قلم وميدان

ملاحظات على هامش التطبيع السوداني الصهيوني

التطبيع السوداني الصهيوني

تابعت تصريحات أغلب الفاعلين في السياسة الخارجية السودانية وكذلك الأمريكية لمحاولة فهم ما يجري وما الذي يدفع قيادة شعب قام بتصحيح مسار وثورة على الظلم وغياب العدالة ويحترم أشواق الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة والعدل والى القفز في المجهول والدخول لمنعرج خطير يصعب الخروج منه.

 في البداية لابد من الاشارة الى بعض الأمور الهامة والمتصلة بهذه الخطوة غير المتوقعة، لعل أهمها:

1. أن الفلسطينيين هم من علموا الشعوب العربية الثورة والشموخ والعزة والاصرار على الثوابت؛ ومحاولة ايذائهم بالتطبيع مع إسرائيل فيه إهانة مباشرة لكل الشعب الفلسطيني وداعميه ومنهم السودانيون أنفسهم لأن الفلسطينيين لا يقاتلون فقط من أجل فلسطين وإنما يقاتلون من أجل الحرية، من أجل الكرامة، من أجل الديمقراطية، من أجل العزة، ومن أجل الوطنية.

2. إن الإشارة لتطبيع السلطة الفلسطينية مع إسرائيل هو تذكير للانقسام الحاصل داخل الصف الفلسطيني ودور القائد العربي هو دعم الوحدة الفلسطينية وليس التجريم أو تغليب طرف وتأليبه على طرف آخر، والحال أن الكل مجمع على مقاومة الاحتلال عبر الأشكال المختلفة، من قتال بشجاعة لتحرير الأرض والصمود والصبر وبناء الأنسان الغيور على وطنه ومبادئه وقضاياه.

3. أن الزعم بأن القرب من إسرائيل قد يكون مفيدًا في مساعدة الفلسطينيين على حلّ مشاكلهم فيه تجني على الفلسطينيين والمدافعين عن الحقوق الفلسطينية لأنه لا أحد فوض غير الفلسطينيين بإدارة شؤونهم وكيفية التعاطي مع الاحتلال واليات المقاومة ويجب دعم واقرار ما يقرره الفلسطينيون وليس الوصاية عليهم.

4. أن الإشارة للدول العربية التي لها علاقات واتفاقات مع إسرائيل أو بعض الدول الخليجية والإسلامية التي تسعى لإقامة علاقات معها يعزز من عزل قادة هذه الدول أمام شعوبها وتمثل ضربًا للمعاهدات والاتفاقات بعدما أعلنت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي رفض خطة ترامب، باعتبار أنها “لا تلبي الحد الأدنى من حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة، وتخالف مرجعيات عملية السلام”.

5. أن ما سيق من تبريرات متعلقة بوضع السودان على القائمة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب لا مبرر له خاصة أنه لا توجد أي علاقة لفلسطين والفلسطينيين بهذا الملف وان ما تتخذه الادارات الامريكية من تبريرات لم يعد خافياً على أحد بعد مجيء دونالد ترامب للسلطة وابتزازه للدول العربية لدفع مزيد من الأموال تحت مسميات الحماية أو إسقاط التتبعات في ملف تعويضات عائلات ضحايا 11-9 ولن يكون بمقدور السودان الخروج من هذه القوائم الا بعد دفع التعويضات اما مباشرة أو عبر دول خليجية غنية.

ولكن ومع هذا كله فإن أخطر ما جاء في تصريحات القادة السودانيين الموالين لنهج التطبيع ومنهم السيد عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني الانتقالي هو التعاطي مع ملف حساس وخطير بمنطق الربح والخسارة دون الأخذ في الاعتبار مقررات الامم المتحدة والقانون الدولي والعدالة.

إن اصرار السيد البرهان على التذكير برغبة بلاده في «علاقة حسن نوايا مع العالم كلّه” أمر إيجابي ولكن التأكيد أنه “لا فرق بين سويسرا وإسرائيل» فهذا يصبح خلطًا وتجنيًا واضحًا على سويسرا ومؤسساتها وتاريخها وشعبها وفيه محاولة لتبرئة إسرائيل من جرائم فظيعة ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني وأيضًا بحق العديد من البلدان العربية التي اعتدت إسرائيل على أرضيها مثل تونس والسودان.

فسويسرا لم تقم باحتلال أرض وتهجير شعب بأكمله وتعتدي على الشرعية الدولية وترفض تطبيق قرارات الامم المتحدة وهي تمنح اللجوء لطالبي الحماية ولا تهجر السكان ولا تقوم بالتمييز ضد المواطنين على خلفية دينهم أو أصولهم. سويسرا تطالب دوما بتفعيل القانون الدولي وبتطبيق معاهدات جنيف الأربعة وحماية السكان وليس الاعتداء عليهم وحصارهم وترويعهم.  سويسرا بلد القانون لكل السكان وليس لشريحة دون غيرها. كان الأولى التذكير بالقانون والعدالة ومحاكمة القتلة والمجرمين وليس تبرئتهم وإيجاد المبررات لهم ولصنيعهم.

لا أدري من اختار توقيت اللقاء، ولكن مسارعة نتنياهو بالإعلان بأنّه اتفق والبرهان “على بدء التعاون للوصول إلى التطبيع الكامل في علاقة البلدين تبدأ مع بادرة من السودان تتمثّل في سماحه للطائرات الإسرائيلية عبور أجواء البلاد.” فيه دعم مباشر لبنيامين نتنياهو في حملته الانتخابية وأيضًا استباق لما أعلنه الاتحاد الافريقي عبر مطالبته برفع العقوبات على السودان.

فكما هو معلوم يوجد أكثر من 6 ألاف سوداني دخلوا الاراضي الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر مصر وتوجد حملة يقودها غلاة اليمين في إسرائيل لإرجاعهم للسودان وحديث نتنياهو عن خط جوي فيه إشارة واضحة لهذه الشريحة من المتطرفين الرافضين لتواجد غير اليهود في إسرائيل كما أن الخطوة تأتي لإرضاء الإنجيليين الأمريكيين الذين ينظرون إلى السودان منذ عقود على أنه نقطة محورية في الصراع.

النتيجة الفورية والمباشرة لهذه الخطوات هي تقوية المؤسسة العسكرية على حساب السلطة التنفيذية الهشة فالحكومة السودانية ووزارة الخارجية لم تشارك في الترتيبات ولم تُدع لمرافقة عبد الفتاح البرهان في زيارته لواشنطن.

كما أن إقدام الإسرائيليين على نشر صورة تجمع بين الرئيس الراحل جعفر النميري وآرييل شارون أثناء توريط الأوّل للسودان وتحويله إلى ممر لهجرة الفلاشا من أثيوبيا الى إسرائيل بعد ساعاتٍ معدودةٍ من لقاء البرهان ونتنياهو هي رسالة واضحة للقيادة العسكرية في السودان وهي السعي للعمل مع القادة العسكريين على حساب ممثلي الشعب من المدنيين وهو ما سعت إليه إسرائيل دومًا.

وللتذكير فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كان قد صرح في بداية جلسة الحكومة الإسرائيلية في 16/1/2011، أي بعد 48 ساعة من نجاح الشعب التونسي في اسقاط زين العابدين بن علي واضطراره للفرار لجدة في السعودية، بأن الثورة التونسية تعكر “الاستقرار في المنطقة” وهو ما فسره المتابعون بأنه يقصد الاستقرار الذي يحافظ على أنظمة الاستبداد والفساد في الدول العربية الخاضعة للأجندة الإسرائيلية-الأميركية في المنطقة. فقد قال نتنياهو إن الدرس الذي ينبغي تعلمه من الثورة التونسية هو التشديد على الجانب الأمني في أي تسوية سلمية. كما أكد العديد من المحللين في أمريكا وإسرائيل بأن تعتبر إسرائيل أن استمرار أنظمة الحكم العربية التقليدية واستقرارها هو الأفضل لها. أما السيناريو الأسوأ لإسرائيل فهو قيام نظم عربية ديمقراطية. فمن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن قيام نظم عربية ديمقراطية يعني تقليص الفجوة، وربما ردمها، بين الشعب وقيادته المنتخبة، بخصوص الموقف من إسرائيل. وبما أن إسرائيل تدرك جيدًا أن الشعوب العربية معادية لها ولسياستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، فإنها ترى أن النظم الديمقراطية ستكون معبرة عن موقف شعوبها من إسرائيل، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تغيير الإستراتيجية والسياسات العربية تجاه إسرائيل، من سياسة الخنوع والخضوع لها إلى سياسة مواجهتها ومقاومتها. وإلى اليوم لا ندري كيف سيكون رد القوى الوطنية في السودان والى أي مدى يمكن للمؤسسة العسكرية أن تهيمن على الوضع وتدفع بالقوى المدنية الى السكوت أو السير خلف مسار غير معلوم.

تقييم إسرائيلي للسياسة المصرية وتحالفاتها الخارجية

إقرأ أيضا: تقييم إسرائيلي للسياسة المصرية وتحالفاتها الخارجية

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى