شماعة الإخوان ـ 7 سنوات من التضليل
اعتمد النظام العسكري في مصر منذ نشأته على استراتيجية تضخيم الخصومة بشكل مبالغ فيه تجاه جماعة الإخوان المسلمين، فمنذ عهد جمال عبد الناصر والسادات، والإخوان المسلمون يصنفون بأنهم أعداء للدين والوطن ويسعون لهدم الدولة وغير ذلك من الاتهامات التي مازالت تكرَّر بشكل أوسع في عهد السيسي.
ونجح النظام العسكري بشكل كبير، وخاصة بعد انقلاب يوليو 2013، في أن يجعل جماعة الإخوان المسلمين فزاعة لصرف النظر عن الأزمات والمشكلات الحقيقية، فضلاً عن تأجيل أي حديث أو مطالبات باحترام حقوق الإنسان أو تطبيق آليات الديمقراطية وتداول السلطة، أو المناداة بالعدالة والحرية والمساواة، أو مناقشة الوضع الاقتصادي ومكافحة الفساد؛ فجميع تلك الملفات مؤجلة من أجل حسم المعركة الوهمية مع العدو.
وصارت الجماعة هي الشماعة الرئيسية لتبرير فشل النظام العسكري في مصر، ورغم أن استراتيجية شماعة الإخوان صارت مكشوفة داخليا وخارجيا إلا أن النظام المصري يُصر على استخدامها في كل الأزمات.
أبرز الأزمات المعلقة على شماعة الإخوان
سقوط الأندلس
بعد انقلاب 3 يوليو 2013، أعلن المذيع محمد الغيطي على إحدى القنوات التلفزيونية الرسمية، أن إخوان «بني عامر» كانوا سببا في سقوط الأندلس قبل 5 قرون، وأن «الإخوان المسلمين» سوف يكونون سبب سقوط الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين.
فرغم أن سقوط الأندلس منذ 526 عاما، وتأسيس جماعة الإخوان المسلمين لا يتعدى المئة عام إلا أن الأبواق الإعلامية تريد أن تروج بأن الإخوان هم سبب سقوط الأمة الإسلامية.
تسمم المياه
فى إبريل عام 2015 ساد في مصر موجة من القلق بعد غرق 500 طن من الفوسفات في مياه النيل في محافظة قنا، وتسرب مواد بترولية لمياه الشرب كذلك بمحافظة الإسكندرية.
واتهم الدكتور «محمد مختار جمعة»، وزير الأوقاف المصرية الإخوان المسلمين بتسميم مياه النيل وقال وقتها «ما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين من «أعمال إجرامية واستهداف لمقومات الحياة في الداخل، سواء باستهداف أبراج الكهرباء أم بمحاولات تسميم المياه، وما تقوم به من تحريض مستمر عبر دول راعية للإرهاب والإرهابيين يُعد خيانة لا تحتمل وجريمة ضد الإنسانية»، على حد زعمه.
مذبحة نيوزيلندا
شهدت مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا في 15 مارس/آذار 2019، مذبحة مروعة، أسفرت عن مقتل 51 شخصًا وإصابة 50 آخرون، ووُصف الهجوم بأنه أسوأ حادث إطلاق نار يسقط فيه عدد كبير من الضحايا على يد مسلح واحد في نيوزيلندا.
وتم توجيه تهمة القتل إلى الأسترالي برينتون تارانت (28 عاما)، الذي يعتنق أفكارا متطرفة تتعلق بتميز العرق الأبيض.
ولكن الإعلام المصري كان له رأى آخر، حيث فاجأت مذيعة في التليفزيون الرسمي المصري المشاهدين بتوجيه سؤال إلى ضيفها على الهاتف حول ما إذا كان يعتقد أن توجه لاجئين سياسيين من جماعة “الإخوان المسلمون” المعارضة إلى نيوزيلندا قد يكون قد حرّض التيار اليميني على تنفيذ العملية الإرهابية في كرايست تشيرش.
لكن الأكثر طرافة أن ضيفها، الذي كان لواء سابق بالجيش المصري، أجاب قائلا: “بلا شك”.
واعتبر رئيس جهاز الاستطلاع بالقوات المسلحة المصرية، اللواء “نصر سالم” أنه لا فارق بين جماعة “الإخوان المسلمون”، التي كان ينتمي إليها الرئيس المصري الأسبق “محمد مرسي”، و”داعش” (تنظيم “الدولة الإسلامية”)، الذي سيطر على قطاعات واسعة في سوريا والعراق.
وأضاف: “إذا كانت عناصر جماعة الإخوان المسلمون سافرت إلى نيوزيلندا وأقامت أنشطة لها هناك، فهو يدل على أنها موجهة من جهة أخرى مضادة للإسلام”.
ظهور التماسيح
فى عام 2016، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يرصد لحظة ظهور أحد التماسيح في ترعة الإسماعيلية في منطقة مسطرد، التابعة لحي المطرية بمحافظة القاهرة، وظهر في الفيديو تجمهر عدد من المواطنين أمام أحد الأجسام الغريبة داخل المياه.
وتلقى وقتها النائب العام المستشار نبيل صادق، بلاغا من “جبهة حماية مصر”، ذات الصلة الوثيقة بالأجهزة المصرية، ضد مرشد عام جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، يتهم الإخوان بإلقاء تماسيح في النيل، بهدف إشاعة الخوف والفزع بين المصريين، والنيل من نظام حكم رئيس الجمهورية.
وحمل البلاغ رقم 1226 لسنة 2016 عرائض النائب العام، بتاريخ الأحد 31 كانون الثاني/ يناير 2016، واختصم فيه مؤسس الجبهة، المحامي عبد المجيد جابر، مرشد الجماعة، مطالبا بالتحقيق معه في الاتهام السالف.
وبحسب نص البلاغ “قامت فئة منتمية لجماعة الإخوان المسلمين بإلقاء بعض التماسيح الصغيرة بترعة الإسماعيلية بمسطرد، وترعة المريوطية، ناحية قرية ناهيا، لبث الرعب في نفوس المصريين، وإشاعة جو الفوضى والذعر في نفوس المواطنين، وتعبئتهم ضد النظام؛ لتحقيق أغراضهم الدنيئة في قلب نظام الحكم، والتحريض ضد مؤسسات الدولة، ورئيس الجمهورية “.
وأضاف البلاغ أن “من يدير المعديات في ترعتي الإسماعيلية والمريوطية بناهيا أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين، ولهم أهداف دنيئة مع النظام الجمهوري المنتخب بإرادة الشعب المصري، وحيث إن أفراد هذه الجماعة لهم سوابق إجرامية في ذلك، في كافة المجالات، لمحاولة كسر إرادة المصريين، وإسقاط الدولة المصرية، إلا أن أعيننا تتربص لهم، ونقف، وكل أجهزة الدولة، لهذه الفئة بكل ضراوة، لحماية مكتسبات ثورة 30 يونيو المجيدة، وللحفاظ على حقوق الأجيال القادمة”، وفق البلاغ.
سد البلاعات
في 6 نوفمبر 2015، أعلنت وزارة الداخلية المصرية، القبض على 17 شخصًا ممن وصفتهم بأنهم أعضاء “خلية إرهابية” في محافظة الإسكندرية، منتمين لجماعة الإخوان المسلمين.
وقال بيان الداخلية، إن المضبوطين متهمون بـسد المصارف ومواسير الصرف الصحي بإلقاء خلطة إسمنتية بداخلها لعدم تصريف المياه، وحرق وإتلاف محولات الكهرباء، وصناديق القمامة لإحداث أزمات بالمحافظة، وإيجاد حالة من السخط الجماهيري ضد النظام القائم”.
الزيادة السكانية
في عام 2019، قال مقرر المجلس القومي للسكان عمرو حسن، إن أحداث عام 2011 أثرت على الزيادة السكانية ومعدل الإنجاب في مصر، مشيرا إلى أن الإخوان كانوا سببا في الانفجار السكاني لتشجيعهم على الإنجاب، وعدم تنظيم الأسرة عن طريق ربطها بالدين خلال فترة حكمهم.
أزمة الوراق
رغم أن أزمة جزيرة الوراق هي أزمة اجتماعية من الدرجة الأولى، بين أهالي الجزيرة والحكومة، في ظل رغبة الحكومة في السيطرة على الجزيرة وبيعها للمستثمرين، إلا أن رفض الأهالي تسليم الجزر، ومقاومتهم للشرطة والجيش، دفع نظام السيسي لاستغلالها واتهام جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف خلف هذه الأزمة.
فيروس كورونا
بعد فشل الحكومة في السيطرة على أزمة كورونا في مصر، شنت وسائل إعلام وشخصيات محسوبة على نظام السيسي هجوما على الأطباء المستقيلين، ولم تكن التهمة الوحيدة هي الانتماء للإخوان، بل ذهب البعض إلى اتهامات أخرى بالخيانة والهروب من المسؤولية، ومقارنة استقالة الأطباء بجنود وضباط الجيش والشرطة المستمرين في عملهم رغم الهجمات المسلحة، على حد قول هؤلاء.
شبرا البهو
في قرية شبرا البهو بمدينة أجا التابعة لمحافظة الدقهلية رفض الأهالي دفن جثمان الطبيبة سونيا عبد العظيم، التي توفيت في مستشفى العزل بالإسماعيلية بعد إصابتها بفيروس كورونا.
وبدلا من العمل على إكرام الميت ودفنه، تصاعدت ادعاءات الأذرع الإعلامية للنظام المصري بالإضافة إلى بيان الداخلية الذي اتهمت فيه “جماعة الإخوان” ولجانها الإلكترونية بالتسبب في الأحداث.
الخلاصة
لن يتوقف النظام العسكري في مصر عن استخدام شماعة الإخوان لتبرير فشله، بل هذه الشماعة تم تأسيسها من أجل بث الخوف وإفقاد الجماهير الإحساس بالأمان، الأمر الذي يوقف أي مطالب بالتغيير، ويدفع الشعوب إلى قبول قرارات وسياسات وممارسات النظام الاستبدادي، مهما كانت ظالمة بل وعدم محاسبته، فجميع تلك الملفات مؤجلة لأننا في حالة حرب كما يروج النظام.
النظام العسكري يعي جيدا بأن الخوف هو الطاقة الوحيدة القادرة على إخضاع الفرد وجعله يصدق كل شيء، لذا فاستمرارية حالة الخوف لدى الشعب تضمن استمرار النظام.
رغم فشل النظام العسكري في إدارة البلاد على مدار أكثر من ستين عاما، إلا أننا نجده يقوم بتحميل جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية فشله، وكأن الإخوان هم من يديرون البلاد منذ عهد ناصر وحتى عهد السيسي.
الإعلام الموالي للنظام الحاكم في مصر، والذي يدافع بشكل كبير عن السياسات الذى يسير عليها، له دور محوري في توجيه الرأي العام وشحن نفوس الشعب لضمان الاستمرارية، وينتهج إعلام السيسي نفس نهج الرقيب العسكري في الصحافة الورقية في عهد ناصر.
باءت محاولات الأذرع الإعلامية للسيسي بالفشل، فبعد تحميل الإخوان مسئولية ما يتعرض له الأطباء، اتهمت نقابة الأطباء وزارة الصحة المسئولية عن معاناة الأطباء خلال الفترة الماضية.
وقالت النقابة، في بيان لها، “للأسف الشديد تكررت حالات تقاعس وزارة الصحة عن القيام بواجبها في حماية الأطباء، بداية من الامتناع عن التحاليل المبكرة لاكتشاف أي إصابات بين أعضاء الطواقم الطبية، إلى التعنت في إجراء المسحات للمخالطين منهم لحالات إيجابية، لنصل حتى إلى التقاعس في سرعة توفير أماكن العلاج للمصابين منهم، حتى وصل عدد الشهداء إلى 19 طبيباً، كان آخرهم الطبيب الشاب وليد يحيى الذي عانى من ذلك حتى توفي، هذا بالإضافة إلى أكثر من 35 مصابا بين الأطباء فقط”.
استخدام النظام المصري شماعة الإخوان لتعليق فشل الحكومة في السيطرة على أزمة كورونا، لا يترك مجالا للشك أن الأمر خارج السيطرة، ومن المتوقع تدهور الأزمة في مصر بشكل مخيف في المرحلة القادمة لن يستطيع النظام إخفاءه كثيرا.