الشرق الأوسطترجمات

واشنطن بوست: سقوط الأسد على يد الإسلاميين بسوريا يقض مضاجع المستبدين بالمنطقة


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 14 ديسمبر 2024 تقريراً بعنوان: “سقوط الأسد على يد الثوار الإسلاميين في سوريا يقض مضاجع الحكام المستبدين في المنطقة” لـ كلير باركر، مديرة مكتب واشنطن بوست بالقاهرة؛ وسوزانا جورج، مديرة مكتب واشنطن بوست بدول الخليج العربي.

يقول التقرير إن المشاهد التي خرجت من سوريا هذا الأسبوع أعادت إلى الأذهان الزخم الذي صاحب أيام الربيع العربي في عام 2011 ؛ كما أن فتح سجون الأسد، خاصة سجن صيدنايا المُريع، وإطلاق سراح المعتقلين قد غرس الأمل من جديد في قلوب العديد من العائلات التي تنتظر في كل مكان في العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وتحلم بفتح أبواب سجون أخرى وإطلاق سراح أحبائها منها.

وقد جاء التقرير على النحو التالي:

لقد أعادت المشاهد التي خرجت من سوريا هذا الأسبوع إلى الأذهان بعض الأيام الأكثر حماسة إبّان فترة الربيع العربي في عام 2011. فقد أطاح المتمردون بالدكتاتور (بشار الأسد) ورقص الناس في الشوارع. وفي الوقت نفسه، اقتحمت حشود السوريين سجون النظام، وأطلقوا سراح أحبائهم ومئات المعتقلين السياسيين الآخرين.

لكن تجدد الحماسة الثورية، في منطقة لا تزال يحكمها المستبدون، أزعج بعض الزعماء العرب، الذين استأنف العديد منهم مؤخراً علاقاتهم مع الرئيس السوري بشار الأسد.

ويقول المحللون والمسؤولون والدبلوماسيون إن الزعماء – من مصر والأردن والسعودية والإمارات – قلقون من أن الإطاحة بالأسد قد تثير الاضطرابات في داخل بلدانهم. كما أنهم قلقون من أن سوريا قد تنزلق إلى الفوضى ويراقبون بحذر الثوار الإسلاميين، بقيادة هيئة تحرير الشام، وهم يسيطرون على السلطة في دمشق.

و يوم السبت الماضي قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي من العقبة، حيث كانت الأردن تستضيف وزراء خارجية دول المنطقة، وكذلك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، لمناقشة انتقال السلطة في سوريا: “نحن لا نريد أن تسقط سوريا في مستنقع من الفوضى أو الفوضوية”. وكانت الدول العربية ذات الأغلبية السنية تتعاطى بحذر مع التطورات في الأيام التي تلت استيلاء هيئة تحرير الشام على العاصمة، مما تسبب في فرار الأسد إلى موسكو. وحثت تلك الدول، في تصريحات عامة، السوريين على الحفاظ على مؤسسات الدولة وضمان أن يكون الانتقال السياسي شاملاً. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، التقى سفراء سبع دول عربية بممثلي هيئة تحرير الشام في دمشق، وفقاً لمكتب إعلامي تابع للمجموعة.

وسعى الثوار إلى طمأنة السفراء بأنهم آمنون، وذلك وفقا لدبلوماسي في المنطقة تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوّل له بمناقشة هذا الأمر علناً. وقال الدبلوماسي إن هيئة تحرير الشام قالت للحاضرين: “نريد أن تكون بيننا علاقات إيجابية – أنتم لستم في خطر”.

لكن القلق تجاه الثوار كان واضحاً منذ البداية: ففي يوم السبت الماضي، ومع اقتراب المعارضة من دمشق، اجتمع وزراء خارجية العديد من الدول العربية في اجتماع طارئ على هامش مؤتمر في الدوحة، قطر، وأصدروا في وقت لاحق نداءً إلى الثوار لوقف تقدمهم وإجراء محادثات مع نظام الأسد.

