دراسات

تقييم المؤسسات العقابية

دروس من المدرستين الفرنسية والأمريكية

ثمة بالتأكيد عناصر عدة متشابهة بين الظروف المحيطة بنشأة نقد المؤسسة العقابية في كل من فرنسا والولايات المتحدة، في بداية سبعينيات القرن الماضي، وبين الظروف السائدة في مصر اليوم. القمع البوليسي لمعارضة سياسية وتواطؤ المؤسسة القضائية مع هذا القمع؛ مما يجعل السجن نتيجة ميكانيكية للتعقب البوليسي، أو بعبارة أخرى أن تكون الشرطة، أو اﻷجهزة اﻷمنية بصفة عامة، هي من يحدد ما إذا كنت ستذهب إلى السجن أم لا؟

في المحصلة يصبح السجن مصير المئات أو الآلاف لمجرد أن السلطة ترى ضرورة إبعادهم عن الشوارع، أو بمعنى أدق نفيهم خارج المجتمع. في أذهان الكثيرين يكتسب السجن وظيفة مخالفة لتلك التي اعتادوا الاعتقاد في أنها وظيفته. بدلا من أن يكون السجن مؤسسة تعمل على إصلاح عناصر المجتمع الخارجة عن القانون وإعادتها إلى هذا المجتمع مرة أخرى كعناصر مشاركة بشكل طبيعي فيه، يتحول إلى أداة للسلطة تتخلص بواسطتها من مناوئيها.

وفي ظل هذه الظروف وبصفة خاصة في مرحلة استشعار المنخرطين في الحراك المناوئ للسلطة للهزيمة أمام القمع المتزايد لهذه السلطة فإن أكثر صور تمسكهم بالاستمرار في المقاومة تصبح هي محاولات العمل على استعادة من تم تغييبهم في السجن ورفع الظلم عنهم. ومن خلال الاصطدام اليومي بالمؤسسة العقابية بعناصرها المختلفة لا يمكن تجنب وضع هذه المؤسسة موضع التساؤل وهو ما يخلق إمكانية إنتاج نقد جذري لها.

في الوقت الحاضر لا يبدو أن المنخرطين في الحراك الديموقراطي المقاوم لقمع السلطة في مصر معنيون بإنتاج نقد جذري للمؤسسة العقابية مشابه لما تم إنتاجه في بلدان أخرى في ظل ظروف مشابهة. السبب في ذلك ربما يكون هو رسوخ تصور مركزي طوال عقود لقناعة بأن الدولة الحديثة كما هي في بلادنا هي مشروع فشل في الاكتمال.

ومن ثم فإن نقد هذه الدولة ومؤسساتها ينحصر طيلة الوقت في قياس الفجوة بين ممارساتها وبين الممارسات المثالية المفترض أنها المعتاد في الغرب كونه وطن المنشأ للدولة الحديثة ومن ثم مرجعيتها. هذه القناعة راسخة إلى حد أن اليسار المصري والذي يتبنى نقدا جذريا للدولة الرأسمالية في نسخها الغربية، يظل نقده لنسخة هذه الدولة في مصر يدور في فلك اعتبارها تمثل مشروعا لم يكتمل ومن ثم فهو بدرجة أو بأخرى يظل يقيس إخفاقاتها مقارنة باﻷوضاع في دول الغرب، ويتبنى ضمنيا تصورا ﻷنه لا مجال للتغيير الجذري بدون المرور بمرحلة استكمال بناء الدولة الحديثة على النمط الغربي أولا.

ينحصر النقد السائد في مصر حاليا للمؤسسة العقابية في محاولة الوصول إلى إجابة السؤال: كيف ولماذا لا تحقق هذه المؤسسة المعايير المعلنة لها والمستمدة من أصولها المنقولة عنها في الغرب والتي تمثلها في الممارسة العملية قرينات هذه المؤسسة هناك؟ ويتراوح ما ينتجه هذا النقد من طرح أسباب مثل عدم تطبيق الفصل بين السلطات، وتفشي الفساد بصفة عامة وبناء شبكات النفوذ والمصالح، وصولا إلى نماذجه اﻷفضل التي تعنى بفهم الأساس الطبقي لبنية وممارسات المؤسسة العقابية وفهم أثر تحول المنظومة الاقتصادية الحاكمة من رأسمالية الدولة إلى رأسمالية زبونية، وفهم علاقة السلطة السياسية بمؤسسة القضاء وتحولاتها عبر العقود اﻷخيرة.

وبنبغي تأكيد أن هذا النقد يظل ضروريا وهاما وإن كنت شخصيا أعتقد بأننا في حاجة إلى تجاوزه، لا بمعنى التخلي عنه أو تركه وراءنا وإنما بمعنى البناء عليه للذهاب أبعد وأعمق. ولتحقيق ذلك أعتقد أن علينا إعادة موضعة هذا النقد في سياق رؤية مختلفة ﻷصول وتكوين الدولة الحديثة في مصر والحداثة المصرية بصفة أعم، تتخلى عن فهم الحداثة في مصر على أنها مشروع فاشل لنقل الحداثة الغربية وتستبدل ذلك بفهم عملية نشأة الحداثة المصرية في ظل التأثيرات الغربية ولكن من خلال تفاعلات روافد داخلية.

أهمية إنتاج نقد جذري للمؤسسة العقابية يكمن على وجه التحديد في إمكانية أن يكون مدخلا لنقد جذري لثنائية الحداثة/الرأسمالية ومجتمعهما ودولته وبصفة خاصة لماهية السلطة وآليات عملها فيهما. مثل هذا النقد ضروري لتطوير اﻹطار النظري الثوري الذي يبدو في وضعه الحالي عاجزا عن تأطير ما حققته الممارسة العملية من نجاحات محدودة ولكن دالة في العقد اﻷخير من القرن الماضي وحتى اليوم، كما أنه عاجز عن إمداد هذه الممارسة بأفق يخرج بها من حالة اﻹخفاق الحالية في ظل صعود اليمين المتطرف فيما يشبه فترة صعود الفاشية عشية الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي.

في هذه الورقة استعرض بشكل مختصر تجارب مدرستين رئيسيتين في النقد الجذري للمؤسسة العقابية، هما المدرسة الفرنسية ويمثلها ميشيل فوكو وبخاصة من خلال كتابه “المراقبة والعقاب”، والمدرسة اﻷمريكية وتمثلها أنجيلا ديفيز وبخاصة من خلال كتابها “هل انتهت صلاحية السجون؟”

ويمر تناولي لتجارب المدرستين بمحطتين تتعرض اﻷولى للسياقات المتقاطعة لنشأتهما مع إشارات لتشابه هذه السياقات مع السياق المحلي الحالي، وتتعرض الثانية لمقارنة نقدية بين المدرستين. واختتم الورقة بقراءة لأهم المؤشرات التي يمكن الخروج بها من تجارب المدرستين على طريق بناء نقد جذري محلي للمؤسسة العقابية مع التركيز على استلهام تجربة فوكو في توسيع نقده للمؤسسة العقابية ليكشف من خلالها عن تقنيات ممارسة السلطة في ظل الدولة الرأسمالية الحديثة.

المدرستان الفرنسية واﻷمريكية لنقد المؤسسة العقابية: سياقات النشأة

لا يوقن أي منا باﻹفلات من السجن. اليوم، أقل من أي وقت مضى. فقبضة الشرطة على الحياة اليومية تضيق، على شوارع المدن والطرق خارجها، على الأجانب والشباب. التعبير عن الرأي، أصبح جريمة من جديد، وإجراءات مكافحة المخدرات تزداد عشوائية. نحن قيد الملاحظة الدقيقة. يخبروننا أن منظومة العدالة مثقلة بأكثر مما تحتمل. يمكننا أن نرى ذلك. ولكن، ماذا لو أن الشرطة هي من يُحمّل منظومة العدالة بأكثر مما تطيق؟ يخبروننا أن السجون مكتظة. ولكن، ماذا لو أن عددا أكثر مما ينبغي من الناس يذهبون إلى السجن؟( Schrift 2013)

لا يمكن ﻷي منا في مصر اليوم أن يمر بهذه العبارات دون أن يتصور أنها ربما قد كتبت أو قيلت هذا الصباح لتصف الواقع كما نعيشه، بعد ستة أعوام من اندلاع ثورة 25 يناير. عندما افتتح ميشيل فوكو بهذه العبارات بيانا ألقاه نيابة عن زملائه من الكتاب والمفكرين الفرنسيين الذين شاركوا في إنشاء “مجموعة معلومات السجون”[1]، صباح 8 فبراير 1971، كانت فرنسا تعيش واقعا مشابها إلى حد ما لذلك الذي نعيشه اليوم في مصر.

في أعقاب أحداث مايو 1968 في فرنسا، حظر وزير الداخلية الفرنسي 11 منظمة يسارية، وقام بتشديد قوانين الرقابة، وضيق الخناق على دور النشر ذات التوجه اليساري، ومرر قانونا اعتبر كل من كانت له صلة بمظاهرة أسفرت عن إصابة أشخاص بأذى أو تدمير لممتلكات أو ممارسة للعنف في مواجهة الشرطة، شريكا في هذه اﻷفعال بغض النظر عن ضعف صلته بهذه المظاهرة. نتيجة لهذه اﻹجراءات وغيرها من الممارسات القمعية للشرطة اكتظت سجون فرنسا في هذه الفترة بالنشطاء من مختلف التيارات المعارضة للسلطة. (Schrift 2013)

بالنسبة لبعضنا فإن عبارات فوكو ستبدو مخففة إلى حد كبير. هؤلاء يعيشون إحساس المطارد الذي يتوقع أن تمتد اﻷيادي الثقيلة لتمسك بتلابيبه في أية لحظة؛ كل حاجز من حواجز الشرطة المتناثرة في شوارع المدينة قد ينتهي المرور به إلى تغيير مساره إلى أحد أماكن الاحتجاز في انتظار المجهول؛ كل جلبة في الشارع قد تؤذن بقدوم من سيدقون بابه أو يقتحموه ليأخذوه إلى حيث لا يعلم.

هذه المعايشة لشعور المطارد تصفها بصورة أقرب الفقرات الافتتاحية للسيرة الذاتية ﻷنجيلا ديفيز التي نشرت ﻷول مرة عام 1974، هذه الفقرات المؤرخة بالثامن من أغسطس 1970، أي قبل شهور من إلقاء فوكو لبيانه، تصف محاولات ديفيز الإفلات من مطاردة الشرطة لها بعد اتهامها بالمشاركة التآمرية في واقعة اقتحام قاعة محاكمة في مقاطعة مارين في ولاية كاليفورنيا (Davis 1988).

في هذه الفترة كانت الولايات المتحدة تشهد حملة قمع بوليسي كبيرة للناشطين في الدفاع عن حقوق اﻷمريكيين اﻷفارقة، هي بشكل ما امتداد لقمع بوليسي مستمر للسود بصفة عامة أدى إلى اكتظاظ السجون اﻷمريكية بهم، وفيما نشط بعض السجناء السود في حراك يسعى إلى وقف صور المعاملة المسيئة للسجناء بصفة عامة ووقف اﻹجراءات التعسفية التي أدت إلى سجن كثيرين لمدد متطاولة دون سند قانوني صحيح، نشأت خارج السجن حملات لدعم نشاط هؤلاء السجناء وأخرى للمطالبة بتحرير بعضهم. وكانت ديفيز أحد من نشطوا في هذه الحملات وبصفة خاصة في حملة كانت تطالب بتحرير ثلاث سجناء عرفوا بإخوة سوليداد، نسبة إلى السجن الذي قبعوا به. في مقدمة هؤلاء سجين ذو شهرة واسعة هو جورج جاكسون.

أمضى جاكسون معظم صباه وشبابه في السجن نتيجة إجراءات تعسفية متراكمة، وفي السجن علم نفسه بنفسه ونشط في الدعاية ضد اﻷوضاع غير اﻹنسانية للسجون اﻷمريكية وضد المعاملة العنصرية للسود التي تنتهي بأعداد كبيرة منهم إلى السجون. وتمثل أعمال جاكسون أحد المعالم الرئيسية لعمل مفكرين أمريكيين في نقد التوجه العنصري للمؤسسة العقابية اﻷمريكية. توريط ديفيز في الاتهام بالمشاركة في واقعة اقتحام قاعة المحكمة في مارين، كان على خلفية نشاطها في حملة المطالبة بتحرير جاكسون ورفاقه، فقائد عملية الاقتحام كان اﻷخ اﻷصغر لجاكسون، وأحد اﻷسلحة المستخدمة في الاقتحام كان مسجلا باسم ديفيز، والغرض من الاقتحام كان الاحتفاظ برهائن للضغط في سبيل تحرير إخوة سوليداد.

على جانبي اﻷطلنطي، في فرنسا وفي الولايات المتحدة، ارتبط نشاط حملات الدفاع عن حقوق السجناء كتلك التي انخرط فيها فوكو وديفيز بتصاعد حراك السجناء أنفسهم داخل السجون والذي تمثل في أعمال تمرد في عديد من السجون الفرنسية وأخرى في السجون اﻷمريكية، كان من تلك اﻷخيرة محاولة هرب جماعي من السجن قادها جورج جاكسون نفسه وانتهت بمقتله على أيدي حراس السجن، وكانت تلك الواقعة أحد أسباب التمرد الأشهر حينها في السجون اﻷمريكية والذي قام به ألف سجين في سجن أتيكا في ولاية نيويورك.

التمرد أسفر أولا عن استيلاء السجناء على السجن ودخولهم في تفاوض مع سلطات الولاية حول مجموعة من المطالب تتعلق بتحسين ظروف السجن ووقف المعاملة المسيئة وتوفير فرص التعليم للسجناء، ولكن فشل المفاوضات بعد أربعة أيام أدى في النهاية إلى أن يأمر حاكم الولاية الحرس الوطني بها باقتحام السجن واستعادة السيطرة عليه وأدت عملية الاقتحام إلى مقتل 43 شخصا منهم 10 من حرس السجن. هذه النتيجة الدموية ساعدت على لفت انتباه الرأي العام في الولايات المتحدة لفترة من الوقت إلى أوضاع السجون وهو ما أدى إلى بعض اﻹصلاحات التي لم تدم مع ذلك طويلا.

يمكننا التأريخ بهذه الفترة (بداية سبعينيات القرن الماضي) لنشأة نقد المؤسسة العقابية الحديثة في الغرب كمجال للعمل النظري والنشاط السياسي العملي. المؤسسة العقابية هنا وإن كانت السجون تقع في مركزها إلا أن المقصود بمجال نقدها يتسع ليشمل مؤسسة العدالة في مجالي التشريع والقضاء إلى جانب عدد من المؤسسات المساعدة لها (الطب الشرعي وعلم النفس الجنائي وعلم الجريمة). المكانة اﻷكبر في مجال نقد المؤسسة العقابية يشغلها ميشيل فوكو، الذي شكل كتابه “المراقبة والعقاب” (Foucault 1995) نقطة تحول هامة في فهم المؤسسة العقابية وموضعها من آليات السلطة في الدولة الحديثة.

هذه المكانة المستحقة لفوكو، وبينما تأسست على كتاب واحد وعدد من الحوارات المنشورة في حياته، تزداد ترسخا مع نشر أعمال أخرى له لم تكن متاحة حينها، أهمها سلاسل محاضراته في الكوليج دو فرانس.[2] ومحاضرات أخرى ألقاها خارج فرنسا. في المقابل أسست أنجيلا ديفيز وعدد من المفكرين أغلبهم من السود مدرسة لنقد المؤسسة العقابية معنية أكثر بتطور هذه المؤسسة في سياق تاريخ الولايات المتحدة الملتبس أبدا بالعنصرية التي تعود إلى عهد العبودية وقوانين الفصل العنصري وتستمر رغم إسقاطها في الواقع اﻷمريكي حتى اليوم في ظل عصر “السجن بالجملة” الذي تتصدر فيه الولايات المتحدة دول العالم من حيث نسبة السجناء إلى إجمالي السكان بفارق ضخم ويظهر الجانب العنصري لمؤسستها العقابية من خلال وجود واحد من بين كل ثلاثة ذكور سود في أمريكا في أحد مؤسسات الاحتجاز! (Kilgore 2015)

نقاط تلاقي وافتراق المدرستين الفرنسية واﻷمريكية لنقد المؤسسة العقابية

لا شك أن القراءة النقدية لما أنتجته المدرستان الفرنسية والأمريكية من نقد للمؤسسة العقابية ضرورية لنا إن أردنا أن ننتج نقدنا الخاص لهذه المؤسسة كما نشأت وتطورت عندنا. وحتى تكون قراءتنا لمنتج هاتين المدرستين نقدية ولا تكتفي بمحاولة النقل عنهما فينبغي أن نقرأ منتج كل منهما في سياقه التاريخي الاجتماعي والسياسي. ولذا فالمقدمة الطويلة حول سياق نشأة مدرستي نقد المؤسسة العقابية على جانبي اﻷطلنطي في بداية سبعينيات القرن المادي، لم يكن الغرض منها فقط اﻹشارة إلى تشابه الظروف التي نشأ فيها نقد المؤسسة العقابية في كل من فرنسا والولايات المتحدة مع ظروفنا الحالية، ولكنها تمهد أيضا للقول بأن ثمة علاقة وثيقة بين اختلاف سياق نشأة نقد المؤسسة العقابية في كلا البلدين وبين الاختلاف في منتج هذا النقد بينهما. وهو الاختلاف الذي سيكون موضع اهتمامي في القسم الحالي.

في البداية يبدو أنه لا توجد اختلافات كبيرة بين نقد المدرسة اﻷمريكية للمؤسسة العقابية والذي تمثله أعمال أنجيلا ديفيز بأفضل شكل ممكن، وبين نقد المدرسة الفرنسية/الأوروبية والذي تمثله أعمال ميشيل فوكو. في الواقع يمكن لقارئ كتاب “هل انتهت صلاحية السجون؟” (Davis 2003a) لديفيز أن يتصور أنها تبني قسما هاما على اﻷقل منه على عمل فوكو وبصفة خاصة كتابه “المراقبة والعقاب”.

ديفيز تقتبس فوكو في مواضع عدة من كتابها كما أن جوانب كثيرة مما تتعرض له سبق لفوكو أن تعرض له. ويمكن للقارئ أن يتصور أن عمل ديفيز في كتابها ينقل بشكل مختصر الجانب النظري الذي طوره فوكو ويدعمه ببعض المصادر اﻷخرى، فقط ليضيف إليه ما يُفترض أن فوكو أغفله وهو على وجه التحديد عاملا العنصرية والجندر، ثم يتخطى فوكو إلى الدعوة إلى إنهاء السجون، وهو ما لم يفعله فوكو مطلقا، ويقدم في سبيل ذلك مناقشة لبدائل مؤسسة السجن والمنظومة العقابية التي تشغل هذه المؤسسة مركزها.

في الواقع أن ما تتفق ديفيز فيه مع فوكو وتنقله عنه هو على وجه التحديد تاريخ تحول السجن إلى مركز المؤسسة العقابية الحديثة. وتهتم ديفيز بصفة خاصة بأن هذه النقلة التاريخية التي حدثت في القرن الثامن عشر في أوروبا ثم في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة كان وراءها جهد ﻹصلاح المؤسسة العقابية كما كانت حينها. بصفة خاصة كان السجن بديلا عن نمط للعقوبات البدنية تعتمد على التعذيب وبتر اﻷعضاء والتوسع في اﻹعدام.

في المقابل كان السجن بالنسبة لمصلحي هذه الفترة فرصة لوضع مرتكبي الجرائم الخارجين على قانون المجتمع في بيئة يمكن من خلالها السيطرة على حياتهم اليومية وتنظيمها بشكل دقيق مما يسمح بتعديل سلوكهم. نمط السجون الذي نشأ من خلال هذه الحركة سمي باﻹصلاحيات. واﻹصلاح هنا مفهوم ديني وأخلاقي باﻷساس وإن كان يعتمد على تصورات افترضت الاعتماد على أسس علمية يقدمها الطب النفسي الناشئ حينها.

على الرغم من أن فوكو يقدم النقلة من منظومة العقوبات البدنية السائدة حتى القرن الثامن عشر إلى منظومة السجن لاحقا بصورة درامية في بداية كتابه المراقبة والعقاب، إلا إنه عندما يستعرض الجدل الذي دار في سياق الثورة الفرنسية حول المنظومة العقابية اﻷمثل التي ينبغي أن تكون بديلا لمقابلها في ظل النظام الملكي، يكشف حقيقة هامة وهي أن السجن في الحقيقة لم يقدم نفسه بهذه البساطة بوصفه صورة العقاب الأمثل كبديل أكثر إنسانية للعقوبات البدنية، وإنما كان ثمة العديد من البدائل المستندة إلى تصورات نظرية عدة لما ينبغي أن يحققه عقاب الجريمة من أهداف تتعلق بمرتكب الجريمة نفسه وبالمجتمع ككل.

وحيث أن السجن لم يكن البديل البديهي حينها فإن حقيقة أنه قفز فجأة إلى الواجهة ليصبح البديل المختار في النهاية تحتاج إلى تفسير. ويقدم فوكو تفسيرات مختلفة أو باﻷحرى يكمل بعضها بعضا بهذا الخصوص، تأخذ ديفيز عنه وعن غيره بتفسيرين منهما:

التفسير اﻷول يتعلق بأثر فلسفة التنوير السائدة حينها والتي شكلت مبادئها اﻷساسية إطارا حاكما لتطور الدولة الحديثة في أعقاب الثورات البرجوازية في الغرب. في ظل هذه الفلسفة فإن القاسم المشترك بين جميع البشر والذي يملكه كل منهم بقدر متساو، هو الحرية والتي يرافقها الحق في المشاركة على قدم المساواة في إدارة شؤون المجتمع في ظل الديموقراطية. ومن ثم فإن العقوبة اﻷكثر مساواة بين البشر على اختلافهم هي تلك التي تنال من حرية المعاقب من حقه في المشاركة في الشأن العام لمجتمعه.

التفسير الثاني، وهو مكمل للأول إلى حد كبير يتعلق بأثر الرأسمالية بوصفها نمط اﻹنتاج الذي بدأ سيادته لحياة المجتمعات الغربية وبعدها مجتمعات العالم كله في هذه الفترة. في ظل الرأسمالية تقاس قيمة اﻷجير بالوقت الذي يقدمه مقابل أجره. ومن ثم فإن السجن الذي تقدر فيه العقوبات بالوقت الذي يمضيه المعاقب فيه يبدو الشكل الأكثر عدالة لتقدير التفاوت بين الجرائم المختلفة. فالسجن إذًا هو شكل للعقوبة يتعامل مع جميع أفراد المجتمع بشكل متساو ويسمح بتوقيع عقوبة لكل جريمة تتناسب معها على مقياس واحد هو مدة العقوبة.

لكن إضافة إلى ذلك يقدم فوكو السجن كمؤسسة عقابية مثالية بالنسبة للمجتمع الحديث الناشئ في القرن الثامن عشر في أوروبا لسبب مختلف هو اﻷكثر أهمية. فهذه المجتمعات بدأت في هذه الفترة تنظر إلى أفرادها بطريقة مختلفة. بل باﻹمكان القول أنها اكتشفت الفرد العادي ﻷول مرة. فبصفة عامة كانت المجتمعات حتى ذلك الحين ترى نفسها مشكلة من مجموعة من الطوائف والجماعات التي يؤدي كل منها دورا وظيفيا ما في المجتمع. يرث اﻷفراد انتمائهم إلى الطائفة والجماعة بميلادهم كأبناء للمنتسبين إليها ويحكم هذا دورهم في الحياة الذي يصب في أداء الجماعة أو الطائفة لدورها. الفرد في هذه الحالة هو مجرد ممثل لصنف من البشر، ينتظر منه أداء دوره في المجتمع بشكل تلقائي دون تدخل للمجتمع ﻹعداده بشكل منهجي ﻷدائه، وإنما يترك تدريب وإعداد اﻷفراد لآليات الطائفة لتوريث وظيفتها ﻷبنائها.

في بداية القرن الثامن عشر تضافرت عوامل عدة مؤدية إلى ظهور الحاجة إلى استخدام أفراد عاديين في مهام لم يعدوا بالوراثة لها. ظهر ذلك أولا في سعي الملوك لتكوين جيوش تابعة مباشرة لهم للتخلص من نفوذ أتباعهم اﻹقطاعيين ومن حاجتهم إلى الاقتراض بكثرة لشراء خدمات المرتزقة المحترفين. وبالرغم من أنه لمدة طويلة سابقة كان أبناء المزارعين يجندون لفترات قصيرة للقتال في الجيوش فإنه في هذه الفترة ظهرت الحاجة ﻷول مرة إلى تدريب هؤلاء وأمثالهم بهدف تحويلهم إلى مقاتلين محترفين. وأدى ذلك إلى تطوير آليات يسميها فوكو “ضبطية”، تهدف إلى ضمان نجاح عملية تحويل شخص عادي إلى جندي محترف.

شملت اﻵليات الضبطية مجموعات مختلفة من التقنيات استهدف بعضها السيطرة على أعداد كبيرة من البشر بأقل موارد ممكنة، وبعضها استهدف تدريب هؤلاء لمهمة محددة لضمان أدائها بأكبر دقة ممكنة، البعض الثالث استهدف تقييم تقدم المتدربين في اكتساب المهارات المطلوبة وتصنيفهم ما بين متوسط ومتميز ودون المتوسط وغير صالح للتدريب.

انتقلت آليات الضبط من معسكرات الجنود إلى مدارس أبناء الطبقة البرجوازية الصاعدة حينها ثم إلى المصانع التي امتلكها وأدارها أفراد هذه الطبقة. وبصفة عامة تشكل لدى هذه الطبقة قناعة من خلال الممارسة بفعالية هذه اﻵليات إضافة إلى تشكليها مع الوقت ﻷنماط تفكيرهم وأحكامهم مما حدا بهم إلى استخدامها في أطر اجتماعية ومهنية مختلفة تمتد إلى تربية أبنائهم وتنظيم أمور خدمهم بل ومعاملة زوجاتهم. ومع الوقت تشكل مفهوم عام يرى في الفرد “العادي/المتوسط” مادة خام يمكن تطويعها لأداء أي مهمة إذا ما اتبع في سبيل ذلك الآليات الضبطية المناسبة. وبخلاف الغالبية من اﻷفراد العاديين، ثمة أقلية متميزة، وأقلية أخرى هي ﻷسباب مختلفة غير صالحة للتطويع ﻷداء وظيفة نافعة للمجتمع.

في إطار فكر مصلحي المنظومة العقابية في نهاية القرن الثامن عشر، مثل السجن مؤسسة تقع في مكان ما بين المستشفى والمدرسة. فيفترض بها أن تعالج مرتكبي الجرائم من ميولهم اﻹجرامية وأن تستكمل تدريبهم ليكونوا مواطنين صالحين، أي نافعين للمجتمع. ومن ثم فإن السجن بالنسبة لهم كان مؤسسة ضبطية جديدة، حيث تستخدم اﻵليات الضبطية لتطويع مرتكبي الجرائم ليمكن تحويلهم إلى مواطنين صالحين. ما اختلفت فيه المدارس المختلفة لهؤلاء المصلحين كان هو كيف يتم تحويل “المجرم” إلى مواطن صالح.

فبينما رأى البعض أن العزلة التامة لفترات متطاولة تسمح لمرتكب الجرم أن يتأمل في فعلته ويندم عليها ويتوب عن العودة إليها، رأى البعض اﻵخر أن العمل الهادف والمنتج يمكن له أن يهذب سلوك الشخص ويزرع فيه تقدير قيمة العمل والرضا المادي (المتمثل في اﻷجر) والمعنوي (المتمثل في حس اﻹنجاز) الناشئ عن الانخراط فيه. فيما جرب آخرون الجمع بين اﻷمرين، العزلة والعمل.

ولكن بغض النظر عن كيفية “إصلاح” المجرم، فإن آليات التطويع واﻹصلاح ذاتها كانت جميعها ضبطية، تتعلق بضبط الممارسات اليومية للسجين، من خلال التصميم المادي لمكان نومه ونشاطه، وعمله، بل وقضاء حاجاته البيولوجية والصحية، والتنظيم التكراري الصارم لتوقيتات هذه الممارسات المختلفة. ولضمان التزام السجناء بالتواجد المكاني واﻷداء الموقوت حسب النظام المحدد سلفا فلابد من وجودهم تحت مراقبة دائمة أو إشعارهم دائما بأنهم تحت هذه المراقبة، كما أن هذه المراقبة/الملاحظة المستمرة كانت أداة تقييم تقدم السجين في طريق تحقيق الهدف من وجوده في السجن، وأيضا في تقييم نجاح عملية اﻹصلاح ذاتها، وفي النهاية فإن المراقبة/الملاحظة كانت منتجة لبيانات ومعلومات تفصيلية عن أشخاص السجناء يمكن تحليلها لفهم (طبيعتهم) وطبيعة (الجريمة).

كما ترى ديفيز (Davis 2003b) فإن فوكو لم يكن معنيا بالسجن ونشأته كآلية العقاب اﻷساسية للمؤسسة العقابية الحديثة بقدر ما كان معنيا ببحث تقنيات الضبط التي “صقلت إلى حد الكمال” في مؤسسة السجن، (وفق عبارة ديفيز). وفي الواقع يمكننا القول أن استثنائية السجن كنموذج لمؤسسة ضبطية بالنسبة لفوكو لم تتعلق بالكمال. فهو نفسه يؤكد أنه كان باﻹمكان أن يكون نموذجه هو معسكر الجنود أو المستشفى النفسي أو المدرسة. ولكن فوكو كان منشغلا بالمؤسسة العقابية بالتحديد في هذا الوقت، كما أنه بشكل غير مباشر كان معنيا بإبراز القسر المتضمن في آليات الضبط والذي يتجلى في السجن بأوضح مما يظهر في غيره. وما لا تتطرق ديفيز إليه في نقدها لفوكو هو في الواقع لب بحثه ﻵليات الضبط والمؤسسات الضبطية، أي كون الضبط تقنية للسلطة وصورة من صور ممارستها.

وفي الواقع يقدم فوكو من خلال عرضه التاريخي ﻵليات العقاب ما قبل الدولة الحديثة وما بعدها صورتين لممارسة السلطة، يسمي اﻷولى السلطة السيادية، والثانية السلطة الضبطية. وهذه المناقشة لصور ممارسة السلطة هي بداية بلورة فوكو لمفاهيم أساسية حول السلطة، تعتبر اﻷكثر أهمية في منتجه الفكري بالنسبة لكثيرين من دارسيه.

وضع السجن والمؤسسة العقابية في إطار أوسع لممارسة السلطة في الدولة والمجتمع الحاليين وفي عملية تطورهما التي بدأت في القرن الثامن عشر، هو ما يميز نقد فوكو للمؤسسة العقابية، وهو في اعتقادي موضع الاختلاف الرئيسي واﻷكثر أهمية لهذا النقد عما تقدمه ديفيز من خلال كتابها “هل انتهت صلاحية السجون؟” وغيره. هذا الاختلاف يبدو أن ديفيز تغفله في نقدها لعمل فوكو، وهي تهتم بدلا من ذلك بأن تأخذ على فوكو تجاهله للعنصرية كعامل تراه أساسيا في تشكيل المؤسسة العقابية الحديثة في الولايات المتحدة على وجه التحديد.

وتري ديفيز أن التحليل الطبقي حاضر بوضوح في نقد فوكو بينما تغيب عوامل أخرى إضافة إلى العنصرية مثل الجندر. وربما ترغب ديفيز في القول بأن تغييب العنصرية في نقد فوكو للمؤسسة العقابية كان متعمدا عندما تقتبس مطولا من حوار أجري معه في عام 1972 بعد زيارته لسجن أتيكا في الولايات المتحدة بعد شهور من التمرد الشهير الذي شهده هذا السجن (Simon 1991). ويشير فوكو في هذا الحوار إلى ملاحظته لعدم تناسب معدل وجود السود اﻷمريكيين في السجون مع نسبتهم إلى السكان مما يؤشر إلى خلفية عنصرية تفسر هذه الحقيقة. ومن ثم فلا يمكن أن نعزو غياب العنصرية في تحليل فوكو إلى عدم إطلاعه على حقائق من هذا النوع.

في ظل قراءة ديفيز لكتاب “المراقبة والعقاب”، وربما مع عدم اطلاعها على أعمال أخرى لفوكو سابقة ولاحقة لم تنشر إلا متأخرة كثيرا، يبدو لها أن فوكو يعتبر السلطة الحديثة ضبطية حصرا في مقابل سلطة سابقة كانت سيادية حصرا بدورها، ومن ثم فهي تنتقد إغفال فوكو لاستمرار ممارسات صنفها على أنها تمثل السلطة السيادية (التعذيب والعقوبات البدنية).

والحقيقة أن فوكو كما أوضح لاحقا لا يعتقد أن ممارسات السلطة قد تطورت بشكل خطي متعاقب تم فيه استبدال تقنيات للسلطة بغيرها بشكل تام. وإنما رأى أن هذه الصور المختلفة لممارسة السلطة ظلت دائما تستخدم متجاورة ومتقاطعة ومتكاملة فيما بينها (Foucault 2007)، ويمكننا بالاستعانة بتحليل فوكو في مواضع أخرى لما يمكن تسميته باﻷنماط العلوية للعقاب في مقابل الممارسات التفصيلية له (Foucault 2015)، أن نتفهم أن الممارسة الواحدة برغم تصنيفها كسيادية أو ضبطية فإن استخدامها يختلف في إطار فلسفة عقابية سائدة عنه في غيرها. وهو ما يعني أن التعذيب كممارسة لا يمكن النظر إليه على أنه يخدم ذات الأهداف وينتج اﻷثر ذاته عند استخدامه في إطار المنظومة العقابية قبل المجتمع الحديث، ثم عندما يستخدمه هذا المجتمع. وهذا يعني أن استمرار التعذيب في مجتمعات حديثة ليس في الحقيقة بقية متخلفة عن ممارسات قديمة ومن ثم متناقض مع الحداثة أو دليلا على عدم اكتمال مشروعها.

المقاربات المعاصرة لنقد المؤسسة العقابية: مسارات بناء نقد محلي

ما الذي يربط السياقات التي ولد فيها الشعور بالقرب المهدد للسجن اهتمام فوكو وديفيز واهتمامنا نحن اليوم به؟ الثورة، التمرد، الخروج على السلطة. في الحالات الثلاث كانت اﻷجواء مشحونة بهذه المفاهيم والممارسات التي نشير إليها في مجملها بالثورة. وبغض النظر عن التقييم العلمي الدقيق الذي قد يقوم به دارسو العلوم السياسية عند تعرضهم لحراك الطلبة والعمال في فرنسا 1968 أو لنشاط حزب الفهود السود في الولايات المتحدة بداية من عام 1966، أو في النهاية لثورة 25 يناير 2011 في مصر، فإن الناشطين في مراحل مواجهة السلطة هذه قد عرّفوا ما هم منخرطون به من خلال مفهوم الثورة.

ثمة مع ذلك رابط أقوى بين بدايات سبعينات القرن الماضي وبين واقعنا اليوم. يرى برنار هاركور (Harcourt 2016) أننا نعيش اليوم عصر السجن بالجملة، وأن هذا العصر قد ولد تحديدا في بدايات سبعينيات القرن الماضي. ثمة بالتأكيد ما يؤشر إلى أننا نشهد اليوم ذروة عصر السجن بالجملة الذي يشير إليه هاركور، في وقت لا تفتح أماكن الاحتجاز أفواهها فيه لتلتقم فقط الخارجين عن القانون، أو السجناء السياسيين، وإنما تتسع معدتها أيضا ومنذ سنوات للمهاجرين غير الشرعيين واليوم بقدر متزايد للاجئين أيضا، وفي ظل أزمة اللاجئين الحالية لا يمكننا تجنب النظر إلى معسكرات إيوائهم المحاطة باﻷسوار والأسلاك الشائكة على أنها أماكن احتجاز وسجون تهدف إلى عزلهم عن مجتمعات اللجوء أكثر مما تحتويهم فيها.

يؤكد هاركور أنه “لا شيء أكثر أهمية اليوم من أن نرى ما داخل السجن، نستمع إلى ما بداخل السجن، نعرف السجن، وأن نخرج من السجن”. من المثير للاهتمام أن هاركور كتب هذا في تقدمة لكتاب صدر العام الماضي بعنوان “عدم التسامح النشط”، العنوان الفرعي للكتاب هو “ميشيل فوكو، مجموعة معلومات السجن، ومستقبل إلغاء السجون”.

الكتاب الذي استكتب فيه محرراه بيري زورن وأندرو ديلتس، عددا من المفكرين من مجالات مختلفة تمتد من الفلسفة إلى العلوم السياسية والتاريخ وعلم الاجتماع، يستكشف كما يقول هاركور تراث ومستقبل نقد السجن. وفي نهاية تقدمته للكتاب يستعيد هاركور، عبارة لفوكو وصف بها كتابا آخر، ليس من قبيل الصدفة أنه كتب بدوره تقدمة له في ذات الفترة التي شهدت تكوين مجموعة معلومات السجن. الكتاب المقصود هو “ضد أوديب” الذي كتبه جيل دولوز بالمشاركة مع فيلكس جاتاري عام 1972 ليكون الجزء اﻷول من عملهما “الرأسمالية والشيزوفرينيا”. في ذلك الحين كان دولوز أحد المنخرطين في العمل في مجموعة معلومات السجن إلى جانب فوكو وعدد آخر من كبار مفكري فرنسا.

وصف فوكو كتاب دولوز وجاتاري بأنه “كتاب في فلسفة اﻷخلاق”، هو كتاب يمكن أن يصحبنا في نضالنا التكتيكي والاستراتيجي ضد الفاشيات بأنواعها، وبعبارة فوكو “الفاشية فينا جميعا، في رؤوسنا وفي سلوكنا اليومي، الفاشية التي تؤدي بنا إلى حب السلطة، وأن نرغب في الشيء ذاته الذي يخضعنا ويستغلنا” (cited in Harcourt 2016). العمل الناشط في مجموعة معلومات السجن والتي كان هدفها الرئيسي أن تجعل أصوات نزلاء السجون مسموعة كان له أثره البالغ في فكر وأعمال دولوز وفوكو في ذلك الحين، وهو مرتبط بهذه الصورة الأشمل للمواجهة ضد فاشية متضمنة في بنية الدولة الحديثة وآلياتها وفي مقدمتها السجن.

وفي تلك اللحظة التاريخية من القمع في أعقاب انتفاضة ثورية ثمة صلة واضحة بمواجهة الفاشية التي تعرفها كل من أنجيلا ديفيز وبيتينا أبثيكر في مقدمة كتابهما “إذا أتوا في الصباح: أصوات المقاومة” على أنها “تمثل انتصار الثورة المضادة، بمعنى أن، الفاشية هي الثورة المضادة المجهضة للتحول الاشتراكي للمجتمع” (Aptheker & Davis 2016). الكتاب نفسه الذي حررته ديفيز وأبثيكر وصدر ﻷول مرة عام 1971، يضم كتابات من داخل السجن كتبها سجناء ويخدم بذلك الهدف نفسه الذي سعت مجموعة معلومات السجن على الجانب اﻵخر من اﻷطلنطي إلى تحقيقه. وليس غريبا أن تصدر طبعة جديدة منه في العام الماضي، مع كتاب “عدم التسامح النشط” الذي سبق اﻹشارة إليه في عالم يشهد صعودا لليمين المتطرف في أعقاب موجة من الحراك شملت العالم وألهمتها ثورات الربيع العربي. بشكل أو بآخر نحن نشهد فاشية جديدة هي انتصار للثورة المضادة. في مصر بعد انقلاب عسكري، في الولايات المتحدة بعد انتخاب دونالد ترامب ومؤخرا في البرازيل التي تستقبل عهد رئيسها اليميني جاير بولسونارو، وربما قريبا في فرنسا أيضا في ظل الصعود المتوقع لليمين المتطرف فيها.

تقدمة هاركور المشار إليها لا تنفصل عن عمله اﻷخير كمحرر لسلسلة محاضرات ألقاها فوكو في الكوليج دو فرانس في العام الدراسي 1971-1972 تحت عنوان “النظريات والمؤسسات العقابية”. سلسلة المحاضرات هذه صدرت بالفرنسية عام 2015، وهي اﻷخيرة من حيث النشر بين 13 سلسلة محاضرات ألقاها فوكو كأستاذ كرسي “تاريخ نظم الفكر” في الفترة من 1971 وحتى وفاته عام 1984.

وفي بداية ملاحظاته التي أعدها لهذه المحاضرات يكتفي فوكو بعبارة مختصرة كمبرر لموضوعها: “يحتاج المرء فقط إلى أن يفتح عينيه”، وربما تزول غرابة هذه العبارة إذا ما علمنا أن فوكو كان يلقي محاضراته هذه في الكوليج دو فرانس بينما كانت هي وجامعة السوربون القريبة محاصرتين من قبل قوات فض الشغب الفرنسية المتواجدة حول الجامعات حينها بصفة دائمة منذ انتفاضة 1968. بحث فوكو في النظريات والمؤسسات العقابية يبدأ في سلسلة المحاضرات هذه بالحفر عميقا في تاريخ نشأة المنظومة العقابية الحديثة ويعود به إلى قمع الدولة الفرنسية لانتفاضة للفلاحين “الحفاة” في القرن السابع عشر (Harcourt 2015).

لا يبدو أن ثمة نهاية للتقاطعات والتضمينات السياقية التي تجمع بين نشأة النقد النظري للمؤسسة العقابية وبين واقعنا العالمي والمحلي اليوم، ولكن إيراد ما سبق من هذه التقاطعات والتضمينات ليس الهدف منه هو مراكمتها للتدليل على تشابه سياقات نشأة النقد النظري للمؤسسة العقابية وبين السياق الحالي، وإنما هو محاولة لتلمس بعض المؤشرات الرئيسية فيها والتي تصلح كمفاتيح لمسارات العمل الممكنة لكل من البحث النظري والممارسة العملية في مواجهة الصعود العالمي الجديد لليمين المتطرف وتمادي القمع الداخلي:

المؤشر اﻷول:

هو مركزية الدور القمعي للمؤسسة العقابية الحديثة بمعناها الشامل بالنسبة لكل من نشأتها ومراحل تطورها وبالنسبة لوظيفتها الدائمة في المجتمع. يحيلنا إلى ذلك اختيار فوكو ﻷن يحول مسار محاضراته في الكوليج دو فرانس، في عامه الثاني بها، إلى دراسة النظريات والمؤسسات العقابية مبررا ذلك بدعوة متلقيه إلى النظر حولهم، أي إلى مظاهر الحصار القمعي حول المكان ذاته الذي يلقي فيه محاضراته: القمع يستدعي النظر في المؤسسة العقابية، ويفسر محتوى سلسلة المحاضرات نفسه ذلك، فهو يختار ما يمثل نقطة النشأة لتنظيم المؤسسة العقابية في العصر الحديث في فرنسا استجابة لانتفاضة شعبية: الحاجة إلى قمع الثورة تستدعي تطوير المنظومة العقابية. في المقابل فإن عمل فوكو في محاضراته في اﻷعوام التالية ومن ثم في كتابه المراقبة والعقاب ينتقل إلى الوظيفة القمعية الدائمة للمؤسسة العقابية، وكذا تتعلق أعمال ديفيز بهذه الوظيفة الدائمة.

في الدولة الحديثة حيث أطيح برأس السيادة (الملك) وحيث تتخلل ممارسات الدولة للسلطة جسد المجتمع بكامله (Foucault 1978)، ليس ثمة موضع خارج السلطة للخارجين عليها، ليس معارضو السلطة جماعات متمردة على صاحب السلطان، وإنما هم خارجون على المجتمع ذاته، أي خارجون على القانون، أي بالتعريف مجرمون جنائيون، ومن ثم فالمؤسسة العقابية هي أداة قمعهم بامتياز.

تندرج كافة ممارسات ممثلي المؤسسة العقابية بفروعها المختلفة تجاه معارضي السلطة تحت مظلة إنفاذ القانون (حتى لو خرجت عليه)، تستوى في ذلك التصفية الجسدية التي قد تقوم بها الشرطة مع تلك التي تقوم بها المحاكم من خلال أحكام اﻹعدام، كما يستوي فيه الإخفاء القسري الذي تمارسه اﻷجهزة اﻷمنية بالحبس الاحتياطي لمدد متطاولة الذي تمارسه النيابة العامة، في كل هذه الحالات تؤدي فروع المؤسسة العقابية أدوارها وفق مصطلحات قانونية حتى وإن كان المصطلح يصف خروجا على القانون، وقبل أي شيء هي تؤدي وظائفها نائبة عن المجتمع.

ما علينا التنبه إليه هو أن ارتباط المؤسسة العقابية بالقمع تكويني وبنيوي، وبينما تظل اللحظة التاريخية للثورة المضادة كاشفة، فلا يعني ذلك أن ممارسات المؤسسة العقابية في هذه اللحظة استثنائية بأي حال. ويقودنا هذا المؤشر إذًا إلى ضرورة إخضاع المؤسسة العقابية لنقد جذري يضع المسلمات المختلفة المتعلقة بها موضع التساؤل. هذا النقد ينبغي أن يفترض تاريخية مفاهيم أساسية مثل الجرم والعقاب والعدالة ويبحث في الجينيالوجيا (تاريخ التكوين) الخاصة بكل منها إضافة إلى جينيالوجيا المؤسسات التي يفترض في واقعنا الحالي أنها تمثل الحل الطبيعي واﻷمثل للتعامل معها. وفي حين يقدم لنا مجموع أعمال فوكو أدوات لا غنى عنها في مثل هذه المهمة، فإن ثمة روافد أخرى لها ينبغي أخذها في الاعتبار، أهمها الأدوات النظرية والعملية التي تقدمها أعمال بيير بورديو، والتي لم نتعرض هنا لها على أهميتها لخروجها عن مجال ما تبحثه هذه الورقة على وجه التحديد.

المؤشر الثاني:

هو سياقية دور المؤسسة العقابية، فهذه المؤسسة لا تعمل في فراغ وإنما هي جزء تكاملي من كل هو تقنيات ممارسة السلطة في المجتمع الرأسمالي الحديث. لقد عمل فوكو على استكشاف كل من تقنية الضبط والسياسة الحيوية في سياقهما الغربي، ولا يعني هذا أن هاتين هما تقنيتا السلطة الوحيدتان في سياق المجتمع والدولة الحديثين، كما أن هاتين التقنيتين في حد ذاتهما لابد وأن نقل ممارساتهما إلى واقعنا المحلي والذي بدأ في مطلع القرن التاسع عشر قد عدل كثيرا من مفاعيلهما بما يجعل من الضروري دراستهما في واقعنا المحلي دون افتراض تطابق تجلياتهما مع نظيراتها في واقع المجتمعات الغربية.

تعني السياقية إذًا أنه لا مجال لنقد جذري للمؤسسة العقابية خارج إطار نقد جذري لمجتمع الحداثة الذي تمثل هذه المؤسسة أحد تجليات آليات السلطة فيه. فالحداثة التي جناحاها هما الدولة الحديثة ونمط الإنتاج الرأسمالي،[3] هي الواقع الاجتماعي المنتج لممارسات الحياة اليومية لجميع البشر حاليا، والذين يشاركون جميعا في إعادة إنتاجها من خلال هذه الممارسات ذاتها. هذه الممارسات تظل حداثية طالما كانت بشكل أو بآخر تمر من خلال الدولة وطالما أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في نمط الإنتاج الرأسمالي.

لا يهم مطلقا إن كانت أي من هذه الممارسات تطابق أو تشبه أو تتناقض مع نظائرها في الغرب، فحقيقة اﻷمر أنه ليس ثمة نموذج حداثي وحيد لا في الغرب ولا في خارجه، وإنما تعيش المجتمعات المختلفة صورا من الحداثة تختلف تفاصيلها وإن كان المشترك بينها هو خضوع واقعها للعاملين الرئيسيين للحداثة وهما الدولة الحديثة[4] والرأسمالية، وخضوعه أيضا للمظلة الواسعة لما يسمى بالعولمة التي تعيد إنتاج أثر هذين العاملين في فراغ عابر للحدود السياسية والسيادية للدول.

ما يفرضه علينا هذا المؤشر إذًا هو حاجتنا لبناء نقد لمجتمع الحداثة كما نعيشه وليس كما نقرأ نقوده المنتجة في الغرب؛ يظل بإمكاننا بالطبع، بل ينبغي علينا الاستعانة بما تقدمه هذه النقود من أدوات نظرية وعملية، ولكن قراءة تاريخ حاضرنا لا تزال مهمة لم نقطع على طريقها إلا القليل، ولا زالت تفتقر إلى إطار نظري كاف لدفعها قدما بمعدل مقبول.[5]

المؤشر الثالث:

وهو امتداد للسابق يتضمن تعديلا عليه هو طرح فوكو لضرورة النظر إلى الجانب الإنتاجي لممارسات السلطة، بصفة خاصة تنتج هذه الممارسات ذواتا جمعية نمطية، لا على المستوى الأيديولوجي فقط أو أولا، بل هي تنتجها بإنتاج الذوات المتعينة في الواقع فيما يشبه النقش على أجساد هؤلاء الذين تعمل هذه الممارسات عليهم أو تمر من خلالهم. كمثال يقدم فوكو فهما للعنصرية المتضمنة في ممارسات الدولة الحديثة أكثر شمولية وينبني على مناقشة مطولة في أعماله لعملية إنشاء الذات الجمعي من خلال إنشاء آخر مختلف وبالضرورة مصدر تهديد لهذه الذات، ومن ثم لابد من تطبيعه أو عزله أو تصفيته لحماية الذات الجمعية أو المجتمع.[6]

يمكن قراءة ممارسات المؤسسة العقابية بأنها تسهم في إنتاج الذات الجمعي النمطي من خلال إنتاج ذات الآخر الذي يتم اصطياده في شبكتها العنكبوتية، اﻵخر المجرم، اﻵخر اﻹرهابي، اﻵخر العميل. إن ممارسات هذه المؤسسة لا تعكس تصورا لمن تمارس عليه عملها على أنه شخص عادي تصادف أن اقترف أفعالا يجرمها القانون فأصبح من الواجب إصلاحه بالعقاب، وإنما هي تنشئه كذات آخر خلاف الشخص الطبيعي، المواطن الممتثل للقانون، الوطني المحب لبلاده.

وفي حين تنشئ ممارسات السلطة هذه الذات اﻵخر فهي تخفي عملية اﻹنشاء نفسها بحيث تظهر هذه الذات المنشأة على أنها سابقة على ممارسات السلطة، ومن ثم تبدو هذه الممارسات نتيجة لا سببا. بعبارة أخرى إن ممارسات السلطة من خلال المؤسسة العقابية تنشئ موضوعها على أنه سبب ومبرر وجودها. وينتج عن ذلك عاملان شديدا اﻷهمية بصفة خاصة في واقعنا الحالي:

العامل اﻷول: أن ممارسات السلطة من خلال المؤسسة العقابية إذ تؤسس مبررها على ذات اﻵخر (المختلف المعادي) تتحرر من تبعات أن تكون مبررة بسيادة القانون، ومن ثم يصبح خروج هذه الممارسات عن نص القانون مبررا بالطبيعة المفترضة لموضوعها، فهي إجراءات استثنائية يستلزمها التعامل مع خطر استثنائي متمثل في اﻵخر المختلف.

العامل الثاني: هو إن تلك الذات/اﻵخر هي فعليا ذات منشأة في الواقع العملي، بمعنى أن هؤلاء العالقين بشبكة المؤسسة العقابية (السجناء والملاحقون والمهددون بكل من الملاحقة أو السجن) يشرعون في رؤية ذواتهم كآخر للذات الجمعي خارج الشبكة بأثر لاحق، أي أنهم يفترضون أنهم كانوا كذلك دائما، وأن الذات الجمعي الذي تمثله المؤسسة العقابية كان ولا يزال وسيظل دائما آخرا معاديا، قامعا وقاتلا لهم.

المؤشر الرابع:

هو مركزية السماح للآخر العالق في شباك المؤسسة العقابية بأن يجد صوته وأن يصل هذا الصوت إلى خارج هذه الشباك، في الممارسة العملية لمواجهة القمع المنشئ ﻵخريته. إن إخراس اﻵخر المُنشأ من خلال ممارسات السلطة هو جزء أساسي من عملية إنتاجه كآخر للذات، ومن ثم فإن سماع صوته ضروري لتفكيك هذه العملية وإحداث خروقات بها تساعد على تقويضها.

يطرح هذا المؤشر اﻷخير في الواقع عددا من اﻹشكاليات التي على الباحث الاجتماعي المعني التعامل معها، ففي اللحظة التاريخية الحاضرة، لحظة الثورة المضادة، يستحيل ألا يكون الباحث المتصدي للعمل على جمع شهادات هؤلاء الذين كانوا موضوعا لممارسات المؤسسة العقابية متورطا في حالة الصراع التي تستقطب المجتمع. وإذا افترضنا القدر اﻷكبر من الحيادية العلمية (المستحيلة في المطلق) يبقى أن علينا مساءلة اﻹجراءات البحثية في ذاتها والتي تفرض على سبيل المثال أن يكون للباحث برنامجا بحثيا مسبقا يختار على أساسه ما يجمعه من شهادات وكيف سيصنفها بخلاف الفرضيات المسبقة التي سيحاول اختبارها من خلال ما تقوله هذه الشهادات، هذه اﻹجراءات جميعها تمثل في الحقيقة مصفوفة تعيد تنظيم الخبرات التي تعكسها الشهادات مختلفة عن مصفوفة الواقع المنتج لهذه الشهادات. إن انتقادات لا يمكن إغفالها بنيت على أساس مشابه قد وجهت إلى عمل مجموعة معلومات السجن الفرنسية، فكيف يمكن التعامل معها اليوم؟

هذه فقط بعض من المؤشرات التي يمكن التقاطها من المنتج النظري والتراث العملي للمدرستين الفرنسية واﻷمريكية لنقد المؤسسة العقابية، وهي مع غيرها تتيح فتح مسارات بناء نقد نظري محلي لهذه المؤسسة يمكن له أن يكون جزءا من عملية أوسع للقراءة النقدية للحداثة المتشكلة محليا، وهي في اعتقادي ضرورية لتأسيس أي مشروع للتغيير الجذري. إن المؤسسة العقابية وسجونها هي حيث تكشف ممارسات السلطة الحداثية عن آلياتها بأكبر وضوح ممكن، ومن ثم هي واحدة من نقاط الاشتباك الرئيسية مع هذه الممارسات بغرض تكوين فهم أعمق لها يستفاد منه في العمل على تفكيكها وبناء بدائل قد يكون حظها أفضل في تجنب إعادة إنتاج القمع([7]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Bibliography

Aptheker, Bettina, & Davis, Angela Y. (eds.) If They Come in the Morning: Voices of Resistance (2016), New York: Verso

Davis, Angela Y

 (1988) Angela Davis: A Biography, New York: International Publishers

(2003a) Are Prisons Obsolete? New York: Seven Stories Press

(2003b) Racialized punishment and prison abolition, in Tommy Lee Lott & John P. Pittman (eds.), A Companion to African-American Philosophy. Blackwell (2003)

Foucault, Michel

 (1978) The History of Sexuality: An Introduction (tr. Hurley, Robert). New York: Pantheon Books

(1995) Discipline and Punish (tr. Alan Sheridan). New York: Vintage

 (2003a) Abnormal. Lectures at the Coll è ge de France 1974 – 1975 (tr. Graham Burchell). New York: Picador

 (2003b) “Society Must Be Defended.” Lectures at the Collège de France 1975 – 1976 (tr. David Macey). New York: Picador

 (2007) Security, Territory, Population. Lectures at the Collège de France 1977 – 1978 (tr. Graham Burchell). New York: Palgrave Macmillan

 (2015) The Punitive Society. Lectures at the Collège de France 1972 – 1973 (tr. Graham Burchell). New York: Palgrave Macmillan

Harcourt, Bernard

 (2015) Bernard Harcourt Introducing Penal Theories and Institutions, Foucault 13/13, September 21st. 2015 link [last visited November 13th. 2018]

 (2016) Foreword in Zurn, Perry, & Dilts, Andrew, Active Intolerance: Michel Foucault, the Prisons Information Group, and the Future of Abolition, London: Palgrave Macmillan

Kilgore, James (2015) Understanding Mass Incarceration: People’s Guide to the Key Civil Rights Struggle of Our Time, New York, London: The New Press

Schrift, Alan D.,(2013) Discipline and Punish, in Christopher Falzon, Timothy O’Leary, and Jana Sawicki (eds), A Companion to Foucault, Blackwell Publishing Limited, 2013

Simon, John K., (1991) Michel Foucault on Attica: An Interview. Social Justice, Vol. 18, No.3, Fall 1991


الهامش

[1] مجموعة معلومات السجن Le Groupe d’information sur les prisons GIP، مجموعة تشكلت في بداية عام 1970 من مجموعة من المفكرين الفرنسيين البارزين منهم ميشيل فوكو وجيل دولوز وجان جينيه ودانييل رانسيير وجان بول سارتر وغيرهم. هدف المجموعة كان تمكين أصوات السجناء باﻷساس ومعهم المنخرطون بالعمل في إطار منظومة السجن من الوصول إلى الناس. نشرت المجموعة في تقارير حملت عنوان Intolerable “لا يمكن تحمله”.

[2] بدأ فوكو إلقاء هذه المحاضرات في عام 1971، بصفته أستاذا لكرسي “تاريخ نظم الفكر”، واستمر في إلقاء سلسلة محاضرات جديدة كل عام حتى وفاته المبكرة في عام 1984. تتناول سلاسل المحاضرات اﻷولي “دروس في إرادة المعرفة”، و”النظريات والمؤسسات العقابية”، و”المجتمع العقابي”، نشأة المؤسسة العقابية في فرنسا والخطابات والممارسات التي وفرت شروط هذه النشأة. وسبقت هذه المحاضرات نشر فوكو لكتايه “المراقبة والعقاب”. إضافة إلى ذلك فإن محاضرات “غير الطبيعي”، و”سلطة المصحة النفسية”، و”ينبغي الدفاع عن المجتمع” في الأعوام التالية وبينما تمثل تمهيدا لنشر كتابه “إرادة المعرفة – مقدمة لتاريخ الجنسانية” فهي امتداد هام لعمله اﻷول وتضيف المزيد إلى نقده للمؤسسة العقابية.

[3] أعني بالدولة الحديثة هنا أنها تلك التي تتخلل ممارساتها للسلطة كامل نسيج المجتمع، وتمر من خلالها كافة أشكال ممارسة السلطة في المجتمع. وأعني بنمط الإنتاج الرأسمالي ذلك القائم على تعميم صورة السلعة في السوق على كل أشكال التبادل بين البشر سواء كان موضوع التبادل ماديا ملموسا أو غير مادي.

[4] في تلك البلدان حيث تختفي الدولة المركزية بشكلها التقليدي يحكم واقعها الاجتماعي هذا الغياب ذاته، وتعيد القوى المسيطرة في أجزائها المختلفة إنتاج صورة الدولة الحديثة بتمسكها بأن تتخلل ممارساتها للسلطة نسيج المجتمع الخاضع له في كليته.

[5] تمثل أعمال خالد فهمي؛ كل رجال الباشا، والجسد والحداثة، وأعمال تيموثي ميتشيل؛ استعمار مصر وحكم الخبراء، نماذج رئيسية، وكلاهما فوكولي بقدر أو بآخر. ويقدم حازم قنديل من خلال أعماله؛ مثلث السلطة، وجنود، جواسيس، ورجال دولة، مقاربة أكثر تأثرا ببورديو.

[6] لمناقشة فوكو للعنصرية المتضمنة في الدولة الحديثة أنظر (Foucault 2003b)، ولمناقشته ﻹنشاء الذات الجمعي المعياري/الطبيعي من خلال إنشاء ذوات اﻵخر غير المعياري/غير الطبيعي أنظر (Foucault 2003a).

[7] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

إقرأ أيضاً: سجن الرزين هنا يتم إذلال الإماراتيين

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى