تابعت بفرحة غامرة ككل المصريين قيام ثورة 25 يناير 2011، عندما ثار الشباب على الشرطة في عيدها السنوي 25 يناير وكنت قد حضرت مذبحة قوة الشرطة بالإسماعيلية القريبة من الزقازيق حيث كنت أقيم أيام الصبا، والتي نفذت فيها قوة الشرطة تعليمات وزير الداخلية فؤاد سراج الدين بالدفاع عن مقر المحافظة ضد تهديد قوات الاحتلال البريطاني لهم بإخلاء مبنى المحافظة
وكان رد الفعل البريطاني يتسم بحماقة القوة فاستجمعوا جنودهم الذين يفوقون جنودنا عددا وعدة وهاجموا المقر واستشهد غالبية الجنود والضباط مما أحزن مصر كلها وأشعل فيها نيران الغضب، وتسببت في فترة من عدم الاستقرار السياسي بدأ بحريق القاهرة وانتهى بقيام حركة الجيش عام 1952 وعزل الملك ثم نقل السلطة لولي العهد الأمير أحمد فؤاد الذي رزق به الملك فاروق من زوجته السيدة ناريمان صادق وتعيين اللواء رشاد مهنا وصيا على العرش، ثم أطاح عبد الناصر بالعرش وأعلن مصر جمهورية يرأسها اللواء محمد نجيب.
دارت هذه الأحداث وأنا استرجع أنني بكيت وتزايد حنقي على الاستعمار البريطاني في جنازة جنود وضباط الشرطة الوطنية المصرية عند خروجهم من مستشفى الزقازيق المركزي.
ومع إنجازات عبد الناصر التي أثارت حماسي وفخري بمصريتي، لم يدر بخلدي أن يكون عبد الناصر هو المسئول عن إرساء الحكم الشمولي القمعي ما يراوح ستين عاما في مصر. وساعدتني هذه المشاعر علي تفهم أحداث 25 يناير 2011 التي تطورت إلى أعظم ثورة في تاريخ مصر الحديث ضد السلطة المصرية هذه المرة وليست ضد المستعمر البريطاني.
وهكذا تابعت وشاركت بكل الأمل والقلق في وقت واحد واقعات وتطورات احتجاج شباب مصر الذين برزوا من المجهول دون قيادة ولا ترتيب في هجوم انتقامي على الشرطة التي تحولت من خدمة الشعب ونشر الأمان والاستقرار بنجاح ملحوظ إلى حامية لنظام الحكم ورجاله مستخدمة أحط وسائل القمع والتعذيب بل وقتل أعداء النظام وما استتبع ذلك من انتشار الفساد بين صفوفها ثم استشرى في أجهزة الدولة كلها بعد عهد عبد الناصر.
وأذكر هنا أنني كتبت يوم 21 يناير2011 أي قبل الثورة بأيام مقالا لجريدة الكرامة وبعثت به إلى المرحوم العزازي رئيس تحريها أحذر فيه السلطة والشرطة من قتل مصري واحد لأن ذلك سيشعل نار الثورة المتأججة في صدورنا جميعا، ولكن المقال لم ينشر وكنت علي يقين من أن الطبيعة القمعية الشرسة التي تربت عليها الشرطة خلال الحكم الشمولي ستصم آذانها عن هذه النصيحة.
وعندما اصطف المصريون بكل أحزابهم وطوائفهم وأعرافهم وأيديولوجياتهم في ميدان التحرير لإسقاط الحكم الشمولي العسكري أيقنت أن العمل الوطني الذي قمنا به كنخب وقيادات وثوار سينجح في ثورته، وأذكر أنه قبل الثورة كنا علي قلب رجل واحد في جهدنا للتوصل لحكم الشعب. ولا بد أن أذكر هنا ما تسعفني به الذاكرة من هذه الشخصيات الوطنية ومن المفكرين المعاصرين الأجلاء أذكر منهم الأساتذة الذين استهديت بفكرهم، طارق البشري، وفهمي هويدي، والمرحوم جمال حماد، والمرحوم محمد المسيري وجلال أمين، ومحمد حسنين هيكل. ومن النخب الوطنية السياسية والفكرية؛ أيمن نور، وعبد المنعم أبو الفتوح، وحمدي قنديل، وعلاء الأسواني، ومحمد عبد القدوس، ومحمد بديع، وعصام العريان، وحمدين صباحي، والمرحوم محمد عزازي، وعبد العزيز الحسيني، وحسن نافعة، وعبد الحليم قنديل، يحيى عبد الهادي، وعبد الخالق فاروق، وعبد الجليل مصطفى، ومحمد أبو الغار، وخالد يوسف، وكريمة الحفناوي، ونور الهدى زكي، وشاهندة مقلد، وبثينة كامل وهويدا طه، وجورج إسحق، وخالد البلشي، وساهر جاد، وكثيرون غيرهم لم تسعفني الذاكرة في الإشادة بهم وقيادات شباب وسيدات كفاية و6 أبريل، ويسري فودة، وعبد الله السناوي، وجابر القرموطي، وغيرهم ممن شارك في العمل الوطني ضد نظام مبارك من أجل إرساء نظام ديموقراطي يقوم على الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات.
الجيش يخادع ويحتفظ بالسلطة:
وظلت السلطة في يد العسكر مع تغيير في القيادات بعد التخلي من مبارك والتوريث، وكانوا يتمتعون بالقدرة على المخادعة لإثبات زهدهم في الحكم؛ عندما تنحى طنطاوي وعنان تكتيكيا، ولكن السيطرة كانت دائماً لهم. وفي دستور ٢٠١٢ طلبوا تنازلات تؤكد سيطرة المؤسسة العسكرية، واعتبرنا جميعا مخدوعين أنه قد تم إرساء الحكم المدني الشرعي، ولكن فوجئ الشعب بأنهم لم يتركوا السلطة يوما واحدا منذ الإطاحة بمبارك فعادوا واستولوا جهارا نهارا على السلطة في ٣ يوليو وهكذا حرمت ثورة ٢٥ يناير من تحقيق أهم أهدافها وعدنا للحكم العسكري المباشر مهما حاولوا تحميله بغلالات ديموقراطية.
لهذا كله شعرت بدهشة كبيرة من بعض النخب الذين طلبوا تدخل العسكر لتغطية عجزهم عن الفوز عن طريق الصندوق، أشد ما أحزني أنهم استدرجوا شريحة من الشباب غير المسيس خريج إعلام محطات الفلول يطالبون بحكم العسكر بدافع الكراهية التي غسلت أذهانهم بها محطات وصحف فلول الدولة العميقة. وكأننا ننتمي للعصر الحجري ولم نصل القرن الواحد والعشرين.
وكانت صدمتي شديدة، عندما تفرقت بيننا السبل وغرقنا في مناقشات عبثية وانشغل البعض إلى تكوين كيانات سياسية أو الانضمام لأحزاب قائمة، بل راجع البعض منها مواقفه وفضل العمل مع العسكر والدولة العميقة عندما رأوا من نتائج خمس استحقاقات دستورية أن الوقت ما زال مبكرا أمامهم لتنظيم قواعد شعبية وصولا إلى انتخاب كتلة انتخابية فاعلة.
وهكذا أدركت أن القليلين فقط من النخب والشباب الواعي هم الذين سيخوضون المواجهة مع الحكم العسكري، وهذا ما أثبتته الأيام. ولم يكن لنا أن نتوقف ساكتين، بل أصبح الصراع السياسي والشعبي أكثر حدة. وقد شاركت في هذه الجهود باتخاذ الخطوات الداخلة في قدرة شـخص من آحاد الناس، وبالمشاركة مع مجموعات مختلفة من النخب على نحو ما سياتي لاحقا.
مناهضة محاولات تقزيم مصر
مصر أم الدنيا وأول دولة متحضرة في العالم، ومصر أكبر دولة عربية لا يقوى العرب في ضعفها، ولا عزة لهم دونها، ومصر التي أسست الجامعة العربية وحاولت تحقيق وحدة عربية مع سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان وتنمية التضامن العربي، ومصر الإفريقية التي تزعمت القارة السمراء.
دعوي الغاء ترسيمً الحدودً البحرية بين مصر وقبرص
ألتمس من القارئ الكريم المعذرة لاضطراري في شرح تفاصيل هذه التعهدات الفاسدة والتي كان لا بد من شرحها بكل إيجاز حتى يعرف المصريون كيف تسرق ثرواتهم بعمولات مليارية؛ فقد لفت نظري برنامج قدمه الإعلامي القدير يسري فودة يتضمن بحثا استقصائيا عن استيلاء قبرص وإسرائيل للغاز المصري الكامن في المياه الاقتصادية المصرية بالمتوسط، واستمعت لمحاضرة للدكتور نايل الشافعي صاحب موسوعة المعرفة في نيويورك الذي قدم إلى مصر خصيصا لاستدعاء نظر المسئولين في وزارة البترول إلى هذا الأمر الخطير الذي يفوت علي مصر مخزونا كبيرا من الطاقة يقدر بمئات المليارات من الدولارات.
كذلك تواصلت مع العالم المصري د. خالد عودة فكان ثائرا على سكوت وزارة البترول أو تواطؤها في صفقة الاستيلاء علي غاز مصر، وأثار الموضوع في مجلس الشوري الذي كان عضوا به فقامت لجنة الطاقة بالمجلس بمهاجمة المشروع القبرصي الإسرائيلي، ولكن الأمر لم يتمخض عنه نتائج إيجابية بل عقد وزير البترول مؤتمرا صحفيا ينفي فيه أي تهاون ويقر بأن هذه الحقول من حق قبرص وإسرائيل؛ بل سمح للمسئول عن التلاعب في ترسيم الحدود البحرية مع قبرص اللواء متقاعد أحمد عبد الحليم خبير جيولوجي رئيس هيئة المساحة الجيولوجية بأن يتلاسن علي وعلى نائل الشافعي وخالد عودة ويتهمنا علنا بالجهل والكــذب.
ولم أجد تفسيرا لسكوت حكومة هشام قنديل ورئاسة الدكتور محمد مرسي، وهدد د. عودة بالاستقالة من مجلس الشورى، فلجأت إلى الملاذ الوحيد وهو قضاء مجلس الدولة، فتقدمت ببلاغ للنائب العام بينت فيه مواطن الفساد والبطلان. وأقمت دعوى لإلغاء اتفاقية الترسيم التعيسة، وقلت في عريضة الدعوى إنه تتابعت في الحقبة الأخيرة التقارير العلمية والإعلامية عن عملية استغلال بشع من إسرائيل وقبرص وحتى اليونان للاستيلاء بدون حق علي حقول الغاز التي تم اكتشافها في المياه العميقة شرق البحر المتوسط رغم أن هذه الحقول تقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر كما حددتها معايير اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 والتي شاركت مصر في صياغاتها وانضمت إليها.
وشرحت للمحكمة التفريط الذي قابلت به وزارة البترول في ثروتنا من الغاز الطبيعي، وهنا تأكدت مقولتي بإن قطاع البترول أقوي من الدولة لما يمكنه من الإغداق بالمليارات على دوائر صنع القرار وتجنيده للمئات من رجال الصحافة والقنوات الفضائية، وهو ما تقدمت بشأنه عدة بلاغات للنائب العام مشفوعة بالوثائق الدامغة وأسماء المتورطين من كبار المسئولين في الدولة. وارفقت بمذكرات الدعوى قرصا مدمجا يبين مدي الافتئــات على حقوقنا (ولكني بعثت بصورة من عريضة الدعوى والقرص المدمج إلى وزير الخارجية آملا أن أجد لديه الخلاص فرد علي الرجل بكتاب رقيق واعدا بدراسة الموضوع ولم يصلني حتى تاريخه أي جواب من الحكومة)
وقدمت للمحكمة وللنائب العام ما توصل إليه العالمان المصريان نايل الشافعي وخالد عودة من نتائج مذهلة تكشف هذه السرقة الفاجرة.
ودون علمها بذلك -أو هكذا نفترض -أرست الهيئة العامة للبترول المصرية في عام 1999 أكبر امتياز تنقيب بحري (41,500 كم²) لشركة رويال دتش شل في شمال شرق البحر المتوسط (نيميد NEMED)، وذلك بالاشتراك مع بتروناس كاريجالي من ماليزيا والشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي. ويمتد الامتياز شمال الدلتا حتى السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس.
ويدخل هذا السفح فى إطار امتياز نيميد الممنوح من وزارة البترول إلى شركة شل. وقد تم إعلان اكتشاف أكبر حقلين للغاز في ذلك الموقع دون اعتراض وبموافقة وزير البترول بعد توقيع اتفاقية الحدود البحرية مع قبرص اليونانية دون اعتراض من قبرص أو إسرائيل وقامت شركة شل فيما بعد بالانسحاب عام دون أى إجراء من جانب وزارة البترول وتلى ذلك إعلان إسرائيل عن اكتشاف الغاز فى المنطقة ذاتها دون تعليق من وزارة البترول
ومما عمق من الشك في نوايا قبرص وإسرائيل وشركات النفط العالمية أنه في 16 فبراير 2004، أعلنت شركة شل مصر اكتشاف احتياطيات للغاز الطبيعي في بئرين على عمق كبير في شمال شرق البحر الأبيض المتوسط. وأوضح البيان أن الشركة ستبدأ المرحلة الثانية من عملية الاستكشاف وتستمر أربعة أعوام وتهدف إلى تحويل المشاريع المكتشفة إلى حقول منتجة.
وامتدحت الهيئة العامة للبترول في البيان تقدم تقنيات التي تستخدمها شركة شل، وخص بالذكر الحفار العملاق “ستـِنا تاي”، والذي يقول موقع الشركة المنتجة له أنه تم إعداده للعمل لخمس سنوات في المياه العميقة في مايو 1999؛ وأرسلته شل إلى البرازيل حيث اكتشف وطور حوضي سانتوس وكامبوس على أعماق 2,000 متر (مثل نيميد) على مدى أربع سنوات وأصبحا يدران على البرازيل نحو 50 مليار دولار سنوياً (يُنتظر أن تنمو ثلاثة أضعاف). وفي مطلع 2004، قبل 5 أشهر من انتهاء صلاحيته في مايو 2004 قامت بحفر ثلاثة آبار في مصر بعمق 2,448 متر. وبشرت شل الشعب المصري بتطوير تلك الآبار إلى حقول منتجة. ثم انقطعت أخبار نيميد لسبع سنوات. فهل قامت شركة شل بإحضار حفار آخر؟ وهل أطلعت الهيئة العامة للبترول الشعب على مجهوداتها للتأكد من التزام شركات التنقيب بالقيام بمجهود تنقيب طيلة فترة الامتياز.
وفي نوفمبر 2005، أرسلت شل رئيساً جديداً لشركاتها في مصر، هو الماليزي زين الرحيم، الذي طفق يقلص من عمليات شل في مصر. وحتى فبراير 2007 لم تقم شل بأي أعمال استكشاف أو تنقيب إضافية في بلوك نيميد.
وفي فبراير 2007، أعلنت شل أنها بصدد استئجار سفينة الحفر ترانس أوشن إكسپدشن لمدة أربعة أشهر لحفر ثلاثة آبار زائد حفر اختياري آخر، بما فيها واحد للتقييم وثلاثة عشوائيين wildcats لاستكشاف الغاز. إلا أنه لم يُعلن عن أي نشاط يفيد إجراء أي حفر.
شركات النفط المنسحبة
بالإضافة للشرط الجزائي للانسحاب من عقد والتي كانت تستوجب أن يتم طمأنة الشعب إلى وجوده في عقد “نيميد” الذي انسحبت منه شركة شل بعد سنتين بحجة أن المنطقة عميقة، كما لو لم يكن هناك خرائط في ملف استدراج العروض. وكذلك كان من حقنا على الأقل تطبيق الشرط الجزائي على الشركة المنسحبة. كما كان من الضروري أن تؤخذ تلك التصرفات في الحسبان في التعامل مع الشركة المنسحبة من باقي المشاريع.
واتضح أن البلوك 12 القبرصى الذي تم حفر بئر أفروديت فيه يقع على السفح الجنوبى لجبل اراستونس ومن ثم فإنه ملك أكيد لمصر وليست شريكا أساسا لقبرص فى كل ما يثٌمره استغلال السفح الجنوبى للجبل، ليس فقط بحكم ملكية مصر التاريخية لهذا السفح الجنوبى وإنما أيضٌا بموجب التعاقدات التي أبرمتها وزارة البترول مع شركة شل للتنقيب في هذا السفح منذ عام 1999 قبل ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص عام 2003.
ويقول تقرير الدكتور عودة أنه ظهرت في السنوات الثلاث الأخيرة ملامح ثروة هائلة من احتياطيات الغاز الطبيعي. فقد أعلنت إسرائيل وقبرص عن اكتشافات غاز طبيعي تعدت احتياطاتها 1.22 تريلليون متر مكعب، تقدر قيمتها الحالية بنحو 220 مليار دولار، ويبدو أن تلك الاكتشافات كانت باكورة التنقيب بالمنطقة البكر التي صارت توصف باحتوائها أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم.
اكتشف العالم المصري د. خالد عودة من صور أقمار جوجل إرث لمواقع التنقيب فوجد أنها دوناً عن باق بقاع البحر المتوسط غير متوفرة وعادة ما تطلب الدول، وخصوصاً إسرائيل، إخفاء صور مفصلة للغاز من مناطقها.
وقد جذب هذا الأمر اهتمام الكاتب الدكتور نائل الشافعي صاحب موسوعة المعرفة الإلكترونية في نيويورك بحكم تخصصه، فقام مع مجموعة من الباحثين في موسوعة المعرفة بدراسة تفاصيل هذا الموضوع حول قاع البحر المتوسط ولحدود المياه الإقليمية المصرية وحدود المنطقة الاقتصادية المصرية الخالصة.
وأثار انتباه هذه المجموعة توالي أنباء التنقيب عن الغاز واكتشافاته ف المنطقة، وتزايد الاهتمام بقاع شرق المتوسط، ونشطت المناورات البحرية للشركات متعددة الجنسيات التي كانت تخفي اكتشافاتها بحجة مكافحة الإرهاب، وتارة ولمنع انتشار تكنولوجيا الصواريخ الموجهة.
ثم ظهرت البعثات العلمية لمسح قاع البحر، وتلتها منصات الحفر البحري للتنقيب؛ ودخول شركات جديدة وانسحاب شركات قديمة من التزاماتها في المنطقة.
وقد اتضح من الدراسة التي قام بها الدكتور نائل الشافعي وفريقه العلمي أن حقلي الغاز المتلاصقين ايفاثان الذي اكتشفته إسرائيل في 2010 وأفرودت الذي اكتشفته قبرص في2011 باحتياطيات تقدر قيمتها قرابة 200 مليار دولار، تقعان في المياه المصرية بالمنطقة الاقتصادية الخالصة، على بعد 190 كم شمال دمياط بينما يبعدان 235 كم من حيفا و180 كم من ليمٌاسول. وهما في السفح الجنوبي لجبل إراتوستزنٌس الغاطس المُثبت مصريته منذ عام 200 قبل الميلاد.
ولتوضيح حقيقة هذا الأمر قام الدكتور خالد عودة بدراسة المنطقة البحرية شمال شرق البحر المتوسط باستخدام صور الأقمار الصناعية وبيانات رادار البعثة الطوبوغرافية لوكالة ناسا، وقد أثمرت هذه الدراسة عن أن الجبل الغاطس المذكور يرتفع أعلى قاع البحر بنحو 2000 متر ولا يمكن التنقيب داخل الجبل ذاته وإنما تم التنقيب في السفح المحيط بالجبل وهذا السفح ملك لمصر إن لم يكن بالتاريخ فبموجب تعريف الجرف القاري الذي تبنته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ومع ذلك تركته وزارة البترول محلا للتنقيب من كل الشركات.
ومن ثم فإن من حق مصر طالما أن المعاهدة الإسرائيلية القبرصية قد أخلت بحقوقها رفع الأمر إلى محكمة البحار المنشأة طبقا للمعاهدة الدولية للبحار أو إلى محكمة العدل الدولية، وقد شرحت في الدعوى أن الحقائق العلمية والترسيم الصحيح للمناطق البحرية تؤكد أن حقلي الغاز المتلاصقين، لڤياثان (الذي اكتشفته إسرائيل في 2010) وأفروديت (الذي اكتشفته قبرص في 2011) ولم يعلن وقتها عن حقل ثالث اسمه شمسون استولت عليه إسرائيل باحتياطيات قيمتها قرابة 200 مليار دولار، يقعان في المياه الاقتصادية الخالصة المصرية، على بعد 190 كم شمال دمياط، بينما يبعدان 235 كم من حيفا و180 كم من ليماسول. وهما في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس الغاطس المُثبت مصريته منذ عام 200 قبل الميلاد. وكانت إسرائيل قد بدأت مسلسل إعلان استخراج الغاز من أراضي عربية في 2009، حين أعلنت عن اكتشاف حقل تمار المقابل لمدينة صور اللبنانية وهو حقل لبناني طالبت به لبنان بشكوى إلى مجلس الأمن.
وفي العقد السابق من السنين، أخفت شركات النفط وخبراء الاكتشافات عن البترول والغاز في الحكومات الأمريكية والإنجليزية والإسرائيلية وجود أحد أكبر الجبال الغاطسة في العالم في تلك المنطقة بارتفاع 2,000 متر فوق قاع البحر وقمته توجد على عمق 690 متر تحت سطح البحر؛ وفيه أكثر من منفس حار مما خلق منطقة بيئية خاصة. وقد أطلق على الجبل اسم “إراتوستينس” تكريماً للعالم السكندري اليوناني الذي اكتشفه من مئات السنين.
وفي تحرك فجائي غير مفهوم سارعت قبرص بطلب ترسيم لحدود البحرية مع مصر رغم أن المادة 74 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1985 والتي تعتبر مصر وقبرص أطرافا فيها تمنع التقسيم الثنائي للمياه الاقتصادية الخالصة في حالة وجود دول ملاصقة ومتقابلة في المنطقة البحرية.
وبصورة غير معلنة تم في فبراير 2003، توقيع اتفاقية ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، حسب حد المنتصف بين قبرص ومصر. وتضمن التقسيم في 8 نقاط إحداثية. والمثير للعجب هو كيفية التوصل لهذا للترسيم في حين أن كلتا الدولتين لم تكن قد رسمت حدودها مع إسرائيل آنئذ في الشرق؟
ويزداد العجب لاحقاً حين بدأت إسرائيل في حفر حقل لفياثان في جبل إراتوستينس، شمال دمياط. أي أن في هذه القطاع، فإن مصر لم تعد تجاور قبرص، بل تفصلهما مياه إسرائيلية تقع فوق جبل إراتوستينس البحري الثابتة مصريته، ويعتبر بمثابة جرف قاريCONTINENTAL SHELF تابع لمصر!
وتقول التقارير إن إسرائيل وقبرص قد ادعت تملكهما على حقل غاز داخل المنطقة الاقتصادية شمال دمياط وإن إسرائيل قدمت خرائط مزورة للاستيلاء على حقول الغاز المصرية واللبنانية والفلسطينية وتعد العدة لإعطاء امتيازات للشركات المتخصصة للبدء في الحفر واستخراج الغاز لصالحها.
كل ذلك يحدث أمام لا مبالاة وتهاون من المسئولين المصريين مما يرقى إلى الأضرار بالأمن القومي المصري والتفريط في ثروات مصر الطبيعية التي حباها الله لنا.
وتلي ذلك أنه في يناير 2009 أعلنت شركة نوبل إنرجي بالاشتراك مع إسرائيل عن اكتشاف حقل تمار للغاز في الحوض المشرقي، في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، المقابلة لمدينة صور. ويعود الخلاف بين الدولتين في أن إسرائيل تزعم أن الحدود البحرية يجب أن تكون عمودية على الميل العام للخط الساحلي اللبناني (النقطة 1 في ترسيم الحدود اللبنانية القبرصية)
وفي يونيو 2010، أعلنت شركتا أڤنير ودلك الإسرائيليتان بالاشتراك مع نوبل إنرجي، عن اكتشاف حقل لڤياثان للغاز العملاق في جبل إراتوستينس، باحتياطي 16 تريليون قدم مكعب. رغم اعتراف إسرائيل بأن حقلي لڤياثان وتمار موجودان في مناطق بحرية متنازع عليها بخلاف حقلي سارة وميرا. وبفضل استغلال الحقلين الجديدين لن تعود إسرائيل بحاجة كبيرة للغاز الطبيعي المصري الذي يشكل 43% من الاستهلاك الداخلي في إسرائيل.
وواصلت شركات التنقيب العالمية بغواصاتها ومعداتها المتطورة مسح السفح الجنوبي من جبل إراتوستينس، ومسح كامل المنطقة الممتدة جنوباً حتى سواحل مصر؛ أي جابت المياه الإقليمية (وليس فقط الاقتصادية) المصرية لمدة أسبوعين، بل إن البعثة تفتخر أنها قد توغلت بغواصاتها الروبوتية داخل النيل وقامت بتصوير ضفاف النيل من تحت الماء.
وفي يناير 2011، خرج الرئيس القبرصي، دميتريس خريستوفياس، على شعبه بالبشرى السارة بأن بلادهم اكتشفت أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم وتقدر مبدئياً بنحو 27 تريليون قدم مكعب بقيمة 120 مليار دولار فيما يسمى البلوك-12 من امتيازات التنقيب القبرصية، والمعطاة لشركة نوبل إنرجي، وقرر تسميته حقل “أفروديت”. ويقع البلوك-12 في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس أي في الجرف القاري المصري.
وعلى هذه الخلفية وبسبب ما علمته الشركة بأنه يجري انتزاع هذه الحقول من ملكية مصر قررت شركة رويال دتش شل في مارس 2011 الانسحاب من امتياز التنقيب المصري في منطقة شمال شرق البحر المتوسط وهي المنطقة التي تتضمن جنوب جبل إراتوستينس.
وكان السبب الواهي الذي أوردته وسائل الإعلام هو ارتفاع التكاليف لعمق المياه. والغريب أن الشركة سبق وأعلنت في عام 2004 عن حفرها بئرين في منطقة الامتياز على عمق 2,000 متر تحت سطح البحر. ثم إن نفس الشركة تحتفظ بالرقم القياسي بحفرها وتشغيلها أعمق حقل نفطي تحت الماء في العالم وهو حقل برديدو الأمريكي في خليج المكسيك تحت مياه عمقها 2,400 متر وبدأ تشغيله في 2007.
وكان غريباً أيضاً حرص وزارة البترول المصرية على شكر شركة شل وتعبيرها عن الامتنان لعظيم مجهوداتها، كما لو لم تكن مخلة بشروط العقد، وكما لو كانت تقوم بالتنقيب صدقة على الشعب المصري.
وفي 14 سبتمبر 2011، زار رجب طيب أردوغان القاهرة على رأس وفد حكومي كبير. وأوردت المصادر القبرصية أنه حاول دفع مصر (ولبنان) إلى إلغاء ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص.
وعلى النقيض من ذلك وصل إلى القاهرة وزير الخارجية اليوناني، ستاڤروس لامبرينيدس في أكتوبر 2011، للاطمئنان على التزام مصر باتفاقية ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص، بعد زيارة أردوغان. وحسب الصحف القبرصية، فقد قوبل بحفاوة كبيرة وطمأن وزير الخارجية المصري نظيره اليوناني ستاڤروس لامبرينيدس أن مصر لن تتراجع عن الاتفاقية التي وقعتها مع قبرص.
والعجيب أن الصحف اليونانية أبدت تشككها في بقاء اتفاقية ترسيم الحدود القبرصية المصرية الموقعة في 2003، في ضوء الترسيم اللاحق لحدود إسرائيل مع قبرص في 2010، الذي يجعل المياه الإسرائيلية حاجزاً بين مصر وقبرص في المنطقة شمال دمياط. ويظهر ذلك التشكك في الخريطة اليونانية المرفقة.
وفي 30 أبريل 2012، أعلنت شركة إيه تي پي للنفط والغاز الأمريكية عن بدء تطويرها حقل شمشون البحري، الذي يقدر احتياطيه بنحو 3.5 تريليون قدم مكعب وهو على عمق قاع 3622 قدم تحت سطح البحر جنوب لفياثان، الأمر الذي يضعه على بعد 114 كم شمال دمياط و237 كم غرب حيفا.
وفي 8 يوليو 2012، عقب زيارة ڤلاديمير بوتين لإسرائيل، وقعت الدولتان اتفاقية للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، ستنشئ بمقتضاها گازپروم الروسية شركة فرعية لها في إسرائيل. وفي 15 أغسطس 2012 وقع الرئيس الإسرائيلي بيريز اتفاقاً مع الحكومة اليونانية لعقد قمة إسرائيلية-قبرصية-يونانية في سبتمبر 2012 لتنسيق عملية تصدير الغاز الإسرائيلي عبر أنابيب إلى دول أوروبا.
التمويل
يقف وراء اكتشافات إسرائيل للغاز استثمارات من أساطين الصناعة والسياسة الغربية ومنهم روپرت مردوخ وجاكوب روتشيلد ونائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني والبليونير مايكل ستاين هارت.
وأغرت اكتشافات الغاز الهائل شرق المتوسط بريطانيا بالمطالبة بترسيم الحدود الاقتصادية الخالصة مع منطقة أكروتيري وذكليا، في المستعمرة البريطانية الملاصقة لمينائي ليماسول وفماجوستا القبرصيين. وسيكون لهذا التقسيم بالطبع أثر كبير على شكل الحدود المصرية مع كل من قبرص وإسرائيل.
الاتفاقية الإطارية لتقاسم مكامن الهيدروكربون بين قبرص ومصر
رغم هذه التصرفات الظالمة التي تستولي علي غاز مصر ومصدرها الغني من الطاقة التي هي في أمس الحاجة إليها بعد أن صدّرت غازها بثمن بخس لإسرائيل، ورغم أن النزاع ما زال منظورا أمام المحكمة، فوجئ الجميع بعد تولي الرئيس السيسي السلطة، بتوقيع ما سمي بالاتفاقية الإطارية لتقاسم مكامن الهيدرو كربون بين مصر وقبرص في اجتماع الرئيس القبرصي نيكوس أنستاسيادس بالرئيس المصري المؤقت، عدلي منصور ورئيس الوزراء حازم الببلاوي، ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في 12 ديسمبر 2013. وأعلنت الصحافة القبرصية أن الزيارة هي بغرض توقيع الاتفاقية الإطارية لتقاسم مكامن الهيدروكربون بين قبرص ومصر وهي الاتفاقية التي تعطل توقيعها لسنوات، حيث تطالب قبرص مصر بتوقيع اتفاقية منذ عام 2007. تنص الاتفاقية على أن التقاسم يكون على أساس خط المنتصف (المعيب) الذي تم إرساؤه في اتفاقية ترسيم الحدود في 2003.
وقد تم توقيع الاتفاقية في يوم الخميس 12 ديسمبر 2013، في القاهرة.
أقسام الاتفاقية
يوجد بالاتفاقية جزآن رئيسيان:
- فرض منطقة تنقيب بالتنسيق، على طول الحدود المصرية القبرصية، وبعمق 10 كم في المياه المصرية من خط المنتصف. وتنظم الاتفاقية تبادل المعلومات والبيانات والاستكشافات في هذا الشريط. ودون فرض حزام مماثل في المياه القبرصية.
- إرساء أسس تقاسم Unitization مكامن الهيدروكربون المشتركة. ويمتد هذا النوع من الاتفاقيات ليشمل حدود الخزان الجيولوجي الحاوي للمكمن. وكلما تم اكتشاف معلومات جديدة عن امتداد (أو انتشار) هذا المكمن الجيولوجي، فإن الاتفاقية تمتد لتشمله.
أفكار الإسالة في دمياط
قيل إن نقاشاً دار في 12 ديسمبر 2013، حول مد حبل سري من حقل أفروديت القبرصي إلى الحبل السري لمنظومة الغاز المصرية بالبحر المتوسط، بهدف تسييل الغاز القبرصي والإسرائيلي في معمل سيجاس للإسالة بدمياط. إلا أن هذا الحديث سابق لأوانه، لأن أفروديت لم يصل لتلك المرحلة بعد. والأهم من ذلك أن الحكومة القبرصية، ليست هي متخذ القرار فيما يخص ذلك الأمر، بل يرجع ذلك في الأساس إلى شركة نوبل إنرجي.
و بدأت قبرص بالفعل في تطوير حقل أفروديت الواقع على بعد 2 كم من الحدود البحرية المصرية. كما تعمل أكبر شركات النفط العالمية في الجانب القبرصي. بينما البلوكات المصرية الواقعة على الحدود فلا توجد شركات عاملة فيها. وهذا الموقف يعني أن قبرص ستواصل تطوير حقل يُتوقع أن يجلب لها 10 مليار دولار سنوياً، بينما مصر لن يسمح لها بالتنقيب في هذا الشريط بعرض 10 كم لأن ذلك ستراه قبرص والشركات الدولية العاملة فيها على أنه انتقاص من مخزونات قبرص.
مآخذ التقاسم بين مصر وقبرص
للتوصل لاتفاقية عادلة يجب أن يكون البلدان على نفس المستوى من القدرة على المسح السيزمي والتنقيب والانتاج. وإلا فبإمكان أحد البلدين أن يدعي أن المكمن (الحقل) يمتد لمساحات شاسعة في ناحيته من الحدود، بحيث يظهر أن الجزء الأعظم من المكمن تابع له، وبالتالي فيحق له استخراج ذات النسبة من إجمالي انتاج الحقل.
فعلى سبيل المثال، لو افترضنا، أن حقلاً بطول 10 كم على طول الحدود المصرية القبرصية، وبعرض 5 كم في الجانب المصري و5 كم في الجانب القبرص. أي أن مساحة الحقل الإجمالية هي 10 × 10 = 100 كيلومتر مربع يمتد بين مصر وقبرص مناصفةً (في الواقع)، وأن الطبقة الجيولوجية الحاملة للغاز تتواجد بنفس السمك 1 كم، في الجانبين المصري والقبرصي. أي أن نصف الحقل/المكمن (بحجم 10×5×1=50 كم³) يقع في مصر والنصف الآخر (50 كم³) يقع في قبرص. حيث إن قبرص تعمل فيها شركة نوبل إنرجي (المهيمنة على كل حقول غاز المتوسط في إسرائيل وقبرص) كما بدأ في العمل مع تلك الشركة أكبر عشر شركات نفط في العالم في بلوكات قبرصية مختلفة. وعلى الجانب المصري الملاصق للحدود لا توجد شركة واحدة تعمل في أي من البلوكات المصرية الملاصقة، التي تحتوي الامتداد المصري (50% في مثالنا الافتراضي). يمكن لقبرص أن تأتي لمصر، قائلة إنها اكتشفت أن الحقل المشترك يمتد مئة كيلومتر إلى الشمال وبمتوسط سـُمك 2 كم (أي ضعف السـُمك في الجانب المصري) وإن ظل طول الحقل عشرة كيلومترات شرق-غرب، وبالتالي فإن حجم الجزء القبرصي من الحقل تصبح 100×10×2 = 2,000 كم³ وحجم الجزء المصري ما زال 50 كم³. أي أن حصة مصر من الحقل تنخفض من 50% إلى نحو 2.5%. وحيث إن مصر ليس لديها أي قدرة على تقدير امتداد المكامن في مياهها أو في مياه قبرص، فإنها سترضخ للتقييم المقدم من قبرص، خاصة وأنه سيكون مدعوماً من أكبر عشر شركات بترول في العالم.
أضف لذلك، أن شركة نوبل إنرجي تقوم بين الفينة والأخرى بالدخول للمياه المصرية للقيام بحفر استكشافي، لا نعرف من يصرح لها به.