fbpx
قلم وميدان

30 يونيو/ 3 يوليو: ماذا تم بعد خمس سنوات؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في يونيو 2012، تم الإعلان رسمياً عن فوز الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية بنسبة 52%، في مرحلتها الثانية، التي تنافس معها فيها الفريق أحمد شفيق، في سابقة تنافسية تعددية هي الأولى في تاريخ مصر المعاصر، منذ تحول نظامها السياسي من ملكي إلى جمهوري بعد انقلاب 1952، وقبل أن يُتم الرئيس محمد مرسي عامه الأول في السلطة كأول رئيس مدني منتخب في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، تحركت بعض فصائل المعارضة السياسية وأركان الدولة العميقة ومنظومة دولة مبارك والمجلس العسكري، تحت غطاء دولي وتمويل إقليمي، لبدء المرحلة الأعنف للثورة المضادة في 30 يونيو 2013، والتي جاء الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، كنقطة مفصلية حاسمة، ليس فقط في مواجهة الدكتور محمد مرسي، ولكن في مواجهة ثورة يناير 2011.

فمنذ خمس سنوات، وخلال يونيو/ يوليو 2013 (الربط بينهما مقصود) بلغت الضغوط ذروتها حيث تكتل فريق من السياسيين فيما ُسمى وقتها “جبهة الإنقاذ” بقيادة محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى، ودعموا التخلص من حكم مرسي واتهامه بمحاولة أخونة الدولة، والفشل في إدارتها، ووصل الأمر من بعض القوى السياسية والأذرع الإعلامية حدَّ اتهامه بالتفريط في سيادة مصر عبر التخلي عن جزء من سيناء لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أو عن حلايب وشلاتين للسودان، وقام العسكريون بدورهم في التخطيط والتوجيه والدعم لهذه التحركات، وكان أبرز المؤشرات دعوة وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي إلى حوار سياسي دون علم الرئاسة.

ولعب الإعلام دوراً قوياً في مهاجمة مرسي وانتقاده واتهامه بالفشل، ووصل الأمر حدّ الخروج عن المنطق عندما اتهم إعلامي شهير جماعة الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن سقوط الأندلس الذي حدث قبل إنشاء الجماعة نفسها بعدة قرون، واتهم الإعلام الإخوان ببيع منطقة حلايب وشلاتين إلى السودان، وبيع سيناء لإقامة وطن قومي للفلسطينيين، وبيع قناة السويس إلى دولة قطر، وبيع مياه النيل إلى إسرائيل، والتساهل في موضوع سد النهضة مع إثيوبيا، ووصلت الشائعات في هذا المجال إلى درجة اتهام مرسي بمحاولة بيع الأهرامات لدولة قطر .

كما اتهم الإعلام خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، بالاتفاق مع دولة قطر على شراء منطقة ماسبيرو بالكامل، بما فيها مبنى الإذاعة والتلفزيون الذي يحتوي على التلفزيون الرسمي المصري، وغيرها من الاتهامات كمحاولات لتشويه الصورة.

ظهور تمرد والدور الإماراتي:

ظهرت حملة تمرد والتي أعلنت وقتها أنها جمعت 22 مليون توقيع لسحب الثقة من مرسي، ودعت الموقعين للتظاهر يوم 30 يونيو 2013، وقامت مطالبها علي سحب الثقة من مرسي وتطالبه بالإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة، والحركة هي الداعي الرئيسي لمظاهرات 30 يونيو ثم كشفت السنوات بعد قرابة العامين من تأسيسها، عن تسريبات صوتية تثبت تلقي تلك الحركة تمويلا خارجيا، فقد بثت قناة “مكملين” الفضائية تسريباً صوتياً للواء عباس كامل مدير مكتب عبد الفتاح السيسي، يكشف تمويلا مسبقا لحركة تمرد، كما يظهر تصرف القوات المسلحة بوديعة إماراتية خاصة بالحركة في البنك المركزي المصري، مما أثار التساؤلات حول ما إذا كانت صنيعة مخابراتية أم أنها تحرك شبابي له جذور شعبية حقيقية؟

وبعد الانقلاب بدأ بعض قادة الحركة ينشقون عنها، بسبب خلافات داخلية للحركة وتعرض بعض رموز الحركة للاعتقال والبطش من قبل الجهات الأمنية، وكانت أبرز الاعتقالات في صفوف حركة تمرد، محب دوس والذى ألقت قوات الأمن القبض عليه من أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية مع بداية 2016، وغيره من ممثلي الحركة في الجامعات، وبعد مرور خمس سنوات على أحداث يونيو، اختفت كل وجوه الحركة تمامًا من على الساحة.

30 يونيو: بين الثورة والانقلاب:

مصطلحا الثورة والانقلاب مصطلحان مضادان لبعضهما، و كلا منهما له معنى مختلف ومع مازال الأنصار المتبقية لعبد الفتاح السيسي يصفون أحداث 30 يونيو 2013 بأنها ثورة شعبية، بينما يُصر الغالبية على أنه  على وصف ما جرى بأنه انقلاب مدبر، ويغفل الطرفان أن الأمر قد يكون خليطا من هذا وذاك، لأن كثيرون ممن شاركوا في 30 يونيه تم استدراجهم من قبل السيسي والمجلس العسكري والأجهزة الأمنية والأجهزة الإعلامية أيضا، لأنه في تلك الفترة ما كان يُروج شيء وما ترتب عليه شيء آخر.

وفي تمييزه بين المفهومين، يقول عالم السياسة الأمريكي إدوارد نيكولاي لوتواك في كتابه الانقلاب العسكري “إن الثورة حركة تقوم بها الجماهير الشعبية غير المُنسَّقة، بهدف تغيير النظام الاجتماعي السياسي، فضلا عن الشخصيات الحقيقة في السُّلْطة”، أما الانقلاب فعرفه لوتواك “بأنه يتكون من تسلل شريحة صغيرة ولكنها مهمة في أجهزة الدولة، والتي تقوم بعد ذلك بالسيطرة على باقي أجهزة الدولة”.

واعتمد السيسي، وآلته الإعلامية، الداخلية والخارجية، على دمج المصطلحين، وكان ذلك سبب أساسيا في نجاح الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، بسبب اعتماده، على ما أسماه “الظهير الشعبي”، بجانب عدد صغير من المتسللين في أجهزة الدولة.

واليوم في الذكرى الخامسة لأحداث 30 يونيو/ 3 يوليو شهد المشهد السياسي والشعبي تحولات عديدة ولافتة، فتأتى الذكرى الخامسة دون زخم أو حضور سياسي وشعبي، جراء تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية في البلاد خلال حكم عبد الفتاح السيسي.

تأتى الذكرى الخامسة لفتح الباب بين معتذر، وبين معترف بالخطأ بعد المشاركة في مؤامرة دولية وإقليمية لم تطح بأول رئيس مدني منتخب فقط، بل أطاحت بوطن كامل ودمرت ثورة 25 يناير بعد اعتقال وقتل أبنائها، حتى أبناء معسكر 30 يونيو، الذين كانوا من المكونات الرئيسية التي استخدمت في هذه الأحداث وتصدروا المشهد لم يسلموا من بطش النظام المصري، فبعد مرور خمس سنوات على أحداث يونيو أطاح نظام السيسي بعدد كبير منهم خلف قضبان السجون، وفرض قيوداً كبيرة على آخرين، ومنعهم من الظهور في وسائل الإعلام، وتم تقييدهم بقوانين عديدة تمنعهم من معارضة النظام الحالي.

ولم يتبق من شركاء وداعمي الانقلاب إلا رئيسه عبد الفتاح السيسي وبعض بقايا من حركة تمرد، حيث تخلص السيسي خلال الأعوام الماضية من كل شركائه وآخرهم وزير الدفاع صدقي صبحي، ليدخل عامه السادس منفردا بالحكم، هذا بالإضافة إلى تغير واضح في مواقف كثيرين دعموا الانقلاب العسكري وكانوا يعتبرونه ثورة شعبية، ورأوا في السيسي المنقذ للبلاد.

وكما هو الحال في كل الانقلابات العسكرية فإن الانقلاب في مصر لم يختلف عن غيره من الانقلابات التي تأكل بعضها لصالح الأقوى فيها، فأين جبهة الإنقاذ التي منحت الانقلاب غطاءً سياسيا، وكانت الأكثر من حيث الخسارة، يليها قيادات المجلس العسكري الذين دعموا السيسي حتى وصل لكرسي الحكم، لذا فقد قام السيسي على مدار الخمس السنوات بعزل 33 قيادة بالمجلس العسكري، أبرزهم اللواء أحمد وصفى، الفريق أسامة عسكر، اللواء محمد العصار، الفريق أسامة الجندى، وصولاً لقائد الأركان محمود حجازي، وانتهاءً بوزير دفاعه صدقي صبحي.

وفي المقابل هناك من قفزوا مبكرا من المركب بعد اكتشاف نوايا السيسي الديكتاتورية ومن أبرزهم نائب رئيس جمهورية السيسي، محمد البرادعي الذي تحول من أبرز مُنَظِر لمظاهرات 30 يونيو وانقلاب 3 يوليو، إلى واحد من أكثر الرافضين له.

وهناك أيضا حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة يأتي في مقدمة المتحولين من التنظير للانقلاب والترويج له، لمنتقديه وواصفيه بالانقلاب العسكري مكتمل الأركان، وأصبح من أكثر الداعين للمصالحة مع الإخوان، ويليه بالقائمة الكاتب الصحفي بلال فضل الذي قدم من خلال كتاباته الصحفية وبرامجه التليفزيونية تبريرات كثيرة للانقلاب، ثم تحول بعد ذلك للإعلان صراحة بأنه انقلاب عسكري مكتمل الأركان.

وكان نائب رئيس أول حكومة للانقلاب زياد بهاء الدين الأكثر من حيث التحول عن مربع السيسي، ووصفه بالحكم الفاشل الذي خرج عن مساره المرسوم له، ويمثل بهاء الدين أهمية خاصة باعتباره صاحب الفضل في إتمام قرض صندوق النقد الدولي.

وهناك أيضا من اعتزل السياسة بشكل تام “مثل محمد أبو الغار رئيس الحزب المصري الاجتماعي، وأحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار، ومنهم من تم إقصاؤه من الحياة السياسية لصالح آخرين داعمين للسيسي مثل السيد البدوي رئيس حزب الوفد السابق الذي حل مكانه محمد أبو شقة، وأحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار السابق، وخالد داوود رئيس حزب الدستور السابق ومنهم من تم عقابه مبكرا مثل قيادات 6 أبريل أحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة الذين تم سجنهم إعمالا لقانون التظاهر”.

وبعد …

بعد مرور خمسة سنوات على 30 يونيو/ 3 يوليو، اختفت شعارات يناير 2011 تماماً، ثم اختفت سريعاً أيضا مطالب وشعارات يونيو 2013، فخارطة الطريق المزعومة التي أعلنها الجنرال في بيان الانقلاب، لم يتحقق منها شيء، ولا يحتاج المرء عيناً فاحصة لكشف أن الأوضاع باتت أكثر سوءاً على كل المستويات، فلا الأسعار انخفضت، ولا مستوى المعيشة تحسن، ولا مصر أصبحت “أدّ الدنيا”، بل ظهرت شعارات جديدة منها “شبه دولة” بعدما كانت “أم الدنيا”، و”هتدفع يعنى هتدفع” وصارت المطالب المشروعة والشكوى من الأسعار وغلاء المعيشة قضايا أمن وطن، يحظر على المواطنين النقاش فيه أو الاعتراض عليه.

لقد كانت أحداث 30 يونيو/ 3 يوليو نهايةً لحلم الربيع المصري وأنها صُنعت عن عمد لقتل ثورة يناير، وأنها كانت بداية سقوط الحلم الديمقراطي، والنهضة الاقتصادية والاجتماعية التي كان المصريون يحلمون بها، وبدء عصر الظلم والظلام، والديكتاتورية والتنازل عن الأرض والكرامة المصرية، وضياع الأمل، وتحكم المنظومة الصهيونية الممثلة في صندوق النقد، وتزايد الإرهاب المفتعل في سيناء لتهجير اَهلها لتنفيذ صفقة القرن، هذا بالإضافة إلى عسكرة كل مناحي الحياة في مصر، والسيطرة على كل وسائل الإعلام، وتدهور ملف الحقوق والحريات في مصر، وتحول المشهد المصري بشكل عام إلى ساحة كبيرة من الصراع على كل المستويات، تحكمها قبضة أمنية مشددة، اعتمد عليها السيسي في السيطرة على البلاد، بحيث إذا انهارت تلك القبضة الأمنية انهار النظام الانقلابى الذي لم يستمر حتى الآن إلا بها ( *).


(* ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close