fbpx
الشرق الأوسطاوروبا وامريكاترجمات

CSIS: قوة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط (7)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في هذه الحلقة السابعة، من المدونات الصوتية التي ينشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) تحت عنوان “بابل: تفسير الشرق الأوسط”، يختتم جون ألترمان -النائب الأول لرئيس المركز، ومدير وحدة زبيجنيو بريجنسكي للأمن والجيواستراتيجية العالمية ومدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز- هذه السلسلة بعرض وجهات النظر حول ضرورة تلاؤم الشرق الأوسط مع الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة.

حيث يقوم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو منظمة أبحاث سياسات غير ربحية وغير حزبية، من خلال هذه المجموعة من المدونات الصوتية، بتنظيم نقاشات مع خبراء دوليين وإقليميين ومسؤولين سابقين، تأخذ المتابع إلى ما وراء العناوين الرئيسية لمحاولة فهم ما يحدث بالفعل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حيث يعمل الخبراء الدوليون والإقليميون الذين يستضيفهم البودكاست على تفسير ما يجري على أرض الواقع، من خلال تسليط الضوء على الاتجاهات المختلفة، وكذلك سياقات التطورات المحورية في هذه المنطقة الهامة من العالم.

وقد قام المعهد المصري للدراسات بترجمة ونشر النص الكامل للجزئين الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس من هذا النقاش الهام. وفيما يلي ترجمة الجزء السابع الذي تم نشره باللغة الإنجليزية على موقع CSIS في 12 إبريل 2022 – وذلك على النحو التالي:

في الجزء السابع والأخير من هذه السلسلة، يتحدث ألترمان مع ستيفن والت، أستاذ الشؤون الدولية في كلية جون كينيدي بجامعة هارفارد؛ وداليا داسا كاي، وهي زميل أول في مركز بيركل للعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس؛ ومارتن إنديك، وهو زميل متميز في مجلس العلاقات الخارجية وقد عمل سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل ومساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى؛ ومايكل دوران، وهو زميل أول في معهد هدسون، وقد خدم في إدارة بوش كمدير أعلى في مجلس الأمن القومي، وكنائب مساعد وزير الدفاع، وكمستشار أول في وزارة الخارجية.

جون ألترمان: لم يفكر الرئيس جورج دبليو بوش أبداً في أن يكون رئيساً معنياً بسياسة خارجية محددة. فقد كان حاكماً سابقاً لولاية تكساس، وكان حريصاً على ترك بصمته على قضايا مثل التعليم وإصلاح نظام الهجرة. ولكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر غيّرت رئاسة بوش، بل وغيرت الولايات المتحدة أيضاً. فلأول مرة منذ ما يقرب من قرنين من الزمان، تعرضت الولايات المتحدة القارية للهجوم. وكان رد فعل بوش هو السعي لاستئصال مصادر التطرف التي حفّزت الخاطفين في الحادي عشر من سبتمبر، من خلال تغيير الشرق الأوسط، بالاعتماد بشكل كبير على القوة العسكرية. كان منطقه واضحا. وقال بوش في خطابه للأمة في سبتمبر 2003:

على مدى جيل قبل 11 سبتمبر 2001، كان الإرهابيون وحلفاؤهم المتطرفون كانوا يهاجمون الأبرياء في الشرق الأوسط وخارجه دون مواجهة رد مطّرد وجاد. أصبح الإرهابيون مقتنعين بأن الدول الحرة ما هي إلا دول بالية وضعيفة. وأصبحوا أكثر جرأة، معتقدين أن التاريخ في صالحهم. ولكن منذ أن أخمدت أمريكا حرائق الحادي عشر من سبتمبر، ونعينا موتانا وأقمنا الحداد عليهم، وذهبنا إلى الحرب، أخذ التاريخ منحى مختلفاً. لقد ذهبنا لقتال العدو في عقر داره. إننا ندحر التهديد الإرهابي للحضارة، ليس على أطراف نفوذها، بل في قلب قوتها.

لقد رسّخت هذه الحرب ضد الإرهاب نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، والذي كانت تمثل زخماً للتفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة، بشكل أكثر عمقاً من أي وقت مضى. وعلى الرغم من أن وكلاء بوش خلال الحملة الرئاسية كانوا متشككين في إمكانية بناء كلتا الدولتين واستخدام الجيش في عمليات أخرى غير الحرب، فقد قلبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر هذا النمط من التفكير رأساً على عقب. ورأى بوش أن إصلاح المجتمعات القمعية ضروري للأمن القومي للولايات المتحدة. وكما أوضح لاحقاً للصندوق الوطني للديمقراطية، في عام 2003، قائلاً:

في العراق، نحن نساعد الشعب الذي طالت معاناته في ذلك البلد من أجل بناء مجتمع كريم وديمقراطي في قلب الشرق الأوسط. ونحن معا نقوم بتحويل ذلك المكان الذي كان مقراً لغرف التعذيب والمقابر الجماعية إلى أمة قوانين ومؤسسات حرة. هذا التعهد صعب ومكلف – لكنه جدير ببلدنا وحيوي لأمننا.

ولكن خلال العقدين الماضيين، توصل صانعو السياسة في الولايات المتحدة إلى نتيجة مختلفة. فالقليل منهم يعتقد بأن استراتيجية بوش كانت صحيحة. وحتى الأقل منهم من يعتقد أنها كانت ناجحة.

داليا داسا كاي: أعتقد أنه بالنظر إلى التركيز على الحرب العالمية على الإرهاب ونهجنا العسكري المحض في المنطقة، خاصة خلال العقدين الماضيين، أننا ربما تسببنا في إلحاق الضرر أكثر من جلب النفع. وأعتقد أن الدرس الواضح هو أنه إذا كنت تريد الإطاحة بزعيم في المنطقة، فمن الأفضل أن يكون لديك خطة بشأن ما يجب عليك القيام به بعد ذلك، ولكن نحن لم تكن لدينا مثل هذه الخطة.

جون ألترمان: هذه هي داليا داسا كاي. وهي زميل أول في مركز بيركل للعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس؛ والتي ترأست مركز السياسة العامة في الشرق الأوسط، التابع لمؤسسة راند، خلال الفترة من 2012 إلى 2020. وفي الحقيقة، ليس هذا هو الدرس الوحيد الذي استخلصه صانعو السياسة الأمريكية.

ستيفن والت: إنهم يدركون أن معظم الأشياء التي حاولنا القيام بها في ذلك الجزء من العالم لم تعمل بشكل جيد خلال الـ 25 عاماً الماضية أو نحو ذلك. وليس لديهم رأس المال السياسي لإنفاقه على انطلاقة سلام كبيرة في الشرق الأوسط والظروف على الأرض لا تحفز على ذلك. وليس لديهم شركاء في أي مكان في العالم يدعمون ذلك حقاً، فلماذا ننطح الحائط إذن؟

جون ألترمان: هذا هو ستيفن والت، أستاذ الشؤون الدولية بكلية جون كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد.

إنهم يدركون أنهم لن يحولوا المنطقة إلى بحر من الديمقراطيات بالطريقة التي ربما كان جورج بوش يأمل أن يقوم بها. ولن يغيروا النظام في إيران بالطريقة التي كان مايك بومبيو يعتقد أنه يمكنه فعل ذلك من خلالها.

جون ألترمان: مارتن إنديك زميل متميز في مجلس العلاقات الخارجية. وقد كان كبير موظفي مجلس الأمن القومي في الشرق الأوسط أثناء إدارة الرئيس كلينتون وشغل منصب سفير الولايات المتحدة في إسرائيل خلال الفترة من 1995 إلى 1997 ومرة ​​أخرى من 2000 إلى 2001. وبين الفترتين، شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. يقول مارتن إنديك إن نهج الولايات المتحدة الأكثر تواضعاً في الشرق الأوسط قد فات أوانه.

مارتن إنديك: أعتقد أنه بسبب قوتنا الهائلة وبسبب شعور رؤساء الولايات المتحدة بالمسؤولية لأن يكونوا قادة العالم الحر، وكذلك لبعض الشعور بأننا مشمولين بالعناية الإلهية وأنه يمكننا التجول وإعادة تشكيل العالم على طريقتنا الخاصة، وبسبب ذلك فنحن نصبح عرضة للتجاوز. لقد كانت طموحاتنا تفوق بالفعل قدرتنا على تحقيقها. وقد حدث هذا بشكل خاص في حالة سياسات تغيير الأنظمة الحاكمة التي اتبعناها في العراق وأفغانستان. إننا في حاجة حقيقية إلى تقليص طموحاتنا، لأنه ببساطة لدينا أولويات أكثر إلحاحاً في آسيا وأوروبا. ولأن الوسائل التي كانت دائماً ما تكون محدودة إلى حد ما، هي أكثر محدودية اليوم.

جون ألترمان: لكن البعض يجادل بأن الشرق الأوسط لا يزال مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بأولوياتنا الأخرى وأن النهج الأكثر تواضعاً في المنطقة يخلق ثغرة يستغلها خصوم الولايات المتحدة. يشارك مايكل دوران هذا الرأي. والسيد دوران هو زميل أول في معهد هدسون. وكان قد خدم كمدير رفيع المستوى في مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط خلال إدارة جورج دبليو بوش، وكان نائباً لمساعد وزير الدفاع، ومستشاراً كبيراً في وزارة الخارجية. وهو يقول إنه حتى في الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة إلى التنافس مع الصين، فإنها لا تستطيع تحمل تبعات الابتعاد عن الشرق الأوسط.

مايكل دوران: يستخدم الصينيون الإيرانيين والروس كستارة يختبؤون خلفها، ولذلك فسياستنا في التراجع عن لعبة القوة الصلبة في الشرق الأوسط سيكون لها تأثير في دفع حلفائنا إلى أحضان الصين.

جون ألترمان: بينما لا يسعى السيد دوران إلى إعادة إحياء سياسة خارجية أمريكية تتمحور حول الشرق الأوسط، إلا أنه يعتقد أن الولايات المتحدة لا يزال يتعين عليها التركيز على المنطقة. وباعتبار أن ما نريده هو إحداث توازن قوى بالمنطقة، لذا لا يتعين علينا تحمل كُلفة أجندات وأهداف متطرفة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بالكامل عندما نفكر في هذه الظروف.

جون ألترمان: كيف ينبغي أن يبدو عليه الموقف الأمريكي في الشرق الأوسط من الآن فصاعداً؟ ففي حين أن هناك إجماعاً واسع النطاق على أن قليلاً من النجاحات قد تحققت خلال العقدين الماضيين، إلا أن هناك اتفاقاً، ولو بدرجة أقل، على ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة تماماً لتحقيق المزيد من النجاحات أو ما إذا كان النجاح هو المقياس الصحيح لجهود الولايات المتحدة هناك. وكيف ينبغي للولايات المتحدة التعامل مع شركائها في الشرق الأوسط، وكيف ينبغي عليها التعامل مع الخصوم؟ وكيف يتماهى الشرق الأوسط مع الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة، خاصة تلك التي تركز بشكل متزايد على قارة آسيا؟

أرحب بكم معنا في هذه السلسلة من البودكاست، حيث نتحدث فيها إلى كبار الخبراء وصناع القرار السابقين حول دور قوة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط. أنا مضيفكم في السلسلة، الدكتور جون ألترمان، النائب الأول لرئيس المركز، ومدير وحدة زبيجنيو بريجنسكي للأمن والجيواستراتيجية العالمية ومدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن العاصمة. في هذه الحلقة، سوف نختتم هذه السلسلة بعرض وجهات النظر حول الدور الذي يجب أن يلعبه الشرق الأوسط في الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة ضرورة تلاؤم المنطقة مع ذلك.

على مدى عقود، بذلت الولايات المتحدة كثيراً من الأرواح والأموال في سبيل دعم الحلفاء والشركاء في منطقة الشرق الأوسط. وقدمت عشرات المليارات من الدولارات في شكل منح وقروض، وباعت معدات عسكرية بمئات المليارات من الدولارات، وأنشأت سلسلة من القواعد العسكرية الأمريكية من شمال إفريقيا إلى الخليج. وتم نشر مئات الآلاف من القوات الأمريكية لمواجهة غزو صدام حسين للكويت عام 1990، ونشرت مئات الآلاف منهم بعد 11 سبتمبر من أجل إزاحة صدام حسين عن السلطة. ويواصل عشرات الآلاف من القوات الأمريكية القيام بدوريات منتظمة في المنطقة، حتى دون الدخول في حالة حرب.

لكن شركاء الولايات المتحدة في المنطقة يشتكون لسنوات حتى الآن من أن الولايات المتحدة لا تفعل ما يكفي في الشرق الأوسط أو أنها ربما تفعل الشيء الخطأ. ويشتكي شركاء الخليج وإسرائيل من أن جهود الولايات المتحدة للتعامل مع إيران دبلوماسياً تشجع طهران وتزيد من فرصها في زعزعة الاستقرار في المنطقة بشكل أكبر. وهم يشتكون أيضاً من أن ردود الفعل الأمريكية الصامتة على الضربات التي تشنها إيران ووكلاؤها في المنطقة تجعلهم يشعرون بأنهم مكشوفون. وقد شاهدت العواصم المختلفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان، وتساءلت عما يعنيه ذلك بالنسبة لالتزام الولايات المتحدة بأمنها. هذه الأحداث، بالإضافة إلى بروز الصين كأولوية رئيسية للأمن القومي للولايات المتحدة، جعلت الحكومات في منطقة الشرق الأوسط تستشعر الضعف. ومع تنامي تصورها بخصوص الانسحاب الإقليمي للولايات المتحدة، تقوم تلك الحكومات بإعادة حساباتها من جديد عن علاقتها مع الولايات المتحدة. يقول مارتن إنديك أنه على الرغم من الجهود المبذولة لطمأنة شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنه ليس هناك الكثير الذي يمكن للولايات المتحدة أن تقوم به لتغيير هذه الحسابات.

مارتن إنديك: أعتقد أنه مهما جادلنا معهم لإقناعهم بأننا لن نغادر، فلن يُحدث ذلك أي فرق. أرى أنه من المثير للاهتمام جداً أن تصور انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وتصور وجود فراغ نتيجة لذلك، قد دفع حلفاءنا وشركاءنا في المنطقة بالتوجه إلينا ومخاطبتنا بالقول، “من فضلك، لا تذهب”. نعم، إنه شيء نفسي، حيث يعتقدون أنهم يمكن أن يعتبروا وجودنا هناك كأمر مسلم به، وأننا سنكون دائماً هناك لحمايتهم في أحلك الظروف. ولذلك، فإنهم لا يجدون حرجاً في التجول هنا وهناك وإساءة التصرف بكل الطرق التي يمكن أن تضر بمصالحنا.

جون ألترمان: يقول ستيفن والت إن المواقف الأخيرة التي أبداها شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي جزء من نمط أكبر من الأشياء التي تندرج ضمن تصور أن دعم الولايات المتحدة لهم هو أمر مسلم به.

ستيفن والت: كانت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على مدى سنوات عديدة تستند إلى تقديم دعم غير مشروط إلى حد ما لإسرائيل والسعودية ومصر والأردن. ونحن نرى حدود تلك السياسة. والحقيقة أنه لا يمكن أن تحصل على دعم غير مشروط. وهذه البلدان تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة كما يمكن أن نتوقع.

جون ألترمان: أن أنه يقول إن الوقت قد حان لتقوم الولايات المتحدة بتغيير هذا النهج.

ستيفن والت: ربما يكون هناك درس نستخلصه، وهو أنع على الولايات المتحدة أن تقوم بالمزيد من أجل ذلك أيضاً – أي عدم الدخول في معارك دون الحاجة إلى تحقيق هدف جيد. ويجب أن يكون لدينا استعداد دائم لممارسة المزيد من الضغط على هؤلاء الشركاء عندما يتصرفون بطرق لا نرغبها. وأعتقد أن على الولايات المتحدة ببساطة إجراء محادثات صريحة مع دول مثل السعودية التي تشكو باستمرار من أن الولايات المتحدة لا تدعمها، فضلاً عن اتهامنا بأننا لسنا موثوقين، أو تتساءل عما يعنيه خروجنا من أفغانستان. فبإمكان للولايات المتحدة عند الضرورة أن تشير إلى السجل الطويل جداً من دعم هذه الدول، وتقول، “انظر، إذا كنت تريد أن تستمر في الاعتماد على هذا، فلابد أن تحرص ألا يُنظر إليك في الولايات المتحدة على أنك شريك جاحد ناكر للجميل. لقد فعلنا لك على الأقل نفس القدر إن لم يكن أكثر مما فعلته أنت لنا”. نعم، هذا عمل دبلوماسي، ولكنه عمل لا ينبغي أن نتخلى عنه في هذه المرحلة.

جون ألترمان: مارتن إنديك يوافق على ذلك ويقترح أن الولايات المتحدة تمر بمنعطف هام في علاقتها مع العديد من شركائها في الشرق الأوسط.

مارتن إنديك: للتبعية تبعات. إنهم يريدون العمل بشكل مستقل في المنطقة، كما أوضحوا عندما كان يتعلق الأمر بإيران، حيث قالوا، “نحن لا نحب الصفقة التي ستبرمونها، وبالفعل ستمضون قُدماً وتنجزونها. من ناحيتنا نحن، فإننا ” لن نعارضها ولكننا بدورنا لا نتوقع منكم الاعتراض علينا إذا قمنا بعمل عسكري ضد إيران”. في الحقيقة، لا يمكنك الحصول على كلا الأمرين: أي، لا يمكنك التصرف بشكل مستقل، ثم بعد ذلك تتوقع منا أن نستجيب لك دائماً للوفاء باحتياجاتك.

جون ألترمان: لقد أصبح هذا التوتر واضحاً بشكل خاص في رد الفعل على الغزو الروسي لأوكرانيا. فعندما سعت الولايات المتحدة إلى حشد تضامن الحلفاء في صد الخطوة التي اتخذتها روسيا، لم يحظ مسعاها بتلقي الكثير من المساعدة.

مارتن إنديك: إنهم جميعاً يراوغون ويتمايلون يمنة ويسرة ويحاولون السير بين قطرات المطر دون أن يصيبهم البلل. إنهم لا يريدون الوقوف معنا في مسألة ذات أهمية حيوية للولايات المتحدة، مسألة نعتقد أنها يجب أن تكون ذات أهمية حيوية بالنسبة لهم لأنها تتعلق بالطريقة التي يعمل بها النظام الدولي.

جون ألترمان: لكن وفقاً لإنديك، فإن شركاء الولايات المتحدة الذين يحاولون السير بين قطرات المطر دون أن يصيبهم البلل قد يكون ذلك في الواقع خطوة في الاتجاه الصحيح.

مارتن إنديك: قد يكون ابتعاد إسرائيل عنا في هذا الأمر أمر صادماً، ولكنه في الحقيقة انعكاس للواقع. فقد كانت ردة فعل إدارة بايدن على ذلك هو التسامح في ذلك معهم وعدم انتقادهم. بل إن الإدارة الأمريكية، في الواقع، أشادت بجهودهم في الوساطة، والتي أعتقد أنها كانت مسعى شفاف للغاية لتجنب الانحياز إلى أي طرف، حتى لو لم يكن لوساطتهم تأثير ملحوظ. هذا التهاون من جانب إدارة بايدن مدفوع بما أسميه “حسابات التسامح مقابل التسامح”، ما يعني أننا نتوقع من إسرائيل أن تتسامح في الاتفاق النووي الإيراني مقابل ذلك. وأعتقد أن هناك ترتيباً مناسباً في هذه الحالة، حيث نتسامح مع حساباتهم لمصالحهم، وسوف يتسامحون مع حساباتنا لمصالحنا، وهي علاقة أكثر نضجاً.

جون ألترمان: بالنسبة إلى إنديك، ستكون هذه العلاقات “الناضجة” مع الشركاء أكثر توازناً مما كانت عليه العلاقات الثنائية في الماضي. ففي هذه البيئة الجديدة، تدرك الولايات المتحدة أن الشركاء سيعملون بشكل أكثر استقلالية، ولكن في نفس الوقت ليس لديهم شيك على بياض للتصرف بهذا الشكل.

مارتن إنديك: هذا انعكاس حقيقي لثمن تقليص النفقات. إذا لم نكن حاضرين ومسيطرين في منطقتهم، فعلينا أن نتوقع أنهم سيبحثون عن بدائل أخرى ويحسبون مصالحهم بطريقة مختلفة. وحقيقة أنهم لا يصطفون معنا بالطريقة التي لدينا الأسباب الوجيهة لتوقعها منهم هي مظهر من مظاهر هذا التغيير في العلاقات. وأنا لا أعتقد أنه شيء سيء، بل أعتقد أنه نضج للعلاقة. فطالما لا يزال بإمكاننا العمل معاً لتحقيق اهتماماتنا المشتركة، فلا بأس – بل إنه الأفضل لأننا لا نملك التغطية الكافية للقيام بما اعتدنا القيام به هناك.

جون ألترمان: لكن داسا كاي تعتقد أن إعادة التفكير على نطاق أوسع في العلاقات الأمريكية في المنطقة قد فات أوانها.

داليا داسا كاي: بصراحة ليس لدينا حلفاء فعليون في هذه المنطقة، بل لدينا شراكات. وفي بعض الأحيان لدينا فقط مصالح متوائمة – وفي بعض الأحيان ليس لدينا شيء من ذلك.

جون ألترمان: وهي تقول أيضاً إن الوقت قد حان لتبدأ الولايات المتحدة في دراسة جدوى هذه الشراكات للولايات المتحدة.

داليا داسا كاي: أعتقد أننا بحاجة إلى طرح أسئلة صعبة بهذا الخصوص. فما هي قيمة شراكاتنا في الشرق الأوسط اليوم؟ وماذا نحصل عليه منهم؟ فنحن نبيع أسلحة بالمليارات من الدولارات لهذه المنطقة. وفي الوقت نفسه، نسمع شكاوى لا نهاية لها – وهي محقة في ذلك – من أننا لسنا هناك طوال الوقت من أجل أمن هذه الدول، وخاصة في الخليج العربي. نحصل على أسوأ ما في الأمرين. نحن لا نحصل على الاعتراف بالفضل من أي شخص. حيث يشعر شركاؤنا بخيبة أمل لأننا لا نفعل ما يكفي. وفي نفس الوقت، نواصل تسليح المنطقة بطرق مزعزعة للاستقرار. وهنا يتساءل الكثير من الناس، ما الذي نحققه من وراء هذه الشراكات؟

جون ألترمان: مايك دوران يقول أن لديه إجابة على هذا السؤال:

مايكل دوران: السؤال هو: كيف سنقوم بحل هذه المعضلة، بين ضرورة بقاء القوة الأمريكية المهيمنة في الشرق الأوسط وحقيقة عدم قدرتنا على القيام بذلك من خلال تطبيق واسع النطاق للقوة العسكرية الأمريكية؟ الإجابة على ذلك هي: علينا أن نفعل ذلك من خلال الحلفاء، وعندما تنظر إلى عدد الحلفاء في الشرق الأوسط الذين لديهم قدرات استخباراتية من فئة الأربعة نجوم، وقدرات عسكرية من فئة الأربعة نجوم، واستعداد لاستخدام تلك القدرات، فإن العدد يكون صغيراً جداً. إذ تأتي إسرائيل على رأس تلك القائمة. وهنا أود أن أزعم أن إسرائيل هي أكثر أهمية للولايات المتحدة الآن عن أي وقت مضى. فنحن لا نقدم خدمة لإسرائيل من خلال مساعدتها في الأمن، بل نحن نقدم هذه الخدمة لأنفسنا.

مايكل دوران: ينبغي أن تبدأ كل مناقشاتنا من اعتبارات نشوب حرب في الشرق الأوسط. فاذا اندلعت الحرب، كيف سيكون شكلها؟ من هم حلفاؤنا؟ على جهود الدبلوماسية أن تبدأ من هذه النقطة. فالحلفاء الثلاثة الرئيسيون لدينا في المنطقة هم تركيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية. وكلهم حاسمون في جهود احتواء إيران وردعها. ولكن العلاقات داخل هذا المثلث الذهبي ليست جيدة، لا تاريخياً، ولا في الوقت الحاضر.

جون ألترمان: هو يقول إن التوترات الأخيرة بين الولايات المتحدة وشركائها هي إلى حد كبير من صنع يدها. فبينما تتطلع الولايات المتحدة إلى الخروج من المنطقة، يقول إن الشركاء قد تُركوا وحدهم لتدبر أمورهم بأنفسهم.

مايكل دوران: في الوقت الحالي، دفاعهم مرتبط بنا. ولكن وضْعنا فريد من نوعه لدرجة أنه ليس لديهم خيار جاهز لمفارقتنا، لكننا نبعدهم عنا إلى حد يثير الصدمة حقاً. فعندما تثير غضب حلفائك وتبدأ في معاملة الروس والإيرانيين كمحاورين صالحين للولايات المتحدة من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، فعليك أن تتعامل مع العواقب الناتجة على ذلك. وعندها سيقتدي بك حلفاؤك وسيفعلون مثلما تفعل. فبالنسبة للإسرائيليين، تُعتبر العمليات في سوريا حيوية لمصالحهم، ولكن الولايات المتحدة جعلت الروس القوة المهيمنة في سوريا. فأي خيار بقى لديهم؟

جون ألترمان: لكن ستيفن والت يعتقد أنه عندما تبتعد الولايات المتحدة عن شركائها، تقل التوترات في واقع الأمر.

ستيفن والت: لقد رأينا في السنوات القليلة الماضية أن العلاقات بين دول الخليج المختلفة وإيران تتحسن في بعض الأحيان عندما لا يبدو أن هناك دعم أمريكي تلقائي. وعندما لم ترُد إدارة ترامب بقوة على بعض الأشياء التي كانت تفعلها إيران، كان رد الفعل في السعودية والخليج أن يقولوا فجأة، “حسناً، نحن بحاجة إلى خفض التوتر مع إيران”. وبدأوا يتحدثون عن ذلك مرة أخرى، بطرق لم يفعلوها منذ وقت طويل. فإذا حصلت على خفض التوترات بين الولايات المتحدة وطهران، بحيث لا نبدو مستعدين تماماً لدعمهم (دول الخليج)، فأنت في الواقع تمنح شركاء الولايات المتحدة في المنطقة حافزاً لمحاولة حل الأمور مع إيران أيضاً.

جون ألترمان: بينما يرى والت في ذلك فرصة، يرى دوران أنه كارثة محققة.

مايكل دوران: بمجرد إشراك إيران بالطريقة التي نشركها بها، فإننا في الحقيقة نقويها. وإذا انتهينا من توقيع الاتفاق النووي معها، فسنكون قد قمنا بتقويتها بشكل أكبر. وفي الوقت نفسه، نقول لحلفائنا إننا سنساعدهم فقط في الدفاع عن أراضيهم من الهجمات الإيرانية. ولن ننخرط في أي أنشطة ضد إيران تهدف إلى ردعها. والنتيجة أننا نشجع إيران. ومن الواضح بالنسبة لي، ويجب أن يكون واضحاً لكل مراقب، أن سياسة الولايات المتحدة اليوم تشجع الإيرانيين. وبذلك نحن لا نشجع حلفاءنا.

جون ألترمان: هو يقول إن ترك شركاء الولايات المتحدة لطموحات إيران في المنطقة وتجاهل مخاوفهم الأمنية لم يترك لهم فرصة كبيرة سوى البحث عن الحصول على المساعدة من مكان آخر.

مايكل دوران: لقد جعلنا حلفاءنا، في الحقيقة، يتامى الدفاع. لقد بدأوا في الانجذاب إلى الصينيين، على أمل أن يتمكنوا من يدفعوا الإيرانيين نحو الاعتدال عبر بكين. ويمكنهم الضغط علينا أيضاً من خلال إظهار اهتمامهم بالانتقال إلى بكين.

جون ألترمان: ولكن والت يرفض فكرة أن التعامل مع إيران يدفع الشركاء نحو الصين. وهو في الواقع، يجادل بأن العكس هو الصحيح.

ستيفن والت: الطريقة الأكثر وضوحاً لمنافسة الصين في الشرق الأوسط هي إنهاء تهميش أو نبذ إيران. فالمكان الذي من المحتمل أن تتمتع فيه الصين بأكبر الفرص لتحقيق تقدم في الشرق الأوسط هو إيران، لأننا لا نتعامل معهم على الإطلاق. وطالما أنه لا يزال يتعين على إيران أن تحاول تصدير النفط الذي تنتجه وأن الصين بحاجة ماسة إلى إمدادات طاقة يمكن الاعتماد عليها، فإن هذا هو الرابط الأكثر وضوحاً بينهما.

جون ألترمان: لكن هذا لا يعني أنه لا يعتقد أن انخراط الصين المتزايدة في المنطقة يشكل تحدياً للولايات المتحدة.

ستيفن والت: أعتقد أننا سنشهد ظهور بيئة دبلوماسية أكثر تنافسية هناك، لكنها ليست بيئة نفتقر فيها إلى الموارد لممارسة اللعبة طالما أننا واقعيون بشأن ما يمكن أن نتوقعه. ستحاول دول الشرق الأوسط اللعب على وتر وضع الصين والولايات المتحدة ضد بعضهما البعض، وسيتطلب ذلك شيئا من الدقة في الحكم على الأمر من جانبنا. ومع ذلك، فإنه لا يتطلب منا أن نفعل كل شيء بشكل مطلق لدول الشرق الأوسط التي تبدأ في مغازلة الصين.

جون ألترمان: لكن بالنسبة لدوران، فإن التهديد من تزايد انخراط الصين في الشرق الأوسط هو أكثر إلحاحاً ووجودية بالنسبة لنا.

مايكل دوران: نحن الآن في منافسة كبيرة للغاية مع الصينيين في الشرق الأوسط، وكذلك مع الروس والإيرانيين. أعتقد أن الصينيين والروس والإيرانيين في تحالف صُمّم في الأساس لتقويض النظام الأمريكي في العالم.

جون ألترمان: مارتن إنديك ليس على يقين تام من أن الصين تريد أن تحل محل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

مارتن إنديك: لا أرى أنهم أتوا لتحدينا بمحاولة الهيمنة في الشرق الأوسط. فهم قلقون للغاية بشأن الانجرار إلى دوامة الشرق الأوسط. ولا يريدون الاختيار بين السعودية وإيران، على سبيل المثال. هم يريدون إقامة علاقات جيدة مع كلا الدولتين. إذا كنت تريد أن تكون لاعباً في المنطقة باستخدام قوتك في التأثير على التطورات في المنطقة، فسيتعين عليك تحديد الجانب الذي تقف فيه. لا يمكنك أن تكون قوة عظمى تهيمن على المنطقة إذا كنت تحاول تجنب مواجهة أي مشاكل. سوف تتولد العديد من المشاكل من خلال امتلاك هذا الطموح.

جون ألترمان: ولكن داسا كاي تخشى أن تكون استراتيجية محاربة النفوذ الصيني هي مجرد هزيمة ذاتية.

داليا داسا كاي: بالتأكيد لن يؤدي هذا إلا إلى زيادة المنافسة وقد يأتي بنتائج عكسية. لقد كان انخراط الصين في المنطقة حتى الآن اقتصادياً إلى حد كبير – وإذا نظرت إلى انخراطها العسكري، فقد كان محدوداً للغاية. بالطبع، نحن قلقون بشأن ذلك، لكن إذا انخرطنا في عقلية الحرب الباردة الجديدة هذه مع الصين، فقد نشجعهم على توسيع ذلك الانخراط العسكري. فحاليا، لا تمثل الصين تهديدا عسكريا. دعونا لا نجعلها تكون كذلك.

جون ألترمان: دوران يقول أن التهديد موجود بالفعل.

مايكل دوران: إنهم لا يُخفون رغبتهم في أن يكونوا القوة العسكرية المهيمنة في العالم. يجب أن نكون قلقين للغاية بشأن المنشآت العسكرية الصينية. فقد كانوا يبنون منشأة عسكرية لا نعرف طبيعتها على وجه الدقة في الإمارات. ولديهم قاعدة عسكرية في جيبوتي.

جون ألترمان: هو يعتقد أن هذا هو دور يجب ألا تتخلى عنه الولايات المتحدة بهذه السهولة.

مايكل دوران: يجب أن تحرص الولايات المتحدة أن تظل القوة المهيمنة في الشرق الأوسط بسبب أهمية المنطقة – إن لم يكن لسبب آخر غير موقعها المركزي في أسواق الطاقة العالمية. فإذا تنازلنا عن ذلك للصينيين، وهو ما نواجه خطر القيام به، فإن الصينيين سوف يستغلون هذا الموقف ليصبحوا القوة المهيمنة، ليس فقط هناك في الشرق الأوسط، ولكن في كل أوراسيا. فالتنافس الذي نخوضه مع الصين هو تنافس على أوراسيا.

جون ألترمان: يعتقد والت أن محاولة الولايات المتحدة للسيطرة على الشرق الأوسط مضلّلة.

ستيفن والت: إن المصلحة الأمريكية الأساسية ليست في السيطرة على الشرق الأوسط. لكن المصلحة الأساسية للولايات المتحدة هو التأكد من عدم سيطرة أي أحد على الشرق الأوسط، أو من تقسيمه جيوسياسياً، وأن يستمر تدفق الطاقة التي يحتاجها الاقتصاد العالمي إلى الأسواق العالمية. نحن لا نهتم إلى أين تذهب، طالما أنها تمثل جزءاً من الخزان الأكبر للطاقة هناك.

جون ألترمان: تقول داسا كاي، شئنا أم أبينا، فإن فرصة الولايات المتحدة للقيام بلعب هذا الدور الاستبدادي قد ولّت.

داليا داسا كاي: نحن ببساطة لم نعد مسيطرين بعد الآن. نحن لنا أهميتنا، ويجب أن نكون حاضرين، لكننا لسنا اللاعب الوحيد. سيتعين علينا معرفة متى وكيف نعمل مع القوى الأخرى لتحقيق نتائج مختلفة. نحن بحاجة إلى التفكير في البنية الذكية للأمن الإقليمي، حيث نعمل مع شركاء آخرين لديهم قبول إقليمي بحيث يرى الجميع قيمة في ذلك.

جون ألترمان: هي تقول إنه بينما يتبنى صانعو السياسة الأمريكيون الواقع الجديد في الشرق الأوسط، فإنهم يحتاجون أيضاً إلى تركيز بشكل جديد.

داليا داسا كاي: نحن بحاجة إلى أن نكون واضحين بشأن موقفنا، وهذا يمثل تحدياً أوسع لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة – فنحن غالباً ما نركز على ما نتخذ موقفاً ضده. فمثلاً، نحن ضد القاعدة. ونحن ضد جماعة الدولة الإسلامية. ونحن ضد إيران. وفي زمن سابق، كنا ضد السوفييت. ونحن الآن ضد الصين. كل شيء يدور حول محاولة إخراج الأشرار من المنطقة. لماذا نحن؟ وما هي الرؤية الإيجابية لهذه المنطقة؟

جون ألترمان: هي تقول إن إحدى الطرق التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها دفع تلك الرؤية الإيجابية للأمام هي العمل مع الشركاء والخصوم على حد سواء لتهدئة التوترات في المنطقة.

داليا داسا كاي: انظر، لا أعتقد أننا يجب أن نرفع سقف طموحاتنا كثيرا، ولكن في الشرق الأوسط، حتى المستوى المنخفض سيكون بمثابة تحسن. فنحن ليس لدينا حتى الآن منتدى إقليمي للتعاون الأمني ​​. نحن بحاجة إلى منتدى حيث يمكن للدول المتخاصمة أن تجلس في نفس الغرفة وتتحدث عن مشاكلها، وتطور خطوطاً ساخنة بينها، وتحاول على الأقل منع نشوب صراع غير مقصود. نعم، لن تكون قادراً على منع الصراع الذي قد يثيره زعيم ما أو دولة ما، لأسباب مختلفة، ولكن يمكنك على الأقل منع الصراع غير المقصود. يمكنك أيضاً زيادة الشفافية بحيث لا يبدو وقوع حادث نووي في منشأة ما وكأنه محاولة لشن هجوم نووي، حتى لا يُساء تفسير زلزال قد يفسره شخص ما على أنه شيء مقصود عسكرياً بشكل أكبر. في الوقت الحالي، ليس لدينا قنوات اتصال بين الخصوم في هذه المنطقة. وهذا ليس أمراً طبيعيا. هذا ليس بشيء صحي. نحن بحاجة إلى التفكير في بنية أمنية إقليمية شاملة بشكل أكثر جدية.

جون ألترمان: يرى والت أيضاً فوائد مثل هذا النوع من الترتيبات.

ستيفن والت: لم أنجذب بقوة أبداً إلى مثل هذه النماذج، لكن مع مرور الوقت أصبحت أكثر احتراماً لها في عدد من السياقات. فالأمور تزداد سوءاً عندما لا تتحدث الأطراف مع بعضها البعض على الإطلاق. لقد تبين أن وجود قنوات اتصال غير رسمية، والقدرة على التعامل مع القضايا الوظيفية غير السياسية على وجه الخصوص – الملاحة، والمساعدات الإنسانية، وعمليات الطوارئ، وأحياناً حتى المسائل العادية مثل الهجرة واللاجئين – تبين أنها مفيدة للغاية. ويبدأ ذلك بالاندماج في إطار عمل إقليمي أو مناقشات حول ما يمكن أن يكون هيكلاً أمنياً إقليمياً مناسباً.

جون ألترمان: هو مثل داسا كاي، في أنه لا يعتقد أننا يجب أن نرفع من مستوى التوقعات أكثر من اللازم.

إن هذا الأمر صعب، بمعنى أن الولايات المتحدة الآن ليست في وضع يمكنها من قيادة مثل هذه العملية. فإذا أعلنا أننا نريد إجراء مناقشة أمنية إقليمية شاملة جديدة على غرار جنيف، أعتقد أن سلوكنا السابق قد جعلنا أقل مصداقية مما كنا عليه في فترات سابقة. ومع ذلك، فإذا أرادت القوى الإقليمية القيام بذلك، فعلينا تشجيع حدوث هذا النوع من الأشياء. لكن قدرة جميع الأطراف هنا على العبث بهذه العملية وحرْف مسارها في لحظات محرجة هو أمر شائع كثيراً.

جون ألترمان: يتساءل البعض عن الفترة التي ستحتاج إليها الولايات المتحدة للاهتمام بالشرق الأوسط. كما يقول ستيفن والت:

ستيفن والت: لقد تم تشكيل الشرق الأوسط الحديث بقدر ما تم، من خلال دوره المركزي كمصدر للطاقة منذ الحرب العالمية الثانية – وربما قبل ذلك بقليل. فإذا كان هذا الدور يقترب من نهايته، دعنا نقول إنه سيكون بحلول عام 2050 أو 2060، فمن الصعب بالنسبة لي أن أصدق أنه لن تكون له حقاً تأثيرات دراماتيكية على كيفية ارتباط الدول في المنطقة ببعضها البعض – وكيف ستفكر القوى الكبرى الأخرى خارج المنطقة في ذلك الجزء من العالم.

جون ألترمان: وهذا لا ينسجم مع ما يراه مايك دوران.

مايكل دوران: إذا لم أكن قد غادرت الحياة في غضون 30 أو 40 عاماً، وتحول العالم بعيداً عن الوقود الأحفوري، فحينها سأكون راغباً في إجراء هذه المناقشة. ولكن ربما لن أكون على قيد الحياة في ذلك الوقت، لكن أي استراتيجية اليوم تشير إلى الانتقال الذي سيحدث في غضون 30 عاماً هي أساس سيء للسياسة.

جون ألترمان: لم تحول هجمات الحادي عشر من سبتمبر تركيز صانعي السياسة الأمريكيين على الشرق الأوسط فحسب، بل أقنعت الكثيرين منهم أن الولايات المتحدة بحاجة إلى خطة جريئة وتحويلية لإعادة تشكيل المنطقة وإزالة التهديدات الموجهة للمصالح الأمريكية. لقد خلّفت وراءها عقوداً من الحرب، والتكتيكات المتغيرة للفاعلين من غير الدول، واستمرار الاستبداد في الشرق الأوسط  – كل ذلك قلل عدد المدافعين عن تلك الإستراتيجية. ومع ذلك، فهناك اتفاق بدرجة أقل على أي استراتيجية للشرق الأوسط يجب أن تحل محلها.

يجادل البعض بأن الشرق الأوسط لا يزال يمثل الركيزة الأساسية للنظام العالمي وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى الحفاظ على وجود قوي هناك لإبقاء الخصوم تحت السيطرة. بينما يجادل آخرون بأن الشرق الأوسط يجب أن يكون مصدر قلق ثانوي. فبالنسبة للبعض، تتطلب أي استراتيجية معقولة في المنطقة توفر علاقات أوثق مع الحلفاء والشركاء، بينما يقترح البعض الآخر أننا قد وصلنا إلى النقطة التي نُدرك فيها أن العلاقات الأكثر “نضجاً” تعني أنه يجب على جميع الدول منح بعضها البعض مهلة لتحقيق مصالحها الوطنية بالشكل التي تراه مناسبا. فبينما يرى البعض أن تخفيض الوجود الأمريكي يساهم في التكيف الإقليمي، يرى آخرون أنه يطلق الحبل على الغارب للجميع لإساءة السلوك، وجموح التنافس، والتحوط. قد يلعب شيء مثل إطار للعمل الأمني ​​الإقليمي دوراً بنّاء في تقليل التوترات في السنوات القادمة، ولكن في النهاية، قد يكون العامل الأكثر أهمية هو العامل الخارجي. ومن المرجح أن يؤدّي التحول العالمي في مجال الطاقة إلى تغيير الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط على مدى العقود الثلاثة القادمة، كما أنه أيضاً سيغير بيئة الأمن الإقليمي. قبل عقدين من الزمان، أعلن الرئيس جورج دبليو بوش عن مركزية الشرق الأوسط في تصور الأمن القومي للولايات المتحدة. أما بالنسبة لما بعد عقدين من الزمن مستقبلا، فمن الصعوبة الشديدة التنبؤ بالشكل الذي ستكون عليه المنطقة، وما الدور الذي ستلعبه فيما يرتبط بتصور الولايات المتحدة. لكن بالنسبة لأولئك الذين يتذكرون كيف انخرطت الولايات المتحدة وعلَقت في منطقة الشرق الأوسط، فإن عقدين أو ثلاثة عقود ليست فترة طويلة من الزمن.

شكراً لانضمامكم إلينا في هذه السلسلة القصيرة من البودكاست حول قوة الولايات المتحدة وتأثيرها في الشرق الأوسط. حيث قامت ليز بولفر بإنتاج البودكاست. أما كاليب هاربر فقد وقام بإتاحة كل ما يتعلق بالبحث والكتابة لهذه السلسلة. وتقبلوا تحياتي أنا مضيفكم، جون ألترمان.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close