ترجمات

الصهاينة وإدارة الصراعات داخل الأسرة السعودية

Yoel Guzansky, Challenges Confronting Saudi Arabia, in: Anat Kurz and Shlomo Brom, Strategic Survey for Israel, Institute for National Security Studies, 2016-2017, pp. 119-129.

متاح أيضاً في English

تمر المملكة العربية السعودية بما يكاد يكون أحد أحرج الأوقات وأكثرها حساسية في تاريخها؛ حيث تواجه مجموعة من التحديات الناتجة عن تضافر الانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ عام 2014 مع عملية الانتقال الحساسة لقيادة البلاد من جيل إلى جيل، والتي بدأت منذ عام 2015. ويضاف إلى هذين العاملين عمليات التخريب التي تتعرض لها الأراضي السعودية من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، والمواجهة السعودية الإيرانية على عدة جبهات (منها الجبهة اليمنية على أبواب السعودية) وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ترسم هذه العوامل مجتمعة صورة تشاؤمية قاتمة عن مستقبل المملكة العربية السعودية. فعلى الرغم من أن المملكة تظهر بمظهر الممتلك لزمام الأمور ولديها الأدوات المناسبة لمواجهة هذه التحديات، إلا أن هناك احتمالات أن يتعرض استقرار البلاد للاهتزاز في السنوات القادمة.

وفيما يلي تحليل للتحديات الرئيسية التي تواجه الاستقرار في المملكة العربية السعودية وكيف تقوم المملكة بمعالجتها وتقييم فعاليتها؛ وتحليل تداعيات فقدان الأسرة الحاكمة السعودية السيطرة على مقاليد الأمور على المنطقة بشكل عام وعلى “إسرائيل” بشكل خاص.

 

أولاً: الاعتماد على النفط

يعدّ انخفاض عائدات النفط لفترة طويلة، أخطر تهديد يواجه الاستقرار السعودي؛ إذ يشكل الدخل الذي تدرّه صادرات النفط الجزء الأكبر والأهم من إيرادات المملكة. ونتيجة ارتفاع أسعار النفط طوال العقد الماضي، تراكمت لدى السعودية احتياطيات كبيرة من العملات الصعبة، مما مكنها من إغداق مبالغ كبيرة من المال على مواطنيها في المراحل المبكرة من الاضطرابات الإقليمية.

غير أن هذه الاحتياطيات قد استنفذت، وانخفضت أرصدة العملات الصعبة من 724 مليار دولار في نهاية عام 2014، إلى 576 مليار دولار في نيسان/أبريل 2016. صحيح أن احتياطي السعودية من العملات الصعبة ما زال كبيراً، غير أن وتيرة استنفاذه، والغموض بشأن مدة استمرار انخفاض أسعار النفط تتطلب بالضرورة خفض الإنفاق، مما ينذر بمخاطر قد تحدث. ويتم تمويل هذا العجز الكبير من خلال سحب الأموال وبيع الأصول، وحتى من خلال الديون. وقد حذر صندوق النقد الدولي في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 من أن الاحتياطي السعودي سينفد بحلول عام 2020 إذا بقيت أسعار النفط في مستواها الحالي واستمر الاستنزاف بالمعدل نفسه.

في نيسان/ أبريل 2016، وبعد عقود من الحديث عن الحاجة إلى تنويع مصادر المملكة من الإيرادات؛ كشفت السعودية عن خطتها الطموحة “الرؤية السعودية 2030″، والتي أعدتها وكالات استشارية أجنبية لمحمد بن سلمان، نائب ولي العهد، ووزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي. وحددت الرؤية هدفاً مرحلياً هو إيجاد موارد إضافية للميزانية وتحقيق نمو ضخم في الإيرادات من خارج قطاع النفط، وذلك من خلال خفض النفقات وفرض الضرائب. وتسعى الخطة من خلال ذلك إلى الخروج بالمملكة من العجز الذي تعاني منه حالياً، وتجنبه حتى في السنوات التي تكون فيها أسعار النفط منخفضة. كما تهدف الخطة أيضاً إلى تعزيز فرص العمل من أجل تحفيز النمو والحد من البطالة.

يذكر أن نسبة البطالة في السعودية بحسب الإحصاءات الرسمية تبلغ حوالي 12%، غير أن نسبة البطالة الفعلية أعلى من ذلك بكثير، وخصوصاً في صفوف الشباب. كما أن هناك أيضاً بطالة مقنعة؛ فالعديد من المواطنين العاطلين عن العمل، يحصلون على مرتبات واستحقاقات عالية بشكل ملفت؛ في حين أن آخرين يرفضون العمل في المهن اليدوية التي عادة ما تسند إلى العمالة الأجنبية. وقد بدأت السعودية فعلاً إجراءات خفض الميزانية، بما في ذلك خفض الدعم على الوقود والكهرباء والمياه. (تضاعفت أسعار الوقود في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2015).

وعلى الرغم من أن الخطة تركز على إنقاذ المملكة من الاعتماد على النفط، يظهر أن تطوير قطاع النفط والغاز سيستمر بشكل مكثف من أجل تعظيم عائداته على المدى الطويل. ولا يوجد أي تغيير، على الأقل في المدى المنظور، في السياسة السعودية فيما يتعلق بسوق النفط العالمية. فللمملكة مصلحة كبيرة في تثبيت أسعار النفط على مستوى أعلى؛ إلا أنها ليست على عجلة من أمرها بخصوص الحد من إنتاجها أو خفضه في إطار اتفاق بين منتجي النفط الذين تعاني المملكة من أزمة ثقة بهم.

أسوأ سيناريو ممكن أن تواجهه المملكة هو عدم إيفاء منتجي النفط بالتزاماتهم في حال تم التوصل إلى اتفاق، واستحواذهم على جزء من حصة السعودية من سوق النفط. وهو أمر متوقع حدوثه في حال ارتفاع أسعار النفط وانكماش عائدات المملكة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المملكة في سياستها طويلة المدى، لا تدعم حدوث ارتفاع حاد ومؤقت في أسعار النفط، لأنها تخشى أن ذلك سوف يسرع التنمية في بدائل النفط وعمليات التنقيب الباهظة، وبالتالي يزيد من الطلب على إمدادات الطاقة، ويدفع بأسعار النفط إلى المزيد من التدهور. ويمكن القول إن خطة السعودية لتخفيف الاعتماد على النفط هي المهرب الوحيد من هذه الإشكاليات الطويلة المدى المرتبطة بسوق النفط.

على الورق، تقدم رؤية السعودية 2030 مجموعة من الأهداف والتدابير الاقتصادية الجوهرية الضرورية لبقاء المملكة على المدى الطويل. لكن في الوقت نفسه، فإنه من السابق لأوانه تقييم جدوى تنفيذ الخطة استناداً إلى المواد التي يتم نشرها. وهناك شكوك بالأخص حول قدرة المملكة على خفض الاعتماد على النفط إلى حد كبير بحلول عام 2020. وإذا حدث أي ارتفاع في أسعار النفط مجدداً، فمن المرجح أن يكون هناك ضغط داخلي عام للتخلي عن تدابير التقشف، حيث ستتلاشى دوافع الإصلاح الهيكلي للاقتصاد. ويستدل على هذه التوقعات مما حدث للخطة المماثلة التي صيغت في عام 2000 عقب انخفاض أسعار النفط في التسعينيات. حيث تم التخلي عن الخطة في عام 2003 عندما أخذت أسعار النفط مؤشراً تصاعدياً مرة أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، وفي حال استمرار انخفاض أسعار النفط، وهو أحد الافتراضات السياسية للخطة، ستواجه المملكة صعوبة في تمويل الاستثمارات اللازمة لتعجيل تنمية القطاع غير النفطي.

غير أن التحديات الرئيسية التي تواجه تنفيذ الخطة تتعلق بالحاجة إلى تطوير الاقتصاد السعودي المحافظ والمنغلق، وتكييفه مع القواعد التي تحكم الاقتصاديات الحديثة. ففي السعودية، ما زالت ثقافة ريادة الأعمال، التي تعد ضرورية لتنمية القطاع الخاص، محدودة؛ إذا عادة ما تدفع الدولة الرواتب وتوفر جميع احتياجات السكن تقريباً. وقد دفع هذا الوضع العديد من السعوديين إلى تبني عقلية “أخذ الحق” في الحصول على الخدمات والدخل في آن واحد. وبعبارة أخرى، لم يعد المواطنون يعتبرون أرباح النفط فوائد مؤقتة من الحكام، بل يرون فيها حقوقاً لهم كمواطنين مخلصين للملكة. وبناء على ذلك، إذا انخفض مستوى الرفاه في المملكة، فإن الولاء عند فئات من المواطنين سيتراجع أيضاً.

 

ثانياً: الصراع داخل العائلة المالكة

على الرغم من تركيز وسائل الإعلام على العلاقات الخارجية للمملكة، وخاصة الصراع مع إيران على مختلف الساحات؛ فإن التهديدات الداخلية، بما في ذلك الصراع على السلطة داخل العائلة المالكة، تشكل خطراً أكبر بكثير على استقرار السعودية من غيرها من المشاكل الخارجية.

منذ عام 2015، بدأ جيل أحفاد ابن سعود، مؤسس المملكة، يتولى زمام الحكم. وكما هو متوقع، فقد ترافق ذلك مع صراعات على السلطة، لا سيما من وراء الكواليس. ويتركز معظم الخلاف على النفوذ المتزايد لمحمد بن سلمان، ابن الملك المفضل، قليل الخبرة، على حساب ولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف، والفروع الأخرى في العائلة المالكة. ويخشى محمد بن نايف، الذي دارت أحاديث عام 2016 عن مرضه، أن يفضل الملك سلمان ابنه عليه، على الرغم من أنه ولي العهد. وقد اكتسب محمد بن نايف تأييداً لا يستهان به داخل الأسرة المالكة كونه أكثر خبرة من محمد بن سلمان، وليس لديه أبناء.

وقد تم تعيين بن سلمان في مناصبه المختلفة (نائب ولي العهد، وزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية) في عام 2015 من قبل والده، في حين أقصي المقربون من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ومساعدوه من معظم مراكز السلطة، باستثناء الأمير متعب الذي ظل وزيرا للحرس الوطني. هذه التعيينات، والسياسة الحازمة التي اعتمدها محمد بن سلمان في الشؤون الداخلية والخارجية، أعطت المملكة صورة أكثر حيوية عما كانت عليه في الماضي، وأثارت الشكوك حول إمكانية استمرارها، كما أنها أثارت خلافات ومعارضة داخل الأسرة الحاكمة. وقد خرج ذلك الخلاف إلى العلن، بصورة غير معهودة في السياسة السعودية؛ حيث هناك ما يشبه الاتفاق غير المكتوب بأن يتم حل النزاعات والتوافق داخل الأسرة المالكة خلف الأبواب المغلقة.

وفي رسالتين وزعتا على الأمراء نشرتهما صحيفة الجارديان The Guardian، دعا أحد الأمراء، الذي ظلت شخصيته مجهولة، أبناء ابن سعود المتبقين إلى التوحد من أجل خلع الملك سلمان. وادعى صاحب الرسالتين اللتين انتقدتا ضعف الملك سلمان (الذي يبدو أنه يعاني من الخرف)، أن عدداً من كبار الأمراء شاركوا في كتابتهما، وأن مشاعرهم تلقى تأييد الكثير من عامة السعوديين، تماما كما تلقى تأييد زعماء القبائل المهمين.

وفي الوقت نفسه، وعلى عكس ما كان عليه الوضع في الماضي، يبدو أن السلطة صارت تنحصر في مجموعة محدودة من الأمراء بقيادة محمد بن سلمان. فبدعم من والده، قام بن سلمان بتحصين منصبه ومراكمة خبراته الضرورية. وعلى الرغم من وجود معارضة له، إلا أنه ما زال يتمتع بدعم جيل الشباب في المملكة، تماماً كما يحظى بدعم الإدارة الأمريكية الحالية (التي كانت تفضل أساساً، عمه محمد بن نايف). وإذا كان ما يدور من أقاويل عن إصابة محمد بن نايف بمرض خطير صحيحاً، فإن الطريق سيكون مفتوحاً أمام محمد بن سلمان ليرث العرش من والده.

 

ثالثاً: الإرهاب داخل المملكة العربية السعودية

هناك تحدّ آخر يواجه المملكة العربية السعودية مصدره تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، الذي ينكر شرعية المملكة السياسية والدينية. في العقد السابق، نجحت المملكة نسبياً في مكافحة تنظيم القاعدة؛ لكن منذ عام 2014، أصبحت المعضلات التي يسببها تنظيم الدولة المنبثق من قلب تنظيم القاعدة أكثر خطورة. فالتنظيم ينافس العائلة المالكة على مرجعية التيار السلفي المتشدد (الوهابية). وكما دعا أسامة بن لادن سابقاً إلى إسقاط المملكة، فإن البغدادي زعيم تنظيم الدولة يدعو أيضاً إلى “تحرير” السعودية، أرض الحرمين، والسيطرة على ملك آل سعود.

وقد هدد التنظيم المملكة للمرة الأولى من خلال تسجيل صوتي وزع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، دعا فيه البغدادي إلى شن هجمات ضد الشيعة، والأجانب والعائلة المالكة نفسها، وأعلن توسيع رقعة الدولة الإسلامية لتصل إلى شبه الجزيرة العربية (ولاية نجد). وفي الشهر نفسه، بدأ التنظيم بشن هجمات انتحارية على المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، حيث يتركز معظم شيعة المملكة. وبعد ذلك طالت هجمات التنظيم معظم مناطق المملكة بما في ذلك التفجير الذي طال المدينة المنورة في 4 تموز يوليو/ 2014.

وتستقطب إنجازات تنظيم الدولة العديد من الشباب السعودي الذين يصبون غضبهم على شيعة المملكة وعلى العائلة المالكة نفسها بالطبع إذ تبدو برأيهم وكأنها تسترضي الشيعة. والجدير ذكره أن الشيعة، الذين ينظر إليهم في السعودية على أنهم طابور خامس لإيران، لم يقوموا أبداً بتهديد استقرار المملكة، في حين أن من فعل ذلك في الحقيقة هم المتطرفون السنة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العائلة المالكة نفسها، تتحمل مسؤولية التوتر لأنها تستخدم الخطاب المعادي للشيعة لحشد الدعم للنظام وتأييد أهدافه في صراعه مع إيران. ومن المتوقع أن يستمر التهديد السلفي الجهادي للسعودية في السنوات المقبلة.

وحتى الآن، تركزت أنشطة التنظيم في المقام الأول على مهاجمة الشيعة، على افتراض أن هذا سيؤدي إلى توتر طائفي ويزعزع استقرار دول الخليج، وخصوصاً السعودية. وفي الوقت نفسه، أعلن التنظيم بالفعل عزمه على مهاجمة الأنظمة نفسها؛ وسوف يشمل بنك أهدافه، المؤسسات الحكومية، والمنشآت الاستراتيجية، وكبار أعضاء الأسرة المالكة.

وتركز الحملة ضد تنظيم الدولة على محاولة تقويض موارده الاقتصادية داخل الأراضي السعودية، ومحاولة وقف تسلل الشباب السعودي خارج المملكة للقتال مع تنظيم الدولة في مناطق الصراع ثم العودة مجدداً؛ هذا بالإضافة إلى توظيف الإعلام والمؤسسة الدينية، وتعزيز القانون والنظام الجنائي في مواجهة انتشار رسائل ودعاية السلفية الجهادية. وثمة عامل آخر يعقد الأمور على السعودية، وهو التوتر المتزايد بين سنة وشيعة المملكة، وتحريض المؤسسة الدينية الرسمية (الوهابية) ضد الشيعة؛ خصوصاً وأن محاولة لاتخاذ موقف صارم ضد هذه المؤسسة تنطوي على مخاطر ممكن أن تؤدي إلى تقويض أحد دعائم البيت الملكي نفسه.

ولا تقتصر احتمالات عدم الاستقرار الداخلي على التوتر السني الشيعي فقط؛ فكثير من الأسباب التي أدت إلى استعار الاحتجاجات في “جمهوريات” العالم العربي كالضائقة الاقتصادية، والبطالة بين الشباب، والرغبة في توزيع عادل للموارد، والتطلع إلى الحرية الشخصية، موجودة أيضاً في المملكة العربية السعودية اليوم. وبالتالي، فإن تراكم هذا الكم من التحديات الداخلية في وقت الاضطرابات الإقليمية يسهم في تسريع العوامل التي من شأنها في نهاية الأمر أن تزلزل استقرار المملكة وتغير وجهها.

وفي كل الأحوال، لا يتوقع أن تقوم المملكة بإجراء إصلاحات سياسية أساسية بشكل طوعي؛ حيث أن الحكام المطلقين لا يميلون عادة إلى التخلي عن نفوذهم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن حكام المنطقة، بما فيهم حكام المملكة العربية السعودية، عالجوا خوفهم من الثورات، باللجوء إلى القمع الشديد. وقد سنت المملكة قوانين صارمة ضد الإرهاب، وجرائم الإنترنت تنص على سجن حتى المتظاهرين السلميين، وفرض قيود على حرية تبادل المعلومات وحرية التجمع. وظلت الجهود المبذولة لإشراك المواطنين في عملية صنع القرار قليلة ومحدودة، ورافقتها تدابير قمعية، أدت تجريدها من أي أهمية عملية مباشرة؛ غير أن هذه الإجراءات القمعية لم تستطع أن تجرد من نفذ صبره من السعوديين من إمكاناتهم الثورية الكامنة.

 

رابعاً: السعودية والتحديات الخارجية

تُعد الحرب في اليمن التهديد الخارجي المباشر الذي يواجه المملكة العربية السعودية، حتى لو يكن تهديداً وجودياً. وعلى الرغم من الإنجازات الأولية للتحالف الإقليمي الذي تقوده المملكة، فإن الحملة لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها المعلنة، ومن ضمنها نزع سلاح الحوثيين الشيعة. فعلى الرغم من الهجمات الجوية والبرية المتكررة، لا يزال الحوثيون راسخين في معظم المناطق اليمنية الاستراتيجية الخاضعة لسيطرتهم، الواقعة على الحدود مع السعودية والغنية بالموارد الحيوية، والتي يعيش فيها معظم سكان اليمن.

وحتى لو أفضت المفاوضات الجارية بين الأطراف المتصارعة إلى اتفاق، فإن اليمن سيظل بعيداً عن الاستقرار على المدى الطويل. فبعد سنوات من الحرب الأهلية التي أدت إلى تفتيت النسيج السياسي الدقيق للبلاد، فإنه من الصعب تصور وجود أي قوي سياسية أو عسكرية قادرة على الحفاظ على السيادة وقيادة البلاد بشكل فعال. ومن المتوقع أن يظل الحوثيون يشكلون تهديداً كبيراً للملكة العربية السعودية على حدودها الجنوبية. ولذلك، فمن المرجح أن تستمر السعودية في لعب دور رئيسي في اليمن، الذي سيظل ساحة صراع ومنافسة بين مختلف القوى الإقليمية والمحلية.

كما تواجه السعودية تحديات كبيرة خارج الساحة اليمنية. فقد أثار الاتفاق النووي الذي وقعته القوى الكبرى مع إيران في صيف عام 2015، ورفع العقوبات المفروضة على إيران، قلق الرياض ودول الخليج الأخرى من كون إيران ستمتلك ما يكفي من الموارد لتوسيع نشاطها التخريبي في المنطقة. وعلى الرغم من أنه لم يحصل تطور دراماتيكي في هذا الاتجاه، لكن يخشى أن تصبح السياسة الإقليمية الإيرانية أكثر عدوانية. وإذا تطورت الأمور بهذا الاتجاه، فإن المواجهة بين السعودية وإيران، ستشكل تهديداً أكبر على المملكة منها على إيران. وفي كل الأحوال، طالما أن قواعد اللعبة الحالية تحترم حدود المملكة، فإن السعودية ستفضل الاستمرار في شن الحروب ضد إيران بالوكالة، ومحاولة تثبيت جبهة سنية واسعة ضد التهديد الإيراني، حتى لو كانت هذه الجبهة تبدو هشة إلى حد بعيد، وبعيدة عن التصور السعودي لجبهة عربية سنية موحدة.

وفي الوقت نفسه، تعيش القيادة السعودية حالة قلق مما يصدر عن الولايات المتحدة من إشارات إلى رغبتها في خفض التزاماتها الدفاعية في المنطقة. فعلى مر السنين، كانت الأسرة المالكة السعودية ترى في الولايات المتحدة ركيزة دعم ثابتة على الرغم من الاختلاف في المصالح والأهداف السياسية بين البلدين. غير أن هذه الصورة تبدلت خلال سنوات حكم أوباما، وزادت حدة النزاعات بين الطرفين بسبب السياسية الأمريكية تجاه نظام الأسد وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، وتفاقم الخلاف ليشهد تراشق الانتقادات العلنية بين الطرفين.

إلا أنه في الوقت نفسه، فإن التحديات التي تواجه الأسرة الحاكمة في الرياض، تسلط الضوء على اهتمام الولايات المتحدة بالحفاظ على استقرار المملكة. فعلى الرغم من الخلافات بين الطرفين، ما تزال واشنطن تفضل أن يبقى بيت آل سعود مستقراً، حتى لو كان ذلك لمجرد تجنب العواقب المحتملة لسقوطه وظهور الفوضى في المملكة وما يترتب على ذلك من تداعيات إقليمية.

وكما هو الحال مع الأنظمة الأخرى في الشرق الأوسط، فإن الحكم السعودي يدرس مستقبل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وما إذا كانت تؤشر إلى بداية تنافر (وإعادة تمحور السعودية مع محور الشرق الأدنى)، أو أن انحراف إدارة أوباما عن المسار المعهود للعلاقات بني الطرفين سيتم تصحيحه من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة. وإذا ما استمرت الولايات المتحدة في صرف النظر عن المنطقة، فإن التحدي الأكبر الذي سيواجه المملكة العربية السعودية، هو التعامل مع تداعيات مرحلة شرق أوسط ما بعد أمريكا. ويبدو أن القصر الملكي السعودي بدأ بالتحضير لمثل هذا الاحتمال، ويتجلى ذلك في اعتماد المملكة سياسة أكثر حزماً واستقلالية عما كانت عليه في الماضي، ومتعارضة في بعض الأحيان مع المصالح الأمريكية؛ في حين أنها تحاول في الوقت نفسه تحسين علاقاتها مع روسيا والصين.

 

خلاصة

على مر السنين تمكن القصر الملكي السعودي من مواجهة التحديات الداخلية إلى حد كبير، وذلك بسبب قدرته على تحقيق توافق في الآراء بين صناع القرار، والتخفيف من حدة التوترات الداخلية، وشراء الدعم الخارجي بأرباح النفط. أما اليوم، فقد تراجعت هذه القدرة وأصبح من الصعوبة بمكان التوفيق بين آراء الأمراء. ويكاد الوضع في السعودية يكون أشبه بمونودراما بطلها محمد بن سلمان. وبالإضافة إلى ذلك، لم تعد المملكة قادرة على عزل نفسها عن الحروب المحيطة بها، كما فعلت في الماضي، حيث أنها أصبحت تشارك، في كثير من الأحيان عمداً، في الصراعات الإقليمية التي تؤثر على المشهد الداخلي.

ويشكل المضي قدماً في “الرؤية السعودية 2030” تحدياً وطنيا في الدرجة الأولى، وكذلك تحدياً شخصيا لمحمد بن سلمان. إذ من المتوقع أن يعترض طريقه منافسوه من داخل الأسرة الحاكمة غير الراضين عن تزايد نفوذه، وكذلك جهات في المؤسسة الدينية المحافظة التي تخشى من الانفتاح المفرط وخاصة في الأوجه الاجتماعية للرؤية الجديدة. غير أنه في الوقت نفسه، يبدو أن الأمير الشاب يحظى بدعم وشعبية بين شباب المملكة الراغبين في التغيير. ويقع عليه عبء إثبات نجاح الخطة، تماماً كما يتحمل عبء الحرب الدموية في اليمن، حيث أن فشل رؤية 2030 لن يضر بسمعته الشخصية وفرصه في وراثة العرش فحسب، بل أيضاً سيدخل المملكة في دوامة اقتصادية واجتماعية مهددة للاستقرار.

ولا يمكن التكهن، متى ستحدث نقطة التحول، وما إذا كانت ستحدث بالفعل. ولذلك يجب على صناع القرار في “إسرائيل” وغيرها البلدان المعنية فهم التغيرات التي تحدث في المملكة، والتي قد يكون لها تداعيات على النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وما وراءه. إذ لا يجب أن تدفع الفرص التي أوجدتها المصالح العديدة المشتركة مع المملكة العربية السعودية والتغيير الملحوظ في موقفها تجاه “إسرائيل” إلى غض الطرف عن المخاطر ودرجة إمكانية تحقيق توقعات التعاون. فعلى سبيل المثال، كلما ازداد ضعف النظام السعودي على الصعيد الداخلي وازداد قلقه من الرأي العام داخل المملكة، وكلما ظل الجمود على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية قائماً، كلما قلت قدرة هذا النظام على التعاون مع “إسرائيل”(1).

———————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

أمل عيتاني

باحثة ومترجمة لبنانية، بكالوريوس إعلام، الجامعة اللبنانية، 1993، باحثة بمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات 2004 ـ 2012.

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى