سياسة

العلاقات المصرية الروسية تقارب أم تحالف؟

المقدمة

التطور المتزايد في العلاقات بين الجانبين المصري والروسي في السنوات القليلة الماضية يدفعنا الى التوقف قليلاً والنظر بعمق لفهم طبيعة ذلك الإقتراب والتنامي في العلاقات بين الجانبين على المستوى السياسي والعسكري والإقتصادي، نحاول هنا في هذه الورقة البحث في دوافع العلاقات بين مصر وروسيا بعد إنقلاب الثالث من يوليو وتحديد ما إذا كانت العلاقات بين الجانبين يمكن إدراجها تحت مصطلح “حلف إستراتيجي” وما هي الآثار المترتبة لتلك العلاقات المتنامية على العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.

هناك عدة محددات يجب ان تناولها بشكل اكثر تفصيلا لتشكل مدخلاً هاماً في فهم طبيعة وابعاد العلاقات المصرية الروسية في الفترة الحالية، سنحتاج الى إلقاء مزيد من الضوء على السياسة الخارجية الروسية بإتجاه منطقة الشرق الاوسط وفهم الموقف الروسي من ثورات الربيع العربي.

السياسة الروسية في منطقة الشرق الاوسط

البعد الجغرافي هو البعد الأبرز في السياسة الخارجية الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط حيث يمكن من خلاله فهم الاهمية الاستراتيجية والجيوسياسية التي تمثلها المنطقة لروسيا وهي اهمية تبدو ملامحها واضحة من خلال النظر الى السواحل الروسية المتجمدة طوال العام والسعي الروسي الدائم الى الحفاظ على الوجود الفعال في منطقة الشرق الأوسط لضمان الوصول الى المياه الدافئة عبر الخليج العربي والبحر المتوسط، إذا ما حاولنا تحديد الملامح الرئيسية للسياسة الروسية تجاه منطقة الشرق الاوسط سنجد أن هناك ملمحين رئيسيين يمكن من خلالهما فهم التحرك الروسي الدؤوب في المنطقة من شرقها إلى غربها، يتمثل الملمح الأول في الإصرار الروسي على ضرورة إعادة تشكيل توازن القوى العالمي ومزاحمة الولايات المتحدة في المنطقة لاسيما وأن السياسة الامريكية تجاه المنطقة في عهد اوباما شهدت انسحاب امريكي في كثير من الملفات على رأي كثير من المحللين السياسيين مما منح روسيا فرصة لملء الفراغ الأمريكي وإعادة توازنات القوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط. انعكست الرؤية الروسية لمنطقة الشرق الأوسط بشكل واضح في إنخراطها في الأزمة السورية وسعيها لتعميق العلاقات السياسية والعسكرية والإقتصادية مع ثلاث محاور رئيسية في المنطقة هي مصر وتركيا وإيران.

الملمح الثاني مرتبط بالمصالح الاقتصادية لروسيا في منطقة الشرق الأوسط فبجانب البعد الجيوستراتيجي للعلاقات الروسية مع المنطقة يظهر بقوة البعد الإقتصادي الذي يمثل بعداً ذو أولوية لدى الجانب الروسي، النظر الى حجم صفقات الاسلحة الروسية مع مختلف دول المنطقة، يشير الى حجم الموارد المالية الضخمة التي تجنيها روسيا من خلال وجودها في منطقة الشرق الأوسط كأحد موردي السلاح الرئيسيين، فضلاً عن ما تحققه من خلال تلك الصفقات من نفوذ واقرار لرؤيتها السياسية في المنطقة، ولا يتوقف البعد الاقتصادي على توريد السلاح الروسي فقط ولكن يمتد الى تصدير التكنولوجيا النووية من خلال بناء محطات للطاقة النووية كما هو الحال في العقود المبرمة مع مصر وتركيا في هذا الشأن.

هناك عامل آخر مؤثر لا يمكن ان نغفله في النظرة الروسية لمنطقة الشرق الأوسط ويمكن ان يساهم بنظرة اعمق لتطور العلاقات بين روسيا ودول المنطقة وهو يتعلق بالعلاقات الروسية مع اوروبا وما آلت إليه في السنوات القليلة الماضية والتي تزامنت تقريباً مع ثورات الربيع العربي حيث مثل استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم في مارس 2014 ومن قبلها التدخل الروسي في أوكرانيا إيذانا ببدء توتر في العلاقات بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي وبداية حزمة من العقوبات على الجانب الروسي، بطبيعة الحال انعكست العلاقات المتوترة بين الجانبين الروسي والأوروبي على اهداف وابعاد السياسة الروسية في منطقة الشرق الأوسط وشكلت أحد الدوافع وراء التدخل الروسي في ألازمات المشتعلة في المنطقة من أجل تحقيق عدة أهداف يأتي في مقدمتها التوغل في شرق وجنوب مياه المتوسط لتمثل طوقاً جنوبياً لأوروبا وإعادة التموضع الروسي في منطقة الشرق الأوسط بهدف جعل روسيا محورا تتقاطع معه المصالح الاوروبية في المنطقة مما يمنح الجانب الروسي فرصاً اكبر للتفاوض مع اوروبا حول رفع العقوبات المفروضة عليها ولكن ليس على حساب ملف شرق اوكرانيا بل على حساب ملفات أخرى باتت تمتلكها روسيا في منطقة الشرق الأوسط ويهتم الجانب الأوروبي بإيجاد تسويةٍ لها.

فهم الموقف الروسي من ثورات الربيع العربي

الإعتقاد الروسي بأن استقرار منطقة الشرق الأوسط يؤثر بشكل مباشر على استقرار المناطق المتاخمة للحدود الجنوبية الغربية الروسية وبالتبعية على الاستقرار داخل روسيا هو ما يجعل روسيا لا تميل الى أي تغيرات من شأنها أن تؤثر على استقرار المنطقة وفق وجهة نظرها، هذا بالإضافة الى الإعتقاد الروسي بالرغبة الامريكية التي واكبت ثورات الربيع العربي في احداث تغييرات جديدة في منطقة الشرق الاوسط تحافظ من خلالها الولايات المتحدة على مصالحها ونفوذها في المنطقة مما دفع روسيا أن تولي اهتماماً كبيراً بمزاحمة الولايات المتحدة على النفوذ والسيطرة داخل منطقة الشرق الأوسط لإدراكها أن المرحلة السائلة التي تمر بها المنطقة تتسم بتغيرات سريعة ومفاجئة ستسفر عن إعادة رسم خريطة القوى والتحالفات في المنطقة، وهو ما لا تريد روسيا أن يمر دون أن يكون لها في تلك الخريطة الجديدة وجود ودوراً فعالاً وبارزاً، ولا تزال الفرصة سانحة وبقوة لروسيا لكسب مساحات أوسع في صراعها مع الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط لاسيما وأن الإدارة الأمريكية بإعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل وفرت لروسيا فرصة لتعمق جذورها أكثر في المنطقة عبر القضية الفلسطينية ولتلعب دوراً يبدو حيادياً ويختلف عن التحيز الأمريكي الواضح للكيان الصهيوني.

تشكل تلك الرؤية الروسية للمنطقة وللوجود الامريكي فيها الإطار العام الذي جعل السمة الغالبة على الموقف الروسي من ثورات الربيع العربي، هي التحفظ وعدم التسرع في البداية ثم لاحقاً التمسك بدعم الأنظمة التي ثارت شعوب المنطقة عليها، وبعد سبع سنوات من انطلاق ثورات الربيع العربي تبدو روسيا المستفيد الأكبر خلال تلك الفترة حيث بات واضحاً ان روسيا أصبحت فاعلاً رئيسياً في الأزمة السورية وأسهمت قواتها في استعادة النظام السوري لعدة مناطق كان قد فقدها مع بداية الثورة السورية، ومن ناحية أخرى الدعم الروسي الواضح للواء خليفة حفتر قائد ما يسمى الجيش الليبي يُظهر ايضا الرغبة الروسية لأن تصبح فاعلاً رئيسياً في الأزمة الليبية، هذا بالاضافة الى تطور وتنامي العلاقات مع مصر التي هي موضوع هذه الدراسة.

البعد الإقتصادي يظل ايضا حاضراً حيث تمثل خطوط نقل الغاز احد العوامل الرئيسية لفهم الموقف الروسي من ثورات الربيع العربي فروسيا تسيطر على سوق الغاز الاوروربي عبر خطوط النقل التي تمتد من اراضيها الى اوروبا عبر تركيا في حين أن أي تنافس في هذا المضمار يشكل تهديداً لأحد اهم الاوراق الاقتصادية والاستراتيجية التي تمتلكها روسيا

ماذا تريد روسيا من مصر

من خلال ما قمنا به من القاء الضوء على السياسة الروسية في منطقة الشرق الاوسط ومحاولة فهم الموقف الروسي من ثورات الربيع العربي يمكن ان نتلمس الخطوط العامة في العلاقات المصرية الروسية حالياً وتحديد المصالح التي تسعى روسيا الى تحقيقها من خلال علاقتها مع مصر.

الركائز الإقليمية

تمثل مصر الحليف الاستراتيجي القديم للولايات المتحدة أحد الركائز في منطقة الشرق الأوسط التي تسعى روسيا إلى تنمية العلاقات معها سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً بجانب تركيا وإيران بهدف استعادة روسيا لمكانتها وقوتها في المنطقة بعد أن فقدتها في العقود الأخيرة بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ونهاية الحرب الباردة، وهو ما دفع روسيا إلى إعادة تموضعها في أكثر من دولة من دول منطقة الشرق الأوسط وخاصة مع القوى الإقليمية التقليدية المتمثلة في مصر وتركيا وإيران لتزيد من نفوذها في المنطقة وتخلق لنفسها دوراً فاعلاً ومؤثراً تستطيع أن تزاحم به الدور الأمريكي.

التوغل في مياه المتوسط

في ضوء العلاقات الروسية الأوروبية المتوترة والتي زادت من الرغبة الروسية في التمدد في مياه المتوسط من الشرق الى السواحل الجنوبية عبر مصر وليبيا لمحاصرة أوروبا جنوباً، بدت الرغبة الروسية جادة في التوغل في مياه المتوسط حيث لم يثنِ الرفض المصري لطلب روسيا بقاعدة عسكرية جوية1 على سواحل البحر المتوسط غربي مصر عن سعيها للوجود ولو بشكل غير مباشر وذلك من خلال الإتفاق بين الجانبين2 على السماح للطائرات العسكرية الروسية باستخدام المجال والقواعد الجوية المصرية. الإتفاق منح روسيا وجوداً أكبر من ذلك التواجد الذي كان محدوداً قبل عام 73 عندما كان هناك تواجد لخبراء عسكريون روس داخل المنشئات العسكرية المصرية. مشروع الاتفاق منح مصر أيضاً حقوق متبادلة في استخدام المجال الجوي أو القواعد الجوية الروسية وليس واضحاً على وجه التحديد ما هي الفائدة التي يمكن أن تعود على مصر من استخدامها للمجال الجوي والقواعد الجوية الروسية، وربما الأقرب الى الواقع حصول الجانب المصري نتيجة هذا الاتفاق على وعود باستعادة الرحلات السياحية الروسية الى مصر والشروع في عمليات بناء محطة الطاقة النووية بمنطقة الضبعة، وهناك بعض إشارات غير مؤكدة أن النظام المصري يمكن أن يرتب وضعاً إذا ما رأى نفسه في خطر من انتفاضة شعبية أو تمرداً عاماً بأن يطلب دعماً روسياً على غرار ما تم مع بشار الأسد، فإذا كانت الولايات المتحدة لا تقبل ذلك فإن روسيا ربما تقبل تقديم دعم مشابه لنظام السيسي إذا ما تعرض لخطر الإزاحة بأي شكل، وهو أحد البدائل التي لا تستبعد تدويل أزمة محتملة للحكم في مصر لمصلحة الداعم الروسي.

الإصرار الروسي على الوجود في شرق وجنوب المتوسط يزيد من إحتمالات التدخل العسكري الروسي الداعم للواء خليفة حفتر في شرق ليبيا وربما على أقل تقدير استخدام مصر في تقديم المساعدات والدعم العسكري الروسي إلى حفتر، وأيا كانت الإحتمالات فإن الدور المصري يبدو أنه سيمثل الحديقة الخلفية للدخول الروسي إلى الساحة الليبية ومن ثم مزيد من التوغل الروسي في جنوب المتوسط .

المكاسب الإقتصادية

قراءة مباشرة لبعض الأرقام المعلنة عن بعض الصفقات بين الجانبين المصري والروسي كافية لإدراك حجم الإستثمارات والمكاسب الاقتصادية التي ستتحصل عليها روسيا من خلال تلك الصفقات مع الجانب المصري. صفقة الأسلحة الروسية التي تم توقيعها في اواخر 2014 ويتسلم بموجبها الجانب المصري عدداً من الطائرات والمروحيات والصواريخ تصل قيمتها إلى 3.5 مليار دولار3 ، على الجانب الآخر يقدم الجانب الروسي قرضاً4 لمصر بقيمة 25 مليار دولار من أجل تمويل إنشاء وتشغيل محطة الضبعة النووية ويبلغ أجل القرض 22 عاماً، بفائدة 3 بالمئة سنوياً، في حين تبلغ الإستثمارات التي تنوي روسيا القيام بها في المنطقة الصناعية شرق قناة السويس 4.6 مليار دولار5 والتي ستمثل منصة تنطلق منها روسيا الى السوق الإفريقي ومنطقة الشرق الأوسط ، بالإضافة إلى مشاريع الغاز الطبيعي التي تتطلع إليها روسيا مع الجانب المصري في ظل سعي روسيا لإحكام قبضتها على سوق الغاز الطبيعي في أوروبا وفي ظل إدراكها بتحول مصر في المستقبل القريب إلى أحد أكبر الموردين للغاز الطبيعي وهو ما دفع روسيا في أواخر 2016 عبر شركة “روس نفط” إلى الاستحواذ على نسبة 30% من منطقة “امتياز شروق”6 والتي يقع فيها حقل “ظهر” المصري ولتصبح “روس نفط” طرفاً فى مشروع تطوير أكبر حقل للغاز فى البحر المتوسط.

ماذا تريد مصر من روسيا

على الجانب ألاخر وبعد انقلاب الثالث من يوليو أدرك النظام المصري أن إيجاد بدائل وصنع خريطة تحالفات جديدة قد تؤمن له بعض المساحة بعيداً عن الضغط الأمريكي فيما يتعلق بالعقوبات وتعليق المساعدات العسكرية، وربما كان إتجاه النظام المصري نحو روسيا متزامناً مع الرغبة الروسية للتوغل في منطقة الشرق الاوسط وملء الفراغ الأمريكي، وهو ما جعل من مسارات العلاقات بين مصر ورسيا يبدو متوافقاً بشكل كبير وقابلاً للتمدد في مساحات متعددة سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً. وفي ظل سعي النظام المصري لإستراتيجية ايجاد البدائل يمكن أن نحدد المصالح الرئيسية التي سعى اليها من خلال علاقات قوية مع روسيا.

إيجاد داعم دولي

عانى النظام المصري منذ اللحظات الأول لإنقلاب الثالث من يوليو من شرعية داخلية متصدعة لم يستطع أن يُحد من مظاهرها إلا من خلال قبضة أمنية عنيفة وانتهاكات وقمع مع انهاء للحياة السياسية في مصر، في نفس التوقيت ادرك النظام ان هذا التصدع الداخلي لا تصلح معه فقط السياسات الأمنية ولكن لابد من ايجاد داعمين دوليين يستمد قوته منهم ويمنحوه شرعية دولية تغنيه عن حالة التصدع التي يعاني منها داخلياً، بطبيعة الحال تدرك القوى الدولية هذه المعادلة بين رغبة الأنظمة المستبدة في تعويض ضعف شرعيتها الداخلية بشرعية خارجية ويبدو أن هذا الإدراك من القوى الدولية جعل سعيها لا يتوقف فقط عن إقامة علاقات قوية مع تلك الأنظمة الضعيفة داخلياً بل والحفاظ على بقائها واستمرار تواجدها في السلطة. في ضوء تلك المعادلة سارع النظام المصري الى علاقات قوية وفتح الباب امام استثمارات وصفقات سلاح ضخمة مع الجانب الروسي آملاً ان يجد دعماً من احدى القوى الدولية العائدة بقوة الى منظومة توازنات القوى داخل منطقة الشرق الأوسط، ويكفي الإشارة هنا الى أن أول زيارة7 للسيسي حينما كان في منصب وزير الدفاع المصري بعد أيام من انقلاب الثالث من يوليو كانت الى روسيا فيما يبدو انها كانت بداية رحلة البحث عن الدعم الروسي للنظام المصري.

تنويع مصادر التسليح

العقوبات التي فرضتها ادارة اوباما في أعقاب إنقلاب الثالث من يوليو على النظام المصري من خلال تعليق المساعدات العسكرية دفعت بالنظام المصري الى السعي لإيجاد بدائل للتسليح الأمريكي الذي اعتمد عليه الجيش بشكل أساسي منذ إتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979، العقوبات الأمريكية حثت النظام المصري الى تجنب عدم الوقوع تحت الضغط الأمريكي والسعي في إيجاد بدائل.

مثلت العلاقات المصرية مع الجانب الروسي تزامنا مع توتر العلاقات مع إدارة أوباما فرصة سانحة للنظام المصري للبحث عن بدائل للمساعدات العسكرية المعلقة من الجانب الامريكي، ولم يكن مثيراً للدهشة حجم صفقات التسليح التي أبرمها النظام المصري مع روسيا في ذلك التوقيت إضافة الى حجم التعاون العسكري والمناورات العسكرية المشتركة بين الجانبين. إلا أنه وبالرغم من حجم صفقات التسليح خارج الاطار الامريكي سيكون من الصعب تخلي المؤسسة العسكرية المصرية عن تسليحها الرئيس القادم من خلال الدعم الأمريكي وربما يكون في أفضل الأحوال الإتجاه إلى بعض التسليح التقليدي من روسيا وقوى أخرى مثل فرنسا والمانيا.

المراوحة بين التقارب والإبتزاز

يبدو ان سياسة المراوحة بين التقارب والإبتزاز هي أحد أبرز توجهات السياسة الخارجية للنظام المصري والذي يبدو فيها سعيه الحثيث الى التقارب مع قوى دولية وإقليمية وبنفس القدر ايضا سعيه لإبتزاز تلك القوى من خلال علاقات وتعاون مع دول وقوى أخرى منافسة، أو من خلال الدعم والتعامل مع ملفات متناقضة داخل الأزمات المشتعلة في المنطقة ويبدو أن العلاقات المصرية الروسية والتعاون المستمر والمتزايد بين الجانبين يتيح للنظام المصري التعامل مع الحليف الاستراتيجي الأمريكي من خلال تلك السياسة وهو ما يضع النظام المصري في وضعية يستطيع من خلالها مقاومة الضغوط الأمريكية فيما يتعلق بالتهديد المستمر بتقليص المساعدات الأمريكية أو فيما يتعلق بالإنتقادات الموجهة للنظام المصري بخصوص غياب الديمقراطية و الحريات العامة والملف الحقوقي. وربما أن بعض التعاطي في السياسة المصرية يقوم على استحضار أجواء الحرب الباردة التقليدية بين أمريكا والإتحاد السوفيتي في محاولة للكسب واللعب على الطرفين، وهو أمر في الحقيقة وبتطورات السياسة الدولية قد يكون أمراً مشكوكاً فيه.

دعم التوجه الإقليمي

يسعى النظام المصري لإيجاد دعم دولي لتوجهاته ورؤيته حيال قضايا المنطقة المشتعلة خاصة الملفين السوري والليبي، وتوفر علاقات مع الجانب الروسي دعماً لوجهة النظر المصرية حيال تلك القضايا ولاسيما أن هناك توافقاً ملحوظاً بين الجانبين في رؤيتهما لحلول الأزمة السورية والليبية.

اثر التقارب المصري الروسي على العلاقات المصرية الأمريكية

في ضوء العلاقات المتنامية بين الجانبين المصري والروسي يبرز سؤال ربما تشكل الإجابة عليه إطاراً لمستقبل وحدود العلاقات بين الجانبين، يتعلق السؤال بالأساس الى النظرة الأمريكية لتلك العلاقات المتنامية وما إذا كان ثمة آثاراً مترتبة على العلاقات المصرية الأمريكية. وقبل أن نبادر بالإجابة على ذلك التساؤل يجب ان ننتبه أن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط شديدة التأزم والتعقيد وهو ما يعني أن علاقات قوية بين الجانبين المصري والأمريكي لا تعني بالضرورة التوافق في جميع أو أغلب الملفات المتأزمة في المنطقة ولا ينبغي ان يكون ذلك هو المعيار الحاكم في قياس قوة العلاقات بين الجانبين المصري والأمريكي.

النظرة الأمريكية للعلاقات المصرية الروسية

حالة الإرتباك التي تشهدها السياسة الخارجية الأمريكية بعد وصول دونالد ترامب الى منصب رئيس الولايات المتحدة تجعل من الصعب توقع السياسات الامريكية على وجه الدقة تجاه التقارب المصري الروسي لاسيما في ظل وجود اختلافاً واضحاً في العديد من الملفات بين الفريق الرئاسي وعلى رأسه دونالد ترامب وبين الخارجية والبنتاجون، وهو ما يجعل الموقف الامريكي حيال التقارب المصري الروسي يشوبه التردد ولا يتسم بالوضوح. فبالرغم من حالة عدم الرضا التي ظهرت من خلال تصريحات مسؤولين امريكيين كان اخرها بيان شديد النقد لممارسات وانتهاكات النظام المصري للسيناتور الجمهوري جون ماكين 8 على الجانب الاخر كان مايك بينس نائب الرئيس الأمريكي ترامب يتحدث من القاهرة بخطاب تملأه عبارات المدح والدعم للنظام المصري ومن خلفه السيسي.

المساعدات الأمريكية قد تمثل أحد أوراق الضغط الامريكي لضبط العلاقات بين مصر وروسيا لاسيما أن المساعدات قد شهدت تجميداً وتأخيراً ما يوازي 290 مليون دولار9 في أغسطس الماضي بسبب تأخر ملف حقوق الانسان والديمقراطية في مصر كالمعلن، ويبدو أن الهدف غير المعلن من تقليص المساعدات كان الضغط على الجانب المصري لإيقاف التعاون العسكري مع كوريا الشمالية تزامناً مع الأزمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، تجدر الإشارة هنا إلى حجم المساعدات الأمريكية لمصر وخاصة تلك التي تندرج تحت بند المساعدات العسكرية، فبين عامي 1948 و 2016، قدمت الولايات المتحدة لمصر 77.4 مليار دولار10 من المساعدات الخارجية بما في ذلك 1.3 مليار دولار سنوياً في شكل مساعدات العسكرية من 1987 حتى عام 2016 أي ما يقارب 39 مليار دولار من إجمالي المساعدات الأمريكية ويمكن من خلال تلك الأرقام إدراك حجم إعتماد المؤسسة العسكرية المصرية على المساعدات الأمريكية ومن ثم التسليح الأمريكي.

تدرك الولايات المتحدة الرغبة الروسية ليس فقط في إحداث توازن معها في منطقة الشرق الأوسط ولكن إلى مزاحمتها لدورها وموقعها في المنظومة الدولية، ومن خلال التنافس بين الجانبين الامريكي والروسي والذي تتجه فيه الاحتمالات الى زيادة حدة التنافس بين الجانبين في منطقة الشرق الأوسط، يبدو أن الولايات المتحدة ستولي إهتماماً أكبر بالشأن المصري عن الفترة السابقة، إلا أن الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب لا تزال تعاني من التخبط في سياستها تجاه مصر فإذا كان هناك إتجاه الى استمرار دعمها للنظام المصري نظراً لما يمكن أن يقدمه في اتجاه إتمام ما يسمى بصفقة القرن، إلا أن هناك إتجاه اخر لديه عدم رضا عن المقابل الذي تتحصل عليه أمريكا نتيجة الأثمان التي تدفعها الى الجانب المصري في شكل مساعدات11 ويدرك أن والاوضاع في مصر لا تنبأ عن أي احتمالات للتغيير في ظل نظام بلغ ذروة استبداده مع الأحداث الأخيرة التي صاحبت فتح باب الترشح للإنتخابات الرئاسية والتي شهدت حزمة مختلفة ومتنوعة من الإنتهاكات التي مارسها النظام المصري بحق أي مرشح أعلن نيته للترشح والدخول في المنافسة الإنتخابية، الأمر الذي دفع الخارجية الأمريكية12 إلى الإعراب عن مراقبتها للأمور في مصر عن كثب، يدرك هذا الإتجاه داخل الإدارة الامريكية أن استمرار النظام المصري على ما هو عليه سيدفع في إتجاه تفجير الأوضاع والابتعاد بمصر عن دائرة التأثير الأمريكي، وهو ما يدفعه إلى استمرار الضغط على النظام المصري من أجل أن يسلك مسلكا أكثر ديمقراطية مع احتمالات دعمه للحراك الديمقراطي المدني في سبيل عدم تطور الاوضاع لما هو اسواء.

النظرة المصرية للعلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا

على الجانب الآخر تظل مصر تمتلك رصيد تاريخي من العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة وتتمدد هذه العلاقات إلى الملفات السياسية والاقتصادية إلا أن المساحة الاكبر للعلاقات بين الجانبين تظهر بوضوح وبشكل أكبر في المجال العسكري ويبدو أنه على مدار العقود الماضية هناك عمق للعلاقات والتعاون بين المؤسسة العسكرية المصرية والولايات المتحدة وبالرغم ان العلاقات بين الجانبين لم تعد بنفس القوة التي شهدتها في عهدي السادات ومبارك إضافة إلى إتجاه المؤسسة العسكرية إلى تعدد مصادر التسليح الذي يبدو مخالفاً للنهج المتبع في الإعتماد على التسليح الامريكي في العقود الماضية، إلا أنه لا يبدو أن هناك عزوفاً من جنرالات المؤسسة العسكرية عن استمرار الدعم والتسليح الأمريكي وبالتبعية لا يزال النظام المصري حريصاً على استمرار العلاقات الاسترايجية مع الولايات المتحدة وضمان استمرار تدفق المساعدات الأمريكية وفي نفس الوقت استمرار التقارب مع روسيا وتعزيز العلاقات معها في إطار لا يرقَ الى ما يمكن أن نطلق عليه تحالف استراتيجي.

————————-

الهامش

1 . Egypt denies talks on hosting Russian airbase, RT, October 10, 2016.

2 . روسيا تكشف عن مسودة اتفاق عسكري جوي مع مصر، BBC عربي، 30 نوفمبر 2017

3 . مصر تبرم صفقة أسلحة روسية بـ3.5 مليار دولار، مصر العربية، 17 سبتمبر 2014

4 . محطة الضبعة: طموحات ومخاطر الحلم النووي المصري، FRANCE 24 ، 13 ديسمبر 2017

5. Russia plans $4.6bn investment in Egypt’s industrial zone, RT, July 13, 2016.

6 . روسيا تشتري حصة في أكبر حقل غاز مصري في المتوسط، RT ، 12 ديسمبر 2016

7 . روسيا ومصر تجهزان صفقة سلاح بقيمة 3,5 مليار دولار، قناة العالم، 17 سبتمبر 2014

8 . John Mccain, Sasc chairman John Mccain on the 7th anniversary of the January 25th revolution in Egypt, Senator McCain Official Website, January 23, 2018.

9 . Exclusive: U.S. to withhold up to $290 million in Egypt aid, Reuters, August 22, 2017.

10 . Jeremy M. Sharp, Egypt: Background and U.S. Relations, Congressional Research Service, March 24, 2017.

11 . Andrew Miller and Richard Sokolsky, Actually, Egypt Is a Terrible Ally, The New York Times, December 18, 2017.

12. شاهد: أول رد فعل من الخارجية الأمريكية على اعتقال سامي عنان، الجزيرة مباشر، 23 يناير 2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى