ترجماتسياسة

المجلس الأطلسي: أمواج مضطربة –  صبر مصر الذي يكاد ينفد مع الرئيس ترامب

نشر المجلس الأطلسي،‏ وهو مؤسسة بحثية أمريكية غير حزبية تُعنى بالشؤون الدولية ومقرها في واشنطن دي سي، في 15 فبراير 2025 مقالاً بعنوان: ” أمواج مضطربة –  صبر مصر الذي يكاد ينفد مع الرئيس ترامب” لـ “شهيرة أمين”، وهي كبيرة باحثين غير مقيمة في مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي، وتركز على مصر والاقتصاد والطاقة والوصول إلى المياه وقضايا المرأة. حيث ترى الباحثة أن هناك مؤشرات بأن لدى مصر طموحات في تعزيز قدراتها الدفاعية الجوية، خاصة بعد أن تراجعت وزارة الدفاع الأمريكية عن وعد ترامب ببيع المقاتلات الشبحية F-36 لمصر في أغسطس 2024.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

في الوقت الذي تُثير فيه زيارة دونالد ترامب التاريخية إلى الشرق الأوسط ضجةً، تُعاني مصر من حالة من الاضطراب بعد مطالبة الرئيس الأمريكي القاهرة بالسماح بمرور السفن الحربية والتجارية الأمريكية عبر قناة السويس مجاناً دون دفع أي رسوم.

ففي منشورٍ نُشر على موقع “تروث سوشيال” الشهر الماضي، كتب ترامب: “يجب السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور عبر قناتي بنما والسويس مجاناً دون دفع أي رسوم“. وأضاف أنه طلب من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو معالجة هذا الوضع على الفور.

وفي المقابل، تناول ترامب حملة القصف الأمريكية ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن؛ وأن الضربات الجوية الأمريكية على أهداف الحوثيين تهدف إلى وقف هجمات الجماعة اليمنية على سفن الشحن في البحر الأحمر، والتي بدأت بعد وقت قصير من اندلاع حرب غزة في نوفمبر 2023.

وقد أخبرني المحلل السياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط سعيد صادق، أن تعليقات ترامب تُشير إلى “تحول في العلاقات الأمريكية المصرية”، التي وصفها بأنها “في أدنى مستوياتها منذ عقود”.

وأضاف أن “هذه التغييرات تمثل أيضاً تحولاً صارخاً في الأدوار حيث كانت الولايات المتحدة تقدم لمصر تقليدياً المساعدة الاقتصادية والمساعدات العسكرية في مقابل أمن إسرائيل؛ وهي الآن تطالب بالانتقام من حليفتها القديمة في الشرق الأوسط”.

وعلى مدار العام والنصف الماضيين، تسببت هجمات الحوثيين على سفن الشحن التجاري في البحر الأحمر في اضطراب كبير في حركة الملاحة البحرية، مما زاد من الضغط على الاقتصاد المصري المتعثر أساساً. وقد انخفضت عائدات قناة السويس بأكثر من 60% نتيجة للهجمات، التي كان من المفترض أن تكون رادعاً لحرب إسرائيل على قطاع غزة. ومن شأن التنازل عن رسوم السفن الأمريكية – التي يُقال إنها تمثل حوالي 10 إلى 20% من حركة المرور في الممر المائي الحيوي – أن يوجه ضربة جديدة للمالية المتضائلة بالفعل لهيئة قناة السويس، وبالتالي لخزائن الدولة في وقت تعاني فيه مصر من أزمة في العملات الأجنبية.

وبينما لم يكن هناك أي رد رسمي من القاهرة على طلب ترامب المثير للجدل بالعبور من قناة السويس دون دفع أي رسوم مقابل ذلك، إلا أن هذه الدعوة أثارت غضباً بين المعلقين والمشرعين المصريين. ففي منشور نشره في حسابه على منصة إكس، انتقد مصطفى بكري، الصحفي المؤيد للحكومة وعضو البرلمان، اقتراح ترامب ووصفه بأنه “ابتزاز“. وأشار إلى أن تصريحات ترامب كانت على الأرجح ردا على رفض القاهرة لخطة الرئيس الأمريكي لنقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن – وهي الخطوة التي حذر وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي من أنها ستهدد بشكل خطير الاستقرار الإقليمي وتؤدي إلى عودة ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة.

ومما زاد الطين بلة، أن ترامب ادّعى أنه ما كان لقناة السويس أن توجد لولا الولايات المتحدة، وهو ادّعاءٌ أثار ردود فعلٍ غاضبة من المحللين والأكاديميين المصريين الذين اعتبروه تحدياً لسيادة القاهرة على القناة. ففي مقابلةٍ تلفزيونيةٍ بُثّت على القناة الفضائية المصرية “تن”، انتقد علي الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تصريحات ترامب ووصفها بأنها “عدائية” و”خالية من الحقائق التاريخية”. وذكّر هلال بأن قناة السويس، التي افتُتحت رسمياً عام 1869، حُفرت بأيدي المصريين في وقتٍ كانت الولايات المتحدة تخرج فيه من الحرب الأهلية.

وكانت شركة السويس، التي أسسها الدبلوماسي الفرنسي فرديناند ديليسبس لهذا الغرض تحديداً، قد أشرفت على بناء القناة، وهي طريق تجاري رئيسي بين أفريقيا وآسيا.

وعزا سعيد صادق (المحلل السياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط) تزايد إحباط واشنطن من القاهرة إلى رفض الأخيرة الرضوخ للضغوط الأمريكية للمشاركة في الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الحوثيين. وأصرت القيادة المصرية على أن التهديد البحري سيتلاشى بمجرد سريان وقف إطلاق النار في غزة.

وأشار صادق إلى أن القاهرة “تشكك في أن القصف الأمريكي والبريطاني للبنية التحتية للحوثيين في اليمن سيحقق هدفها المنشود في ردع هجمات الحوثيين، رغم مزاعم الولايات المتحدة بأن عملياتها في اليمن تُضعف قدراتهم العسكرية“.

وعزّز الهجوم الحوثي الأخير على إسرائيل والذي جرى في 4 مايو، حين سقط صاروخ قرب مطار بن غوريون في تل أبيب، متسبباً في إغلاقه لعدة ساعات، اعتقاد القاهرة بأن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد جماعة الحوثي في اليمن قد فشلت في تدمير أو إضعاف قدراتها. وفي 26 مايو، أعلن ترامب عن توقف العملية العسكرية ضد الحوثيين بعد تقارير زعمت بأن جماعة الحوثي “أبلغت” الولايات المتحدة بأنها لم تعد ترغب في القتال.

وتوترت العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر بعد أن هدّد ترامب بقطع المساعدات عن مصر والأردن إذا رفض الحليفان الأمريكيان القديمان خطته لتهجير الفلسطينيين. ودفعت هذه التهديدات الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى إلغاء زيارة كانت مقررة له إلى الولايات المتحدة في 18 فبراير.

صورة أرشيفية: الجنرال عبد الفتاح السيسي يحضر الاجتماع الموسع لقمة البريكس في قازان، روسيا، في 23 أكتوبر 2024. تصوير: ألكسندر نيمينوف / رويترز/صورة أرشيفية

ويشير عدم زيارة ترامب لمصر أثناء زيارته للشرق الأوسط (إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة) أيضاً إلى اتساع هوة الخلاف بين واشنطن والقاهرة. وقد أسفرت هذه الجولة لترامب في المنطقة بالفعل عن صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار مع الرياض، والإعلان التاريخي عن رفع الولايات المتحدة للعقوبات المفروضة على سوريا. كما وردت تقارير تفيد بأن السعودية تدرس عرض قاعدة عسكرية أمريكية على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، مما يزيد من حدة التوتر مع القاهرة. ومن شأن وجود قاعدة أمريكية هناك أن يُمكّن واشنطن من مراقبة تهريب الأسلحة من إيران إلى لبنان وغزة، ولكنه سيُقوّض سيادة مصر على قناة السويس.

وفي مقطع فيديو تم بثه على قناة بي بي سي العربية، نفى سمير فرج، الخبير الاستراتيجي البارز في المجلس الاستشاري للأمن والدفاع في مصر، هذه الشائعات ووصفها بأنها “مؤامرة من “الإخوان المسلمين” تهدف إلى تأجيج التوترات بين مصر والسعودية من جهة، ومصر والولايات المتحدة من جهة أخرى”، مؤكداً أنه لا يوجد أي حديث عن قاعدة أمريكية على الجزيرتين.

كما قلّل فرج من شأن الخلاف بين مصر والولايات المتحدة، وقال إن هناك مفاوضات جارية بين القاهرة وواشنطن لتسوية أي خلافات بينهما.

ومع ذلك، دأبت القاهرة في الأسابيع الأخيرة على التقرب من الصين، غريمة الولايات المتحدة اللدودة. وقد أشارت أول مناورات عسكرية مشتركة بين القوات الجوية المصرية والصينية، والتي أُجريت في المجال الجوي المصري من 19 إبريل إلى أوائل مايو، إلى تعزيز التعاون الأمني ​​بين البلدين. ويشير بعض المحللين إلى أن التدريب العسكري المشترك كان يهدف إلى توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن القاهرة لديها خيارات أخرى.

وقال صادق: “إذا نفذ ترامب تهديده بخفض المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، فستلجأ القاهرة إلى مصادر أخرى للحصول على الدعم”، مضيفاً أن هذا على الأرجح تكتيك يهدف إلى تأمين المساعدات العسكرية الأمريكية أو إقناع واشنطن برفع قيودها على تحديث سلاح الجو المصري.

وفي حين لم تُخفِ القاهرة استراتيجيتها لتنويع مشترياتها الدفاعية، يبدو أنها تشعر بإحباط متزايد إزاء القيود الأمريكية على تحديث أسطولها من طائرات إف-16.

ونشرت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية على صفحتها الرسمية على فيسبوك مقطع فيديو لطائرات مقاتلة صينية من طراز J-10C وطائرات نقل صينية من طراز Y-20 أثناء إجراء التدريبات العسكرية المشتركة، وهو ما قد يُشير إلى طموحات مصر في تعزيز قدراتها الدفاعية الجوية. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد تراجعت عن وعد ترامب ببيع مقاتلات الشبح F-36 لمصر في أغسطس 2024.

وجادل صادق بأن الولايات المتحدة حذرة في عدم السماح لمصر بشراء طائرات مقاتلة متطورة، “لأن ذلك من شأنه أن يُقوّض القوة العسكرية لإسرائيل”. وإذا صحّت بعض التقارير الإعلامية التي تُفيد بأن صفقة أسلحة بين مصر والصين تتضمن بيع طائرات J-10C قيد الإعداد، فمن المرجح أن تُفاقم هذه الخطوة التوترات بين الولايات المتحدة ومصر، وربما تُخاطر بفرض عقوبات أمريكية على مصر.

ويُصرّ صادق على أن القاهرة لا تسعى إلى مواجهة مع الولايات المتحدة، وتحرص على الحفاظ على السلام مع إسرائيل. ورغم أن هذا صحيح على الأرجح، إلا أن سلسلة الاستفزازات الأمريكية الأخيرة تختبر صبر القاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى