العلاقات المدنية العسكرية
تمهيد:
البداية…من مشهد 3 يوليو 2013..حيث يقف الدكتور البرادعى الرمز المدنى الليبرالى الشهير بجوار العسكر ورجال الدين فى مشهد من مشاهد العصور الوسطى الكهنوتية، لاعلان الانقلاب على التجربة الديموقراطية الوليدة لثورة 25 يناير وعزل أول رئيس مدنى منتخب فى تاريخ مصر المعاصر.هنا بدأت التساؤلات تتوارد على الذهن بشكل حاد، وبالأخص تساؤل من هو المدنى….؟
من هو المدنى…؟ هذا السؤال قد يبدو بسيطا، و الإجابة عليه أكثر بساطة. فالمدنية تقابل العسكرية والمدنى هو من يؤمن بالدولة المدنية التى يحكمها المدنيون ويخضع العسكريون فيها للسلطة التنفيذية وهو الشخص المؤمن بالديموقراطية والتداول السلمى للسلطة والاحتكام للارادة الشعبية، أليس كذلك؟ لكن مشهد الإنقلاب فى 3 يوليو وما قبله وبعده من أحداث ومحطات سياسية عديدة ومواقف القوى المدنية منها، جعل من العسير جدا الإجابة على السؤال بشكل بسيط، فلم تعد الإجابة وحدها على سؤال من هو المدنى غامضة، بل أصبح السؤال نفسه أكثر غموضا، وظهرت على الساحة تساؤلات جديدة أكثر حدة، هل يوجد مدنيون فى مصر ؟ وإذا وجدو فمن هم، وكيف يمكن تصنيفهم، هل هم مدنيون حقا وما وجه مدنيتهم؟ أم أنهم مدنيون بمفهوم جديد ؟ كيف يمكن تفسير تحالفهم مع المؤسسة العسكرية وفلول النظام السابق لإسقاط التجربة الديموقراطية الوليدة؟ كيف يمكن تفسير تحالفهم مع رجال الدين الإسلامى والمسيحى لإسقاط أول رئيس مدنى منتخب ؟ هل كان خلاف هذه القوى مع الإسلاميين خلاف ثورة أم خلاف سلطة ؟ هل هذه القوى حقا قوى تؤمن بالمدنية والديموقراطية وبالتداول السلمى للسلطة ؟ لماذا يخشون من الإحتكام للإرادة الشعبية فى الإنتخابات ؟
بعد فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، بدأت الأسئلة تتوارد على الذهن بشكل أكثر حدة متحولة من السياسى إلى الإنسانى، وبدأت أتشكك فى انسانية هؤلاء البشر ممن يسمون أنفسهم قوى مدنية، إنها أكبر حادثة قتل جماعى فى تاريخ مصر الحديث وربما كله، كيف يحرضون عليها، كيف يبررون القتل ويحرضون القاتل ويتهمون المقتول بأبشع الاتهامات حتى وصل الامر إلى التشكيك فى عرض المقتول (جهاد النكاح مثال)، أليس هؤلاء مدافعون عن حقوق الإنسان منذ أن كانوا فى بطون أمهاتهم واشترطوا قبل الولادة أن يؤسسوا منظمات حقوقية للدفاع عن حقوق الإنسان، أليس هؤلاء من كان ينتفضون لخدش يحدث بمواطن أثناء سيره فى الطرقات ويتهمون الرئيس بالمسؤلية عن ذلك، أليس هؤلاء من انتفضوا هجوما على الرئيس مرسى فى الحادثة الاعلامية الشهيرة ب”حمادة المسحول”.ليتهم سكتوا وانزوا عن المشهد بعيدا ولو فعلوا ذلك لتم ادانتهم أيضا على السكوت، لكنهم حتى لم يفعلوا السكوت وتحولوا فى المقابل إلى محرضين على القتل والإبادة واستئصال جزء أصيل من المجتمع المصرى لم يستطيعوا ازاحته عن طريق الآلية الديموقراطية الوحيدة المعروفة فى العالم كله وهى الإنتخابات.كما لم يستطيعوا ازاحته عن طريق الشارع أيضا، فهم أقوياء ولديهم قواعد شعبية شكلت الكتلة الحرجة فى ثورة 25 يناير رغم أنهم لم يكونوا بادئيها.
تدور هذه الورقة حول نقد الخطاب المدنى فى مصر منذ ثورة يناير وحتى انقلاب 3 يوليو، من خلال رصد وتحليل مواقف القوى المدنية من قضايا الديموقراطية والتعددية والانتخابات والتداول السلمى للسلطة وحقوق الإنسان ومدنية الدولة والحريات العامة والعلاقات المدينة العسكرية وموقفهم من المؤسسة العسكرية، وذلك من خلال تتبع خطاب جبهة الإنقاذ التى ضمت رموزا وأحزاب من تيارات مختلفة (ليبرالية –يسارية –قومية)، خلال الفترة منذ ثورة 25 يناير والفترة الانتقالية الأولى التى حكم فيها المجلس العسكرى، مرورا بمواقفهم خلال الفترة التى حكم فيها الدكتور محمد مرسى البلاد، وصولا إلى مشهد الإنقلاب العسكرى الذى أطاح بالرئيس فى 3 يوليو وعصف بكل مكتسبات ثورة يناير وكانو وفى صدارته وانتهاءا باختيارهم للمرشح العسكرى فى الانتخابات الجديدة بعد الإنقلاب.
تقسيم الدراسة:
المبحث الأول: المدنى: الماهية والأبعاد
المبحث الثاني: القوى المدنية وقضية الديموقراطية.
المبحث الثالث: الحقوق والحريات : الحالة والمواقف
المبحث الرابع: المدنيون والمؤسسة العسكرية
المبحث الأول
المدنى: الماهية والأبعاد
تستخدم كلمة مدنى فى حقل العلوم السياسية للدلالة على أكثر من معنى، فأحيانا تستخدم للإشارة إلى غير الرسمى فيقال المجتمع المدنى أى المنظمات والكيانات غير الرسمية وهو استخدام مشهور للكلمة، وأحيانا تستخدم للإشارة إلى غير الدينى، فيقال تعليم مدنى مقابل تعليم دينى ومؤخرا دولة مدنية مقابل دولة دينية وهو استخدام مختلف عليه، أما المعنى الثابت لكلمة مدنى والذى لا يكاد يختلف عليه أحد، فهو الذى يشير إلى غير العسكرى، وبالتالى فالكلمة لها استخدامين ثابتين متفق عليهما (غير العسكرى وغير الرسمى)، بينما يزالا الجدل قائما حول الاستخدام الثالث الذى يشير إلى غير الدينى.
ولا يزال الاستخدام الأشهر والأوسع لكلمة (مدنى أومدنية) فى العالم كله ينصرف إلى غير العسكرى، وربما ساهم شكل الدولة القومية الحديثة فى ترسيخ هذه الثنائية، حيث يتم إلغاء كافة مستويات التمييز بين المواطنين على أسس العرق والدين والطائفة واللغة واللون وتصفية الانتماءات التحتية والفوقية للناس لصالح الانتماء لكيان مطلق جديد (الدولة القومية ).وهذه الدولة تعتمد بشكل كبير على فكرة احتكار مؤسسات القهر أو القمع (الجيش والشرطة) فى مقابل المواطنين (العزل) الذين أقنعتهم الدولة بفكرة تخليهم عن أدوات القمع والقهر والقوة لصالح احتكار مؤسسات الدولة من أجل حمايتهم، ومن هنا أطلقت عليهم مدنيين أى غير مسلحين تمييزا لهم عن المنتمين لمؤسسات القمع، ومن هنا كان الحديث بين الدول فى أوقات الحروب عن تجريم استهداف المدنيين أى غير العسكريين.هنا يمكننا أن نفهم أن هذه التصنيف هو تصنيف”دولتى ” بامتياز ويمكننا أن نفهم من الذى صنف الناس إلى مدنيين وعسكرين، ومتى بدأ هذا التصنيف، وربما لو توسعنا فى البحث عن مفهوم المدنى فى تاريخ الحضارة الإسلامية وبالأخص فيما يتعلق بما يسمى الآن”العلاقات المدنية العسكرية”، كيف كانت، وهل عرف التاريخ الإسلامى هذا التصنيف، وإذا لم يكن يعرفه، فلماذا لم يعرفه، كيف يمكن قراءة تلك الإشكالية عبر مراحل التاريخ الإسلامى المختلفة (الخلافة الراشدة –الاموية –العباسية –العثمانية ).وربما النموذج العثمانى أكثر ألحاحا فى الدراسة لقربه الزمنى من تاريخ المسلمين فضلا عن امتدادها على مدار أكثر من خمسة قرون(وهو ما يحتاج إلى دراسة أخرى مفصلة ربما تكشف لنا عن قضايا هامة فى إعادة التأسيس للعلاقات المدنية العسكرية) .
المفهوم فى الحالة المصرية: القوى العلمانية وصكوك المدنية
إذا انتقلنا إلى الحالة المصرية، وكيف يتجلى مفهوم المدنى فى إطارها.يمكننا أن نميز بين مفهوم راسخ فى أذهان المصريين عن المدنى، ومفهوم آخر تحاول القوى العلمانية فرضه على الواقع قسرا فى إطار عملية يسميها الدكتور سيف الدين عبد الفتاح “صناعة المفاهيم على الأرض”.فكلمة مدنى أو مدنية، واضحة وتنصرف إلى الأمور غير العسكرية، ويزداد الأمر وضوحا إذا علمنا أن المصريون لا يكتفون بمعرفة الكلمة على المستوى النظرى فحسب بل يحتكون بها عمليا وبشكل يومى.وأبسط مثال على ذلك، عندما يذهب أحدهم إلى استخراج بطاقة هوية (تحقيق شخصية )، فإنه سيذهب إلى هيئة حكومية تسمى “مصلحة الأحوال المدنية “، وهى هئية منوطة باستخراج الأوراق الرسمية للمدنيين، وهم غير العسكريين من كافة أبناء الوطن وتشمل بداهة كل المواطنين سواء كانوا مسلمين أو مسيحين، أغنياء أو فقراء، بيض أو سوء، ذكور أو إناث، ريفيون أو حضريون، ويعد الاستفسار عن معنى كلمة مدنى فى هذه الحالة بمثابة سذاجة منقطعة النظير، كما أن بنية التشريعات القانونية فى مصر تعرف معنى كلمة مدنى جيدا، ومن ثم كان الجدل الدائر حول محاكمة المدنيين أمام المحكام العسكرية، كما تتوارد كلمة “الأحوال المدنية””العاملين المدنيين بالدولة “، فى كثير من المواد القانونية التى يفهم منها بداهة أن المدنيون هم غير العسكريون، أى كافة المواطنين باستثناء المنتمين للمؤسسة العسكرية علما بأن المؤسسات الأمنية المنوطة بالأمن الداخلى مثل جهاز الشرطة والأمن المركزى تصنف فى مصر على أنها أجهزة مدنية بل إن بعض الأجهزة السيادية مثل المخابرات العامة تصنف أيضا فى عداد الأجهزة المدنية (وهو موضوع بحث جديد لا يسع المجال للدخول فيه ولكنه مهم، فاعادة رسم خريطة ما هو مدني وما هو عسكرى تحتاج إلى نقد وتفكيك وإعادة بناء).
ورغم وضوح المفهوم وضوح الشمس فى كبد السماء، إلا أن بعض النخب العلمانية بدأت تروج لمفهوم جديد للمدنى عن طريق مفهوم جديد آخر طرحته على الساحة المصرية وهو مفهوم “الدولة المدنية”، التى تعد هى الأخرى مفهوما جديدا لم تعرفه الأدبيات السياسية المعاصرة كما لم تشهده أى دولة فى العالم فى اطار الممارسة السياسية.فالحديث عن المدنى فى هذه الأدبيات لا يزال ينصرف إلى غير العسكرى وغير الرسمى (المجتمع المدنى )، أما الحديث عن الدولة فى ظل هذه الادبيات أيضا فلا يتطرق إلى وصفها بالمدنية اطلاقا، وإنما يصفها أحيانا بالعلمانية، فيقال الدولة العلمانية فى مقابل الدولة الدينية الكهنوتية التى عايشتها الخبرة التاريخية الاوربية فى العصور الوسطى، ومع ظهور الدولة الحديثة بدأ استخدام مفهوم “الدولة القومية”، لكن حتى الآن لا تستخدم كلمة مدنية لوصف الدولة فى الأدبيات السياسية الغربية، وربما يفسر ذلك من خلال ما عرضناه سابقا، فالدولة القومية الحديثة تقوم أساسا على مبدأ احتكار أدوات القمع وبالتالى يجب التمييز بين الناس على هذا الأساس، ومن هنا كان تصنيفها للناس (مدنيين وهو عامة الشعب ممن لا يحملون السلاح، ومن يحمل منهم السلاح يحق للدولة مقاومته) وعسكريين (وهم المنتمين لمؤسسات الدولة التى تحتكر أدوات القهر)، وبالتالى إذا وصفت الدولة بالمدنية، ستحدث مشكلة مزدوجة إحداها متعلق بتصنيف الناس(مدنيين –عسكريين)، والآخر متعلق بتوصيف الدولة ومدى أحقيتها فى احتكار أدوات القهر إذا كانت هى نفسها مدنية.ربما لهذا السبب لم توصف الدولة حتى الآن بالمدنية فى الفكر السياسى الغربى.بينما توجد أوصاف أخرى لها دلالات واضحة مثل الدولة العلمانية لكن القوى العلمانية المصرية عادة ما تتهرب من الحديث عن ذلك كما لو كان غير موجود خشية التصريح بالوجه الحقيقى للدولة المدنية أمام الجمهور.
بدأت القوى العلمانية تلح فى طرح مفهوم الدولة المدنية على الساحة رغم غموضه، فلا يوجد كما أسلفنا تعريف لهذه المفهوم الجديد فى أدبيات العلوم السياسية حتى الآن، الأمر الذى آثار شكوكا –تأكدت بعد ذلك -لدى قطاع عريض من الإسلاميين حول هذا المفهوم خشية أن يكون غطاء لمفهوم الدولة العلمانية المعروف فى التجربة الاوربية، والتى يرفضها الإسلاميون وغيرهم فضلا عن وضوح كلمة مدنى كما أسلفنا بما يفهم منه بداهة أن الدولة المدنية تعنى الدولة التى يحكمها ويتحكم فيها ويسيطر عليها مدنيون فى مقابل العسكريون الذين يحكمون البلاد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة منذ أكثر من ستون عاما، لكن النخب العلمانية بدأت تروج لمفهوم الدولة المدنية باعتبارها الدولة غير الدينية وغير العسكرية، وبذلك تكون كلمة مدنى قد أضيف لها عنصرا جديدا غير موجود فى الأدبيات السياسية حتى الآن.
وبدأت القوى العلمانية تطلق على نفسها اسم جديد “القوى المدنية “، ولم تكتفى بذلك بل قامت بتقديم نفسها دائما على أنها القوى المدنية الوحيدة فى مصر، وخلعت عن الإسلاميين مدنيتهم المعروفة بداهة، كما لو كان الإسلاميون غير مدنيون، ثم بدأت تثير المعارك تلو المعارك حول كلمة مدنى فى كل مناسبة تجمع بين اسلاميون وعلمانيين حتى تفرغ المفهوم من مضمونه وبات ينصرف إلى معنى جديد يعنى كل ما هو غير اسلامى(وليس كل ما هو دينى بشكل مطلق ويمكن فهم تقارب المدنيين والكنائس المصرية وبعض الكتل والكيانات المسيحية فى هذا السياق حتى أن ممثلى الكنائس انسحبوا مع القوى المدنية من الجمعية التأسيسية للدستور بدون ذكر أسباب مقنعة).
وظهر الخلاف واضحا حول مفهوم المدنى أثناء تشكيل الجمعية التأسيسية.حيث أصرت القوى المدنية على تشكيل الجمعية على قاعدة مدنى /اسلامى بنسبة 50 % للتيار الإسلامى و50% للتيار المدنى ، وعندما ثار جدل حول تعريف التيار الإسلامى ومن هو الإسلامى ومن هو المدنى وكيف نميز بينهما، بدت القوى المدنية تتصرف إزاء هذه الإشكالية وكأنها تمتلك صكوك المدنية تمنحها لمن تشاء وتنزعها عن من تشاء دون اللجوء إلى قواعد موضوعية للتفرقة بين المدنى والإسلامى، وبدت تعترض على بعض الشخصيات العامة التى يطرحها التيار الإسلامى بشكل هيستيرى حتى وصل الأمر إلى اعتراضهم على بعض الأسماء المطروحة لتمثيل الشخصيات العامة، لمجرد ظهور علامة صلاة فى وجهه، بما يعنى لديهم إنه اسلامى غير مدنى، وزاد فى اضطراب المفهوم قبول الإخوان والسلفيين مجاراة القوى المدنية فى معيار التقسيم (مدنى /اسلامى )، رغم أن هذا المعيار مخصص لمواجهتهم تحديدا.فوافق الإخوان على معيار التقسيم ولكنهم قصروا معنى الإسلامى، على المنتمين تنظميا لأحزاب مرجعيتها اسلامية، وبالتالى يكون الإسلامى هو المنضم لحزبى الحرية والعدالة والنور (ولا أدرى هل تم إثارة ما إذا كان مفهوم الإسلامى بهذا الشكل سيشمل المسيحين المنضمين لحزب الحرية والعدالة أو حزب الوسط )، وهو ما اعترضت عليه القوى المدنية (بعد اتفاق أولى عدلوا عنه بعدها بيوم بواحد) وحاولت توسيع مفهوم الإسلامى ليشمل أحزاب أخرى ممثلة فى البرلمان، حتى لو لم تكن بنفس درجة هذين الحزبين، مثل حزب الوسط، الذى أصر على مدنيته التقليدية البديهية ورفض الإستدراج لفخ مفهوم المدنى الجديد الذى تريد القوى المدنية فرضه على الجميع.بينما رأت القوى المدنية أن حزب الوسط لا يدخل ضمن التيار المدنى لانه حزب ذو مرجعية اسلامية يجب احتساب أعضائه ضمن التيار الإسلامى .
الغريب فى الأمر أن مسألة تصنيف حزب الوسط لم تأتى إلا بعد أن قام حزب البناء والتنيمة بالتنازل عن مقعدين في اللجنة التأسيسية للدستور لحل أزمة تخوف القوى المدنية من الإستحواذ على 52%، مما دفع الدكتور صفوت عبد الغنى رئيس المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية للتنازل عن مقعدي الحزب لصالح التيار المدني لحل الأزمة، مشترطا أن يختار الحزب الشخصيات بعد موافقة القوى المدنية عليها، فاختارو ترشيح ثلاثة أسماء هى د. محمد محسوب، ود.جمال جبريل، والمستشار ناجى دربالة.وهنا بدأت القوى المدنية تشكك فى مدنية حزب الوسط الذى سترتفع حصته إلى خمس مقاعد بدلا من مقعدين استنادا إلى التفويض الذى حصل عليه من حزب البناء والتنمية .
كما ثارت إشكالية أخرى متعلقة بالتصنيف عندما بدأ الحديث عن الأزهر والقضاء والحكومة، فالإسلاميون يرون ادراج ممثلى هذه الهئيات ضمن التيار المدنى، وهو ما أثار مخاوف القوى المدنية من ادراج أسماء وشخصيات اسلامية لتمثيل هذه المؤسسات، فوضعت شرطا لا يمكن تفسيره إلا من خلالها، أن يكون ممثلو هذه الجهات “مدنيين فعلا” كما جاء على لسان محمد أبو الغار، وبالتالى يجب معرفة أسمائهم والتأكد من نقاء عرقهم المدنى تماما من أى ملوثات اسلامية، حتى وصل الأمر إلى الإعتراض على بعض الأسماء المطروحة، لمجرد ظهور علامة صلاة فى وجهه، فقالوه انه غير مدنى، وبالتالى لا بد من استبعاده. الغريب فى الأمر أن القوى المدنية لم تثير أى مشكلة تتتعلق بالكنائس وممثليها، واعتبرتهم من التيار المدنى، وهو ما يؤكد صراحة على أن مفهوم المدنى صار موجها ضد الإسلاميين فقط حتى لو كان المعاكس لهم ينتمى لمرجعية دينية أخرى.مما أضفى غموضا آخر على المفهوم، بحيث أصبح لا يشكل إلا غطاء يتخفى فيه العلمانى الذى يخشى التصريح بهويته العلمانية (بالمناسبة هذه ظاهرة معروفة فى الواقع المصرى أن العلمانيين لا يصرحون بكونهم علمانيين حتى عند سؤالهم ولكنهم أصبحوا أكثر وضوحا بعد الإنقلاب).
المبحث الثانى
القوى المدنية وقضية الديموقراطية
دأبت النخبة العلمانية فى مصر على تقديم نفسها من خلال مجموعة من الديباجات البراقة والجذابة مثل الديموقراطية والليبرالية، وكانت قضية الديموقراطية من أهم القضايا المتصدرة فى خطابها السياسى حتى قبل الثورة، وعادة ما كانت تستخدم كمدخل لانتقاد القوى الإسلامية ومعايرتهم، ولا يخلو حوار بين اسلامى وعلمانى قبل الثورة من محاور تتعلق بقضية الديموقراطية وموقف الإسلاميين منها، وعادة ما كانت تثار أسئلة كيدية هجومية من قبيل ألستم تكفرون بالديموقراطية؟ ألستم تكفرون من يدعوا إليها؟ ألستم تتهمون الآخر الديموقراطى بالعمالة للغرب ؟ ألستم تكفرون بالدولة الحديثة الديموقراطية وتدعون لنموذج الخلافة الاستبدادى الذى لا يعرف فكرة الاحتكام للشعب ؟ لماذا لا تقبلون الاحتكام للشعب وإرادته كما هو معمول به فى العالم أجمع ؟ لماذا لا تلجأون لحل مشاكلكم مع الدولة من خلال الآليات الديموقراطية ؟ لماذا تحملون السلاح فى وجه الدولة وتتمردوا عليها فى حالة الخلاف ؟…ألخ.لكن عقب نجاح ثورة 25 يناير 2011 في الإطاحة بنظام المخلوع “مبارك” تغير الموقف تماما وبدت التيارات والأحزاب المدنية العلمانية في مصر وكأنها خائفة من الديموقراطية وتخشى الدخول فى أى استحقاق انتخابى نظرا لارتفاع شعبية الإسلاميين بينما بدت القوى الاسلامية حريصة على اتمام الاستحقاقات الانتخابية منذ بداية الفترة الانتقالية وحتى قبل الانقلاب العسكرى فى 3 يوليو.وبالتالى لم يجدوا حرجا أن يعلنو فى وقت مبكر جدا بعد سقوط مبارك عن رغبتهم فى اطالة الفترة الانتقالية لمدة عامين على الأقل، وكان البرادعى أول من صرح بهذا فى 28 فبراير 2011(بعد تنحى مبارك بحوالى اسبوعين ).
ويمكننا اختبار موقف القوى المدنية من قضية الديموقراطية، وبالأخص مسألة الاحتكام للشعب فى الانتخابات، من خلال أكثر من موقف بعضها فى الفترة الانتقالية الأولى وبعضها فى فترة حكم الرئيس مرسى كالتالى :
1ـ رفض استفتاء 19 مارس والمطالبة بمد الفترة الانتقالية:
أعلن المجلس العسكرى الذى تقلد السلطة بعد تنحى مبارك، خارطة طريق مدتها ستة أشهر، يجرى فيها تعديل دستورى محدود ثم انتخابات برلمانية ثم انتخابات رئاسية ويعود الجيش لثكناته بعد تسليم السلطة لرئيس منتخب.وهنا بدأ أول خلاف سياسى بين القوى العلمانية والإسلامية، فيما يعرف بمعركة”الدستور أولا”، فقد اعترضت القوى المدنية على اجراء تعديل دستورى محدود يحكم المرحلة التى حددها المجلس العسكرى بستة أشهر، وطالبوا بوضع الدستور كاملا قبل اجراء أى استحقاق انتخابى، أما الإسلاميون فكان رأيهم فى اتجاه تأييد التعديلات الدستورية لحين انتخاب برلمان ورئيس ومن ثم يشكل الدستور فى اطار مؤسسات منتخبة، ويبدو أن الاسلاميون قد أدركوا أن الصدام مع الجيش لن يكون مجديا(ساعتها)، وأن الطريقة الأكثر ملائمة للظروف هى الضغط على المجلس العسكرى من خلال اتمام الاستحقاقات الانتخابية لتسليم البلاد خلال الستة أشهر كما هو معلن فى خارطة الطريق، بينما رأت القوى المدنية عكس ذلك وكانت رؤيتها وضع الدستور أولا فى ظل حكم المجلس العسكرى بدلا من وضع دستور فى ظل مؤسسات منتخبة يغلب على ظنهم أن الإسلاميين سيشكلون السواد الأعظم منها نظرا لارتفاع شعبيتهم، وهنا ثارت مشكلة متعلقة بالأطار الزمنى للفترة الإنتقالية والمحدد بستة أشهر فقط، وهى فترة لا تسمح بوضع دستور واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، لكن القوى المدنية كان لديها الحل واضحا، تمديد الفترة الإنتقالية لمدة عامين ومغازلة المجلس العسكرى بالحديث عن مادة فى الدستور تنص على أن الجيش حامى الدولة المدنية.
ظهرت القوى المدنية وكأنها خائفة من الدخول فى أى استحقاق انتخابى بسبب الاسلاميين، فهم الأكثر تنظيما والأكثر شعبية وبالأخص الاخوان المسلمون والسلفيون، ومن هنا كانت محاولاتهم العديدة لعرقلة أى استحقاق انتخابى، بحجج مختلفة قد تبدو متناقضة.ومع بداية أول استحقاق شعبى (استفتاء 19مارس 2011) بدت القوى المدنية تشن حملات اعلامية مكثفة فى اتجاه التصويت لرفض التعديلات الدستورية، تحت شعار الدستور أولا فى محاولة فسرها المستشار طارق البشرى وآخرون بمحاولة اطالة الفترة الانتقالية، بينما اتجه الاسلاميون للتوصيت بنعم، من أجل تقصير الفترة الانتقالية وازاحة المجلس العسكرى من السلطة فى أقرب وقت وبدا الاسلاميون أكثر حرصا على انتزاع السلطة من المجلس العسكرى، بينما تلح القوى المدنية على اطالة الفترة الانتقالية بل نادى بعضهم باطالتها لمدة عامين، ووضع مادة فى الدستور تجعل الجيش حامى للدولة المدنية(تصريحات للبرادعى ) .
ويبدو أن هذا الاستحقاق (استفتاء 19 مارس 2011 )كان استحقاقا تجريبيا، اختبرت فيه القوى المدنية(العلمانية ) مخاوفها من فكرة الديموقراطية.فجاءت نتيجته بنسبة 77.2% لصالح تأييد الإستفتاء في مقابل 22.8% لصالح رفضه، رغم الحملة الإعلامية الواسعة التى قادتها القوى المدنية فى اتجاه التصويت بالرفض، تحت مقولة “الدستور أولاً”.
بعد فشلهم فى ايقاف هذا الاستحقاق بدأت هذه القوى فى حملة أخرى تطالب بمد الفترة الإنتقالية إلى عامين بدلا من 6 أشهر ، بحجج تبدو متناقضة، فأحيانا يقولون إن طريق الثورة لن يتحقق إلا من خلال الشارع والشارع وفقط (والشارع هنا يعنى ضد المجلس العسكرى الحاكم الذى يطالبونه باطالة الفترة الانتقالية ويشاركون فى وزراته ) فالثورة لا يمكن حبسها فى مسار ديموقراطى.
وأحيانا يقولون أن جماعة الإخوان المسلمين وحدها هي التي استعدت لدخول الانتخابات، وأن بقية الأحزاب والتيارات والحركات السياسية في حاجة إلى وقت أطول حتى تستعد أكثر، كما بدأو فى ترويج خطاب “ركوب الإخوان للثورة وسرقتها “، كما وصل الأمر إلى حد التشكيك فى كل من يدعوا للاحتكام لصناديق الاقتراع لحل الخلافات السياسية ونقل الثورة من الشارع إلى السياسة وبناء المؤسسات، خاصة وأن الثورة المصرية كانت مختلفة كثيرا عن ثورات أخرى وبالأخص فى مسألة عدم وجود الثوار فى السلطة، وأحيانا يقولون “الديموقراطية ليست الانتخابات “، “الديوقراطية لابد أن تكون توافقية”.
الغريب فى الأمر أن هذه القوى التى كانت تروج لخطاب الشارع وفقط، هى نفسها التى ذهبت للمجلس العسكرى (الذى يفترض أن حركة الشارع ضده)وألحت عليه مرارا وتكرارا لإطالة الفترة الانتقالية، واستجاب لها فعلا وأطال الفترة الإنتقالية حتى وصلت إلى أكثر من عام ونصف وهو ما يطرح تساؤلا استنكاريا، هل كان المجلس العسكرى ساذجا لدرجة الاستجابة لمطلبهم مع أنهم يرفعون شعارات الشارع وفقط بما يعنى أنهم ضده أم كنا نحن السذج حينما لم نفكر فيما يطرحونها من ديباجات، الأمر الذى يثير علامات استفهام كثيرة حول مواقف القوى المدنية خلال الفترة الانتقالية وبالأخص مواقفها تجاه الاسلاميين، هل كان خلافهم مع الاسلاميين أنهم ليسو ثوارا بالقدر الكافى وغير مؤمنين باهداف الثورة كما يقولون، أم كان خلافهم مع الاسلاميين خلاف انتخابى متعلق بالوصول للسلطة.
هل كانوا حقا يرفضون الانتخابات ويصرورن على المسار الثورى بآلية الشارع، خاصة وأن علاقة هذه القوى لم تكن عدائية مع المجلس العسكرى خلال الفترة الانتقالية بل كانت علاقة طيبة لدرجة استجابته لمطالبها باطالة الفترة الانتقالية أكثر من مرة حتى وصلت إلى سنة ونصف بدلا من ستة أشهر. وعندما قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إجراء المرحلة الأولى من الإنتخابات في 28 من نوفمبر 2011 بعد ضغوط شعبية وإسلامية شديدة، كان قد مضى من المرحلة الانتقالية 9 أشهر كاملة، بذلت الأحزاب العلمانية جهدا كبيرا من أجل منع إجراء الانتخابات في موعدها، أو على الأقل تأجيلها.
2ـ حل البرلمان ورفض عودته مؤقتا:
فى سابقة غريبة فى تاريخ البرلمان المصرى، قضت المحكمة الدستورية 14/6/2012 فى حكم مثير للجدل بحل البرلمان الذى تم انتخابه فى 28 نوفمبر 2011 ، وكان ذلك الحكم بعد ساعات من بدء عمليات الاقتراع في الجولة الثانية للإنتخابات الرئاسية التى تبقى فيها للمنافسة مرشحين أحدهما من الاخوان المسلمين (محمد مرسى )والآخر من النظام القديم (الفريق أحمد شفيق )رئيس وزراء سابق فى عهد مبارك.وقد عبرت القوى المدنية عن فرحتها وسعادتها البالغة بحل البرلمان واعتبرت الحكم انتصارا لدولة القانون كما أيدت هذه القوى حكم محكمة القضاء الإدارى بتأييد حكم الدستورية فى حل مجلس الشعب والذى جاء بعد ثلاثة أشهر من حكم الدستورية
المثير فى الأمر أن المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر أعلن يوم 16 /6/2012 حل مجلس الشعب رسميا ، تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر الخميس والذي أكد أن المجلس “غير قائم بقوة القانون”.وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط أنه “بدأ تنفيذ الحكم في ما يتعلق بحل مجلس الشعب ومنع دخول النواب السابقين إلى المجلس إلا بتصريح وإخطار مسبق”.الأكثر اثارة أنه وبعد ساعات قليلة من غلق اللجان، قام المجلس العسكرى بتفجير الاوضاع باصدر اعلان دستوري وصفه بالمكمل رغم أنه فى حقيقته مكبل فى 17/6، ونص هذا الاعلان على تقاسم السلطة بين الرئيس والمجلس العسكرى، بالاضافة الى استحواذ المجلس على السلطة التشريعية بالكامل، فضلا عن النص الحصرى على اختصاص المجلس العسكرى بكل شؤون الجيش، كما أعطى نفسه حق اعادة تعيين أعضاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور اذا ما تعثرت الجمعية الموجودة في ذلك الوقت و المنتخبة من مجلس الشعب.وأضاف فى احدى مواده على الزام الرئيس بأداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا فى حالة غياب البرلمان (الذى قام بحله منذ يوم واحد 16 /6 ) . و قد تسربت أنباء عن اجتماع للمجلس العسكري مع عدد من رؤساء الأحزاب المدنية تم فيه الاتفاق على مواد الاعلان الدستوري المكمل قبل اصداره.
وفى 24 /6 أعلنت نتيجة الانتخابات(بعد تأخر مريب لمدة عشرة أيام ) بفوز الرئيس محمد مرسى بالرئاسة بنسبة 52%، ولكنه لم يتسلم السلطة إلا فى 30 /6 بعد أن أدى اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية (بديلا عن مجلس الشعب )، لكنه راوغ وحلف اليمين أولا فى ميدان التحرير ثم مرة أخرى فى جامعة القاهرة بعد المحكمة الدستورية.ولم يمر اسبوع حتى فاجأ الرئيس مرسى الجميع، بإصدار قرارا بإلغاء قرار حل مجلس الشعب، الصادر من المحكمة الدستورية العليا، وعودة المجلس لممارسة مهام عمله واستند مرسى لقاعدة المواءمة فى تطبيق الأحكام القضائية فقرر عودة البرلمان لسد الفراغ التشريعى على أن تجرى انتخابات مبكرة لمجلس الشعب خلال 60 يوما من تاريخ موافقة الشعب على الدستور الجديد، والانتهاء من قانون مجلس الشعب.لكن القوى المدنية اعترضت على هذا القرار كما اعترضت على فكرة اللجوء الى استفتاء شعبى حول حل مجلس الشعب (مقارنة بالمحكمة الدستورية فى التسعينات) وشنت حملة شرسة لسحب القرار مما ادى إلى صدور قرار أخر من المحكمة الدستورية ثم تراجع الرئيس خلال 28 ساعة بعد تهديدات من القضاة بالاضراب .
3ـ رفض الدخول فى الانتخابات البرلمانية الثانية
احتدم الخلاف السياسى بين الرئيس مرسى وجبهة الإنقاذ وخاصة بعد اصدار الاعلان الدستورى فى 22 نوفمبر الذى حصن فيه الجمعية التأسيسية من الحل بعدما انسحبت القوى المدنية منها بشكل مريب.وبدأت جبهة الانقاذ تشن حملة لمقاطعة التصويت على الدستور عدلت عنها قبل التصويت بأيام لصالح فكرة التصويت ب “لا”، وكانت النتيجة فشل الحملة رغم قوتها وتمرير الدستور بنسبة تأييد وصلت إلى 64%.
كانت رؤية الرئيس مرسى وجماعة الاخوان هى السير وفقا لما قرره الدستور والدخول فى انتخابات برلمانية خلال شهرين من اقرار الدستور لحسم الخلاف الدائر بينها وبين قوى المعارضة بعد أن فشلت معظم دعوات الحوار التى اطلقتها مؤسسة الرئاسة للجلوس مع جبهة الانقاذ والقوى المعارضة، لكن الأخيرة كانت ترفع شعار لا للحوار إلا بعد الاستجابة للمطالب، وهى الغاء الاعلان الدستوري وعزل النائب العام وحل الحكومة وتشكيل أخرى، أو تغيير الوزرات الاكثر نشاطا مثل وزارة التموين التى يرأسها د.باسم عودة خشية التأثير على المواطنين وهو مطلب مثير للنظر والتحليل ، إذ أن جبهة الانقاذ دائما ما كانت تتهم حكومة قنديل بالفشل وبالتالى فكيف لها إذا نشطت بعض الوزارات مثل وزير التموين، تطالب هى نفسها باقالته خشية التأثير على المواطنين، ولا ندرى كيف سيؤثر وزير التموين على السلوك التصويتى للمواطنين.ومن ثم فقد رفضت جبهة الانقاذ كل الحوارات التى دعت إليها الرئاسة للحوار بشأن الأزمة إلا إذا نفذت شروطها قبل اللقاء وهو ما رفضته الرئاسة وبالتالى بات الحوار متعذرا بينهما .
ومن ثم فقد بدأ مجلس الشورى مناقشة قانون الانتخابات البرلمانية، وهو ما اعترضت عليه جبهة الانقاذ التى كانت تعارض فكرة الدخول فى الانتخابات البرلمانية من الأساس، خشية الفشل فيها كما هو معتاد، خاصة وأن حملتهم على الدستور لم يمر عليها أسابيع قليلة ولم تنجح رغم قوتها، ومن ثم فقد أعلنت مقاطعتها للانتخابات احتجاجا على قانون الانتخابات الذي قالت إنه وضع لمصلحة جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة المنبثق عنها.لكنها فى نفس الوقت لم تقدم أى حجج لرفض قانون الانتخابات واكتفت بترديد الاتهامات العامة المرسلة من قبيل “أخونة الدولة” “والرغبة فى الاستحواذ والاقصاء “…ألخ.
انتهى مجلس الشورى من القانون وأرسله للمحكمة الدستورية فأرسلت ملاحظاتها خلال 45 يوم كما هو مقرر بالدستور الذى نص على الرقابة السابقة فقط للمحكمة الدستورية بخصوص دستورية القوانين على أن يعمل المجلس التشريعى على تنفيذ مقتضى ما تقرره الدستورية وليس نص ما تقرره، دون النص على اعادة القانون مرة أخرى إليها.لكن قوى المعارضة أصرت على عودة القانون للمحكمة الدستورية في محاولة للتعطيل وكسب الوقت، وهو ما رفضه مجلس الشورى مصرا على ضرورة تطبيق المادة الدستورية السابقة التى تقتضى بالرقابة السابقة فقط وليست اللاحقة.
ومن ثم فقد تجاهل مجلس الشورى هذه الدعوات حيث قام بتعديل القانون في ضوء الملاحظات التى أبدتها المحكمة الدستورية وأرسله للرئيس الذى دعى على الفور إلى اجراء الانتخابات البرلمانية في 22 ابريل.ولكن محكمة القضاء الادارى قضت في يوم 6 مارس بوقف الانتخابات وضرورة عودة القانون إلى المحكمة الدستورية مرة أخرى للتأكد من تنفيذ ملاحظاتها .
وهو ما علقت عليه الرئاسة بعدم الطعن عليه بينما سعدت جبهة الإنقاذ بهذا الوقف القضائى للانتخابات وأبدت ترحيبا شديدا بالحكم رغم شبهات مخالفته للدستور .
وفى محاولة للخروج من هذا المأزق، قام مجلس الشورى باعداد قانون آخر مقترح من حزب الوسط وإرساله للمحكمة الدستورية، خشية أن تستغرق المحكمة وقت أطول في مراجعة القانون المتنازع عليه، فقام حزب الوسط باعداد مشروع آخر وعرضه على المجلس وتم اقراره وإرساله للمحكمة الدستورية ، وكانت المفاجأة الأكبر في هذه المرة، فقد رأت المحكمة ضمن ملاحظاتها منح أفراد الجيش والشرطة حق التصويت في الانتخابات رغم نص الديباجة في الدستور الذى يحظر تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسى، بكل ما تحمله كلمة شأن من معنى، وهو ما آثار ضجة كبيرة في مصر ومخاوف من تطبيق ذلك، الغريب في الأمر أن قوى المعارضة استقبلت القرار بترحيب وفرحة عارمة وتحججت بأن ذلك يتماشى مع مبدأ المواطنة وراحت تقارن بين نماذج عدة دول في العالم تسمح لأفراد الجيش والشرطة بالتصويت
4ـ الانتخابات المبكرة: دعوة للصندوق أم ضد الصندوق
من خلال الرصد السابق فقد ظهر جليا، موقف القوى المدنية الرافض لفكرة اللجوء للإنتخابات البرلمانية سواء الاولى أو الثانية، ففى الاولى طالبوا بتأجيلها أكثر مرة، ثم دخلوا فيها على مضض، ثم رحبوا ترحيبا شديدا بقرار حل البرلمان الصادر من المحكمة الدستورية بشكل مخالف لسوابقها الدستورية فى نفس موضوع النزاع، فضلا عن اهمال القاعدة القانونية الخاصة بالمواءمة في تطبيق الأحكام القضائية، ثم رفضوا قرار الرئيس بعودة البرلمان مؤقتا لسد الفراغ التشريعى لحين انتخاب برلمان جديد كما رفضوا حتى اقتراحات بعمل استفتاء على بقاء المجلس من عدمه.
هذا في المجلس الاول وتكرر الرفض مع البرلمان الثانى فقد رفضت القوى المدنية بشكل أكثر وضوحا وصراحة، الاحتكام للانتخابات البرلمانية في عهد الرئيس مرسى لحل أزمة الخلاف المتصاعدة بينهما، وأخذ رفضهم عدة أشكال أولها التشكيك في سلامة ونزاهة قانون الانتخابات الذى يعده مجلس الشورى، ووضع شروط مسبقة يلتزم الرئيس بتنفيذها مسبقا كشرط للتفكير في دخولهم الانتخابات، ومنها عزل النائب العام واقالة الحكومة وتغيير الحكومة أو على الأقل تغيير بعض الوزارات .
ظهرت على الساحة دعوات متعددة لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة تحت دعاوى عديدة تتركز في مجملها في فشل الرئيس وسوء الأداء وتزايد الأزمات الاقتصادية…ألخ.
الغريب في الامر أن هذه الدعوات بدأت منذ الشهر الرابع من تولى الرئيس مرسى وأخذت تتطور مع تطور الأزمات السياسية بأشكال مختلفة فأحيانا يقال مرسى فقد شرعيته وأحيانا يقال نريد من الرئيس عقد انتخابات رئاسية مبكرة وأحيانا يقال نريد منه عقد استفتاء على بقائه، غير أن هذه الدعوات قد تزايدت ابتداء من الاعلان الدستورى وأحداث الاتحادية وحتى الانقلاب العسكرى في 3 يوليو.
الغريب في الأمر كذلك أنه في الوقت الذى ترفض فيه هذه القوى الدخول في الانتخابات البرلمانية كحل للازمة، تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، وعلق أحدهم عندما سئل عن التناقض في موقفه الرافض للانتخابات البرلمانية والداعى في نفس الوقت للانتخابات الرئاسية المبكرة، أن البلاد لا تحتمل انتحابات برلمانية ؟؟؟؟.
وهو ما يثير تساؤلات وشبهات عديدة حول دوافع هذه القوى في طرح فكرة الانتخابات المبكرة سواء من حيث التوقيت أو من حيث الفكرة. إذ كيف يمكن اعتبار أربعة أشهر أو ستة أشهر فترة زمنية كافية لتقييم رئيس في الظروف العادية فما بالك بالظروف الصعبة التى تمر بها ولا زالت تمر بها مصر على المستوى السياسى والاقتصادى فضلا عن الأبعاد الخارجية الاقليمية والدولية التى لم تكن على يرام في فترة حكم الرئيس مرسى.
النقطة الاخرى أن معظم القائمين على الدعوة والمروجين لها من الفاشلين في الانتخابات الرئاسية السابقة مما أظهر الموضوع باعتباره حلقة من حلقات الصراع بين السلطة والمعارضة وليس طرح مجرد من أجل مصلحة الوطن، أضف إلى ذلك رفضهم المتكرر للدخول في الانتخابات البرلمانية بحجة أن البلاد لا تحتملها، وبالتالى كيف تحتمل البلاد في المقابل انتخابات رئاسية مبكرة وفقا لمنطق تفكيرهم.
الأمر الآخر أن دخول الانتخابات البرلمانية في ظل تراجع شعبية الرئيس وحزبه، يتيح فرصة كبيرة للمعارضة في الاستحواذ على الأغلبية في البرلمان، بما يعنى تشكيلهم للحكومة والحق في عزلها أيضا وسيطرتهم على الرقابة والتشريع (الذى تخشى الأحزاب العلمانية من تحكم الاسلاميين فيه) كما تتيح السيطرة على البرلمان الرقابة على الرئيس بشكل صارم إلى حد توجيه تهمة الخيانة العظمى للرئيس بأغلبية الثلثين.
وبالتالى فإن فرصة تقييد الرئيس وضبط مساره من خلال الانتخابات البرلمانية والدخول فيها في وقت تقول فيه المعارضة إن شعبية الرئيس وحزبه في ادنى مستوياتها، كانت أكثر رجاحة في تحقيق المشاركة الفعلية في السلطة والحفاظ على المسار الديموقراطى الوليد.لكن الأحزاب المعارضة أبت أن تستغل تراجع الشعبية في تحقيق مكاسب سياسية من خلال الآليات الديموقراطية وأصرت على توظيفها في اسقاط الرئيس عبر ادعاء الاحتكام إلى الصندوق مرة أخرى، وهى (دعوة باطل يراد بها باطل كما يقولون).فمن يدعى الاحتكام للصندوق هو أول الكارهين للصندوق ( ).
1. لماذا يخشون من الديموقراطية : مدخل تفسيرى
تعود المشتغلين فى العلوم السياسية على طرح سؤال الديموقراطية على القوى الإسلامية قبل الثورة، ولم يخطر على بالهم ذات يوم أن هذا السؤال سينتقل يوما ما إلى القوى المدنية، فهم بحكم تعريفهم ديموقراطيين ليبراليين مؤمنون بالتداول السلمى للسلطة عن طريق الاحتكام للإرادة الشعبية.لكن الذى حدث بعد الثورة كان العكس الراديكالى، فالقوى المدنية بدت وكأنها كافرة بالديموقراطية ولا تريد الإحتكام اليها لأنها تأتى بالإسلاميين إلى السلطة ومن ثم حاولت ومازالت تحاول عرقلة أى استحقاق انتخابى طالما سيشارك فيه اسلاميون، بينما القوى الإسلامية بكافة تياراتها بما فيها المحافظة أصبحت تنادى بالديموقراطية والإحتكام للإرادة الشعبية عن طريق الانتخابات.
وقد حاول المستشار البشرى تفسير هذه الظاهرة المفارقة التى كشفتها الثورة، وحاول فى كتابه “من أوراق ثورة 25 يناير” ، أن يجيب على تساؤل الظاهرة المحورى، لماذا يخشون الديموقراطية؟ ورأى البشرى أن الليبراليين الذين طرحوا فكرة “الدستور أولا” كانوا يخشون ما تسفر عنه الانتخابات من أغلبيات كبيرة للإسلاميين، وهذه الخشية كانت ستتحقق، سواء جرت انتخابات حرة للجمعية التأسيسية لمواطنين عاديين، أو جرت لمهنيين.كما كتب البشرى مقالا تحليلا حول مواقف القوى المدنية من الانتخابات بعنوان “الخائفون من الديموقراطية ” (17 مارس 2011).
ورأى أن هذه القوى لا تخشى الانتخابات والديموقراطية فقط بل تكرها وترفضها، وليس لديها أى مشكلة فى التحالف مع أى فصيل أو قوة مسيطرة، مهما كانت جرائمها وفسادها، من أجل حرمان هذا الشعب من استكمال طريق الحرية والعدالة وسيادة القانون، وبذل ما يستطيعون من مال وجهد ونفوذ، بهدف إجهاض حلم المصريين بعد الثورة، في تحقيق النهضة والأمان والاستقرار والحياة الكريمة، حتى لو أدى هذا إلى التحالف مع شيطان العسكر أو قوى الفساد، والتنسيق مع الأعداء (أمريكا والغرب)، والتعاون مع من يحاربون ثورة يناير من معظم دول الخليج.
ويضيف البشرى “والحقيقة أن هذا الاتجاه الذي كان يطالب بـ”الدستور أولاً” كان يفتقد المنطق، ليس عن عدم معرفة، بقدر ما جاء بسبب التخوف من الديمقراطية؛ لأنهم ليسوا بذوي تأييد شعبي، وهم يخافون دائمًا من مسألة الرجوع إلى الشعب؛ لأنهم يعرفون مقدمًا أنهم ليسوا بذوي تأييد لديه”، فالمسألة إذن تكمن في محاولة الأحزاب والتيارات الليبرالية والعلمانية فرض رؤيتها على الجميع، واختيار لجنة إعداد الدستور من التيارات العلمانية بعيدًا عن مشاركة الإسلاميين، وهو ما حدث بعد الانقلاب العسكري!.
ويردف قائلا “إن هناك من يصر على أن يستبعد الشعب المصري من أي شأن يكون له صلة برسم مصير هذه الأمة ووضع نظمها السياسية، ويصر على استبعاد الإرادة الشعبية من أي أثر فعال يكون لها في تحديد مستقبل مصر، نلحظ ذلك واضحًا في هذا الصخب الشديد الذي تثيره الأقلام والألسن في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية”، وهذا في رأيي هو لب الأزمة الحقيقية التي تعاني منها مصر الآن: عدم احترام العلمانيين لإرادة الشعب، والنزول على اختياره الحر النزيه.
لقد نجح المنهج الإقصائي في عزل المشروع العلماني عن جمهور الناخبين، وأيضا الإصرار على قيادة الوطن بالإكراه والاستبداد والتسلط، هو ما يدفع التيار العلماني إلى كراهية ورفض المسار الديمقراطي من الناحية الفعلية، وعدم قبول حكم الغالبية العظمى من الشعب، والسخرية ممن يتحدثون عن ضرورة الاحتكام إلى الصندوق الانتخابي، مع أن الصندوق هو أيقونة الديمقراطية الغربية، والطريق الحضاري للتغيير السلمي، والآلية البشرية الأكثر احتراما للوصول إلى السلطة” .
المبحث الثالث
الحقوق والحريات: الحالة والمواقف بعد الإنقلاب
صرح الكاتب الصحفى (اليسارى) حلمى النمنم ، فى يوم 28 يوليو 2013، بتصريحات على هامش ندوة حول الدستور المصرى حضرها عدد من رموز القوى المدنية، والتى لم يعلم بأن قناة اون تى فى المصرية تبثها آنذاك.وانطلق الجدل حول الدستور منذ أعلن الفريق عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع المصرى، فى بيان شهير تلاه فى 3 يوليو، عزل الرئيس المصرى المنتخب الدكتور محمد مرسى، وبدء مسار انتقالى يتضمن تعطيل العمل بالدستور المصرى الذى تم إقراره فى عام 2012.وبهذا الإعلان فتح الباب لمقترحات تعديل الدستور واعتبر كثير من العلمانيين المصريين –وبينهم حلمى النمم –أن هوية مصر كانت أحد أكثر القضايا إثارة للجدل وأن هوية مصر يجب ألا تكون “إسلامية”.
حلمى النمم قال بوضوح إنه يرفض القول بأن الشعب المصرى متدين بالفطرة مؤكدا أن مصر علمانية بالفطرة وضرورة إن يؤسس الدستور لبلد علمانى، مشيرة إلى ضرورة اقصاء التيار الإسلام السياسى واخراجه من اللعبة نهائيا حتى لو كان ذلك بالدم رافضا ما يطلق عليه المواقف الرومانسية فى التعامل مع الإخوان واعتصامتهم ومظاهراتهم، مؤكدا أن هناك دماء أخرى سوف تسفك لأن الحرية والدولة العلمانية لها ثمن ولن تأتى إلا بالدم.كما شن هجوما على حزب النور (الظهير الدينى للإنقلاب )، قائلا إن حزب النور أسوأ من الإخوان ويجب التخلص منه، وشبهه بالمرأة اللعوب التى إذا لم تعطيه ذهبت لآخر، قائلا فليذهبوا إلى رابعة أو إلى الجحيم (فى ستين داهية على حد تعبيره ) .
المفارق فى الأمر عدم اعتراض أحد من الحاضرين على كلام النمم، ومنهم رموز مدنية مثل د.نيفين مسعد استاذة العلوم السياسية ونائب رئيس معهد البحوث والدراسات العربية، و المستشارة تهانى الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية سابقة، بالإضافة إلى رموز مسيحية عديدة من القساوسة، أمثال الأب رفيق جريش، والقس محسن منير والقس مكرم نجيب، فضلا عن رئيس الجلسة. الغريب فى الأمر أيضا أن هذه الندوة عقدت فى جمعية قبطية أهلية تسمى ” الهئية الإنجيلية ” تابعة للكنيسة الإنجيلية فى مصر وتعمل فى مجال الخدمة الاجتماعية.
لكن الأكثر دهشة وغرابة أن توقيت هذه الندوة (التى قيلت فيها التصريحات)جاء بعد ساعات قليلة من مجرزة المنصة(27/7/2013) التى جرت وقائعها بعد ساعات من انتهاء مظاهرات نظمت استجابة لطلب وزير الدفاع فيما عرف بجمعة التفويض (26/7/2013)، حيث قال إنه يريد أن يحصل على “تفويض” من الشعب المصرى لمواجهة ما أسماه”الإرهاب المحتمل “، وقد قتل فى هذه المجرزة من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى، ما يقارب المئة معظمهم قتلوا برصاص “قناصة “عما يزيد عن ألف جريح، الأمر الذى يجعل من العسير إنسانيا وأخلاقيا التصريح بمثل هذه التصريحات اللانسانية فى وقت غير انسانى بالمرة فضلا عن فداحة مضمونها فى التقييم الإنسانى النهائى أو حتى الديباجات العلمانية التى تزين الخطاب العلمانى فى مصر.
1ـ اعتصام رابعة : الحالة والمواقف:
وتشكل تصريحات النمم، إطارا تأسيسيا يمكن من خلاله تفسير مواقف القوى المدنية من انتهاكات حقوق الإنسان الفاضحة التى حدثت فى مصر منذ انقلاب 3 يوليو، ابتداء من انقلابهم على المسار الديموقراطى ومباركتهم للإنقلاب العسكرى فى 3 يوليو بل والتمهيد له والمشاركة فيه (البرادعى فى مشهد الإنقلاب)، وتأييدهم لكل الإجراءات التعسفية التى اتخدت عقب 3 يوليو مباشرة ومنها اغلاق القنوات الإعلامية والصحف المعارضة للإنقلاب والعصف بكل مكتسبات ثورة 25 يناير، مرروا بتبريرهم لإعتقال الآلاف من المعارضين بشكل لم تشهده مصر سابقا وبتهم خيالية وخرافية بدعوى الحرب على الإرهاب، وصولا إلى مطالبتهم الحكومة بضرورة فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة بأقصى سرعة، وهو ما نتج عنه أكبر حادثة قتل جماعى فى تاريخ مصر وربما تدخل فى اطار جرائم التطهير العرقى والإبادة الجماعية.
ويمكننا أن نرصد مواقف القوى المدنية (أحزاب وحركات وشخصيات عامة) من اعتصامات المعارضين للإنقلاب العسكرى، كنموذج يمكن من خلاله إعادة النظر فى رسم خريطة القوى المدنية والمنظمات الحقوقية فى مصر، خاصة وأن الخطاب الحقوقى هو الآخر تورط فى التبرير لمعظم الجرائم والإنتهاكات التى تخطت حدود الإنتهاكات المعتادة لتصل إلى حد المذابح والقتل الجماعى.وسنقسم هذا الرصد على مستويين: مستوى الخطاب السياسى للقوى المدنية، ومستوى الخطاب الحقوقى للمنظمات الحقوقية، وفى كل مستوى نرصد تطور المواقف قبل فض الاعتصام وبعده.
2.مواقف القوى المدنية من الإعتصام:
أما عن جبهة الإنقاذ، فقد تطور موقفها من الاعتصام على أربع مستويات (تحريض –ترحيب –تبرير –تنصل)، فى البداية حرضت بشكل علنى على فض الاعتصام، ثم طالبت قيادات بالجبهة وزراة الداخلية بسرعة فض اعتصام رابعة والنهضة ووصفتهما “بالبؤر الإرهابية” التى تهدد الأمن القومى المصرى، ثم رحبت بقرار مجلس الوزراء (الذى يرأسه شخصية علمانية ليبرالية ويضم العديد من الوزارء أصحاب نفس التوجه والمنتمين لجبهة الانقاذ) بتفويض وزارة الداخلية بفض الإعتصامات، ثم حثت وزارة الداخلية على ضرورة تنفيذ القرار بأسرع وقت ممكن (اتخذ القرار فى 31 يوليو ولم ينفذ إلا بعدها باسبوعين فى 14 اغسطس) .
ويمكننا فى هذا السياق رصد مواقف أبرز قيادات الجبهة من اعتصام رابعة.حيث قال الدكتور محمد أبو الغار، رئيس حزب المصري الديمقراطي، القيادي بالجبهة إن إجراء فض الاعتصامات أمر متعارف عليه دوليا ولكن بالنسبة لاعتصامي رابعة والنهضة، هناك إشكالية كبيرة لأن أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المتواجدين فيهما مسلحون وهو ما سيؤدي إلى وقوع ضحايا.مشددا في نفس الوقت على أن استمرار الاعتصامين يؤثر بالسلب على الأمن القومي المصري، بسبب كثرة الأسلحة الموجودة فيهما، لذا أصبح من الضروري فضهما.ولم ينسى أبو الغار أن يغلف موقفه المحرض على فض الاعتصام بضرورة الحذر من الاستخدام المفرط للقوة قائلا”إن قرار الفض يستوجب تنفيذه دون استخدام قوات الأمن للسلاح، حفاظا على الأرواح وعدم وقوع خسائر كبيرة، لذا يمكن التنفيذ على مدار أيام، مع منح المعتصمين مهلة لمغادرة الاعتصام”
كما صرح الدكتور أحمد دراج، القيادي بالجبهة” أن قرار مجلس الوزراء، بتفويض وزير الداخلية لمواجهة مخاطر اعتصامي رابعة والنهضة، لما يسببه من قطع للطرق وترويع للمواطنين، يعد قراراً مهماً وجاء في وقته.وقال إن الشعب المصري يجب أن يعود إلى حياته الطبيعية مرة أخرى، من خلال استخدام الشرطة والأجهزة الأمنية ما لديها من وسائل متعددة لفض الاعتصام، خاصة إذا كان مسلحاً مطالبا بضرورة فض هذه الاعتصامات فورا.
وأشار القيادي بجبهة الإنقاذ الوطني إلى أن كل الدلائل من عمليات قتل وعنف وتعذيب في اعتصامي رابعة والنهضة، تؤكد أن هذه الاعتصامات مسلحة، لذلك أصبح من الضروري فضها تماماً حفاظاً على الأمن القومي والسلم العام، وعدم ترسيخ مبدأ العنف وممارسة الإرهاب على الدولة من قبل الجماعات المسلحة، لأن استمراره سيؤدي إلى عواقب وخيمة إذا لم تتعامل الدولة معه.
كما اتهم جماعة الإخوان المسلمين بمواجهة قوات الجيش في سيناء مستشهدا بتصريحات د. محمد البلتاجى القيادى بحزب الحرية والعدالة حول الوضع في سيناء (وهى تصريحات مجتزئة صححها القيادى بعده بأيام)”.كما وصف الدكتور محمود العلايلي، سكرتير عام مساعد حزب المصريين الأحرار، قرار مجلس الوزراء بتفويض وزير الداخلية بفض اعتصامي رابعة والنهضة، بالجيد لأن الدولة أصبحت على يقين من أن هذه الاعتصامات تمثل خطراً على الأمن القومي، وطالب الجهات المعنية بسرعة تنفيذ قرار المجلس لترسيخ مبدأ احترام دولة القانون والحفاظ على هيبة الدولة في القرارات التي تتخذها الحكومة.
وأكد أن القرار ليس فقط لفض اعتصامات رابعة والنهضة، وإنما أصبح من الضروري التصدي لهذه الجماعات الإرهابية في كل أنحاء الجمهورية حتى لا يتفشى الإرهاب مجدداً في مصر مثلما كان عليه الحال في تسعينيات القرن الماضي، وطالب وزير الداخلية بالاستجابة لقرار مجلس الوزراء وسرعة تنفيذ قرار الفض حتى تتمكن الدولة من تنفيذ خارطة المستقبل التي تعد طوق النجاة لمصر حالياً، ويسعى أنصار المعزول إلى التصدى لها كي لا تنجح الحكومة في تحقيق مهامها”
أما حزب الوفد فقد صرح فؤاد أبو هميلة القيادى بالحزب، بأن عملية فض اعتصامات جماعة الإخوان المسلمين هو قرار صائب من جانب أجهزة الدولة، والإرادة الشعبية تعطى كامل الدعم والتفويض لأجهزة الدولة للتعامل مع عمليات الشغب والفوضى التى تقوم بها جماعة الإخوان.مشيرا إلى دعم عملية فض الاعتصام شعبياً وسياسياً، وأنها جاءت فى وقت مناسب تماماً، وعلى قوات الأمن أن تطبق القانون بكل حسم وحزم ضد العناصر الفوضوية والإرهابية، وعدم المهادنة معهم على حساب الشعب المصرى”.
أما التيار الشعبى (الذى يضم كتلة من الأحزاب الناصرية واليسارية ) فقد وصف مطالب فض الاعتصام “بالشعبية” وحذر رئيس الوزراء( في لقاء حضره حمدين صباحى رئيس التيار) من خطورة استمرار الاعتصامات التى وصفها بالمسلحة وحثه على ضرورة فضها بسرعة وعمل كردون أمنى حولها والتضييق عليها وخنقها حتى الإستسلام وتفتتيش الخارجين والداخلين إليها ومنع المؤن من الدخول إلى الاعتصامات.
واتهم التيار الاعتصامات بايواء الإرهابين وحملة السلاح وتهديد المصريين وارهابهم واستغلال الأطفال والنساء بطريقة تنافى القيم الانسانية والدينية والاجتماعية، كما اتهم التيار القائمين على أمر الميدان برفض مبادرة تفتيش الميادين(وهو اتهام غير صحيح، فقد زار ميدان رابعة عدة منظمات حقوقية داخلية وخارجية أكثر من مرة ) .
أما تيار الإستقلال (الذى يضم 30 حزب مدنى ومعظمهم من المنتمين لجبهة الإنقاذ أيضا) والذى يرأسه المستشار أحمد الفضالى فقد طالب بنفس المطالب السابقة وعقد مؤتمرا بكافة أحزابه وممثليه بخصوص هذا الشأن .
3.رموز مدنية وأساتذة علوم سياسية فى المشهد:
ولم يقتصر أمر التحريض على فض الاعتصام على جبهة الإنقاذ أو الأحزاب المدنية أو التيار الشعبى، بل انضم اليهم عدد من الرموز والشخصيات العامة من المثقفين والشباب والفنانين بل وأساتذة علوم سياسية، مثل علاء الأسوانى (الروائى المشهور) والذى طالب (بصيغة أخف قليلا) بسرعة فض الاعتصامات ولكن بدون دماء، بنيما طالب الناشط السياسى الشاب علاء عبد الفتاح بنفس المطلب، مركزا فى تصريحاته على اعتصام النهضة متهما المعتصمين بحيازة أسلحة (ثقيلة) ومشددا على ضروة الحل الامنى مع هذا الاعتصام .
أما ابراهيم عيسى(الكاتب الصحفى الشهير ) فلم يدخر وسعا فى التحريض على فض رابعة من خلال برنامجه التلفزيونى على قناة القاهرة والناس، وراح يعرض بعض مقاطع الفيديو لأمثلة اعتصامات فى دول اوربية وغير أوربية تم فضها بوحشية فى بريطاينا وأمريكا وتركيا ليبرر للحكومة فض الاعتصامات ويسكت المدافعين عن حقوق الإنسان (كما قال هو صراحة )، كما كتب مقالا فى جريدة الدستور بعنوان” الببلاوى الذى يخذلنا دائما “، يتهم فيه رئيس الوزراء بالبطء فى فض اعتصامات الإخوان قائلا” إن تأخّر هذه الحكومة فى فض رابعة سبب معظم ما نعيشه الآن، فهى بترددها الغبى وحيرتها المزرية تأخّرت جدًّا فى اتخاذ قرار الفض، حتى سمحت لهذا الاعتصام بأن يتحوّل إلى أداة تجنيد وتخطيط ودولة داخل دولة، ومعسكر لجلب الإرهاب ودعوة التدخل الأجنبى”.
الغريب فى الأمر أن نفرا من أساتذة العلوم السياسية انضم إلى طائفة المحرضين على فض الاعتصام، وراح بعضهم مثل الدكتور أحمديوسف أحمد يبادر بتقديم اقتراحات لوزارة الداخلية فى كيفية فض الاعتصامات فى مقال بعنوان “اعتصام «رابعة» وتوابعه.. ما العمل ؟.
بينما رأى الدكتور حازم حسنى، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ضرورة فض اعتصام رابعة العدوية بحجة تهديدها للأمن القومى على حسب تعبيره.بل أن كاتب هذا البحث يعرف شخصيا عددا من أعضاء هئية التدريس فى الجامعات المصرية شاركت فى يوم التفويض المزعوم.
وانضم لاساتذة الجامعة نفرا آخرا من الفنانين للتحريض على فض الاعتصام، فضلا عن مشاركة بعضهم فى مشهد الإنقلاب (خالد يوسف وتصوير المظاهرات من طائرة عسكرية يوم 30 يونيو).ومن هؤلاء الفنانين الذين أدلوا بتصريحات تحريضية واضحة فى هذا المقام، الكاتب وحيد حامد الذى علق فض الاعتصام قائلا “السيناريو الآن أصبح واضحاً، ولا يحتاج للمناقشة ونعلم من هم المجرمين الحقيقيين، وعلينا ألا ننساق وراء أقنعة البراءة التي يرتديها الإخوان، لأن رجال الشرطة تركت لهم حرية فض الاعتصام وقامت بإنذارهم أكثر من مرة”.
وعلى إثره صرح عدد آخر من الفنانين بتصريحات في نفس الإتجاه مثل خالد الصاوي وفردوس عبد الحميد وعلى عبد الخالق والهام شاهين وأحمد وفيق وعزت العلايلى. أما خالد يوسف فقد علق على استقالة البرادعي بعد الفض قائلا أن “استقالته البرادعي خيانة لشعب مصر وثورته” , وأضاف أن البرادعي يضع سلاحا في يد كارهي استقلال هذا الوطن ليضربونا به، فليسقط من تخلى عن شعبه وهو وسط المعركة” .
4.الموقف من الاعتصام (بعد الفض):
قامت قوات الجيش والشرطة بالفعل بفض اعتصامى رابعة والنهضة يوم 14 أغسطس 2013، فى مشهد تاريخى لم تراه مصر فى تاريخها المعاصر، وراح ضحية هذه المجزرة أكثر من 2500 قتيل وآلاف المصابين وفقا لتقديرات التحالف الوطنى لدعم الشرعية ونحو ألف قتيل وفقا لتقديرات السلطات الانقلابية، وهى أكبر حادثة قتل جماعى فى تاريخ مصر المعاصر وفق ما وصفته منظمة هيومان رايتس واتش ، ولذلك لم يستطيع رئيس الوزراء حازم الببلاوى ساعتها أن يبرر هذه المجزرة إلا بمقارنتها بما هو أبشع فى تاريخ الإنسانية.ففى يوم 27 اغسطس (بعد المجزرة بنحو اسبوعين) أجرى الببلاوى حوار مع قناة (ABC) الأمريكية، وسألته المذيعة عن مقتل ألف من معتصمى رابعة (حسب تقديرات حكومية )، فكان رده إن هناك أوقات اسثنائية يمكن أن ترتكب فيها أعمال وحشية، وشبه ذلك بما فعلته الولايات المتحدة فى فيتنام والحرب العالمية الثانية، وهو ما علقت عليه المذيعة فيما بعد قائلة “إنها مقارنة مذهلة وبشعة، لكنه أخبرنى أنه لا يشعر بأى تأنيب ضمير ولن يتراجع ”
اما القوى المدنية وجبهة الانقاذ فقد رحبت بإجراءات فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة من جانب وزارة الداخلية باعتبارها كانت ضرورة للحفاظ على الأمن القومى والسلم المجتمعى، متهمة الإخوان المسلمين بمحاولة اشعالى حرب أهلية وترويع المواطنين.
وقال الدكتور محمد أبوالغار، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى والقيادى بجبهة الإنقاذ الوطنى، إن الإخوان المسلمين هم من دفعوا إلى هذه المواجهات، حيث رفضوا جميع الطرق السياسية للتفاهم، ورفضوا الحوار والتفاهم مع الأحزاب ورفضوا الوصول لحلول مع كل الوفود الأجنبية، رافضين الاتفاق فى حد ذاته، مصرين على تصعيد الأمور.
وأضاف أبوالغار فى تصريحاته لجريدة الوطن إن الدولة لم يكن أمامها إلا التعامل وفض الاعتصام، لافتاً إلى أنه لا توجد معلومات حقيقية حتى الآن عن الضحايا والمصابين، وما تنقله وكالات الأنباء والقنوات الفضائية مبالغ فيه، مشيراً إلى أنه لا يمكن التحقق من أعداد الضحايا الآن.وأشار أبوالغار إلى أن ما يقوم به الإخوان الآن فى الشوارع والمحافظات حلاوة روح، رغبة منهم فى إظهار الأمور وكأنها ستتوقف تماماً وأنهم سيقومون بتعطيل مجريات الأمور فى البلاد، كرد فعل لما قامت به الحكومة من فض لاعتصامهم، لافتاً إلى أن الجيش والشرطة سيقومون بالسيطرة على الأمور وسيتم تحجيمهم .
أما الدكتور أسامة الغزالى حرب، رئيس حزب الجبهة، فقد صرح بأن فض الاعتصام تم بطريقة سلمية، ولم يتم استخدام أسلحة، حيث لم يكن هناك أى نوع من العنف من قبل الداخلية والجيش فى فض الاعتصام إلا بعد أن استخدم الإخوان العنف، ودفعوا الدولة إلى القيام برد فعل.
وأضاف بأن الأسلوب الذى استخدمته الدولة فى فض الاعتصام يتماشى مع الأساليب المتبعة لفض الاعتصام فى النظم الديمقراطية.وصرح سيد عبدالعال، رئيس حزب التجمع، بتصريحات فى نفس الإتجاه ووصف الإعتصامات “بالاحتشادات العسكرية ” مشيرا إلى أن وزارة الداخلية التزمت بالمعايير الدولية لفض الاعتصامات واصفا جماعة الإخوان المسلمين بالجماعة الإرهابية.
وفى السياق نفسه، قال محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، إن بدء إجراءات فض اعتصامى النهضة ورابعة العدوية كان ضرورة ملحة بعد أن افتقدت اعتصامات ومسيرات أنصار الرئيس السابق مرسى لأدنى معايير السلمية وحق التظاهر المتعارف عليهم دولياً إلى جانب التحريض على العنف المستمر الذى أصبح يشكل خطورة كبيرة على السلام المجتمعى والأمن القومى.
5.الموقف الحقوقى من اعتصام رابعة:
قامت السلطات الانقلابية فور اعلان الانقلاب فى 3 يوليو بغلق القنوات واعتقال الآلاف وغلق الصحف المعارضة، وكل هذا على مرأى ومسمع من المنظمات الحقوقية دون أن تنطق ببنت شفه، وصولا إلى اعتصامى رابعة والنهضة، ومجرزة الحرس الجمهورى والمنصة واستمرار الاعتقالات والملاحقات الامنية التى طالت النساء والاطفال، وهو ما دعا مجموعة من أساتذة العلوم السياسية على رأسهم الدكتورة نادية مصطفى استاذة العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ورئيس قسم العلوم السياسية سابقا إلى اصدار ثلاث بيانات متتالية يناشدون فيه المجالس الحقوقية (وبالأخص المركز القومى لحقوق المرأة والمجلس القومى للأمومة والطفولة )، بادانة الممارسات القمعية والاعتقالات التي طالت الآلاف، من معارضي الانقلاب بما فيهم النساء والأطفال.
وجاء فى البيان الثانى الذى وقع عليه عدد من أساتذة الجامعات المصرية ومجموعة من الشخصيات العامة “إن الدفاع عن حقوق الإنسان من عدمه لا يخضع، وفق المعايير الدولية، للأهواء والتحيزات السياسية والإيديولوجية. وإذا كانت تركيبة الهيئات الحقوقية وخاصة الرسمية في مجملها يغلب عليها التوجه المؤيد لأسباب “الحرب” التي تشنها السلطة الانقلابية على معارضيها، فإن ذلك لا يمنعها، ويجب ألا يمنعها من أن تؤدي دورها المفترض منها؛ حماية لحقوق هؤلاء المعتقلات المواطنات المصريات.فإن انتماءهن لتيار فكري أو سياسي لا يجب أن يحرمهن من هذه الحقوق الإنسانية الأساسية، ولا يبرر التحريض عليهن لإقصائهن واضطهادهن، ولدرجة تصل إلى مداهمة البيوت واعتقالهن.
فهل هذا جزاء إقبال المرأة المصرية على المشاركة السياسية التي طالما ادعّت المنظمات الحقوقية ومنظمات المرأة العمل على تدعيمها وتوسيعها؟ أم أن هذا مقتصر على تيار وقطاع معين من الشعب المصري ونسائه دون آخر؟ ألا نتذكر ما حدث من احتشاد ضد ما عرف “بالتحرش” بالمتظاهرات في ميدان التحرير؟ أم أن الاعتقال من ميداني رابعة والنهضة والمظاهرات اللاحقة عليها لا يستحق مثل هذا الاهتمام والاحتشاد؟ هل نواجه من المنظمات الحقوقية تمييزًا “بسبب” الانتماء السياسي ومعايير مزدوجة داخل الوطن الواحد؟!! فلماذا هذا الصمت عن هذا القمع وهل سيستمر طويلاً؟ أم سيصبح ملمحًا جديدًا ومستمرًا من ملامح حالة حقوق الإنسان ومنظماتها في مصر بعد الانقلاب؟!!
وفى مشهد غريب للغاية، ومع تزايد الجدل حول فض اعتصام رابعة والنهضة، إذ بعدد من المنظمات والشخصيات الحقوقية تتصدر مشهد المدافعين والمبررين لاتجاه فض الاعتصامات بالقوة، واجتمعت بعض هذه المنظمات مع وزير الداخلية قبل الفض بأسابيع لمناقشة طرق الفض وتلقى مقتراحاتهم فى فض الاعتصام .
كما طالبت بعض الشخصيات الحقوقية بنفس المطالب، مثل الناشط الحقوقى نجاد البرعى الذى أعلن عن تقديمه دعوى قضائية لفض اعتصام رابعة العدوية، ضد وزير الداخلية ورئيس الجمهورية المؤقت ورئيس الوزراء، لأنهم السلطة المخولة بتنفيذ القانون، وكذلك حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين باعتبارهم الجهات الداعية للاعتصام.
وقال البرعى إن ما يحدث فى ميدان رابعة العدوية لا يمكن توصيفه باعتصام سلمى، وهو أقرب إلى البلطجة وأشار إلى أن الدعوى ترتكز على محاور حماية الملكية الخاصة والعامة، وعدم الإضرار بالأمن القومى، حيث إن ما يحدث من اعتداء على سكان رابعة هو مناقض للمواثيق والعقود الدولية والحريات الخاصة والحق فى السكن والاعتداء على الحرية الشخصية. مشيرا إلى أن الدولة مسئولة فعليا عن تنفيذ القانون، وأنه سوف يطالب بتعويض بمئات الملايين فى حالة عدم تنفيذها القانون .
كما صرح حقوقيون آخرون بتصريحات فى نفس الاتجاه ( بأشكال مختلفة )مثل جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان، ناصر أمين مدير المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة، وداليا زيادة، المدير التنفيذى لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ، محمد زارع رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائى .
الغريب فى الأمر أن عدد من هذه المنظمات لم تكتفى بالتحريض على فض الاعتصامات، بل طالبت بتدريس اجراءات فض رابعة الجامعات المصرية وأكاديميات الشرطة فى الداخل والخارج، وقال محمد عبد المنعم رئيس الاتحاد الوطنى لمنظمات حقوق الإنسان (والذى يضم 19 منظمة حقوقية) أن الشرطة تعاملت بمهنية وحرفية فى فض الاعتصام، مطالبا بتدريس أسلوب فض الاعتصامين بأكاديميات الشرطة بالخارج.وأضاف عبد المنعم بأن الاتحاد كان مفوضا من وزارة الداخلية لمراقبة فض اعتصامى رابعة والنهضة، وأن مراقبى الاتحاد رصدوا شخصيات من حركة حماس الفلسطينية وكتائب عز الدين القسام، وسوريين وباكستانيين، وأن الاتحاد رصد كمية من طلقات الرصاص الحى المصنع فى إسرائيل، بالإضافة إلى أطلاق كميات كبيرة من الرصاص الحى من أعلى الأسطح المحيطة باعتصام رابعة العدوية .
المبحث الرابع
القوى المدنية والمؤسسة العسكرية
لا تزال علاقة كل القوى السياسية (اسلامية كانت أو علمانية ) باالمؤسسة العسكرية، منذ ثورة 25 يناير وحتى انقلاب 3 يوليو 2013، مثيرة للمتابعة والتحليل، لكن مواقف القوى المدنية بالمؤسسة العسكرية تثير تساؤلات أكثر خاصة وأنهم بحكم تعريفهم “قوى مدنية “يفترض فيهم أن يكونوا ضد توغل المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية.لكن المتابع لمواقفهم من المؤسسة العسكرية خلال هذه الفترة ربما ينتهى إلى نتائج صادمة أهمها التساؤل عن ماهية المدنى فى مصر.
فالقوى التى تسمى نفسها “مدنية” لا يمكن تصنيفها بأى حال من الأحوال على أنها مدنية وفقا للتعريف الكلاسيكى المعروف عن كلمة “مدنى “، والذى يعنى “مايقابل العسكرى “، أما من ناحية التعريف الجديد الذى صكوه والذى يعنى أن المدنى يقابله الاسلامى، فهم بذلك مدنيون لكن مدنيون على الاسلاميين فقط.كما قد يجد الباحث نفسه أمام تصنيف جديد القوى الاسلامية فيه هى القوى الوحيدة المدنية فى مصر.ويمكن تحليل مواقف القوى المدنية من المؤسسة العسكرية من خلال عدة محاور كالتالى :
1.القوى المدنية والعسكر خلال الفترة الانتقالية
انقسمت مواقف القوى المدنية فى مصر خلال الفترة الانتقالية الأولى من المؤسسة العسكرية، فأحيانا يحاولون استمالته ومطالبته باطالة الفترة الانتقالية فى مواجهة الاسلاميين، كما أنهم كانوا من المشاركين له فى السلطة (حيث ضمت حكومة عصام شرف عددا من الرموز التى شكلت فيما بعد جبهة الانقاذ مثل حازم الببلاوى ومنير فخرى عبد النور وأحمد البرعى وعلى السلمى وعماد أبو غازى وغيرهم) وأحيانا يهاجموه وفقا لموجات الشارع التى يقودها الشباب المنفصل تنظيميا عن الاحزاب المدنية.لكن الدكتور البرادعى كان أكثر جرأة فى التعبير عن رأيه صراحة وبشكل مبكر (28 فبراير ثم 27 ابريل 2011)، مطالبا بوضع مادة فى الدستور تجعل الجيش حاميا للدولة المدنية، وبرر ذلك بالخوف من تحول مصر إلى دولة دينية فى حالة صعود الاسلاميين إلى السلطة، كما طالب باطالة الفترة الانتقالية قائلا” أقدر المجلس العسكرى، ولكن علينا ألا نستعجل الفترة الانتقالية بعد عقود من نظام قمعى، فالشباب غير جاهز لخوض الانتخابات والاسلاميون وحدهم هم الجاهزون ولا بد أن نحقق توازنا” .
ومع قرب الانتخابات البرلمانية فى سبتمبر 2011، طالبت القوى المدنية بوضع وثيقة لما أسموه “المبادئ فوق دستورية” (26 يونيو 2012) التى تضمن مدنية وديمقراطية الدولة وتكون ملزمة للجنة التى ستقوم بوضع الدستور فى مصر بعد الانتخابات البرلمانية المقررة ينتظر أن يفوز فيها الاسلاميون، على اختلاف اتجاهاتهم، بعدد مؤثر من المقاعد، وبالتالي سيكون لهم تأثير كبير عند وضع الدستور الجديد لمصر.وبدأ الجميع يتسابق فى طرح وثائق فى هذا الشأن بما فيهم الاسلاميون الذى كانوا منضوين تحت تحالف يسمى “التحالف الديموقراطى”.
وكان البرادعى من أوائل المطالبين بفكرة وثيقة ملزمة لمن يكتبون الدستور، وطرح وثيقة سماها”وثيقة المبادئ والحقوق الأساسية”، أكدت على حرية الرأى والتعبير والمساواة والمواطنة…ألخ ولم يتطرق فيها إلى وضع خاص للمؤسسة العسكرية، لكن قوى مدنية أخرى طرحت وثائق أخرى (وثيقة المجلس الوطنى ووثيقة البسطويسى ) نصت فى مواد منها على ضرورة تدخل المؤسسة العسكرية لحماية النظام المدنى الديموقراطى من أى تشريع يمكن أن يصدر عن البرلمان يهدد مدنية الدولة، كما نصت على وضع خاص للمؤسسة العسكرية من حيث التشريع والموازنة .
وحاول التحالف الديموقراطى الذى تأسس فى يونيو ويضم 11 حزب، أهمهم الحرية والعدالة والوفد والكرامة، مجاراة الأمر من باب التطمينات مع رفضه كلمة فوق دستورية ومع تأكيده أيضا على الصفة الاسترشادية وليس الالزامية للوثيقة، وفى هذا السياق طرح التحالف وثيقة من 38 مادة تنص على حماية الحقوق والحريات والتعددية والتدوال السلمى للسلطة والمواطنة( ).
وفيما يتلعق بالجيش نصت وثيقة التحالف على وظيفة الجيش الأساسية وهى حماية الحدود ولم تضع له أى وضعية استثنائية كما فى الوثائق الأخرى التى طرحت، بل أضافت نصا يمنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وهو ما أفتقرت اليه الوثائق الأخرى.كما حضر التحالف اجتمعات عديدة دعا اليها نائب رئيس الوزراء على السلمى لمناقشة الوثائق المعروضة والوصول إلى صيغة توافقية تجمع ما جاء فى كل الوثائق المطروحة من تيارات عدة.
وفى خطوة منفردة أعد على السلمى نسخة نهائية من الوثيقة تحت عنوان” وثيقة المبادىء الأساسية للدستور ، وطرح بها مادتين مثيرتين للجدل(البند التاسع والعاشر ) فيما يخص وضع القوات المسلحة، تنص على استقلال المؤسسة العسكرية تشريعيا وماليا ويمنع رقابة البرلمان على الموازنة العسكرية، وجاء فيهما (ويختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر فى كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها على أن يتم إدراجها رقماً واحداً فى موازنة الدولة، كما يختص دون غيره بالموافقة على أى تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره.ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الشعب).
وهو ما رفضته القوى الحزبية المكونة للتحالف الديموقراطى وعلى رأسهم الاخوان المسلمين، وأصدروا بيانا شديد اللهجة لرفض الوثيقة، وأمهلوا المجلس العسكرى والحكومة حتى يوم الأربعاء الموافق (16 نوفمير) لسحب الوثيقة، كما دعا التحالف لمليونية تحت شعار “لا لوثيقة السلمى “، يوم الجمعة 18 نوفمبر 2011، وهو ما اضطر الأحزاب المدنية إلى رفض الوثيقة ولكن على استيحاء ورفضوا المشاركة فى مليونية رفض الوثيقة، كما دعا البرادعى إلى تعديل الوثيقة فيما يخص المادة التاسعة، وهو ما اضطر الحكومة إلى التراجع وتعديل مواد القوات المسلحة وحذف كلمة مدنية من المادة الأولى ( ).
2.جبهة الانقاذ والجيش فى فترة مرسى
أما خلال الفترة التى حكم فيها الرئيس محمد مرسى ابتداء من 30 يونيو 2012 وحتى 30 يونيو، فقد كانت علاقة القوى المدنية بالمؤسسة العسكرية محل شكوك وتساؤلات عديد تم التأكد منها بعد الانقلاب، وفقد بدأت القوى المدنية فى توحيد صفوفوها فى اطار كيان جديد يسمى جبهة الإنقاذ (التى ضمت شتى أطياف العلمانيين فى مصر )، وقد تأسست عقب الاعلان الدستورى الذى اعلنه الرئيس محمد مرسى فى 22 نوفمير 2012، وحصن فيه الجمعية التأسيسية بعد مد فترة عملها لشهرين اضافيين، وعزل فيه النائب العام وأعاد محاكمات رموز مبارك وحصن قرارته السيادية من تعرض القضاة، وهو ما أعترضت عليه القوى المدنية رغم مطالبهم السابقة بعزل النائب العام ومد فترة عمل التأسيسية .
وبدأت هذه القوى تروج لخطاب الانتخابات المبكرة، ولم يتوارى الجيش من خطابها السياسى، بل حاولت استدعائه أكثر مرة لحسم الخلاف السياسى مع الرئيس محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، فأعلنوا شعار لا حوار مع الرئيس، فى ظل دعوات متكررة منه للحوار معهم، إلا أنهم كانوا يشترطون تحقيق مطالبهم أولا قبل الحوار باقالة الحكومة والنائب العام وتكوين جمعية تأسيسية جديدة، وهو ما كان يقابل بالرفض من الرئاسة..ويمكن رصد مواقف جبهة الإنقاذ من الجيش فى فترة مرسى من خلال المحاور الآتية:
3.قبول دعوة الجيش للحوار وارهاصات التنسيق:
فى موقف غير مألوف، دعت المؤسسة العسكرية القوى المعارضة لحوار وطنى يوم 12 ديسمبر 2012، وعلى الفور (خلال ساعات) وافقت جبهة الانقاذ على الحضور، وهو ما سبب حرجا للرئيس مرسى حيث أن هذه القوى ترفض دعواته باستمرار، فطالب القوات المسلحة بالغاء هذا الحوار، وبالفعل ألغى .وكانت أهم دلالة لهذا الحدث أن ثمة علاقة ما أو اتصال مباشر أو غير مباشر بين هذه القوى والجيش وهو ما تأكد بعد الانقلاب.فقد ذكرت صحيفة وال ستريت جورنال (12يوليو 2014) فى تحقيق تحت عنوان «الدولة العميقة تعود في مصر مرة أخرى» ، إنه قبل عدة أشهر من إطاحة الجيش بالرئيس المعزول، محمد مرسي، اجتمع كبار الجنرالات في البلاد، بشكل منتظم، مع قادة المعارضة، مضيفة أن رسالة هؤلاء الجنرالات كانت “إذا استطاعت المعارضة حشد عدد كافٍ من المتظاهرين في الشوارع فإن الجيش سيتدخل، وسيعزل مرسي بشكل قسري”، حسب الصحيفة.
وأضافت الصحيفة، في تقرير مطول، أنه من بين حاضري الاجتماعات من القوى المعارضة، كان الدكتور محمد البرادعي، مؤسس حزب الدستور، وعمرو موسى، رئيس حزب المؤتمر، وحمدين صباحي، مؤسس التيار الشعبي، وذلك وفقا لأحمد سميح، الذي عرفته الصحيفة بأنه أحد المقربين من العديد من رموز المعارضة الذين حضروا هذه الاجتماعات، والدكتورة رباب المهدي، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، وآخرون ممن هم على مقربة من كبار أعضاء جبهة الإنقاذ الوطني.ونقلت الصحيفة عن “سميح” قوله إن “المعارضة طرحت سؤالاً بسيطاً على الجيش، وهو ما إذا كان سيكون معها هذه المرة أم لا، وهو الأمر الذي أكد عليه الجنرالات.
وأوضحت الصحيفة أنه مع اقتراب الإطاحة بمرسي، زادت اللقاءات بين الجيش والمعارضة، مشيرة إلى أن بعض هذه الاجتماعات عقدت في نادي ضباط القوات البحرية، والتي قال فيها أحد الجنرالات إنه في حال تظاهر عدد كاف من المصريين في الشوارع، فلن يكون للجيش خيار سوى التدخل، والقيام بمثل ما حدث مع مبارك، وذلك وفقاً لعدة نشطاء مقربين من البرادعي، ومسؤولين أمريكيين.
واعتبرت الصحيفة أن اجتماع الجنرالات، وزعماء المعارضة، يكشف عن عمل “الدولة العميقة” في البلاد، قائلة إن اللقاءات السرية بين أحزاب المعارضة العلمانية، والمؤسسة العسكرية كانت أساس «لعبة الشطرنج السياسي» التي أدت لعزل مرسي، معتبرة أن هذه الاجتماعات مثلت “تقارب غريب” بين مجموعتين على خلاف قديم، وهما المعارضة، وبقايا نظام مبارك، فكلاهما يرى في مرسى أيديولوجيته تهديدا لمصالحه.
وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولي عهد مبارك والمعارضة بدأوا إصلاح العلاقات في نوفمبر الماضي بعد أن أصدر مرسي الإعلان الدستوري الذي منحه صلاحيات واسعة، ما أدى إلى اتحاد أحزاب المعارضة تحت راية جبهة الإنقاذ الوطني، بقيادة البرادعي. وأوضحت أنه رغم عدم ثقة الموالين لمبارك في البرادعي، فإن إعلان مرسي الدستوري أذاب الجليد بينهم، حيث انضم بعض الشخصيات المؤثرة في عهد مبارك للجبهة، بما في ذلك هاني سري الدين، الذي عرفته الصحيفة بأنه محامي أحمد عز.ورأت الصحيفة أن الجانبين كانا بحاجة لبعضهما البعض، فقد كانت أحزاب المعارضة تحظى بمصداقية شعبية، على عكس مسؤولي عهد مبارك، فيما جلب الآخرون الأموال والنفوذ على بيروقراطية الدولة.
ونقلت الصحيفة عن نائب سابق من الحزب الوطني الديمقراطي، يدعى لطفي شحاته، قوله إنه «قاد حملة لدعم حركة تمرد في الزقازيق، باستخدام نفس الشبكات السياسية التي جعلته يفوز بمقعده في البرلمان في عهد مبارك».وأشارت الصحيفة إلى أنه في الفترة التي سبقت يوم 30 يونيو، زاد التحريض ضد الإخوان، وحينما طلبت الجماعة رسمياً من وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، حماية مكاتبهم، رفض الأخير الطلب بشكل علني.
ولفتت إلى أن «إبراهيم» واجه ضغطاً من الشخصيات القوية في معسكر مبارك السابق، ففي 24 يونيو، قال الفريق أحمد شفيق، في مقابلة تليفزيونية، إنه حذر إبراهيم من عدم إظهار الدعم للإخوان، وبعد أيام، تحققت تحذيرات شفيق، حينما بدأ مجموعة من المسلحين في تحطيم مقار الجماعة.ورأت الصحيفة أن التقارير التي تفيد بأن الإطاحة بمرسي تم التخطيط لها مسبقاً، سيكون لها تداعيات على المساعدات الأمريكية لمصر.
4.دلائل التنسيق بين المعارضة والجيش (وشهد أهلها):
لم ينفى احد من قوى المعارضة ما قالته صحيفة وال ستريت جورنال، بل ظهرت دلائل عدة فيما بعد تشير إلى صحة ما قالته الصحيفة الأجنبية في يوم 12 يوليو، فقد أكدت شخصيات مدنية عديدة بعد الانقلاب مثل هذه الاجتماعات والتنسيقات بين الجيش والمعارضة، ومنهم د.منى مكرم عبيد التى صرحت بعد الانقلاب بأسابيع بقيام الجيش بطلبهم يوم 30 يونيو صباحا فى الساعة الحادية عشر صباحا (قبل بداية توافد الجماهير للميدان أصلا والتى بدأت فى التوافد منذ الساعة الثالثة عصرا) وطالبهم الجيش ساعتها بكتابة بيان للشعب.
وقالت منى عبيد في محاضرة ألقتها بـمعهد الشرق الأوسط بأمريكا “في صباح يوم 30 يونيه تمت دعوتي إلي اجتماع في بيت الوزير السابق حسب الله الكفراوي وبحضور فؤاد علام – نائب رئيس جهاز أمن الدولة السابق- والكاتب الصحفى سعد هجرس بخلاف 10 إلي 12 شخص آخرين يمثلون العمال والنقابات”. وتابعت “وكنا كلنا متعجبين من سبب وجودنا، فأخبرنا الكفراوي أنهم كانوا على اتصال بالجيش، ومع كل من البابا وشيخ الأزهر، هذا بخلاف الفريق السيسي، وقد طلب منهم الجيش أن يتبنوا مطلب شعبي، لكي يتدخلوا ويمنعوا حمام دم كارثي، وصياغة مطلب يبدو وكأنه من الشعب ويوحي بالخطورة ليستجلب تعاطف الآخرين.فكتبناه بسرعة جدا، لأنه كان مطلوب منا أن نسلمه قبل الثالثة عصرا.. في ذلك اليوم ونظرا لضيق الوقت المحدد لنا حصلنا علي موافقة 50 شخصية أخري، مثل تهاني الجبالي وجابر نصار، وأرسلنا البيان إلي القوات المسلحة قبل الثالثة عصرا .
وأوضحت أن ما صاغوه في هذا المطلب نفس ما جاء تقريبا في خطاب السيسي الأول، حيث ذكرت أن جزء من النص كان: “لقد أعطيت الجميع أسبوعا واحدا لحل المشاكل وأن يصلوا إلي حل وسط وإلا فإنكم ستتدخلون لمنع حمام دم، ونحن نطالبكم، بأن توفوا تعهدكم لنا، لأننا علي حافة حرب أهلية، وحمام دم حقيقي”.أما حسب الله الكفراوى نفسه فقد أكد اتصاله هو الآخر بالجيش وبالأخص بالفريق السيسى قبل 3 يوليو بحوالى شهرين(منتصف مايو 2013 تقريبا).
وقال فى حوار تلفزيونى أنه قام بزيارة لشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، وعرض عليه فكرة اصدار بيان للامة من خلال “بيت العائلة ” يتضمن الآتى تعديل المواد المختلف عليها فى الدستور بواسطة خبراء من أساتذة القانون الدستورى فى خلال ساعات، واقالة الحكومة واجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على أن ينتهى البيان بمناشدة الجيش مساندة هذه الطلبات.ثم قام الكفرواى بعرض الفكرة على بابا الكنسية تواضروس الثانى ووافق عليها، فذهب الكفرواى بصحبة الدكتور يحى الجمل للقاء السيسى فى اليوم التالى وعرضوا عليه المبادرة فوافق على دعم الجيش لهذه المبادرة ووعده بأن يكون مسؤل عن هذا أمام الله والقانون والتاريخ
كما أكد الإتصال بالجيش وقياداته، د.على السلمى، نائب رئيس الوزاراء الأسبق فى حكومة عصام شرف، وحكى السلمى فى حوار تلفزيونى ما قاله السيسى فى احدى اللقاءات التى دعاهم لها الجيش هو ومجموعة من الفنانين فى ابريل 2013 وهو اللقاء الشهير الذى صرح فيه السيسى بضرورة الحذر من الدعوات التى تطالبه بالتدخل مفضلا أن يقف المتخاصمون أمام صناديق الانتخابات بالساعات أفضل من العودة (فى حالة تدخل الجيش ونزوله الشارع) بمصر ثلاثين أو أربعين عاما للوراء.
وأكد السلمي، صاحب الوثيقة الشهيرة “بوثيقة السلمى” إن خطاب عبد الفتاح السيسي، في أبريل 2013 مع الفنانين والمثقفين كان بمثابة “دش بارد” على رءوس الجميع، الذين كانوا ينتظرون منه خطابا أكثر وضوحا حول تدخل الجيش في الشأن السياسي. وأشار إلى محادثة دارت بين السيسي والمحامى رجائى عطية والفنان عادل إمام حول توقيت تدخله فى المشهد ليخلصهم من الإخوان، فطمأنهم السيسي جميعا قائلا للحاضرين خلال حفل غداء ذلك اليوم” لا تستعجلوا..لا تستعجلوا….لا تستعجلوا…..”.
الغريب فى الأمر أن مذيع البرنامج “حمدي رزق” قام بالاستدارك على السلمى قائلا”أنت بذلك تقر بأن السيسي كانت لديه نوايا انقلابية”.فرد عليه السلمى مبررا “لا ليست هذه نوايا انقلابية وإنما رؤية لما سوف يحدث “.وحول تفسيره لما قاله السيسى فى هذا اليوم من كلام يوحى بابتعاد الجيش عن المشهد قال السلمى إن ذلك كان غرضه التمويه الاستراتيجى لا أكثر
5.دعم الجيش للأحزاب المدنية وبعض الحركات الشبابية:
وربما تتضح الصورة أكثر فأكثر حول حقيقة علاقة الأحزاب والقوى المدنية بالمؤسسة العسكرية، إذا علمنا أن الجيش قام بالفعل بدعم عديد من الأحزاب المدنية بعد الثورة بأشكال مختلفة بما فيها الدعم المادى بهدف مواجهة الأخوان المسلمين.ولعل تصريحات اللواء سامح سيف اليزل كاشفة في هذا الشأن والتى أكدها الفريق السيسى فيما بعد.وكان اليزل، مدير مركز الجمهورية للدراسات السياسية والأمنية، قد صرح في حوار تلفزيونى بأن القوات المسلحة ساعدت عددًا من الأحزاب السياسية بالمال لمواجهة جماعة الإخوان في انتخابات برلمان 2012 كما دعمت ائتلافات شبابية بملايين الجنيهات لتشكل نفسها وتكون قوة على الساحة السياسية وهو ما لم تنفيه الأحزاب المدنية نفسها .
الغريب في الامر أن هذه التصريحات قد جاء تأكيدها على لسان الفريق السيسى نفسه في حواره مع رؤساء تحرير الصحف في اطار لقاءاته المقررة ضمن حملته الرئاسية. ولكنها جاءت أكثر تحديدا من الناحية الزمنية.ونقل محمد عبد الهادى علام رئيس تحرير جريدة الاهرام، وعماد الدين حسين رئيس تحرير جريدة الشروق جزءا من كلام السيسى بخصوص هذا الامر، وقالا فى حوار تليفزيونى “إن السيسى وقيادات بالجيش اجتمعوا مع قادة الأحزاب المدنية بعد سقوط مبارك وبعض الشباب ممكن كانوا فى ميدان التحرير، وحذرهم من القدرة التنظيمية لجماعة الاخوان وخطورة ذلك على مستقبل البلد وعرض عليهم استعداده لمساعدتهم للتصدى لمشروع جماعة الاخوان المسلمين، وهو ما لم تنفه أيضا الاحزاب المدنية الأمر الذى يثير تساؤلات عدة حول علاقة هذه الأحزاب بالمؤسسة العسكرية منذ البداية وليس فى مشهد 3 يوليو فقط .
6ـ جبهة الانقاذ والبيان رقم (1):
بعد كل هذا يمكننا ببساطة أن نفهم الدعوة التى اطلقتها جبهة الانقاذ فى مساء يوم 30 يونيو، والتى أعلنت فيه سقوط شرعية الرئيس مرسى، وقالت الجبهة فى البيان الذى أطلقت عليه “البيان الاول للثورة «باسم الشعب المصري بكل طوائفه تعلن جبهة الإنقاذ الوطني تصديق الجماهير على سقوط نظام محمد مرسي وجماعة الإخوان».وأضافت «الشعب المصري مستمر في استكمال ثورته، وسيفرض إرادته التي وضحت بجلاء في جميع ميادين تحرير مصر، كما أن جبهة الإنقاذ على ثقة بأن الشعب المصري سيحمي ثورته حتى يتم الانتقال السلمي للسلطة».وتابع البيان «نهيب بجميع القوى الثورية وجميع المواطنين أن يستمروا في البقاء السلمي في جميع ميادين وشوارع وقرى ونجوع البلاد والامتناع عن التعامل مع الحكومة الإخوانية (الساقطة) حتى سقوط آخر معاقل هذا التنظيم المستبد».
ورغم أن الجبهة لم تطالب فى البيان صراحة بتدخل الجيش إلا أن حمدين صباحى القيادى بجبهة الإنقاذ طالب بتدخل الجيش وتحديد موقفه بشكل واضح.وقال صباحى فى مداخلة هاتفية ببرنامج “الموضوع” على قناة “الحياة” يوم 30 يونيو مساء، إن “مصر في حالة شعبية بامتياز، والملايين في الشوارع أكثر من ثورة 25 يناير، مؤكدًا أن الشعب الآن ينتظر البيان رقم (1) للقوات المسلحة”.وأضاف “إن التقليد الرئيسي لدى القوات المسلحة هو احترام إرادة الشعب وأن على القوات المسلحة أن تحدد موقفها الآن، بعد أن رأت الحشود العظيمة في شوارع وميادين مصر” .وهذا ما يفسر ترحيب جبهة الإنقاذ بالبيان التهديدى الذى صدر من الجيش فى اليوم التالى (1 يوليو) وقرر منح الرئيس مهلة 48 ساعة وإلا سيتدخل، وهذا ما رحبت به جبهة الانقاذ وقالت انه استجابة لارادة الشعب .
كما يمكننا أن نفهم ببساطة مشاركة أكبر رمز ليبرالى فى مصر (الدكتور البرادعى ) فى مشهد الإنقلاب الأخير فى 3 يوليو بجوار الجنرالات ورجال دين يمثلون مؤسسات دينية كبيرة فى مصر (الأزهر والكنيسة )، فى مشهد من مشاهد العصور الوسطى بامتياز، ثم مشاركتهم فى السلطة التى أتت على ظهر الدبابات، من خلال حكومة الببلاوى التى ضمت رموز عديدة من جبهة الانقاذ برئاسة الببلاوى، وهذه الحكومة هى التى اتخذت قرار أكبر مجرزة فى التاريخ المصرى المعاصر (مجرزة رابعة والنهضة ).فضلا عن تضييقهم على الحريات العامة فيما بعد من خلال اصدار قانون التظاهر، وقمع المعارضين حتى ممن شاركوا فى تظاهرات 30 يونيو التى شكلت غطاء شعبيا للإنقلاب العسكرى، كما يمكننا أن نفهم حتى لماذا وافقت جبهة الانقاذ على الانقلاب على المطلب الرئيس الأوحد للمتظاهرين وهو الانتخابات المبكرة، وهو مطلب لم ينفذ وإنما فرضت خارطة طريق جديدة تجاوزت العام حتى اجراء انتخابات رئاسية.
7.المدنيون وعسكرة الدستور
تم تشكيل لجنة معينة من خمسين عضوا بعد الانقلاب لاجراء تعديلات دستورية كانت موضع رفض القوى المدنية فى الدستور السابق (بلغت 15 إلى 20 مادة وفقا لما أعلنوا سابقا )، لكن هذه اللجنة لم تضم سواهم، فتشكل أغلبها من تيار سياسى واحد وهم أحزاب جبهة الانقاذ، مع تمثيل رمزى لحزب النور بمقعد واحد (كانوا ينتقدون الجمعية التأسيسة السابقة ويصفون تشكيلها بالغير متوازن، ويتهمون الاسلاميين بالهيمنة والغلبة رغم أنها شكلت بالتوافق بينهم 50% تيار اسلامى و50% تيار مدنى ).ورغم ذلك خرج المنتج النهائى للدستور( الذى كتبه المدنيون) وكأنه دستور المؤسسة العسكرية وليس دستور دولة مصر، لما فيه من وصاية عسكرية واضحة تجعل الجيش دولة فوق الدولة وليس حتى دولة داخل الدولة، فقد وضعوا مادة تجعل تعيين وزير الدفاع حق للجيش وليس للرئيس لمدة ثمانية سنوات، وهى مادة ليست موجودة فى دستور أى دولة فى العالم حتى المتخلفة وربما جمهوريات الموز.مما فرض وصاية عسكرية صريحة على الدولة المصرية لمدة ثمانى سنوات، هذا بالاضافة للميزانية العسكرية التى ظلت محمية من الرقابة والمناقشة فى البرلمان ، كما تم التوسع فى مادة محاكمات المدنيين عسكريا فى الدستور الجديد حتى وصل الأمر إلى احالة المتشاجر مع ضابط جيش فى محطة بنزين تابعة للجيش إلى المحاكمة العسكرية(رغم انتقادهم لنفس المادة التى كانت أضيق من ذلك فى الدستور السابق 2012).
8.طرائف القوى المدنية وتزوير الدستور
ومن الطريف فى الأمر أن أحد أعضاء اللجنة التأسيسية من رموز التيار المدنى (محمد أبو الغار)، قد صرح بأمر خطير جدا متعلق بتزوير ديباجة الدستور النهائية بعد الانتهاء من التوصيت عليه وانتهاء عمل الجمعية التأسيسية، وقال أبو الغار في تصريحات تليفزيونية (( كانت المادة التي تتحدث عن مدنية الدولة مثار خلاف بين أعضاء اللجنة وحينها قال لنا ممثل الكنيسة إنه ليس لديه مشكلة في تلك المادة,وقتها تدخل المفتي وقال نكتبها “مصر حكمها مدني”، وهو ما رحبنا به بالتصفيق وقلنا إن المشكلة قد تم حلها، وحينما بدأنا التصويت، قرأ عمرو موسي المادة قائلا ” مصر حكمها مدني” ونظرنا في المواد التي في يدنا فوجدناها “حكمها مدني” وانتهينا من التصويت.أما المفاجأة فكانت فى لقاء العشاء الذى أعدته القوات المسلحة ودعتنا إليه، وحينما انتهينا وزعوا علينا نسخة جيدة وعليها علم مصر من الدستور وقالوا لنا تلك هي النسخة التي سيتم تقديمها للرئيس، وقتها قام ممثل الكنيسة الكاثوليكية بفتح هذه النسخة ووجد أن تلك المادة تم تغييرها من “حكمها مدني” إلي “حكومتها مدنية”.وتابع أبو الغار “اتضح فيما بعد أن اتفاقا أجرى بين عدد قليل من أعضاء اللجنة لتمرير تلك المادة من وراء الأعضاء ومن ضمن هؤلاء الذين تم الاتفاق معهم عمرو موسي “.ورفض أبو الغار اقتراح البعض بفضح الأمر، بكتابة بيان وتوزيعها علي وسائل الإعلام، حتى لا تتأثر عملية الاستفتاء، قائلا “مش عايز ألخبط الدنيا في الاستفتاء” ولكنه “عك وخلاص” وعدينا)) .
9.عندما يرشح المدنيون عسكريا (اسدال الستار)؟؟؟
كانت جبهة الإنقاذ تلتف حول مجموعة من الرموز المدنية أبرزها الدكتور البرادعى وحمدين صباحى، وكان للرجلين وزنا نسبىا واضحا داخل جبهة الإنقاذ، لكن مواقف الجبهة تغيرت بشكل حاد تجاههما بعد 3 يوليو وحتى فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة المقررة وفقا لخارطة الطريقة التى أعلنها قائد الإنقلاب العسكرى عبد الفتاح السيسى يوم 3 يوليو (بعد أن تم تعديلها فيما بعد لتصبح الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية على عكس الخارطة الاولى).فالبرادعى قدم استقالته من منصب نائب الرئيس للشؤون الخارجية احتجاجا على فض الاعتصام بالقوة، وهو ما لم يعجب قيادات جبهة الإنقاذ ومعظم القوى المدنية فانهالت عليه الانتقادات والاتهامات بالخيانة والعمالة ووصل الأمر إلى تحريك دعوى قضائية تتهم البرادعى بخيانة الأمانة والهروب من المسؤلية .
أما حمدين صباحى مرشح الجبهة للإنتخابات قبل 3 يوليو، فقد تخلت عنه جبهة الإنقاذ ومعظم الاحزاب المدنية رغم مشاركته فى الانقلاب ومطالبته مساء يوم 30 يونيه القوات المسلحة باصدار البيان الأول واعلان تدخلها لعزل مرسى.كما أن موقفه من فض اعتصام رابعة العدوية لم يكن حادا وقتها ضد السلطة واكتفى بالقول بأن قوات الأمن أفرطت فى استخدام القوة، ثم تراجع بعد ذلك عن تلك التصريحات قائلا”إن قرار فض الاعتصام كان صائبا والإخوان يتحملون مسؤلية الدماء التى سالت” .
ورغم ذلك إلا أن كثير من قيادات جبهة الإنقاذ والاحزاب المدنية أخذت تلح على قائد الإنقلاب ليترشح للرئاسة بعد أن أعلن عدم نيته خوض الانتخابات الرئاسية حتى لا يقال أن الجيش طامع فى السلطة.وما أن قرر الفريق السيسى التراجع عن قراره السابق والترشح للانتخابات الرئاسية حتى سارعت مئات من الشخصيات العامة وعشرات الأحزاب المدنية فى المباركة والتأييد والتبرير لتراجعه فى قسمه السابق بعدم الدخول فى منافسة انتخابية، وبدأت تروج لمقولة “التراجع الضرورى” تحت دعاوى مختلفة منها “محاربة الإرهاب” “والتأييد الشعبى الجارف “والإستجابة للإرادة الشعبية “، وليس من قبيل الكذب أو النفاق الذى رموا به الأخوان المسلمين سابقا عندما تراجعوا عن قرار عدم المنافسة فى الإنتخابات الرئاسية .
ولم تكتفى قيادات جبهة الإنقاذ بدعم السيسى علانية والتخلى عن صباحى الذى قرر خوض الانتخابات أمام الفريق السيسى فى مشهد كاد يقترب من المسرحية الهزلية منه إلى الانتخابات التنافسية خاصة بعد مقاطعة عدد من المرشحين المشاركين فى انتخابات 2012 مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وخالد على وباسم خفاجى احتجاجا على عملية الانتخابات نفسها التى تبدو أقرب لحالة شرعنة الإنقلاب منها إلى انتخابات حقيقة، ويظهر دور حمدين صباحى فيها أقرب إلى دور الكومبارس فى الأفلام السينمائية خاصة وأن صباحى نفسه كان من المرحبين بالدعوات التى تطالب بترشيح السيسى للرئاسة والتراجع عن قراره السابق وأكد أكثر من مرة أنه سيصوت له إذا نزل الانتخابات ثم تراجع عن هذه التصريحات على استحياء ثم عاد لنفس التصريحات أكثر من مرة .كما لم تقتصر قيادت جبهة الإنقاذ ورموز التيار المدنى على دعم السيسى بل هاجمت حمدين صباحى بشكل شرس من مداخل مختلفة، فتارة يقولون إن السيسى رجل المرحلة وليس صباحى، وتارة يقولون إن حمدين ليس رجل دولة، وتارة يتهمه البعض بالتناقض فى خطابه، حتى وصل الامر إلى وصف خطابه السياسى “بالهرتلة ” وجاء هذا على لسان نبيل زكى، المتحدث الرسمى باسم حزب التجمع، أحد احزاب جبهة الإنقاذ التى أعلنت تأييده للفريق عبدالفتاح السيسي.أما السيد البدوى رئيس حزب الوفد أحد أكبر الأحزاب المشكلة لجبهة الإنقاذ، فقد أكد دعمه للسيسى مشيرا إلى صباحى أخطأ فى الترشح للرئاسة، لأن المرحلة الحالية لا تحتمل الرهان، أما الدكتور أسامة الغزالي حرب، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، فصرح بإنه يفضل دعم “السيسي” مرشحًا للرئاسة، مشيرًا إلى أن لقب “مرشح الثورة” أكبر من “صباحي”.وأبدى الدكتور علي السلمي، نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، اعتراضه علي ترشح “صباحي” للرئاسة، قائلا: “صباحي لا يصلح وهو غير كفء، والمصريون لم يختبروه، كما أنه فشل في إدارة حملته الانتخابية ومواقفه تحمل نزعة شخصية” .
ملاحظات ختامية ومقولات تفسيرية
من هذا العرض السابق يمكننا تأكيد بعض المقولات التى تصلح لتفسير المشهد السياسى فى مصر منذ ثورة يناير وحتى الآن وربما تكون صالح لتفسير ما هو قادم، كالتالى:
أولا: هناك مفهوم جديد للمدنى يبنى على الأرض منذ الثورة وحتى الآن، ويشكل الإطار النظرى الذى يمكن من خلاله تفسير مواقف القوى “المدنية” مما يجرى فى مصر منذ الثورة وحتى الإنقلاب، ومشكلة هذا المفهوم الجديد أنه لا ينصرف إلى العسكرى كما هو متعارف عليه، وإنما ينصرف إلى الإسلامى بهدف استبعاده واستئصاله حتى لو كان بمساعدة العسكرى، وبالتالى يتم تفريغ المفهوم من مضمونه الأساسى ليحل محله معنى ومضمون جديد بطريقة القسر وليس الإصطلاح.
ثانيا: إن هذا المفهوم الجديد لم يستخدم فقط للمحاججة النظرية أو الجدال الأكاديمى، وإنما كأداة من أدوات الصراع على الأرض بين القوى العلمانية والإسلامية، ومن ثم فالانتباه إلى عالم المفاهيم أمر فى غاية الخطورة وإعادة النظر فى هذه المفاهيم وتفكيكها وإعادة بنائها مرة أخرى على الأرض أمر فى غاية الأهمية للعودة به إلى اصوله المرعية وفق قواعد جديدة للعلاقات المدنية العسكرية، تحفظ للمدنى سلطته وللعسكرى هيبته.
ثالثا: الخطاب الحقوقى فى مصر (الرسمى وغير الرسمى ) مسيس إلى أقصى درجة ومخترق أمنيا، ولا يوجد مؤسسات حقوقية فى مصر يمكن وصفها “بالمستقلة”، باستنثاء بعض الناشطين الذين يعلمون فى المجال بشكل فردى، الامر الذى يتطلب إعادة النظر فى خريطة هذه المؤسسات والمنظمات الحقوقية بشكل جذرى.
رابعا: إن انضمام منظمات مجمتع مدنى(مثل المنظمات الحقوقية) إلى حملة المحرضين على فض اعتصام رابعة حتى وصل الأمر بهم إلى المطالبة بتدريس اجراءات فض رابعة (التى وصفتها هيومان رايتس بانها أكبر حادثة قتل جماعى فى تاربخ مصر الحديث ) فى الجامعات والمنظمات الدولية وأكاديمات الشرطة فى العالم، أصاب مفهوم المدنى بطعنة شديدة ربما تمثل عند مستوى النظر والتحليل بمثابة القشة التى قسمت ظهر البعير، فمفهوم المدنى يعنى فى مستوى من مستوياته (الثلاث)، غير الرسمى أو غير الحكومى، وعادة ما تعمل منظمات المجتمع المدنى فى مجال مشاكس للحكومات عن طريق رصد الانتهاكات التى تحدث من المؤسسات الرسمية ضد المدنيين (المواطنين) وتصعيد المطالب الحقوقية فى مواجهة الأنظمة السياسية.لكن ما حدث فى مصر وبالأخص بعد الإنقلاب أن غير الرسمى إلتحف بشكل غير عادى مع الرسمى، بل فى بعض الأحيان كان خطاب المنظمات الحقوقية أكثر شراسة من الخطاب الحكومى ومثال ذلك اتهامهم للسلطات الإنقلابية أكثر من مرة بالتخاذل والتباطىء فى فض اعتصام رابعة.
الغريب فى الأمر أن عدد من هذه المنظمات والشخصيات الحقوقية قد ذاق مرار استبداد السلطة العسكرية، فيما يعرف بقضية “التمويل الأجنبى”، حيث اتهمت عدة منظمات وشخصيات حقوقية أجنبية ومصرية، بمجموعة من التهم تتعلق بتأسيس وإدارة فروع لمنظمات دولية بدون ترخيص من الحكومة المصرية، وتسلم وقبول تمويل أجنبي من الخارج بغرض إدارة فروع هذه المنظمات الدولية، بما يخل بسيادة الدولة المصرية.الألطف من ذلك أن أحد المتهمين فى هذه القضية (ناصر أمين ) قد تم تعيينه بعد 3 يوليو عضوا فى المجلس القومى لحقوق الإنسان، وهو الذى أشرف على التقرير الحقوقى الذى صدر من المجلس والذى وصفه أعضاء من داخل المجلس أنفسهم بالمنحاز للسلطة عن طريق استبعاد شهادات وأحداث ومعلومات وتفاصيل هامة وربما محورية كمشاركة قوات الجيش فى عملية الفض وهو ما استبعده التقرير ولم يتحدث عنه.
خامسا: إن مراجعة الأحداث على طريقة الفلاش باك بشكل مركز، تشير إلى أن خطاب القوى المدنية لا يمكن فهمه بعيدا عن مواقفها الملتحفة بالمؤسسة العسكرية منذ الثورة وحتى الإنقلاب (ليس مرتبطا بأداء الرئيس مرسي أو الاخوان كما يزعمون)، فقد كان الخطاب “المدنى” واضحا منذ البداية، من حيث تحديد خصومه وأصدقائه وأدواته فى التخلص أو التقرب من الصديق والخصم، فخصوم المدنيون واضحين وهم الإسلاميون، والإلتحاف بالمؤسسة العسكرية هو الأداة لأزاحتهم وليس الانتخابات.
فتارة يطالبون المجلس العسكرى باطالة الفترة الإنتقالية وتأجيل الإنتخابات خشية سيطرة الإسلاميين على المؤسسات المنتخبة لارتفاع شعبيتهم، ويستجيب المجلس بالفعل لتصل الفترة الانتقالية إلى عام ونصف (وكان يمكن أن يزيد لولا الضغط الشعبي)، وتارة يطالبون بوضع مادة فى الدستور تجعل الجيش حاميا للدولة المدنية. يلبون ويستجيبون لدعوة وزير الدفاع للحوار فى غضون ساعات بينما يرفضون دعوات رئيس وزير الدفاع (الرئيس مرسى ) المتكررة خلال شهور.يطالبون الجيش بالتدخل لازاحة مرسى ويشاركون فى مشهد الإنقلاب. يطالبون باستئصال الإسلاميين من الوجود وليس السياسة فقط.يحرضون على فض الاعتصامات ومزيد من القتل والقمع والملاحقات، وفى النهاية يدعمون المرشح العسكرى حتى لو على حساب أصدقائهم السابقين (حمدين والبرداعى).
سادسا: إن إلتحاف القوى المدنية بالعسكر كما أسلفنا يضرب مفهوم المدنى فى مستواه الأول (غير العسكرى) فى مقتل، كما أن إلتحاف منظمات المجتمع المدنى بالعسكر يضرب مفهوم المدنى فى مقتل آخر فى مستواه الثانى (غير الرسمى )، وما يجمع هذه الكيانات المتحالفة على غير فطرتها، هو العداء للإسلاميين والاتفاق على اسئتصالهم وهو جوهو المفهوم الجديد للمدنى، وبالتالى نستطيع أن نصل إلى نتيجة هامة مفادها، أن مفهوم المدنى فى الحالة المصرية قد تم تصفية معانيه ودلالاته الثابتة والمتفق عليها لصالح مفهوم ودلالة جديدة فرضت بقوة السلاح.
——————————-
( ) الأراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات، ولكن تعبر عن وجهة نظر كاتبها
راجع في التأسيسى لمفهوم المدنى ونقد استخداماته:
دراسة هامة للدكتور سيف الدين عبد الفتاح بعنوان “التربية المدنية: دراسة في المفهوم بين العالمية والخصوصية: كيف نتعامل مع عالم المفاهيم الوافدة”، مجلة المسلم المعاصر العدد 123، 2007.
دراسة أحمد بوعشرين الأنصارى بعنوان “مفهوم الدولة المدنية فى الفكر الغربى والإسلامى دراسة مقارنة لبعض النصوص التأسيسية”، الدوحة، المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، ابريل 2014.
دراسة إبراهيم خليل عليان بعنوان “الدولة الدينية والدولة المدنية “، جامعة القدس المفتوحة.
دراسة بعنوان “فى تحرير مصطلح الدولة المدنية ” لمحمد محمد عبد الرازق وأمانى عبد الغنى، القاهرة، مركز المصرى للدراسات والمعلومات، 2012
آخر كلام: 50% للإسلاميين و50% للمدنيين في “التأسيسية”، خبر منشور على موقع الأهرام بما تم التوصل إليه في معيار التنصيف بتاريخ 12 يونيه 2012 الرابط
راجع خبر بعنوان، خلاف في «مفاوضات التأسيسية» لاحتساب «الأزهر» و«الوسط» على «التيار المدني».
بتاريخ 10 يونيه 2012 منشور على موقع المصرى اليوم
راجع في تفاصيل تشكيل الجمعية التأسيسية، لقاء عصام سلطان وأيمن نور على قناة الحياة منشور على موقع يوتيوب، بتاريخ 12 يونيو 2012، تحت عنوان “عصام سلطان يتحدث عن التشكيل الجديد للجمعية التأسيسية
راجع خبر بعنوان، البرادعى يطالب بعامين فترة انتقالية لإجراء انتخابات الرئاسة، منشور على موقع اليوم السابع بتاريخ 28 فبراير 2011
راجع خبر منشور على موقع المصرى اليوم يعنوان، «البرادعى» يطالب المجلس العسكرى بوضع مادة فى الدستور تحمى الدولة المدنية بتاريخ 28 ابريل 2011 الرابط
راجع خبر منشور على موقع المصرى اليوم بعنوان ” رؤساء الأحزاب يطالبون المجلس العسكرى بمد الفترة الانتقالية.. و«المرشد»: «الإخوان» لا يسعون للسلطة بتاريخ 6 مارس 2011 الرابط
معظم الذين شاركوا في هذه الحكومة (3 مارس حتى 1 ديسمبر2011 ) من الرموز المدنية والتى شكلت فىما بعد جبهة الإنقاذ في عهد الرئيس مرسى، ومنها د.يحى الجمل، في منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، حازم الببلاوى في نفس المنصب في التعديل الوزارى الجديد مع تقلده منصب وزير المالية، على السلمى في منصب نائب رئيس الوزراء لشئون الحوار والتحول الديمقراطى، عماد أبو غازى في وزارة الثقافة، اسامة هيكل فى الإعلام، جودة عبد الخالق فى التضامن والتجارة الداخلية، فايزة أبو النجا فى التخطيط والتعاون الدولى، أحمد البرعى فى وزارة القوي العاملة والهجرة، منير فخرى عبد النور في وزارة السياحة،
راجع حيثيات حكم المحكمة الدستورية في حل مجلس الشعب على موقع جريدة الوطن بتاريخ 14 يونيه 2012 الرابط
راجع خبر بعنوان “الأحزاب المدنية ترحب بحل البرلمان.. وتصف حكم «الإدارية العليا» بانتصار لدولة القانون” منشور على موقع جريدة الوطن بتاريخ 24 سبتمبر 2012 الرابط
راجع خبر يعنوان “المشير طنطاوي يعلن رسميا حل مجلس الشعب ويؤكد أنه “غير قائم بقوة القانون” منشور على وكالة فرانس 24 بتاريخ 16 يونيه 2012. الرابط.
راجع نصوص الإعلان الدستور المكمل على موقع جريدة الوطن، بتاريخ 17 يونيه الرابط
راجع تحقيق تفصيلى عن موقف القوى المدنية من عودة البرلمان، بعنوان ” قوى مدنية ترفض عودة “الشعب”.. أبو الغار: سنقف ضد الإخوان و”مرسى” أول رئيس يتحدى حكماً قضائياً.. ونائب: لن أكون عضواً فى برلمان جاء على جثة الدستور والقانون.. وفهمى: القرار جاء بعد لقاء بنائب أوباما، منشور على موقع اليوم السابع بتاربخ 9 يوليو 2012 الرابط
راجع شروط جبهة الإنقاذ لدخول الإنتخابات في خبر يعنوان “جبهة الإنقاذ تحدد 5 شروط لخوض الانتخابات.. أهمها تعديل الدستور وتشكيل حكومة انقاذ وطني.. وتهدد بالتصعيد” منشور على موقع جريدة الاهرام بتاريخ 26 يناير 2013، الرابط
راجع موقف جبهة الإنقاذ بالفيديو من الانتخابات البرلمانية، على الرابط التالى على موقع يوتيوب بتاريخ 26 فبراير 2013، تحت عنوان مؤتمر جبهة الإنقاذ حول موقفها من انتخابات مجلس النواب الرابط
راجع تفاصيل وحيثيات الحكم بالفيديو منشورة على مقع يوتيوب يتاربخ 6 مارس 2013، تحت عنوان “القضاء الإداري” يلغي قرار مرسي ويوقف انتخابات “النواب” الرابط
راجع تعليق الرئاسة على قرار المحكمة، في خبر منشور على موقع المصرى اليوم بتاريخ 6 مارس 2013، تحت عنوان” «الرئاسة»: نحترم حكم «القضاء الإداري» بوقف انتخابات «النواب» ولن نطعن عليه الرابط
راجع تفاصيل مشروع حزب الوسط، في خبر منشور على موقع جريدة الأهرام بتاريخ 10 مارس 2013، تحت عنوان “الوسط” يتقدم بمشروع قانون جديد للانتخابات بديلًا عما أبطلته “الدستورية”، الرابط.
راجع في مواقف قيادت جبهة الإنقاذ من تصويت الجيش والشرطة، خبر منشور على موقع مصرواى بتاريخ 27 مايو 2013، تحت عنوان، وحيد عبدالمجيد: السماح بتصويت أفراد الجيش والشرطة دستوري بنص المادة 55، الرابط
وراجع أيضا في نفس الموضوع تحت عنوان : قيادي بـ”الإنقاذ”: من حق الجيش والشرطة التصويت في الانتخابات، الرابط
وراجع أيضا تفاصيل أكثر تحت عنوان : انقسام بـ«الشورى» حول ملاحظات «الدستورية» على قانونى الانتخابات، الرابط
وراجع أيضا تقرير بعنوان، مصر..ردود فعل متباينة حول وقف الإنتخابات البرلمانية، منشور وكالة آسيا نيوز، الرابط
وتقرير آخر موسع على موقع شبكة رصد تحت عنوان “نرصد ردود أفعال القوي السياسية على حكم المحكمة الدستورية، الرابط.
وتقرير آخر لليوم السابع منشور بعنوان “نرصد ردود الأفعال المتباينة حول قرار المحكمة الدستورية بتصويت الجيش والشرطة.. تهانى الجبالى: ليس من حق مرسى إلغاء القرار.. حمزاوى: لا يوجد فى الدستور ما يمنع حق التصويت. الرابط
راجع خبر بعنوان” الرئيس المصري يعدل موعد الانتخابات التشريعية والبرادعي يدعو إلى مقاطعتها”، منشور على موقع فرانس 24 بتاربخ 24 فبراير 2013، الرابط.
( ) تعليق المعهد: يدل الانقلاب وما حدث بعده أن الموضوع قد يتجاوز مجرد الكره للصندوق الى التآمر على مقدرات الدولة وإرادة الشعب.
طارق البشري، من أوراق ثورة 25 يناير، القاهرة دار الشروق، الطبعة الأولى، 2012.
راجع مقال هام للمستشار البشرى بعنوان “الخائفون من الديموقراطية “منشور على موقع جريدة الشروق بتاريخ 17 مارس . الرابط
راجع عرض كتاب البشرى “من أوراق ثورة 25 يناير “على الرابط
حلمي النمنم، كاتب بجريدة المصري اليوم، وعضو لجنة الكتاب والنشر في المجلس الأعلى للثقافة التابع لوزارة الثقافة المصرية، شغل منصب نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب بقرار انتداب من فاروق حسنى عام 2009. وهو باحث ومؤرخ مهتم بالقضايا التاريخية. من مؤلفاته”حسن البنا الذى لا يعرفه أحد”، ” الأزهر الشيخ والمشيخة “، “سيد قطب و ثورة يوليو”، ” وليمة للإرهاب الديني”، “على يوسف وصفية السادات”، “الفكر العربى والصهيونية وفلسطين”، كما حقق عددا آخر من الكتب منها:”الصهيونية تاريخها وأعمالها” لجورجى زيدان الصادر عن دار الهلال في 2009.
راجع مقطع الفيديو الشهير بعنوان”مؤامرة و فضيحة مدوية علي الهواء حلمي النمنم و تهاني الجبالي”على موقع اليوتيوب، بتاربخ 28 يوليو 2013 الرابط
راجع تفاصيل قرار مجلس الوزراء بتفويض وزارة الداخلية بفض الاعتصامات على الرابط.
راجع تفاصيل تصريحات جبهة الإنقاذ حول فض الاعتصام، في خبر منشور على المصرى اليوم بعنوان ” “قيادات «الإنقاذ»: يجب فض اعتصامي «رابعة والنهضة» لخروجهما عن السلمية، بتاريخ 31 يوليو 2013 الرابط
راجع خبر منشور على موقع أصوات مصرية بتاريخ، 4 اغسطس، 2013، بعنوان ” التيار الشعبي للببلاوي: فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة “مطلب شعبي”، الرابط
( ) منظمات حقوقية مصرية تزور اعتصام رابعة، خبر منشور على موقع شبكة رصد بتاريخ 1 اغسطس 2013،. وأنظر: عارف: منظمة العفو الدولية تزور اعتصام رابعة للمرة الثانية، خبر منشور على موقع المصريون، بتاريخ 7 اغسطس 2013. الرابط.
راجع خبر منشور على موقع اليوم السابع، بعنوان “مؤتمر تيار الاستقلال يتحول من المطالبة بفض اعتصام الإخوان لدعم الجيش..ويعلن تشكيل “الجبهة الشعبية للدفاع عن القوات المسلحة”.بتاريخ 11 أغسطس 2013 الرابط
راجع تصريحات علاء عبد الفتاح بالفيديو منشور على موقع يوتيوب تحت عنوان “علاء عبد الفتاح ووالدته يطالبون بفض اعتصام النهضة بالقوة لانه اعتصام مسلح الرابط
راجع بالفيديو ابراهيم عيسى وأمثلة فض الاعتصامات في الدول الاوربية منشورة على موقع يوتيوب بتاريخ 29 يوليو 2013 تحت عنوان ابراهيم عيسى ومثال فض اعتصام في انجلترا اعرق ديمقراطية، الرابط
وفيديو أخر بعنوان فض اعتصامات نيورك – لندن – تركيا منشور على الرابط
) إبراهيم عيسى يكتب: الببلاوي الذى يخذلنا، منشور على موقع الدستور بتاريخ 25 يناير 2014 http://dostorasly.com/columns/view.aspx?cdate=25012014&id=30ce87eb-4e12-43b1-bba -eb5b70d29c2b
) د. أحمد يوسف أحمد بعنوان “اعتصام رابعة وتوابعه …ما العمل ؟ منشور على موقع جريدة الشروق، بتاريخ 25 يوليو 2013. الرابط
راجع خبر تفصيلى عن تصريحات الفنانين بخصوص رابعة منشور على موقع جريدة الدستور بتاربخ 15 اغسطس بعنوان الفنانون “يؤيدون” فض اعتصام رابعة والنهضة و”ينتقدون” موقف البرادعى. الرابط.
راجع ملخص تقرير منظمة هيومان رايتس في خبر منشور على موقع المصرى اليوم بتاريخ 19 اغسطس 2013، تحت عنوان «هيومان رايتس»: فض اعتصامي «رابعة والنهضة» أسوأ حادثة قتل جماعي في تاريخ مصر، الرابط
راجع تصريحات الببلاوى بالفيديو مع قناة أمريكية منشورة على موقع يوتيوب بتاريخ 27 اغسطس تحت عنوان الببلاوي يعترف بجرائم النظام الوحشية ويشبه معارضيه بجيوش الدول المعادية الرابط
وراجع أيضا تصريحات مصطفى حجازى المستشار السياسى للرئيس المؤقت عدلى منصور، مع قناة أمريكية منشورة على موقع يوتيوب بتاريخ 28 اغسطس تحت عنوان “مصطفي حجازي يتنفس كذباً … ومذيعة السي إن إن تلقنه دروساً في الأخلاق، الرابط
راجع خبر منشور على موقع جريدة الوطن بتاريخ، 15 اغسطس 2013، بعنوان “قيادات «الإنقاذ» ترحب بفض اعتصامى «النهضة ورابعة» الرابط
راجع بيانات الدكتورة نادية مصطفى الثلاثة بمشاركة مجموعة من الاساتذة والشخصيات العامة لفهم الحالة الحقوقية فى مصر منذ 3 يوليو وتسيس المنظمات الحقوقية وموت الخطاب الحقوقى ، البيانات منشورة على صفحة الدكتور نادية على موقع الفيس بوك ….البيان الاول بتاريخ 25 اغسطس 2013، بعنوان “المجلس القومي لحقوق الإنسان الجديد : مغالبة أخري من مؤيدي الانقلاب… أي حقوق؟ وأي إنسان؟ الرابط.
البيان الثانى بتاريخ 29 اغسطس 2013 تحت عنوان “إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان والمراكز المعنية بحقوق المرأة.” الرابط
البيان الثالث بتاريخ 13 فبراير 2014، تحت عنوان رسالتي الثالثة للمجلس القومي لحقوق الإنسان، منشور على الصفحة ايضا الرابط
الموقعون على البيان الثانى: د.نادية مصطفى- أستاذ العلوم السياسية – جامعة القاهرة، د.ناجية عبد المغني- أستاذ الهندسة ورئيس جمعية التسلح الخلقي، د.زينب عفيفي- رئيس مركز فقه الحياة للدراسات، د.فيروز عمر- رئيس مجلس إدارة جمعية “قلب كبير” للارشاد النفسي والعلاقات الأسرية، د.سحر طلعت- أستاذ علم الأمراض – طب قصر العيني، د.أمل حمادة- أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة.، أ.فاطمة حافظ- الباحثة في شئون المرأة والتاريخ، أ.صافيناز كاظم – الكاتبة المصرية . وغيرهم .
راجع نص البيان الثانى على الرابط التالى. الرابط
راجع بالفيديو موقف المنظمات الحقوقية من فض إعتصامي رابعة والنهضة في لقاء على قناة أون تى مع بعض ممثلى المنظمات الحقوقية في مصر في، منشور على موقع اليوتيوب بتاريخ 4 اغسطس على الرابط
راجع خبر منشور على موقع اليو السابع بعنوان” نجاد البرعى يتقدم بدعوى قضائية تطالب بفض اعتصام “رابعة”، منشور بتاريخ 24 يوليو 2013، الرابط
راجع موقف مركز ابن خلدون من فض اعتصام رابعة، في خبر منشور على جريدة الاهرام بتاربخ 24 اغسطس 2013، تحت عنوان مركز ابن خلدون: الشرطة التزمت بالمعايير الدولية فى فض اعتصام رابعة، الرابط
راجع تفاصيل أكثر في موقف الحقوقيون من فض اعتصام رابعة، في تقرير لجريدة الفجر منشور بتاريخ 8 يوليو2013 تحت عنوان، انقسام حقوقى حول فض اعتصامى مؤيدي المعزول بـ”رابعة والنهضة” بالقوة .. ودعم الحل السياسى، الرابط
راجع خبر منشور على موقع اليوم السابع بتاريخ 27 اغسطس 2013 بعنوان : 19 منظمة حقوقية تطالب بتدريس أسلوب فض اعتصامات رابعة والنهضة بأكاديميات الشرطة وتؤكد: رصدنا عناصر فلسطينية وسورية وباكستانية ورصاص إسرائيلى بالاعتصام، الرابط
راجع خبر بعنوان «البرادعى» يطالب المجلس العسكرى بوضع مادة فى الدستور تحمى الدولة المدنية منشور على موقع المصرى اليوم بتاريخ 27 ابريل الرابط
وخبر آخر بعنوان البرادعى يطالب بعامين فترة انتقالية لإجراء انتخابات الرئاسة، منشور على موقع اليوم السابع بتاريخ 28 فبراير 2011 الرابط
وراجع أيضا تقرير مجمع لتصريحات متفرقة بخصوص مد القترة الإتقالية منشور على موقع اليوتيوب بتاربخ 8 فبراير 2012، تحت عنوان “من أطال الفترة الإنتقالية” الرابط
راجع تفاصيل جميع الوثائق التى طرحت في هذا الشأن من خلال تقرير مجمع بعنوان “اليوم السابع” ينشر ملامح وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور الجديد بتاريخ 13 يوليو 2011 الرابط
( ) المعهد: من المفارقة أن د. علي السلمي هو الذي قام باعداد الصياغة الأساسية لهذه الوثيقة، و التس أضاف اليها بعد ذلك في أعقاب دخوله مجلس الوزراء للمواد الشهيرة التي تعطي وضعا خاصا للقوات المسلحة فيما عرف وقتها بوثيقة السلمي
راجع نصوص وثيقة السلمى على الرابط التالى، موقع مصراوي الإخباري على شبكة الانترنت، 2 نوفمبر 2011، الرابط
( ) المعهد: رغم ذلك فقد نُشر أن هذه الأحزاب و القوى المدنية توافقت مع المجلس العسكري حول اصدار ما سمي بالاعلان الدستوري المكمل حينما ظهر فوز الرئيس مرسي في جولة الاعادة الثانية
راجع في مطالبة القوى المدنية بمد عمل التأسيسية ثلاثة أشهر، أخبار متعددة، بعنوان ” الغد :على الرئيس مد عمل التأسيسية ثلاث أشهر لإعادة التوافق، منشور على موقع جريدة الفجر بتاريخ 19 نوفمبر 2012، الرابط
عضو بالتأسيسية: يجب مد عمل الجمعية 3 أشهر إضافية حتى يعي الناس الدستور، منشور على موقع صدى البلد، بتاريخ 15 نوفمبر 2013، الرابط
أمين عام «التأسيسية»: مقترح مد فترة عمل الجمعية رُفض بالإجماع، منشور على موقع اليوم المصرى اليوم بتاربخ، 12 نوفمبر 2012، الرابط
محسوب: نرفض مد فترة عمل الجمعية التأسيسية ثلاثة أشهر أخري، منشور على موقع جريدة الاهرام، الرابط
راجع في تفاصيل دعوة الجيش والعدول عنها خبر بعنوان” تأجيل لقاء الجيش: الفقي وصل بالفعل والبرادعي يعود من منتصف الطريق منشور على موقع المصري اليوم بتاريخ 12 ديسمبر 2012 الرابط
راجع تحقيق جريدة وال ستريت جورنال بعنوان ” In Egypt, the ‘Deep State’ Rises Again الدولة العميقة تشرق من جديد ” منشور بتاريخ 12 يوليو 2013 الرابط
راجع تصريحات منى مكرم عبيد حول كواليس يوم 30 يونيو منشورة على موقع اليوتيوب بتاربخ 26 يوليو 2013 تحت عنوان بالتفاصيل والأسماء: مني مكرم عبيد تفضح ثورة العسكر بأمريكا الرابط
راجع فيديو تصريحات الكفرواى منشورة على موقع يوتيوب تحت عنوان” الكفراوي يكشف المزيد عن تآمر وخيانة السيسي قبل الانقلاب بشهر ونصف الرابط
راجع تصريحات على السلمى بالفيديو منشورة على موقع يوتيوب بتاربخ 13 دسيمبر على الرابط
بالفيديو.. سيف اليزل: الجيش موّل أحزابًا وحركات لمواجهة «الإخوان.. منشور على موقع المصرى اليوم بتاربخ 12 فبراير 2014 . الرابط
راجع تصريحات رؤساء تحرير الأهرام والشروق، على الرابط التالى على موقع يوتيوب بتاريخ 8 مايو 2014 الرابط
«الإنقاذ» تطلق «البيان الأول»: الجماهير أسقطت «الإخوان» وندعوها للبقاء في الشارع، منشور على موقع المصرى اليوم بتاربخ، 30 يونيو 2013 الرابط
قيادات «جبهة الإنقاذ»: بيان القوات المسلحة انحاز للشعب، منشور على المصرى اليوم بتاريخ 1 يوليو 2013، الرابط
صباحى :الشعب ينتظر البيان رقم (1) للقوات المسلحة، منشور على موقع اليوم السابع بتاريخ 1 يوليو2013، الرابط
راجع المواد(171)، (173)، (174) فى الدستور الجديد 2014.
راجع تصريحات أبو الغاز في فضيحة تزوير الدستور بعد التصويت عليه على الرابط التالى منشور على موقع يوتيوب بتاريخ 10 ديسمبر 2013 الرابط
البرادعي يواجه المحاكمة بتهمة “خيانة الأمانة” منشور على موقع وكالة رويترز بتاريخ 20 اغسطس 2013، الرابط
راجع تصريحات صباحى عن فض رابعة منشورة بتاربخ 19 مايو 2014 على موقع يوتيوب الرابط
راجع تصريحات صباحى عن فض رابعة منشورة بتاربخ 19 مايو 2014 على موقع يوتيوب الرابط
أحزاب التيار المدنى تعلن تأييد السيسى، منشور بتفاصيله على موقع اليوم السابع بتاريخ 13 مايو 2014، الرابط
“المصرى الديمقراطى” يؤيد السيسى بنسبة 46.16%، منشور على الوفد بتاريخ 5 مايو 2014، الرابط
وراجع أيضا، 2500 شخصية عامة ووزراء سابقون يطالبون «السيسى» بإعلان ترشحه للرئاسة رسمياً منشور على جريدة الوطن بتاريخ 16 ديسمبر الرابط
راجع أيضا: 26 حركة وائتلاف تندمج لدعم المشير في الرئاسة، منشور على موقع مصراوى بتاريخ 9 ابريل 2014 الرابط
البدوي: الإنقاذ تدعم السيسي لوترشح للرئاسة، منشور على الوفد بتاريخ 3 نوفمبر 2013، الرابط.
“المؤتمر”: أغلب قيادات جبهة الإنقاذ تدعم السيسى فى ترشحه للرئاسة، منشور على موقع اليوم السابع يتاريخ 26 يناير 2014، الرابط
3 تكتلات لأحزاب مدنية في مصر تدعم ترشيح «السيسي» للرئاسة، منشور على موقع المصرى اليوم بتاريخ 8 ديسمبر 2013، الرابط
وراجع تقرير مهم في رسم خريطة المؤيدين والمعارضين لترشح السيسى، يعنوان ” كرسى الرئاسة يفرق معارضى الإخوان بين «السيسى وصباحى»، منشور على موقع جريدة الشروق بتاريخ 5 ابريل 2014، الرابط
بالفيديو.. ناجى الشهابى:من يسأل السيسى عن برنامج “متربص” لأنه سيبعث مصر من جديد، منشور على موقع اليوم السابع بتاريخ، 13 مايو 2014، الرابط
راجع تصريحات حمدين حول ترشح السيسى بالفيديو منشورة على موقع يوتيوب يعنوان” حمدين صباحى سأنتخب السيسى لو رشح نفسه للرئاسة الرابط
سياسيون: تصريحات صباحي حول السيسي “هرتلة سياسية”، موقع جريدة الوفد، 26 ابريل 2014، الرابط:
قيادات “الإنقاذ” ترفض دعم “صباحي رئيسا”: لا يصلح والمصريون لم يختبروه، منشور على موقع جريدة الوطن بتاريخ 14 ديسمبر 2013 الرابط