تحليلاتقلم وميدان

سياسات ترامب بين السيسي والإخوان

 

رغم أن هناك حالة من الجدل بشأن فوز ترامب وأسباب ذلك، لاسيما أن هذا الفوز جاء خلاف معظم استطلاعات الرأي، إلا أن الصورة الكاملة لسياسته الخارجية تحديدا لم تتضح كلية لعدة أسباب، فالرجل لم يكن له برنامج واضح المعالم يمثل وجهة نظره بشأن السياسة الخارجية أو حتى الداخلية، ولم يخرج الأمر عن تغريدات وتصريحات هنا وهناك، وبالتالي قد يكون من التسرع التعويل عليها كثيرا، لاسيما أنه -حتى كتابة هذه السطور، لم ينته بعد من تشكيل فريقه الرئاسي خاصة ما يتعلق بملف الخارجية تحديدا، فضلا عن عدم تبوؤه المنصب، ناهيك عما فاجأ به الجميع عند إعلان فوزه، حيث ظهر بصورة غير التي ظهر بها إبان حملته الانتخابية. وأخيرا وليس آخرا، فإن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، وبالتالي فإن خوض غمار تحليل هذه السياسة التي لم تتشكل بعد، يأتي في إطار الرؤية الأولية التي ربما تصيب أو تخطئ.

وبالنسبة للشأن المصري تحديدا، فإن أهم نقطتين مثارتين الآن، هما موقف ترامب من النظام الانقلابي من ناحية، وموقفه من الإخوان من ناحية ثانية.

 

أولاً: ترامب والسيسي ونظرية المصالح:

إن فكرة الديمقراطية ليست هي الحاكمة لعلاقة الإدارة الأمريكية بالنظم المصري، وإنما فكرة المصالح والتي من أهمها حماية المصالح الأمريكية في المنطقة خاصة ما يتعلق بمرور سفنها التجارية والعسكرية عبر قناة السويس، فضلا عن حماية أمن إسرائيل، وفي القلب منه استحقاقات كامب ديفيد. ومن هنا يمكن فهم، أو توقع طبيعة علاقة ترامب الجمهوري بالسيسي، والتي لن تختلف كثيرا عن علاقة أوباما الذي أعاد المساعدات العسكرية، وأفرج عن صفقة الأباتشي، كما رفض استقبال مرسي المنتخب ديمقراطيا نهاية 2012 في حين التقى السيسي الانقلابي عام 2014.

وربما الفارق بين الاثنين أن مواقف أوباما كانت تتسم بالغموض، واستخدام مصطلحات قد يتم تأويلها بصورة أو بأخرى” كالموقف من الانقلاب، فهو لم يعلن صراحة تأييده له، لكن في المقابل لم يطالب بعودة مرسي للحكم. وبالتالي فقد أبدى تفهما وتأييدا ضمنيا للانقلاب وذلك من خلال تعليق المساعدات وليس وقفها رغم أن القانون الأمريكي يطالبه بوقفها إزاء النظم الانقلابية.

أما بالنسبة لترامب، فقد أعلن ” من خلال مجموعة من التغريدات على موقعه منذ 2011 (1)، أي قبل ترشحه للانتخابات بفترة طويلة، رفض عزل مبارك “نحن ألقينا بحليفنا مبارك في البحر ومصر الآن أصبحت عدونا. عمل عظيم يا أوباما .. إن إسرائيل في مأزق.”، وكذلك رفض وصول الإخوان للحكم، كما كان من المؤيدين للانقلاب العسكري، كما أبدى إعجابه بالسيسي الذي التقاه على هامش مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة “سبتمبر 2016″، وأعلن دعمه له في مواجهة الإرهاب” يلاحظ أن ترامب لا يميز بين الحركات الإسلامية وبعضها البعض، فداعش عنده مثل الإخوان رغم التباين الشديد بينهما”.

 

وبحسب التايمز البريطانية فإن العلاقة بين ترامب والسيسي ” الذي كان أول المهنئين له ” ستشهد تحسنا ملحوظا، فترامب يعول كثيرا على النظام المصري لمكافحة الإرهاب في سيناء، وهو ينظر إلى مصر وروسيا وإسرائيل على أنها المؤهلة لتقاسم العبء مع بلاده في مكافحة الإرهاب”، وبحسب التايم الأمريكية، فإن ترامب يدعم كل النظم الاستبدادية وأشاد في مقابلاته بالعديد منها مثل بوتين والراحل صدام حسين. ووفقا ليديعوت احرونوت العبرية، فإنه لن يركز على ملف حقوق الإنسان خاصة في مصر السيسي (2).

وبالرغم مما أثير عن موقف ترامب من فكرة المساعدات الخارجية بصفة عامة ومنها المساعدات العسكرية السنوية لمصر، خاصة تغريداته الشهيرة في 18 أغسطس 2013 أي بعد الانقلاب على الرئيس مرسي “دعوا الدول العربية تعتني بمصر، فإن لديهم الكثير ليكسبوه، ولديهم وفرة من المال. لقد حان الوقت للولايات المتحدة أن تتوقف عن التصرف بغباء.. لا دولارات (بعد اليوم).”، إلا أنه قد تكون هناك صعوبة في وقف هذه المساعدات لعدة أسباب أولها أنها مرتبطة باتفاق كامب ديفيد ومدى التزام الجانب المصري به، وثانيا أن إسرائيل ولوبيها الأمريكي ” أيباك ” سيعارضان بشدة أي محاولة في هذا الاتجاه في ظل العلاقة الوطيدة مع السيسي حاليا.

 

ثانياً: ترامب والإخوان والإرهاب

صرح وليد فارس مستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط عقب إعلان نتيجة الانتخابات لعدة مواقع مصرية وعالمية (3)، من أن ترامب سيمرر مشروع اعتبار “الإخوان المسلمين” “جماعة إرهابية”، على اعتبار أن الإخوان المسلمين من أخطر الجماعات التي تغذي الفكر المتطرف. لذا، فهو -أي ترامب-يريد توجيه ضربة عسكرية للتنظيم الإخواني وليس احتواءه سياسيا، مثلما فعل أوباما وهيلاري كلينتون”.

هذه التصريحات بفرض صحتها -تثير العديد من التساؤلات عن توقيتها، وإمكانية المضي قدما بشأنها، وموقف الإخوان منها. فترامب كما سبق القول لم يخف عداءه للإخوان، بل يعتبرها الجماعة التي تغذي التطرف العالمي، وبالتالي فهو يجمع بينها وبين داعش في سلة واحدة رغم اختلاف نهج كل منهما ” سلمي بالنسبة للإخوان، وعنيف بالنسبة لداعش”. ومن ثم –وبحسب هذه التصريحات-لن يكتف بوضع الإخوان على قائمة الإرهاب وفرض حظر اقتصادي في الغالب عليها بسبب نهجها السلمي، وإنما-وهذا هو الأخطر-توجيه ضربة عسكرية، إذ يبقى السؤال أين سيتم توجيهها هل في مصر أم في أمريكا “لوجود إخوان بها”، أم في كل دول العالم التي يوجد بها الإخوان!

ربما لم تكن مفاجئة مثل هذه التصريحات، لا سيما وأن ترامب سبق وأن أيد مشروع القانون الذي قدمه السيناتور الجمهوري تيد كروز لمجلس النواب في نوفمبر 2015، ووافقت عليه اللجنة القضائية في فبراير الماضي، والذي يطالب باعتبار جماعة الإخوان المسلمين. ويدعو المشروع وزارة الخارجية الأميركية –باعتبارها المعنية بذلك بإدراج الإخوان في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية من أجل حماية الأمن القومي الأميركي.

 

ويترتب على هذا المشروع ثلاثة أمور: الأول: مطالبة الإدارة الأميركية عبر وزارة الخارجية على وضع الإخوان على قوائم الإرهاب الدولي، وما يعنيه ذلك من فرض حظر على المواطنين والمقيمين على الأراضي الأمريكية، فضلا عن إلزام الشركات بعدم التعامل مع كل من له ارتباط بجماعة الإخوان، سواء أفراد أو شركات أو هيئات، وعدم السماح لهؤلاء (سواء الإخوان أو المتعاملين معهم) بدخول الولايات المتحدة. الثاني: تجريم أي دعم مادي للجماعة وإخضاع من يقُدم مثل هذا الدعم لطائلة العقوبة الجنائية. الثالث: تمكين وزارة الخزانة الأميركية، بإلزام المؤسسات المالية الأميركية المودعة لديها أي أصول تابعة لجماعة الإخوان المسلمين بوقف جميع المعاملات المالية المتعلقة بها. (4)

ونظرياً يمكن لترامب تمرير مثل هذا المشروع بعد وصوله للسلطة في يناير القادم، لأن اليد العليا في ملفات السياسة الخارجية بشكل عام (فيما لا يتعلق بالاعتمادات المالية) هي للإدارة الأمريكية، وليس للكونجرس، كما أن قرار إدراج جماعة ما على لائحة الإرهاب هو قرار الإدارة، ويمكن للكونجرس، لاسيما في ظل هيمنة الجمهوريين عليه تجديد هذه المطالبة، ويمكن لترامب الموافقة عليها.

 

سيناريوهات ترامب للتعامل مع الإخوان

إن أمام ترامب أحد سيناريوهين:

الأول: وضع الإخوان على قائمة الإرهاب تنفيذا لرؤيته السابق الإشارة إليها، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات هامة سواء على مؤسسات الإخوان الاجتماعية في الولايات المتحدة، أو على صعيد المواطنين أو الأفراد الإخوان المقيمين بها، فضلاً عن حظر أفراد الإخوان في الدخول، ناهيك عن إمكانية حذو دول أخرى مثل هذا الحذو وبالتالي مزيد من التقييد للجماعة على المستوى العالمي.

 

الثاني: عدم الإقدام على مثل هذه الخطوة من الأساس، أو حتى تأجيلها، نظرا لوجود أولويات أخرى سواء على الصعيد الداخلي، أو حتى الخارجي” حرب داعش، والتعامل مع إيران”. ومن ثم قد يقتصر ترامب على دعم السيسي، وعدم إثارة ملف حقوق الإنسان، أو الحديث عن أي تسوية سياسية محتملة في مصر.

ومن هنا، وأيا كان هذا السيناريو التي سيسير عليه ترامب. فإن الإخوان مطالبون بالتعامل الجدي مع هذا الأمر. وقد تكون هناك مجموعة من الخطوات الهامة في هذا الشأن سبقت الإشارة إليها في مقال سابق في مارس الماضي. ولا مانع من إعادة التذكير بها (5):

1-تحديد جهة عليا داخل الجماعة تشرف على خطة التحرك والتنسيق بين كافة المستويات الإخوانية داخل الولايات المتحدة وخارجها، وخاصة تلك الجهات المعنية بالعلاقات الدولية، باعتبار أن الأمر يرتبط بصميم مهامها خاصة في بعده الدولي، مع قيام هذه الجهة بالتواصل مع الجهات المنوط بها ملف العلاقات الدولية في الخارج، والاستفادة من تجاربهم في هذا الشأن.

2-التواصل مع بعض الشخصيات العالمية العامة سواء السياسية أو الدينية، وكذلك بعض الدول التي ربما تكون متعاطفة مع الإخوان للاستفادة من خبرتها في هذا الشأن من ناحية، ولإمكانية أن يكون لها دور في تحسين الصورة الذهنية للإخوان لدى الكونجرس بصفة عامة، ووأد مشروع القانون بصفة خاصة.

3-ضرورة تشكيل فريق قانوني وإعلامي محترف لقيادة هذا الملف، مع ضرورة وجود شركة علاقات عامة كبرى تقوم بعملية الترويج لصورة الإخوان الإيجابية فيما يتعلق بنبذ العنف، فضلا عن ترتيب التواصل مع نواب الكونجرس سواء من الديمقراطيون الرافضون حتى هذه اللحظة لوصم الجماعة بالإرهاب، أو الجمهوريون الذين يمكن إقناعهم بخطأ هذا الموقف وأثره على دعم التطرف وعلى إفساد العلاقة مع المسلمين بشكل عام.

4-الاتفاق مع مكتب محاماة أمريكي ذو خبرة كبيرة لتفنيد الاتهامات الموجهة للإخوان بدعم الإرهاب وتهديد السلام الدولي، وتوفير التكاليف المالية المطلوبة لشركة العلاقات العامة ومكتب المحاماة حتى يبدأ العمل مباشرة تحت إشراف فريق إدارة الأزمة.

5-ضرورة الاستفادة من تجربة الإخوان في لندن في التعامل مع ملف اعتبار الإخوان جماعة إرهابية. والذي فوت الفرصة على اللوبيات المصرية والخليجية في هذا الشأن.

6-ضرورة التفكير في تشكيل لوبي إسلامي قوي داخل الولايات المتحدة للدفاع بالأساس عن قضايا الإسلام لاسيما في ظل حملة الجمهوريين ضد الإسلام والمسلمين. ويكون من مهام هذا اللوبي الدفاع عن التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية الوسطية، وعن حقها في العمل السياسي وفق الأطر المتعارف عليها، خاصة وأن البديل الطبيعي لقمع هذه التيارات هو الحركات المتطرفة والتي تغذيها السياسات غير المسؤولة والنظم الاستبدادية والتسلطية الإقليمية والدولية (6).

————————————-

الهامش

(1) حول بعض هذه التغريدات أنظر الرابط

(2) التايمز” تكشف. شرط ترامب لمساندة نظام السيسي، موقع المصريون، 17 نوفمبر 2016.

(3) ترامب يعتزم تصنيف الإخوان المسلمين كـ”جماعة إرهابية”، موقع قناة روسيا اليوم، 9/11/2016 .

(4) لمزيد من التفاصيل حول هذا المشروع وتداعياته أنظر د. بدر حسن شافعي، “الإدارة الأمريكية واعتبار “الإخوان” إرهابية “، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 3 مارس 2016

(5) د. بدر حسن شافعي، مرجع سابق.

(6) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى