التضخم، سمة أساسية لخطيئة كبرى
التضخم، سمة أساسية لخطيئة كبرى
الحضارة = الإنسان + تراب + زمان (مالك بن نبي)
لا توجد نقود!
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ (البقرة: 278 – 279)
(المصرفيون يمتلكون كل الكرة الأرضية. فلو أخذها أحد منهم، لكن ترك لهم القدرة على إصدار النقود والتحكم في الائتمان، فسيمكنهم بجرة قلم خلق ما يكفي من النقود لإعادة شرائها مرة أخرى)!.
“السير جوشيا ستامب، رئيس سابق لبنك إنجلترا”
تمهيد
قد يؤمن الناس بأي شيء يختارونه، ويعبدون أي إله أرضي مزيف، ويرتكبون العديد من الجرائم الشنيعة. وفي حين أنهم قد يعانون من بعض عواقب أفعالهم في هذه الحياة، فقد لا يتم تقديمهم للمساءلة الكاملة إلا في يوم القيامة. باستثناء التعامل بالربا، الذي حذرهم الله منه بما لا يقل عن حرب صريحة منه في هذه الدنيا! لأن الربا ربما يكون أضمن أداة لاستعباد البشر وفرض السيطرة الكاملة على حياتهم. علينا أن نستكشف بعض أسباب هذه الحرب غير العادية والمدمرة.
لقد شرعت الحكومة التركية الحالية في مهمة إصلاح النظام المصرفي وخفض سعر الفائدة إلى ما يقارب الصفر، في مواجهة مقاومة محلية وأجنبية شرسة مما سيكون له تأثير بعيد المدى على الاقتصاد التركي. في هذا السياق، قد يتعرض مستقبل تركيا والعالم الإسلامي وحتى البشرية جمعاء إلى حروب خطيرة غير مسبوقة.
إن معظم الناس يعتبرون التضخم جزءاً لا يتجزأ من أي نظام نقدي، “أو مجرد ظاهرة طبيعية” للاقتصاد والنقود، حيث لا يوجد بلد رأسمالي في العالم يتمتع باقتصاد السوق الحر بدون تضخم.
ومن غير المعقول أن نقوم بمحاولة لإيجاد حل لمشاكل التضخم وغيرها من المشاكل التي يسببها النقد الحديث دون فهم طبيعة النظام النقدي نفسه ونظام البنوك المركزية. ومن ثم، يصبح من الضروري فهم النقود الحديثة المصدرة بقرار والنظام النقدي العالمي، المصمم لفرض السيطرة العالمية الكاملة، ولكي نتمكن من التخطيط وبناء نظام اقتصاد مستقل، ونتمكن من التحوط ضد المخططات الاستنزافية والاستغلالية والمدمرة الموجهة ضد البشرية، وأيضا من حل مشكلة التضخم وغيرها من المشاكل الناتجة عن الربا والنظام النقدي الحالي.
ولنبدأ من البداية:
الإمبراطورية البريطانية السافرة والمقنَّعة
صممت بريطانيا إمبراطوريتها ما بعد واترلو (معركة مع فرنسا) على أساس تزاوج متطور للغاية بين ما يلي:
- كبار المصرفيين والممولين في مدينة لندن،
- وزراء الحكومة،
- أصحاب ورؤساء الشركات الرئيسية التي تعتبر استراتيجية للمصلحة الوطنية،
- مسئولي أجهزة التجسس.
بدلاً من النشاط التقليدي لتوفير المعلومات من عملاء التجسس في العواصم الأجنبية، كان رئيس جهاز المخابرات البريطانية هو نفسه جزءاً من شبكة سرية شبه ماسونية تم نسجها بين القوى الهائلة للمصارف البريطانية التي تصنع النقود وتفرض استخدامها علي الجميع، وأساطيل الشحن وشركات الصناعة الكبيرة ومؤسسات الحكومة. ولأنها كانت سرية، فقد مارست نفوذا هائلا على الاقتصادات الأجنبية الأخرى الساذجة أو الغافلة عن النوايا الإنجليزية. وفي عصر التجارة الحرة بعد عام 1846، كان هذا التزاوج السري بين النشاط والقوة التجارية الخاصة والحكومة هو سر الهيمنة البريطانية. كانت السياسة الخارجية البريطانية قائمة على أساس تنمية المصالح المحسوبة، وليس على علاقات الإخلاص للحلفاء، التي كانت كثيرا ما تتحول من النقيض إلى النقيض إذا لزم الأمر، فيتحول التحالف مع دولة إلى تحالف مع عدو لها فجأة، ربما في الليلية التي تسبق اشتعال الحرب.
التناوب بين الإمبراطورية السافرة والمقنَّعة
لعل الحقيقة الأكثر مدعاة للانتباه عن التاريخ البريطاني في القرن التاسع عشر هي أنه كان تاريخ مجتمع لا يتوقف عن التمدد والاتساع، من حيث تصدير رؤوس الأموال والمصنوعات وهجرة المواطنين ونشر اللغة الإنجليزية ونشر الأفكار والأنظمة الدستورية.
وربما يمكن تعريف الإمبريالية البريطانية على أنها كانت أنشطة سياسية كافية لتحقيق عملية دمج مناطق جديدة في الاقتصاد البريطاني الآخذ في الاتساع، يتم تحديد طبيعتها من خلال العلاقات المتنوعة والمتغيرة بين العناصر السياسية والاقتصادية اللازمة لتحقيق التوسع في أي منطقة وزمان معينين. ولتحقيق هذا الهدف، يجب توفير عنصرين لازمين:
أولاً: قد ترتبط الإمبريالية بشكل غير مباشر بالتكامل الاقتصادي من حيث أنها قد تمتد أحياناً إلى ما وراء المجالات الجغرافية للتنمية الاقتصادية، ولكنها تعمل من أجل توفير الحماية الاستراتيجية لها.
ثانياً: على الرغم من أن التوسع الإمبراطوري كان مؤشرا للتوسع الاقتصادي، إلا أنه لم يكن نشاطا ضروريا له. فلم يكن التوسع الإمبراطوري يصاحب التوسع الاقتصادي في كل الأحوال، بل كان حدوثه يتحدد في ضوء التنظيم السياسي والاجتماعي للمناطق التي دخلت في فلك المجتمع الواسع، وكذلك تبعا للوضع العالمي بشكل عام.
كان التوسع الإمبراطوري يحدث فقط عندما تفشل الأنظمة السياسية في المناطق الجديدة في توفير ظروف مُرضية للتكامل التجاري أو الاستراتيجي، وعندما يسمح ضعفها النسبي، فعندها يتم استخدام تلك القوة بشكل إمبريالي لتعديل تلك الظروف. فكان التوسع الاقتصادي ينطلق إلى مناطق الفرص القصوى، لكن أقصى الفرص تعتمد على الاعتبارات السياسية للأمن بقدر ما تعتمد على مسائل الربح. وبالتالي، فإذا بدت الفرصة الاقتصادية كبيرة في أي منطقة معينة ولكن الأمن السياسي فيها كان ضعيفا، فسيتم تأجيل عملية الاستيعاب الكامل للاقتصاد المحلي في الاقتصاد الموسع حتى تتم ممارسة جهود الإرغام السلطوي والعسكري على الدولة المعنية، وحتى يتم تكون الأطر السياسية المرضية، وعندها يتم خفض التوتر الذي يحدث جراء التدخل الإمبريالي وتقل ظاهريا السيطرة الإمبريالية. ويفهم من هذا أن الرغبة في الحد من استخدام القوة لفرض الأمن لنشاط التجارة كانت هي السمة المميزة للإمبريالية البريطانية للتجارة الحرة في القرن التاسع عشر، على عكس التوسع في استخدام القوة في عصر الرأسمالية التجارية (الميركانتليزم) لفرض السيادة التجارية والاحتكار من خلال فرض السيطرة السياسية.
وعلى هذا، فليس من الصواب ترتيب مراحل التوسع الإمبريالي البريطاني ترتيباً زمنياً. فلم تكن جميع المناطق في نفس المستوى من التكامل الاقتصادي في أي وقت؛ ولم تكن جميع المناطق تحتاج إلى نفس النوع من السيطرة السياسية في كل وقت. ومع نمو الثورة الصناعية البريطانية، تم ربط أسواق جديدة ومصادر إمداد وخامات بها في أوقات مختلفة، وتباينت درجة العمل الإمبريالي المصاحب لتلك العملية وفقاً لذلك. وهكذا تم استخدام تقنيات المذهب التجاري للإمبراطورية الرسمية لتطوير الهند في منتصف العصر الفيكتوري في نفس الوقت الذي تم فيه استخدام التقنيات غير الرسمية للتجارة الحرة في أمريكا اللاتينية لتحقيق نفس الغرض.
من وجهة النظر هذه، يمكن النظر إلى التوسع متعدد الجوانب للمجتمع الصناعي البريطاني ككل، حيث تشكل كل من الإمبراطورية الرسمية وغير الرسمية أجزاءً منها فقط، يظهر كلاهما كوظائف سياسية متغيرة لنمط دائم التوسع للتجارة الخارجية والاستثمار والهجرة ونشر الثقافة. لقد كانت الإمبراطورية الرسمية وغير الرسمية (السافرة والمقنعة) مترابطتين بشكل أساسي بل ويمكن استبدال إحداهما بالأخرى بمرونة إلى حد ما.
لقد اتبعت السياسة البريطانية مبدأ بسط السيطرة بشكل غير رسمي إذا كان ذلك ممكناً ورسمياً إذا لزم الأمر، وبهذا تم الحفاظ على المصالح البريطانية وتوسيع نطاقها بشكل مطرد. وعليه يجب أن يتم تفسير سياسة إمبراطورية التجارة الحرة المعلنة ليس على أنها “تجارة لا تحكم”، ولكن على أنها كانت: “التجارة مع سيطرة غير رسمية إن أمكن؛ تجارة مع تحكم عسكري عند الضرورة”. فقط عندما وحيث تفشل الوسائل السياسية غير الرسمية في توفير إطار الأمان للمشروع البريطاني، تظهر مسألة إنشاء إمبراطورية رسمية بالقوة العسكرية.
كانت إحدى الأدوات الرئيسية لتأسيس الإمبراطورية غير الرسمية هي إنشاء النظام المصرفي المركزي. وهكذا، مع تطور نظام نقدي قائم على بنك مركزي يحتكر إصدار النقود كقروض ويحدد سعر إيجارها الزمني لمقترضه “الفائدة أو الربا” والمحتوى النقدي في أي مجتمع، وتتبعه البنوك “التجارية” لنشر تلك النقود في المجتمع، تم نشر هذا النظام في ربوع الإمبراطورية البريطانية من خلال إنشاء حوالي 80 بنكاً مركزياً في مناطق نفوذها.
أرباب النقود الأمريكان
عندما اضمحل الدور المهيمن لمدينة لندن على التجارة العالمية لصالح الولايات المتحدة بعد الحربين العالميتين في القرن العشرين، كان من المفترض أن تكون أمريكا إمبراطورية بنفس الطريقة التي كانت بها بريطانيا العظمى إمبراطورية في أوج سيطرتها. لكن حدث اختلاف مهم. لقد اختارت الإمبريالية الاقتصادية الأمريكية تجنب مصطلح “إمبراطورية” تماما وإخفاء نفسها تحت غطاء خطابي متمثل في ادعاء “نشر الحرية” ودعم “تقرير المصير الوطني” و “نشر الديمقراطية”.
وهكذا ورثت الولايات المتحدة (أو تعاونت مع!) الإمبراطورية البريطانية (على أساس خلق النقود وإقراضها بفائدة) ونجحت في تطوير استراتيجية رائعة ركزت السيطرة من خلال احتكار التمويل المحلي والعالمي باستخدام النظام المصرفي المركزي المحلي والعالمي الذي طورته بريطانيا، مدعومة بالقوة العسكرية الجبارة للإمبراطورية الجديدة.
كانت السلطة، جنباً إلى جنب مع السيطرة على الاقتصاد، مركزة بلا رحمة في أيدي الأغنياء (تماما كما كانت في أيام الإمبراطورية الرومانية) من حوالي 60 عائلة (أسماء مثل روكفلر، ومورجان، ودودج، وميلون، وبرات، وهاركنس، وويتني، وديوك، وهاريمان، وكارنيجي، وفاندربيلت، ودوبونت، وجوجنهايم، وأستور، وليمان، وواربورج، وتافت، وهنتنجتون، وباروخ وروزنوالد) شكّلوا فيما بينهم شبكة وثيقة من البلوتوقراطية التي تلاعبت وتسلطت ورشت الجميع على طول رحلتها إلى السيطرة على مصير الولايات المتحدة والعالم كله.
وينسب لهنري كيسنجر (أحد رجال روكفلر المقربين) وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق أنه قال في سبعينيات القرن الماضي: “إذا كنت تتحكم في النفط، فإنك تتحكم في أمم بأكملها. وإذا كنت تتحكم في الطعام، فإنك تتحكم في البشر؛ أما إذا كنت تتحكم في النقود، فأنت تتحكم في العالم بأسره “.
لكن تلك الإستراتيجية واجهت مشاكل خطيرة، دمرت الأمريكيين (كما فعلت ببريطانيا) ودمرت الهدف المقصود من إقامة القرن الأمريكي. لقد عملوا في سرية تامة، خشية أن يدرك عامة الناس كيف تلاعبت أموال البنوك بالقرارات السياسية من وراء الكواليس، بما في ذلك قرارات شن الحرب أو الحفاظ على السلام. لقد حددت تلك القوى ملامح وأحداث القرن العشرين بكل حروبه وكوارثه، وهي تهدد البشرية بكوارث مختلفة منذ بداية القرن الحادي والعشرين. ورغم هذا لا تزال تلك القوى الشيطانية مجهولة إلى حد كبير لعامة الناس. وفي القلب من هذا تكمن قصة وعواقب التشريع الذي أنشأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في عام 1913 كمنشأة خاصة مملوكة لكبار المصرفيين آنذاك.
واقترن مع آلة الدعاية الجبارة، بناء مؤسسات مالية دولية جديدة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أصبح صندوق النقد الدولي هو “الشرطي” المالي العالمي تحت سيطرة أمريكا، وبريطانيا بدرجة أقل. وتم استخدام هذا الصندوق لفرض سداد الديون الربوية من خلال فرض أشد أشكال التقشف الاقتصادي والنقدي قسوة في التاريخ، مع استمرار ادعاء مبدأ “التجارة الحرة” و”تكافؤ الفرص”، كوسيلة لفتح أسواق العالم الأقل تطوراً عنوة أمام السلع الأمريكية.
كانت أكثر العقول الموهوبة في أمريكا تنجذب بشكل متزايد إلى حي المال و وول ستريت بسبب رواتبه المرتفعة ومكافآته الهائلة بالقياس بغيره من الأنشطة المنتجة، مما أدخل القاعدة الصناعية في البلاد في حالة من التدهور الدائم. ومع هذا التدهور الصناعي، ضعفت التنافسية الصناعية وتدهورت العملية التعليمية والعلمية، مما جعل أمر نقل الصناعة الأمريكية إلى الخارج أمراً لا مفر منه.
التضخم يدمر معظم قيمة الدولار
فقدت قيمة الدولار الأمريكي أكثر من 96٪ من قوتها الشرائية منذ إنشاء بنك الاحتياطي الفيدرالي عام 1913. كما ارتفعت أسعار المستهلك أكثر من 24 مرة منذ ذلك التاريخ، مما يعني أن قيمة الدولار الأمريكي أصبحت اليوم أقل من 4 سنتات بالقياس لقوته الشرائية الأصلية. هذا الانخفاض الهائل في قيمة الدولار كان بسبب التضخم.
ووفقاً للبيانات التي قدمتها شركة Finbold فقد انخفضت قيمة الدولار الأمريكي ستة أضعاف على مدار الخمسين عاماً الماضية. وبحلول نهاية عام 2022، ستكون قيمة الدولار التي كانت في عام 1972 قد انخفضت بنسبة 86٪ لتصل إلى 0.14 دولار.
الملامح التضخمية للنقود الحديثة
- إقراض الأموال بفائدة هو السبب الرئيسي للتضخم.
- الفائدة تزيد من تكلفة السلع وهي سمة تضخمية.
- يعتبر التضخم من السمات الجوهرية للنقود الحديثة (المصدرة بقرار) لأنه يتم إصدارها دون حدود.
- نظام الاحتياطي الجزئي المصرفي يضاعف من مشكلة التضخم.
- تصدير التضخم هو سمة مقصودة ولازمة لكون الدولار عملة الاحتياطي العالمي.
- تعتبر النقود المصرفية (نقود الائتمان أو النقود الأفقية) تضخمية بالضرورة.
الفائدة (الربا) هي السبب الأساسي للتضخم
النقود هي مقياس للقيمة، فكما يستخدم التجار الكيلوغرامات ويستخدم المهندسون المعماريون الأمتار، يستخدم الناس النقود في تبادلهم للسلع والخدمات. ونادراً ما نتساءل عن الطريقة التي تعمل بها، ولماذا ليست للنقود قيمة ثابتة على عكس المتر والكيلوجرام، بل تختلف قيمتها يومياً تقريباً؟ إننا نحتاج إلى الكشف عن سبب التغيير المستمر في أحد أهم أدوات القياس التي يستخدمها البشر. لماذا يمكن أن تمكن النقود الأمم والبشر من العمل المنتج، أو تكون أحيانا وسيلة لتدميرهم وإفقارهم؟ إن الديون الضخمة التي تراكمت على كل الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، والبطالة والتدهور البيئي الذي يعاني منه كثيرون، وتكديس أسلحة الدمار وانتشار محطات الطاقة النووية، كلها ظواهر ترتبط بآلية تداول الأموال وإصدارها محملة بالفوائد المركبة.
إنها آلة تدمير غير مرئية تنهش إنسانية العالم كله. رغم أن تحويل هذه الآلية إلى صورة أكثر إنسانية ليس بالأمر الصعب، لكنه سيواجه مقاومة شرسة وحرباً شعواء من المستفيدين بهذا النظام اللا إنساني الحالي.
وسنحاول فيما يلي شرح القضايا المعقدة التي تنطوي عليها هذه العملية ببساطة قدر الإمكان لكي نسهم في المساعدة في تطوير اقتصاد مستدام.
تصدير التضخم
يمكن للولايات المتحدة، بصفتها المُصدر لعملة الاحتياطي العالمي، طباعة أي كمية من الدولارات (أو مجرد كتابتها على شاشة الحاسب) أو إصدار سندات الخزانة الأمريكية في أي وقت (وهي مجرد أوراق مزركشة)، واستخدامها في شراء الأصول والخدمات في جميع أنحاء العالم. إن تكلفة طباعة الدولار تافهة مقارنة بقيمة المنتجات التي يمكن شراؤها بتلك الدولارات. وهكذا يمكن للولايات المتحدة أن تستورد من الجميع دون أي تكلفة تقريباً، وبالتالي تصدر تضخمها إلى دول أخرى. ونعني بتصدير الولايات المتحدة تضخمها، أنها تغرق العالم بالدولارات، إلى الحد الذي تضطر فيه تلك الدول (مثل الصين واليابان … إلخ) إلى الاحتفاظ بالدولار كاحتياطيات لا تحتاجها ولا تستطيع صرف قيمتها من الولايات المتحدة، وعليه فإن تلك الدول تمتلك أصولاً لا قيمة لها، وبهذا تنخفض قيمة الدولار باستمرار.
المشاكل التي تسببها النقود المحملة بالفوائد
كما رأينا فيما سبق، فإن الفائدة هي والوسيلة الرئيسية لمصادرة ثروة من العامة بواسطة النخبة:
- فهي ترفع تكلفة كل شيء وهي السبب الرئيسي للتضخم.
- كما أنها تمنع المجتمع من تكريس جهود بعض أعضائه للتخصص في المهام الحيوية التي لا يمكن بيعها كسلع، مثل الثقافة والتعليم والأدب وغيرها من العلوم الإنسانية.
- كما أن زيادة المحتوى النقدي مع عدم زيادة إنتاج السلع القابلة للبيع يؤدي بالضرورة إلى التضخم وانخفاض القوة الشرائية للنقود.
- Ø ونظراً لأن البنوك تمول المزيد من الأنشطة الخدمية (مثل الرياضة والسياحة والفنون والترفيه والإعلام … إلخ) مقارنة بالأنشطة الإنتاجية (مثل التعدين والزراعة والصناعة وصيد الأسماك والثروة الحيوانية والأغنام … إلخ)، فإن هذا يؤدي للتضخم انخفاض القوة الشرائية للنقود. لأن نفس البضائع تطاردها المزيد من النقود المتداولة.
- Ø تميل البنوك لتمويل أنشطة كبار رجال الأعمال الذين هم عادة من كبار السن ويفضلون عادة التجارة في السلع والأصول (بدلاً من الانخراط في أنشطة إنتاجية) من خلال القروض المصرفية هو نشاط تضخمي.
- يحدث التضخم ارتباكا في الاقتصاد بسبب استخدام نفس الاسم لوحدة العملة طوال مراحل اضمحلال قيمتها، ومواصلة تقييمها بقيمتها الاسمية، على الرغم من انخفاض قوتها الشرائية (لنقل بمعدل
1٪ شهرياً) بما يفسد عملية التبادل، ويلزم البائع بتقليل فترة السماح بين إتمام عملية البيع وبين الاستلام الفعلي للنقود، مما يؤدي إلى إلغاء الائتمان نهائيا وتجنب الأقساط والبيع الآجل، مما ينتج عنه إفساد العلاقات التعاقدية طويلة الأجل، وشل الاقتصاد من الناحية العملية.
- يؤدي هذا إلى ما يسمى بالدورة الاقتصادية للتضخم / الانكماش كما هو موضح في الرسم البياني التالي:
التراوح بين التضخم والكساد (النقود البنكية والدورات الاقتصادية)
الشرور العجيبة للفائدة المركبة
بسبب الفائدة والفائدة المركبة، تتضاعف نقودنا على فترات منتظمة، أي أنها تتبع نمط نمو هندسي. وهذا يفسر سبب وقوعنا دائما في مشكلة بسبب نظامنا النقدي الحالي. إن الفائدة (الربا) كالسرطان في هيكلنا الاجتماعي الإنساني.
إن الفترات الزمنية اللازمة لمضاعفة المحتوى النقدي في الاقتصاد حسب معدلات الفائدة المركبة هي كالتالي:
- فائدة 3٪ : 24 سنة؛
- فائدة 6٪ : 12 سنة؛
- فائدة 12٪ : 6 سنوات.
حتى مع نسبة فائدة مركبة 1٪ فقط، تتم مضاعفة المحتوى النقدي في مدة 72 سنة.
وقديما، فتن الإمبراطور الفارسي جداً بلعبة الشطرنج الجديدة لدرجة أنه أراد تحقيق أي أمنية مهما كانت لمخترع اللعبة. فقرر عالم الرياضيات الذكي هذا أن يطلب حبة واحدة من القمح في المربع الأول من رقعة الشطرنج، مع مضاعفة عدد الحبات في كل مربع بالنسبة للمربع الذي قبله. وسرعان ما اكتشف الإمبراطور، الذي كان سعيداً في البداية بمثل هذا الطلب المتواضع، أن محصول القمح الكلي لإمبراطوريته بأكملها لن يكون كافياً لتحقيق تلك الرغبة “المتواضعة”! لقد كان عدد حبات القمح المطلوبة في المربع 64 من رقعة الشطرنج يساوي 440 ضعفا لمحصول القمح في إمبراطوريته. لذلك يصعب على البشر فهم التطور الفعلي للمتوالية ذات النمو الهندسي.
وفي تشبيه مماثل مرتبط بالموضوع: لو أن قرشاً واحداً تم إقراضه منذ 2000 بفائدة مقدارها 4٪ فبمقدور ناتج إقراض هذا المبلغ التافه شراء كرة من الذهب الخالص تساوي وزن كوكب الأرض في عام 1750! أو 8190 كرة مماثلة من الذهب في عام 1990. أما إذا زادت نسبة الفائدة إلى 5٪، فسيمكن شراء كرة الذهب الأولى بحلول عام 1466، و 2200 مليار كرة ذهب بحلول عام 1990. ويوضح هذا المثال الفرق الهائل الذي تحدثه فائدة لا تزيد عن 1٪! كما أنه يبين أن السداد المستمر للفائدة المركبة مستحيل حسابياً وعملياً. إن الضرورة الاقتصادية والاستحالة الرياضية تؤدي إلى تناقضات أدت إلى نزاعات وحروب وثورات لا حصر لها في الماضي والحاضر.
وهذه الفائدة تضاف وتؤثر في كل سعر ندفعه. ويختلف تأثيرها على أسعار السلع والخدمات التي نشتريها وفقاً لنسبة العمالة مقابل تكاليف رأس المال التي تدخل في إنتاج السلعة أو أداء الخدمة. وفقاً لمارجريت كينيدي، تبلغ حصة فائدة رأس المال في نشاط جمع القمامة 12 ٪ لأن تكاليف رأس المال هنا منخفضة نسبياً بينما أن حصة العمل البدني مرتفعة بشكل خاص. لكن هذه النسبة تتغير في حالة توفير مياه الشرب إلى 38٪، وتصل إلى 77٪ في عملية بناء مشروعات الإسكان الاجتماعي. ونحن ندفع في المتوسط فائدة تساوي حوالي 40٪ على جميع أسعار سلعنا وخدماتنا التي نحصل عليها.
وفقاً للدراسة التي أجرتها مارجريت كينيدي في ألمانيا، فهناك فرق كبير بين نسب من يستفيدون من هذا النظام ومن يتضررون منه، حيث أن 80٪ من السكان يدفعون أكثر مما يتلقون و 10٪ يتلقون أكثر بقليل مما يدفعون، أما الـ 10٪ الباقية فيحصلون على ضعف الفائدة التي يدفعونها. وهذا يوضح سبب زيادة ثراء الأغنياء وزيادة فقر الفقراء.
وبعبارة أخرى، فإنه يوجد داخل النظام النقدي الحالي عملية آلية لإعادة توزيع خفية تقوم بتحويل النقود باستمرار ممن لديهم نقود أقل مما يحتاجون إلى أولئك الذين لديهم نقود أكثر مما يحتاجون.
يمكن ملاحظة هذا بوضوح اليوم في النظام النقدي الحديث، حيث تتركز باستمرار ثروات كبيرة في أيدي عدد أقل من الأفراد والشركات متعددة الجنسيات. في حين لن تتمكن البلدان الفقيرة أبداً من الخروج من أزمة الديون المتوالدة في النظام الحالي، حيث يتعين عليها سداد أضعافا مضاعفة مما تم إقراضها لها.
إن آلية الفائدة والفائدة المركبة لا تفسد النشاط الاقتصادي فقط، بل تعمل أيضا ضد الحقوق الأساسية للبشر وتجعلهم عبيدا لغيرهم من البشر.
الشيوعية هي مآل الرأسمالية!
- تعلم فرسان الهيكل فنون البنوك وحفظ الحقوق وتحويل النقود وحفظها من الإمبراطورية الإسلامية في الشرق في فترة الحروب الصليبية (هناك أدلة تاريخية مبعثرة تحتاج إلى دراسة وتوثيق).
- في عصر الحضارة الحديثة، تطور إدراك الحاجة للسيطرة على جميع البشر مع تطور التجارة والاتصالات.
- تطور إدراك إمكانية استخدام النقود المصدرة مركزيا لتركيز الثروة وملكية وسائل الإنتاج بما في ذلك جهود البشر، حتى أطلق عالم الاقتصاد الأمريكي السويسري “موراي روثبارد” على نظام البنوك المركزية “صانع الاحتكارات” ومن هنا تطور تعريف الرأسمالية على أنها التركيز “الدائم” للثروة والقرار بشأنها في أيدي قلة “متناقصة”.
- وتطور أيضاً إدراك إمكانية استخدام النقود المصدرة في العالم متزايد الترابط للسيطرة التامة على البشر وثرواتهم وجهودهم.
- وهكذا، مع تطور النظام النقدي المبني على بنك مركزي يحتكر إصدار النقود كقروض بإيجار زمني ويحدد سعر إيجارها الزمني لمقترضها “الفائدة” والكمية المطروحة للتداول (المحتوى النقدي في المجتمع) وتتبعه بنوك “تجارية” لنشر تلك النقود في المجتمع، تم نشر هذا النظام في بريطانيا ثم الإمبراطورية البريطانية وتم إنشاء حوالي 80 بنك مركزي في مناطق نفوذها.
- كان هذا يعني تحويل المجتمع الإنساني لما يشبه المجتمع الروماني، نخب متحكمة وأجراء مرتزقة يعملون بما يقيم أودهم أو “أكلة لا فائدة منهم”، عالة يتم التخلص منهم كلما أمكن.
- كما أن الملوك لا يحبون شرائع دين الله، فكذلك القائمون على مشروع السيطرة على البشر. فهم يعادون المجتمع الإنساني القائم على الأسرة والعائلة والقبيلة والأخلاق، بل لقد نادى بعض مفكري الكنيسة الرومانية القديمة بمعاداة ممارسة الجنس لأنه يشعرهم بالسيادة والسيطرة فيصعب عملية السيطرة على رعايا الكنيسة! وهكذا تلاقت إرادة الملوك ورجال الدين المنظم، فكان أن تطور مشروع التفتيت والسيطرة.
- مع استتباب الأمر للإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس في عصر العلم والصناعة، كان التطور الزمني يسير في اتجاه سيطرة تامة لا محالة. وبدأ علماء الاجتماع مثل ماكس فيبر يتحدثون عن قفص حديدي للبشر.
- أدرك مفكرو الإمبراطورية الرومانية الجديدة (أمريكا كما يعتقد البعض) أنه يجب تطوير نظام معقد علمي ومُجرَّب تجريبياً لتمكين قلة من السيطرة على الجمهور.
- كان ماركس وإنجلز لديهما القدرة التعبيرية على صياغة الأفكار بأسلوب منمق. فتبنى ارستقراطي إنجليزي ماركس وإنجلز “الألمانيين” لصياغة الأفكار الشيوعية في قالب علمي. وتم طباعة هذا المانيفستو وترويجه بين الدوائر الأكاديمية والإعلامية.
- الشيوعية، في الحقيقة، تعني تركيز القرار بشأن الثروة الوطنية في أيدي قلة في اللجنة التنفيذية للحزب الشيوعي. إنها نوع من الرأسمالية المتطورة تماماً حيث تتركز الثروة في أيدي قلة متناقصة.
- حسب المنهج التجريبي، كان لا بد من تطبيق الشيوعية في مجتمع ما لضبط آليات السيطرة، فيبدو أنه جرى اختيار روسيا القيصرية لتطبيق الشيوعية فيها بعد إسقاط الإمبراطورية القيصرية لأسباب تاريخية جعلت الغرب الروماني يحتقر الشرق الروسي، ربما منذ عهد الفايكنج.
- تم تمويل اليهودي الفوضوي ليون تروتيسكي الذي كان يقيم في أمريكا بواسطة بنكي أمريكي شهير (جاكوب شيف) مرتبط بإنجلترا لتفجير الثورة البلشفية في روسيا.
- وهكذا، اصطنعت الرأسمالية الشيوعية.
النظام العالمي الجديد المبني على أساس النقود المصدرة مركزيا
- نظام النقود المصدرة بقرار والمحملة بالفوائد هو الأداة الرئيسية للاستغلال والسيطرة.
- تم خدمة وترويج وتطبيق ونشر هذا النظام بواسطة مجموعة من المؤسسات العالمية المترابطة (البنوك المركزية والتجارية – الاتحادات الائتمانية – مؤسسات وصناديق الادخار والإقراض – شركات التأمين – صناديق الاستثمار بجميع أنواعها … إلخ) وجميعها مملوكة ملكية خاصة بواسطة النخبة الغربية.
- يتم تداول النقود والأوراق المالية بين عدد هائل من الشركات في الأسواق الافتراضية (أسواق المال والأوراق المالية والمشتقات والسلع … إلخ) مع وجود ملاذات آمنة لأي شخص لديه أي شيء يخفيه.
- نظام النقود المصدرة المعقد هذا هو الجيش الغربي لتحقيق الاستغلال النقدي والمالي والسيطرة، وهو أيضاً وسيلة شن هجمات وحروب نقدية ومالية ضد الدول “المتمردة”.
تم تلقين الاقتصاديين والممولين والمصرفيين بالأفكار الخاطئة التالية:
- الاقتصاد علم دقيق له قوانين طبيعية صارمة (رغم أن كل نظام اقتصادي له أساس أيديولوجي وإجابات محددة عن أسئلة الحياة الوجودية يستلهمها).
- النظام المصرفي العالمي والبنوك المحلية التابعة له بقيادة البنك المركزي المحلي هم من يجب أن يعهد إليهم بالسياسة النقدية المحلية الوطنية حيث أنهم محايدون في ممارسة القواعد والقوانين النقدية العلمية الصارمة.
- يجب على السياسيين المحليين المنتخبين عدم التدخل في أعمال البنوك والسياسة النقدية المحلية لأنهم عادة ما يتبعون سياسات غير سليمة تهدف إلى إعادة انتخابهم بما يضر بالاقتصاد الوطني.
وهكذا انتهى بنا المطاف إلى وجود رأسين في كل ما يسمى بالدول ذات السيادة: السياسيون المنتخبون المسؤولون أمام الشعب من ناحية، والمسؤولون المصرفيون المحليون غير المنتخبين برئاسة محافظ البنك المركزي الوطني المسؤول أمام هيئة أجنبية (البنك الدولي الخاص) في سويسرا مع ما هو متوقع من خلافات واشتباكات بين الرأسين.
إن النخبة المالية العالمية عازمة على تحقيق السيطرة العالمية الكاملة من خلال تحويل المجتمعات إلى مجتمعات بلا نقود بحيث تتم جميع التعاملات بين الناس إلكترونياً باستخدام الكروت الذكية، بما يحقق لهم السيطرة الكاملة التي يسعون إليها. وسلاحهم الأساسي هو الحروب المالية لتأديب الدول “المتمردة”.
النظام النقدي العالمي
أغرقت أمريكا العالم بسيل من الدولارات المطبوعة (أو فيما بعد، بأرقام مكتوبة شاشة الكمبيوتر فقط) واستخدمتها للحصول على الأصول والثروة والسلع والخدمات من الجميع. كما خاضت حروبا متواصلة ضد كل من اعترض على هذا الوضع الغريب، حروب دفع ثمنها الجميع إما نقدا أو من خلال انخفاض قيمة الدولار باستمرار مع استمرار تدفق الدولارات!
وفي عصر العلم والتكنولوجيا، طورت أمريكا نظاماً معقداً للحفاظ على هذا النظام الاستنزافي العجيب:
- مؤسسات تفرض تفاصيل النظام اللائحية والقانونية والإدارية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومؤسسات التقييم … إلخ) لتلك المنظومة النقدية العجيبة.
- العلماء الذين يضعون أسس النظام متنكرة في صورة نظريات علمية رصينة ودقيقة تُدرَّس في الجامعات. وبهذا أصبح علماء الرياضيات هم كبار كهنته الذين فازوا بمعظم جوائز نوبل في الاقتصاد منذ إنشائها.
- العلماء الذين تعلموا هذا العلم الزائف على أنه علم دقيق، والذين تمت ترقيتهم ليصبحوا قادة الفكر والقائمين على صيانة النظام في بلدانهم.
- ازدحام وسائل الإعلام بالخبراء الذين يروجون للنظام بين الجمهور كوسيلة للتنمية والتقدم واللحاق بالغرب ومواكبة تقدمه.
- سياسة إمبريالية ماكرة لوضع السلطة في أيدي جماعات جاهلة وفاسدة تطبق النظام بشكل أعمى.
- آلة عسكرية ضخمة لترويع وتأديب جميع المتمردين على النظام العجيب.
الحكومة العالمية
قام نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي للولايات المتحدة)، وبنك إنجلترا وبنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي والعديد من البنوك المركزية الأخرى في العالم الغربي مؤخرا بتشغيل مطابعهم بأقصى طاقة فيما سمونه “التيسير الكمي” وهو ما كان أحد الأسباب الرئيسية لزيادة للتضخم العالمي.
من الواضح أنه تجري محاولة لبناء نظام جديد للسيطرة الغربية ليحل تدريجياً محل الدول القومية، وهو ما يسمونه حكومة عالمية مدعومة بشبكة البنوك المركزية. وهذه الشبكة من البنوك المركزية على شكل هرم، في أعلاه يوجد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يصدر دولارات اكتسبت مكانة عملة الاحتياطي العالمي في نهاية الحرب العالمية الثانية في مؤتمر بريتون وودز. وفي قاعدة الهرم توجد الغالبية العظمى من بقية البنوك المركزية الأخرى في العالم، وهي عمليا مجرد إدارات محلية تقوم بإصدار العملات الوطنية عن طريق شراء الدولار الأمريكي أو أي عملات احتياطية أخرى. ويدير هذه الشبكة الكاملة للبنوك المركزية بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك التسويات الدولية (BIS) في بازل. وبنك التسويات الدولية هو نوع من الأندية الخاصة للبنوك المركزية تم تأسيسه في عام 1930.
إن البنوك المركزية (وأيضا البنوك التجارية) في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحتى في تركيا هي مؤسسات مملوكة كلياً أو جزئياً ملكية خاصة بواسطة النخب (معظم أسماءهم غير معلنة) وهي تديرها بغرض تحقيق الربح والسيطرة. فهم يصدرون النقود والائتمان من لا شيء، مع تدخل ضئيل (أو دون تدخل) من المؤسسات الحكومية والمسؤولين الحكوميين المنتخبين، لأنهم، كما يدعون، غير جديرين بالثقة أو غير مؤهلين بما يكفي لفهم العلوم النقدية، لأن كل همهم هو إعادة انتخابهم، حتى على حساب اتخاذ قرارات ضارة بالاقتصاد والنظام النقدي. بينما يدعي المصرفيون بلا دليل أنهم يعملون وفق قواعد علمية صارمة من أجل تحقيق المنفعة العامة!
اقتصاد بلا أخلاق
الأيديولوجيا هي نظام من المفاهيم والآراء التي تعمل على فهم العالم مع حجب المصالح الاجتماعية التي تتضمنها الأيديولوجية ويتم التعبير عنها فيها، ومن خلال اكتمالها واتساقها الداخلي النسبي تميل إلى تشكيل نظام مغلق ويحافظ على نفسه في مواجهة أي خبرات متناقضة أو غير متسقة معها.
إن لكل قرار اقتصادي أساس أخلاقي ونتائج أخلاقية. ويحتاج التناول الأخلاقي للاقتصاد إلى أساس أقوى للأحكام الأخلاقية من مجرد إدراكنا، من واقع تجربتنا وخبرتنا، لبعض عواقب أفعالنا.
يعرّف بعض المحللين الرأسمالية على أنها “حرب الجميع ضد الجميع”! وبما أن تحقيق الربح بكل الوسائل هو هدف الرأسمالية، فإنك تجد أن العديد من الجرائم والرذائل تمارس كأنشطة عادية في الرأسمالية المالية والنقدية. على سبيل المثال، هناك: التلاعب في الأسواق وخيانة الأمانة ورشوة السياسيين وتجارة الأسلحة والمخدرات والرشاوى وتزوير الفواتير وتضارب المصالح والتسعير الفاسد … إلخ.
إن التحدي العالمي الذي يواجه البشرية هو كيفية إصلاح أو ضبط هذا النظام العالمي الفاسد الظالم؟
توصيات مالية ونقدية عامة
- يجب تخفيض سعر الفائدة على القروض (أو على الأقل لأنشطة خطط التنمية الحكومية) إلى الصفر (تأسيا بالولايات المتحدة الأمريكية واليابان).
- تمويل خطة التنمية الوطنية وإعادة الإعمار من خلال الإنفاق الحكومي المباشر من خلال إحداث عجز في موازنة العامة، يتم تسويته بتسليم المشاريع إلى الملكية العامة بمجرد إتمامها كإضافات للثروة الوطنية، مع يترك نقود عجز الموازنة التي تم إصدارها بدون فوائد مطروحة للتداول في الاقتصاد لإنتاج الثروة وخلق الوظائف.
- الحد من التمويل الائتماني للأنشطة غير المنتجة مثل الإعلام والترفيه لمكافحة التضخم.
- ترشيد الإنفاق الحكومي وخفض الإنفاق غير المنتج.
- تطبيق ضوابط ذكية للحد من الاستثمار المضارب غير المنتج لتجنب نزيف الثروة من المضاربين المحليين الصغار إلى الكبار، ومن المضاربين المحليين إلى المضاربين الأجانب (رأسمالية الكازينوهات).
- يجب إعادة هيكلة البنوك لتصبح مثل الصناديق المشتركة التي تساهم في المشاريع المختلفة كشركاء لا مقرضين، من أجل تحقيق عوائد مالية متسقة مع أرباح الاستثمار الحقيقية.
- يجب تطوير سياسة ضريبية تستهدف تشجيع الشراكة في المشاريع بدلاً من الاقتراض والقروض.
- الاستفادة من الأسواق المالية لتمويل والاستثمار في المشاريع الإنتاجية الجديدة والقائمة.
- لا تقل أبداً أنه لا يوجد تمويل أو استثمار كافٍ لمشروع معين بالعملة المحلية، ولكن قل أنه لا توجد إرادة سياسية لتوجيه أو تخصيص بعض طاقات المجتمع لمجال معين. إن نقص السيولة بالعملة المحلية في مجالات إنتاجية معينة لا يرجع إلى نقص التمويل، حيث يمكن للحكومة المحلية ببساطة أن تصدره، ولكن بسبب عدم توجيه ما يكفي من الطاقة الوطنية أو الائتمان في هذا المجال المطلوب، ربما من أجل الحفاظ علي بنية اجتماعية معينة أو توزيع معين للثروة أو لحرمان الأمة من نشاط مهم معين.
- يمكن للبنك المركزي مراقبة الودائع المصرفية الراكدة في الحسابات المصرفية، لأنها أكثر من الحاجة إلى المدخرات الوطنية أو القدرة على الاستثمار، واستخدام عمليات السوق المفتوحة لاستيعابها لتجنب التضخم.
- تمثل الفوائد المصرفية والإيجارات الاقتصادية استنزافاً للقدرة الإنتاجية الوطنية من خلال التمويل والتأمين (خاصة شركات إعادة التأمين الأجنبية) وقطاع العقارات (FIRE) ويجب أن توضع هذه القطاعات في خدمة المصلحة الوطنية الحقيقية.
- لا يحتاج أي بلد إلى قروض خارجية لتغطية النفقات بالعملة المحلية. لأنه يمكن إصدار أي مبالغ للائتمان المحلي على شاشات الكمبيوتر في البنك المركزي القومي والبنوك التجارية لتلبية هذه الاحتياجات. لأن القروض الأجنبية، بمجرد تحويلها إلى العملة الوطنية، تؤدي فقط إلى ضخ الفوائد الاقتصادية والإيجارات خارج البلاد، كما تساهم في زيادة التضخم.
- يجب على الحكومات السليمة أن تمنع المصرفيين من تحويل الفوائض الاقتصادية إلى مدفوعات فوائد. فهذا يؤدي إلى التضخم.
- جميع البنوك الغربية، بما في ذلك البنوك المركزية، مملوكة ملكية خاصة من قبل النخبة الغربية، وتديرها النخبة المصرفية الغربية (معظمهم من اليهود) مثل أي شركة خاصة أخرى بهدف تحقيق الأرباح والسيطرة لأصحابها.
- النظام المصرفي التجاري هو عشيرة مغلقة، تقبل الوافدين الجدد وتدربهم على أساسيات النظام.
- تم تلقين معظم موظفي البنوك (والاقتصاديين في هذا الشأن) بهذا النظام. إنهم يعتقدون اعتقاداً راسخاً أنهم يطبقون أنظمة مصرفية سليمة بينما هم مجرد موظفين معينين وليسوا حتى أعضاء في تكتل مصرفي دولي على الإطلاق.
- البنوك التجارية (كما هي حاليا) مؤسسات تستنزف الريع الاقتصادي من المجتمع على شكل فوائد مصرفية. إنها بمثابة مؤسسات احتكارية تؤسس الاحتكارات في جميع قطاعات الاقتصاد، سواء أدركت ذلك أم لا.
- البنوك التجارية والمركزية ليست مسؤولة حقاً أو خاضعة لأي شخص أو جهة في الدولة. إنهم يتبعون القوانين واللوائح التي وضعها بنك التسويات الدولية في سويسرا (بازل الأول والثاني والثالث …) والذي يملكه ويديره تكتل البنوك الغربية العالمية. تدعي هذه القواعد أنها تضمن ممارسة مهنية سليمة، ولكنها في الواقع مصممة بطريقة معقدة لتحقيق الرقابة النقدية والمالية والسيطرة على الاقتصاد والسياسة، والتضييق على الاقتصاد الوطني إذا لزم الأمر ودمج البلدان النامية والناشئة في الأسواق وفي النظام النقدي الدولي الذي يديرونه. وهي مدعومة بترسانة كاملة من القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية لتمكينها من تطبيق لوائحها ومعاقبة المخالفين.
- يجب أن تظل الاحتكارات الطبيعية، مثل النقل والاتصالات والموارد الطبيعية والخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الطبية، في نطاق الملكية العامة، أو على الأقل يجب مراقبتها ووضع حدود لأسعارها وتصدير أرباحها.
- من المفيد وضع مؤشرات جديدة لقياس الأداء والتطور الاقتصادي الوطني التفصيلي لتحل محل الناتج المحلي الإجمالي وبقية المؤشرات الاقتصادية الغربية لإعطاء صورة أكثر واقعية وإخلاصا للاقتصاد القومي
- يجب على الحكومات الوطنية إعادة تأهيل موظفي الخدمة المدنية المسؤولين عن السياسة المالية والنقدية الذين تم تلقينهم مبادئ السياسة النيوليبرالية، لإتقان سياسة أكثر حماية واستقلالية، كما فعلت أمريكا بعد الحرب الأهلية، بحيث يتم تقديم منح لدراسة السياسات الحمائية كبديل لسياسات التجارة الحرة البريطانية.
- يجب وضع ضوابط صارمة وذكية على تداول العملة الوطنية في الأسواق المالية، كما هو الحال في الصين.
- لا يجب اقتراض عملة أجنبية لسد النفقات المحلية. حيث يمكن للبنوك المحلية دائماً إصدار أي قدر من الائتمان المحلي على شاشة الكمبيوتر، دون ضخ الإيجارات الاقتصادية خارج البلاد.
- عدم الاقتراض بالعملة الأجنبية لسد النفقات في المشاريع التي يكون دخلها بالعملة المحلية.
- لا يسمح مطلقاً باقتراض قروض بفائدة متغيرة.
- لا يسمح أبداً بالمضاربة على العملة المحلية والأصول المحلية خصوصا باستخدام ائتمان مصدر على شاشة الكمبيوتر من لا شيء، أو بغير ذلك.
- لا تتنازل عن السلطة الوطنية لإصدار نقود بالعملة الوطنية وإصدار الائتمان. فلا ينبغي أن تترك هذه الصلاحية أبدا في أيدي البنوك الخاصة المحلية أو الأجنبية لسحب الفوائد (الإيجارات الاقتصادية) وشراء الأصول من خلال إصدار الائتمان على شاشات الكمبيوتر أو عن طريق المضاربة على العملات. ولهذا تراقب وكالة المخابرات المركزية باستمرار الأسواق المالية الأمريكية.
- يجب اعتبار الإيجارات الاقتصادية للأراضي والعقارات والزيادة في أسعار الأصول كدخول طفيلية. ويتعين على الحكومة فرض الضرائب على مصادرهم.
- يجب فرض ضريبة لا تزيد عن 0.3٪ على جميع معاملات سوق المال الثانوية، والتي من شأنها أن تدر دخلاً كبيراً وتمنع هجمات المضاربة على العملة والأوراق المالية المحلية. لقد تم بالفعل فرض ضريبة مماثلة في أكثر من 40 دولة منذ أكثر من عقد.
- يجب فرض رقابة صارمة على أنشطة المضاربين الكبار، وخاصة البيع على المكشوف (أي بيع العملات أو الأوراق المالية التي لا يمتلكونها) أو المراهنة على العملات والأوراق المالية الوطنية.
- يجب فرض رقابة صارمة على الأجانب الذين يشترون الأصول الوطنية الرئيسية، ومراقبة القروض من البنوك الوطنية للأجانب أو الكيانات غير الموثوق بها، وعدم السماح لهم بالمضاربة على العملة المحلية وشراء الأصول باستخدام التمويل الإلكتروني.
- يجب مراقبة حركة واستخدام الأوراق المالية والسندات (تسمح بعض المؤسسات المالية الغربية بإقراض قصير الأجل لتلك الأوراق المالية للمضاربين).
- عجز الإنفاق الحكومي (الزيادة المحسوبة في القاعدة النقدية بإصدار العملة) لا يؤدي بشكل تلقائي وحتمي إلى التضخم طالما لا تزال هناك طاقات غير مستغلة في الاقتصاد، بشرط توجيه ذلك الإنفاق لتنشيط تلك الطاقات غير المستغلة.
- يؤدي الإنفاق المفرط إلى التضخم. لأنه إذا تجاوز الطلب الفعلي إمكانات الاقتصاد الحقيقي للتوسع لمواجهته، فسيؤدي ذلك إلى ضغوط تضخمية.
- تميل الشركات إلى الاستجابة للطلب المتزايد من خلال زيادة الإنتاج بدلاً من زيادة الأسعار طالما أمكن ذلك، أي أن زيادة الطلب لا يؤدي إلى التضخم.
المواضيع المبسوطة في الملاحق
الملحق 1 – إفساد النظام النقدي الطبيعي
ملاحظات حول التعامل مع الخداع الغربي – التطور التاريخي للنقود في المجتمعات البشرية – الذهب والفضة كنقود ولا شيء آخر – إفساد الحضارة المادية الغربية للنظام النقدي الطبيعي – أسس فساد النظام الطبيعي في الغرب – تكنولوجيا العلوم الإنسانية – جهود دؤوبة لإنشاء حكومة عالمية وتفسير اللغز
الملحق 2 – النظام النقدي الحديث (النقود المصدرة بقرار)
النظام المصرفي المركزي – البنوك والنظام المصرفي (البنوك / المقترضون / الفائدة) – الفائدة المصرفية – التضخم الناجم عن النقود المحملة بالفوائد – إنشاء الاحتكارات بالنقود المصدرة بقرار والنظام المصرفي – القاعدة النقدية أو النقود الرأسية – الائتمان المصرفي التجاري أو النقود الأفقية – آلية القروض والودائع – لا يمكن إصدار النقود المصرفية إلا من خلال القروض -احتياطي ورأس مال البنوك – المفاهيم الخاطئة الشائعة – السياسات المالية والنقدية – عمليات البنك المركزي – السياسة المالية والسياسة النقدية – التوازن النقدي
الملحق 3 – الإمبراطورية المثالية القائمة على التمويل
الأسس الأيديولوجية للرأسمالية والليبرالية – الركائز الثلاث للإمبراطورية البريطانية – السياسات الأنجلو أمريكية المنسقة – نظام بريتون وودز والإمبراطورية الأمريكية غير الرسمية (المقنعة)- الحرب لتوسيع الأسواق المالية وعولمتها – العجز التجاري للولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على الهيمنة (تصدير التضخم) – الإستراتيجية الاقتصادية للإمبراطورية الأمريكية – إدارة الاقتصاد العالمي في الاتجاه المعاكس – تكوين الاحتكارات – الحروب المالية – ملاحظات غريبة! – السيطرة المالية والنقدية العالمية – الاقتصاد السياسي للدين العام – تحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد نقدي – النظام النقدي العالمي – الهيمنة الأمريكية على العالم من خلال التمويل – غابة من الوحوش الميكانيكية – آليات إعادة الدولارات لمصدرها بأقل التكاليف – الفن الأمريكي للحروب المالية بعد ثورة الاتصالات – التحدي البشري لإصلاح النظام النقدي العالمي المعقد –
صناع السوق – الصورة العامة القاتمة – الاستقلالية النقدية العالمية عن الدولرة – ملاحظات – حول التناول المنظومي الشامل لدراسة الأنظمة المعقدة.