تمهيد
في سياق الاهتمام بالأدبيات المتعلقة بالصراعات والنزاعات، نقدم ترجمة لدراسة بعنوان (الجماعات المسلحة كأحزاب سياسية، ودورها في السياسات الانتخابية – دراسة حالة: حزب الله) كتبتها الأكاديمية الإسرائيلية بنيديتا بيرتي. الباحثة المتخصصة في السياسة الخارجية والأمن، والتي تركز بشكل خاص على الحروب الأهلية، وإصلاح القطاع الأمني وسيادة القانون. وقد عملت بيرتي كمحاضرة في جامعة هارفارد، وأكاديمية ويست بوينت العسكرية الأمريكية، ومعهد دراسات الأمن القومي في الكيان الصهيوني، ولها مقالات منشورة في مجلة السياسة الخارجية (Foreign-Policy)، والشؤون الخارجية (Foreign-Affairs)، وصحيفة وول ستريت جورنال وصحيفة نيويورك تايمز، فضلا عن نشرها لأربعة كتب.
وقد أجرت بيرتي أبحاثًا على مناطق متنوعة من العالم مثل سوريا والعراق ولبنان وفلسطين وبوروندي. وفي عام 2015، منحتها الحكومة الإيطالية وسام نجمة إيطاليا. وشغلت بيرتي في عام 2018 منصب رئيس قسم تخطيط السياسات في مكتب الأمين العام لحلف الناتو.
تجيب الدراسة على سؤالين رئيسيين، هما: لماذا تقرر الجماعات المسلحة إنشاء أجنحة سياسية للتنافس في الانتخابات؟ وما هي الظروف التي يتطور فيها الجناح السياسي ليصبح الوسيلة الرئيسية للتعبير عن الجماعة المسلحة مما يؤدي في نهاية المطاف إلى التخلي عن سلاح الجماعة؟
مقدمة:
أظهرت الجماعات المسلحة خلال العقود الماضية اهتماما متزايدا بإنشاء أحزاب سياسية للمشاركة في المؤسسات السياسية. وعبر استخدام هذه الأجنحة السياسية للمشاركة في الانتخابات والفوز بالمناصب السياسية، اكتسبت بعض الجماعات قوة سياسية هائلة. ومع ذلك، فبالرغم من التداعيات المهمة عالميا لهذا التوجه، لا تزال الأدبيات المتعلقة بهذا الموضوع متواضعة ومحدودة.
يساعد هذا البحث في تحسين فهم هذا الموضوع من خلال دراسة العوامل التي تحفز الجماعات المسلحة على تأسيس جناح سياسي، والتنافس في الانتخابات، وتقييم كيفية تأثير المشاركة السياسية على الرؤيا الاستراتيجية للجماعة المسلحة.
تم اختبار فرضيات تشكل الجناح السياسي وتطوره من خلال تحليل أنماط صناعة القرار لدى “حزب الله”. وتشير النتائج إلى أن المشاركة السياسية للجماعات المسلحة لا تسير على نهج انتقال خطي من العمل المسلح إلى التنظيم السياسي، ولكن بدلا من ذلك تسير وفق أنماط دورية حيث يتم الاختيار بين التسوية السياسية والكفاح المسلح كاستجابة للتحولات في العلاقة وتوازن القوى الداخلي بين الأجنحة السياسية والمسلحة للجماعة المعنية.
الجماعات المسلحة وتشكل الجناح السياسي: الديناميات الكامنة وراء المشاركة السياسية
تقليديا، يُنظر إلى الجماعات المسلحة والأحزاب السياسية على أنهما يمثلان نقيضان متعارضان في الطيف السياسي. فالجماعات المسلحة تعرقل وتعيق العملية السياسية الديمقراطية، في حين أن الأحزاب السياسية هي اللاعب الرئيسي لتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون. ومع ذلك، فإن مثل هذا الإطار الثنائي (السياسي – العسكري) مشكل للغاية، حيث يخفق في تقدير أوجه التشابه بين هذين النوعين من التنظيمات، وكذلك يخفق في تفسير وجود عدد من التنظيمات (السياسية – العسكرية) المختلطة.
بشكل خاص في العقود الأخيرة، أنشأت عدة جماعات مسلحة أحزابا سياسية تابعة لها من أجل المنافسة في الانتخابات والفوز بالمناصب العامة. كما تزايد تأثير التنظيمات السياسية المسلحة المختلطة. وهو ما يبرزه حدثان وقعا معا في عام 2006:
- الفوز الانتخابي الكاسح لحركة حماس الفلسطينية – وهي جماعة تعمل في وقت واحد كمجموعة مسلحة وحزب سياسي – تلاه سيطرتها على قطاع غزة في عام 2007.
- الحرب في يوليو 2006 بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، وهو تنظيم يملك ذراعا عسكريا متطورا يشبه الجيوش، فضلا عن امتلاكه تمثيلا سياسيا محليا قويا.
لا تزال الأدبيات الحالية المتعلقة بديناميات المشاركة السياسية للجماعات المسلحة متواضعة، وينصب تركيزها الرئيسي على تفسير تخلي الجماعات عن العنف[1]، أو على العوامل التي تشكل السلوك التنظيمي للجماعة المسلحة بعد تحولها بالكامل إلى حزب سياسي[2].
وقد كُرس اهتمام أقل بكثير للعوامل الديناميكية الداخلية والعوامل الخارجية التي تدفع الجماعات المسلحة إلى إنشاء جناح سياسي[3] – الذي يُعرف بأنه وحدة فرعية منفصلة داخل الجماعة المسلحة التي تنخرط علنا في أنشطة المؤسسات السياسية من خلال المنافسة في الانتخابات[4].
وتفترض الدراسة أن هذا القرار يستند إلى حسبة عقلانية تفترض أن إنشاء جناح سياسي هو نتيجة للتفاعل بين أربعة عوامل ضرورية ولكنها ليست كافية، وهي: الضغط المؤسسي الدافع للتمدد، ضغط إمكانية الوصول إلى موارد التعبئة، فرص الانفتاح في المنظومة السياسية، الالتزام الداخلي بتغيير استراتيجية الجماعة وخطابها للتنافس بشكل أكثر فعالية في الانتخابات.
1ـ الضغط المؤسسي الدافع للتمدد
بداية، فإن قرار إنشاء جناح سياسي ينجم عن التطور المؤسسي للجماعة، وما يترتب على ذلك من ضغوطات لتنمو عن طريق تمددها. وبالمقابل، فإن الحاجة إلى اكتساب القوة والاستقرار مع الحفاظ على ترابط الجماعة وشرعيتها التنظيمية تشجع الرغبة في النمو. حيث تدفع عملية النمو المؤسسي التنظيمات السياسية إلى السعي للتكيف مع البيئة المحيطة[5].
وفي الواقع، مع إضفاء الطابع المؤسسي على التنظيمات السياسية، فإنها تميل إلى أن تصبح مهتمة بشكل متزايد بالبقاء والحفاظ على نفسها مع إيلاء اهتمام أقل بأهدافها وأيديولوجياتها الأصلية، وبالتالي تكون أكثر عرضة للتكيف مع البيئة المحيطة[6]. وبهذا المعنى فإن إنشاء جناح سياسي يمكن أن يكون بمثابة “أداه للبحث عن التكيف”.
ومن جهة أخرى أكثر أهمية، يدفع نمو التنظيمات وإضفاء الطابع المؤسسي عليها، تجاه السعي لتحسين قوتها واستقرارها من خلال التمدد. ويتم العمل على تحقيق النمو والتمدد باعتبارهما وسيلتان لتعزيز استقرار الجماعة وزيادة قوتها النسبية، والوصول إلى استقلالها الذاتي، فضلا عن زيادة التماسك الداخلي والحفاظ على هيبة القيادة[7].
يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة، فمع إضفاء الطابع المؤسسي على الجماعة يمكن تقويض شرعيتها التنظيمية بمجرد أن تضعف أنشطتها المسلحة. وعلى نفس المنوال، فبمرور الزمن وإنشاء المزيد من الجماعات المشابهة لها يمكن المساس بنقطة تميز الجماعة. وفي ظل هذه الظروف تواجه هذه الجماعات ضغوطا من أجل إعادة التأكيد على استقلاليتها وشرعيتها وكثيرا ما تستجيب لهذه الضغوط المؤسسية بالتمدد[8].
يُعد إنشاء جناح سياسي عنصرا أساسيا في تحقيق التمدد، لأنه يسمح بزيادة جمهور المؤيدين والقواعد الداعمة للجماعة. كما يعزز الجناح السياسي كلا من توافق الآراء ومستوى المشاركة في التنظيم من خلال ايجاد أرضية ومكانا قانونيا يُوجه من خلاله المؤيدون. بعبارة أخرى، فإن الجناح السياسي يوفر وسيلة ذات طابع مؤسسي لتقليل مخاطر وتكاليف المشاركة، مما يزيد العدد المحتمل للمؤيدين[9].
وفي الوقت نفسه، تحافظ خيارات الجناح السياسي على داعمي المقاتلين الحاليين لأنها لا ترفض المنطق المؤسس للكفاح المسلح. وبعبارة أخرى، يسمح الجناح السياسي بالتعايش بين منطقين مؤسسيين متناقضين مع الحفاظ على الدوافع الأصلية للانخراط في الجماعة.
2: ضغط إمكانية الوصول إلى موارد التعبئة
يمكن النظر أيضا إلى تحول الجماعة للانخراط في المؤسسات السياسية باعتبار ذلك آلية تكيفية تنفذها من أجل الاستجابة للانخفاض في الموارد المتاحة اللازمة لضمان البقاء التنظيمي.
بعبارة أخرى، ستكون الجماعة المسلحة – في سياق تطورها المؤسسي – أكثر ميلا إلى إنشاء جناح سياسي عندما تتعرض قدرتها على الوصول إلى موارد التعبئة للتهديد بسبب فقدان الجماعة لاستقلاليتها أو شرعيتها، أو عندما يكون هناك تعارض شديد بين الموارد المتاحة وبين الحاجة الاستراتيجية إلى النمو.
ويمكن أن تنشأ هذه الحالة لأسباب مختلفة، من أبرزها:
- قد تؤدي المنافسة بين التنظيمات وتزايد أعداد الجماعات المكرسة لنفس القضية إلى الضغط على قدرة الجماعة على استئثارها بموارد التعبئة[10]. ففي هذا السياق يمكن أن يكون إنشاء جناح سياسي بمثابة أداة قوية لتنويع الجهات الداعمة للجماعة المسلحة.
- يمكن لحالة الجمود التي طال أمدها دون أي انتصار معنوي أو عملي كبير أن تضع عبئا على قدرة الجماعة على الوصول للموارد، وخاصة عندما تتم معالجة “مظلوميات” الجماعة على المستوى السياسي.
3: فرص “الانفتاح” في المنظومة السياسية
تختار الجماعات المسلحة تشكيل جناح سياسي والانخراط في المنظومة السياسية عندما يتيح الهيكل السياسي للنظام الذي ستعمل ضمنه فرصا لتعظيم نفوذها ودورها.
أولا، تزداد قابلية المشاركة السياسية في حال توافر إمكانية لاختراق السلطة أي عندما يمكن للجناح السياسي المشكل حديثا أن يكتسب نفوذا ويحوز القدرة على الوصول إلى المؤسسات السياسية الرسمية في بلد معين. كما أن مستوى النفاذية إلى النظام يعتمد على درجة اللامركزية مما يشير إلى ازدياد فرص الوصول إلى مراكز صنع القرار. وتمثل درجة الفصل بين السلطات أيضا أداة لتوليد نقاط اضافية تسهل الوصول الرسمي إلى القوة السياسية[11].
ومن العناصر الأخرى التي تساهم في تحديد مستوى النفاذية إلى النظام: الدرجة الفعلية لدورة التغيير داخل هياكل السلطة. فالنظم السياسية التي ينظر إليها على أنها “مغلقة” لأن نفس المرشحين يحصلون مرارا وتكرارا على السلطة عبر إقصاء جميع المرشحين الآخرين، لا تشجع على إنشاء أجنحة سياسية [12].
وترتبط النفاذية أيضا بمفهوم الاستقرار، حيث أن البلدان التي تشهد تغييرات متكررة وغير متوقعة في النظام ستؤدي على الأرجح إلى تثبيط المشاركة السياسية حتى عندما تكون هياكل سلطتها قابلة للنفاذ نسبيا. وفي الواقع، فإن التقلب الشديد في النظام يمكن أن يمنع الأحزاب السياسية من الاستفادة من إمكانية النفاذ السياسي للوصول إلى السلطة، مما يقلل الدافع للاستثمار في النظام السياسي.
ثانياً، يمكن أن يشجع هيكل النظام الانتخابي وخصائصه على المشاركة السياسية. فعلي سبيل المثال، إن وجود نظم انتخابية تعتمد صيغة انتخابية تضمن “نموذجا توافقيا” يستند إلى مبدأ التمثيل النسبي- وهو بدوره متغير رئيس يساهم في تعزيز نظام التعددية الحزبية لمجموعة الأحزاب التي تتقاسم السلطة التنفيذية من خلال الائتلافات- يشجع على ظهور الأحزاب السياسية الجديدة ومشاركتها في العملية السياسية[13].
وأيضًا تمتاز الدوائر الانتخابية الأصغر بتوافر نتائج أكثر تناسبا، كما تتجنب انخفاض نسب التمثيل للأحزاب الصغيرة والأقليات. وكذلك، فإن وجود عدد كبير من المقاعد المتاحة داخل مجلس النواب مقترنا بعوائق محدودة تعرقل الفوز يزيد من سهولة المشاركة السياسية.
وفي ظل هذه الظروف، سيسهل على الجناح السياسي للجماعة المسلحة المشاركة بشكل مباشر في المؤسسات السياسية شريطة أن يضمن النظام الانتخابي على الأقل الحد الأدنى من الاستقرار والمتانة للمؤسسات السياسية القائمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن حوافز المشاركة في المؤسسات السياسية سترتبط بالعدالة والشفافية المتوافرة في النظام الانتخابي[14].
ثالثا، يتم تشجيع المشاركة السياسية في البلدان التي تقدر فيها المؤسسات السياسية الرئيسية على تسوية الخلافات، وتوفير الأرضية السياسية التي يمكن من خلالها معالجة الانقسامات القائمة بين المجموعات السياسية والعرقية والدينية المختلفة والمتنافسة.
وبعبارة أخرى، فإن الدولة ومؤسساتها – بعيدا عن كونها ساحة محايدة حيث تتنافس الجهات السياسية المختلفة فيما بينها- تمثل متغيرات رئيسية في شرح هيكل التنافس بين المجموعات والخيارات الاستراتيجية للأطراف المعنية[15].
وإذا كانت المؤسسات السياسية الرئيسية مثل المجلس التشريعي قادرة على تسوية الخلافات واتخاذ القرارات وتنفيذها، فان الأجنحة السياسية للجماعات المسلحة سيكون لها مصلحة راجحة في المشاركة السياسية للوصول إلى هذه الهياكل الفعالة لصنع القرار. وبالمثل، يتم تشجيع المشاركة السياسية عندما ينظر إلى الاستراتيجيات الثقافية-المؤسسية للتعامل مع “المعارضين” أو المنافسين الجدد على أنها تكاملية بدلا من أن تكون إقصائية[16].
وكنقطة أخيرة، سيكون الجناح السياسي أكثر ميلا للمشاركة في المؤسسات السياسية عندما يرى أعضاؤه فرصة للحصول على الأصوات بسبب حدوث تحول في توزيعة الناخبين على الصعيد السياسي. ويمكن أن يحدث هذا بسبب التدهور السياسي لحزب موجود مسبقا. وفي هذه الحالة يمكن للجناح السياسي الجديد أن يستغل الأزمة السياسية للأحزاب الموجودة للاستيلاء على أصوات الناخبين من تلك الأحزاب.
وبالمثل، يمكن أن تنشأ الظروف المناسبة لمشاركة الأحزاب الجديدة بسبب التحول السريع في الرأي العام، والذي تكون الأحزاب الحالية غير قادرة أو غير راغبة في التكيف معه. وأخيرًا، فإن الاعتدال التدريجي للأحزاب “المتطرفة” سابقًا يمكن أن يتيح للجماعة (المسلحة – السياسية) فرصة لاستبدال تلك الأحزاب، والحصول على حصة من الناخبين “المتطرفين”[17].
4: الالتزام الداخلي بالتغيير
طبقا لرودولف وفان انغلاند[18] – اللذان يركزان تحليلاتهما لديناميات تشكيل الجناح السياسي على تحديد المعايير التي تشير إلى التزام الجماعة المسلحة بالسياسة – يتوقع البحث أن يتم تشكيل الجناح السياسي عندما يدعم تحالف مهيمن داخل الجماعة المسلحة الدخول في المؤسسات السياسية. ويعبر عن هذا الالتزام رغبة الجماعة بالمشاركة في الانتخابات والمؤسسات السياسية، وفي اعتمادها برنامجا يركز على استراتيجية الانتخابات والحملات الانتخابية.
باختصار، يمكن توقع أن يؤدي التفاعل بين الضغط التنظيمي للتمدد، والحاجة إلى الاستجابة للانخفاض في القدرة على تعبئة الموارد، والانفتاح الخارجي للنظام السياسي، إلى قيام الجماعات المسلحة بإنشاء جناح سياسي للتنافس في الانتخابات.
ومع ذلك، فإن هذه النتيجة غير ممكنة دون وجود التزام داخلي بالتغيير. ومن المفيد كذلك فهم ديناميات القوة الداخلية داخل الجماعات المسلحة، والتزامها بالمشاركة السياسية لأن ذلك يساعد في تقييم نتائج قرار الجماعة بإنشاء جناح سياسي. وبشكل أكثر تحديدا، فهذا يسمح للمرء بالإجابة على سؤال: متى تحقق الأجنحة السياسية قبولا أوسع للمبادئ الديمقراطية يؤدي في نهاية المطاف إلى نزع السلاح؟.
تأثير الجناح السياسي: التغيير الاستراتيجي مقابل التغيير التكتيكي
بالإضافة إلى كون الأدبيات المكتوبة في موضوع الدراسة متواضعة، فان المشكلة الرئيسية الثانية لتلك الأدبيات المتعلقة بالنشاط السياسي للجماعات المسلحة تتمثل في أنها تميل إلى التعامل مع المشاركة السياسية كعلامة على تحول الجماعة في المستقبل من كونها مليشيات مسلحة إلى ممثل سياسي “شرعي”.
بعبارة أخرى، يُنظر إلى رغبة الجماعة المسلحة في إنشاء جناح سياسي على أنها بداية “انتقال خطي” سيؤدي في نهاية المطاف إلى أن تتخلى الجماعة (العسكرية-المسلحة) عن وسائلها العنيفة والمعادية للنظام.
وبالمثل، فإن مشاركة الجماعة في المؤسسات السياسية تعتبر لأول وهلة دليلا ظاهرا على أن الجماعة تعتبر “المؤسسات السياسية هي الإطار الشرعي الوحيد للتنافس السياسي والالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية”[19]، وفي هذا الإطار يُعتبر العنف نتاجا ثانويا لإقصاء الجماعة عن الوصول إلى مراكز صنع القرار والسلطة في النظام السياسي، وبمجرد أن تُفتح أبواب النظام ويُسمح بالمشاركة، فإن الجماعات المسلحة ستختار المشاركة في العملية السياسية، وهذا بدوره سيدفع بها إلى إتباع وسائل سياسية عملية بدلا من العنف[20]. وبهذا المعنى يُنظر إلى صندوق الاقتراع على أنه “نعش الحركات الثورية”[21].
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحجة ذات الصلة بتعزيز “النموذج الخطي للانتقال من الجماعة المسلحة إلى الجماعة السياسية” هي أنه بغض النظر عن النوايا الاستراتيجية للجماعة المسلحة عندما تقرر الانضمام إلى النظام السياسي، فإن مشاركة الجماعة في المؤسسات السياسية يقودها تدريجيا وبشكل متزايد إلى الانتقال لتصبح منظمة سياسية مثل الآخرين.
وبناء على ذلك، فالجماعات المسلحة بمشاركتها في العملية السياسية وخضوعها للمساءلة أمام دوائرها الانتخابية وغيرها من الجهات السياسية الفاعلة، تقل احتمالات اعتمادها على الوسائل العنيفة، وتصبح أكثر ميلا لضبط وتقييد استخدام العنف داخل صفوف عناصرها[22].
كما يمكن لإدماج جماعات المعارضة المقصاة سابقا في النظام السياسي أن ينمي تدريجيا شعورا بأحقيتها في التواجد داخل النظام، فتصبح أكثر اهتماما بالحفاظ على ذلك الحق وأكثر حرصا على إقامة علاقات إيجابية مع الجهات الفاعلة السياسية الأخرى، وكلا الأمرين يمثلان مكونان رئيسيان للتحول من المواجهة العنيفة إلى الحوار السياسي[23].
وأخيرا، يُقال إن المشاركة في المؤسسات السياسية تشجع الجماعات المسلحة على التحول عبر تمكين القيادة السياسية “المعتدلة” للجماعة، والتي ستكون بدورها قادرة على تحريك مسار الجماعة نحو الاعتماد حصرا على وسائل غير عنيفة [24].
إن الحكمة التقليدية بشأن الآثار الخطية المتوقعة الناتجة عن المشاركة السياسية، والموصوفة أعلاه، تشوبها عيوب خطيرة.
- أولا، إن التعامل مع المشاركة السياسية كوسيلة فعالة لردع الجماعات المسلحة عن الانخراط في العنف تفترض خطئا أن هذين الشكلين المختلفين من أشكال النضال السياسي يضاد أحدهما الآخر. وعلي النقيض من ذلك، يظهر التاريخ اتجاها للتقارب المتكرر بين الأنشطة الإرهابية والأحزاب السياسية، ويظهر علاقة منهجية ومتبادلة بين التنظيمات المسلحة والسياسية[25].
- ثانيا، إن الافتراض بأن المشاركة السياسية تشكل منفذا بديلا للكفاح المسلح، يتجاهل الأدلة الواقعية التي تربط النشاط الإرهابي والعنيف ببعض النظم السياسية الديمقراطية والتشاركية[26].
- ثالثا، إن الادعاء بأن المشاركة الإيجابية في النظام السياسي تؤدي إلى تحول تدريجي للجماعة وصولا إلى تبنيها للنشاط السياسي التقليدي، فشل في تفسير حقيقة أن الجماعات المسلحة يمكن أن تنضم إلى النظام السياسي بل وتقوم بدور الجهات الفاعلة السياسية الرئيسية دون الاضطرار بالضرورة إلى التخلي عن كفاحها العنيف أو الخضوع لتحول استراتيجي.
وهذا لا يعني إنكار أن المشاركة السياسية تؤثر على الجماعة المسلحة وعلى نظرتها الاستراتيجية. فمن جهة أخرى، في حين أن التنافس في الانتخابات يدخل منطق “تسوية الخلافات من خلال المؤسسات السياسية” إلى الجماعة المسلحة التي كانت في السابق مناهضة للنظام، غير أنه من الصحيح أيضا أن هذا المنطق لا يحل تلقائيا محل المنطق الدافع لتبني “الكفاح المسلح”.
وبهذا المعني، فإن فرضية عمل هذا البحث تقوم على أن التوزيع الداخلي للقوة، ونوع العلاقة القائمة بين الجناح السياسي للجماعة وجهازها العسكري هما متغيران رئيسيان في فهم ما إذا كانت الجماعة تتجه نحو تحول سياسي أم لا.
وبخصوص العلاقة بين الجناح السياسي والجناح المسلح للجماعة، حدد سيكويرا ثلاثة أنواع مثالية من العلاقات: حالة من التعاون والتكامل الاستراتيجي، حالة تتسم بالتنافس والصراع، حالة مختلطة، توفر فيها إجراءات أحد الجناحين الدعم لأنشطة الجناح الآخر، في حين أن الإجراءات التي يتخذها هذا الاخير تنتقص من قدرة الجناح الأول على العمل بنجاح[27].
النوع الأول من العلاقات التي وصفها سيكويرا – حيث تكمل إجراءات الجناح المسلح والجناح السياسي بعضها بعضا – يحدث عادة عندما تؤسس جماعة مسلحة متماسكة وموحدة إلى حد كبير جناحا سياسيا. وهذه الحالة هي الأقل قابلية لاحتمال حدوث تغيير جذري في التنظيم، حيث إن المنطقين المؤسسيين لتسوية الخلافات والمقاومة يندمجان في استراتيجية الجماعة مما يخلق توازنا بين الجناحين.
على النقيض من ذلك، فمن المرجح أن يحدث تغيير جذري في حالة التنافس والصراع المستمر بين الجناحين السياسي والعسكري، حيث المنطق المؤسسي البديل للعنف والتسوية يتصادمان ويتنافسان، ويستبعد كل منهما الآخر، ومن المرجح أيضا أن تتفاقم حالة المنافسة الاستراتيجية الداخلية هذه بعوامل خارجية.
فمثلا، من المرجح أن تنشأ المنافسة في حالة ندرة الموارد المتاحة أو وجود شكوك كبيرة بشأنها، مما يدفع الجناحين السياسي والمسلح إلى الصراع من أجل تخصيص الموارد، كما وتزداد المنافسة أيضا كلما كانت استراتيجيات التجنيد والتمويل في الجناحين متشابهة جدا، في حين أن المنافسة تنخفض كلما حافظ كل جناح على هامش نسبي من الاستقلال الذاتي من خلال زيادة الدعم المادي وغير المادي لتمويل أنشطته.
ما أن تنشأ حالة من المنافسة طويلة الأمد، وبمجرد أن يتم اعتبار منطقي التسوية السياسية والكفاح المسلح منفصلان عن بعضهما البعض، فمن المرجح أن تتجه المجموعة السياسية المسلحة نحو تغيير جذري. وعلي وجه التحديد، يمكن أن يتحول ميزان القوى الداخلي نحو الجناح السياسي إذا كان يمتلك درجة عالية من الاستقلال الذاتي والقدرة على قيادة التغيير الداخلي إلى جانب الشرعية التنظيمية العالية. ومع ذلك، فبدون وجود هيكل سياسي منفتح وقابل للنفاذ بما فيه الكفاية لمنح الجماعة أهمية ونفوذا سياسيا، فمن غير المرجح أن يبرهن خيار الجناح السياسي على قوته بما يكفي للتغلب على استراتيجية الكفاح المسلح.
وخلاصه القول، ليس هناك يقين قطعي بأنه بمجرد تشكيل جناح سياسي، وبدء مشاركة الجماعة المسلحة في المؤسسات السياسية، ستحدث بالضرورة “تسوية سياسية” ونزع للسلاح. بل على النقيض من ذلك، فإن العلاقة بين الجناحين السياسي والمسلح تتجه إلى إنتاج مراحل محددة من التعاون والتنافس المتبادل. وهذا سيؤدي إلى نموذج يتطور على شكل دورات، حيث يحل التنافس المفتوح محل موجات التعاون داخل الجماعة. وكلما تصاعد هذا التنافس إلى الدرجة التي يصبح فيها المنطق المؤسس بشكل رئيس للنضال المسلح ومنطق التسوية السياسة متناقضين، ستصبح الجماعة في أنسب وقت لحدوث تغيير جذري. وفي ذلك الوقت سيمتلك الجناح السياسي فرصا أكبر لإثبات هيمنته على الجناح العسكري مع مراعاة طبيعة الفرص السياسية المواتية والبيئة المحيطة.
يتناول القسم التالي من البحث التطور السياسي لحزب الله اللبناني – وهو تنظيم لبناني شيعي يمتلك حضورا مجتمعيا، وجناحا عسكريا، ومؤسسات اجتماعية وثقافية، وذراعا سياسية – كوسيلة لاختبار الفرضية المتعلقة بتكوين الجناح السياسي وتطورها.
وبناء على ذلك يتوقع البحث أن يكون قرار الحزب بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية اللبنانية في عام 1992 قد حدث نتيجة للتفاعل بين أربعة عوامل رئيسية، وهي: التحولات الجوهرية في الأولويات المؤسسية للحزب، والتغيرات الخاصة بتوافر موارد التعبئة، والفرص السياسية المتاحة للحزب، والتزام الحزب داخليا بالانخراط في المؤسسات السياسية.
كما سيتم تحليل التزام حزب الله داخليا بالانخراط في المؤسسات السياسية، وتوازن القوة الداخلي بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب، وسيستخدم ذلك التحليل أيضًا لدراسة المشاركة السياسية للحزب منذ عام 1992، ولتقييم إمكانيات تحوله إلى أن يصبح لاعب سياسي تقليدي. ووفقا للإطار النظري لهذا البحث، فلن يحدث هذا التحول إلا إذا تحولت العلاقة بين الجناحين العسكري والسياسي من تعاون استراتيجي إلى علاقة تنافسية متعارضة.
دراسة حالة التطور السياسي لحزب الله اللبناني
فهم تشكيل الجناح السياسي للجماعات المسلحة: انتخابات 1992 – الأسباب الدافعة للمشاركة
تم اختيار حزب الله – وهو تنظيم لبناني شيعي تأسس في حدود عام 1982 ردا على الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان- كحالة للدراسة بسبب دوره البارز. وعلاوة على ذلك، يمثل حزب الله كتنظيم ذا طابع مؤسسي بشكل كبير يملك جناحا سياسيا قويا ومتطورا، الحالة الحرجة “الأقل احتمالا” لاختبار صحة نموذج التطور على شكل دورات.
ونظرا لأن هذا التنظيم قد وصل إلى مرحلة ذات طابع مؤسسي متقدم من تطوره السياسي، فإن حزب الله يمتلك فرصة أكبر لأن يصبح فاعلا سياسيا تقليديا يرفض منطق المواجهة.
وأخيرا تم اختيار هذه القضية بسبب أهميتها: فتقييم عملية التطور السياسي لحزب الله له آثار سياسية حقيقية عالميا، فالمجتمع الدولي لا يزال منقسما حول ما إذا كان ينبغي تصنيف الحزب على أنه جماعة إرهابية أم حزب سياسي.
سبق أن شدد القسم النظري من البحث على أن تطور الجناح السياسي يحدث عند منعطف استراتيجي، وعلي وجه التحديد عندما تواجه الجماعة تحولات كبيرة في أولوياتها المؤسسية، فضلا عن التغيرات في توافر موارد التعبئة، وفي الفرص السياسية، وفي التزامها الداخلي بالتغيير. ويدرس هذا القسم قرار حزب الله بإنشاء جناح سياسي، والتنافس في الانتخابات البرلمانية 1992، ويقيم ما إذا كان هذا القرار قد اتبع بالفعل تغييرات جوهرية في جميع هذه المحاور أم لا.
التغيرات في الأولويات المؤسسية للجماعة، وأثر الضغط المؤسسي المؤدي إلى التمدد
أولا، قرر حزب الله الانخراط في المؤسسات السياسية في أعقاب انتهاء الحرب الأهلية الدامية التي اندلعت في لبنان من عام 1975 إلى 1990. وبحلول ذلك الوقت كان الحزب نشطا لأكثر من عشر سنوات، وتغير وضعه من جماعة ضعيفة التنظيم إلى جماعة ذات هيكل رفيع التنظيم ومتطور ومسيطر عليه بإحكام. وعلى الصعيد الداخلي كان الحزب في أوج تماسكه المؤسسي بعد أن وصل إلى شكله المؤسسي الحالي. وفي الواقع، إن الحزب لم يغير بشكل كبير هيكله التنظيمي أو توزيعه الداخلي للقوة منذ أوائل التسعينات[28].
ولكن عندما انتهت الحرب الأهلية، وجد “حزب الله” نفسه تحت ضغط شديد للتأكيد على استقلاليته وشرعيته من جديد. فمع انتقال البلد من الحرب وتحول العقلية السائدة من المواجهة إلى المصالحة، كان على الحزب أن يثبت أنه مرتبط بالمناخ السياسي الجديد. وبالإضافة إلى ذلك، شعر الحزب بتهديد يتمثل في زيادة التنافس الداخلي من قبل منافسه السياسي الشيعي حركة “أمل”.
ففي أواخر الثمانينيات، ارتفع مستوى التنافس والعداء بين حزب الله وحركة أمل تدريجياً إلى درجة اندلاع حرب داخلية محدودة النطاق بينهما للسيطرة على الطائفة الشيعية[29]، وبعد تدخل سوريا كوسيط لوقف إطلاق النار بين الفصيلين[30]، تحولت استراتيجية حزب الله إلى المجال السياسي للتعامل مع هذا التهديد المحتمل لسلطته وتفرده.
وفي الوقت نفسه، اعتمد الحزب على رصيد جديد في مواجهة هذه التحديات: فقد أصبح يحظى بشعبية واسعة خلال الحرب الأهلية، سواء عن طريق مقاومة الاحتلال الإسرائيلي أو عن طريق توفير الخدمات الاجتماعية بشكل نشط للمجتمع الشيعي. وفي هذا السياق، كان إنشاء جناح سياسي بمثابة أداة تمددية مصيرية: حيث وفر طريقة سهلة ومنخفضة التكلفة لإدماج المؤيدين الجدد، وحسن موقف المنظمة فيما يتعلق بالتنافس مع حركة أمل.
التغيرات في توافر موارد التعبئة – الانخفاض
ثانيا، جاء قرار الانخراط في المؤسسات السياسية في وقت كانت فيه التغيرات في البيئة السياسية المحلية والدولية تعرض وصول حزب الله إلى الموارد والاستقلال الذاتي للخطر.
كما أن وفاة آية الله الخميني في عام 1989، والتحول في السياسة الخارجية في ظل الرئيس هاشمي رفسنجاني غيرت جزئيا جدول الأعمال السياسي لإيران مما قلل من الموارد المادية المتاحة لحزب الله، وبالتالي حد من قدراته على القيام بأنشطة إرهابية دولية وشن هجمات على أهداف أجنبية غير إسرائيلية[31].
وفي ذلك الوقت، استخدم رفسنجاني اعتماد حزب الله ماليا على إيران، لمحاولة السيطرة على العمليات الإرهابية للجماعة[32]. وعلاوة على ذلك – ومن منظور أيديولوجي- فإن فشل إيران في الفوز بشكل حاسم في حربها على العراق وتصدير الثورة الايرانية خارج حدودها الوطنية كان له تأثير عميق على عقلية حزب الله (على وجه التحديد، نظرته إلى جدوى فرض فكرة الدولة الإسلامية على لبنان في المستقبل القريب).
وفي الوقت نفسه، اختارت طهران دعم مطالب سوريا بشأن لبنان، وتعزيز قدرة نظام حافظ الأسد في السيطرة على الأحداث هناك. ومع تزايد النفوذ السوري في لبنان، وجد “حزب الله” نفسه تحت تحكم أكثر صرامة: ففي الواقع، وعلى الرغم من أن سوريا دعمت ودافعت عن حملات مقاومة حزب الله ضد إسرائيل، إلا أنها سعت أيضا إلى تقليص جميع العمليات العسكرية الأخرى، سواء أكانت موجهة ضد حركة أمل أو تلك التي تهدف إلى زيادة سيطرة الحزب على المناطق الشيعية[33].
ونتيجة لهذا الانخفاض في الدعم الخارجي، واستجابة للتحول الداخلي بعد الحرب الأهلية، شعر حزب الله بالحاجة إلى إعادة تأكيد استقلاليته وتنويع مصادر تمويله ومجموعة أنشطته على حد سواء. وقد أوجد هذا الوضع بدوره حوافز قوية للاستثمار بكثافة في الخدمات الاجتماعية والأنشطة السياسية.
ومن ناحية أخرى، فإن رياح السلام التي اجتاحت الشرق الأوسط في أوائل التسعينات قد قرأها الحزب أيضا كعلامة تحذير تدل على أنه ما لم يضطلع بعملية إعادة تنظيم استراتيجية عميقة، فإن بقائه قد يكون على المحك. وقد أعرب الحزب عن قلقه إزاء امكانية إبرام اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل بالتحديد، الأمر الذي قد يؤدي في الوقت ذاته إلى المصالحة بين الدولة اليهودية ولبنان، ووجد الحزب أن الطريقة الأكثر فعالية لمنع مثل هذه النتيجة – التي يعتبر حزب الله أنها تمثل له تهديدا وجوديا مباشرا- هي الانضمام إلى الساحة السياسية واكتساب سلطة سياسية كافية لنقض أي تفاهم مع إسرائيل في المستقبل.
فرصة التغيير في البنية السياسية – “انفتاح” النظام السياسي
أدت التغيرات الكبيرة في البيئة السياسية إلى تولد فرص بدورها دفعت إلى تهيئة ظروف خارجية دعمت إعادة التنظيم الاستراتيجي لحزب الله. وقد زادت هذه التعديلات الهيكلية في ذات الوقت من “انفتاح” النظام السياسي، ووفرت حافزا للمشاركة في الانتخابات، كما زادت من تكاليف الكفاح المسلح.
أدى التصديق على اتفاق الطائف -المعروف رسميا باسم وثيقة الوفاق الوطني[34]– عقب الحرب إلى تحسينات ملحوظة في النظام السياسي.
- أولا، أتاح اتفاق السلام عودة الانتخابات، مما مكن من إحداث تغيير حقيقي بعد أكثر من خمسة عشر عاما من الجمود السياسي.
- ثانيا، ضمن الاتفاق مستوى معينا من الاستقرار، حيث أن الوجود العسكري والسياسي السوري الضخم الذي أُدخل إلى لبنان لمراقبة اتفاق السلام والحفاظ عليه ساعد على الحد من التقلبات السياسية، مما أسفر عن حوافز حقيقية لحزب الله دفعته للنظر إلى المشاركة في المؤسسات السياسية كاستراتيجية ملائمة سياسيا.
وعلاوة على ذلك، شكلت الوصاية السورية فرصة إضافية من وجهه نظر حزب الله، حيث عملت سوريا في الواقع على موازنة قوة الطائفة المسيحية المارونية، وضمان عدم إقصاء الجناح المسلح لحزب الله أو إجباره على نزع أسلحته، وبالتالي قلل هذا الأمر من تكاليف المشاركة السياسية، بينما تركت للحزب حافزا ضئيلا للاختيار بين أنشطته السياسية وعملياته العسكرية[35].
الطريقة الثانية التي جعل من خلالها اتفاق الطائف النظام السياسي أكثر سماحية لوصول حزب الله إليه، هي تعديل بنية النظام الانتخابي، وعلى الرغم من أن اتفاق الطائف لم يلغ الأساس الطائفي للنظام السياسي اللبناني، إلا أنه عدله بشكل كبير فتح الباب أمام المشاركة السياسية للطائفة الشيعية.
وفي الحقيقة، ساوى اتفاق الطائف بين نسبة المقاعد المخصصة للممثلين المسلمين والمسيحيين، ورفع عدد النواب إلى 128 نائبا، ووزع مقاعد المسلمين بالتساوي بين المرشحين السنة والشيعة، كما حافظ اتفاق الطائف على توزيع المناصب العليا على أساس طائفي، حيث كرسي الرئاسة للطائفة المارونية، ومنصب رئاسة الوزراء للسنة، ومنصب رئيس مجلس النواب للشيعة[36]. ومع ذلك، ومن خلال تعزيز وزيادة دور واستقلالية رئيس المجلس النيابي، ساهم الاتفاق بشكل هامشي في تمكين الطائفة الشيعية[37]. وقد قدمت هذه التحولات الاستراتيجية حافزًا لحزب الله اللبناني لإنشاء جناح سياسي وخوض الانتخابات عام 1992.
التغيرات في الالتزام الداخلي- استراتيجية الجماعة وخطابها للتنافس بشكل أكثر فعالية في الانتخابات
إن قرار إنشاء جناح سياسي كان مدفوعا بالتزام داخلي بإصلاح الحزب – والذي تبناه أولا الأمين العام الثاني لحزب الله (مايو 1991- فبراير 1992) السيد عباس موسوي[38]. وكان قرار حزب الله بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية 1992 نتاج لصراع داخلي طويل بين اثنين من الكوادر القيادية المختلفين بالحزب، وفي النهاية أدى إلى حدوث انشقاق في الحزب وطرد الطرف الخاسر.
إن عباس الموسوي وزعماء حزب الله الذين خططوا للمشاركة في المؤسسات السياسية اللبنانية في ذلك الوقت، انخرطوا في خلاف حاد مع مجموعة أخرى من القادة بقيادة الأمين العام الأول للحزب صبحي الطفيلي[39]. حيث رفض الطفيلي خيار الانضمام إلى النظام السياسي، وفسر هذا القرار بأنه علامة على تخلي الحزب عن خطه الثوري[40]. وعلى الجانب الآخر، حبذ الموسوي المشاركة السياسية المباشرة، واعتمد على مصدرين رئيسيين خارج حزب الله لإضفاء الشرعية على موقفه، وهما:
- القيادة الإيرانية الأكثر براجماتية بعد الخميني، والتي دعمت المشاركة السياسية لحليفها الشيعي اللبناني.
- من داخل لبنان، آية الله محمد حسين فضل الله، الذي كان صريحا للغاية فيما يتعلق بضرورة تركيز المجتمع الشيعي على التكامل السياسي حيث قال فضل الله: “مثل كل الثورات، بما فيها الثورة الفرنسية، لم يكن للثورة الإسلامية مسار واقعي”، مضيفا أن الهدف الجديد يجب أن يكون “تطبيع العلاقات مع بقية العالم[41].
وفي النهاية، ومن أجل تحديد ما إذا كان حزب الله سيشارك في انتخابات 1992 أم لا، قرر الحزب إنشاء لجنة من 12 عضوا من القادة – من بينهم الطفيلي وموسوي ونصر الله لمناقشة المسألة والتصويت عليها بحيث تُقدم توصية اللجنة لاحقا إلى المرشد الأعلى لإيران للحصول على موافقته النهائية[42]. وبعد الموازنة بين جميع مزايا وعيوب المشاركة في الانتخابات، وبأغلبية ساحقة بتصويت عشرة إلى اثنين خلص القادة إلى أن الاشتراك في النظام السياسي يمكن أن يكون وسيله لتعزيز المقاومة[43]. ووافقوا على إنشاء جناح سياسي.
وقُدمت هذه الاستنتاجات بعد ذلك إلى المرشد الإيراني على خامنئي الذي وافق على قرار اللجنة، وأعطى الضوء الأخضر للمشاركة في الانتخابات البرلمانية. وبناء على ذلك أنشأ الحزب لجنة برلمانية يشرف عليها مجلس شورى الحزب والأمين العام، للتأكد من أن الجناح العسكري فضلا عن الجناح السياسي للحزب الذي تأسس حديثا سيكون تحت سيطرة نفس القادة.
وبمجرد اتخاذ هذا القرار، مكن الهيكل التنظيمي المحكم والهرمي لحزب الله من فرض القرار على كل الوحدات الداخلية. كما وتم تهميش الأصوات المتبقية المعارضة ومن ثم جرى استبعادها: فتم تجريد الطفيلي من مناصبه وفصله مع العديد من القادة العسكريين الذين ساندوه في جنوب لبنان، وحل محلهم عسكريون موالون للأمين العام الجديد حسن نصرالله[44]، ولو لم يتم إسكات تلك الأصوات المعارضة في مرحلة مبكرة، لدخل الجهاز العسكري لحزب الله وجناحه السياسي في حالة تنافس وصراع بدلا من التعاون والتكامل الاستراتيجي.
وعلاوة على ذلك، ومن أجل التنافس في الانتخابات خضع حزب الله لسلسلة من التغييرات الجوهرية، وكيّف خطابه السياسي ليتلاءم مع دوره الجديد كحزب سياسي. ومن هذه التغييرات: شروع الحزب في تنفيذ استراتيجية تنفذها العلامات التجارية الكبيرة من أجل صقل صورته الخارجية، وتنعيم أظافره الاسلامية والإيرانية، وجذب الناخبين بشكل أكبر.
ولكي يتمكن الحزب من تنفيذ هذا التحول، كان عليه أن يُكف علنا عن الترويج لهدفه المتمثل في إقامة دولة اسلامية في لبنان، والتشديد بدلا من ذلك على عدم نشر الإسلام عن طريق الإكراه [45]. وفي الأشهر التي سبقت الانتخابات، سار الأمين العام على هذا الخط بدقة في العديد من البيانات والمقابلات، وأصر على ذلك بقوله: “لم نقل أبدًا أننا نريد بناء هوية إسلامية من خلال الاضطهاد والإكراه على أي مستوى. يجب ألا تُبنى الحكومة الإسلامية على القمع والإكراه “[46]. والأهم من ذلك، كان على حزب الله أن يقنع الشعب اللبناني بهويته الوطنية والعربية، وأن يدحض صورة كونه “وكيلا لإيران” في تحول صارخ عن مرحلته الثورية قبل 1992[47].
وبالإضافة إلى محاولة تغيير الانطباع العام للشعب، استثمر حزب الله أيضًا في حملة انتخابية واسعة النطاق تركز على قضايا معينة، ويمثل ذلك علامة أخرى على التزام الحزب بالتغيير ووضع استراتيجية انتخابية وحملات انتخابية فعالة، فدعا إلى تحسين الرعاية الاجتماعية وتحقيق العدالة المجتمعية، فضلا عن طرحه لبرامج تختص بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية – وهو الموقف الذي كفل دعم المجتمع الشيعي المهمش وغير النامي بشكل عام.
باختصار، يبدو أن تحليل قرار حزب الله بإنشاء جناح سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية عام 1992 يؤكد الفرضية القائلة بأن قرار الجماعات المسلحة بالاستثمار في المؤسسات السياسية يعكس التفاعل بين أربعة عوامل رئيسية: درجة المؤسسية والضغط المرتبط بها للتمدد، وضغط توفير موارد التعبئة، والتغيرات الكبيرة في فرص “الانفتاح” في المنظومة السياسية، والالتزام الداخلي الكبير بإصلاح التنظيم.
ويتناول القسم التالي التطور السياسي لحزب الله في أعقاب قرار المشاركة الكاملة في النظام السياسي، ويركز على العلاقة بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب، وعلى مدى تأثير الأنشطة العسكرية على التطور السياسي للحزب.
فهم تطور الجناح السياسي للجماعات المسلحة: 1992-2009 صعود حزب الله سياسيا على الصعيد المحلي
النشاط السياسي المبكر: 1992 – 2005:
لفهم كيف عزز حزب الله جهازه السياسي وكيف أثرت المشاركة السياسية المتزايدة على النشاطات الأخرى له، فمن الضروري النظر عن كثب في التطور السياسي للحزب. ويتمثل مفتاح هذا التحليل في تحديد كيف تغيرت العلاقة بين الجناحين العسكري والسياسي، وما إذا كان ميزان القوى الداخلي بين الجناحين قد تغير بشكل كبير من عام 1992 إلى 2009.
كان عام 1992 عامًا فاصلاً للحزب، وكما ذُكر في التحليل بالقسم السابق، أعاد حزب الله هيكلة استراتيجيته السياسية وخطابه للمنافسة بشكل أكثر فاعلية في الانتخابات البرلمانية المحلية. وبسبب هذا التخطيط اللوجستي والاستراتيجي الدقيق، حاز الحزب على ثمانية مقاعد من أصل سبعة وعشرين مقعدًا برلمانياً مخصصًا للطائفة الشيعية في انتخابات 1992؛ بينما فاز أربعة متعاطفين مستقلين بأربعة مقاعد إضافية[48].
ومع انضمام حزب الله إلى البرلمان اللبناني، حافظ على سمعته باعتباره “حزب مقاومة”. فكان في الواقع، هو التشكيل السياسي اللبناني الوحيد الذي عارض ترشيح الزعيم السني رفيق الحريري لمنصب رئيس الوزراء. والحزب الوحيد الذي رفض الانضمام إلى الحكومة أو منح حكومة الحريري الثقة، وعلى العكس من ذلك هاجم حزب الله البرنامج السياسي للحريري لأنه لم يقر لحزب الله “بحق المقاومة”[49].
وهكذا، على الرغم من الانضمام إلى النظام السياسي، ووصف نفسه كحركة اجتماعية لبنانية وعربية، فإن الحزب لم يتخل عن أهدافه العسكرية والمقاومة. وقد تحدث الأمين العام للحزب حسن نصر الله مباشرة بعد الانتخابات، فأوضح أن هدف حزب الله على المدى الطويل لم يتغير: “كنا، وسنكون دائما، حزب المقاومة التي تنطلق من لبنان. . . . مشاركتنا في الانتخابات. . . لا تغير حقيقة أننا حزب مقاومة؛ في الواقع، سنعمل على تحويل لبنان كله إلى دولة مقاومة، والحالة إلى حالة مقاومة”[50].
علاوة على ذلك، لا ينبغي تفسير قرار الحزب بالمشاركة في المؤسسات السياسية على أنها علامة على تقديمه لدعم أعمى للمؤسسات السياسية اللبنانية. فعلى وجه التحديد، ظل حزب الله حتى بعد مشاركته في الانتخابات البرلمانية ينتقد بشدة اتفاق الطائف، حيث كان رأي الحزب فيه أنه “لا يمكن أن يقبل تحويله إلى دستور للبلاد، خاصة لأنه يكرس الطائفية، والتي كانت مجرد تقليد في الماضي لكنها بعد “الطائف” أصبحت مكرسة في الدستور”[51].
ومن ثم فإن موقف حزب الله فيما يتعلق بالمشاركة في النظام السياسي أملته في الغالب براغماتية الحزب وليس تحوله الأيديولوجي. وكما أوضح نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم فإن “المشاركة في الانتخابات البرلمانية هي تعبير عن المشاركة في بنية سياسية قائمة، كون البرلمان أحد أركان النظام. ومع ذلك، فهي لا تمثل التزاما بالحفاظ على بنية النظام كما هي، أو تتطلب الدفاع عن أوجه القصور والعيوب في النظام”[52].
تسلط السنوات بين عامي 1992 و2000 مزيدا من الضوء على استراتيجية ما بعد الحرب الأهلية، وسلوك حزب الله كتنظيم سياسي – عسكري مختلطة.
فمن جهة، خلال تلك الفترة زاد اندماج الحزب داخل النظام السياسي. وبلغ الاندماج ذروته بعد قرار الحزب بالمشاركة في الانتخابات البلدية لعام 1998. ومن ناحية أخرى، استمرت الأنشطة العسكرية لحزب الله طوال هذه السنوات بغض النظر عن الأجندة السياسية للحزب، وبدون التشاور مع أو إشراك أي جهة سياسية وطنية أخرى.
ففي لبنان ما بعد الطائف، كان حزب الله في الواقع الجماعة المسلحة الوحيدة التي لم يتم تفكيكها وفقًا لبنود الاتفاقية، بل على العكس من ذلك زاد حزب الله من أنشطته العسكرية وأصبح المقاوم الرئيسي للاحتلال الإسرائيلي داخل المنطقة المحتلة – وهي منطقة كانت تشكل حوالي 10% من أراضي لبنان-[53]. ولم تُعتبر هذه الأنشطة انتهاكًا لاتفاق الطائف، حيث ادعي حزب الله بأنه تنظيم “مقاوم” وليس ميليشيا، وهو تفسير دعمته سوريا وحظي بتأييد كبير على الصعيد المحلي. وهذا ما يؤكد على أن الحزب سيتولى دورا وطنيا على المدى الطويل. حيث حل الحزب محل الجيش اللبناني في الجنوب.
منذ مطلع التسعينات، أعلن حزب الله مرارًا عن عزمه على فرض سيطرته في جنوب لبنان حتى يتمكن من تنفيذ عمليات “المقاومة” بشكل أكثر فعالية. ورفض بشدة جميع المحاولات التي بذلتها الحكومة المنتخبة للتدخل في أعماله العسكرية. حيث تم تلخيص هذا الموقف في بيان أدلى به نصر الله عام 1996 قائلا “نعتقد أنه إذا كانت المقاومة تعتمد على السلطة السياسية للدولة، فلن تكون هناك مقاومة على الأرض إطلاقا، لأن المقاومة ستكون ببساطة مقاومة شكلية أي اسما فقط، وسيكون غرضها دعائي بدلاً من أن تكون مقاومة حقيقية وجادة ومؤثرة”[54].
هذا الرفض لوجود أي كبح خارجي لأنشطته العسكرية، أكد أن حزب الله لا يلعب بنفس القواعد التي تتبعها الأحزاب السياسية اللبنانية الأخرى. وخلال هذه الفترة واصل حزب الله هجماته العسكرية ضد إسرائيل عبر تنفيذه لعمليات تقليدية وشن حرب عصابات وعمليات “استشهادية”، وركز على جذب العدو داخل المنطقة الأمنية الخاضعة لسيطرة إسرائيل[55]. ولكن لم تظل العمليات القتالية محصورة في ساحة المعركة وحدها، ففي وقت مبكر من صيف عام 1993 قوبلت هجمات حزب الله داخل المنطقة الأمنية بهجمات إسرائيلية مضادة في جنوب لبنان استهدفت عناصر حزب الله مما زاد من حدة التوتر[56].
وقد لفتت حملة “تصفية الحساب” الإسرائيلية التي استمرت سبعة أيام عام 1993 انتباه الحكومة اللبنانية المنتخبة حديثا إلى أن الأجندة العسكرية المستقلة لحزب الله تمثل تحديا لسيادتها، وليس من المستغرب عدم تفاعل رئيس الوزراء الحريري بحماس مع التصعيد العسكري لحزب الله، بل ذهب الحريري إلى حد حرمان الحزب من حق التجمع في بيروت دعما للحرب وضد مفاوضات أوسلو الجارية آنذاك[57].
وفي النهاية وافقت إسرائيل وحزب الله بوساطة السوريين والأمريكيين على تفاهم غير مكتوب وهش ألزم كلا الطرفين بوقف الهجمات على مناطق بعضهما البعض المدنية[58]. ولم يدم هذا الوضع طويلاً، حيث أدت الهجمات المتكررة لحزب الله في المنطقة الأمنية إلى قيام الجيش الإسرائيلي بشن هجوم آخر واسع النطاق على لبنان في عام 1996 على غرار عملية “تصفية الحساب”، حيث خلفت العملية العسكرية الجديدة المسماة “عناقيد الغضب”[59] أضرارا جسيمة ومعاناة للمدنيين ولكنها أخفقت في القضاء على الحزب الشيعي[60].
وقد أدى هذا الاشتباك العسكري الثاني بين إسرائيل وحزب الله إلى عقد اتفاق مكتوب ألزم مرة أخرى الطرفين بوقف شن هجمات على المدنيين، مع ضمان “حقهما في الدفاع عن النفس”[61]. وعلى الرغم من أن الشعب اللبناني كان يدعم حزب الله إلى حد كبير خلال الحرب – في الغالب كرد فعل على هجمات الجيش الإسرائيلي المكثفة على لبنان[62] – إلا أن الخلافات بين الحكومة والحزب الشيعي عادت إلى الظهور، حيث زادت عدم رغبة الحكومة في عدم السماح باستقلالية حزب الله وسلطته، فبدأت الحكومة في مناقشة كيفية كبح النفوذ العسكري للحزب كما اتهمته باحتكار “المقاومة” والفشل في إشراك بقية المكونات اللبنانية في الصراع[63].
تشير حرب حزب الله المحدودة لكن المتواصلة ضد إسرائيل إلى أن جناحيه السياسي والعسكري قد تطورا بالتوازي، فبينما سعى الحزب لتعزيز صورة عامة عن امتلاكه هويتين منفصلتين، ظل كلا الجناحين تحت سيطرة نفس القادة، وأُكد حسن نصرالله هذه الاستراتيجية في مقابلة أجريت معه عام 1999 بقوله: “في الواقع أي زيادة أو تخفيض في عدد عمليات المقاومة ليس مرهونا بقرار سياسي، بل يحدده الوضع على الأرض”[64].
أعيد تشكيل البيئة الأمنية لحزب الله بشكل كبير بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في 24 مايو 2000. فمن وجهة نظر الحزب، مثل هذا الحدث سيفا ذا حدين، فمن ناحية تمكن الحزب من ربط الانسحاب الإسرائيلي غير المشروط والأحادي الجانب بحرب الاستنزاف التي شنها ضد الجيش الإسرائيلي. وبذلك اكتسب الحزب اعتبارا وشرعية محلية إضافية. ومن ناحية أخرى، فمن المحتمل أن يؤدي الاختفاء المفاجئ للمحتلين الإسرائيليين من جنوب لبنان إلى إزالة السبب الرئيسي لوجود الجناح المسلح للحزب. ففي الأعوام ما بين عامي 2000 و2005 أبدى معارضو حزب الله استياء متزايدا من ميلشياته المسلحة، واتهموه باحتكار المقاومة والعمل دون النظر إلى الأطراف السياسية اللبنانية الأخرى، وبأنه “دولة داخل الدولة”. وتمثلت حجتهم في أنه على ضوء الانسحاب الإسرائيلي قد يكون من الأفضل أن ينزع الحزب أسلحته في نهاية المطاف[65].
واستجابة لهذا التهديد الوجودي المحتمل لجهازه العسكري، دعا حزب الله جناحيه السياسي والعسكري لمواجهة هذا التحدي أيديولوجيا وعسكريا وسياسيا. فمن الناحية الأيديولوجية، شرع الحزب في حملة إعلامية واسعة النطاق قال خلالها أن الانسحاب الإسرائيلي ما كان ليحدث لولا المقاومة، وأكد أن المقاومة المسلحة ضد الدولة اليهودية يجب أن تستمر[66]. وبالإضافة ذلك، قال الحزب إن الانسحاب الإسرائيلي لم يكتمل، مضيفا أن منطقة مزارع شبعا ملك للبنان[67]. ومن الناحية العسكرية، ولإثبات أهميته وفعاليته، ظل الجناح العسكري لحزب الله بقوم بهجمات محدودة يقتصر معظمها على منطقة مزارع شبعا[68].
ومن الناحية السياسية، بدأ حزب الله في شن حملات أكثر صراحة لدعم الوضع الراهن، متهماً السياسيين المنتقدين للوجود السوري في لبنان بالعمل ضد مصلحة الوطن[69]. وقد أعلن الأمين العام حسن نصر الله أن “أسلحة لبنان هي للدفاع عن أرض لبنان … وسيظل لبنان دولة موحدة بجميع مؤسساتها. كما أن لبنان في وحدة وتحالف وطني مع سوريا التي تتحمل قواتها في لبنان العديد من الأعباء والمخاطر ولاسيما في المرحلة الحالية”[70].
أصبحت جهود الحزب أكثر أهمية بعد اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 1559 في 2 سبتمبر 2004، والذي يدعو إلى نزع سلاح جميع الميليشيات داخل لبنان لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وسحب جميع القوات الأجنبية من الأراضي اللبنانية[71]. ورداً على ذلك اعترض حزب الله على الدعوات المطالبة بانسحاب سوريا من لبنان، مضيفًا أن الحزب يقف إلى جانب “سوريا الشقيقة تحت قيادة الرئيس بشار الأسد في وجه كل الضغوط التي تتعرض لها”[72].
وعلاوة على ذلك، وفي حين كان حزب الله يشن حملة واسعة لحماية الوجود السوري داخل لبنان، فقد عكس أيضا من سياسته المتمثلة في الفصل بين جناحيه العسكري السياسي، حيث استخدم الجناح السياسي بشكل أكثر صراحة للدفاع عن امتلاك الحزب للسلاح، وشرع في استخدام جناحه السياسي لعرقلة المحاولات الرامية إلى إفشال الأنشطة العسكرية، في حين استمرت وحدات المقاومة في العمل دون اعتبار لأجندة الحكومة السياسية.
فعلى سبيل المثال، وبينما كان رئيس الوزراء الحريري يقوم بزيارة دبلوماسية مهمة لفرنسا وكان يطمئن الأوروبيين قائلا “الحقيقة هي أننا نريد السلام حقًا. . . وحتى الآن وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان، تصرف حزب الله بشكل جيد”[73]، في ذلك الوقت قرر حزب الله القيام بعملية عسكرية في مزارع شبعا؛ ولم تسفر العملية عن مقتل جندي إسرائيلي فحسب، بل أصابت مصداقية رفيق الحريري الدولية[74].
وقد أدت هذه الأحداث إلى جدل داخلي محتدم حول “مقاومة” حزب الله وحقه في التدخل في العملية السياسية. فعلى الرغم من أن الحريري عبر علنا عن دعمه لحزب نصر الله، إلا أنه حذر من أنه لا ينبغي لأي حزب احتكار المقاومة أو أن يدعي منفردا مسؤوليته عن حدوث الانسحاب الإسرائيلي النهائي[75].
حزب الله كحزب سياسي رئيسي: 2000-2010
كان انسحاب سوريا من لبنان في أبريل 2005 ضربة قوية أخرى لوضع حزب الله محليا، فخلال شهور المظاهرات الحاشدة المناهضة لسوريا التي نظمها تحالف “14 آذار” في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، حاول حزب الله وحركة أمل والجماعات الأخرى الموالية لسوريا (التي أصبح يشار إليها بعد تنظيمها لمظاهرة ضخمة في 8 مارس 2005 باسم “قوى 8 آذار”) عرقلة الانسحاب، لكن في النهاية لم تكن هذه الجهود المنسقة كافية. وكانت قوى “ثورة الأرز” المدعومة من المجتمع الدولي قادرة على طرد سوريا من لبنان في 26 أبريل 2005[76].
وبقدر ما كان الانسحاب الإسرائيلي يشكك في مهمة حزب الله وصوابية أهدافه، فإن الخروج السريع للسوريين عرض الحزب لخطر انهيار استراتيجيته السياسية بالكامل.
وصولا إلى إبريل 2005، وعلى الرغم من انضمامه إلى النظام السياسي، ظل حزب الله دخيلا باتخاذه موقف المعارضة والخصم للسلطة التنفيذية للحكومة. ومع ذلك، فقد كانت هذه الاستراتيجية مبنية على حذر السوريين ومراقبتهم المستمرة للمشهد اللبناني لمنع أي فاعل سياسي من امتلاك السلطة اللازمة لاتخاذ قرارات يمكن أن تؤثر سلبا على “المقاومة”. وعندما انهار هذا النموذج في إبريل 2005، اضطر حزب الله إلى الاقتراب خطوة واحدة نحو أن يصبح حزبا سياسيا تقليديا، وذلك بالانضمام إلى الحكومة التنفيذية، فانضم أولا إلى حكومة نجيب ميقاتي المؤقتة (من إبريل إلى يوليو 2005) ثم انضم إلى حكومة فؤاد السنيورة التي تشكلت بعد الانتخابات البرلمانية عام 2005[77].
ونظرا لأن البيئة الأمنية أصبحت أكثر عدائية فجأة، زاد الحزب من مشاركته السياسية لكي يدافع بشكل أقوى عن جهازه العسكري. وبذلك أصبحت أنشطة الجناح السياسي أكثر تداخلا مع أنشطة الجناح المسلح وذلك نتيجة للانسحاب السوري.
في الحقيقة، وبعد سنوات من الوصاية السورية، أصبح الجناح السياسي أكثر نشاطا، وأكثر صخبا، وأكثر عدوانية في الحفاظ على المصالح الاستراتيجية للمقاومة ومعالجة لما يعتبره حزب الله تهديدا خطيرا. وكما أوضح الأمين العام حسن نصرالله بعد شهر فقط من الانسحاب السوري: “سنحارب أي شخص يحاول نزع سلاح المقاومة بالطريقة التي حارب بها شهداؤنا في كربلاء”[78].
قرأ العديد من المحللين هذا التطور كتأكيد على أن الحزب دخل مرحلة “الاعتدال النهائي”، لكن هذا التفسير لا يأخذ في الاعتبار الأسباب الكامنة وراء زيادة مشاركة حزب الله في النظام السياسي، والأهم من ذلك أنه فشل في إيلاء الاهتمام اللازم بسلوك حزب الله بعد مغادرة السوريين.
في الواقع، لم يتوقف جناح حزب الله العسكري عن العمل في فترة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان. وعندما تصاعدت الأعمال العدائية – بعد اختطاف الحزب لجنديين إسرائيليين وقتل ثمانية آخرين في 12 يوليو 2006 [79]– بين الطرفين إلى حرب استمرت أربعة وثلاثين يومًا[80]، أظهر أحزب الله أن اندماجه السياسي لم يكن على حساب جناحه العسكري. بل في الواقع، أظهرت حرب يوليو 2006 أن الحزب طور من قدراته العسكرية، حيث تحولت من قدرات ميليشيا غير تقليدية إلى جيش للمقاومة أو “جيش بلا دولة”[81].
كان لمواجهات يوليو 2006 تداعيات سياسية كبيرة – قصيرة الأجل – على دور الحزب واستراتيجيته داخل لبنان. فعلى وجه التحديد، في أعقاب الحرب بدأ العديد من السياسيين داخل لبنان مجددا يشككون علنا في حق حزب الله في حيازة السلاح[82].
واستجابة لتلك الأحداث، تحول حزب الله سريعا لجناحه السياسي لضبط توازن القوى الحالي ومنع خصومه السياسيين من مواصلة الضغط على جهازه العسكري. ولذلك كثف الحزب نشاطه السياسي بدءاً بتنظيمه سلسلة من المظاهرات السياسية لإجبار الحكومة المنتخبة على التنحي لصالح “حكومة وحدة وطنية”[83]. وكشفت هذه الخطوة عن الهدف الحقيقي لحزب الله وهو الحصول على حق النقض في الحكومة لمنع أي قرار من شأنه أن يضر بمصالحه العسكرية[84].
أدت المقاطعة السياسية للحكومة المنتخبة إلى شلل في الحكومة اللبنانية من نوفمبر 2006 إلى مايو 2008، وتصاعدت الأزمة في نهاية المطاف لتتطور من شكل الاحتجاجات السلمية إلى المواجهات المسلحة عندما حاولت الحكومة عزل وفيق شقير من منصبه كقائد للأمن في مطار الحريري الدولي، والذي كان متعاطفا مع حزب الله، وإغلاق شبكة اتصالات حزب الله. حيث اعتبر الحزب أن هذه الأفعال بمثابة إعلان حرب عليه.
وفي 7 مايو 2008، أرسل حزب الله مسلحيه للاستيلاء على المناطق السنية في غرب بيروت مما أدى إلى سلسلة من الاشتباكات الدموية بين مختلف المجموعات الطائفية، وشهد لبنان أسوأ حوادث عنف منذ الحرب الأهلية[85].
أظهرت أحداث مايو 2008 كيف أن المشاركة السياسية لحزب الله، إلى جانب قبوله “لقواعد اللعبة” مشروط بالحفاظ على مصالحه العسكرية الأساسية، وأن الحزب عندما يرى تهديداً لجهازه العسكري فإنه لا يتردد في التخلي عن منطق التسوية السياسية.
تم عقد جولة من المفاوضات في العاصمة القطرية في الفترة من 16 مايو إلى 21 مايو 2008. وعلى إثر ذلك، انتهت الأزمة حيث اتفقت أطراف المعارضة على تشكيل حكومة وحدة وطنية تمنح حزب الله حق النقض الذي كان يطالب به منذ خريف عام 2006- عبر سيطرته على ثلث الوزرات – وإصلاح قانون الانتخابات، وبدء عملية المصالحة الوطنية، كما أدان المجتمعون استخدام القوة لحل الخلافات السياسية الداخلية[86].
وفي أعقاب اتفاق الدوحة والانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو 2009، ظل حزب الله يركز استراتيجيته السياسية على الاحتفاظ بحقه في نقض قرارات الحكومة لمنع الهجمات على “المقاومة”، بينما في الجانب العسكري، تمثلت أولوية الحزب آنذاك في إعادة تجميع القوات وتسليحها بشكل استراتيجي.
تركز الاستراتيجية السياسية الحالية للحزب – كما يتضح من وثيقته الصادرة في نوفمبر 2009[87]– على تعظيم دوره وتأثيره في لبنان، حيث أكدت الوثيقة أن “الديمقراطية التوافقية ستبقى القاعدة الأساسية للحكم في لبنان”[88]. ومن المهم وضع هذه الجملة في سياقها الصحيح، وربطها بمعارضة حزب الله التاريخية للنظام الطائفي الذي يعود إلى ما قبل الحرب الأهلية ويشكل في الأصل عقبة مهمة أمام قبول الحزب لاتفاق الطائف.
على مدار السنوات التالية حافظ الحزب على نفس الموقف فيما يتعلق بالطبيعة الطائفية للسياسة اللبنانية، وحتى في وثيقته لعام 2009، أكد الحزب ذلك للمرة الثانية بقوله: “المشكلة الرئيسية التي تمنع إصلاح وتطوير النظام السياسي اللبناني هي الطائفية السياسية”[89].
ومع ذلك، حتى إذا كان تحليل اقتراح حزب الله المتمثل في إنشاء نموذج توافقي في سياق الجهود التاريخية للحزب لتجاوز الطائفية، فإن البيان لا يزال هاما بشكل خاص حيث يُظهر أن حزب الله يزيد من مشاركته السياسية ويؤكد على حقوقه باعتباره لاعبًا سياسيًا رئيسيًا. وفي الواقع، سلط حزب الله الضوء على عزمه على المطالبة بمزيد من السلطة في صناعة القرار في إشارة إلى الحكومة المنتخبة بعزمه على التشاور والمشاركة على جميع المستويات في العملية السياسية.
في الوقت نفسه، كان الحزب صريحا بالكامل بشأن نواياه لمنع الحكومة من مناقشة ملف المقاومة، حيث حذر الزعيم البرلماني لحزب الله – محمد رعد – من أن الأزمة السياسية ستتفاقم إذا أصرت الحكومة على التركيز على أسلحة حزب الله [90].
وذكر نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم أيضا أن “هذه الأسلحة مرتبطة بالمقاومة، وأن المقاومة مرتبطة بالحوار، ويتطلب الحوار اتفاقا بين الأطراف، وبالتالي فإن هذه المسألة لا ترتبط بنتائج الانتخابات البرلمانية”[91]. وبالمثل، نصت الوثيقة السياسية للحزب في عام 2009 على رفض فكرة نزع السلاح، ورفض خيار إدماج جهاز حزب الله العسكري في الجيش اللبناني[92].
وباختصار، يظهر التطور السياسي للحزب أن جناحيه العسكري والسياسي قد تعاونا بشكل إيجابي مع بعضهما البعض وأكمل بعضمها بعضا من الناحية الاستراتيجية، فكلاهما استرشدا بنفس القيادة الموحدة ذات المنحى التوافقي. ومنذ عام 1992 أصبح الجناح السياسي لحزب الله مندمجا بشكل رسمي في النظام السياسي اللبناني أولا على المستويين التشريعي والمحلي وبعد ذلك كجزء من الحكومة التنفيذية أيضا. ومن ناحية أخرى، اتسمت وظيفة حزب الله كحزب معارض باستراتيجية واضحة: استخدام جميع الأدوات السياسية الحالية لضمان وحماية أسلحة الحزب وجهازه العسكري. وفي موازاة ذلك، نما الجناح العسكري للحزب من حيث الحجم والأهمية حيث تحول من ميليشيا طائفية صغيرة إلى جيش بحكم الأمر الواقع له أهمية إقليمية.
ومن المفارقات، أنه مع تحرك الجناح السياسي لحزب الله نحو الشرعية كجزء من الحكومة الوطنية، فقد لعب أيضًا دورا أكثر أهمية كضامن للجناح العسكري، مما جعل علاقة التكامل الاستراتيجي القائمة أقوى بالفعل. ولأن الجناحين يعملان في تناغم تام، يقوم الحزب بالتناوب ما بين الاعتدال والمشاركة في المؤسسات السياسية وتنفيذ موجات من المواجهة المسلحة والاحتجاجات.
ملخص النتائج
بناءً على الإطار النظري الذي تم تقديمه في بداية الدراسة، بحث الجزء الأول من دراسة الحالة في قرار حزب الله تشكيل جناح سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية عام 1992، وحلل العوامل التي أدت إلى هذا التطور التنظيمي الهام. ويؤكد التحليل أن النظرية القائلة بأن قرار الجماعات المسلحة بالاستثمار في المؤسسات السياسية يعكس التفاعل بين أربعة عوامل رئيسية، وهي: درجة المؤسسية والضغط المرتبط بها للتمدد، وضغط توفير موارد التعبئة، وفرص “الانفتاح” في النظام السياسي، والالتزام الداخلي الكبير بإصلاح الجماعة.
- أولا، في الوقت الذي انتهت فيه الحرب الأهلية اللبنانية أواخر الثمانينات، تحول حزب الله بالكامل من ميليشيا طائفية هامشية ضعيفة التنظيم إلى تنظيم ذا بنية رفيعة ومتطورة وخاضع لسيطرة محكمة. وبالتالي بدأ يواجه ضغوطا مؤسسية لتعزيز سلطته ووضعه وكذلك للتمدد والنمو. وفي الوقت نفسه دفعت أيضا الظروف السياسية المتغيرة داخل لبنان والمنافسة الداخلية المتصاعدة مع الممثل السياسي الشيعي اللبناني الآخر – حركة أمل- حزب الله إلى إيجاد حيز لإعادة تأكيد استقلاليته وشرعيته.
- ثانيا، في عام 1992 استغل حزب الله انفتاح النظام السياسي الذي أوجده انتهاء الحرب الأهلية، وتوقيع اتفاق الطائف، والعودة التدريجية للحياة السياسية في لبنان، والتي تميزت باستئناف الدورات الانتخابية وتطبيق الإصلاحات الانتخابية التي ساوت بين عدد مقاعد المسلمين والمسيحيين.
وفي الوقت نفسه، كان قرار الاستثمار في المؤسسات السياسية أيضا نتيجة ثانوية لسلسلة من العوامل الخارجية، وفي مقدمتها التغيير المؤقت لتوجه السياسة الخارجية الإيرانية في أعقاب وفاة الخميني، والذي أدى إلى انخفاض الدعم المادي والمالي المقدم من طهران إلى حزب الله مما دفع الحزب للتركيز على تنويع مصادر تمويله ونطاق أنشطته، وساهم في إنشاء جناح سياسي.
إن التفاعل بين هذه العوامل التنظيمية والمؤسسية والخارجية بالإضافة إلى الالتزام الداخلي الكبير بالتغيير، دفع حزب الله إلى إنشاء جناح سياسي للمشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 1992.
درس الجزء الثاني من البحث، العلاقة بين الجناحين السياسي والمسلح للحزب، واختبر الفرضية القائلة بأن توزيع السلطة الداخلية ونوع العلاقة القائمة بين الجناحين السياسي والعسكري يمثلان عاملان رئيسيان في تحديد ما إذا كانت جماعة معينة ستخضع لتغيير جذري، يؤدي في نهاية المطاف إلى التخلي عن جناحها العسكري.
مرة أخرى، اثبت نموذج حزب الله أنه حالة صالحة لاختبار هذه الفرضية، حيث يبدو أن هيكل الحزب المتماسك والمتكامل للغاية، والتعاون المستمر بين الجناحين العسكري والسياسي يؤكدان الفرضية القائلة بأنه بغض النظر عن مدى اندماج الجناح السياسي بشكل جيد في النظام السياسي ومدى قوة الدور الذي يلعبه، لن يكون لدى الجماعة أي دوافع حقيقة للتخلي عن جناحها المسلح وإعادة هيكلة استراتيجيتها إذا كانت استراتيجية الجناحين السياسي والعسكري متناغمة غير متصارعة، وكان المنطقين المؤسسين لهما غير متعارضين.
أظهر البحث كيف طوّر حزب الله أجهزته العسكرية والسياسية بشكل متناغم، فبعد دخوله البرلمان اللبناني، قدمت مشاركة حزب الله السياسية مساهمة كبيرة لـجهود المقاومة: حيث رفض الحزب المشاركة في الحكومة التنفيذية، وركز جهوده وحملاته على تعزيز مقاومته ضد إسرائيل، كما ورفض إلى حد كبير مناقشة أنشطته العسكرية حيث حافظ على استقلاله الذاتي عن الحكومة بالكامل.
تغير دور الجناح السياسي لحزب الله عام 2005، فبعد الانسحاب السوري من لبنان، أصبح نموذج المشاركة غير المباشرة لحزب الله أمر غير مجدي. فبدون السوريين الذين يضمنون عدم التشكيك في حق حزب الله في حمل السلاح وشن الحرب ضد إسرائيل، قرر الحزب تكثيف مشاركته السياسية وانضم أخيرا إلى الحكومة التنفيذية، وبذلك أصبح حزبًا سياسيًا أكثر نشاطًا وترسخًا.
وفي الوقت نفسه، أصبح الجناحان السياسي والعسكري أكثر تداخلا. وبالتالي أصبحت الجبهة السياسية لحزب الله أكثر أهمية ونشاطا في الدفاع عن الجهاز العسكري للحزب، ولم يتم تعزيز هذا الاتجاه إلا في السنوات الأخيرة، حيث حوّل حزب الله استراتيجيته السياسية من المشاركة الهامشية إلى المشاركة القوية داخل الحكومة اللبنانية، وبلغت ذروة مشاركته في تركيزه على الحفاظ على حق النقض داخل الحكومة التنفيذية حتى يتمكن من عرقلة أي قرار من شأنه أن يضر بمصالحه العسكرية.
باختصار، يرتبط نجاح حزب الله السياسي ونفوذه ارتباطا وثيقا بتطور وازدهار جهازه العسكري. وعندما تتعرض المصالح الجوهرية للجناح العسكري للتهديد، يتم استبدال منطق التسوية السياسية بشكل مؤقت بحيث يمكن استعادة التوازن الاستراتيجي بين الجناحين السياسي والعسكري. ووفقًا لذلك، يشير التعاون المستمر بين الجناحين العسكري والسياسي للحزب إلى أن حزب الله ليس لديه دافع لإجراء تغيير جذري في استراتيجيته. فلقد تعايش الجناحان السياسي والعسكري معا، وعززا بعضهما بعضا خلال العقود الماضية. وفي الوقت الحالي لا يوجد ما يشير إلى ضرورة تغيير هذه العلاقة في المستقبل القريب [93].
الهامش
[1]– أنتجت أدبيات دراسات الإرهاب سلسلة من الأعمال الجديرة بالملاحظة حول الانتقال السلمي للتنظيمات الإرهابية المسلحة السابقة. انظ.ر: سيث جونز، ومارتن ليبسكي: كيف تنتهي الجماعات الإرهابية: دروس لمواجهة القاعدة (سانتا مونيكا، كاليفورنيا: راند، 2008)؛ وأودري كورث كرونين: كيف ينتهي الإرهاب: فهم تراجع الحملات الإرهابية وزوالها (برينستون، نيو جيرسي: مطبعة جامعة برينستون، 2009)؛ وديباك غوبتا: فهم الإرهاب والعنف السياسي: دورة حياة الولادة والنمو والتحول والموت (لندن؛ نيويورك: روتليدج، 2008)؛ وجون هورغان: المشي بعيداً عن الإرهاب (لندن؛ نيويورك: روتليدج، 2009). كذلك، حول كيفية تأثير الأجنحة السياسية على قرار التخلي عن العنف، انظر كيفين سيكيرا، “الأجنحة السياسية والعصابات داخل الحركات والتنظيمات المعارضة” العدد الثاني من مجلة Conflict Resolution لعام 2005. وبروس دايتون ولويس كريسبيرج: تحول الصراع وبناء السلام: الانتقال من العنف إلى السلام المستدام (لندن؛ نيويورك: روتليد، 2009)؛.وماثيو سوبرج شوغارت: “حرب العصابات والانتخابات: منظور مؤسسي بشأن تكاليف الصراع والمنافسة، “دورية الدراسات الدولية الفصلية المجلد 6 (1992)؛ شيلي دين، “مصداقية الجريمة: مشكلة الانتقال من القوات شبه العسكرية إلى العمل البرلماني”، دورية الحرب الأهلية، المجلد 4 لعام (2008).
[2] – انظر:
The Transition from Armed Opposition to Electoral Opposition in Central America,” Latin American Politics and Society 48(4) (2006); Jeroen De Zeeu, From Soldiers to Politicians. Transforming Rebel Movements after Civil War (Boulder, CO: Lynne Rienner, 2008); Kalowatie Deonandan, David Close, and Gary Prevost, From Revolutionary Movements to Political Parties. Cases from Latin America and Africa (New York: Palgrave Macmillan, 2007).
[3] -Anisseh Van Engeland and Rachel M. Rudolph, From Terrorism to Politics (Aldershot, England; Burlington, VT: Ashgate, 2008); Leonard Weinberg, Ami Pedahzur, and Arie Perliger, Political Parties and Terrorist Groups (London; New York: Routledge, 2008).
[4] -Kevin Siqueira, “Political and Militant Wings within Dissident Movements and Organizations,” p. 219.
[5] -Angelo Panebianco, Political Parties: Organization and Power (Cambridge, UK: Cambridge University Press, 1988), pp. 17–20.
[6] – المرجع السابق.
[7] -Anthony Downs, Inside Bureaucracy (Boston: Little Brown, 1967), pp. 16–17.
[8] -Hanspeter Kriesi, “Political Context and Opportunity,” in David A. Snow, Sarah A. Soule, and Hanspeter Kriesi, eds., The Blackwell Companion to Social Movements (Malden, MA: Blackwell Publishing, 2007), p. 81.
[9] – Bert Klandermans, “Mobilization and Participation: Social-Psychological Expansions of Resource Mobilization Theory,” American Sociological Review 49(5) (1984), pp. 586–588.
[10] – Weinberg, Pedahzur, and Perliger, Political Parties and Terrorist Groups, p. 78.
[11] – Kriesi, “Political Context and Opportunity,” pp. 69–70.
[12] – Weinberg, Pedahzur, and Perliger, Political Parties and Terrorist Groups, p. 19.
[13] – Arend Lijphart, Democracies. Patterns of Majoritarian and Consensus Government in Twenty-One Countries (New Haven, CT; London: Yale University Press, 1984), pp. 23–30.
[14] – Rein Taagepera and Matthew Soberg Shugart, Seats and Votes. The Effects and Determinants of Electoral Systems (New Haven, CT; London: Yale University Press, 1989), pp. 14–15
[15] – David Brian Robertson, “The Return to History and the New Institutionalism in American Political Science,” Social Science History 17(1) (Spring 1993), p. 20.
[16] – Kriesi, Political Context and Opportunity, pp. 71–72.
[17] – Anthony, Downs, Economic Theory of Democracy (New York: Harper, 1957), pp. 128–131.
[18] – Van Engeland and Rudolph, From Terrorism to Politics, pp. 7–9, 183–185.
[19] – المصدر السابق، ص5.
[20] – David L. Phillips, From Bullets to Ballots. Violent Muslim Movements in Transition (New Brunswick, NJ; London: Transaction, 2009), p. 1; Allison, “The Transition from Armed Opposition to Electoral Opposition in Central America,” p. 139; see also Cynthia McClintock, Revolutionary Movements in Latin America: El Salvador’s FMLN and Peru’s Shining Path (Washington, DC: United States Institute of Peace Press, 1998).
[21] – Jeff Goodwin and Theda Skocpol, “Explaining Revolutions in the Contemporary Third World,” Politics Society 17(489) (1989), p. 495.
[22] – Deane, “Crime Corrupting Credibility,” p. 447; John Finn, “‘Electoral Regimes and the Proscription of Anti-Democratic Parties,” Terrorism and Political Violence 12(3) (2000), p. 53.
وللمزيد عن المناقشات حول العلاقة بين المشاركة السياسية والعنف، انظر:
Peter R Neumann, “The Bullet and the Ballot Box: The Case of the IRA,” Journal of Strategic Studies 28(6) (2005).
[23] – Robert Hislope, “Ethnic Conflict and the ‘Generosity Moment,’“ Journal of Democracy
[24] – Neumann, “The Bullet and the Ballot Box,” p. 948
[25] – للمزيد من المناقشات المعمقة حول العلاقة بين الأحزاب السياسية والمجموعات المسلحة كقطبين متناقضين، انظر:
Leonard B.Weinberg, “Turning to Terror: The Conditions Under Which Political Parties Turn to Terrorist Activities,” Comparative Politics 23(4) (1991), pp. 423–424.
[26] – لنقد النموذج الخطي انظر:
Neumann, “The Bullet and the Ballot Box,” pp. 944–949.
[27] – Siqueira, “Political and Militant Wings within Dissident Movements and Organizations,” p.220.
[28] – لتحليل التطور التنظيمي الداخلي لحزب الله، انظر:
Magnus Ranstorp, “Hezbollah’s Command Leadership: Its Structure, Decision-Making, and Relationship with Iranian Clergy and Institutions,” Terrorism and Political Violence 6(3) (1994) or Ahmad Nizar Hamzeh, In the Path of Hizbullah (Syracuse, NY: Syracuse University Press, 2004).
[29] – Martin Kramer, “Sacrifice and ‘Self-Martyrdom’ in Shiite Lebanon,” Terrorism and Political Violence 3(3) (1991)
[30] -المصدر السابق
[31] – Magnus Ranstorp, “Hizballah’s Command Leadership,” p. 322.
[32] – المصدر السابق
[33] – Hala Jaber, Hezbollah: Born with a Vengeance (London: Fourth Estate Ltd., 1997), pp.34–35.
[34] – اتفاق الطائف (جرى التوقيع عليه في 22 أكتوبر 1989 تم التصديق عليه في 4 نوفمبر 1989).
[35] – Qassem, Hizbullah. The Story from Within, pp. 104–105.
[36] – CharlesWinslow, Lebanon. War and Politics in a Fragmented Society (New York; London: Routledge, 1996), pp.80–81.
[37] – Augustus Richard Norton, “Lebanon after Ta’if: Is the Civil War Over?” Middle East Journal 45(3) (1991), pp. 458–460.
[38] – Qassem, Hizbullah. The Story from Within, pp. 124–125.
[39] – Augustus Richard Norton, Hizballah (Princeton and Oxford: Princeton University Press, 2007), pp. 105–107.
[40] – Qassem, Hizbullah. The Story from Within, pp. 124–125.
[41] – Martin Kramer, “The Oracle of Hizbullah. Sayyid Muhammad Husayn Fadlallah,” in R. Scott Appleby, ed., Spokesmen for the Despised: Fundamentalist Leaders of the Middle East (Chicago: The University of Chicago Press, 1997), p. 147.
[42] – Qassem, Hizbullah. The Story from Within, pp. 187–189.
[43] – المصدر السابق، ص(190 – 191).
[44] – Magnus Ranstorp, “Hezbollah’s Command Leadership: Its Structure, Decision-Making, and Relationship with Iranian Clergy and Institutions,” p. 315.
[45] – Interview with Hassan Nasrallah, As-Safir, 27 February 1992. Printed in Voice of Hezbollah. The Statements of Sayyed Hassan Nasrallah, ed. Nicholas Noe (London: Verso, 2007), p. 67.
[46]– المصدر السابق.
[47] – Amal Saad-Gorayeb, Hizbu’llah. Politics and Religion (London: Pluto Press, 2002), pp. 82–87.
[48] – Krista E. Wiegand, “Reformation of a Terrorist Group: Hizballah as a Lebanese Political Party,” Studies in Conflict and Terrorism 32 (2009), p. 676.
[49] – Nizar Hamzeh, “Lebanon’s Hizbullah; from Islamic Revolution to Parliamentary Accommodation,” Third World Quarterly 14(2) (1993), p. 334.
[50] – Interview with Secretary General Hassan Nasrallah.Al-WatanAl-Arab, 11 September 1992.
Printed in Voice of Hizballah. The Statements of Sayyed Hassan Nasrallah, p. 88.
[51] – Interview with Hassan Nasrallah, As-Safir, 27 February 1992. Printed in Voice of Hezbollah. The Statements of Sayyed Hassan Nasrallah, p. 74
[52] – Qassem, Hizbullah. The Story from Within, p. 189.
[53] – Augustus Richard Norton and Jillian Schwedler, “(In) security Zones in South Lebanon,” Journal of Palestine Studies 23(1) (1993), pp. 61–69.
[54] – Interview with Hassan Nasrallah, As-Shafir, 23 April 1996. Printed in Voice of Hezbollah. The Statements of Sayyed Hassan Nasrallah, p. 156.
[55] – Norton and Schwedler, “(In) security Zones in South Lebanon,” pp. 61–69.
[56]– المصدر السابق، ص71.
[57] – Joseph Elie Alagha, The Shifts in Hizbullah’s Ideology. Religious Ideology, Political Ideology, and Political Program (ISIM diss. Leiden, Netherlands: Amsterdam University Press, 2007), p. 45.
[58] – William B. Harris, “Lebanon,” in Ami Ayalon, ed., Middle East Contemporary Survey: 1993 (Boulder, CO: Westview Press, 1995), pp. 527–528.
[59] – Eyal Zisser, “Hizballah In Lebanon: At the Crossroads,” MERIA 1(3) (1997). Available at http://meria.idc.ac.il/journal/1997/issue3/jv1n3a1.html.
[60] – Alagha, The Shifts in Hizbullah’s Ideology. Religious Ideology, Political Ideology, and Political Program, p. 46
[61] – Walid Phares, “Liberating Lebanon,” Middle East Quarterly 3(4) (1996). Available at http://www.meforum.org/418/liberating-lebanon
[62] – Laura Zittrain Eisenberg, Israel’s South Lebanon Imbroglio. Middle East Quarterly IV (2) (1997). Available at http://www.meforum.org/352/israels-south-lebanon-imbroglio
[63] – Judith Palmer Harik, Hezbollah. The Changing Face of Terrorism (London, New York: I.B Tauris, 2006), pp. 118–122
[64] – Interviews with Hassan Nasrallah, Teshreen, 21 June 1999. Printed in Voice of Hezbollah. The Statements of Sayyed Hassan Nasrallah, p. 208.
[65] – David Rudge, “Criticism Grows in Lebanon Over Hizbullah Attacks,” The Jerusalem Post, 6 July 2001; available from LexisNexis.
[66] – Nasrallah “Victory” Speech, 26 May 2000. Printed in Voice of Hezbollah. The Statements of Sayyed Hassan Nasrallah, p. 237
[67] – “InFocus:ShebaaFarms,” BBC News, 25 May 2000. Available at http://news.bbc.co.uk/2/hi/ middle east/763504.stm
[68] – Daniel Sobelman, “New Rules of the Game. Israel and Hizbollah after the Withdrawal from Lebanon,” Memorandum Number 59, The Jaffee Center for Strategic Studies (January 2004), p. 67.
[69] – “Hezbollah Chief Defends Syrian Presence in Lebanon as Shiites Mark Holiday,” Agence France Presse, 4 April 2001; available from LexisNexis.
[70] – “Lebanon: Hezbollah Leader Praises ‘Popular Resistance,’ ‘Alliance with Syria,’“ Al Manar, 25 May 2001, provided by BBC Monitoring Middle East; available from LexisNexis.
[71] – United Nations Security Council, “Resolution 1559 (2004),” 2 September 2004.S/RES/1559 (2004). Available at http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N04/498/92/PDF/ N0449892.pdf?OpenElement
[72] – “Hezbollah Calls on UNSC to Reject US Draft on Syrian Troops in Lebanon,” Lebanese National News Agency, 1 September 2004, provided by BBC Worldwide Monitoring; available fromLexisNexis.
[73] – “Premier in France Says Fears More Violence in Region,” Interview to Pm Rafik Hariri by France 2 TV, 17 February 2001; available from LexisNexis.
[74] – Sam F. Ghattas, “Israeli Soldier Killed in Guerrilla Attack Near South Lebanese Border,” Associated Press, 16 February 2001; available from LexisNexis
[75] – “Hariri Denounces ‘Monopoly’ of Anti-Israel Resistance,” Agence France Presse, 19February 2001; available from LexisNexis
[76] – Bassel Salloukh, Syria and Lebanon: A Brotherhood Transformed, Middle East Report 236(Fall, 2005), p. 15.
[77] – Joseph Alagha, “Hizballah after the Syrian Withdrawal,” Middle East Report 237 (Winter, 2005), p. 34.
[78] – Speech by Hassan Nasrallah, 25 May 2005, Voice of Hezbollah. The Statements of Sayyed Hassan Nasrallah
[79] – Joseph Panossian, “Hizballah Says It Has Captured 2 Israeli Soldiers in Clashes,” The Associated Press 12 July 2006; available on LexisNexis.
[80] – “Timeline of the July War 2006,” The Daily Star. Available at http://www.dailystar.com.lb/July War06.asp
[81] – Ralph Peters, “Lessons from Lebanon: The New Model Terrorist Army,” Armed Forces Journal International (October 2006). Available at http://www.afji.com/2006/10/2069044.
[82] – في 14 أغسطس، أعلن وزير الصناعة بيير أمين الجميل، وهو عضو في تكتل 14 مارس “على حزب الله أن يسلم سلاحه الثقيل إلى الجيش اللبناني، وأسلحته الخفيفة إلى الشرطة”. (وقد اغتيل لاحقا في 21 نوفمبر 2006).
[83] – “Hizballah MP Demands Lebanon Government Step Down,” Agence France Presse, 11 September 2006; available from LexisNexis.
[84]-نص الدستور اللبناني على أن أي قرار سياسي يمس المصلحة الوطنية، يتطلب موافقة مجلس الوزراء بأغلبية الثلثين. وسعى حزب الله مع حلفائه في تكتل 8 مارس، إلى الحصول على أحد عشر مقعدًا من المقاعد الثلاثين المتاحة.
[85] – “Hizballah Militants Take Over West Beirut,” CNN, 9 May 2008. Available at http:// edition.cnn.com/2008/WORLD/meast/05/09/beirut.violence/index.html
[86] – The Doha Agreement,” Now Lebanon, 21May 2008.
[87] – The Political Document (Manifesto) of Hizballah 2009 AC /1430 H,” 30 November 2009.
[88] – المصدر السابق.
[89] – The Political Document (Manifesto) of Hezbollah 2009.
[90] – David Schenker, “Now Comes the Hard Part” Weekly Standard, 22 June 2009
[91] – Na’im Qasim Interview with Ghassan Bin-Jiddu, Al Jazeera (Arabic), 28 May 2009; translation by MidEast Wire.
[92] – “The Political Document (Manifesto) of Hizballah 2009 AC /1430 H,” 30 November 2009.
[93] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.