15 يوليو: ما الذي حدث في تركيا؟
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
شهدت تركيا مساء الخامس عشر من يوليو/تموز 2016، محاولة انقلابية دامية تم تجاوزها بفضل التلاحم الشعبي وفراسة القيادة السياسية في البلاد فيما تتواصل التفاصيل الخفية لهذه المحاولة في الظهور تدريجيا. ما يجب علينا التأكيد عليه هنا هو أن ما حدث شيء أكثر من محاولة انقلابية إنه عملية إرهابية والطغمة المنفذة لها في وجدان الشعب التركي والرأي العام والنظام القضائي هي عبارة عن مجموعة تتكون من أفراد إرهابيين بكل ما تحمله الكلمة من معنى حيث قضى خلال هذه العملية التي لم تتجاوز 12 ساعة فقط أكثر من 208 مدني تركي وجرح خلالها الآلاف من المواطنين ليس الآلاف فقط بل كل تركيا بمواطنيها الثمانين مليون جرحى الآن بسبب هذه العملية.
الزمرة الانقلابية التي نفذت هذه العملية الفاشلة من الواضح أنها متخلفة عن ديناميكيات العصر السريعة وهي إلى جانب أنها زمرة ظالمة مجموعة غبية أيضا. يجب علينا لقراءة هذه العملية بشكل صحيح أن نمعن فيما بين السطور لهذا الهجوم الذي استهدف رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ومجلس النواب التركي ممثل إرادة الأمة والإرادة الشعبية بشكل كامل وهنا ينبغي أن نشير إلى الإعلام الخارجي المنفصم الذي يحاول أن يصور هذه الأحداث على أنها مخطط لها مسبقا من قبل رجب طيب أردوغان من أجل تسهيل العبور بتركيا نحو النظام الرئاسي.
أولا من الواضح أن هذه العملية التي تم تنفيذها من قبل جماعة فتح الله غولان الإرهابية وامتداداتها داخل القوات المسلحة التركية إلى جانب مشاركة من مؤيدي الانقلابات داخل هذه المؤسسة والطائفة الانقلابية فيها وهو الأمر الذي بدأ بالظهور في سياق عمليات الاعتقال التي تم ويتم تنفيذها مشيرة إلى تنسيق واضح بين هاتين الفئتين لتنفيذ هذه العملية الانقلابية الفاشلة. هذه المجموعة الإرهابية المسلحة التي تطلق على نفسها اسم ” سلام في الوطن” استهدفت أولا القوات المسلحة التركية من خلال احتلال مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة وبقية مقار قيادات الجيش.
تظهر التسجيلات الصوتية لمكالمات الانقلابيين ومراسلاتهم على الواتس آب واعترافاتهم في التحقيقات الجارية أن العملية استهدفت اغتيال رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بأوامر من الرجل المقيم في بنسلفيانيا والمريض بسرطان البنكرياس والذي اقترب موعد لقائه مع عزرائيل المدعو فتح الله غولان حيث تشير المعلومات أنه وجه أوامره للانقلابين قائلا:” أنا يمكن أن أموت فاقضوا على هذا الشخص” قاصدا أردوغان.
بالتأكيد ليس سهلا على هذا الشخص المنفصم الذي يدعي أنه رجل دين أن يسيطر على الجيش التركي من خلال هذه الخطوة ومن الواضح وضوح النهار أن هناك عطاءا طرحته قوى دولية لهذا الاغتيال من خلال الدمج بين هذه المجموعة الإرهابية والعناصر الانقلابية في الجيش. والسؤال لماذا خططت هذه الجهات الدولية للاستيلاء على الجيش التركي وقتل أردوغان؟
يعتبر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أهم نقطة مقاومة في تركيا سواء من محبيه أو من غيرهم ومن الواضح أن المخطط كان يستهدف شخصه أولا وجر البلاد نحو الفوضى والحرب الأهلية. هذا العقل المدبر لهذه العملية الذي جعل الجيش في مواجهة الشرطة وألبس طلبة المدرسة العسكرية الذين لا تتجاوز أعمارهم 16 عاما اللباس العسكري وأنزلهم للشوارع مدعيا وجود مناورات عسكرية ليجعلهم في مواجهة الشعب غير المسلح ويجبرهم على إطلاق النار على الشعب والشرطة بهدف شطب هذا الرابط العاطفي بين الشعب التركي وجيشه وقواته المسلحة وهدم الثقة بهذه المؤسسة العريقة. ومن الواضح أيضا أن هذا العقل المدبر استهدف الإرادة الشعبية في تركيا من خلال تفجير وقصف مبنى البرلمان التركي بما يحتويه من تمثيل للحكومة والمعارضة.
هذه الجهات المدبرة لهذه العملية الشنيعة قامت بنشر صور لحادث لسيارة عسكرية في العام 2006 على جسر البسفور وتسويقها للإعلام على أنها عملية قطع رأس أحد العسكريين المشاركين في الانقلاب محاولا الربط بين الشعب التركي وداعش وهو الأمر الذي انطلى على الإعلام الأجنبي بشكل خاص ليقوم فيما بعد الجندي الذي ذكروا اسمه على أنه القتيل بالقول ويقول للجميع:” أنا على قيد الحياة وأعيش هنا”. والمخطط كان نزع الثقة بين جيش تركيا وشعبها وقيادة البلاد نحو الفوضى وبالتالي نحو الحرب الأهلية.
ومن الأهداف التي سعى الانقلابيون الإرهابيون لتحقيقها هو الإيقاع بين الأكراد والأتراك في تركيا خصوصا في فترة تعيش فيها الحدود الجنوبية لتركيا مرحلة حساسة محاولا إنزال الأكراد الذين يبتعدون بمسافة كبيرة عن منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية وتعزيز حالة الفوضى في البلاد وجعلهم أحد أدواتها وسيطرت عبارة أن الهدف من هذه العملية أيضا هو إعدام كافة السياسيين والبيروقراط وأعضاء الحكومة الذين أسسوا لعملية الحل السلمي للمشكلة الكردية والتي تهدف لجلب السلام والهدوء والرفاه للبلاد ” والمعلقة حاليا بشكل مؤقت” بما يؤسس لتقسيم البلاد وضرب عملية الحل السلمي بشكل نهائي وهنا يجب علي الإشارة على أهمية مسألة الحل السلمي ليس لتركيا فقط وإنما لكافة منطقة الشرق الأوسط.
ومن الأسباب التي ساهمت في إفشال مخططات هذه المجموعة هو تنفيذ هذه العملية في ساعات المساء بعد أن من المخطط أن تتم في الساعة الثالثة فجرا ولو سارت الأمور كما كان مخطط لها لقام الانقلابيون بمداهمة كافة وسائل الإعلام الموالية والمعارضة واعتقال رجال الأعمال والصحفيين ومن المؤشرات الباعثة للسرور هنا أن بورصة إسطنبول وعلى الرغم من حالة الفوضى هذه وكل الأحداث الأليمة بدأت تداولات الأسبوع على انخفاض بنسبة 8 % فقط قبل أن يعود مؤشرها اليوم للارتفاع فوق حاجز النقطة ثمانية وسبعين ألف. أما الليرة التركية فقد عوضت تقريبا تراجعها في نهاية الأسبوع وهو ما يظهر ان مخططاتهم لم تنجح فلم يشعر الشعب التركي بالهلع والاتجاه للبنوك بكثافة لسحب إيداعاته وحافظ على الليرة التركية وقام القطاع المالي بمقاومة هذه العملية بشكل فعال.
هنا ينبغي علينا أن نشير أن الطيارين الذين قاموا بإسقاط الطائرة الروسية عقب قمة مجموعة العشرين كانوا من المشاركين في قصف مختلف المواقع في تركيا بطائرات الأف 16 خلال المحاولة الانقلابية في الخامس عشر من تموز. هذه العملية الانقلابية من حيث توقيتها تحمل دلالات مهمة حيث تزامنت مع بدء عملية تعديل وتحسين العلاقات التركية الروسية والتركية الإسرائيلية خصوصا وأنه عندما ننظر إلى تاريخ تركيا السياسي الحديث نلاحظ انه تمت معاقبتها بانقلاب في كل مرحلة حاولت فيه الاقتراب أكثر من روسيا لأن الفوضى في الشرق الأوسط هي فوضى مخطط له وقيد السيطرة ويتم خلالها معاقبة كل من يريد أن يلتقط نفسا.
ما حدث في الخامس عشر من تموز من مواجهة الشعب التركي الأعزل الذي عايش الانقلابات عن قرب بكافة أطيافه يمينا ويسارا بأتراكه وأكراده ولازه (شعب اللاز) وبكافة توجهاته الفكرية من إسلامية وغيرها يعتبر بمثابة النصر ليس فقط للشعب التركي وإنما لكافة الشعوب المظلومة في المنطقة وهذا هو وقت التوحد بشكل كامل من أجل شهداء الديمقراطية.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.