الشرق الأوسطترجماتسياسة

واشنطن بوست: أزمة غزة تمنح مصر فرصة لإعادة تأكيد دورها في دبلوماسية الشرق الأوسط

هذا تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في 7  نوفمبر 2025، بعنوان: “أزمة غزة تمنح مصر فرصة لإعادة تأكيد دورها في الدبلوماسية بالشرق الأوسط” لـ ” كلير باركر”، وهي مديرة مكتب صحيفة واشنطن بوست في القاهرة، حيث تُغطي شؤون الشرق الأوسط، وعملت كاتبة في قسم الشؤون الدولية في الصحيفة، وصحفيةً مستقلةً في تونس، وزميلة في مؤسسة نادي الصحافة الأجنبية مع وكالة أسوشيتد برس في باريس؛ و “هبة محفوظ”، وهي مراسلة وباحثة في مكتب صحيفة “واشنطن بوست” بالقاهرة. 

يقول التقرير إن مصر راغبة في أن تلعب دوراً دبلوماسياً أوسع وأكثر استباقية في منطقة الشرق الأوسط في ظل كل تلك التحولات التي تشهدها المنطقة”. فبعد أن طغى الدور الدبلوماسي المتنامي لدول الخليج على النفوذ الذي كانت تتمتع به مصر. إلا أن القاهرة بدأت تستعيد بعض الزخم، حيث لعبت دوراً محورياً في تأمين الهدنة في غزة والعمل على ضمان استمرارها، بالإضافة إلى مساعيها الأخيرة في لبنان وجهود الوساطة التي قامت بها بين إيران والولايات المتحدة و “إسرائيل”.

وقد جاء التقرير على النحو التالي:

تعيش مصر لحظة دبلوماسية فارقة بعد سنوات من تراجع نجمها. فباستضافتها المفاوضات (الخاصة بوقف الحرب في غزة) الشهر الماضي في منتجع شرم الشيخ بسيناء، والتي أسفرت أخيراً عن وقف إطلاق النار في الحرب الإسرائيلية على غزة، أكدت مصر أنها لا تزال تتمتع بنفوذ كبير في منطقة الشرق الأوسط.

ويقول محللون ومسؤولون حاليون وسابقون إن قرب موقع مصر الجغرافي من “إسرائيل” و قطاع غزة، وعلاقاتها – التي بُنيت على مدى عقود – مع الجهات الفاعلة الرئيسية على جانبي الصراع، واختراقها الاستخباراتي في غزة، تجعل مصر عنصراً أساسياً في السعي لتحقيق سلام دائم. وعندما لاح في الأفق أن وقف إطلاق النار الوليد في خطر، قام رئيس المخابرات العامة المصرية حسن رشاد، الذي قاد فريق التفاوض المصري، بزيارة نادرة إلى “إسرائيل” للقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وقالت منى يعقوبيان، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن قمة شرم الشيخ كانت “نصراً كبيراً لمصر”. ومع ذلك، أضافت أن عودة مصر كقوة إقليمية مؤثرة “لم تكتمل بعد”.

وسوف تُختبر الدبلوماسية المصرية في الفترة المقبلة. حيث سيتعين على القاهرة أن تلعب دوراً محورياً في المساعدة على ضمان استمرار وقف إطلاق النار في غزة وحل المسائل المعقدة حول من سيحكم غزة ويفرض الأمن في ربوعها.

وقالت منى يعقوبيان: “السؤال الآن هو: هل ستحافظ مصر على نفوذها، وهل ستتمكن من توسيع نفوذها كوسيط خارج إطار جوارها المباشر؟”.

وقال وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمي، الذي كتب تاريخ الدبلوماسية المصرية، إنه من خمسينيات إلى سبعينيات القرن الماضي، كانت مصر زعيمة العالم العربي بلا منازع، وكانت القاهرة العاصمة الثقافية والسياسية للعالم العربي.

لكن العقود الأخيرة شهدت صعود دول عربية ثرية في الخليج العربي، حيث باتت الحكومات والمستثمرون الغربيون يعتبرونها القوى الفاعلة في الشرق الأوسط. وشهدت مصر في تلك الأثناء تراجعاً في مكانتها ونفوذها على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية وسط اضطرابات سياسية واقتصادية داخلية. 

وأعادت الحرب التي شنتها “إسرائيل” على غزة مصر إلى دورها القيادي في المنطقة. وتم إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني عبر شبه جزيرة سيناء المصرية. وضمنت الحدود المصرية مع غزة للقاهرة مقعداً على طاولة المفاوضات كوسيط (لوقف الحرب ومرحلة ما بعد الحرب).

وقال محمد إبراهيم الدويري، المسؤول السابق في المخابرات المصرية: “لدينا علاقات قوية مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل وجميع الفصائل الفلسطينية”، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وأضاف: “لا يوجد بلد آخر يتمتع بهذه العلاقات”.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي يتحدثان خلال قمة غزة في شرم الشيخ، مصر، في 13 أكتوبر 2025. (تصوير إيفان فوتشي/أسوشيتد برس)

ويقول محللون إن الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تعاني منها مصر قد أضعفت من نفوذها الإقليمي. وساعدت المخاوف من أن يؤدي صراع غزة وتداعياته الاقتصادية إلى زعزعة استقرار مصر في تأمين مليارات الدولارات من القروض والاستثمارات من المؤسسات المالية الدولية ودول الخليج والاتحاد الأوروبي.

ويُصرّ الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي، مثل أسلافه، على أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب “إسرائيل” هو الحل الوحيد القابل للتطبيق للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد قاوم اقتراح ترامب في شهر فبراير بتحويل غزة إلى ما أسماه الأخير “ريفييرا الشرق الأوسط” بإدارة أمريكية مع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. وبدلاً من ذلك، حشدت مصر الدعم العربي لخطة بديلة لحل أزمة غزة، وأقنعت المسؤولين الأمريكيين في النهاية بمزاياها.

وتُشبه خطة ترامب للسلام المكونة من 20 نقطة، والتي أعلن عنها الرئيس الأمريكي الشهر الماضي، خطة مصر في بعض الجوانب الرئيسية، بما في ذلك الدعوة إلى تشكيل لجنة من التكنوقراط الفلسطينيين لإدارة غزة مؤقتاً، وتدريب قوات الشرطة الفلسطينية من قِبل مصر والأردن، ونشر قوة دولية لتحقيق الاستقرار في القطاع. إلا أن الخطة المصرية لم تتضمن اقتراح ترامب بتشكيل “مجلس سلام” يرأسه هو للإشراف على إدارة القطاع الفلسطيني.

وقال حسين إبيش، كبير الباحثين المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: “مصر تُحقق أهدافها في غزة”. وأضاف أنه إذا نجحت العملية التي بدأت في شرم الشيخ في إنهاء الحرب في نهاية المطاف، “ستكون مصر قد برزت كدولة لا غنى عنها… وهذا أمر بالغ الأهمية لدولة تعتمد على عمليات الإنقاذ المالي الدولي بشكل دوري. وفي النهاية، فهي ليست دولة تبهر الجميع بقوتها”.

في الحقيقة، لم يكن لمصر أي دور يُذكر في المساعدة على تأمين اتفاق وقف إطلاق النار. فقد لعبت قطر، التي استضافت المحادثات، مثلما استضافتها القاهرة، دوراً محورياً في المسألة، ثم أضافت تركيا ثقلاً دبلوماسياً في النهاية. حيث تتمتع كل من قطر وتركيا بنفوذ كبير على حركة المقاومة الإسلامية – حماس، ويعود ذلك جزئياً إلى استضافتهما لقيادات حماس السياسية في المنفى.

وتتمتع مصر بعلاقة أكثر برودة مع حركة حماس، التي يُقلق توجهها الإسلامي الحكومة في القاهرة. لكنها استثمرت بكثافة في تطوير اختراق استخباراتي عميق داخل غزة، وحافظت على حوار مستمر مع مقاتلي حماس ومسؤوليها هناك، وفقاً لمسؤولين ومحللين عرب حاليين وسابقين.

وأكد إبيش أن اتصالات مصر مع المقاتلين الفلسطينيين في قطاع غزة بالغة الأهمية لضمان ترجمة أي اتفاق على الورق إلى واقع ملموس على الأرض.

وعلى سبيل المثال، ففي الأيام الأولى لوقف إطلاق النار تمكنت القاهرة من إقناع مقاتلي حماس بالتوقف عن إعدام مناوئيهم في غزة، وذلك وفقاً لخالد عكاشة، المستشار المصري الذي قدم المشورة للوفدين الفلسطيني والمصري في محادثات شرم الشيخ.

يتبع مسلحون من حماس، إلى جانب أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حفارة مقدمة من مصر خلال البحث عن جثث أسرى إسرائيليين في مدينة غزة يوم الأحد. (تصوير عمر القطا/وكالة الصحافة الفرنسية/صور جيتي)

وصرح وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بأنه أجرى محادثات مع كبار المسؤولين من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية وعربية وإسلامية في الأسابيع الأخيرة لمناقشة كيفية تشكيل قوة استقرار دولية ومجلس السلام في غزة.

وقال عبد العاطي: “علينا العمل على جميع القضايا على مسارات متوازية في نفس الوقت. “وليس لدينا رفاهية الانتظار”.

وقال عبد العاطي إن مصر تسعى جاهدةً لضمان أن تكون أي ترتيبات انتقالية في غزة مؤقتة، وأن تسمح في نهاية المطاف للسلطة الفلسطينية المتمركزة في الضفة الغربية بتولي زمام الأمور هناك كخطوة نحو إقامة دولة فلسطينية. ولتحقيق هذا الهدف، عقدت مصر أيضاً محادثات بين مختلف الفصائل الفلسطينية في القاهرة.

ومن المتوقع أن تلعب مصر دوراً محورياً في إعادة إعمار غزة، وقال عبد العاطي إنه يعمل مع مسؤولين أمريكيين لتنظيم مؤتمر رفيع المستوى لإعادة الإعمار في غزة سيُعقد في مصر خلال الأسابيع المقبلة.

وتسعى مصر أيضاً في الوقت نفسه إلى لعب دور في تهدئة الصراعات الإقليمية الأخرى. حيث قال مسعد بولس، كبير مستشاري الولايات المتحدة للشؤون العربية والأفريقية، إنها “لاعب أساسي للغاية” في السودان المجاور لها، حيث يحاول المسؤولون المصريون التوسط لوقف إطلاق النار في حرب أهلية وحشية دائرة هناك.

وقال بولس: “إنهم في خضم كل هذه الصراعات، ومن الواضح أننا نعمل معهم في كل هذا”، واصفاً مصر بأنها “شريك جيد”. 

وقد تدخلت مصر مؤخراً في جهود لمنع انهيار الهدنة الهشة بين “إسرائيل” و “حزب الله” في لبنان، حيث أوفدت رئيس المخابرات العامة المصرية حسن رشاد إلى بيروت للقاء كبار المسؤولين هناك الأسبوع الماضي. 

وتُحافظ مصر على اتصالات سرية مع “حزب الله”، وفقاً لمسؤول مصري سابق مطلع على هذه الترتيبات، تحدث إلى صحيفة نيويورك تايمز شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة محادثات حساسة. 

وقال منير ربيع، المحلل والمتحدث السابق باسم الحكومة اللبنانية: “ترغب مصر في القيام بدور أوسع وأكثر استباقية، في ظل كل التحولات التي تشهدها المنطقة”. وأضاف ربيع أن مقترح القاهرة بشأن لبنان يعكس بالفعل الخبرة التي اكتسبتها من ملابسات حرب غزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى