واشنطن بوست.. الخرائط التي تظهر توسع التوغل الإسرائيلي في رفح
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 31 مايو 2024 تقريراً بعنوان: ” الخرائط التي تظهر توسع التوغل الإسرائيلي في رفح، اختبار للخطوط الحمراء الأمريكية”، حيث تظهر صور الأقمار الصناعية والخرائط ومقاطع الفيديو القوات الإسرائيلية وهي تتوغل في المناطق المأهولة بالسكان، وتدمر عشرات المباني في مدينة رفح؛ وسط تأكيد الجيش الإسرائيلي أنه يعمل في وسط رفح[1].
وقد جاء التقرير على النحو التالي:
تتوغل القوات الإسرائيلية في المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان في رفح، وتقوم بتدمير عشرات المباني على طول الطريق، في الوقت الذي تقول فيه أنها تعمل على تفكيك حماس وإنشاء خط سيطرة على طول الحدود المصرية، وفقاً لصور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو التي حللتها صحيفة واشنطن بوست.
وعلى الرغم من أن الهجوم الإسرائيلي الذي بدأ في 6 مايو قد تقدم ببطء، إلا إنه أدى بالفعل إلى تغيير جذري في جغرافية منطقة رفح، وتشريد أكثر من مليون فلسطيني، وأدى إلى واحدة من أفظع الضربات الجوية في الحرب – وهو اختبار لحدود الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من واشنطن، الداعم الرئيسي لتل أبيب.
وتدّعي إسرائيل أن رفح هي موطن لآخر كتائب حماس السليمة، وإن حربها ضد المسلحين لا يمكن تحقيق النصر فيها دون خوض معركة حاسمة هناك، على الرغم من التحذيرات التي أطلقها مسؤولون أمريكيون وجماعات إنسانية على مدى أشهر من أن العملية العسكرية في المدينة الحدودية الجنوبية ستكون كارثة.
وكان الرئيس بايدن قد حذّر إسرائيل في 8 مايو من أنه سيحجب عنها الأسلحة إذا تحركت القوات صوب “المراكز السكانية” في رفح – التي كانت في السابق موطناً لـ 1.4 مليون شخص – وهو خط أحمر يبدو أنه ينحسر وسط الهروب الجماعي الفوضوي للمدنيين. حيث أعلن الجيش الإسرائيلي لأول مرة يوم الجمعة الماضي أن قواته تعمل في “وسط” رفح.
ومع تقدم القوات الإسرائيلية وتزايد الغضب الدولي، تقول الولايات المتحدة الآن إنها لا تريد أن ترى “عملية كبيرة” في المدينة. وعندما سُئل المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي يوم الثلاثاء عن كيفية تعريف واشنطن لهذا المصطلح، وصفه بأنه “آلاف وآلاف من القوات تتحرك بطريقة مناورة ومركزة ومنسقة ضد مجموعة متنوعة من الأهداف على الأرض”.
دبابة إسرائيلية تتحرك على طول الحدود مع قطاع غزة يوم الأربعاء. (أمير ليفي / جيتي)
وأرسلت إسرائيل بالفعل لواء إضافياً إلى رفح هذا الأسبوع، ولديها الآن ستة ألوية تعمل في المدينة وما حولها، وفقا لمحطة الإذاعة التي يديرها الجيش. وهذه قوة قتالية مماثلة في الحجم لتلك التي قاتلت في خان يونس، وهي مدينة جنوبية أكبر.
وقال وزير الدفاع يوآف جالانت الأسبوع الماضي إن إسرائيل تخطط لتوسيع هجومها في رفح، والذي وصفه بأنه عملية “دقيقة”.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو، التي تم التحقق من صحتها من قبل صحيفة واشنطن بوست، هجوماً إسرائيلياً يتعدى بشكل مطرد على وسط رفح، مع دخول المركبات العسكرية إلى حي تل السلطان الغربي، وهو موطن العديد من المدنيين الذين تبقوا بالمنطقة. وتشير صور الأقمار الصناعية أيضاً إلى حشود عسكرية إسرائيلية بالقرب من منطقة العودة، التي تعتبر قلب المدينة.
صورة نشرها الجيش الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، تظهر جنودا خلال عملية في جنوب قطاع غزة. (الجيش الإسرائيلي/ وكالة الصحافة الفرنسية/ جيتي)
وقامت القوات الإسرائيلية أيضاً بتطهير مساحات كبيرة من الأراضي في شرق غزة أثناء تقدمها على طول الحدود المصرية في الأسابيع الأخيرة، وهدمت المباني وجرّفت الحقول، مما يعكس الجهود المبذولة في أجزاء أخرى من القطاع لإنشاء مناطق عازلة عسكرية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء أنه اكتسب “سيطرة تكتيكية” على ممر فيلادلفيا بشكل كامل، وهو ممر استراتيجي يبلغ طوله تسعة أميال ويمتد إلى البحر الأبيض المتوسط على طول الحدود بين غزة ومصر – وهو هدف عسكري رئيسي يهدف إلى خنق طرق التهريب لحماس.
وقال بلال صعب، وهو مسؤول سابق في البنتاجون ومحلل عسكري في مركز أبحاث تشاثام هاوس: “إن أي شخص لديه فهم أولي للعمليات العسكرية يمكنه أن يرى أن الهجوم على رفح يجري على قدم وساق الآن”.
وأضاف أنه قد لا يفي بمعايير الإدارة الأمريكية (للخطوط الحمراء)، “لكنه ليس أقل واقعية أو فتكاً”.
المصدر: بلانيت لابز وجوجل إيرث
لا ملجأ أو مفر
وقال محمد المغير، مسؤول الدفاع المدني المحلي، يوم الأربعاء، إن 83 شخصاً على الأقل قُتلوا في رفح خلال الفترة ما بين 24 و29 مايو. وليس من الواضح التأكد من عدد المقاتلين.
وقُتل 45 من هؤلاء ليلة الأحد الماضي في غارة إسرائيلية على مخيم مؤقت للنازحين في تل السلطان، مما أدى إلى إطلاق نار مشتعلة وتطاير الشظايا عبر الخيام الواهية.
فلسطينيون يتجمعون يوم الاثنين في موقع غارة إسرائيلية على مخيم للنازحين في حي تل السلطان في رفح. (إياد بابا/ وكالة الصحافة الفرنسية/ جيتي)
وزعم الجيش الإسرائيلي إنه كان يستهدف اثنين من قادة حماس، واصفا الوفيات الإضافية بأنها حادث مأساوي ناجم عن انفجار ثانوي.
ووصف بايدن يوم الجمعة صور الضربة بأنها “مروعة”.
وأضاف: “لقد عانى الشعب الفلسطيني من الجحيم المطلق في هذه الحرب. حيث قُتل عدد كبير للغاية من الأبرياء، بما في ذلك آلاف الأطفال. وقد رأينا جميعاً الصور المروعة للحريق المميت في رفح في وقت سابق من هذا الأسبوع.”
ولم تكن هذه حادثة معزولة. فقد قال الدفاع المدني في غزة يوم الثلاثاء إن 21 شخصا على الأقل قُتلوا بنيران المدفعية الإسرائيلية في مخيم بالقرب من الساحل. وقُتل سائقا سيارة إسعاف في قصف إسرائيلي في اليوم التالي بينما كانا يسابقان الزمن لعلاج المصابين في مكان غارة أخرى، وفقاً لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
ولم تقع أي من الهجمات في منطقة الإخلاء المعلَنة من إسرائيل. ويقوم الناس الآن بإخلاء الأحياء المركزية. لكن هناك خيارات قليلة متاحة للعائلات مثل تلك التي يترأسها أحمد، والذي تحدث بشرط ذكر اسمه الأول فقط خوفاً على سلامته.
تتبع عمليات الجيش الإسرائيلي في رفح
مصدر الصور: صور الأقمار الصناعية اعتباراً من 27 مايو، بلانيت لابز
فقد انتقل أحمد مع زوجته وأطفاله الأربعة من جُحر الديك، وسط غزة، إلى تل السلطان في بداية الحرب. ومع إجلاء الآخرين، قرر هو البقاء.
وقال أحمد: “كانت المنطقة آمنة”. ولكن بعد غارة قاتلة أخرى في المنطقة يوم الثلاثاء، فرّت العائلة شمالاً إلى المواصي، وهي منطقة ساحلية تعتبرها إسرائيل “منطقة إنسانية”.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية ما كان ينتظرهم هناك – على ما يبدو امتداداً لا نهاية له من الخيام شديدة الاكتظاظ وغيرها من الملاجئ المؤقتة. ولا يتوفر سوى القليل من فرص الحصول على الغذاء أو المياه النظيفة أو الصرف الصحي.
وقال: “يكاد الناس هنا أن يصابوا بالجنون”.
المصدر: الصورة بتاريخ 25 مايو، بلانيت لابز
التقدم الإسرائيلي
وشوهدت الدبابات لأول مرة على أطراف تل السلطان مطلع هذا الأسبوع. وتُظهر الصور التي تم التحقق منها من قبل صحيفة واشنطن بوست مركبات عسكرية جنوب الحي مباشرة يوم الثلاثاء، بما يتماشى مع روايات شهود العيان.
وأفاد سكان عن تعرض الحي لقصف عنيف منذ وصول الدبابات. وفر أحمد غنيم (40 عاماً) من المنطقة يوم الثلاثاء بعد ما وصفها بـ ”ليلة مخيفة لا يمكن تصورها”.
وقال: “شعرت بكل قذيفة وكأنها تسقط علينا”. وقام برصد الدبابات أثناء مغادرته.
واستعرضت الصحيفة صور الأقمار الصناعية التي أظهرت ما حدده أحد الخبراء على أنه مركبة عسكرية إسرائيلية على جانب أحد الشوارع في تل السلطان يوم الأربعاء. ويُظهر مقطع فيديو تم التقاطه يوم الثلاثاء مسارات على طول نفس الطريق، والتي قال الخبراء إنها عادة ما تكون بواسطة مركبات عسكرية ثقيلة.
تُظهر صور الأقمار الصناعية عالية الدقة الملتقطة في 29 مايو مركبات عسكرية متمركزة قبالة أحد الشوارع في حي تل السلطان برفح. (بلانيت لابز)
وقال سام روز، المسؤول في وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين: “لقد تقدمت الأمور بسرعة كبيرة”. وأضاف: “المخيمات المحيطة بنا بدأت تفرغ.”
وبجوار مستشفى ميداني إماراتي في منطقة العودة، التي يعتبرها السكان قلب المدينة، تُظهر صور الأقمار الصناعية يوم الاثنين مجموعتين يبلغ مجموعهما أكثر من عشرين مركبة، يبدو أنها ذات طبيعة عسكرية.
تظهر صورة عالية الدقة التقطتها مؤسسة “بلانيت لابز” في 27 مايو، مجموعة من المركبات العسكرية على مشارف حي العودة في رفح. (بلانيت لابز)
وقال ويليام جودهيند، باحث المصادر المفتوحة في “كونتيستد جراوند”، وهو مشروع بحثي يتتبع التحركات العسكرية باستخدام صور الأقمار الصناعية: “إن حقيقة تجميعهم معاً تشير إلى أن هذه المنطقة آمنة”.
وعلى الرغم من أن التحرك نحو رفح كان “تدريجياً بشكل أكبر” من الهجمات السابقة في خان يونس ومدينة غزة، كما قال شلومو بروم، العميد العسكري الإسرائيلي المتقاعد، إلا أنه لا يزال “هجوماً مكتمل الحجم والأركان”.
السيطرة على الحدود
أحد الأهداف الرئيسية للهجوم الإسرائيلي هو السيطرة على ممر فيلادلفيا على طول الحدود المصرية.
وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في ديسمبر الماضي إن هذا الممر “يجب أن يكون في أيدينا” من أجل جعل غزة منزوعة السلاح عندما ينتهي القتال. ويقول مسؤولون إسرائيليون إن أنفاق التهريب التابعة لحركة حماس لا تزال تمتد تحت الحدود، وهو ادعاء نفته مصر بشدة.
وقال بروم: “إنه أمر مهم للغاية عندما تفكر في الوضع الأمني والعسكري في اليوم التالي”، مقارناً إياه بممر نتساريم الذي تسيطر عليه إسرائيل، والذي يقسم غزة إلى قسمين ويستخدم لمنع الفلسطينيين من العودة إلى الشمال.
عندما شنت القوات الإسرائيلية هجومها على رفح في السادس من مايو، اتخذت خطاً مباشراً للوصول إلى المعبر مع مصر، واستولت عليه في عملية ليلية وأغلقت أهم نقطة وصول للمساعدات الإنسانية.
وتم بناء طريق جديد يؤدي من معبر كرم أبو سالم الحدودي الإسرائيلي إلى معبر رفح بحلول 18 مايو. ويبدو أن الطريق في هذه المرحلة هو “خط اتصال من المناطق الخلفية الإسرائيلية إلى الجبهة”، كما قال إليوت تشابمان، أحد كبار المسؤولين. محلل شؤون الشرق الأوسط لدى شركة الأمن جينز.
ولكن في رفح، كما في نتساريم، يبدو أن إسرائيل تعيد رسم خريطة المنطقة الحساسة استراتيجياً.
وتم تطهير مساحات كبيرة من شرق ووسط رفح في الأسابيع الأولى من الهجوم الإسرائيلي، وتظهر صور الأقمار الصناعية، من خلال عمليات الهدم والتجريف، التكتيكات التي استخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي طوال الحرب لتسوية أجزاء كبيرة من غزة بالأرض.
وتضرر حوالي 2400 مبنى في رفح – أو 5 من كل 100 مبنى في المدينة – في الفترة ما بين 4 و27 مايو، وفقاً لتحليل أجراه جامون فان دن هوك وكوري شير، خبراء الاستشعار عن بعد الذين يستخدمون بيانات الأقمار الصناعية مفتوحة المصدر لرصد تقييم الدمار في جميع أنحاء قطاع غزة.
تظهر صور الأقمار الصناعية التي تم التقاطها بفارق 22 يوماً: (الأولى بتاريخ 7 مايو، والثانية بتاريخ 29 مايو)، تجريف مناطق واسعة في شرق رفح في مايو. (بلانيت لابز)
وحذر مسؤولون أمريكيون إسرائيل من أي جهود من شأنها تقليص مساحة قطاع غزة. ولكن حتى قبل عمليات الهدم في رفح، تآكل أكثر من 16% من قطاع غزة بسبب المناطق العازلة، وفقاً لتحليل أجراه عدي بن نون، أستاذ البيانات الجغرافية في الجامعة العبرية في القدس.
وقال أمير أفيفي، العميد المتقاعد في الجيش الإسرائيلي، إنه من غير الواضح إلى متى تنوي القوات الإسرائيلية البقاء على الحدود المصرية، لكن من المحتمل أن يرغب الجيش في الحفاظ على تكنولوجيا الكشف عن الأنفاق إلى أجل غير مسمى.
وتظهر علامات التحصينات من الأعلى. ويتم بناء السواتر الرملية المستخدمة لحماية الجنود على الأراضي التي تم تطهيرها حديثاً.
ويبدو أن إسرائيل تخطط لخطوتها التالية. وقال مغير، مسؤول الدفاع المدني الفلسطيني، إنه تم إرسال روبوتات استكشافية إلى تل السلطان إلى جانب الدبابات في الأيام الأخيرة. ويُتوقع أن يتم اقتحام المدينة قريباً. وقد مُنع المدنيون من الدخول؛ بينما تم حبس الآخرين في الداخل.
وقال كيربي يوم الثلاثاء: “لا يمكننا رؤية كل شيء، ولكن كل ما يمكننا رؤيته يخبرنا أنهم لا يتحركون في عملية برية كبيرة في المراكز السكانية في وسط رفح”. وأضاف: “سنراقب هذا ساعة بساعة، ويوما بعد يوم”.
[1] ملحوظة: تُظهر الصورة عالية الدقة (الصورة الرئيسية للتقرير) التي نشرتها شركة بلانيت لابز في 29 مايو، مجموعات من المركبات العسكرية على طول الحدود بين مصر وغزة. (بلانيت لابز)
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.