fbpx
دراساتسياسة

مصر الاحتجاج المشروط: قراءة في حراك 20 سبتمبر

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مصر الاحتجاج المشروط: قراءة في حراك 20 سبتمبر

برغم أن رجل الأعمال المصري محمد علي كان قد دعا المصريين للتجمع أمام منازلهم محتجين في صورة مشجعين لفرقهم الرياضية في أعقاب مباراة فريقي الأهلي والزمالك، قطبي كرة القدم في مصر، في 20 سبتمبر 2019، إلا أن الشباب المصري تجاوز الدعوة للاحتجاج أمام المنزل، وخرج في تجمعات كبيرة اقتحمت أيقونة ميادين 25 يناير أو “الميدان المحرم”؛ ميدان التحرير، بالإضافة إلى ميادين مثل ميدان القائد إبراهيم في الإسكندرية، وميدان الأربعين في السويس، وغيرها من الميادين، محطمة ما دأب مراقبو الشأن المصري على تسميته بـ “حاجز الخوف” من إجراءات قمع غير مسبوقة سبق لسلطة 3 يوليو أن هددت باقترافها[1]، برغم أنها – أي السلطة – التي بحسب غالبية المراقبين السياسيين تكاد تكون موضوع توافق سلبي على صعيد أدائها أو صعيد شخص رئيسها.

كأن الحراك أراد أن يرسل رسالة للنخبة السياسية المصرية مفادها أن رؤيتها حياله مغلوطة وأن تصورها عن موقفه قاصر، وأنهم – كمصريين لا يحتاجون لمن يدفعهم للاجتراء على الاحتجاج أو يستدرجهم إليه، وأنهم لا يهابون القفز على الحواجز المضروبة حولهم؛ لكنهم – فقط – يريدون قيادة مسؤولة لا تعاود اقتراف أخطاء الحاكمين والمعارضين على النحو الذي شاهدناه خلال عام رئاسة د. محمد مرسي رحمه الله.

هذا التجاوز الشبابي يحتاج إلى وقفة، فما إن بدا الاحتجاج يجنح للهدوء مجددا، حتى تجددت دعوة أخرى للحراك في 19 نوفمبر، وأتت هذه الدعوة بعدما ألهم تحدي المصريين جملة من حالات الحراك وأدت جسارة الشباب المصري لاندلاع احتجاجات العراق ولبنان. حديثنا عن الإلهام يأتي في إطار من إصرار المحتجين في أي بلد عربي يشهد الاحتجاجات على كيل الهتافات الاحتجاجية ضد رأس سلطة 3 يوليو، ما دفع الأذرع الإعلامية للتساؤل عن سبب هكذا اجتراء[2].

تصدر هذه الورقة بين دعوتين احتجاجيتين في مصر، أولاهما قد خلت، وهي احتجاجات 20 سبتمبر، والتي اقتحم فيها المصريون الميادين المحظورة، ضاربين بعرض الحائط تهديدات سلطة 3 يوليو بمواجهة شرسة، ونيته عدم السماح بتكرار نموذج 25 يناير، وإن حدثت وفق تصور المصريين عن “حراك مشروط”.

أما الدعوة الثانية، فهي دعوة للحراك في 19 نوفمبر، وهي دعوة من غير المعروف بعد الجهة التي تقف وراءها، وفي تقدير الباحث أنها لن تكون خاضعة لنفس معايير الحكم على “حراك 20 سبتمبر”؛ لأنها ستنبت في بيئة غير تلك التي نبت فيها. ويبقى أن فهم إطار “حراك 20 سبتمبر” كفيل بأن يكشف آفاق أي حراك مصري في المستقبل.

هذه الدراسة تقدم اجتهادا في فهم إطار “حراك 20 سبتمبر”، ولماذ يسميه الباحث “تعاقد الاحتجاج المشروط”؟ وهل تعني هذه المشروطية نكوص المصريين عن خيارات يناير؟ أو أنها تؤكد وجود ذلك “الكلاشيه” الذي يتهم المصريين بالخضوع للسلطة؟ وما هو بديل الاحتجاج المشروط؟ وما شروطه؟ ولماذا – بتقدير الباحث – يصر عليه المصريون؟ وهل تنسحب معايير الحكم على “حراك 20 سبتمبر” على ما يليه من حراك؟

الاحتجاج المشروط.. ما هو؟ ولماذا؟

الجانب الأول من هذه الدراسة يتعلق بالاحتجاج المشروط كمصطلح يحتاج إلى تعريف في ذاته، كما يحتاج إلى توصيف الدافع الذي حرك في المصريين الرغبة في إثبات أن ما يحكمهم في تؤدتهم وصبرهم حيال الأوضاع الراهنة في مصر ليس تخوفا من وعيد، بل لأنهم يحتاجون إلى شرط تاريخي للقيام بالاحتجاج. فما هو هذا الشرط؟ وما داعي تأكيد المصريين على ضرورة توفره؟

أ. مصطلح الاحتجاج المشروط:

هو مصطلح يقصد به الباحث هنا لجوء المواطنين المصريين للحراك في إطار/ بيئة سياسية داخلية يمكنهم قبولها باعتبارها علاجا لـ “أزمة عدم توفر نخبة سياسية بديلة”. يعكس قلق المصريين من الحراك بدون بديل يمكن الاعتماد عليه وجود تخوفين أساسيين: أولهما تخوف حيال مستقبل البلاد في إطار ما تعانيه من ضغوط اقتصادية وسياسية وظروف إقليمية مضطربة، وثانيهما القلق حيال تكلفة الحراك نفسه، وهي تكلفة سيدفعونها من دمائهم. وفي هذا الإطار يبدو أن دعوة رجل الأعمال محمد علي تضمنت إشارة لوجود تأييد للحراك من المؤسسة العسكرية المصرية[3]، وهو ما أدى لتراجع القلق حيال البعدين المشار إليهما. وفيما يلي تفصيل لمجمل ما سبق إجماله.

ينطوي التعريف على بعدين أساسيين لتأسيس المصطلح: أولهما يتعلق بالقلق حيال المستقبل، وثانيهما يتعلق بالقلق حيال تكلفة الحراك.

فيما يتعلق بالبعد الأول للحراك، فإن الباحث ينطلق من فرضية أن المصريين يربطون حراكهم الاحتجاجي بتوفر قدر من الاطمئنان لديهم حيال مستقبل البلاد، وهو ما يعني بالنسبة إليهم أمن أطفالهم وبيوتهم وأهليهم وبيوتهم. فثمة إدراك ووعي لدى الجماهير بخطورة التحرك في إطار غياب بديل قادر على أن يحافظ على تماسك البلاد؛ لاعتبارات عدة سنفصل الحديث عنها لاحقا. إطار أو بيئة الحراك الذي نتحدث عنه في التعريف ينصرف إلى ما يمكن تسميته “أزمة غياب البديل السياسي”.

هذه الأزمة لا يقصد الباحث منها في هذا المقام وجود غياب للسلطة؛ أو حدوث شغار بأحد مناصبها المركزية، بل يعكس تخوفا من وجود حالة شقاق في صفوف النخبة السياسية التي من المفترض أن تمثل بديلا لسلطة 3 يوليو، سواء أكان هذا الشقاق مصطنعا (تخلقه السلطة المركزية من خلال امتلاكها أدوات القمع المفترض اتسامها بالمشروعية؛ حتى وإن كانت تستخدم في إطار غير مشروع؛ من قبيل الإخفاء القسري، أو التهجير القسري، أو السيطرة على السلطة القضائية وأحكامها، وحتى التصفية خارج إطار القانون).

أو حتى إن كان هذا الشقاق حقيقيا (وجود خلافات بين مكونات التيار الديمقراطي المطالب بالتغيير؛ والذي يمكن تجسيده فيما سبق أن عالجناه تحت مسمى “النموذج الإسباني”؛ والذي يعكس رغبة القوى المدنية في تحصيل قوة ذاتية لها لكي لا تضطر راغمة – في المستقبل – لتحالف لا ترتضيه إما مع قوى تفرض عليها مسارا لا تقبله).

بتقدير المصريين، وبحسب ما رصده الباحث من نقاشات “علنية” في شبكات التواصل ومواقع التدوين، فإن التحرك في إطار لا يتضمن غياب البديل السياسي يعني السعي في حراك قد يقود نحو “مجهول”. وفي هذا الإطار، بدا إيثار المصريين التربص، حتى لاحت دعوة رجل الأعمال محمد علي للخروج، والتي وجدوا فيها بديلا لحالة الفراغ السياسي، حيث كان مفهوم ضمنا من حديث “علي” أنه لا يتحرك بمفرده، وأنه يتمتع بمساندة قطاع من المؤسسة العسكرية، وعدوه بالمساندة، وعدم تدخل القوات المسلحة ضد المتظاهرين، وهو ما حدث بالفعل برغم وجود انتشار عسكري كثيف في بعض محافظات مصر التي عرفت باحراكها الاحتجاجي القوي؛ حتى وإن أعلن “علي” لاحقا أنه تحدث عن مؤيدين له بين ضباط الجيش والشرطة وأنه لا يعمل بترتيب مع مؤسسة سيادية داخل مصر[4]، وإشارته إلى أنه يعمل بمفرده، وهو ما قد يحمل دلالة على رغبة في تخفيف الضغط على المؤسسة العسكرية، أو لتبرير تراجع المؤسسة العسكرية في وعد قطعته على المصريين.

كانت محاولة محمد علي لتعزيز حالة المعارضة المصرية، والعمل على “كسر حاجز الخوف” لدى المصريين، هي ما وقف وراء ترتيبه لتطوير حالة الحراك رويدا رويدا، فدعا إلى احتجاج بسيط يبدأ بتجمعات المحتجين أمام منازلهم، تحت لافتة الفرحة بالفريق الفائز، أو مؤازرة الفريق المهزوم، محاولا إقناع المصريين بأن الشرطة لن تنتشر أمام كل البيوت في مصر، وحتى إن انتشرت في مناطق محددة؛ فإنها لن تقدم على عمل قمعي في مواجهة مشجعين رياضيين؛ إما فرحين بفوز فريقهم أو مكلومين جراء هزيمته.

لكن أبعاد الدعوة الصادرة عن محمد علي، بما تضمنته من حديث عن مؤازرة عسكرية وتعاطفا شرطيا يرتقبان تصاعد الحراك، مثلت بديلا مناسبا للمصريين لمعالجة “أزمة شغار البديل السياسي”، وهو ما دفع المصريين لعدم الوقوف عند الحد الذي تضمنته دعوة “علي”، والخروج بحشود غفيرة، اقتحمت الميادين المصرية، بما في ذلك “ميدان التحرير”.

وقد تحدث حقوقيون لاحقا عن بلوغ عدد المعتقلين جراء هذه الاحتجاجات نحو 8000 معتقل[5]، وإن خفضت المفوضية المصرية للحقوق والحريات هذا العدد لاحقا إلى 4321[6]، وهو ما يشير لمستويات الاحتجاج في الشارع بالنظر لكون المعتقلين نسبة ضئيلة من المحتجين.

أما البعد الثاني لمصطلح “الاحتجاج المشروط” فيتمثل في القلق حيال تكلفة الحراك، وهي أمر في تقدير الباحث لا ينفك عن تقدير المصريين لمدى اليقين حيال المستقبل. كيف يرتبط هذان العاملان؟ فمن خلال تفاعلات الباحث على شبكات التواصل الاجتماعي مع دوائر الأصدقاء (على المستوى الشعبي).

ومن خلال التفاعل مع المعارف من قادة الرأي العام الذين انحصرت مساهماتهم في شبكات التواصل نتيجة للضغوط السلطوية[7]، يخلص الباحث إلى أن رؤى المصريين (مؤيدين لسلطة 3 يوليو أو معارضين لها) لأي انخراط في حراك غير معلوم المآل، لا تتوقف عند حدود تصور حالة السيولة السياسية وما ستؤدي إليه في المستقبل، لكنه يعني كذلك احتمالات حدوث تجاوزات سافرة من السلطة في مواجهة الحراك، وهي تجاوزات ستجد تأييدا من قطاع المنتفعين بالحراك، لأن هكذا حراك سيوصف – من جانب أذرع سلطة 3 يوليو الإعلامية – بأنه “حراك بلا مستقبل”، وأنه “حراك بغير عاصم من احتمالات تكرار 30 يونيو ويوليو”، وأنه لا إمكانية معه لاستقرار مصر في المستقبل.

التجاوز هنا يعني أن هكذا حراك سيعني مواجهته قمعا مفرطا، وسيعني أيضا وجود خطاب مؤيد للسلطة يبرر التكلفة الاجتماعية والسياسية لمواجهته، وهو خطاب تتوفر له الآن أرضية وسوابق، أبرزها كلمة إحدى إعلاميات الأذرع الإعلامية: “إيه يعني لما نضحي بعشرتلاف وللا 100 ألف من أجل الاستقرار.. احنا كتير.. 90 مليون”.

التعرف على هذا البعد يعطينا تصورا عن حجم التضحية التي قام بها الشباب المصريون بمجرد أن نما إلى علمهم أن ثمة من الأجهزة السيادية من سيعمل على خفض تكلفة الحراك.

ب. الشرط التاريخي للاحتجاج المشروط:

لماذا “الاحتجاج المشروط” إذا؟ ولماذا لا يطور المصريون هذه الغضبة داخلهم لحالة مواجهة مستمرة؟

في مطلع هذا العام، نشر الباحث دراسة عن “تفكيك نظرية الاستبداد الشرقي”[8] ركز فيها على الحالة المصرية، وأكد – بشهادات وروايات المؤرخين عبر العصور – حيوية المصريين السياسية، ومسيرة احتجاجاتهم التي نجحت في تغيير وجه مصر متى وجدت استعدادا تاريخيا من نخبتها المعارضة، وعلى الوقوف عند حد الهبات الاحتجاجاية عندما لا تكون النخبة مستعدة للمساندة، تماما على النحو الذي تكابده العلاقة بين المواطنين ونخبة التغيير اليوم.

الإحالة لهذه الدراسة تكتسب أهمية بالنظرإلى أن قطاع من المحتجين؛ أو ربما “اللجان الإلكترونية” المحسوبة على سلطة 3 يوليو وحلفائها[9]؛ قد اتجهوا مجددا نحو تحميل المصريين اللائمة عن تغول السلطة، مستندين إلى أنهم – وفي إطار تقديرات الشخصية القومية المصرية بزعمهم، شعب خاضع للسلطة، قليل الحراك، محود القدرة في الضغط على السلطة السياسية[10].

غير أن هذا الأمر لا يستقيم من وجهة نظر الباحث؛ الذي يفترض – بحثيا – وبما سبق أن تعرض له بالترجيح في الدراسة المشار إليها، أن النخبة المعارضة تفتقر – ظرفيا – للشروط الموضوعية لقيادة حراك الشعب، وأنها لما توفر لها هذا الشرط التاريخي في 25 يناير؛ تمكنت من قيادته، لكنها لم تلبث أن عصفت بهذا الشرط حين قررت إعادة الوضع في مصر لما هو أسوأ مما سبق 25 يناير.

ومن أهم دلائل ذلك أن الجماهير المصرية تجاوزت الحدود التي رسمت لحراكها الاحتجاجي واقتحمت الميادين؛ بما في ذلك “ميدان التحرير”، عندما رأت أن الشرط التاريخي لحراكها قد تحقق. لكن ما هو الشرط التاريخي لهذا “الاحتجاج المشروط”؟ وما داعيهم للتأكيد على هذا الشرط؟

دواعي الخروج:

سبق أن لفتنا تعريضا إلى الشرط التاريخي الذي اشترطه المصريون لأجل الخروج والاحتجاج، ألا وهو شرط عدم وجود شغار سياسي. فما هو سبب هذا الشرط؟ أو ما الداعي لوجوده؟ والحقيقة أن هناك عدة اعتبارات داخلية وخارجية هي التي دعت العقل المصري الجمعي لترجيج ضرورة هذا الشرط. هذه الاعتبارات والدواعي هي:

1. الدواعي الداخلية:

لم يعد مستوى التردي الاقتصادي الذي وصلت إليه مصر مستوى آمن بالنسبة للمصريين. فارتفاع المديونيتين الداخلية والخارجية، وعدم توجيه هذه المديونية نحو الاستثمار، علاوة على مستوى التضخمن غير المسبوق، والانخفاض الهائل في سعر صرف الجنيه المصري، كل هذه الاعتبارات تثير مخاوف المصريين من تأثير أية حالة للسيولة قد تنجم عن حراك احتجاجي لا تقوده سلطة قوية أو قادرة على البقاء، وبجانب البقاء تكون قادرة على اتخاذ قرارات قوية تمكنها من أن توفر أساسا لإصلاح الوضع الراهن، فضلا عن أن تمنع احتمالات تفاقم الوضع الاقتصادي المأزوم.

ونجحت سلطة 3 يوليو في تأمين نفسها من الاحتجاج عبر التاكيد على هذا التدهور بصورة غير مباشرة، بالتسويق لإنجازات وهمية، لم تقترن بمؤشرات معيشية تفيد بنجاح المسيرة الاقتصادية، فبات المصريون يعلمون بتدهور الوضع في توقيت تكذب عليهم الآلة الإعلامية السلطوية بما يفيد خلاف الحقيقة، لكنه كذب تقصد سلطة 3 يوليو أن يكون مكشوفا، فيبرر الخوف من المستقبل، ويصب في مربع التخوف من تجديد الاحتجاج[11].

2. الدواعي الخارجية:

إن التخويف من مصير مماثل لمصير سوريا والعراق واليمن، كان في السابق تخويفا أجوف، حيث كان ينظر للقوات المسلحة المصرية باعتبارها قادرة على منع حدوث تدهور مماثل لما حدث في هذه البلدان، وهو ما تمثل لاحقا في قدرة المؤسسة العسكرية الجزائرية على احتواء الوضع الاحتجاجي في الجزائر بصورة كبيرة، ما كان يؤكد على صحة توقعات المراقبين المصريين فيما سبق. غير أن سلطة 3 يوليو نجحت في خلق فئة مصلحية قوية داخل المؤسسة العسكرية ترتبط بإمبراطورية اقتصادية متنامية[12]، ونجحت في توريط هذه النخبة في مواجهة مع المصريين عبر أقواتهم ومآويهم، وعبر فتح أبواب واسعة للنفوذ العسكري الأجنبي، وبخاصة الروسي، ما يمثل مصدر قلق للمصريين حيال المستقبل[13].

الاعتبارين السابقين يوضحان مسؤولية سلطة 3 يوليو عن رفد الواقع المصري بأدوات التخويف من الاحتجاج، وهي روافد قيست على أساس خطاب التخويف الذي سبق لسلطة 3 يوليو أن استخدمتها لتوفير أساس لبناء خطاب تخويف لاحق من مصار الدول الفاشلة أو المنهارة، والتي يشارك حلفاؤه في دفعها نحو الانهيار، وكأن هذا الانهيار هدف – ضمن أهداف – للحفاظ على مستقبل مصر تحت أيديهم.

في هذا الإطار، كان تأكيد رجل الأعمال محمد علي في خطابه على مؤازرة القوات المسلحة للمصريين في احتجاجهم أحد صور الشرط التاريخي/ الموضوعي لبدء الحراك. فهدوء الحراك الجماهيري بالنسبة للمصريين لا يمثل انعكاسا لشخصيتهم القومية، بل على النقيض، يمثل وعيا بمآلات غياب بديل سياسي واضح، وهو ما أدى بهم للحراك متى تيقنوا من وجود بديل.

غير أن الإشارة لهذا الشرط الضامن تعني – فيما تعني – أيضا أنه لم يعد ثمة ثقة في إمكانية توفر مثل هذا الشرط في المستقبل، وأنهم تعرضوا لخديعة أدت إلى تكلفة عالية، على نحو ما أشرنا عاليه، وتجاوزته إلى الاجتراء على المحامين الذين يتولون الدفاع عن المعتقلين في الحراك، ومن أبرز أسمائهم محمد الباقر وماهينور المصري وعمرو إمام.

بديل الاحتجاج المشروط

من المهم في هذا الإطار أن نوضح الخلفية التاريخية التي دفعت المصريين للجوء لبديل الاحتجاج المشروط. وهي خلفية ترتبط بشكل خاص بالتكلفة التي تحملها المصريون من أجل ثورة 25 يناير، وما لقوه من رد فعل نخبوي حيالها.

أ. التكلفة التي تحملها المصريون:

فمن جهة، لابد من إعادة التذكير بالتضحيات التي قدمها المصريون خلال فترة 25 يناير. إن أية مراجعة للتقارير الحقوقية التي صدرت قبيل الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر في ما – يونيو 2012، تشير إلى الجدية التي تعاطى بها المصريون مع هذا الحدث الجلل، وضخامة هذه التضحيات التي قدموها في إطاره. ويمكن الإشارة في هذا الصدد لعدة أمور، هي:

1. التضحيات الشخصية:

ونقصد بها في هذا الإطار ما قدمه المصريون من تضحيات شخصية تتعلق بأرواحهم وأجسادهم عبر سلسلة المواجهات التي خاضوها مناصرة للقوى السياسية التي نشطت في الميدان خلال الفترة من 25 يناير 2011 وحتى 25 يونيو 2012.

ومن أجل استعادة الذاكرة، نستعيد تدفقات الأحداث من مواجهة يوم 25 يناير، ثم أحداث قتل المساجين، بما في ذلك السجون التي لم تتعرض لمحاولات تهريب للنزلاء المدانون فيها (27 يناير)، ثم ضحايا يوم “جمعة الغضب” (28 يناير)، ثم مواجهات “جمعة الرحيل” (4 فبراير)؛ والتي سبقها ما ذهب في التاريخ باسم “موقعة الجمل” (2 فبراير)، وأحداث مسرح البالون (28 يونيو)، وأحداث اقتحام سفارة الكيان الصهيوني (9 سبتمبر)، و”مجزرة ماسبيرو” (9 أكتوبر)، وجرائم “محمد محمود” الأولى (19 – 25 نوفمبر) والثانية (في ذكرى الأحداث الأولى بعد مرور عام كامل)، وأحداث مجلس الوزراء (15 ديسمبر)[14]، وأحداث العباسية (2 مايو 2012).. إلخ.

كل هذه المواجهات كان لها حصاد مرير.

ويشير كتاب “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان” المعنون “ضوء في درب الحرية.. شهداء ثورة 25 يناير” إلى أنه خلال الأيام الثماني عشرة الأولى من عمر هذه الثورة المجيدة، قتل 841 مواطنا مصريا[15].

وتضيف منظمة العفو الدولية في تقريرها عن نفس الفترة معلومات عن إصابة أكثر من 6467 مواطنا مصريا، علاوة على تأكيدها لعدد الشهداء الذي سبق للشبكة العربية التأكيد عليه، كما حرصت على توثيق نسبة المعلومتين لبيانات وزارة الصحة المصرية، التي تراجعت عن هذا الرقم في بيانها الأخير لتقف برقم “الشهداء” عند 365 مواطنا شهيدا[16].

تقرير “منظمة العفو الدولية” الذي حمل عنوان “مصر تنتفض”، تحدث عن الخلفيات الاجتماعية لهؤلاء الضحايا، هؤلاء الضحايا لافتة لكونها تتركز بين خلفيات اجتماعية بسيطة؛ فمعظمهم من الشباب العاطل عن العمل، أو الذي يمتهن مهنة أدنى من مستواه التعليمي، ويكافح من أجل المعيشة الكريمة أو إعالة أسرته التي فقدت باستشهاده العائل الوحيد للأسرة[17].

وفي تقرير مجمع عن الضحايا المصريين حتى نهاية يونيو 2013، يشير موقع تقرير نشره موقع “سودانايل”؛ مستند لتجميع بيانات رسمية وليست حقوقية، إلى أن عدد ضحايا عنف الدولة بلغ 7043 مواطنا مصريا شهيدا، فيما بلغ عدد المصابين نحو 50000[18]. ولا يعد من قبيل القسوة في هذا الإطار التذكير بقطاع من إصابات المتظاهرين عبر استهداف أعينهم بأعيرة “الخرطوش”؛ ما تسبب في فقء أعين عدد كبير منهم؛ منهم 60 في أحداث محمد محود الأولى وحدها[19].

2. تحمل إفراط التظاهر لدى القوى السياسية:

من الاعتبارات بالغة الأهمية في تقدير ما تحمله المصريون خلال الفترة ما بين 25 يناير و30 يونيو، ذلك الإفراط في التظاهر، والذي تسبب في إرهاق المصريين على أصعدة عدة. لم يأخذ ثوار 25 يناير في حسبانهم عدة أمور، أبرزها أن حيوية المصريين السياسية وإن كانت عالية بحسب ما رصدته دراسة سابقة للباحث؛ إلا أنها ليست حيوية لذاتها، بل حيوية براجماتية تنشد التغيير إن توفرت نخبة قادرة على إحداثه على نحو ما حدث في عهد أمنمحات الأول وحتى نخبة الوفد، مرورا بنماذج عدة منها دعم الفتح العربي ودعم الفتح الفاطمي ثم الانقلاب على الدولة الفاطمية باتجاه الدولة الأيوبية، والانتفاضة الأزهرية ضد العثمانيين وتولية محمد علي ومقاومة الاحتلال الفرنسي الذي شهد 3 ثورات كبرى في 3 سنوات حكم، وكلها انتفاضات ارتبطت بما دب من ضعف في النخب الحاكمة؛ أدى بها إلى النكوص عن أداء وظائف الإعمار وتحقيق المصالح.

أو أن هذه الحيوية البراجماتية كانت تهدف إلى وقف التدهور أو تغول السلطة على نحو ما حدث من مواجهات واسعة بدأت بمواجهة الإمبراطور الروماني هادريان ثم الخليفة العباسي المأمون وحتى المواجهات التي اشتعلت مع المماليك ومع أسرة محمد علي؛ وبين هذه الأحداث مئات الانتفاضات التي لم تتحول لحركات تغيير بسبب وهن النخبة السياسية المصرية[20]. ولا يعني هذا أن الباحث لا ينكر الطبيعة الدينامية للشعوب، ومن بينها المصريين، والأثر السلبي الذي قد يكون أصابهم جراء تأثير أعوام التسلط العسكري المصري في أعقاب ثورة 1952[21].

الاحتجاج ليس هدفا؛ لا للمصريين ولا لغيرهم من الشعوب، الهدف هو فاعلية الحراك من أجل تغيير يسير بثبات، وإن كان وئيدا.

ومن جهة أخرى، وفي نفس إطار التحمل، لم تقف حركة ثوار يناير عند ما يعرفه عموم المصريين باسم “بيوت مفتوحة”، كانت في حاجة للاستقرار كي تظل عامرة، فمن المهم أن تعمل أجهزة الدولة بانتظام، وأن تبدأ الشركات في الاطمئنان والعودة إلى فتح مكاتبها، وتشرع في العمل بشكل منتظم يعيد “فتح بيوت الناس”، وأن يتحرك عموم المصريين بحرية، بعيدا عن الضغوط الأمنية وإعاقات الطرق والميادين، وأن يكون الخروج الاحتجاجي مدروسا بما لا يشكل عبئا على معاش المصريين، أو أن ينطوي على توعية لعموم الناس لمعرفة الأهداف التي تحكم هذا الحراك الاحتجاجي. وبرغم الإفراط في التظاهر، وبرغم بساطة طموحات المصريين السياسية، إلا أنهم ساندوا هذا الإفراط، وإن على مضض، على أمل أن يكونوا مسؤولين؛ وأن يصلوا بالبلاد بعد ذلك إلى درجة من الاستقرار المرتبط بتحسن الأحوال.

هذه الفرضية بالقطع لا يمكن اللجوء في إثباتها للوسائل العلمية المتاحة لقياس مشاعر أو اتجاهات الرأي العام، لما يشوب استخدام هذه الوسائل في مصر من تضليل كنتاج للقمع والتخويف السياسيين، لكن تعليق قطاع من المصريين على هذا الإفراط في التظاهرن وملاحقة المرشحين، لم يكن له من تعليق عند رجل الشارع وقتها سوى أن ما يحدث هو “وقف حال”.

وبرغم أن تكرار المليونيات خلال العام الذي أعقب ثورة يناير كان مبررا؛ بسبب تلكؤ المجلس العسكري في تسليم السلطة للمدنيين، وبسبب ألاعيبه التي تخللتها كبائر تتعلق بقتل المصريين وإحراق المجمع العلمي، إلا أن انتهاء كل هذه التضحيات بإعادة الأوضاع لما كانت عليه أو أسوأ عبر 30 يونيو وما تبعها من انقلاب 3 يوليو؛ هو ما مثل الفاجعة الكبرى للمصريين. تقدير الباحث أن رجل الشارع يشعر بأنه تعرض للخيانة. ولا عجب في أن نجد رأس سلطة 3 يوليو يداعب هذا الوتر بين الفينة والأخرى، ويجعله – مثلما جماعة الإخوان – شماعة يعلق عليها فشل أدائه، فهو يعرف أنه يلامس جرحا لم يبرأ في نفوس المصريين[22].

ب. البديل الذي ينتظره المصريون:

بديل “الاحتجاج المشروط” سبق أن تحدث عنه الباحث في عدة أوراق، والحقيقة أنه طيف من البدائل، لكن أنسبها للقوى الديمقراطية أن يشعر رجل الشارع أن الذين اختلفوا يوم 30 يونيو قد ثابوا إلى رشدهم، ودرسوا أخطاءهم، وكاشفوا بعضهم البعض بهذه الأخطاء، وتجاوزوا الاصطفاف الوقتي الذي سبق أن مروا به خلال فترة بلغت نحو عام (طيلة عام 2011)، وأن ينحوا إلى ما يتجاوز الاصطفاف.

وتصور الباحث لهذا التوجه الشعبي ليس تخمينا، فما عليه لتقدير موقف الناس مما حدث بعد كل هذه التضحيات؛ ما عليه إلا أن يطالع جملة الأمثال الشعبية المعاصرة التي ترتبط بالحذر، والتي جمعها عدة مؤلفين في كتب مختلفة، أبرزها موسوعة الأمثال الشعبية التي جمعها د. جمال طاهر، والتي تضمنت 42 مثلا شعبيا في الحيطة والحذر وعدم تكرار الخطأ مرتين[23].

قد يصعب على رجل الشارع استيعاب ما قد يتجاوز الاصطفاف بين القوى السياسية، لكنه بات يدرك أن الاصطفاف الذي بدأ في التراكم بين القوى السياسية الثقافية (الجماعة المتنورين) بشكل مضطرد منذ 2005 لم يكن كافيا لتأسيس وعي حاسم بالمسؤولية، ما أدى لانهيار هذا الاصطفاف تماما بعد نحو عامين ونصف من تلاعب قوى النظام القديم بالنخب الثورية الديمقراطية، بمن فيهم “الإخوان المسلمون” أكبر الفصائل وأكثرها تنظيما ومؤسساتية، وأبرز تعليقات رجل الشارع التي سمعها الباحث في إطار لوم الرئيس محمد مرسي قوله: “مش عارف ياخدهم تحت جناحه”. المشكل في تقدير رجل الشارع أنه لا يشعر بكفاية شعور الطرفين بخطأه لمنع تكرار ما حدث في 30 يونيو و3 يوليو.

فالصوت الصاخب للقوى السياسية الديمقراطية طيلة عام 2011 كان ينذر بوجود وعي قوي. ولا أدل على ذلك من أن العام 2011 قد انتهى بتشكيل “المجلس الاستشاري المصري”؛ الذي وجد فيه “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” الذي كان حاكما حتى هذه الفترة فرصة لتقليل الاحتقان لحين ترتيب إجراءات الانتخابات الرئاسية التي تأخرت بعد تشكيل المجلس لنحو 5 أشهر. غير أن أبرز ما ينمو إلى وعي رجل الشارع حول عدم كفاية الاصطفاف أنه ما زالت ثمة أصوات توجه اللوم أو التخوين أو الاتهام للإخوان، وهو مؤشر لدى رجل الشارع على أن الطريق طويل، وهو في تقدير الباحث ما دفع “رجل الشارع” لاختيار بديل “الاحتجاج المشروط”.

هناك ما يريده رجل الشارع بالفعل. وقد حرص الباحث على تصدير هذه الدراسة بمقدمة تشير إلى أن أحداث 20 سبتمبر شهدت تجاوز المصريين لحدود الاحتجاج الخافت؛ إلى دعوة رجل الأعمال محمد علي للمصريين بالتجرؤ على الاحتجاج، فإذا بهم يفاجئون الجميع بأنهم متجاوزون لتصورات النخبة عنهم. وبما أننا عالجنا الموقف الشعبي بالنظر للثقافة الشعبية السائدة، نشير إلى أن من ثقافة المصريين “إيه اللي رماك ع المر قال اللي أمر منه”[24]، وهو ما يشير إلى أن الصبر على الوضع السياسي الراهن يرتبط بعدم توفر البديل القابل للاستقرار، والضامن لعدم تكرار نموذج 30 يونيو.

في تقدير الباحث أن البديل الذي يقع في مساحة التقاطع بين رغبة المصريين في تحسين أوضاعهم، ورغبة نخب التغيير الديمقراطي، هو بديل التوافق، الذي يتجاوز الاصطفاف، بديل يتجاوز الاتفاق على المطالب المشتركة لصالح ابتكار منظومة مفتوحة تتيح للكل أن يتواجد ويتعايش. بطبيعة الأمر يحتاج الأمر حوارا ينصب بالأساس على كيفية إدارة الخلاف في المستقبل. الفريقان الليبرالي، والليبرالي الاجتماعي؛ وضعا تصورا في هذا الاتجاه، يبدأ بهدف طموح جدا، يتمثل في بناء ثوة ذاتية تمكن هذه القوى من التفاوض مع غيرها من القوى من مركز قوة، ولا تضطر لتحالف الواهي مع الأكثر عددا وتنظيما[25]. أما القوى الهوياتية، فبرغم تواصلاتها وانفتاحاتها ومساندتها للحراك الداخلي، والتطورات المؤسساتية الفكرية والإعلامية التي تكرسها لمؤازرة كل من يتحرك تحت سقف الاصطفاف، إلا أنها ما زالت تقف عند أعتاب مشروع الاصطفاف، وما زالت اجتهاداتها تتجه وجهة شعبوية، تضاد الدولة المصرية العميقة، لكنها – على صعيد عالم الأفكار – ما زالت دون الإمكانات المحتملة التي تحملها المرجعية التي تنطلق منها.

خاتمة: حراك 19 نوفمبر

المعطيات التي بين أيدينا تفيد بأن المصريين تحركوا، وتجاوزوا المحدد في الاحتجاج، لكنها تشير كذلك إلى بحث المصريين عن ضمانة أو نموذج بديل للسائد، يكون قادرا على ضبط بوصلة السفينة المصرية في بحر متلاطم الأمواج. وبمجرد أن لاح للمصريين أن ثمة بديل يمكن التعويل عليه وهو بديل مساندة القوات المسلحة للحراك، فإنه لم يلبث أن اندفع ليثبت استعداده لتوفير الحماية، ولم يلبث أن تراجع عندما بدا له الأمل كاذبا، وأن البديل متقاعس، وأن الثمن الفادح المرتقب عال وغال، وأن القلق حيال المستقبل ما زال حافزا سلبيا.

ومن ناحية أخرى، فإن الجهود المبذولة في إطار الاصطفاف لا تخلق الزخم المطلوب منها. وكما أشرنا، فإن الجهود المبذولة في إطار الاصطفاف غير بارزة، ولا تباشر إلحاحا إعلاميا يغازل إدراك المصريين، علاوة على كونها غير كافية على نحو ما بينا لوقوفها عند عتبة الاصطفاف دون تطويره باتجاه التوافق؛ وبخاصة على إدارة الخلاف في المستقبل. ومن جهة أخرى، ما زالت رموز ديمقراطية تتخذ من مهاجمة الإخوان تحديدا وسيلة للحفاظ على أمنها. إن اختبار فرضية حاجة المصريين للاطمئنان أثبتت صحة هذه الفرضية بالتجاوز الذي طرحه “حراك 20 سبتمبر” على النخبة. وتبقى الاستجابة للشق الآخر من الفرضية، وهو المتعلق برأس المال السياسي؛ أو التطمين[26].

ويبقى العمل في إطار محاولة تعبئة الناس جهدا مشكورا، وله تطبيقاته المستقبلية المهمة، لكنها لن تكون كافية لتوفير الكتلة القادرة على إقناع القوى الصلبة في المشهد المصري بضمان رعاية التغيير وحمايته بعد تحقيقه. إن حجم التحديات التي يقف عليها المصريون من خلال النوافذ الإعلامية المتاحة، أو تلك التي يختلسها عبر التعرض لقنوات المهجر المصري، تجعل التردد سيد الموقف من دون الاطمئنان للمستقبل.

ويبقى في هذا الإطار أن ثمة فرصة تلوح في الأفق. فالحراك المستقبلي في مصر إن حدث، سيكون إطاره الإقليمي جديدا. فالموجة الثانية من الربيع العربي تجتاح العراق ولبنان الذين تبعا الجزائر والسودان، علاوة على المملكة المغربية الحبلى بتطورات إيجابية في نفس الاتجاه وإن كانت أقل حدة نسبيا، بالإضافة للأردن الذي أعلن تقديمه لمصالح قطاعات شعبية مثل المدرسين على مبادئ النموذج السلطوي المعمم في المنطقة؛ والذي يرفض الإصلاح انطلاقا من حركات احتجاجية.

كما أن السباب الذي يتلقاه الرئيس المصري عبر أرجاء الموجة الثانية من الربيع العربي، واضطرار الإعلام المصري الموجه للتعرض لذلك السباب واتهامه بالأخونة[27]، بسبيله لأن يهز قناعات القطاع الذي ما زال مؤيدا لسلطة 3 يوليو على أرضية شعبوية محضة، ومن شأنه أن ينتج نموذج شعور مشابها لنموذج أنصار مبارك خلال فترة 25 يناير.

فلم يعد رأس سلطة 3 يوليو صورة خالصة للإنقاذ، بل تستمر صورته في التحرك بالاتجاه المعاكس بمرور الوقت؛ وبخاصة مع إضافة الحصيلة غير العربية من الإحراج الذي يحصده عبر دول إقليمية مثل إثيوبيا والكيان الصهيوني نفسه، أو على صعيد قوى ومنظمات عالمية مثل الولايات المتحدة (ديكتاتوري المفضل) أو مسؤولي البنك الدولي في تعاملهم مع رئيس وزراء مصر. وكلها اعتبارات تهيئ النفوس في عموم مصر لتبصر الحراك بأعين مختلفة[28].


الهامش

[1] مراسلون، لأول مرة منذ سنوات.. مصريون يهتفون ضد السيسي بميدان التحرير، “وكالة الأناضول للأنباء”، 20 سبتمبر 2019. الرابط

[2] قناة الحكاية، عمرو أديب يتعجب من هجوم أنصار قيس سعيد على مصر: عمرنا ما تدخلنا في الشأن الداخلي التونسي، موقع “يوتيوب”، 14 اكتوبر 2019. الرابط

[3] قناة “ثورة شعب” محمد علي يكشف خطة الجيش ومحمد زكي للانقلاب على السيسي، موقع “يوتيوب”، 20 سبتمبر 2019. الرابط

[4] قناة “تريند بلس”، مقابلة محمد علي مع موقع ميدل إيست آي كاملة، موقع “يوتيوب”، 19 أكتوبر 2019. الرابط

[5] بهي الدين حسن، تدوينة عن أعداد المعتقلين، حساب بهي الدين حسن، 20 أكتوبر 2019. الرابط

[6] خالد البلشي، تغريدة برابط تقرير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، حساب خالد البلشي على “تويتر”، 19 أكتوبر 2019. الرابط

[7] جدير هنا أن يلفت الباحث إلى أن المنشورات التي يعلق عليها الباحث منشورات عامة، منشورة على صفحات عامة، وليست ضمن حسابات أو ضمن “مجموعات” GroupsK، حتى لو كانت مجموعات عامة غير خاصة. وعلى أية حال فإن التعليقات لا تنصرف إلى الأسماء، لما في ذلك من إضرار بأناس ليس لها من جريرة سوى أنهم مصريون يعيشون في مصر.

[8] وسام فؤاد، تفكيك نظريات الاستبداد الشرقي.. الحالة المصرية، المعهد المصري للدراسات، 29 نوفمبر 2018. الرابط

[9] المحرر، تويتر يغلق حسابات من دول عربية لمكافحة “التضليل الإعلامي”، موقع قناة “دويتشه فيله” الناطقة بالعربية، 20 سبتمبر 2019. الرابط

[10] صيغة الترجيح هنا تأتي بالنظر لاستحالة إثبات انتماء الأصوات التي تتهم المصريين بالخضوع المطلق للسلطة إلى أي من الفريقين: الثوري أو السلطوي، فلم تقم دراسات تحليل خطاب بتقديم دلائل لحسم محسوبية هذه الأصوات على أي من الطرفين، كما هكذا دراسات لو تمت؛ فإنها على الأرجح ستقدم مؤشرات، ولن تقطع بهذه الصلة.

[11] المحرر، مصر.. اقتصاد مأزوم رغم مؤشرات إيجابية عدة، موقع “قناة دويتشه فيله” الألمانية، 27 يناير 2018. الرابط

[12] اشانا مارشال، القوات المسلحة المصرية وتجديد الامبراطورية الاقتصادية، مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، 15 أبريل 2015. الرابط

[13] رامي عزيز، محاولات روسيا المقلقة لتأسيس نفوذها في مصر، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 24 مايو 2018. الرابط

[14] المحرر، عام 2011: تسلسل زمني للأحداث فى مصر، موقع “بي بي سي” العربي، 28 ديسمبر 2011. https://bbc.in/2oRP6TH

[15] مجموعة باحثين، ضوء في درب الحرية.. شهداء ثورة 25 يناير، القاهرة، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ط1، 2011، ص: 3. ويعد من أهم الإصدارات التي وثقت لقتلى الأيام الأولى للثورة، ونشرت أسماءهم، كما نشرت أسماء قاتليهم.

[16] المحرر، وزير الصحة المصري: 365 عدد “شهداء 25 يناير”، موقع “سي إن إن” العربي، 7 فبراير 2013. https://cnn.it/32EuAEw

[17] منظمة العف الدولية، مصر تنتفض؛ أعمال القتل والاعتقال والتعذيب خلال «ثورة 25 يناير»، لندن، منظمة العفو الدولية، 2011، الطبعة الأولى، ص: 1.

[18] عمرو محمد عباس محجوب، “وبائية الرصاصة”: احصائيات: ضحايا الثورات العربية، موقع “سودانايل”، 18 نوفمبر 2014. الرابط

[19] محمد الشريف، تعرف على أحداث محمد محمود الأولى والثانية، موقع “دوت مصر”، 19 نوفمبر 2014. الرابط

[20] راجع دراسة الباحث حول تفكيك نظريات الاستبداد الشرقي، عاليه.

[21] من أبرز من فصلوا القول في معاداة مجلس قيادة الثورة للديمقراطيةن بما في ذلك ذوي التكوين والوجهة الرأسماليين مثل جمال سالم وزكريا محيي الدين وعبد المنعم أمين: خالد محيي الدين، والآن أتكلم، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ط1، 1992.

[22] قناة “روسيا اليوم أونلاين”، “لما البلد كشفت ضهرها”.. السيسي يربط بين ثورة يناير وسد النهضة، موقع “يوتيوب”، 15 أكتبر 2019. الرابط

[23] جمال طاهر، موسوعة الأمثال الشعبية، د.ن، ص ص: 137 – 139.

[24] جمال طاهر، مرجع سابق، ص: 306. وغيرها من الأمثال في باب الشدة، والتي بلغ عدد الأمثال فيها 13 مثلا.

[25] وسام فؤاد، مصر: مبادرة أيمن نور وصدمة النموذج الإسباني، المعهد المصري المصري للدراسات، 29 أبريل 2019. الرابط

[26] وسام فؤاد، الغلابة.. بين الحركة الاجتماعية ورأس المال السياسي، المعهد المصري للدراسات،21 نوفمبر 2016. الرابط

[27] قناة الحكاية، عمرو أديب يتعجب من هجوم أنصار قيس سعيد على مصر: عمرنا ما تدخلنا في الشأن الداخلي التونسي، موقع “يوتيوب”، 14 اكتوبر 2019. الرابط

[28] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close