دراسات

الصراع في بوروندي مسارات مستقبلية ومقترحات إجرائية

تمهيد

بعد الاطلاع على الأزمة السياسية في بوروندي اتضح أنها لم تكن حديثة عهد مع التطور السياسي، بل إن لها أبعاداً متعددة على الصعيد السياسي، والاقتصادي، والأمني، أخذت في التفجر مع الوضع السياسي المتأزم، الذي وصل إلى حد الذروة، مع الاتجاه إلى التعديلات الدستورية، للسماح للترشح بولاية ثالثة، على غرار العديد من الأنظمة الأفريقية، التي سبقت بوروندي في هذا الاتجاه، ما أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية، وتصاعد العنف والاضطرابات في الدولة، أعقبها تداعيات سلبية، سواء على الصعيد المحلي، سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً، واجتماعياً، .. الخ، أو على الصعيد الجوار الإقليمي، أو على الصعيد الدولي، وهذا يقود إلى العديد من السيناريوهات المستقبلية لاستشراف مستقبل الأوضاع في الدولة على كافة الأصعدة، للاتجاه إلى تقديم رؤى، وحلول من شأنها تعزز الاستقرار الأمني، والسياسي، وتعزز التنمية الاقتصادية.

المطلب الأول: السيناريوهات المستقبلية للأزمة

هناك العديد من السيناريوهات المستقبلية حول الأوضاع في بوروندي، وموقف المعارضة من النظام السياسي، والتي تتحدد كالتالي:

  1. الفشل في التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، مما يرجح أن تزيد من خطر تصاعد العنف في البلاد؛ فرفض المعارضة التعديلات الدستورية، التي أقرها الرئيس البوروندي نكورونزيزا، ومن ثم عدم قبولهم بالفترة الرئاسية، التي يتولاها الرئيس، سيؤدي بدوره إلى تزايد حدة الاضطرابات، والانفلات الأمني، وتصاعد المواجهة، مع عدم الرضوخ لأي مفاوضات، بالتالي مزيدًا من التردي للأوضاع الاقتصادية، والتي تنعكس أثارها ليس على المواطن فقط، بل على الدولة بأكملها.
  2. قبول المعارضة بسياسة الأمر الواقع، نتيجة التخوف من عمليات القمع والإبادة، خاصة مع تعاظم دور الأنظمة في دول الجوار، وقدرتها على تمرير التعديلات الدستورية، ومن ثم لا تجد المعارضة من يدعمها من تلك الأنظمة، التي تسير على نفس النهج في مد الفترات الرئاسية، واتجاهها لقمع الأولى، التي تسير على نفس النهج من العنف.
  3. المصالحة السياسية، بمعنى قبول النظام بتشكيل حكومة وحدة وطنية، مع إمكانية التوصل إلى حل وسط بشأن رئاسة المعارضة للحكومة مقابل بقاء الرئيس خمس سنوات أخرى 1 .
  4. الاتجاه إلى حرب عرقية، نتيجة عمليات التهميش الكبيرة، التي طالت العديد من الضباط العسكريين من التوتسي من قبل الرئيس نكورونزيزا، وهو من الهوتو، والتي قد تزيد من تصاعد الغضب، وتنذر بحرب عرقية، وصراع مرير على السلطة، يعيد نمط الحرب الأهلية من جديد.
  5. هناك احتمالية أخرى من تصاعد العنف في البلاد من قبل القوات الموالية للرئيس، خاصة بعد الدخول في اتفاقيات نزع السلاح من المعارضة، الأمر الذي يزيد من عمليات القمع والاعتقالات، نتيجة رفض الأخيرة لتلك المبادرات، والتشكيك في العملية الانتخابية، واتهامها بالتزوير، وعدم الشفافية. ومن ثم فإن عملية نزع السلاح ربما تقابل بتعنت أكبر من قبل المعارضة في رفضها، وهو مايزيد من المواجهة بين الطرفين، خاصة بعد فشل الأولى في إنهاء المواجهات المسلحة.
  6. تصاعد العنف من جانب المعارضة نتيجة دعمها من قبل بعض الدول الغربية، ودول ذات مصالح في المنطقة، خاصة بعد اتهام رواندا من قبل الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وكذلك الحكومة البوروندية بدعم المعارضة، الأمر الذي يزيد من عمليات الصراع المسلح بينها وبين الحكومة.
  7. توتر العلاقات، وتصاعد حدة الخلافات بين بوروندي ودول الجوار، لاسيما رواندا على إثر تبادل الاتهامات بدعم المعارضة،
  8. إصدار الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي قرار بنشر قوات حفظ سلام بعد الرجوع عن هذا القرار في البداية، نتيجة مراوغة الرئيس البوروندي في تنفيذ وعوده بشأن تحرير المعتقلين السياسيين، واحتواء المعارضة من خلال عمليات التفاوض، خاصة بعد اتهام مبعوث الأمم المتحدة للحكومة البوروندية بأنها سبب الأزمة.

حيث قال مبعوث الأمم المتحدة في مؤتمر صحفي في بوجمبورا ” أن حكومة بوروندي هي محرك الأزمة الراهنة، وليست ضحيتها، سواء على الصعيد السياسي، أو الاقتصادي”، متهماً السلطات البوروندية باعتماد سياسة “ازدواجية اللغة”؛ وأضاف بالقول “منذ بضعة أسابيع حصلنا من الرئيس نفسه على التزامات ملموسة، بشأن إطلاق سراح أسرى سياسيين، ولم نر شيئاً يحصل. لقد حصلنا من الرئيس نفسه على تعهد بنشر 200 مراقب من الاتحاد الأفريقي، ولكننا ما زلنا نشهد تسويفاً ” 2 .

بالتالي ينذر هذا التصريح بمزيد من التوتر في علاقات الحكومة البوروندية والأمم المتحدة، والتي من المحتمل أن تتخذ إجراءات أكثر صرامة ضد الرئيس إذا لم يتم تنفيذ الوعود التي أقر بها أثناء اتفاقه مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. حيث اقترح بان كي مون، في تقرير قدّمه إلى مجلس الأمن الدولي، 3 خيارات تهدف إلى إخراج بوروندي من الأزمة السياسية والأمنية، التي تعصف بها (أي منذ 26 أبريل 2015)، الأوّل، إرسال 3 آلاف شرطي أممي مُسلّح لحماية السكان، فيما تمثّل الثاني، في إرسال بعثة أممية تضمّ 228 من ضباط الشرطة إلى بوروندي، لمراقبة وإطلاق ناقوس الإنذار، دون التدخّل في حماية المدنيين، أما الثالث، فيقضي بإرسال من 20 إلى 50 ضابطاً، لتقييم الشرطة البوروندية، ومساعدتها على بدء تحسينات ملموسة في مجال احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون 3 .

إلا أن الحكومة البوروندية في ابريل 2016م، لم توافق سوى على إرسال نحو 20 من عناصر الشرطة الأممية غير المسلّحة”، وأنها “غير موافقة على أكثر من ذلك، بدعوى أنها بلد ذات سيادة، لكن المعارضة البوروندية على النقيض، أعلنت عن تأييدها لإرسال 3 آلاف شرطي مسلّح، حيث قال جيريمي ميناني، المتحدّث باسم إئتلاف “المجلس الوطني لإحترام اتفاق أروشا للسلام والمصالحة الوطنية في بوروندي وسيادة القانون”، وهو التحالف الذي يضمّ أحزاب المعارضة الراديكالية في البلاد، أنّ “إرسال 3 آلاف شرطي مسلّح قادرين على توفير حماية حقيقية للسكان المدنيين، هو الخيار الأنسب بالنسبة لنا، في ظلّ السياق الراهن الذي تشهده البلاد، لأن البورونديين بحاجة إلى قوّة لحمايتهم، وليس إلى 10 أو حتى 100 مراقب، ممن سيواكبون الإبادة الجماعية الجارية، عاجزين تماماً كما كان عليه الحال في رواندا العام 1994، بالنسبة للبعثة الأممية لمساعدة هذا البلد، والتي ضمّت 270 رجلاً” 4.

من ثم يصبح اختلاف المواقف بين الحكومة والمعارضة دليلاً على فشل المفاوضات بشأن التسوية، وينذر بمزيد من التوتر السياسي والأمني، وتصاعد المواجهة بين الطرفين. مع اتخاذ الأمم المتحدة قرار إما بنشر 3 ألاف من قوات الشرطة، أو نشر قوات حفظ سلام تابعة للاتحاد الأفريقي، وذلك في حال تعنت نكورونزيزا في تنفيذ وعوده السياسية.

  1. عودة الهدوء والاستقرار في الدولة، وإن كان نسبياً، بعد انتهاء الاحتجاجات، وقمعها من قبل النظام، مع استمرار المفاوضات مع المعارضة برعاية إقليمية ودولية، ومن ثم عودة الحياة في الدولة إلى طبيعتها، مع عودة بعض اللاجئين والنازحين من الدول المجاورة.

وهو ما أكده وضع اللاجئين في تنزانيا، الذي تراجع عددهم مع مطلع عام 2016 ، حيث تراجع عدد اللاجئين الفارين من بوروندي إلى 280 شخصاً يومياً تقريباً كمتوسط منذ مطلع عام 2016، مقارنةً بـ2,500 وصلوا كل يوم إلى تنزانيا وحدها في ذورة أزمة اللاجئين في مايو/أيار 2015، مع توقف ورود التقارير من داخل البلاد 5 .

  1. إقامة تعاون، أو تكتلات، أو ميليشيات مسلحة خارج البلاد مع بعض الجماعات الإرهابية المنتشرة في المنطقة لاسيما حركة الشباب المجاهدين في الصومال، أو جيش الرب في أوغندا، لتبادل الدعم المادي، والعسكري، لتحقيق الأهداف المشتركة، وهو ماينذر بخطر يطال المنطقة بأكملها.
  2. كما قد توقع هيرفيه لادسو، رئيس عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة، ثلاثة سناريوهات محتملة، أيضاً، لتصاعد العنف في بوروندي، كما ذكرت إذاعة فرنسا الدولية، وهي 6 :
  3. أن يبقى العنف محدوداً وفي حالات متفرقة، وفي هذه الحالة قال لادسو «يمكن للأمم المتحدة إبقاء العنف تحت السيطرة بشرط أن يكون هناك حوار سياسي، وبدعم من الاتحاد الأفريقي».
  4. أن تأخذ الأزمة منحى التصعيد، وأن تتطور إلى حرب أهلية. وهذا أسوأ السناريوهات، ولم يستبعد «لادسو» في هذه الحالة وقوع إبادة جماعية.
  5. من غير المرجح أن تؤدي الانتخابات إلى تهدئة الأوضاع داخل البلاد، بل على العكس ستقود إلى زيادة حدة الاحتقان، مما قد يهدد بمزيد من التصعيد للأزمة سياسياً، وأمنياً.

هذه السيناريوهات توضح أن الرئيس نكورورنزيزا بالفعل يواجه معارضة قوية قائمة في المقام الأول على الصراع السياسي، وليس العرقي، والتي تشمل الكثيرين داخل صفوف الحزب الحاكم، بالإضافة إلى الرفض الشعبي. أيضاً قوة النظام وسياسته، أثبتت قدرتها على تمرير التعديلات الدستورية، والبقاء في السلطة، وبدعم إقليمي، ودولي، وهو الأمر الذي اختلف مع الدول التي فشلت فيها الأنظمة في تمرير التعديلات الدستورية، كما حدث مع النيجر وبوركينا فاسو.

بالتالي من المحتمل أن تكون مقتضيات الصراع السياسي الغربي، لاسيما تصاعد نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية يقتضي بقاء نكورونزيزا في مواجهة النفوذ الفرنسي، الذي اتخذ موقف الرفض لسياسات نكورونزيزا، وهو الاتجاه الذي سارت عليه القوى الإقليمية بزعامة الاتحاد الأفريقي في القبول بسياسة الأمر الواقع، الذي فرضته الولايات المتحدة، ومجلس الأمن، خشية الانزلاق في حرب أهلية واسعة النطاق، لا غنى عنها، ولا تحقق مصالح هامة، على غرار الشرق الأوسط المعج بالقوى الدولية، وتصارع القوى المتعددة على الصعيد الإقليمي، والدولي.

ونتيجة لذلك لا يتوقع قبول هذا الفوز بشكل سلمي، وهادئ، بل ينتظر أن تستمر المعارضة في احتجاجاتها الرافضة لشرعية الرئيس، خاصة إذا فشلت المفاوضات في تسوية سياسية بين المعارضة والحكومة، ما قد يؤدي إلى انزلاق البلاد في سلسلة متواصلة من الأزمات، مع استمرار المفاوضات المتعددة على الأمد الطويل.

المطلب الثاني: سبل المواجهة وأفاق الحل

لم تكن الأزمة الأخيرة أفضل حالاً من فترات النزاع، وإن كانت أقلها حدة، إلا أنها ترجع في الذهن التخوف، والقلق من الرجوع لفترات الحرب الأهلية، التي عانت منها بوروندي في فترة التسعينيات، وخلَّفت ألاف القتلى والمصابين، فضلاً عن الكوارث الإنسانية، التي عانت الدولة من تبعاتها حتى الأن، من ثم كانت الأزمة بمثابة العاصفة المقلقة، التي يخشى المجتمع الرجوع إليها مرة أخرى، ولكن هذا يضعنا أمام نمط اعتادت عليه الأنظمة الأفريقية، وهو اتخاذ كل السبل المتاحة، وأخرى ملتوية من أجل البقاء في السلطة، حتى وإن كان ذلك على حساب قتل الأبرياء، وإبادة الكثير من شعب الدولة، بالرغم من تعاظم نظام دولي يعزز من الديمقراطية، وحقوق الإنسان، إلا أن مقتضيات السياسة الغربية والدولية بشكل عام قد فرضت اتجاهاً أخر ظاهره ديمقراطية، وباطنه مصالح كبرى على حساب حرية الشعوب، وقمع اختيار مصيرها المتعلق بالتنمية الاقتصادية، وتعزيز المشاركة السياسية، بما يضمن حقوق المواطنين في الحرية، والعيش الكريم بغض النظر عن انتماءاتهم.

من ثم يقتضي الأخذ بالعديد من الوسائل، والسبل للحد من تجدد الأزمات السياسية، ونشوب النزاعات المتكررة على السلطة والثروة، وهي كما يلي:

  1. تفعيل المشاركة السياسية، وإذكاء العملية الانتخابية بنزاهة، وشفافية، ومراقبة دولية، حتى لاتخضع للفساد من قبل جماعات المصالح في الدولة، مما يؤدي للرجوع لدائرة النزاع مرة أخرى 7 .
  2. يتعين على الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومجلس الأمن، أن يراقبوا الوضع في بوروندي عن كثب، في إشارة لمنع الرئيس من أي محاولة لتزايد عمليات القمع على المحتجين والمعارضين السياسيين للرئيس، وهذا ما أكده رئيس عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة هيرفيه لادسو بضرورة إرسال الأمم المتحدة قوات لحفظ السلام إلى بوروندي، وأكد في الوقت نفسه أنه لا يمكن تحقيق ذلك دون دعم من الدول الأعضاء، وأن الأمم المتحدة غير قادرة على ضمان سلامة المواطنين في بوروندي حاليًا.
  3. لابد من تفعيل دور الاتفاقيات الإقليمية، والدولية، وتنازل الأطراف المتصارعة، والمتعنتة في تحقيق مصالحها من أجل توحيد الدولة البوروندية، وإعادة بناء مقوماتها من جديد.
  4. على القوى الإقليمية، والدولية، أن يكون لها تأثير فعال في تحقيق عملية السلام بين الأطراف المتصارعة، والضغط على صناع القرار في الدولة لتسوية الأزمة السياسية، والنزاع، حتى لا يمتد أثاره إلى الدول المجاورة، بما يسبب كارثة إنسانية، تقضي على جهود التنمية، والاستقرار في المنطقة بأكملها.
  5. تعزيز التنمية الإقتصادية، وتقاسم الثروة بين الشعب المتعدد الانتماءات، الذي من المفترض أن يقبع تحت ولاء واحد وهو الدولة والوطن، ومن ثم يتعين تقاسم الثروة، بما يعزز البنية الاقتصادية، وتحقيق الحد الأدنى من متطلبات المواطن الأساسية، بما يضمن له العيش الكريم، ومن ثم تقاسم السلطة، والمشاركة السياسية التى تعزز انتماءه بوطنه، وتوفر له حرية المشاركة في الحياة العامة.
  6. نشر العدالة، والمساواة، مع ضرورة تغيير الأنظمة الفاسدة، وعدم التلاعب بالدستور ومن ثم يتعين على مؤسسات القضاء، والمحاكم الدستورية في الدولة أن تقف على الحياد ولا تنتمي لفصيل ضد الأخر سواء النظام أو المعارضة على حساب مصالح الدولة العليا، وأمنها، واستقرارها، وسلامة شعبها.
  7. محاكمة الفاسدين والمتورطين من النظام والمعارضة على السواء محاكمة رادعة، إن ثبت إدانتهم في جرائم حرب، خاصة التي تسعى إلى زيادة حدة التوترات بين أبناء الوطن الواحد، وذلك من قبل مؤسسات الدولة المستقلة، التي من المفترض أن تكون مؤسسات القضاء، والمؤسسة العسكرية، أو حتى المحاكم الدولية، ومن ثم لابد من تولي قيادات ذات قاعدة وطنية تنظر للدولة باعتبارها وطن، وليس ساحة للتصارع على المصالح الذاتية، ومصالح الجماعات، التي ينتمي إليها.
  8. تعزيز القوة العسكرية، وإحكام القبضة الأمنية في المنطقة، وعلى حدود الدول المجاورة، للحد من حراك الجماعات الإرهابية وعملياتها، وحركات التمرد المسلحة، التي تستغل عدم الاستقرار الأمني، لتزايد نشاطها في المنطقة، وهو ماينذر بمزيد من العمليات الإرهابية.

بالتالي لابد من تحقيق الجهود الرامية لإحلال السلام في الدولة لأنه بالتبعية ستنعكس على المنطقة بأكملها، خاصة وإن الإفراط في عمليات القتل سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، بما ينعكس على الوضع الإنساني للدولة، ووقوفها في موضع اتهام من قبل المحكمة الجنائية الدولة، ومنظمات حقوق الإنسان، ليس ذلك فحسب، وإنما سيؤدي ذلك إلى إزدياد عمليات اللجوء، والنزوح لباقي السكان، مع تزايد الأضاع الإنسانية الحرجة.

خاتمة

بعد استعراض الأزمة السياسية في بورندي، اتضح أن اتخاذ نهج التعديلات الدستورية، التي سارت عليه العديد من الأنظمة الأفريقية، كان دليلاً على النمط السلطوي، واتخاذ نهج القمع والعنف من قبل النظام للسيطرة على الثروة والسلطة، وذلك في مقابل المعارضة التي تتطمع إلى ذات الهدف، من ثم أصبح الوضع أكثر حدة مع المواجهة المسلحة بين الطرفين، التي تلقي أثارها السيئة على الشعب، والدولة بأكملها، مُخلِّفة عمليات اللجوء، والنزوح، مع التهديد بكوارث إنسانية جراء القتل، والإبادة.

إن اتفاق أروشا للسلام، الذي عقد في أغسطس عام 2000م في تنزانيا، والذي يعتبر من أهم الاتفاقيات، التي أثرت في مسار الأوضاع السياسية، والاقتصادية في البلاد، منذ نهاية الحرب الأهلية، قد انحصر على إنهاء الحرب الأهلية دون تفعيل بنود تقاسم الثروة والسلطة، وفقاً لمبادئ الاتفاق، وهو ما أشعل النزاع من جديد مع تفاقم أزمة التعديلات الدستورية الأخيرة، خاصة مع تباطؤ عمليات التسوية السياسية منذ عام 2005 بين الحكومة والمعارضة، لعدم تقديم أي تنازلات من الطرفين لمصلحة الدولة والشعب ككل، دون التطرق إلى مساومات قد تضر بمسار المفاوضات، أو بمصالح الدولة. وهو ما أعقبه استمرارية لعمليات الاقتتال، وتصاعد العنف في البلاد.

ليلقي أثاره وتداعياته السلبية المتعددة على الأوضاع في الدولة، والتي تمثلت في تفاقم الأوضاع الإنسانية، التي تعددت مابين اللجوء، والنزوح، وانهيار البنية التحتية للدولة، وتراجع النشاط الاقتصادي بشكل كبير، الذي أدى إلى انتشار الفقر، والتفاوت الطبقي، مع تصاعد العنف، والاقتتال، بين جيش النظام والمليشات المسلحة من المعارضة، الذي خلَّف كوارث إنسانية، ألقت آثارها على تجنيد الأطفال في تلك الحرب.

فتولي الهوتو الحكم في البلاد منذ عام 2005 بعد فترة مريرة من الصراع مع أقلية التوتسي التي كانت تمسك زمام الدولة في فترة التسعينيات وماقبلها، أعطت لنا صورة ذهنية عن النظم الأفريقية، التي اتسمت بالظلم، والفساد، والتبعية، وهو مااتضح من معاناة الشعب البوروندي، كغيره من العديد من دول القارة، نتيجة الفساد من قبل جميع القادة، فضلاً عن الاغتيالات، والعديد من الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان من الحكومة الحالية بزعامة الرئيس بيير نكورونزيزا، والمُغلَّفة بظواهر ديمقراطية، وأشكال سياسية، وإجراءات، وشكليات، ورموز متفق عليها في اتفاق أروشا، بينما أصبح السكان يعانون من نظام غير مسؤول، وإدارة سيئة موروثة من أنظمة اعتادت على هذه الممارسات في الحياة السياسية البوروندية. فضلاً عن الأبعاد السياسية، والاقتصادية، والأمنية، وأيضاً الاجتماعية سابقة الذكر، والتي كان لها الدور في تفجر الأزمة الأخيرة، ليصبح الوضع كما هو عليه حتى بعد تغير الجماعة العرقية.

هنا لم تكن الحروب العرقية هي العامل الحاسم في الوقت الراهن، فقد تخطت العديد من دول القارة هذه الإشكالية في مقابل الأزمات السياسية، والاقتصادية، التي ينظر إليها المواطن في المقام الأم من أجل العيش، وإن لم ينفي النزاعات العرقية، والتي تتفاقم بين الحين والأخر لغياب العدالة بين شعب الدولة، نتيجة الممارسات المتعددة، التي تعزز من تقويض الاندماج الوطني في الدولة.

كما أن عمليات الصراع المسلح، الذي تعيشه الدولة بين الحين والأخر، قد يصبح فرصة سانحة لامتداد التنظيمات الإرهابية، وممارساتها في المنطقة، خاصة مع تعاظم نشاط الجماعات الإرهابية مثل داعش، وحركة الشباب المجاهدين في الصومال، وبوكو حرام، وحراكها المستمر في العديد من دول القارة، وهو ماينذر بحرب تمتد أثارها لتشمل المنطقة بأكملها.

هنا يتبادر سؤال مؤداه هل ثمة رؤية مستقبلية لتلك الأحداث المتصاعدة في الدولة؟

نجد أنه بالرغم من تصاعد تلك الأحداث لا يمكن الجزم بأن الدولة ستعيش في عدم استقرار أمني دائم، فالنظام الأن يعمل على تحسين الأجواء السياسية، بعد تنصيبه لفترة رئاسية جديدة، وذلك من خلال مفاوضات طويلة الأمد، ربما تحقق مشاركة سياسية فعالة لقادة المعارضة، بما يحد من المواجهات المسلحة، خاصة مع عودة الاستقرار الأمني النسبي في الدولة، وهو ما أكده وضع اللاجئين في تنزانيا، الذي تراجع عددهم مع مطلع عام 2016، مع توقف ورود التقارير من داخل البلاد بشأنهم. إلا أن هذا لا ينفي حدوث مناوشات، أو مواجهات مسلحة نسبية بين الحين والأخر، خاصة بعد قمع واغتيال العديد من أحزاب المعارضة، إلا أن المفاوضات هي التي ستحسم الأمر إما باستمرار الحراك المسلح للمعارضة، أو القبول بسياسة الأمر الواقع مع المشاركة النسبية في السلطة.

إن دور القوى الإقليمية والدولية في الصراع البوروندي لا يمكن تغافله، فعلى الصعيد الإقليمي هناك قلق وتخوف كبير من امتداد الصراع في دول الجوار، فضلاً عن امتداد الكوارث الإنسانية ممثلة في عمليات اللجوء، والنزوح، وامتداد الحركات المسلحة، وهو ينذر بحرب واسعة النطاق، من ثم كانت المبادرات المتعددة الإقليمية لتسوية تلك الأزمة لاحتوائها، فضلاً عن مصالح تلك الدول الاستثمارية، والعلاقات الاقتصادية المتعددة، وهو مايؤثر على الوضع الاقتصادي في باقي دول المنطقة.

أما على الصعيد الدولي اتضح أن التنافس الأمريكي الفرنسي في دول شرق أفريقيا أعطي دورًا في تغيير مسار الصراع الدائر، حيث وجد التنافس المحتدم في بوروندي، والذي أثَّر في مجرى التحولات السياسية، فبالرغم من التهديدات بتعليق المساعدات من قبل القوى الدولية، إلا أنها اتجهت في النهاية إلى تعزيز قوة النظام البوروندي على حساب النهج الديمقراطي، الذي يفرض عدم المساس بالدستور لخدمة مصالح الأنظمة الحاكمة، وهو مافرضته المصالح المتعددة للقوى الدولية، وتسعى الأن إلى ترسيخه مع تجدد علاقاتها مع الرئيس، من ثم كان هناك حراك إقليمي، ودولي لتهدئة الأوضاع في المنطقة من خلال التوسط لتسوية الأزمات السياسية، والعنف في الدول ذات التوتر الأمني، بما يضمن حماية المصالح الإقليمية والدولية، ويحد من امتداد المواجهات المسلحة في المنطقة، أو تدويلها.

أيضاً لا يمكن الجزم بأن العلاقات الرواندية البوروندية سترجع إلى طبيعتها بعد تبادل الاتهامات بشأن إيواء المتمردين المسلحين لتهديد استقرار الدولتين، خاصة بعد الاتهامات التي واجهت رواندا من قبل بوروندي والمجتمع الدولي بتهديد استقرار جارتها بوروندي، وهو ينذر بمزيد من التعقيد في العلاقات بين الدولتين، وإن كان هناك تحسن سيكون نسبياً أيضاً، وبرعاية إقليمية ودولية (8 ).


الهامش

1 بدر حسن شافعي، مرجع سبق ذكره، نفسه.

2 أ ف ب، واشنطن: حكومة بوروندي هي “محرك” الأزمة، فرانس 24، 20 أبريل 2016م. الرابط

3 وكالة الأناضول التركية، بوروندي ترفض مقترحا أمميا بنشر 3 آلاف شرطي على أراضيها، أخبار العالم، 18 أبريل 2016م. الرابط

4 المرجع السابق، نفسه.

5 وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين UNHCR ، لاجئو بوروندي يروون مزيداً من القصص المروعة، UNHCR ، 15 مايو/ أيار 2016 الرابط

6 مركز مقديشيو للبحوث والدراسات، قراءة حول أزمة بوروندي والسيناريوهات المحتملة، مركز مقديشيو للبحوث والدراسات، 27/01/2016. الرابط

7 مركز مقديشيو للبحوث والدراسات، مرجع سبق ذكره، نفسه.

8 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى