مزاد علني: آثار مصر للبيع ـ من يشتري؟!
أعلنت الصحف المقربة من النظام الحاكم في مصر؛ بأن مزاداً لبيع آثار مصر سيُقام في الثامن عشر من أبريل الحالي بمدينة نيويورك الأمريكية، حيث أشارت الصحف إلى أن 15 قطعة فريدة من آثار مصر ستُباع في هذا المزاد العلني!
وبعد أن قرأت هذا الخبر، اعتقدت أن يأخذ هذا الخبر حقه عند المسئولين عن الآثار؛ الذين لا يكادون يغيبون يوماً عن الإعلام بحجة الاكتشافات الواهية التي يعلنون عنها. فالخبر الذي كان يجب أن يدق ناقوس الخطر لدى هؤلاء المسئولين، لم يزد على أن خرج علينا رئيس الإدارة المركزية للآثار المستردة بوزارة الآثار المصرية الأستاذ “شعبان عبد الجواد” الذي أعلن للصحف دون خجلٍ؛ بأن وزارته على علم بعرض هذه القطع للبيع في مزاد نيويورك!!
وأضاف المسئول بإن الوزارة تدرس وثائق الملكية الخاصة بالقطع المعروضة للبيع في المزاد، من أجل التأكد من طريقة خروجها من مصر، ونحن هنا نقول: وإلى أن تدرس الوزارة المستندات – إن كان هناك دراسة فعلاً – فستكون القطع قد بيعت وأشتُري بأثمانها آثاراً أخرى استعدادًا لبيعها في مزاد آخر!
وإن اعتراف المسئول بأن الوزارة على علم بالمزاد، لأمرٌ يثير الشك والريبة حول هؤلاء المسئولين؛ الذين لا يزالون يبررون استمرار هذه المزادات أو السرقات، من خلال حكايتهم الدائمة المملة بأن: ” الآثار المصرية كانت تُباع وتُشترى وفقا للقانون حتى 1983 عندما صدر القانون رقم 117 بتجريم تجارة الآثار، ومن الممكن أن تكون القطع المعروضة في المزاد خرجت من مصر قبل هذه الفترة”، هكذا هم يقولون دائماً ، وإنه لأمر مشين حقاً أن تظل هذه التبريرات أو الحكايات على ألسنة هؤلاء المسئولين، الذين لا يسعون إلى حل هذه المشكلة وإن كان حلُها سهل وميسور ولكنه يحتاج إلى إرادة، ما نظنها موجودة لدى هذا النظام ومسئوليه الذين ما كثرت هذه السرقات والمزادات العلنية عن بيع آثارنا إلا بعد أن حلوا علينا.
إن مسلسل بيع آثارنا الفريدة خارج مصر لا تنتهي حلقاته منذ أن بدأت وتيرته في الزيادة بعد انقلاب 2013، وتمثل الخبر الذي – قابله المسئولون باستهانة – في أن موقع “كريستيز” الخاص بإحدى شركات المزاد العالمية (المسئولة عن تنظيم المزادات لبيع المقتنيات والتحف النادرة في أماكن مختلفة من العالم)، كان قد أعلن أن المعرض المزمع عقده في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية سوف يطرح في مزاد علني بيع 27 قطعة أثرية مصرية ترجع للفترة ما بين 2389 قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي.
بل وقد أعلن الموقع المتخصص في المزادات العالمية عن أسعار بعض قطع الآثار المصرية المعروضة للبيع في هذا المزاد، حيث وصل سعر بعضها إلى أكثر من مليون و500 ألف دولار أمريكي!!
ومن بين هذه القطع:
- تمثال نادر للوزير (سخيم عنخ بتاح) الذي عاش في الفترة ما بين 2389 ــ 2255 قبل الميلاد، والملقب بوزير الوزير، لما كان يشغله من منصب كبير ولما كان يقوم به مهام كُبرى في قصر الملك، وقُدر ثمن بيع هذا التمثال في المزاد ما بين مليون ومليون نصف دولار أمريكي .
- تمثال من الجرانيت لرأس الفرعون (نخت أنبو الثاني) من الأسرة الـ 30، وسعره في المزاد ما بين: 600 إلى 900 ألف دولار .
- تمثال من الديوريت لرأس امرأة، يعود لما بين الأسرتين الـ 19 والـ 22، وسعره ما بين: 200 إلى 300 ألف دولار.
- جزء من جدارية جيرية يظهر بها شخص رفيع المستوى بالدولة خلال الأسرة السادسة، وسعرها بالمزاد، ما بين: 150 إلى 250 ألف دولار
- جزآن من جدارية من عصر الأسرة السادسة تُظهر مسؤولاً كبيراً بالدولة يدعى (ني عنخ نيسوت)، وسعرها ما بين 120 إلى 180 ألف دولار.
- جزء من جدارية جيرية تعود لأواخر عهد المملكة القديمة، وسعرها ما بين: 100إلى 150 ألف دولار
- نموذج من الجص لتمثال غير مكتمل يُجسد رأس فرعون من الأسرة الـ 30، وسعره ما بين 100 إلى 150 ألف دولار، (تخيل معي سعره بالرغم من أنه نُموذج وليس أصلي!!)
- جزء من تمثال من الحجر الجيري لمسؤول في للملك (سيتي الأول) من الأسرة الـ 19، وسعره في المزاد ما بين 80 إلى 120 ألف دولار.
- رسم على لوح خشبي لامرأة من العصر الروماني يعود للقرن الثاني الميلادي، وسعره ما بين 80 إلى 120 ألف دولار.
- تمثال من الحجر الجيري لمسئول مصري من الأسرة الـ 26، يُدعى (سنبيف)، وسعره ما بين 50 إلى 70 ألف دولار.
ونحن هنا نذكر هذه الذخائر والكنوز المصرية التي تضيع أمام أعيننا، وكلنا حسرة على ما آلت أوضاعنا، وخاصة أن هذه القطع الأثرية تكشف لنا عن فترات مختلفة من تاريخ مصر ما أحوجنا إلى معرفتها. فإلى متى سنظل نتفرج على آثارنا وهي تباع، ومتى سيُحاسب هؤلاء المسئولون الذين أضاعوا الجغرافيا والتاريخ؟! (1).
—————
الهامش
(1) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات