مقدمة:
في مارس 2015، قادت السعودية والإمارات تحالفاً عربياً واسلامياً أيدته الكثير من الدول العربية والإسلامية بهدف ضرب المد الإيراني في اليمن واستعادة الشرعية الدستورية واسقاط الانقلاب الحوثي، ولكن سرعان ما تمزق ذلك التحالف بدءً من دول الجوار في مجلس التعاون الخليجي، فقد خرجت قطر من التحالف ولم تشارك عمان وتراجعت الكويت كذلك، ثم تبعتهم كثير من الدول العربية كدول المغرب العربي والأردن ومصر ورفعت باكستان وتركيا ذلك الغطاء عن التحالف.
ولم يتبق من التحالف العربي فعلياً، إلا السعودية والإمارات تقفان أمام مصير مجهول ونهاية حتمية بعد الفشل الذريع الذي لحق بهما أمام العالم سياسياً، وتورطهم في مخطط التقسيم للأرض اليمنية والقتل والاغتيالات والدخول في حرب مجهولة العواقب وباهظة الثمن، خسروا فيها من الأرواح والأموال وانهيار في الاقتصاد الكثير، مع أنهم كانوا يتوقعون أن الحرب في اليمن ستكون سهلة وأنهم قادرون على حسمها في أيام معدودة ولم ينتبهوا إلى أن اليمن بلد جار معروف بحضارته الضاربة في أعماق التاريخ، وشعب مقاتل قلّ أن تجد له مثيلا في واقعنا المعاصر، وأنه سيدافع عن أرضه وعرضه مهما كلفته من ثمن، وسيكسب تعاطف الكثير من دول العالم، ولمن يجهل ذلك فعليه الرجوع إلى شهادات السابقين.
تمزيق الصف الداخلي للتحالف:
أفقدت الحرب في اليمن الكثير من السعوديين والإماراتيين الثقة بحكامهم وكشفت أحداث اليمن الوجه الخفي للنظام السعودي الإماراتي الذي كان يمارس الاغتيالات ضد خصومه في الداخل والخارج ولو كانوا من أقرب المقربين له وقد كان من أهمها مقتل الصحفي السعودي خاشقجي بتلك الصورة الشنيعة في سفارة دولتهم في تركيا بعد أن اعترض على سياسة دولته الغاشمة وما تبعه من كذب غير أخلاقي وبدون أدنى ذرة من إنسانية مما جعل الشعب السعودي يراجع الملفات السابقة في الاغتيالات التي كان يتعرض لها الكثير من الشخصيات في الداخل والخارج وتأكدوا أن الأسرة الحاكمة متورطة في كل ما سبق مع أنها كانت عبارة عن شكوك تقال من تحت الطاولة وفي الخفاء فأصبحت يقيناً بعد أن كانت شكاً، ولم تك حادثة اغتيال المرافق الشخصي للملك سلمان إلا جزءا لا يتجزأ من تلك المؤامرة لولي العهد السعودي، ومن معه في فرض هيمنتهم على شعوبهم وشركائهم.
العلماء والسجون:
تفاجأ البعض من الشعب السعودي بما قامت به دولتهم تجاه المؤسسات الخيرية والإنسانية والدعوية من إغلاق ومصادرة للأموال والممتلكات، واعتقال العلماء والدعاة مع أنها دولة كانت تدعي مناصرة السنة وقمع البدعة وصاحبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي غمضة عين استيقظ الشعب السعودي على سماع موجة من الاعتقالات تطال مجموعة من العلماء والمصلحين الذين وقفوا معها في حربها على اليمن وقبلها في سورية، وقد كان البعض لا يزال يشك بأن هؤلاء تم اعتقالهم لارتباطهم بجماعة الإخوان المحظورة عند نظامهم، حتى تبين لهم لاحقاً بعد إغلاق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن الأمر ليس متعلقاً بالسياسة أو بمناهضة الحاكم وإنما هي عداوة ظاهرة للسنة وأهل السنة بل والجماعات الإسلامية بشكل عام، بل إنهم بالغوا في ادخال الكثير من الجماعات والجمعيات والمنظمات الاسلامية وكبار العلماء في قائمة الإرهاب في الداخل والخارج.
المال والاقتصاد:
فوجئ الشعب السعودي والأمة الإسلامية باعتقال مجموعة من رجال المال والأعمال في المملكة تحت مبررات واهية، وبتلك المشاهد المستفزة للرئيس الأمريكي إلى المملكة وهو يهين ولي العهد السعودي ويطلب منه شراء الأسلحة الأمريكية بمبالغ هائلة ولم يغادر المملكة حتى تم الالتزام له بدفع أربعمائة وخمسون مليار دولاراً أمريكياً من أموال الشعب السعودي، حتى أصبح هذا الحدث محل سخرية أمام العالم بأن ولي العهد دفع لأمريكا أكثر من الجزية المأخوذة عليهم من العهد الأول للإسلام، وأكثر من ذلك سخرية الرئيس الامريكي من قيادة المملكة بقوله إذا لم تدفعوا سيسقط كرسي الحكم في نصف شهر.
ولم يكتف ولي عهد المملكة بذلك بل دشن ذلك المشروع الاقتصادي المزعوم خطة 2030 وقام برفع أسعار المشتقات النفطية على الشعب السعودي وتخفيض الرواتب والأجور باسم الحرب في اليمن وملاحقة رأس المال المتواجد داخل المملكة وكذلك العمال والمغتربين مما جعل الكثير من أبناء الشعب والمقيمين يقومون بالبحث عن دول أخرى بديلة للإقامة والاستثمار، بالإضافة إلى الركود في الكثير من الشركات الكبرى في السعودية والامارات، وهذا يعد مؤشراً خطيراً يؤكد على بداية الانهيار والسقوط.
الهجمات المتكررة:
لم تتعرض المملكة لاهانات سياسية وعسكرية مثلما تعرضت له في العام 2019، وبدايات العام 2020، من ضرب للسفن والمطارات وآبار النفط إبان تولي سلمان وابنه كرسي الحكم ومع كل ما سبق لم تتمكن من الدفاع عن نفسها ولم ينصرها حليفها ولم يقف معها القريب والبعيد مما يؤكد أن هذه المملكة أصبحت على وشك السقوط المدوي الذي سيعيد للأمة الاسلامية مجدها وعزها.
بل إن نقمة الشعب من الداخل أصبحت ظاهرة للعيان من خلال رصد الاحداثيات وإرسالها لإيران والحوثين بحسب تصريحات الناطق العسكري باسم الحوثين أنهم حصلوا على معلومات من الداخل مكنتهم من ضرب أرامكو بدقة عالية.
تحالف إسلامي جديد وقمة بديلة في ماليزيا:
رأت كثير من الدول الإسلامية تراجع الدور السعودي في تمثيل القضية الإسلامية وما تقوم به من دعم وتأييد لأعداء الأمة بدءًاً من تأييد الهند على شعب كشمير المسلم ودعم الصين على التركستان المسلمة وتأييد فرنسا في ضرب القوى الإسلامية في مالي ودعم الحروب والاقتتال داخل دول العالم الإسلامي وتأييد الانقلابات على الأنظمة الشرعية وإرادة الشعوب وإهدار أموال الأمة وتسليمها لأعداء الإسلام وسجن العلماء والدعاة، مما دعا تركيا وماليزيا وايران وقطر وباكستان للدعوة إلى عقد قمة جديدة لمناقشة قضايا الأمة، لكن الرئيس الباكستاني انسحب في اللحظات الأخيرة لأسباب اقتصادية في بلاده والتهديد بترحيل العمالة الباكستانية من السعودية مما اضطره للاعتذار وإرسال وزير خارجيته مما يؤكد بداية سقوط السعودية التي تدعي أنها قائدة الأمة الإسلامية وحامية حمى الإسلام…
التحالف السعودي الإماراتي رهان خاسر:
من خلال مراجعة التاريخ اليمني السعودي والتدخلات التي تقوم بها السعودية بانفراد أو مع حليفها الإماراتي للوقوف مع أي طرف يمني فإن مصيره الفشل وأصبحت القناعة واضحة والنتائج معلومة لدى الشعب اليمني فقد تدخلت السعودية في الستينيات وناصرت الملكيين وأعانتهم بالمال والسلاح حتى سقط الحكم الملكي وقام النظام الجمهوري.
وقد وقفت السعودية ضد الرئيس الحمدي في السبعينات وأيدت الكثير من المشايخ والقيادات لإسقاط الرئيس وتمكين موالين لها فتمكنوا من ذلك لفترة محدودة ثم تم الانقلاب عليهم وهزموا وهزمت السعودية، كما وقفت في الثمانينات مع الجبهة القومية لزعزعة أمن الشمال ودعمت المخربين، ووقفت مع الحكم الشيوعي في الجنوب، فكان مصيرها الفشل وقامت الوحدة بين الشطرين بداية التسعينيات، وعندما حاولت قيادات جنوب اليمن الانفصال والتراجع عن الوحدة، قامت السعودية والإمارات بتقديم الدعم المالي والعسكري للحزب الاشتراكي وفشلت وانتصرت الشعب اليمني وحافظ على وحدته وهزمت السعودية والامارات شر هزيمة.
وعندما وقفت السعودية والإمارات مع الرئيس صالح بعد ثورة 2011 والمبادرة الخليجية كانت النتيجة سقوط الرئيس وتسليم الحكم، وعندما دعمت المشروع الانفصالي المتمثل بالمجلس الانتقالي في جنوب اليمن من 2015-2019 حتى يعلن الانفصال، فشلت عندما توجه المقاتلون واستعادوا شبوة وأبين، وكانوا على مشارف دخول عدن، وتم القضاء على تحالفهم المزعوم والمتستر بأهداف خفية وبدعاوي أنهم دخلوا اليمن لاستعادة الشرعية، وأصبح الشعب على قناعة تامة بأنهم رأس الفتنة وبدأت تظهر الكيانات التي تدعو لقتال المحتل وإخراجه من اليمن، وظهر للعالم تلك المؤامرة للتحالف، ولا يزال الكثيرون ينتظرون هزيمة الشرعية على يد الرهان الخاسر، إلا إذا تداركت نفسها وبحثت لها عن حليف آخر أو تخلت عن التبعية في قرارها عن السعودية والامارات.
نقاط القوة لدى الشرعية:
- اعتراف دولي
- موارد الدولة نفط غاز كهرباء
- منافذ البرية والبحرية والجوية
- تكافؤ الجيش والأمن
- جمارك ضرائب
- رواتب وأجور
- مكينة إعلامية
- مقاتلين أشداء
- عقيدة قتالية
- حاضنة شعبية قوية في جميع المحافظات اليمنية.
نقاط الضعف لدى الشرعية:
- ضعف القيادة إدارياً
- ضعف القيادة إرادياً
- عدم البحث عن خيارات بديلة عن التحالف.
- فساد مالي وإداري على كافة المستويات
- تواجدها خارج الوطن
- بقائها تحت رحمة السعودية
- عدم الاستقلالية في القرار
نقاط القوة عند الحوثة:
- قيادات شابة أدارت الأزمة بنجاح
- ترسانة عسكرية قوية
- القدرة على الحشد الجماهيري
- توحيد المظلومية والتوعية بها
- إقناع الداخل والخارج بإن التحالف السعودي احتلال
- جيش بعقيدة قتالية
- السيطرة على المحافظات الأكثر بكثافة السكان بما فيها العاصمة وجميع المؤسسات الحكومية
- سلطة اتخاذ القرار واحدة
- جبهة موحدة
- تحالف قوي يمتلك إرادة وإدارة.
- مطبخ إعلامي موحد داخليا وخارجيا
- من نقاط القوة لدى الحوثيين السيطرة على ميناء الحديدة والسيطرة على السلسلة الجبلية التي تهدد البحر الأحمر.
- عدم وجود حاضنة شعبية قوية في أغلب المحافظات اليمنية.
- السيطرة على السلسلة الجبلية المهمة.
نقاط الضعف لدى الحوثة:
- عدم الاعتراف بها خارجيا
- فرض الهيمنة بالقوة
- فساد مالي وإداري على كافة المستويات
- الولاء لإيران وحزب الله
- الحكم الفردي
ما قبل الهزيمة وسقوط مشروع الانفصال:
دربت السعودية والإمارات مجموعة من المرتزقة لتنفيذ مخططها الاجرامي في اليمن، وأطلقوا عليها إسم الأحزمة الأمنية بدأ من سقطرى وحضرموت وشبوة وأبين وعدن ولحج، انتهاء بالساحل الغربي بالإضافة إلى بعض الميليشيات في تعز وصعدة، وأنفقت عليهم المليارات لإحكام السيطرة على أكثر أجزاء اليمن وسهلت لهم كل ما يحتاجونه من دعم عسكري أو لوجستي وحتى ما يتعلق بإصدار القرارات والتعينات والترقيات في الجيش والأمن وكذلك السلطة المحلية، وكانت الخطة تسعى لاسقاط الجنوب بيد مليشات الانتقالي وإسقاط إب وتعز بيد قوات الساحل الغربي بالإضافة إلى بعض العصابات المتواجدة في تعز المدينة أو في ريفها واسقاط جبهة صعدة بيد الحوثي ودعم العصابات المتمردة داخل مأرب.
وبعد مرور السنوات السابقة من التدريب والتأهيل وإنفاق مليارات الدولارات لإنشاء عصابات مسلحة ومليشيات مأجورة لتنفيذ مخطط الانفصال باليمن، حتى تتحكم بميناء عدن وموانى حضرموت بالإضافة إلى الاستيلاء على النفط في شبوة وحضرموت، وجاءتهم الهزيمة من حيث لم يحتسبوا وذهب كل ما بنوه وأنفقوا عليه، بمواجهة خمسة أيام سقطت فيها المليشات السعودية الإماراتية في شبوة النفطية وأبين القبلية الساحلية بأيدي الجيش الوطني والحشود الشعبية، ولم يتبق إلا قاب قوسين أو أدنى من استعادة عدن.
حتى كشف التحالف عن مخططاته، وقد كان يُرتب لإسقاط الشرعية بالكامل فجهز جبهة الساحل للإنقضاض على إب وتعز ولكن المخطط كشف، وتم إخماده في إب برئاسة مدير الأمن السقاف، وتم إخمادها في مأرب على يد الشرعية، بعد تحريض بعض القبائل للاعتداء على الجيش والأمن، وحصلت تلك المعارك الكبيرة، وتم بيع عدد كبير من المقاتلين والتخلي عنهم في كتاف على مرأى ومسمع وإشراف تحالف السعودية والإمارات.
سيناريوهات واحتمالات:
إن المرحلة القادمة يمكن أن تشهد عدداً من السيناريوهات والاحتمالات وكذلك الإجراءات والتحركات، ومن ذلك:
1- تقسيم اليمن إلى ثلاثة أقاليم وأكثر: وهذا هو الذي تعمل عليه دول الاحتلال في الميدان ولكن أغلب المؤشرات تؤكد فشله وأصبح من الصعوبة تحقيقه على أرض الواقع، لما سيترتب عليه من اقتتال دائم بين الأقاليم في الشمال والجنوب، ولكن يبقى هذا السيناريو مطروحاً ويمكن التغلب عليه.
2- فتح جبهة جديدة في المهرة وحضرموت ومدن أخرى ضد السعودية والإمارات يقودها مجلس الإنقاذ الجنوبي اليمني ضدهم، ولعل هذا السيناريو سيكون هو الأقوى في هذه المرحلة لمواجهة دول الاحتلال نظرا لعدم وجود أي مبرر للتواجد السعودي الإماراتي، ونظراً لما تتمتع به قيادته من حضور شعبي وقتالي وعوامل أخرى قبلية، ودعم إقليمي، ونظرا لقربهم من الحدود مع سلطنة عمان التي ترفض أي تواجد سعودي أو إماراتي في حدودها مع اليمن.
3- فتح جبهة مستقلة جديدة وقوية في تعز والمناطق الوسطى لتكون مقدمة لانضمام بقية الوحدات العسكرية لمواجهة دول الاحتلال وأدواته في الساحل الغربي وعدن ولحج.
4- رفع وتيرة الاغتيالات للشخصيات البارزة في الجيش والأمن.
5- محاصرة مأرب والجوف من جميع الاتجاهات وتفعيل دور الجهاز الأمني الموالي للتحالف باغتيال الشخصيات البارزة.
6- عقد اتفاقيات مصالحة مع الحوثيين برعاية عمانية إيرانية.
7- إجراء تغيرات كبيرة تطال نائب الرئيس ومن بعده.
8- سيطرة جبهة الساحل على بعض المناطق القريبة منها وفصلها ضمن إقليم واحد يؤمن المياة الاقليمية لدول العدوان بشكل خاص.
9- قيام الحوثي بضرب أماكن حساسة وحيوية كأبار النفط والمطارات والأبراج في السعودية والامارات تجبرهما على وقف الحرب والدعوة إلى مصالحة عاجلة بين الأطراف اليمنية.
أفكار ومقترحات:
- الدعوة العاجلة إلى وقف العدوان السعودي الإماراتي.
- إنشاء كيان وطني جديد مستقل في الميدان يرفض التبعية السعودية الإماراتية ليكون بديلاً عن الشرعية كونها أصبحت مسلوبة الإرادة والإدارة وعاجزة عن اتخاذ القرار بتوجيه المقاومة ودعمها أو مصارحة الشعب بعجزها.
- مصالحة وطنية بين الحوثة والإصلاح بشكل أساس وبقية المكونات الوطنية بشكل عام، والسعي نحو تعزيز الوحدة اليمنية، عبر إنشاء حكومة وفاق، وإلغاء كل الوثائق والاتفاقيات بعد 2011، وتفعيل العمل بالدستور الحالي، وتفعيل عمل المؤسسات التشريعية مجلس النواب، وإنشاء مجلس رئاسي.
- وضع خطة مزمنة لدمج الجيش والأمن.
- وضع خطط واضحة لإعادة إعمار اليمن يتحملها التحالف وكل القوى الدولية والإقليمية، وكذلك الأطراف الداخلية التي كانت شريكة في صنع وإدارة الأزمة خلال السنوات الماضية منذ 2011 وحتى اليوم.