابع الطائفي أو الديني أو العرقي.

 

في ضوء هذه الملاحظات، وبالعودة إلى السؤال الرئيسي للسيناريوهات المتوقعة للحرب الراهنة على تنظيم الدولة الإسلامية، يمكننا الحديث عن المؤشرات التالية:

على صعيد التحالف الدولي والإقليمي:

يعاني التحالف من غموض السيناريوهات والمراحل التالية، ويقع في معضلات جوهرية؛ أهمها:

1ـ تدرك الإدارة الأميركية أن القضاء على التنظيم أو إضعافه من دون دحرجة الأهداف لتصل إلى النظام السوري، لن يحل المشكلة، ولن يقلب موقف المجتمع السني ليكون مشاركًا فاعلاً في القضاء على التنظيم، فطالما أن الرئيس أوباما لم ينطق بكلمة السر، وتتمثل بمد الأهداف لتصل إلى قوات النظام السوري أو إجباره على قبول التنحي، فإن المجتمع السني السوري لا يرى ضوءًا في نهاية النفق، وستبقى شروط صعود هذا التنظيم قوية، وهي مقاربة تؤكد عليها تركيا كشرط للانخراط الكامل في مواجهة التنظيم وتؤيدها فرنسا. في المقابل، فإن إعلان الإدارة الأميركية أن الحرب تستهدف نظام بشار الأسد، سيجرها إلى صراع مزدوج، مع النفوذ الإيراني وتنظيم الدولة في الوقت نفسه، وربما يؤدي إلى انقلاب الأصدقاء في الحكومة العراقية، عمليًّا، عليها.

2ـ في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على إضعاف تنظيم الدولة وضربه، فإنها تتحالف مع الحكومة العراقية، التي تدعم الميليشيات العراقية، التي تتبنى نهجًا طائفيًّا مقابلاً لهذا التنظيم، وترتكب انتهاكات شبيهة به، وهي التي تتحالف -أيضًا- مع نظام بشار الأسد وحزب الله في سوريا في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. فمثل هذا التعاون المباشر، أو غير المباشر، في تحقيق هدف مشترك بين الإدارة الأميركية وهذه الفصائل لن يساعد على طمأنة المجتمع السني ومنحه شعورًا بإمكانية الخروج من الوضع الراهن، الذي يشعر فيه بتهديد وجودي على هويته في هذه المجتمعات.

3ـ كيف يمكن أن تقنع الإدارة الأميركية المجتمع السني، في ظل تباطؤ وتأخر الحل السياسي، بأن هذه الحرب هي لصالحه ولا تخدم خصومه، بينما يجد هذا المجتمع -على النقيض من ذلك- أن المستفيد الأول من الضربات التي توجه لهذا التنظيم هما النظامان العراقي والسوري، وفي حال نجح كل منهما في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، فما الضامن للسنَّة بألا ينقلبا عليهم، كما حدث سابقًا، بعد النجاح في إضعاف التنظيم عبر الصحوات السنية التي تجري إعادة استنساخها باسم “الحرس الوطني”، ويكون قد خسر طرفًا قويًّا استطاع إعادة بناء موازين القوى، بالرغم من عدم قبول المجتمع السني بالضرورة له ولأجندته الدينية والسياسية.

4ـ لا تزال هنالك شكوك كبيرة في صلابة التحالف الدولي الإقليمي ضد تنظيم “الدولة”؛ فبالرغم من أن هنالك عشرات الدول التي تشارك في الضربات الجوية، إلا أن هنالك -في المقابل- تباينًا في رؤية هذه الدول لمصالحها، بخاصة في المنطقة، فتركيا لم تقبل بالتدخل البري لإنقاذ مدينة كوباني الكردية، ولم تسمح خلال الفترة الأولى من الحرب الجوية باستخدام قواعدها، لأنها تطالب بمقاربة لا تهدف فقط إلى التخلص من تنظيم الدولة، بل كذلك من الرئيس السوري الأسد. والدول العربية، بخاصة السعودية تشعر بقلق من النفوذ الإيراني ومن علاقة النظام العراقي الجديد بطهران، وتأخذ موقفًا متشددًا من نظام الأسد، وبالرغم من أنها تنظر إلى تنظيم الدولة بوصفه مصدر تهديد رئيسيًّا لأمنها الوطني والاستقرار الإقليمي، إلا أنها تنظر إلى طهران، كذلك، كمصدر تهديد حقيقي لها، ما يخلق شقوقًا في التحالف الدولي في حال استمرت الحرب لمدة طويلة، كما تصرح الإدارة الأميركية.

5ـ بالرغم من أهمية الضربات الجوية وتأثيرها على المدى البعيد، إلا أنها لن تكون حاسمة تمامًا من دون القوات البرية في القضاء على التنظيم، ومعضلة التحالف تكمن في أن الحديث عن تدريب السنَّة في العراق وسوريا لمواجهة تنظيم الدولة لا يزال يواجه صعوبات وتعقيدات سياسية وفنية؛ فالحرس الوطني العراقي المزمع تأسيسه وتطويره يحتاج لأعوام كي يكون قادرًا على المواجهة، والجيش السوري الحر لا يزال ضعيفًا وغير قادر على الاستفادة من إضعاف التنظيم وحصاره عسكريًّا وجغرافيًّا، وليس واضحًا بعد كيف ستتدحرج الحرب وتتطور أهدافها ومساراتها في حال لم تنجح الجهود السياسية في التخفيف من وطأة الأزمة السُّنِّية في كلا البلدين.

6ـ في خلفية المشهد الدولي والإقليمي هنالك تراجع كبير في الرغبة الأميركية في التورط في أية حروب وصراعات أخرى في المنطقة، وهو وعد أوباما للرأي العام الأميركي، يعزز هذه الرغبة تنامي قناعة جديدة في أوساط سياسية وفكرية أميركية بأن المنطقة العربية بأسرها في طور التفكك وانهيار المنظومة السياسية الجغرافية، التي تشكَّلت بعد الحرب العالمية الأولى، وفشل الدولة الوطنية العربية، ما يجعل من محاولات الحفاظ على الوضع القائم أمرًا مستعصيًا، وربما هذا ما عبَّر عنه الرئيس الأميركي أوباما نفسه، في لقاء مع الصحفي الأميركي، توماس فريدمان، عندما قال: “ما نراه في الشرق الأوسط وأجزاء من شمال إفريقيا هو أمر يعود إلى نظام من الحرب العالمية الأولى بدأ يتفكك”.

مثل تلك المعطيات تخلق شكوكًا في مدى استمرارية التحالف الراهن واستدامته وقدرته على التعامل مع شروط التفكك والفوضى الراهنة، ومما يعزز هذه الشكوك ويدعمها تلك القراءات الإستراتيجية التي تتحدث عن تراجع أهمية منطقة الشرق الأوسط على سُلَّم المصالح الحيوية الأميركية، بخاصة مع اكتشاف النفط بكميات كبيرة في الولايات المتحدة نفسها.

7ـ يقع الباحثون والسياسيون في خطأ فادح عندما يقرؤون صعود تنظيم الدولة الإسلامية إقليميًّا بمعزل عن السياق السياسي العام في المنطقة، فعنف التنظيم وسلوكه الحاد ليس نشازًا، بل هو جزء من “العنف البنيوي” الراهن، الذي يجتاح العديد من الدول والمجتمعات العربية.

فمن الضروري إذن أن تتم قراءة هذا الفاعل السياسي الجديد في إطار العنف السلطوي، سواء كان ذا طابع طائفي، مثل العراق وسوريا، أو استبدادي، كما هي الحال في مصر والجزائر والدول العربية الأخرى، وفي إطار الأزمات البنيوية التي تعاني منها الدول العربية، وتخلق مشاعر شعبية جامحة في التهميش والإقصاء وغياب الأفق السلمي والظروف الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة.

8ـ من الضروري، كذلك، النظر إلى صعود تنظيم الدولة في سياق الفوضى الطاحنة في ليبيا، والفراغ السياسي ونمو الجماعات المرتبطة بالسلفية الجهادية هناك، وفي صحراء سيناء، وفي اليمن مع سيطرة الحوثيين على صنعاء، ومع الأزمة البحرينية والأزمات الداخلية العربية، فهنالك اليوم حالة جديدة متنامية من تفكيك المجتمعات وانهيار السلطة الأخلاقية للدولة، والعودة إلى الأشكال الأولية من التعبير عن الهوية.

مثل هذه المناخات تخلق جاذبية لنموذج الدولة الإسلامية وقابلية لاستنساخه وتطبيقه في العديد من المجتمعات، طالما أن المسارات البديلة مغلقة إلى الآن، فليست خطورة هذا التنظيم أنه اجتاز الحدود وأقام كيانًا عابرًا لها، ومتوحشًا في سلوكه مع الخصوم، بل إنه أصبح نموذجًا للوعي الشقي السلبي ولحالة المجتمعات العربية والمسلمة.

9ـ إن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية عسكريًّا لن يخلق حالة من الاستقرار الإقليمي ولن ينقذ الدولة القُطرية العربية؛ إذ تؤشر المعطيات الواقعية إلى أننا أمام مرحلة انهيار للتوازنات القديمة من دون خلق آفاق سلمية بديلة، وهي التي كان يمكن أن توفرها الثورات الديمقراطية العربية، لكن الطريق أمامها أصبحت متعرجة ومعقدة؛ ما يجعل من سيناريو الفوضى والعنف والتفتيت السياسي والجغرافي على أسس بدائية هو السيناريو المتوقع في المدى المنظور، طالما أن البديل الديمقراطي الوطني التوافقي ليس ناجزًا بعد في كثير من الدول والمجتمعات العربية؛ وذلك يعني أننا ندور في حلقة مفرغة من الصراعات والأزمات الداخلية والإقليمية الطاحنة.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أغفل العرض تماما الجهد الذى بذله الكاتب عن تبرئة الإخوان من العنف من خلال الدليل التاريخى والفكرى والكتاب فى مساره الرئيسى يرد على السؤال الذى هو عنوان الكتاب وهو ( هل خرجت داعش من فكر جماعة الإخوان المسلمين ولذلك من العجيب أن يهمل العرض الإجابه المدققه تاريخيا وفكريا أن الجماعه هى جماعه اصلاحيه بالأساس وهى من مؤسسات المجتمع المدنى وطوال تاريخها كانت بعيده عن العنف ولذك من العجيب إهمال ذلك والإقتصار على الحديث عن داش فقط مع أن الكتاب يناقش فى الأساس إستحالة التوافق بين فكر داعش المغرق فى العنف وجماعه تنتهج المنهج الإصلاحى فى التغيير — السؤال الذى يحتاج الى إجابه هل هذا ما كتبه د\فاروق طيفور الكامل أم أن المعهد إقتصر على هذا الجزأ فقط – ليتنى اسمع إجابه شافيه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close