مقدمة:
قام الشباب المصري في 25 يناير 2011 بثورة بيضاء ترفع شعار (عيش – حرية – عدالة اجتماعية) وهي المطالب الأساسية لكل فئات الشعب المصري على مختلف توجهاته وانتماءاته، في الإصلاح الاقتصادي، وتوفير الاحتياجات الأساسية للشعب من غذاء ودواء، وهو ما عبر عنه شعار عيش، وأيضا في الإصلاح السياسي الذي عبر عنه شعار حرية، وأخير الإصلاح الاجتماعي الذي عبر عنه شعار عدالة اجتماعية.
وقد أثمرت الثورة المصرية عن تجربة ديمقراطية فريدة للشعب المصري، حيث خرج في خمسة استحقاقات انتخابية أسفرت عن انتخاب أول رئيس مدني بنسبة 52% تقريبا ودستور جديد.
بيد ان العسكر الذي حكموا مصر أكثر من 60 عاما انقلبوا عن الرئيس المنتخب وعطلوا الدستور، وعادت مصر إلى المربع صفر. فكيف كان موقف الشعب المصري من هذا الانقلاب الذي أهدر إرادته ؟
تسعى هذا الدراسة إلى الكشف عن رد فعل الشعب المصري وموقفه من الانقلاب العسكري، وتقيم رد الفعل هذا، ونتائجه. ومن ثم جاءت الدراسة في ثلاثة محاور بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة، على النحو التالي: الثورة المصرية الدوافع والأسباب. الانقلاب المبررات والحقائق. رد فعل الشعب المصري: تحليل وتقييم. خاتمة، الانقلاب بين مصر وتركيا.
أولا: الثورة المصرية الدوافع والأسباب:
إن كان شعار ” عيش – حرية – عدالة اجتماعية ” يلخص مطالب الثورة المصرية في 25 يناير 2011 فإنه أيضا يلخص أسباب اندلاعها والدوافع الحقيقية وراء قيامها، حيث إنه يعبر عن وعي جماعي وعقل جمعي في آن للحشود الثائرة، كما يعبر عما يجيش في صدورهم، من كبت واضطهاد، «فالشعارات وسيلة اتصال تحمل في ثناياها بناء الكثير من الدلالات ذات الارتباط السياسي والثقافي والاجتماعي بذاكرة الشعوب، بحيث يسهل إدارك ما تعنيه وإمكانية تفحص غاياتها وأهدافها وفهمها وتفسيرها» (1).
وتتميز الشعارات بأنها تصدر عفويا نتيجة الضغط النفسي والاجتماعي، فتعبر تعبيرًا حقيقيًّا عن الحالة النفسية والاجتماعية للجماهير الثائرة، والشعوب المنتفضة، «فالشعار هو ترجمة للمصطلح slogan التي تعني “صرخة الجمهور” الواقع أن هذا المعنى الأصلي يعبر تمام التعبير عن العوامل التي نجدها في الشعارات السياسية التي ترددت في أوساط الشعب المصري إبان الثوة ضد حكم مبارك» (2).
فالشعار الذي رفعته الثورة المصرية ورددته الجماهير في هتافاتها يحتوى على ثلاثة مكونات، يرمز كل مكون منهم إلى سبب رئيسي من أسباب قيام الثورة المصرية، على النحو التالي:
المكون الأول (عيش):
يرمز إلى الوضع المعيشي والاقتصادي المتردي الذي يعانيه الشعب المصري، فحلم الشعب المصري وأمنتيه هي مجرد الحصول على رغيف خبز، لا أكثر، يقيم به صُلبه، ويسد به رمقه، «يضطر بعضهم للانتظار مدة تزيد عن ثلاث ساعات حتى يحصل على 20 رغيفا صغيرا مقابل جنيه مصري (الدولار [وقتئذ] يعادل 5,45 جنيها تقريبا)» (3) فكان يقف في طابور لمدة الساعات ليحصل على.
ولم يقف الأمر على مجرد الوقوف لساعات من أجل الحصول على رغيف خبز بل تجاوزه إلى أن يفقد الإنسان روحه من أجل ذلك، فقد لَقي العشرات من المصريين حتفهم بسبب الحصول على رغيف خبز ثمنه خمس قروش، وفي الخبر الذي نشرته جريدة المصري اليوم قبل اندلاع الثورة بأيام ما يصدق ما ندعي، حيث نشرت خبرًا تحت عنوان: ضحية جديدة لـ «طوابير الخبز»: وفاة مواطن تشاجر مع صاحب مخبز بالدقهلية (4)
فالمكون الأول من الشعار: وهو (عيش) يحمل في ثناياه دلالات عميقة ومدلولات مفجعة، تنبع من المعاني الحقيقة لا المجازية، فالمواطن المصري خرج ثائرا رغبة في العيش بمدلوليه (الخبز والحياة) فالمصريون يستخدمون لفظة العيش بدل من الخبز لارتباطهما الوثيق فلا حياة بلا خبز، وكأن غريزة البقاء لدى الإنسان المصري هي التي أخرجته ثائرًا، طالبا الحياة بدلا من الموت جوعا.
وبالتالي فإن المكون الأول من شعار الثورة (العيش) اختزل كل الظروف المعيشية السيئة من فقر وجهل وتدني مستوى التعليم والصحة؛ فقد وصل إجمـالي سكان مـصر الـذين يعيـشون تحت خـط الفقر مع نهـايـة عام 2010 نحــو 40 % وذلك طبقا لأحد تقارير منظمة الشفافية الدولية (5).
المكون الثاني (حرية):
يعيش الشعب المصري تحت وطأة قانون الطواري 162 لسنة 1958 الذي يعطي السلطة التنفيذية الحق المطلق في تقييد الحريات وكبتها، فقد أطلق هذا القانون يد الشرطة وخاصة أمن الدولة في تعذيب وقتل الإنسان المصري، حيث استفاد هذا الجهاز القمعي من قانون الطوارئ الذي أعطى «للسطلة التنفيذية الحق في القبض على أي مصري واعتقاله لمدة قد تصل إلى ستة أشهر، والتحقق معه بدون وجود أي إذن نيابة أو صفة قانونية أو حتى محام يدافع عن المتهمين، كما يتيح قانون الطوارئ للسلطات المصرية أن تمنع كل أنواع التجمهر أو التظاهر بدون تصريح أمني»(6).
تجاوزت الشرطة كل الخطوط الحمراء تجاه الشعب المصري بكل فئاته وتوجهاته وانتماءاته، فكان التعذيب يجري بأسلوب ممنهج للبريء قبل المذنب، والقتل أو التصفية الجسدية داخل السجون تحت مسمع ومرأى من الجميع، «ولا يمارس التعذيب في مصر ضد المعارضين للسياسات العامة فقط، بل ضد المشتبه في ارتكابهم جرائم، وضد كثير ممن ليسوا موضع اشتباه من الأساس. وهو أيضا يمارس لمجاملة ذوى النفوذ علي سبيل تأديب من لا يروق لهم، أو لأهل المشتبه فيهم، أو ضد الرهائن الذين تختطفهم الشرطة من بين أسرة المطلوب القبض عليهم، وعند الشروع في تأديب مناطق كاملة من مدن وقري مصر. والأدهى أن التعذيب يتم أيضا ضد مواطنين يرفضون الاستجابة للإتاوات التي يفرضها عليهم بعض الضباط، أو أمناء الشرطة، أو المخبرين»(7).
وقد كان مصير من ينجو من التعذيب أو التصفية هو الاعتقال التعسفي «ففى أحد التقارير المقدمة من ملتقى منظمات حقوق الإنسان المستقلة، فى يناير 2012 للأمم المتحدة فان عدد المعتقلين وصل ما بين 12 إلى 14 ألف معتقل، دون اتهامات أو محاكمات بالرغم من حصولهم على عدد من قرارات الإفراج لم تنفذ»(8).
وقد كانت حادثة خالد سعيد (أيقونة الثورة) القشة التي قصمت ظهر البعير، ففي 6 يونيه 2010 قامت الشرطة بتعذيب الشاب خالد سعيد حتى الموت بموجب قانون الطوارئ، إذ استوقفه شرطيان في إحدى المقاهي وعندما اعترض قاما برطم رأسه في الرخام وسحبه إلى إحدى مداخل البيانات وضربه حتى الموت، لذا أطلقت منظمات حقوق الإنسان المصرية عليه “شهيد الطوارئ”(9).
أما عن حرية الصحافة والتعبير عن الرأي فقد «رصدت المنظمة المصرية نحو 411 حالة انتهاك لحرية الرأي والتعبير، تنوعت بين 168 محاكمة لصحفيين، والتحقيق في 33 قضية أمام النيابة العامة، ومصادرة 130 مطبوعة ومؤلفا، و38 حالة سوء معاملة، بالإضافة إلى 30 حالة اعتقال ومحاكمة للمدونين، و12 انتهاكا ضد الفضائيات، وبحلول عام 2008 وقعت أكثر من 500 محاكمة للصحفيين، واستدعى أكثر من ألف صحفي للتحقيق، وفى العام التالي رصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان 520 قضية متعلقة بحرية التعبير»(10).
وفي اختيار يوم 25 يناير عيد الشرطة المصرية يوما للتظاهر وانطلاق الثورة إشارة صريحة إلى معاناة الشعب المصري من انتهاكات الشرطة والقمع الأمني وإجراءات التنكيل والتعذيب التي قامت بها ضد الشعب المصري، فانطلاق الثورة في هذا اليوم تعبير عن الرفض الشعبي للممارسات القمعية، والانتهاكات للحقوق الإنسانية.
المكون الثالث (عدالة اجتماعية):
مع تزاوج السلطة ورأس المال ظهر التفاوت الطبقي في الشعب المصري، فانقرضت الطبقة الوسطى، وزادت الطبقة الدنيا، بينما انحصرت خيرات الشعب وثرواته في يد حفنة من أصحاب رجال الأعمال والسلطة في آن، وقد صرح الرئيس محمد مرسي في حوار تليفزيوني أجراه بأن 32 عائلة فقط هي التي احتكرت ثروة مصر وهي التي تتحكم في اقتصاد الوطن(11).
وهو ما يتفق مع ما قرره أحد خبراء الاقتصاد المصري حيث أشار إلى «أن فاتورة الفساد هذه كلفت الاقتصاد المصري خلال (الثلاثة عقود الماضية) ما لا يقل عن (5,1 تريليون جنيه مصري) وهذه المبالغ كانت موزعة علي ال (20 فردا) الذين يديرون دفة الأمور الاقتصادية والسياسية في مصر وعلي رأسها رأس النظام السابق حسني مبارك»(12).
وهذا الاحتكار للاقتصاد والسلطة أدى إلى تراجع مركز مصر في مؤشر الفساد طوال فترة حكم مبارك من المركز 77 في عام 2004، والمركز 105 في عام 2007، واحتلت المركز 115 في عام 2008، على مستوى 180 دولة بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية. وطبقا لتقرير مركز الأرض لحقوق الإنسان فإنه خلال 2010 أهدر 39 مليار جنيه من خزانة الدولة بسبب الفساد، فضلا عن 231 مليون دولار خسائر بسبب تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل.
وقالت منظمة النزاهة العالمية إن مصر فقدت 57,3 مليار دولار أمريكي جراء التدفقات المالية غير المشروعة بين عامي 2000-2009 ويشمل ذلك الأصول المسروقة المقدرة بحوالي 132 مليار دولار والتي حولت للخارج بطريقة غير قانونية أثناء فترة حكم مبارك»(13).
ومن صور التفاوت الطبقي توريث المناصب، ففي الوقت الذي يعاني فيه الشباب المصري من ارتفاع نسبة البطالة بسبب سياسة الخصخصة التي انتهجها الرئيس المخلوع مبارك منذ 1991 توزع المناصب والوظائف على أعضاء الحزب الوطني ورجال الأعمال والمقربين من السلطة، ويبدأ مسلسل التوريث فلا يدخل سلك القضاء إلا أبناء وبنات القضاة، والأمر ذاته ينطبق على السلك الدبلوماسي، بل وصل الأمر إلى الوسط الفني والإعلامي، فأصبحت جميع الوظائف ذات الدخل المرتفع أو المتوسط حكرًا على رجالات السلطة أو المقربين منها، في حين باقي الوظائف كانت توزع بحصص لأتباع الحزب الوطني وجوقته الذي يغردون في سربه، ويستطيعون أن ينالوا الوساطة والمحسوبية.
ثانيا: الانقلاب المبررات والحقائق:
ساق العسكر العديد من المبررات لتسويق الانقلاب الذي قاموا به في 3 يوليو 2013 محليا ودوليا، وخاصة أنه انقلاب على أول تجربة ديمقراطية تشهدها مصر وتسفر عن انتخاب أول رئيس مدني منتخب لمصر في تاريخها. وتتلخص مبررات الانقلاب – كما صرح بها المنقلبون ومؤيدوه – في مبررين رئيسيين، هما:
الأول: الانفراد بالسلطة وعودة الاستبداد السياسي:
قام الرئيس مرسي «باتباع سياسة التهميش والإقصاء للقوى المدنية والليبرالية، ونشر خطاب الكراهية والتفرقة بين المجتمع»(14). وهو ما يؤكده إصدار الإعلان الدستوري في 22/11/2012 الذي قرر فيه الرئيس محمد مرسي «تحصين الجمعية التأسيسية الحالية المكلفة بوضع الدستور من الحل عن طريق القضاء، وتعيين نائب عام جديد، وإعادة المحاكمات السابقة الخاصة بقتل متظاهري الثورة»(15). وتضمن الاعلان الدستوري بندا يمنع الطعن على قرارات رئيس الجمهورية حتى اقرار الدستور الجديد ويمنع حل الجمعية التأسيسية او مجلس الشورى.
ولقد اعتبرت المعارضة هذا الإعلان بمثابة إعلان لعودة الديكتاتورية والاستبداد التي ثار بسببهما الشعب المصري على نظام مبارك وهتف في الميادين يسقط النظام. ولقد ترتب على ذلك أن قامت عدة أحزاب سياسية معارضة بتشكيل جبهة الإنقاذ الوطني في 24/11/2012 – أي بعد يومين من الإعلان الدستوري – واختيار محمد البرادعي منسقا عاما لها، الذي أصبح نائبا للرئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور بعد الانقلاب مباشرة.
الثاني: الفشل في حل الأزمات الاقتصادية:
استمرار الأزمات في المواد الغذائية، والحاجات الأساسية للمواطنين، وتفاقم هذه الأزمات في الغاز والمواد البترولية وارتفاع الأسعار في السلع الغذائية والخدمات، وعدم تصدى الحكومة لجشع التجار والمخالفين للقانون، بما أثر على الحركة الحياتية للمواطنين، وأثار سخطهم وغضبهم.
ويستشهد المنقلبون على هذا الفشل بوعود مرسي الانتخابية، وخاصة وعده في حل أكبر خمس أزمات تعاني منها مصر في 100 يوم، وهي: الأمن والوقود والخبز والنظافة والمرور، ويرجع السبب في ذلك الفشل – في تقديرهم – إلى الاهتمام بالسلطة والعمل على أخونة الدولة – على حد تعبيرهم – «بدلا من التضافر لحل المشاكل التي يعانيها المواطن البسيط … فمشاكل المواطنين لم تكن تهم الرئيس مرسي بقدر اهتمامه بالسيطرة علي مفاصل الدولة»(16).
وقد ظهرت حملة تمرد من رحم هذه المعاناة، وفقاً لهم، وهي حركة دعت إلى سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وفشله هو والإخوان في إدارة مصر، ونظرة سريعة للاستمارة التي كانت توزعها حملة تمرد، والتي شملت مطالب الحركة تؤيد ما نذهب إليه، فقد جاء فيها ما نصه:«منذ وصل محمد مرسي العياط إلي السلطة، يشعر المواطن البسيط بأنه لم يتحقق أي هدف من اهداف الثورة، التي طالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية»(17). واستهلت الاستمارة مطالبها ساردةً الأزمات التي كانت تعيشها مصر في ظل الرئيس محمد مرسي:
عشان مشروع النهضة طلع وهمي … مش عايزينك
عشان قناة السويس بتتباع لقطر … مش عايزينك
عشان لسه الفقير ملوش مكان ولسه بينام جعان … مش عايزينك
عشان لسه الأمن مرجعش للشارع … مش عايزينك
عشان الزبالة في كل مكان … مش عايزينك
عشان دستور بلدنا متفصل للإخوان … مش عايزينك
عشان كرامتي وكرامة بلدي بتتهان … مش عايزينك
عشان الاقتصاد انهار والرغيف بكرة هيبقي بالدولار … مش عايزينك
عشان حق الشهدا مجاش … مش عايزينك
حق الشهيد إن الفقير يعيش سعيد
وإن الشباب ياخد مكانه ومنكنش للإخوان عبيد … مش عايزينك ..مش عايزينك
حكم المرشد بينا وبينك .. مش عايزينك …مش عايزينك
ومثلت حركة تمرد مع جبهة الإنقاذ الذراعين الرئيسين للانقلاب ومبرراته، وبرغم أن جميع هذه المبررات تخالف الواقع والحقائق فإن الإعلام أخفى الحقائق وضخم الأباطيل، والحقيقة أن الفشل الوحيد الذي فشل فيه الدكتور مرسي وأنصاره هو الإعلام، إذ لم يعره اهتماما بينما كان الإعلام يشوه الحقائق.
فعلى حين تعمل الحكومة في عهد الدكتور مرسي لحل أزمة الخبز جذريا بإنشاء منظومة الخبز الجديدة التي تكفل للمواطن الحصول على الخبز بكل سهولة فضلا عن أن يكون خبزًا مناسبا، فإن الإعلام يصدر للناس أزمة الخبز ويشكك من جدوى المنظومة.
وتؤكد الأرقام ما نذهب إليه ففي حين كان عدد المستفيدين من بطاقة التموين في عهد الرئيس المخلوع مبارك 12 مليون أسرة فقط زاد العدد 18,6 مليون أسرة (نحو 67 مليون مواطن) في عهد الدكتور مرسي، هذا قبل فتح باب التسجيل للبطاقات الجديدة، فقد كان المستفيدين من بطاقة التموين في عهد مبارك هم ما قبل مواليد 2006 فإن في عهد الدكتور مرسي فتح باب التسجيل لاستخراج بطاقات تموين جديدة وتسجيل المواليد من أول يناير 2006 حتى 31 ديسمبر 2011 وفصل الأفراد بدون قيد أو شرط(18).
كما أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية عن خطة عاجلة وقصيرة المدى خلال ستة شهور تهدف إلى أهداف أربع(19)، هي: تطبيق منظومة الخبز الجديدة، وتفعيل وتنشيط التجارة الداخلية، وتحسين جودة المقررات التموينية، وضبط منظومة توزيع المنتجات البترولية.
والجدير بالذكر أن الدكتور باسم عودة حُكِم عليه بعد الانقلاب بالإعدام، وقد صرح باسم عودة(20) بأن الدين العام في عهد مبارك وصلت نسبته 130% من الناتج المحلي ولم يتهمه أحد بالفشل، بينما انخفضت النسبة إلى 89% في عهد مرسي.
هذه بعض الحقائق والأرقام بإيجاز للرد على مبرر الفشل في حل الأزمات من مبررات الانقلاب أم عن المبرر المتعلق بالاستبداد فيكفي أن نعرض دعوة الرئيس مرسي للمعارضة للحوار الوطني وتعنتها هذه المعارضة في رفض الحوار، فقد اشترطت أن يلغي الدكتور مرسي الإعلان الدستوري حتى تجلس على طاولة الحوار الوطني، وأصدرت جبهة الإنقاذ بيانا تؤكد رفضها في الحوار الذي دعا له الدكتور مرسي لمناقشة تداعيات الإعلان الدستوري ومطالب المعارضة(21).
مع ذلك أعلن الدكتور مرسي إلغاء الإعلان الدستوري الذي أثار حفيظة المعارضة بعد الاجتماع بعدد من قوى المعارضة المعتدلة في 8/12/2012 أي في غضون أسبوعين من إصداره، وبدلا من أن ترحب جبهة الإنقاذ بهذه الخطوة تمادت في عدائها وطالبت أنصارها بالتظاهر في الميادين(22).
وقبل الانقلاب بـ 24 ساعة أعلن الرئيس مرسي عن مبادرة للحفاظ على الشرعية ومكتسبات الثورة وتوحيد الصف والشمل، قدمتها بعض الأحزاب تضمنت عدة نقاط منها تشكيل حكومة كفاءات وتشكيل لجنة مراجعة الدستور ولجنة عليا للمصالحة الوطنية وتعجيل الإجراءات في قانون الانتخابات النيابية واتخاذ إجراءات لتمكين الشباب في السلطة التنفيذية ووضع ميثاق شرف إعلامي، وأعلن مرسي أنه موافق عليها بجميع نصوصها، وكالعادة قابلتها جبهة الإنقاذ بالرفض، ولتعطي الانقلاب قبلة الحياة.
وقد مهدت أحزاب المعارضة الطريق للانقلاب بدعواتها المتكرر للجيش بالنزول إلى الشارع لإنهاء حكم الرئيس مرسي، فعلى سبيل المثال أصدر حزب الدستور الذي يترأسه البرادعي بيانا قبل الانقلاب بساعات طالب فيه القوات المسلحة المصرية بالتحرك لحماية المصريين، وأصدر الحزب بيانا طالب فيه الجيش بحماية أرواح المصريين واصفا الرئيس المصري محمد مرسي انه فقد صوابه وحرض على هدر دماء المصريين واضاف البيان ان مرسي أصر على الانحياز الكامل للفصيل الذي ينتمي له، وحرض انصاره على قتال ابناء نفس الوطن بزعم حماية شرعية سقطت عنه وفقدها بسلسلة من الاجراءات انقضت على الشرعية بحسب ما جاء في البيان. وما قامت به المعارضة المصرية يعد سابقة من نوعها أن تدعو الأحزاب المدنية وتدعم الجيش ضد رئيس مدني منتخب.
ثالثاً: رد فعل الشعب المصري: تحليل وتقييم:
فور صدور بيان الجيش بتعطيل الدستور وعزل الرئيس الشرعي الدكتور مرسي هب الشعب المصري في مظاهرات حاشدة ترفض الخضوع والخنوع لقرار للانقلاب العسكري، وامتلأت ميادين مصر كلها عن بكرة أبيها، تهتف يسقط يسقط حكم العسكر.
ولأن العسكر كان يوقن بالرفض الشعبي لانقلابه حذرت من في بيان الانقلاب الشعب من أي رد فعل غاضب، وهو ما يناقض الادعاء بأن الجيش خرج تلبية لنداء الشعب، فكيف يحذر الشعب من التعبير عن غضبه، فقد جاء في ختام البيان ما نصه: «تهيب القوات المسلحة بالشعب المصري العظيم بكافة أطيافه الالتزام بالتظاهر السلمي وتجنب العنف الذي يؤدي إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دم الأبرياء، وتحذر من أنها ستتصدى بالتعاون مع رجال وزارة الداخلية بكل قوة وحسم ضد أي خروج عن السلمية طبقاً للقانون وذلك من منطلق مسئوليتها الوطنية والتاريخية»(23).
وقد أفشل الشعب المصري بخروجه الحاشد في الشوارع كل محاولات شرعنة الانقلاب، كما أفشل سياسة الأمر الواقع، مما أجبر العسكر على نهج العنف ضد المظاهرات السلمية التي أحرجته، وكشفت زيفه أمام العالم، مما ترتب عليه أن انتهج العسكر سياسية العقاب الجماعي وإرهاب الدولة، فجاءت مجزرة الحرس الجمهوري بعد الانقلاب بخمسة أيام، وتحديدا يوم الإثنين 8/7/2013 أثناء أداء المعتصمين السلمين لصلاة الفجر، حيث أطلقت قوات الحرس الجمهوري النار الحي على المعتصمين فأسقطت 51 قتيلا وأصابوا أكثر من 435 طبقا لما صرحت به وزارة الصحة المصرية(24).
لم تكن مجزرة الحرس الجمهوري إلا بداية، توالت بعدها المجازر في النهضة ورابعة، التي جاءت خلال 40 يوما من الانقلاب وأسفرت عن إبادة جماعية «تباينت أعدادها، ولكن من المؤكد أنها أبشع جريمة في تاريخ مصر الحديث، حتى وإن قالت وزارة الصحة المصرية أن عدد القتلى وصل الى 288 في ميدان رابعة العدوية، لكن منظمة هيومن رايتس ووتش أكدت أن عدد قتلى رافضي الانقلاب وصل الى 817 قتيل و4201 جريح.
أما تحالف دعم الشرعية فقد قال في بيان له إن إجمالي الوفيات في فض رابعة العدوية وحدها بلغ 2600 شخص، ليرتفع الرقم بعد ذلك إلى 3000 قتيل، وذلك على لسان عدد من قيادات التحالف بينهم محمد البلتاجي وعصام العريان في حين ذكر موقع “ثورة ويكي” وهي منظمة مستقلة كانت قد رصدت أعداد القتلى في عهد مرسي، أن يوم فض الاعتصامين (رابعة والنهضة) شهد سقوط 1485 قتيلا بمختلف محافظات مصر، منهم 904 قتلى خلال فض رابعة، و88 قتيلا في النهضة، بينما سقط 8 قتلى من الشرطة في رابعة»(25).
ظل الشعب المصري أكثر من ثلاث سنوات يقاوم الانقلاب العسكري بصدور عارية، ويأبي أن ينجر إلى العنف أو حرب أهلية، مع أن العسكر حاول – ولا يزال – بكل السبل إلى جر مصر ويأبي أن ينجر إلى العنف أو حرب أهلية، مع أن العسكر حاول – ولا يزال – بكل السبل إلى جر مصر إلى مستنقع الحروب الأهلية والتناحر الداخلي، ليبرر استيلائه على السلطة وبقائه فيها، فإن الشعب المصري لم يفكر في الخروج من بوتقة السلمية والتظاهر السلمي، وظل شعار سلميتنا أقوى من الرصاص الذي أطلقه مرشد الإخوان محمد بديع على منصة رابعة رؤية واضحة لتحالف دعم الشرعية والشعب المصري وجماعة الإخوان، بالرغم من كل ما عاناه ويعانيه الشعب المصري والإخوان من تنكيل وتعذيب واعتقال وقتل خارج إطار القانون، وطبقا لمنظمة العفو الدولية فإن «حملة الملاحقة في مصر أدت إلى أكثر من 41 ألف شخص اعتقلوا أو وجهت لهم اتهامات بارتكاب جرائم جنائية أو حكم عليهم في محاكمات غير عادلة»(26).
خاتمة: الانقلاب بين مصر وتركيا
يستحق صمود الشعب المصري ضد آلة القتل الغادرة كل التقدير والثناء، ولأن الأمم والثورات لا تقاس بالأيام والشهور بل بالسنين والأجيال فأتوقع أن الشعب المصري سيسطر تجربته ويفرض إرادته ويكسر طوق العبودية، فمن استنشق عبير الحرية يأبي أن يخنق بسموم العبودية.
وفي فشل الانقلاب الغادر في تركيا قوة دافعة للشعب المصري في استكمال مسيرته ضد الديكتاتورية والاستبداد، ومن الظلم البين المقارنة بين الانقلاب الغادر في مصر ومحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وذلك لأن موقف المؤسسات العسكرية والأمنية من الانقلاب في البلدين مختلف، بالإضافة إلى الإعلام وموقف المعارضة، ويمكن سرد نقاط الاختلاف على النحو التالي:
1ـ الجيش كله في مصر دعم الانقلاب في حين أن رئيس أركان الجيش التركي ومعظم القيادات رفضت المشاركة في الانقلاب وتصدت له.
2ـ قوات الأمن والداخلية في مصر تصدرت المشهد الانقلابي، بينما في تركيا وقفت ضد المنقلبين، ودخلت معهم في اشتباكات مسلحة حفاظا على الديمقراطية.
3ـ الإعلام في مصر ظل طوال عام كامل يستدعي الجيش للسلطة، ويبرر ذلك، وعندما جاء الانقلاب قام الإعلام بدور المسوق له، لا الفاضح لجرائمه، المحرض على الثورة والشعب لا المدافع عنه.
4ـ المعارضة المصرية هي التي استدعت الجيش طمعا في الاستئثار بالسلطة وتهميش حزب الحرية والعدالة أو تيار السياسي الإسلامي، وعلى خلاف ذلك صارعت المعارضة التركية برفض محاولة الانقلاب وتناست العداء السياسي بينها وبين حزب العدالة والتنمية الحاكم، وقدمت مصلحة الوطن على مصالحها الشخصية، في حين قامت المعارضة المصرية بوأد التجربة الديمقراطية طمعا في مناصب سياسية.
وبالنسبة لموقف الشعب المصري والشعب التركي فكلاهما قدم بطولات وتضحيات للحفاظ على الديمقراطية وتراب الوطن من التبعية للاستعمار الغربي، المباشر أو غير المباشر، وكلا الشعبين يأبي أن يجعل مصيره في يد حفنة من الخونة التي تعمل لمصالحها ومصالح الغرب بدلا من مصالح الوطن، فكل التحية و التقدير للشعبين، داعيا الله تعالى أن يخلص مصر من الانقلاب كما خلص تركيا (27).
—————————————
الهامش
(1) سهام الشجيري: شعارات المتظاهرين في ساحة التحرير – دارسة تحليلية للرسالة الاتصالية، مجلة الباحث الإعلامي، بغداد، ع (26) 2014، ص34
(2) بسام بركة: شعارات الثورة المصرية بصراحتها وخفاياها، جريدة لحياة، لندن، 25/9/2014
(3) آن بياترس كلاسمان: أزمة الخبز في مصر: طوابير وعنف وحكايات، جريدة الرياض، 26/3/2008
(4) جريدة المصري اليوم، ع 2388، بتاريخ 27/12/2010
(5) هيئة الاستعلامات المصرية: يوميات الثورة، مجلة أبناء الوطن في الخارج، عدد خاص عن ثورة يناير، ع (20) 2011، ص6
(6) وائل غنيم: الثورة 2.0، دار الشروق، 2012، ص12
(7) مركز النديم: التعذيب في مصر شهادات وحقائق 2003 – 2006، 2012، ص11
(8) نادية أبو العينين: مصر في عهد مبارك الأولى فساد وتعذيب وسوء معيشة، موقع مصر العربية، 5/10/2015
(9) حافظ أبو سعده: التعذيب في مصر والإفلات من العقاب، موقع اليوم السابع، 17/6/2010
(10) نادية أبو العينين: مصر في عهد مبارك الأولى فساد وتعذيب وسوء معيشة، موقع مصر العربية، 5/10/2015
(11) مرسي يحدد أعداءه: النظام القديم – الدولة العميقة – و32 عائلة تسيطر على البلد، موقع الوطن، 2/7/2013
(12) تقرير صحفي بمجلة آخر ساعة بعنوان: الخصخصة حكاية بيع أصول مصر، منشور بتاريخ 19/7/2011
(13) نادية أبو العينين: مصر في عهد مبارك الأولى فساد وتعذيب وسوء معيشة، موقع مصر العربية، 5/10/2015
(14) سميحة عبد الحليم: 30 يونيو ثورة شعب حماها الجيش، موقع أخبار مصر، 27/6/2016
(15) خبر على موقع البي بي سي العربية بعنوان: إعلان دستوري مفاجئ يحصن تأسيسية الدستور ويعيد محاكمة مسؤولي نظام مبارك” منشور بتاريخ 22/11/2012
(16) أماني زايد: مرسي صانع الأزمات، جريدة الوفد، 27/6/2016
(17) المدونة الرسمية لحملة تمرد، www.tmrood2013.blogspot.com
(18) خبر بجريدة الأهرام المصرية بعنوان: فتح التسجيل لاستخراج بطاقات تموينية جديدة أول يونيو، منشور بتاريخ 10/5/2013
(19) حوار مع وزير التموين في حكومة الدكتور مرسي باسم عودة في برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة، منشور على موقع القناة بتاريخ 16/3/2013
(20) تقرير لقناة الجزيرة بعنوان: “باسم عودة.. وزير “الغلابة” ينتظر الإعدام” منشور بتاريخ 22/5/2016
(21) محمد حسن شعبان: جبهة الإنقاذ في مصر تتحدى مرسي وترفض الاستفتاء على الدستور الجديد، جريدة الشرق الأوسط، 10/12/2012
(22) تصدر الجرائد والصحف العربية والعالمية عناوين: المعارضة المصريّة ترفض الحوار مع مرسي، مرسي يدعو الى الحوار والمعارضة تصر على الغاء الاعلان الدستوري
(23) نص بيان القيادة العامة للقوات المسلحة، منشور على بي بي سي العربية، بتاريخ 4/7/2013
(24) شمس الدين النقاز: مجزرة رابعة العدوية أبشع جريمة في تاريخ مصر الحديث، موقع نون بوست، 14/8/2015
(25) وكالة أنباء الشرق الأوسط، والصحف، انظر على سبيل المثال، جريدة الوطن، بتاريخ 8/7/2013
(26) منظمة العفو الدولية تتهم السلطات المصرية بإعادة مصر إلى دولة “القمع الشامل”، بي بي سي العربية، 30/6/2015
(27) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”، والدراسة: بحث ألقي في مؤتمر: الديمقراطية: الانقلابات وردود الأفعال، كلية الاقتصاد جامعة غيرسون- تركيا، في الفترة 15-16 ديسمبر 2016.