fbpx
الشرق الأوسطترجمات

CSIS: قوة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط (3)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في هذه الحلقة الثالثة من المدونات الصوتية التي ينشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) تحت عنوان “بابل: تفسير الشرق الأوسط”، يتناول جون ألترمان -النائب الأول لرئيس المركز، ومدير وحدة زبيجنيو بريجنسكي للأمن والجيواستراتيجية العالمية ومدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز- كيفية استخدام الولايات المتحدة لمجموعة أدواتها الاقتصادية في المنطقة، ومدى نجاح العقوبات والمساعدات الإنمائية في تعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

حيث يقوم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو منظمة أبحاث سياسات غير ربحية وغير حزبية، من خلال هذه المجموعة من المدونات الصوتية، بتنظيم نقاشات مع خبراء دوليين وإقليميين ومسؤولين سابقين، تأخذ المتابع إلى ما وراء العناوين الرئيسية لمحاولة فهم ما يحدث بالفعل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حيث يعمل الخبراء الدوليون والإقليميون الذين يستضيفهم البودكاست على تفسير ما يجري على أرض الواقع، من خلال تسليط الضوء على الاتجاهات المختلفة، وكذلك سياقات التطورات المحورية في هذه المنطقة الهامة من العالم.

وقد قام المعهد المصري للدراسات بترجمة ونشر النص الكامل للجزئين الأول والثاني من هذا النقاش الهام. وفيما يلي ترجمة الجزء الثالث الذي تم نشره باللغة الإنجليزية على موقع CSIS في 21 مارس 2022 – وذلك على النحو التالي:

في الجزء الثالث من هذه السلسلة، يتحدث ألترمان مع هوارد شاتز، كبير الاقتصاديين في مؤسسة راند للأبحاث والتطوير الذي عمل مع مجلس المستشارين الاقتصاديين لإدارة بوش في 2007-2008؛ وإيمي هوثورن، نائب مدير الأبحاث في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط  (POMED) والتي عملت كمستشار أول لشؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية إبّان فترة الربيع العربي. وعلي فايز، مدير مشروع الأبحاث حول إيران بمجموعة الأزمات الدولية.

يقول جون ألترمان: تفرض الولايات المتحدة عقوبات على الحكومة السورية منذ السبعينيات. ومع ذلك، فقد جاءت معظم العقوبات الحالية على مرحلتين. كانت المرحلة الأولى في عام 2004، في إطار الجهود لإرغامها على إنهاء وجود الممتد لفترة طويلة للقوات السورية في لبنان. والمرحلة الثانية في معرض الرد على انتهاكات الحكومة السورية المتصاعدة لحقوق الإنسان في أعقاب احتجاجات الربيع العربي عام 2011. حيث تطورت تلك الاحتجاجات إلى صراع داخلي لا يزال مستمراً حتى الآن، وقد أدت العقوبات إلى تقليص معظم التجارة الأمريكية المتبقية مع سوريا. وتم تجميد الأصول -بالولايات المتحدة- التي يملكها المسؤولون الحكوميون السوريون والشركات المملوكة للحكومة ورجال الأعمال السوريين البارزين المرتبطين بالنظام. وفي عام 2019، غيّرت الولايات المتحدة نهجها الخاص بالعقوبات من خلال قانون قيصر. وسيقوم بتلخيص هذا الأمر إليوت إنجل، الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي:

ويقول إليوت إنجل: قانون قيصر يفرض أشد العقوبات شمولاً على النظام السوري وداعميه منذ بداية الحرب الأهلية الدائرة هناك. وما لم يقم النظام السوري بوقف العنف ضد شعبه واتخاذ خطوات لا رجعة فيها نحو السلام ، فإنه يتحتم على الولايات المتحدة أن ترفع كلفة الخيارات التي يتخذها هذا النظام “.

وفي معرض حديثه عن قانون قيصر، يقول هوارد شاتز: ما هي ماهية قانون قيصر؟ إنه يفرض عقوبات على من يدعمون الحكومة السورية أو كبار الشخصيات السياسية. وتستهدف العقوبات أيضًا أولئك الذين يدعمون صناعة النفط والغاز هناك ، أو يقدمون للنظام طائرات عسكرية أو قطع غيار ، أو يقدمون خدمات في الإنشاءات أو الهندسة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يقوم بشيء آخر: وهو فرض عقوبات على أي شخص يتعامل بشكل فعال مع أي شخص أو كيان له أي صلة بالسلطات في سوريا. وهذا يعني أنه إذا تم تصنيف شخص ما (من حيث صلته بالنظام السوري)، ولكن تم رصد شخص آخر لم يتم تصنيفه بأن له أي صلة بالنظام يتعامل مع الشخص الأول المرتبط بالحكومة السورية، فإنه يتم تصنيف الشخص الثاني بالضرورة، وبالتالي تنطبق عليه العقوبات المقررة أيضاً.

جون ألترمان (في معرض تقديمه لهوارد شاتز): معنا هوارد شاتز، وهو خبير اقتصادي رفيع في مؤسسة راند وعمل أيضاً مع مجلس المستشارين الاقتصاديين لإدارة بوش في 2007-2008 – وهو يقول إن قانون قيصر كان له هدف محدد.

هوارد شاتز: لماذا تم إصدار قانون قيصر؟ لأن الولايات المتحدة تريد أن تدفع حكومة الأسد إلى إجراء أنواع الإصلاحات التي نص عليها قرار مجلس الأمن رقم 2254. وقد أدى التهديد بفرض عقوبات أخرى ثانوية إلى منع المستثمرين الأجانب فعلياً من أي تعاون في مشاريع إعادة الإعمار. لقد كان ذلك ناجحًا للغاية. نحن نعلم ذلك جزئيًا حيث إن المستثمرين المحتملين عبروا عن شكايتهم من ذلك.

جون ألترمان: ولكن ، حتى في ظل كل هذا الضغط ، فإن نظام الأسد لم يفعل ما كانت الولايات المتحدة تحاول دفعه للقيام به.

هوارد شاتز: هل أجبر ’قانون قيصر‘ الأسد على الموافقة على الاقتراب ولو خطوة واحدة من القيام بالأشياء التي ينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 على وجوب قيامه بها؟ أعتقد أن الجواب لا. لا يوجد شيء من ذلك.

جون ألترمان: يقول علي فايز ، مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية ، إن نتائج العقوبات المفروضة على إيران لم تكن بأفضل من ذلك.

علي فايز: رغم سياسة العقوبات ، إيران في عام 2022 هي أقرب إلى أعتاب الأسلحة النووية عما كانت عليه في أي وقت مضى. وأصبح لديها واحدة من أكثر ترسانات الصواريخ الباليستية تطوراً في عموم المنطقة. كما أن لديها شبكة من النفوذ – من خلال الشركاء والوكلاء – في جميع أنحاء المنطقة والتي تهدد مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها. وإذا قمنا بقياس مدى نجاح الضغوط الاقتصادية الأمريكية ضد إيران في ضوء تلك التطورات على مدى  العقود الأربعة الماضية ، فيمكننا القول بأن ذلك  كان بمثابة فشل ذريع.

جون ألترمان: … بالطبع في هذه الحلقة ، نتناول مجموعة الأدوات الاقتصادية التي تستخدمها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ونناقش مدى نجاح مساعدات التنمية والعقوبات في خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة. لقد أصبحت العقوبات هي الأداة الاقتصادية الأشهر التي تستخدمها حكومة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط – ومناطق أخرى – منذ الحادي عشر من سبتمبر. ففي العام الماضي ، أمرت إدارة بايدن بإعداد تقرير شامل عن استخدام العقوبات في جميع أنحاء العالم. ولعل علي فايز يلخص لنا النتائج التي توصل إليها التقرير.

علي فايز: يمكنك أن ترى أن استخدام العقوبات الأمريكية في السنوات العشرين الماضية قد زاد بنسبة 93٪. فقد أصبح لدينا آلية قوية في تصميم وتنفيذ وإنفاذ العقوبات ، لكن هذه العجلة تدور في اتجاه واحد فقط.

جون ألترمان: وقد نجحت الولايات المتحدة في إدارتها.

هوارد شاتز: هذه العقوبات يمكن أن تكون عقوبات تجارية – قيود إلى حد ما على تجارة السلع والخدمات بين البلدان. وقد تكون عقوبات استثمارية – قيود على الاستثمار، سواء في الشركات الأمريكية أو استثمارات أمريكية في الشركات الأجنبية – أو قد تكون عقوبات مالية ، حيث يتم الحد من إمكانية وصول الأجانب إلى النظام المالي الأمريكي.

جون ألترمان: هذه العقوبات يمكن أن تكون مكلفة. فما بين عامي 2011 و 2015 ، تسببت العقوبات الأمريكية في انكماش بالناتج المحلي الإجمالي لإيران بنسبة تفوق الـ 20 %. وخلال نفس الفترة ، أدت العقوبات الأمريكية على مبيعات النفط الإيرانية إلى تقليص الصادرات بأكثر من مليون برميل يوميًا – أي أكثر من 50 %. لكن هل مثل هذه الضغوط (الاقتصادية) تؤدي إلى تحقيق ما تريده الولايات المتحدة؟ يقول علي فايز إن ذلك ممكن ، لكن فقط في ظل ظروف محددة..

علي فايز: ما يغفل عنه الناس في كثير من الأحيان هو أنه كان لإدارة أوباما خاصيتان ساعدتاها بالفعل حصد النتائج المرجوة من تلك العقوبات. أولاً: أنه كانت تسعى وراء تحقيق هدف ضيق ولكنه واقعي، بالتنسيق مع القوى العالمية ـ أوروبا وروسيا والصين. ثانيًا: لأنه رغم حقيقة أنها الطرف الأقوى ، إلا أنها قامت بتقديم التنازل الأول للإيرانيين. في عام 2012 ، أثناء مفاوضات سرية عُقدت في عُمان ، كانت الولايات المتحدة هي التي تراجعت خطوة للوراء عن الخط الأحمر السابق تجاه حظر تخصيب اليورانيوم مطلقاً في إيران. وأقرت بضرورة وجود برنامج نووي محدود في إيران، لكن في ظل رقابة صارمة. وهذا ما جعل الصفقة ممكنة.

جون ألترمان: لكن هوارد شاتز يقول إن استخدام العقوبات لحمل الدول على فعل ما تريده الولايات المتحدة هو أمر أكثر تعقيدًا مما يبدو في ظاهر الأمر.

هوارد شاتز: إذا نظرنا إلى العواقب الفعلية ، فإن العقوبات جيدة للغاية في التسبب في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وتراجع التجارة. لذا فإن لها بالتأكيد عواقب اقتصادية. هل تحقق هذه العقوبات النتيجة المرجوة منها فيما يخص درجة الامتثال التي نريدها؟ هذا في الحقيقة أصعب بكثير. فإذا كان في بعض الحالات ، نعم. ففي حالات أخرى ، لا. نعم يمكن أن تسبب العقوبات الكثير من الإيلام بالنسبة للدول المفروضة عليها، لكن من المستبعد جدًا أن تتسبب في تخلي تلك الدول عن مصالحها الجوهرية.

جون ألترمان: وفي بعض الأحيان ، يمكن أن يكون لسياسة العقوبات تأثير معاكس عما قصده صناع السياسة.

علي فايز: العقوبات تخلق طبقة جديدة من المسؤولين الإيرانيين الذين يستفيدون حقًا من الالتفاف على العقوبات وخلق طرق للتحايل عليها من خلال التهريب والسوق السوداء. وكان الرئيس الإيراني السابق ، حسن روحاني ، يسمي هؤلاء الأشخاص بـ “تجار العقوبات”. هؤلاء هم الأشخاص الذين لا يريدون في الواقع تخفيف العقوبات. ومن المثير للاهتمام ، أن هؤلاء هم الأشخاص الذين تسعى الولايات المتحدة إلى إضعافهم ، ولكن على نحو مضاد – نتيجة لسياسة العقوبات التي تتبعها واشنطن – يصبحون أكثر قوة وتمكيناً في السياسة الإيرانية.

جون ألترمان: لكن شاتز يعتقد أن المشكلة أكثر تعقيدًا من ذلك. حيث لا تهتم العديد من الحكومات ، ولا سيما تلك الخاضعة للعقوبات ، بما يتعلق برفاهية السكان.

هوارد شاتز: كلما زادت رغبة الحكومة الوطنية في السماح بتجويع الشعب أو زيادة معاناتهم، كلما قلت احتمالية أن تكون هذه العقوبات فعالة.

جون ألترمان: يضع فايز اللوم أكثر على الجانب الأمريكي. ويقول إن فرض العقوبات بشكل مضطرد يأتي بنتائج عكسية.

علي فائز: تعتمد فعالية العقوبات كأداة من أدوات الدولة على القدرة على تخفيف تلك العقوبات استجابة للتحولات السياسية الحقيقية للدولة المستهدفة. ولا تكون العقوبات فعالة إلا بقدر قدرتنا على ضمان توفير إجراءات تخفيف وإغاثة حقيقية للدولة المستهدفة. فما يهم حقًا هو ما يحدث عند رفع العقوبات – وليس بالضرورة ما يحدث عند فرض العقوبات.

جون ألترمان: على الرغم من النجاح الأولي للعقوبات ضد إيران في دفع الحكومة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات ، فإن فايز يقول إن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على الوفاء بتعهداتها بإجراءات التخفيف.

علي فايز: على الرغم من الجهود الاستباقية التي قامت بها إدارة أوباما ، فقد استغرق الأمر شهورًا وشهورًا حتى تصدر وزارة الخزانة تراخيص – حتى لبيع طائرات بوينج الخاصة بنا نحن  للإيرانيين. فقد استغرق الأمر حوالي 10 أشهر ، على سبيل المثال ، لإصدار تراخيص لهذه الطائرات عل وجه التحديد. ولم تعد علاقات إيران المصرفية مع العالم الخارجي إلى طبيعتها أبدًا بسبب التأثير المريع المستمر للعقوبات التي فرضناها عليهم.

وهناك دول أخرى – مثل كوريا الشمالية وفنزويلا- ترقب هذه التجربة في التعامل مع إيران. أعتقد أنهم سيتوصلون إلى استنتاج مفاده أنه لا جدوى من التوصل إلى تسوية دبلوماسية مع الولايات المتحدة بحيث يمكن أن ترفع العقوبات، لأن تخفيف العقوبات يحدث فقط على الورق، وأن الصفقات مع الولايات المتحدة تكون جيدة فقط عندما يكون تنفيذها تقوم عليه الإدارة التي وقعت عليها.

جون ألترمان: إذا كانت تجربة الولايات المتحدة مع العقوبات عبارة عن تلك المتناقضات، فلماذا انتقلت الولايات المتحدة من فرض 912 عقوبة عالمية في عام 2000 إلى 9421 في عام 2021؟ يقول شاتز إن جزءًا من جاذبيتها هو أنها يمكن أن تخدم العديد من الأغراض ، لكنها في نفس الوقت لا تكلف الحكومة الأمريكية سوى القليل.

هوارد شاتز: ما نفكر فيه دائمًا كنتيجة لتلك الأدوات هو تحقيق الامتثال (من الدولة المستهدفة) – أي إحداث تغيير في السلوك أو السياسات – ولكن قد تكون هناك أغراض أخرى لهذه الأدوات. فربما نستخدمها لردع هدف أجنبي عن اتخاذ إجراء ما. وربما نستخدمها فقط لغاية رمزية. ويمكننا كذلك استخدامها بدلاً من القيام بشيء آخر مرتبط بتلك الرمزية. حيث قد يمكننا القيام بعمل عسكري من نوع ما، ولكننا لا نريد القيام بذلك في ذلك الوقت. حيث لا يستحق الأمر كل هذا العناء ، لذلك نأخذ القرار بأن نقوم بشيء ما، لتحقيق الهدف، وحينها نقوم بفرض العقوبات.

جون ألترمان: تُعتبر الولايات المتحدة هي السيّد في عالم العقوبات. فنظرًا لأن الولايات المتحدة تتحكم في سوق الدولار الأمريكي ، وأن الدولارات تلعب دورًا كبيرًا في التجارة العالمية ، فإن للعقوبات الأمريكية وزن كبير لا تستطيع الدول الأخرى مضاهاته.

هوارد شاتز: إذا كان لديك دولارات ويمكنك إيصال تلك الدولارات إلى شخص آخر دون المرور عبر بنك أمريكي ، فلا يوجد شيء يمكن للولايات المتحدة فعله. ولكن كما اتضح ، من أجل نقل الدولارات حول العالم ، فإنه دائمًا تقريبًا ما تحتاج إلى المرور عبر النظام المصرفي الأمريكي. وهذا هو المكان الذي تحصل منه الولايات المتحدة على قوة العقوبات المالية.

جون ألترمان: لكن الولايات المتحدة لم تحاول فقط إرغام الدول من خلال تلك الضغوط. لقد حاولت أيضًا استمالتهم وجذبهم إليها. وصريح القول أنه لم تحقق في ذلك نجاحًا كبيرًا أيضًا. ففي الشرق الأوسط ، ضخّت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على هيئة معونات اقتصادية. وكان هدفها المعلن دائماً هو تحقيق ما تسعى إلى القيام به في أماكن كثيرة عبر العالم: من حيث بناء اقتصادات مرنة تشبه إلى حد كبير الولايات المتحدة ، مع وجود قطاعات خاصة قوية ، ومستويات عالية من التجارة والاستثمار ، ودور محدود للشركات المملوكة للدولة.

وكانت مصر من أكبر المستفيدين من هذا النهج الذي اتخذته الولايات المتحدة. حيث استثمرت الولايات المتحدة ما يقرب من 30 مليار دولار في الاقتصاد المصري منذ أن أبرمت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل في أواخر السبعينيات ، لكن كثير من صناع السياسة الأمريكيين يشيرون إلى مصر باعتبارها قصة فشل اقتصادية كبرى.

تقول إيمي هوثورن –  نائب مدير الأبحاث في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED)، والتي عملت كمستشار أول لشؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية إبّان فترة الربيع العربي – إن المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر لم تغير الاقتصاد المصري كثيرًا خلال العقود الأربعة الماضية.

إيمي هوثورن: عندما ننظر إلى أداء مصر وتصرفها حيال هذه الأموال ، وقياس مدى تحقيقها للأهداف الرسمية التي حددتها الولايات المتحدة ، نرى أنه لم يكن هناك الكثير من التأثير الإيجابي في هذا الشأن. فمعدل الفقر في مصر اليوم ، وبمعظم المقاييس ، يعتبر أسوأ كثيراً مما كان عليه قبل عدة عقود. ولا يزال القطاع الخاص في مصر ضعيفًا للغاية وهو ضحية لمزاحمة الشركات المرتبطة سياسيًا بالنظام أو الشركات المملوكة للجيش. وما زالت مصر تفتقر إلى ميزان تجاري جيد.

كل هذه المساعدات لم يكن لها تأثير إيجابي على الإطلاق عند قياسها بالأهداف التنموية والاقتصادية التي حددتها لها الولايات المتحدة. وهو بذلك  يمثل في الواقع فشلًا ذريعاً مقارنة بما كنا نرغب في تحقيقه.

جون ألترمان: لكن إيمي هوثورن تقول إن المساعدات حققت هدفًا مختلفًا عن ذلك.

إيمي هوثورن: إذا نظرنا إلى ما يمكن أن نسميه أهداف السياسة “غير الرسمية” أو “غير المعلنة” لهذه المعونات، فيمكننا القول إنه ربما كانت المعونات أكثر فاعلية في ذلك إلى حد ما. فالهدف غير المعلن المرتبط بهذه المعونات الاقتصادية هو تعزيز استقرار النظام المصري – بغض النظر عن طبيعة النظام الموجود. فقد استمر تطبيق برنامج المعونة الأمريكية هذا في عهد السادات ومبارك ومرسي والآن في عهد السيسي. ومهما كان النظام الحالي في مصر ، فإن أحد أهداف برنامج المعونة هذا هو دعم هذا النظام ، ومنعه من الانهيار ، ومساعدته على البقاء.

فالأساس المنطقي لهذه المعونة لا يتعلق بالتنمية الاقتصادية. ولا يتعلق الأمر كذلك بطبيعة الحكم. ولا يتعلق الأمر في الحقيقة بتحسين نتائج الصحة والتعليم. ولكن الأمر يتعلق بإرسال رسالة إلى الحكومة المصرية وإعادة التأكيد عليها – وربما إرسال رسائل مماثلة إلى الجهات الفاعلة الأخرى في منطقة الشرق الأوسط – بأهمية مصر الاستراتيجية للولايات المتحدة.

جون ألترمان: من هذه الناحية ، يمكنك القول إن المساعدات الأمريكية لمصر كانت ناجحة. فقد ظلت مصر في سلام مع إسرائيل (منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد). فالقاهرة لم تعرقل أبداً – وفي بعض الحالات ساعدت بشكل كبير – العديد من المبادرات الأمريكية في الشرق الأوسط.

لكن استخدام الحوافز الاقتصادية لحل المشاكل الاستراتيجية في الشرق الأوسط أدى أيضًا إلى عدة مشاكل. وأحد هذه المشاكل أنه بمجرد أن تبدأ في استخدامها ، فمن الصعب التوقف عن استخدامها.

إيمي هوثورن: أخبرني المسؤولون المصريون بشكل مباشر أثناء المحادثات أنهم يرون أن هذه المعونة الاقتصادية هي بمثابة استحقاق لهم. نعم، لقد استخدموا هذه الكلمة. فهم يرون أنهم يستحقونها بسبب السلام الذي عقدوه مع إسرائيل. ويرى العديد من كبار المسؤولين وصناع القرار المصريين أن هذه المعونة هي بمثابة عائد تدفعه الولايات المتحدة بسبب تعاون مصر الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وبسبب معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل على وجه الخصوص.

جون ألترمان: يرى هوارد شاتز أن هناك مشاكل أخرى أيضًا بهذا الخصوص.

هوارد شاتز: يمكن أن تؤدي التدفقات الكبيرة للمساعدات إلى استشراء الفساد. وخير مثال على ذلك ما حدث عندما قدمنا الكثير من الأموال لأفغانستان وباكستان.

جون ألترمان: كما أن المعونات قد تؤدي أيضًا إلى الحكومات أكثر ضعفاً، وليس أكثر قوة.

هوارد شاتز: إذا ذهبت إلى دولة تتلقى قدرًا كبيرًا من تلك المعونات، فسترى أن الكثير من أفضل موظفيها يعملون لدى الوكالات التابعة للمعونة، بدلاً من العمل لدى حكومات تلك الدول المستقبلة للمعونة.

جون ألترمان: وفي الأخير، فإنه من خلال التزام الولايات المتحدة بتقديم المعونة قد ينتهي بها المطاف إلى ضخ تلك الأموال في مشاريع لا تنوي الحكومة المستقبلة للمعونة السماح لها بالنجاح.

إيمي هوثورن: إذا كان عليّ تلخيص هذا الأمر، فإن هناك في الحقيقة سبب واحد لعدم إحداث تأثير واسع النطاق على السلوك المصري في التعامل مع المعونة – خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسات الاقتصادية والسياسات الحكومية الأخرى التي يحاول برنامج المعونة الأمريكية تحقيقه، سواء كان ذلك ظاهريًا أو مزعوماً – وهو أن الحكومة المصرية لم تكن أبداً شريكًا تنمويًا للولايات المتحدة. وهذا الأمر ينطبق على جميع الأنظمة المصرية منذ عهد السادات.

جون ألترمان: ومع ذلك، فالبعض في الحكومة الأمريكية لا يرون غضاضة في ذلك.

إيمي هوثورن: عندما تكون لديك مثل هذه الأموال التي تستمر في التدفق بناءً على الضرورات الإستراتيجية، وهناك بيروقراطية على كلا الجانبين – المصري والأمريكي – تم إنشاؤها لضمان استمرارية تدفق هذه الأموال ، فالحقيقة أن هناك عجز أو عدم رغبة من جانب الولايات المتحدة في مراجعة هذه المعونة بشكل صريح.

جون ألترمان: لكن المعونة الاقتصادية ليست الجزرة الاقتصادية الوحيدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

هوارد شاتز: نحن نتفاوض مع الدول على اتفاقيات استثمار ثنائية. نتفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة مع تلك الدول ، أو حتى مع مجموعات من الدول مجتمعة. نحن نقدم المعونة نوعاً ما من خلال استخدام الموردين الأمريكيين أو شراء البضائع الأمريكية. لذلك ، فنحن لدينا أشياء من قبيل بنك التصدير / الاستيراد في الولايات المتحدة.

جون ألترمان: إذا سألت الاقتصاديين ، فإن التجارة كانت أداة سياسية فعالة أيضاً.

هوارد شاتز: فيما يتعلق بالجوانب الإيجابية لفن الحكم في الاقتصاد ، فقد كانت الولايات المتحدة فعالة للغاية في الاتفاقيات التجارية. وكان لبعض هذه الاتفاقيات التجارية دوافع سياسية كذلك. فبعد أحداث 11 سبتمبر ، قمنا بتطوير مجموعة من الاتفاقيات التجارية مع الشرق الأوسط ، على سبيل المثال.

جون ألترمان: عندما غيّرت الولايات المتحدة طريقة تقديمها للمعونة، أدى ذلك إلى بعض النجاحات الحقيقية.

هوارد شاتز: لقد كنا في الواقع في غاية الابتكار عندما توجيه المعونة لتطوير مؤسسة تحدي الألفية (SCC). وعلى الرغم من أنه مجرد مبلغ صغير من المال ، إلا أنه كان له تأثير كبير على طريقة تفكير الناس بشأن المعونة الإنمائية. فهي تقدم المعونات للدول التي تحقق درجات جيدة في قضايا مثل الحوكمة ، وهذا يعالج مشكلة إعطاء الأموال للحكومات التي تقوم بتبديدها. وأما ثاني ابتكارات مؤسسة تحدي الألفية، فهي أنها تعمل على تنمية أموال المعونة بالتنسيق مع حكومة الدولة المستقبل لها – بمعنى أنه مشروع تمتلكه حكومة الدولة المُضيف. وهناك نسبة ملكية للدولة أكثر بكثير من المعونة الإنمائية التقليدية. إنها في الحقيقة ليست مجرد منحة من دولة قوية إلى دولة فقيرة أو دولة أقل قوة.

جون ألترمان: ولكن حتى عندما تكون هناك نجاحات في تغيير السلوكيات أو تحسين النتائج الاقتصادية في الشرق الأوسط ، فقد كافحت الولايات المتحدة كثيراً لإثبات ذلك لشعوب الشرق الأوسط.

إيمي هوثورن: إذا سألت المصريين، بشكل عام، عن آرائهم بشأن المعونة الأمريكية ، فقد يقولون: إما أنهم ليس لديهم أي دراية بما تفعله المعونة الأمريكية أو بما فعلته – فهم لا يعرفون شيئاً عنها من الأساس – أو قد يكون لديهم رأي سلبي تجاهها بالنظر إلى أن حكومة الولايات المتحدة بشكل عام لا تحظى بشعبية كبيرة في مصر. حيث لا يعرف الكثير من المصريين أن الولايات المتحدة هي صاحبة الفضل في المساعدة في تطوير نظام الصرف الصحي بمصر وزيادة توافر المياه العذبة فيها، أو أن الولايات المتحدة لعبت دورًا إيجابيًا للغاية فيما يخص التطعيمات ومحو الأمية.

جون ألترمان: قد يكون من الصعب قياس النجاح في المقام الأول.

هوارد شاتز: ما نعرفه هو أن الاتفاقيات التجارية تؤدي إلى مزيد من التجارة. نحن نعلم أن التجارة ترتبط ارتباطًا إيجابيًا بالنمو الاقتصادي. إذا كانت لدينا اتفاقية تجارية فهناك المزيد من التجارة. وبالتالي يكون لدينا نمو اقتصادي أسرع، ولو  قليلاً، واقتصاد أكبر أيضاً. إن الرابط الذي ليس لدينا سيطرة كبيرة عليه هو: كيف يتم توزيع هذا المقدار الذي يزيد في الناتج المحلي الإجمالي داخل البلاد؟ من الذي يحصل على المكاسب من النمو الإضافي للتجارة ومن كان الخاسرون؟ حيث هناك دائما خاسرون في توسيع التجارة. غالبًا ما كنا نغفل مراجعة العواقب التوزيعية لأي من أدواتنا الاقتصادية.

جون ألترمان: إذن ، كيف ستبدو مجموعة الأدوات الاقتصادية الفعالة للولايات المتحدة؟ يقول هوارد شاتز إنه يجب أن نبدأ بإعادة تقييم الأدوات الموجودة تحت تصرف الولايات المتحدة.

هوارد شاتز: إن الجانب المثير للاهتمام كثيراً هو: كيف يمكن جعل تلك الحوافز الإيجابية أكثر فاعلية؟ هل يجب أن نعيد التفكير في أهداف تلك الحوافز الإيجابية بنفس الطريقة التي بدأنا بها في إعادة التفكير في العقوبات؟ حيث قامت وزارة الخزانة الأمريكية بمراجعة العقوبات ، وبالتالي فسياسة العقوبات الأمريكية تتطور وطال التغيير أهدافها. والسؤال هو: ماذا يمكننا أن نفعل مع الحوافز الإيجابية؟

ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها للحث على تنمية اقتصادية إيجابية وزيادة اندماج تلك الدول في النظام الدولي القائم على القواعد – والذي تقوم على أساسه منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي؟ كيف يمكنهم دعم القواعد الأساسية للتجارة والتعامل الوطني ووضع الدولة الأفضل لديهم؟ هذه هي المجالات الأكثر إثارة للاهتمام ، في هذه المرحلة ، والأكثر أهمية كذلك في النظر إليها بمزيد من التفصيل – خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط ، في الوقت الذي تحاول المنطقة فيه إصلاح اقتصاداتها.

جون ألترمان: لم تؤد تجربة الولايات المتحدة مع مجموعة أدواتها الاقتصادية في الشرق الأوسط دائمًا إلى التغييرات التي كانت تنويها الولايات المتحدة. نعم، كان للعقوبات بعض التأثير ، لكن معظم الدول المستهدفة بالعقوبات استطاعت التكيف معها – وحتى الاستفادة منها – مما قوض فعاليتها على المدى الطويل. ولذلك، فلم تقم تلك الحكومات بإعادة النظر في مصالحها الأساسية بسبب العقوبات سوى مرات قليلة. وبالإضافة إلى ذلك ، فالعقوبات تميل إلى منح الحكومات القمعية مزيدًا من السيطرة على اقتصاداتها ، مما قد يقويها في مواجهة التحديات الداخلية.

ولم تكن الحوافز الإيجابية أكثر نجاحًا بشكل ملحوظ. حيث كانت بوجه عام أقل فاعلية مما كان مأمولًا في إنشاء حزمة جيدة من الإصلاحات التي تقرب الحكومات من الولايات المتحدة. وحتى عندما يكون هناك حالة نجاح ، فغالبًا ما يكون من الصعب قياسها – وبالتالي يصعب إثبات ذلك لجماهير الشعوب في الشرق الأوسط.

في الحلقة القادمة من هذا البودكاست، سنلقي نظرة على مجموعة الأدوات الدبلوماسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وإخفاقات ونجاحات الدبلوماسيين الأمريكيين في المنطقة.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close