وقال فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية: “إنهم قلقون بشأن الفراغ في السلطة في سوريا. كما أنهم قلقون تجاه قدرة الإسلاميين على ملء هذا الفراغ، وترسيخ أنفسهم في سوريا ونشر نفوذهم”.

ولطالما خشيت الدول العربية من الجاذبية السياسية للحركات الإسلامية، التي يشكل انضباطها وتنظيمها وبرامج الرعاية الاجتماعية الشعبية تهديداً دائماً للحكام المستبدين في المنطقة. ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الخوف أكثر من مصر، حيث استولى الجنرال عبد الفتاح السيسي على السلطة في انقلاب عسكري قاده في عام 2013، مطيحاً بحكومة الإخوان المسلمين المنتخبة بعد أحداث الربيع العربي.

وأمر السيسي بشن حملة أمنية شاملة لتدمير الحركة. ولكن “جزءاً كبير من السكان ما زالوا متعاطفين بصمت مع الإخوان المسلمين”، كما قال دبلوماسي في أحد دول المنطقة. وقال الدبلوماسي إن احتمال حصول هيئة تحرير الشام، وهي جماعة متشابهة في التفكير، على موطئ قدم في سوريا يشكل “تهديداً أيديولوجياً ووجودياً” للسيسي.

وتتشارك كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هذه المخاوف، وفقاً للدبلوماسي المصري السابق هشام يوسف. وقادت المملكتان الخليجيتان في واقع الأمر الثورة المضادة في المنطقة في أعقاب الربيع العربي، باستخدام ثرواتهما الهائلة لإحباط الحركات الشعبية ودعم الحكومات الاستبدادية في البحرين ومصر وليبيا وتونس واليمن.

ولكن بينما كانت تلك الدول العربية حذرة تجاه الإسلاميين، فإنها كانت قد نأت بنفسها في نفس الوقت لسنوات عن الأسد وحكومته، حيث طردت سوريا من جامعة الدول العربية في خريف عام 2011. لقد كان هذا الوقت وقتاً للتغيير الثوري في الشرق الأوسط، وحتى الزعماء المستبدين الآخرين في المنطقة شعروا بالفزع إزاء الأهوال التي كان الأسد يفرضها على مواطنيه. وبمجيء ذلك الوقت، بعد حوالي ثمانية أشهر من الانتفاضة على الأسد، كانت حملة الأسد الوحشية على المحتجين قد قتلت بالفعل الآلاف من المدنيين.

ولكن ما حدث بعد ذلك كان حرباً أهلية دامية استمرت لسنوات، وهو ما دفع روسيا وإيران، الحليفتين الرئيسيتين للأسد، إلى التدخل لدعم النظام بسوريا. وبعد ذلك بفترة وجيزة، عندما بدا أن الأسد سيبقى في سدة الحكم، بدأت الدول العربية في استعادة العلاقات مع نظامه.

وفي العام الماضي فقط، رحبت جامعة الدول العربية بعودة الأسد من جديد. وفي قمة المنظمة في جدة، السعودية، أظهرت لقطات فيديو بشار الأسد وهو يحتضن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – وهي الصور التي تصور إعادة التأهيل المذهلة لأحد أكثر زعماء العالم قمعاً.

وكانت الحكومات العربية تأمل أن يُقنع دعمها الدبلوماسي والمالي الأسد بإجراء العديد من التغييرات، بما في ذلك الابتعاد عن إيران، منافِستها الإقليمية منذ فترة طويلة، وربما الحد من تجارة سوريا المربحة وغير المشروعة في الكبتاجون، وهو نوع من المنشطات الاصطناعية. وكانت مبيعات المخدرات الضخمة تمول نظام الأسد في حين تغذي الجريمة والإدمان في البلدان المجاورة.

وفي مقابل إعادة دمجه معهم من جديد، توقعت الدول العربية أيضاً أن ينخرط الأسد مع المعارضين السياسيين الأكثر اعتدالاً لمنع مجموعات مثل هيئة تحرير الشام – التي تسيطر على بعض الأراضي السورية – من توسيع نطاق سيطرتها، كما قال هشام يوسف. لكن الأسد لم ينفذ جانبه من الصفقة. فقد قال علي الشهابي، رجل الأعمال السعودي الذي تربطه علاقات وثيقة بالعائلة المالكة هناك: “لقد خيب بشار أملنا على أي حال. فهو لم يفِ بأي من وعوده”. وقال إن العلاقات ظلت متوترة خلف الأبواب المغلقة.

والآن، تقترب الدول العربية من سوريا بحذر، ولا تزال تسعى إلى فرض نفوذها ولكنها تنتظر أيضا لمعرفة ما إذا كان من الممكن احتواء الاضطرابات التي تلت سقوط الأسد.

وقال عبد الخالق عبد الله، وهو محلل سياسي (قريب من النظام) مقيم في دبي: “عادة عندما يسقط دكتاتور، نرى الفوضى”.

وقال إن الإمارات وحلفاءها قلقون من أن إنتاج المخدرات في سوريا قد يقع في أيدي إحدى الجماعات المسلحة العديدة التي تعمل الآن في البلاد. وفي عهد الأسد، كانت سوريا تنتج 10 مليارات دولار من صادرات الكبتاجون كل عام، مع تهريب الكثير منها عبر الأردن والسعودية.

وقال محللون ومسؤولون إنه على الرغم من تحفظاتهم، فإن الحكومات العربية ليس لديها خيار سوى التعامل مع هيئة تحرير الشام.

وفي نهاية المطاف، قال الكاتب والمحلل السياسي الأردني طارق النعيمات: “بالنسبة للأردن، ففي نهاية المطاف، لا يوجد خيار آخر”.

وقال: “إذا كنت تريد الحفاظ على حدودك، فعليك التعامل مع قوى الأمر الواقع داخل سوريا”.

ولكن النفوذ السوري المحتمل خارج حدودها هو ما يقلق دولاً مثل مصر، حيث سجن السيسي ما يصل إلى 20 ألف معتقل سياسي، وفقاً للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة حقوقية محلية.

كما تعاني البلاد من أزمة اقتصادية كبرى، ويشارك المصريون، المحبطون من ظروفهم، غضبهم بشكل متزايد على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، نشر موقع إخباري تابع لجماعة الإخوان المسلمين مقطع فيديو لمحتجين يصرخون في السيسي أثناء زيارته للنرويج. وصرخوا في وجه الرئيس قائلين إنه بعد الأسد، سيكون هو التالي.

وقالت مي السعدني، المديرة التنفيذية لمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن العاصمة: “من المرجح بصراحة أن يكون الأمر مرعباً لنظام استبدادي يشاهد تلك المشاهد (القادمة من سوريا) ويعرف أنه هو أيضاً غير قادر على تلبية احتياجات مواطنيه”.

وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR) إن الشرطة اعتقلت أيضاً عشرات السوريين الذين كانوا يحتفلون بإسقاط الأسد في شوارع القاهرة. ومنذ ذلك الحين، تم الإفراج عن نحو عشرين منهم، بينما أُبلغ ثلاثة آخرون بأنهم سيُرحلون إلى سوريا، وفقاً للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في حين لم تستجب وزارة الداخلية المصرية لطلب بالتعليق على ذلك.

وفي يوم الأحد، وبينما كانت المشاهد تتكشف في دمشق، شكرت المدافعة المصرية عن حقوق الإنسان منى سيف السوريين على اقتحام سجن صيدنايا، وهو سجن معروف بوحشيته، لتحرير المعتقلين.

والمعروف أن الكاتب والناشط علاء عبد الفتاح، شقيق منى سيف، هو أبرز سجين سياسي في مصر. ولا تزال والدتهما ليلى سويف مضربة عن الطعام لأكثر من 70 يوماً احتجاجاً على سجن ابنها.

حيث كتبت منى سيف في منشور لها على موقع منصة إكس: “شكراً للأيادي التي فتحت سجن صيدنايا وتلك التي صورت إطلاق سراح المعتقلين”.

وأضافت: “لقد غرس ذلك الأمل في قلوب العديد من العائلات التي تنتظر في كل مكان في العالم، وتحلم بفتح أبواب سجون أخرى وإطلاق سراح أحبائها منها”.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى