ريسبونسبل ستيتكرافت: أعداء غير متوقعين .. معركة مصر والإمارات الخفية على السودان
![](https://eipss-eg.org/wp-content/uploads/2025/02/new-web-3-780x470.jpg)
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
نشر موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت” الأمريكي في 29 يناير 2025 مقالاً تحليلياً بعنوان: “أعداء غير متوقعين: معركة مصر والإمارات الخفية على السودان” لـ “الفاضل إبراهيم”، وهو كاتب ومحلل سياسي سوداني ينُشر أعماله في الجارديان، والجزيرة، والعربي الجديد، وأوبن ديموكراسي، ومنافذ أخرى. حيث يقول إنه على الرغم من التاريخ المشترك والمصالح المتبادلة بين البلدين، نجد القاهرة وأبو ظبي نفسيهما على خلاف شديد حول تلك الحرب الأهلية الوحشية التي تدور رحاها حالياً في السودان.
وقد جاء المقال على النحو التالي:
في ظل الحرب الأهلية المدمّرة التي تدور رحاها في السودان حالياً، يتكشف صراع على كسب السلطة قد يكون أقل وضوحاً ولكنه ليس أقل أهمية بين قوتين إقليميتين هما: مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة. حيث تدعم مصر القوات المسلحة السودانية، بينما تدعم الإمارات قوات الدعم السريع في الصراع الذي اندلع في 15 أبريل عام 2023. حيث أسفر ما يقرب من عامين من القتال عن أزمة إنسانية كارثية هناك، مما يدفع السودان نحو حالة من الانهيار التام.
وخلال أيامها الأخيرة في الحكم، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عقوبات على كل من القائد العام لقوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) لمسؤوليته القيادية عن القوات المسؤولة عن الإبادة الجماعية في السودان، وعلى الجنرال عبد الفتاح البرهان قائد القوات المسلحة السودانية لعرقلة جهود السلام، وعرقلة المساعدات، والاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية.
وعلى الرغم من تصاعد الأدلة التي قدمها محققو الأمم المتحدة والولايات المتحدة على تورط دولة الإمارات بشكل كبير في دعم قوات الدعم السريع في الحرب الأهلية بالسودان، تواصل أبو ظبي ادعاء الحياد كجهة فاعلة إنسانية. ومع ذلك، فقد تم الطعن في هذا الادعاء بشكل مباشر على أعلى مستويات الحكومة الأمريكية.
فخلال جلسة استماع جرت في مجلس الشيوخ الأمريكي لإقرار تعيينه، اتّهم وزير الخارجية الأمريكي الجديد ماركو روبيو الإمارات صراحةً “بدعم كيان يرتكب إبادة جماعية بشكل علني”.
وكان دور مصر في دعم القوات المسلحة السودانية والحكومة التي يقودها الجيش في بورتسودان واضحاً بشكل متزايد. ففي شهر سبتمبر، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي على “أهمية عدم وضع الجيش الوطني السوداني على قدم المساواة مع أي طرف آخر”، حيث جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عُقد مع أنتوني بلينكن، سلف روبيو.
كما أقر عبد العاطي مؤخراً بالتزام مصر “بدعم قدرات الجيش السوداني” والقيام بذلك بالتنسيق مع شركائها الأمنيين الجدد في منطقة القرن الأفريقي، إريتريا والصومال.
وعلى الرغم من تحالفهما بشأن معظم القضايا الإقليمية، تقف مصر ودولة الإمارات على طرفي نقيض في حرب السودان. فبعد استيلائه على السلطة في عام 2013 عندما أطاح الجيش المصري تحت قيادته بحكومة الإخوان المسلمين المنتخبة ديمقراطياً، اعتمد الجنرال عبد الفتاح السيسي على دول الخليج، وخاصة دولة الإمارات، للحصول على الدعم الاقتصادي.
وعززت الإمارات مؤخراً علاقاتها مع مصر من خلال استثمار تاريخي بقيمة 35 مليار دولار لتطوير منطقة رأس الحكمة على البحر الأبيض المتوسط للسياحة، مما يوفر شريان حياة اقتصادي حاسم لنظام السيسي الذي يحكم البلاد. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الاستثمار الضخم، تظل مصر غير قادرة على التوافق مع نهج أبو ظبي تجاه (الحرب الأهلية في) السودان.
حيث يمثل الجيش السوداني، وليس قوات الدعم السريع، لمصر حصن الاستقرار على طول حدودها الجنوبية. ويتعزز هذا المنظور من خلال نمط تحركات اللاجئين السودانيين: فقد عاد عدد كبير منهم إلى ديارهم من مصر مع استعادة الجيش لأجزاء من ولاية سنار وأجزاء أخرى من وسط السودان خلال الأشهر القليلة الماضية، في حين يكون العكس هو الصحيح كلما حققت قوات الدعم السريع مكاسب على الأرض، حيث يحدث نزوح جماعي من تلك المناطق.
فالمخاطر التي تواجه مصر هي مخاطر وجودية: حيث تدير مصر تدفق أكثر من 1.2 مليون لاجئ سوداني منذ شهر أبريل 2023، وهو ما يشكل الآن أكبر مجتمع للاجئين في البلاد. ومن المحتمل أن يؤدي الفشل الكامل للدولة في السودان إلى إرسال ملايين آخرين عبر الحدود إلى مصر.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن أمن مياه النيل في مصر على المحك أيضاً. جيث أدى الفراغ في السلطة في السودان إلى تقويض موقف مصر التفاوضي بشكل كبير تجاه إثيوبيا، منافستها القديمة في حوض النيل.
وظلت السودان حليفاً رئيسياً لمصر في السراء والضراء في مواجهة التهديد الذي يشكله سد النهضة الإثيوبي الكبير. وفي بيان صدر مؤخراً، عزّز وزير خارجية السودان علي يوسف هذا التحالف، متعهداً بأن “السودان سيقف إلى جانب مصر” ومشيراً بنبرة متشائمة إلى أن خيار الحرب كان على الطاولة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
ومع ذلك، فمع انزلاق السودان إلى الحرب الأهلية وإضعاف موقف مصر التفاوضي الناتج عن ذلك، اغتنمت دول حوض النيل الفرصة لتعزيز مصالحها. ففي تطور لافت، دخل اتفاقية الإطار التعاوني (CFA) مؤخراً حيز التنفيذ بعد انضمام جنوب السودان غير المتوقع له في يوليو الماضي.
فالاتفاق يمثل تحدياً للمعاهدات القديمة التي ترجع إلى عصر الاستعمار والتي كانت في صالح مصر والسودان، من خلال إدخال مبدأ “الاستخدام العادل” لمياه النيل، والذي يفيد بشكل كبير دول المنبع مثل إثيوبيا.
ونتيجة لموقفها الضعيف حول قضية النيل، تحركت مصر بدلاً من ذلك نحو بناء بنية أمنية إقليمية تحيط بإثيوبيا، وتشكيل تحالف أمني مع الصومال وإريتريا. ومن الأهمية بمكان أن وزير الخارجية المصري صرح بأن القاهرة ستستخدم هذا التحالف الأمني لمساعدة الجيش السوداني في مكافحة “الإرهاب”.
وعلى الرغم من الدعم الواسع الذي تقدمه أبو ظبي لقوات الدعم السريع، فإن الأهداف الاستراتيجية لدولة الإمارات في السودان قد تقوضت بشكل كبير بسبب فشل الميليشيا المسلحة في بسط سيطرتها على البلاد.
وركزت خطة الإمارات على استغلال تجارة الذهب في السودان وتعزيز أمنها الغذائي من خلال الاستحواذ على الأراضي من قبل الشركات المرتبطة بالدولة. وكان تطوير ميناء أبو عمامة الذي تبلغ تكلفته 6 مليارات دولار على ساحل البحر الأحمر في السودان، والذي صُمم لربط المناطق الزراعية بمحطة تصدير ومتماشياً مع الاستراتيجية البحرية الإقليمية الأوسع للإمارات، واستكمال عملياتها في الاستحواذ على الموانئ في الدول المجاورة، من العناصر الأساسية لهذه الاستراتيجية.
ولكن الصراع الدائر في السودان أفسد هذه الخطط، حيث ألغى السودان رسمياً صفقة الميناء وأعلن وزير المالية السوداني أنه “بعد ما حدث، لن نعطي الإمارات سنتيمتراً واحداً على البحر الأحمر”.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد كشفت حرب السودان عن تباين كبير في الرؤى بين مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة:
حيث تنظر مصر إلى القوات المسلحة السودانية باعتبارها العمود الفقري المؤسسي الحاسم لدولة السودان، وهو ما يعكس نموذج الحكم العسكري الخاص بها. وبالتالي، فإن القاهرة تلتزم التزاماً راسخاً بضمان استقرار القوات المسلحة السودانية وتهدف إلى وضعها كقوة رائدة في أي حكومة مستقبلية في السودان. وتستبعد هذه الرؤية مشاركة الجماعات شبه العسكرية مثل قوات الدعم السريع، والتي تخشى مصر أن تعيد إشعال الصراع على حدودها الجنوبية.
وفي المقابل، تنظر دولة الإمارات إلى السودان في المقام الأول من خلال عدسة استخراجية، حيث تسعى إلى الوصول الاستراتيجي إلى الموارد الحيوية في البلاد. وفي هذا الإطار، تعمل قوات الدعم السريع كأداة محورية لاستخراج الموارد، حيث تعد دبي بالفعل الوجهة الرئيسية للذهب المهرب من خلال هذه الميليشيات.
وبعد أن أدركت الحكومة السودانية أنها تواجه قوة تتمتع بموارد جيدة وتعتمد على راعيها الأجنبي، وافقت على إجراء محادثات مباشرة مع الإمارات ولكن بشرط أن تتوقف الإمارات عن دعم قوات الدعم السريع وتدفع “تعويضات للشعب السوداني”. ويمثل هذا العرض مخرجاً محتملاً للصراع الجاري، ولكنه قد يشكل تحدياً مالياً ذا تأثير كبير على السمعة حتى بالنسبة لتلك الدولة النفطية الغنية.
لقد دمّر القتال معظم البنية التحتية الإنتاجية للبلاد وتسبب في خسائر تزيد عن 200 مليار دولار. وبالتالي:
أولاً، ستكون دولة الإمارات ملزمة بشكل أساسي بتمويل إعادة إعمار السودان – ثالث أكبر دولة في أفريقيا – مع قبول حل قوات الدعم السريع في نفس الوقت، والتي كانت حاسمة في حماية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية سواء في السودان أو كقوة مرتزقة في مسارح جيوسياسية حاسمة، مثل اليمن، في الخارج.
ثانياً، يتطلب الأمر كذلك أن تعترف دولة الإمارات بدورها في المساهمة في أكبر أزمة إنسانية ونزوح في العالم من خلال تسليح قوات الدعم السريع، وهي أفعال تتناقض بشكل صارخ مع الصورة التي رسّختها بعناية باعتبارها دولة تبذل الدعم الإنساني (عبر العالم).
وبالنظر إلى الوضع الحالي في السودان، فإن مصر تبدو في وضع جيد للعب دور الوسيط الحاسم في سد الفجوة المتزايدة الاتساع بين مطالب السودان ورواية الإمارات المستمرة بالإنكار.
وقد أشار وزير خارجية السودان بالفعل إلى أن مثل هذه المبادرة يجري النقاش حولها حالياً، وذلك في أعقاب الرحلة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية المصري إلى عاصمة الحرب السودانية، بورتسودان، وهي زيارته الثانية التي قام بها في غضون ستة أسابيع.
وإن كان الطريق إلى الأمام صعباً، إلا أنه واضح: فهو يتطلب اجتماعاً بين أبو ظبي والقاهرة لإتمام وقف إطلاق النار في الأمد القريب وتحقيق استقرار السودان في الأمد البعيد.
كما أن هناك فرصة للولايات المتحدة للاستفادة من نفوذها الدبلوماسي في التوسط بين مصر والإمارات، وتشجيع حلفائها على إيجاد أرضية مشتركة ومنع السودان من الانزلاق إلى مزيد من تفاقم الأزمة. فالبديل واضح ــ حيث لن يؤدي الاستمرار في دعم الفصائل المتعارضة إلا إلى تعميق انحدار البلاد إلى حرب أهلية طويلة الأمد ومتزايدة الوحشية.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.