fbpx
الشرق الأوسطترجمات

CSIS: قوة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط (6)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في هذه الحلقة السادسة، من المدونات الصوتية التي ينشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) تحت عنوان “بابل: تفسير الشرق الأوسط”، يحاول جون ألترمان -النائب الأول لرئيس المركز، ومدير وحدة زبيجنيو بريجنسكي للأمن والجيواستراتيجية العالمية ومدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز- استكشاف كيف يرى الناس والحكومات في الشرق الأوسط الولايات المتحدة، وماذا يريدون من الولايات المتحدة في المنطقة، وكيف يتغير ذلك.

حيث يقوم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو منظمة أبحاث سياسات غير ربحية وغير حزبية، من خلال هذه المجموعة من المدونات الصوتية، بتنظيم نقاشات مع خبراء دوليين وإقليميين ومسؤولين سابقين، تأخذ المتابع إلى ما وراء العناوين الرئيسية لمحاولة فهم ما يحدث بالفعل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حيث يعمل الخبراء الدوليون والإقليميون الذين يستضيفهم البودكاست على تفسير ما يجري على أرض الواقع، من خلال تسليط الضوء على الاتجاهات المختلفة، وكذلك سياقات التطورات المحورية في هذه المنطقة الهامة من العالم.

وقد قام المعهد المصري للدراسات بترجمة ونشر النص الكامل للجزئين الأول والثاني والثالث والرابع والخامس من هذا النقاش الهام. وفيما يلي ترجمة الجزء السادس الذي تم نشره باللغة الإنجليزية على موقع CSIS في 12 إبريل 2022 – وذلك على النحو التالي:

في الجزء السادس من هذه السلسلة، يتحدث ألترمان مع عبد الخالق عبدالله، وهو عالم سياسي إماراتي؛ ونبيل فهمي، وهو سفير القاهرة الأسبق في واشنطن والذي شغل منصب وزير الخارجية المصري فيما بعد؛ ومها يحيى، مديرة مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت؛ وألون بنكاس، وهو دبلوماسي سابق عمل في أعلى المستويات في الحكومة الإسرائيلية؛ وناصر هديان، وهو عالم سياسي إيراني.

جون ألترمان: خلال فترة عملها كوزيرة للخارجية، كان لدى مادلين أولبرايت عبارة ترددها، مشيرة إلى الولايات المتحدة، حيث كانت تقول: لقد قلت مرات عديدة أن الولايات المتحدة هي الدولة التي لا غنى للعالم عنها؛ وذلك لأنه بدون مشاركتنا على المستوى الدولي، لا يحدث شيء ذو بال (في هذا العالم).

جون ألترمان: وكانت أولبرايت تجادل بأن الولايات المتحدة هي صانعة القرار الأكثر أهمية في العالم والضامن الذي لا يُضاهى للنظام الدولي. إن تحدي الولايات المتحدة هو عمل متهور بائس. ويمكنك أن ترى الدليل على ذلك في منطقة الشرق الأوسط. فعندما كانت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية، كان لكل دولة في المنطقة تقريباً علاقة إيجابية مع الولايات المتحدة، أو على الأقل كانت تسعى إلى علاقة أفضل معها. لكن بعد أحداث 11 سبتمبر، غاصت الولايات المتحدة في وحل الصراع في أفغانستان، ثم في العراق. واتجهت إدارة بوش على إثر ذلك إلى تبني “استراتيجية تقدمية للحرية” في الشرق الأوسط، جعلت من التحول الديمقراطي في المنطقة أولوية قصوى للحكومة الأمريكية. لقد كانت الطموحات عالية. لكن مع مرور عقد من الزمان، بدت الإنجازات في كثير من الأحيان شديدة التواضع. لقد أرهق عقدان من الانخراط المكثف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط صانعي السياسة – والجمهور الأمريكي وأرهقهم. حيث يتساءل المواطنون الأمريكيون بشكل متزايد عن تلك الضرورة القصوى التي تستدعي حقاً انخراط الولايات المتحدة بهذا الشكل في الشرق الأوسط، وعما إذا كان يتعين أن يظل الشرق الأوسط هو المحور الرئيسي للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.

جون ألترمان: في غضون ذلك، تنظر الحكومات في الشرق الأوسط إلى جهود الولايات المتحدة على مدى عقدين من الزمان لتغيير المنطقة – ونفاد صبر الولايات المتحدة الواضح للخروج من المنطقة – وتتساءل عما يعنيه كل ذلك بالنسبة لهم. وهل يجب أن يرسخوا الروابط بينهم وبين بدولة يبدو أنها تخفق في جهودها لتحقيق الاستقرار في المنطقة، بل يبدو أنها تبحث عن مخرج لها؟ أم ينبغي عليهم المخاطرة بعلاقاتهم الوثيقة مع الولايات المتحدة من خلال البحث عن شركاء جدد قد يفتقرون إلى الاهتمام والقدرة على لعب نفس الدور الذي لعبته الولايات المتحدة على مدى أكثر من نصف قرن؟

جون ألترمان: من الناحية المطلقة، لا تزال الولايات المتحدة هي القوة الخارجية الأكثر هيمنة في الشرق الأوسط في معظم الأبعاد. ولكن هل ما زالت، طبقاً لتصور الوزيرة مادلين أولبرايت، لا غنى عنها؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فماذا تعتقد الحكومات الإقليمية أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تفعله؟

في هذه الحلقة، سوف نستكشف كيف تنظر شعوب وحكومات الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة، وماذا يريدون من الولايات المتحدة.

جون ألترمان: بعد عقدين من محاولة فرض إرادتهم على الشرق الأوسط، يرى صانعو السياسة الأمريكيون الشرق الأوسط الآن، في عام 2022، من منظور مختلف عن أسلافهم؛ في الوقت الذي تنظر فيه دول المنطقة أيضاً إلى الولايات المتحدة بشكل مختلف. ويعتبر تقليص الولايات المتحدة لوجودها في الشرق الأوسط أمراً مفروغاً منه في دوائر السياسة في واشنطن، حيث ينعكس هذا الشعور في كافة عواصم دول المنطقة. أقدم لكم مهى يحيى، التي تدير مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت:

مها يحيى: تتضاءل قوة الولايات المتحدة رويداً ويداً ​​في المنطقة، ويرجع ذلك في الأساس إلى أنه يُنظر إليها على أنها تحول اهتمامها بعيداً عن المنطقة. ففي العقد الماضي، رأينا بوضوح شديد أن أولويات الولايات المتحدة ابتعدت عن الأهداف التي اتصفت بالمغالاة بما في ذلك تعزيز الديمقراطية والتحول الإقليمي، واتجهت نحو ثلاث أولويات محددة بشكل أكثر وضوحاً، وهي: الاتفاق النووي مع إيران، والاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب الذي يهدد الوطن الأمريكي.

جون ألترمان: أقدم لكم ألون بنكاس الدبلوماسي الكبير الذي كان يخدم في المستويات العليا للحكومة الإسرائيلية.

ألون بينكاس: الولايات المتحدة تفك ارتباطها بمنطقة الشرق الأوسط. فهي لا ترى أي مصالح حيوية لها ينبغي حمايتها أو تحقيقها هناك، ولا ترى أهدافاً للسياسة الخارجية الأمريكية لكي تسعى إلى تحقيقها في الشرق الأوسط. إذ كل ما تراه هو عبارة عن مجموعة من المشكلات والفخاخ في: اليمن وسوريا وإسرائيل والقضية الفلسطينية.

جون الترمان: ويبدو أن نبيل فهمي يوافق على ذلك. وقد خدم نبيل فهمي كسفير القاهرة في واشنطن لمدة عشر سنوات، ثم شغل منصب وزير الخارجية المصري.

نبيل فهمي: من الناحية النسبية، لا تزال المقدرات المادية للولايات المتحدة أقوى بكثير من مقدرات أي دولة أخرى في العالم، سواء أكان ذلك من الناحية العسكرية أم الاقتصادية. ومع ذلك، فقد حدث تحول في مدى استعداد الولايات المتحدة للانخراط خارج نطاقها التقليدي. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما حدث في أفغانستان والعراق على وجه الخصوص، أصبح يُنظر إلى جهوزية الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط على أنها قد أخذت تتضاءل. لذلك، فإنني أرى أن هناك اتجاهاً لخفض الانخراط الأمريكي في المنطقة، بدلاً من الاتجاه إلى زيادته.

جون ألترمان: الولايات المتحدة تجد نفسها بالفعل في مأزق إلى حد ما. فبينما لا تزال هي أقوى لاعب خارجي في الشرق الأوسط، إلا أن التصور بأنها تبحث عن مخرج من المنطقة يجعل الدول تغفل قوة ونفوذ الولايات المتحدة هناك. ومع كل إعلان بأن اهتمام الولايات المتحدة يتركز على  بين المحيط الهندي والمحيط الهادئ وعلى التنافس الاستراتيجي مع الصين، يساور شركاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط الشكوك في امتلاك أمريكا الموارد الكافية أو الإرادة لحماية مصالحهم المشتركة في الشرق الأوسط. حيث يكون الأمر بالفعل مثيراً للقلق بالنسبة لشركاء أمريكا الذين أصبحوا يعتمدون على الولايات المتحدة في ذلك. وأحد هذه الأماكن التي يتزايد فيها الشعور بعدم الاستقرار هي إسرائيل. فلأكثر من نصف قرن، كان دعم الولايات المتحدة لإسرائيل هو حجر الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وطالما اعتبر صانعو السياسة الأمريكيون إسرائيل شريكاً استراتيجياً رئيسياً للولايات المتحدة في خضم لجة من الأعداء، وعملت الولايات المتحدة على تعزيز هذه الشراكة. فقد وقفت موقف المدافع والحامي لإسرائيل في سلسلة من المبادرات الدبلوماسية المختلفة، ومنحت إسرائيل عشرات المليارات من الدولارات كمساعدات عسكرية. ومع ذلك، فإن بعض الإسرائيليين اليوم – مثل الدبلوماسي السابق ألون بينكاس – لا يعتقدون أنهم يستطيعون الاعتقاد بإمكانية استمرار هذا الدور النشط للولايات المتحدة أو اعتباره أمراً مسلّماً به بعد الآن.

ألون بينكاس: لا أعتقد للحظة واحدة أن هناك أي سبب مقنع للولايات المتحدة للبقاء في الشرق الأوسط بسبب علاقتها (الخاصة) بإسرائيل. فإذا نظرت إلى اتفاقيات أبراهام، فسترى الولايات المتحدة وكأن لسان حالها يقول، “انظر، لقد قمنا بالوساطة لتحقيق هذا الأمر العظيم، من أجل تطبيع علاقاتكم مع أجزاء من العالم العربي. ولديك بالفعل علاقات مع مصر والأردن، وليس لدينا أي نية على الإطلاق للانخراط في القضية الفلسطينية مرة أخرى”. وحتى إدارة ترامب كان لديها نفس هذا الحس المشترك بعدم الانخراط في ذلك بجدية. وبمجرد التوقيع على اتفاقيات أبراهام، قالت الولايات المتحدة بشكل أساسي، “انزلوا عن ظهورنا الآن، لدينا أشياء أخرى للتعامل معها”.

جون ألترمان: ما يريد أن يقوله بنكاس إن هذا التحول سيشكل تحدياً كبيراً للقادة الإسرائيليين – حتى لو لم يدركوا ذلك بشكل كامل بعد.

ألون بينكاس: هذه هي طبيعة العلاقة التي بيننا. إنها غير متكافئة. فهي أهم بكثير بالنسبة لإسرائيل مما هي عليه بالنسبة للولايات المتحدة، على الرغم مما قد يقوله لك الجميع – عن مدى أهمية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة. فالولايات المتحدة يمكنها أن تعيش بدون إسرائيل؛ ولكن إسرائيل ستواجه الكثير من المشاكل في التعامل مع الشرق الأوسط وحدها بدون الولايات المتحدة.

جون ألترمان: وهذا يعني أن إسرائيل بحاجة إلى التكيف مع حسابات الولايات المتحدة الجديدة في المنطقة.

ألون بنكاس: سيكون على إسرائيل اتخاذ خيارات صعبة. فمن وجهة نظر إسرائيلية، لا بديل عن الولايات المتحدة. فلا يمكن لإسرائيل أن تقبل بالصين، أو روسيا، أو الهند، أو الإمارات، أو بلجيكا كداعم استراتيجي لها. وإسرائيل قوية بما يكفي لإجراء هذا التكيف (مع الوضع الجديد). لكنها تحتاج فقط إلى أن تفهم أن هذه لم تعد الحرب الباردة. فالولايات المتحدة لن تذهب لخوض حرب أخرى في العراق أو سوريا أو تطرح خططاً نشطة على الطاولة لخطة سلام إسرائيلية فلسطينية. حيث إنها تركز على أماكن أخرى. ستحتاج إسرائيل إلى القيام بهذا التكيف وجعل نفسها أكثر حيوية من خلال القيمة المضافة التي تقدمها إسرائيل على طاولة المفاوضات في علاقتها مع الولايات المتحدة.

جون الترمان: ولكن العالم السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله يرى الأمور بشكل مختلف قليلاً. فخلال معظم السنوات العشرين الماضية، ألقت الإمارات العربية المتحدة بثقلها إلى حد كبير في إطار دور لها مع الولايات المتحدة. لقد دعمت المبادرات الأمريكية ولعبت دوراً حاسماً في جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية. وأصبحت الدولتان أكثر تقارباً. وكدليل على هذا التقارب، فقد وافقت الولايات المتحدة على بيع الإمارات للطائرة المقاتلة F-35، وهي الطائرة المقاتلة الأكثر تقدماً في المخزون الأمريكي. حيث تُباع فقط لبعض أقرب شركاء الولايات المتحدة. لكن المفاوضات بشأن صفقة F-35 انهارت مؤخراً، وليس من الواضح ما إذا كانت ستُبعث من جديد. وهذا ما جعل عبد الخالق عبد الله يشعر بالهجران بعض الشيء.

عبد الخالق عبد الله: كنا نعتقد أنه بعد اتفاقات أبراهام والموافقة على بيع طائرات إف -35 لنا أننا نبني علاقة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة. ولكن فجأة، بدا أن هذه العلاقة طويلة الأمد لم تعد ذات صلة أو ذات أهمية بالنسبة لواشنطن. فهي لا تريد متابعة إجراءات بيع طائرات الـ إف-35 لنا. إنها لا تقر بمدى المخاطرة التي تحملناها عندما دخلنا في اتفاقات أبراهام. أعتقد أنهم بحاجة إلى النظر قليلاً إلى طبيعة المنطقة التي ننتمي لها.

جون ألترمان: بينما تحاول الولايات المتحدة تحويل اهتمامها خارج المنطقة، يقول عبدالله إنها بحاجة إلى تغيير نهجها تجاه الإمارات من خلال الاعتراف بأنها طورت علاقاتها معها لتصبح شريكاً رئيسياً لها.

عبد الخالق عبد الله: يجب أن يكون البند الأول على جدول الأعمال بيننا هو الاعتراف بأن دولة الإمارات اليوم تختلف اختلافاً كبيراً عن دولة الإمارات بالأمس. فلم نعد نتحدث عن شريك صغير. فقد أصبحت الإمارات العربية المتحدة اليوم قوة متوسطية تمتلك شبكة واسعة من الأصدقاء على مستوى العالم، ولها نفوذ في جميع أنحاء العالم، ولها استثمارات في الولايات المتحدة تتجاوز 300 مليار دولار. نحن ثالث شريك تجاري للولايات المتحدة. لقد استثمرنا في الحقيقة في هذه العلاقة كثيراً.

جون ألترمان: في الحقيقة، إيران هي الدولة التي قد ترغب في انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. فعلى مدى أكثر من أربعة عقود، كانت الولايات المتحدة وإيران تتصارعان في الشرق الأوسط، وغالباً ما كان ذلك من خلال الحلفاء والوكلاء. ولكن العالم السياسي الإيراني ناصر هديان لا يعتقد أن الولايات المتحدة ستغادر في أي وقت قريب:

ناصر هديان: نعتقد أنها ستخفض من التزاماتها ووجودها، لكنها بالتأكيد لن تغادر المنطقة بالطريقة التي قد يتوقعها الآخرون. قد تكون قيمة المنطقة الإستراتيجية أصبحت أقل من ذي قبل بالنسبة للولايات المتحدة، لكن لا تزال الولايات المتحدة لا يمكنها تجاهل المنطقة أو إسقاطها من حساباتها.

جون ألترمان: في الواقع، القلق المستمر من أن إيران تسعى للحصول على قدرة أسلحة نووية هو أحد العوامل الرئيسية التي تجعل الولايات المتحدة منخرطة في المنطقة. ويجادل ألون بينكاس بأن الاتفاق النووي الإيراني قد يكون المصلحة الحقيقية الوحيدة المتبقية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

ألون بنكاس: تركز الولايات المتحدة على شيء واحد فقط في هذه المنطقة الكبرى: وهو الاتفاق النووي الإيراني. وحتى ذلك، كما أعتقد، لا يشكل أولوية رئيسية أو مصلحة كبرى للولايات المتحدة. فقد يريدون تجاوزها.

جون ألترمان: نعم، قد ترغب الولايات المتحدة في تجاوز الأمر، لكن المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد تبدو صعبة. ومع ذلك، يأمل هديان أن تقدم خطة العمل الشاملة المشتركة الجديدة مساراً لتهدئة التصعيد وفرصة لحوار أوسع بين الولايات المتحدة وإيران.

ناصر هديان: بالتأكيد، هناك قضايا أخرى تهم كلا البلدين: على سبيل المثال، وجودنا في المنطقة ووجودكم في المنطقة. إن التفاوض حول كيفية تنظيم السلوك أو التوصل إلى اتفاق مبادئ بيننا سيمكننا من البدء في الحديث عما يجب القيام به بشأن العراق، على سبيل المثال. يمكننا أيضاً الحديث حول اليمن والتعبير عن مخاوفنا بشأن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة والحوادث التي تقع في البحر. هذه كلها قضايا يمكن أن نناقشها ونتباحث حولها ونأمل أن نتوصل إلى نوع من الاتفاق بشأنها.

جون ألترمان: للوصول إلى تلك المرحلة، ستحتاج الولايات المتحدة وإيران إلى تقديم الكثير من التنازلات. لكن بالنسبة لعبد الخالق عبد الله، فإن الصفقة التي يتم إبرامها مع تقديم تنازلات لإيران – ولكن بدون أي ضمانات لشركاء الولايات المتحدة في المنطقة – لا تبدو في الحقيقة كحل على الإطلاق.

عبد الخالق عبد الله: الأمر المخيف هو أنه بينما تحاول أمريكا تقليص وجودها في المنطقة، فإن الدولة الوحيدة التي تستعد للاستفادة من هذا الوضع هي إيران. فسنشهد المزيد من التهديد الإيراني لدول المنطقة، لذا فإن الشيء الأكثر إزعاجاً في الوقت الذي تتحول فيه الولايات المتحدة عن المنطقة – ولكن ليس بالضرورة أن تغادرها – هو أن تضع إيران نفسها في موضع الدولة الضامنة لأمن المنطقة. وهذا بالنسبة لنا هو السيناريو الكابوس.

جون ألترمان: في السنوات الخمس الماضية، خلص شركاء الولايات المتحدة في المنطقة إلى أنهم لا يستطيعون الاعتماد على الولايات المتحدة بالطريقة التي اعتادوا عليها من قبل. والآن، هم يقومون بدور أكثر فاعلية في تشكيل المنطقة لضمان تحقيق أهدافهم الخاصة.

مها يحيى: كما أن هناك تنامي قوة دول مثل الإمارات، وكذلك تركيا. ومثل هذه القوى تمارس نفوذاً كبيراً في جميع أنحاء المنطقة. ولديهم مصالح متعارضة مع بعضها البعض، وغالباً ما تكون على خلاف مع الولايات المتحدة. فهم يتبنون تفسيرات للأمن القومي تكون أكثر توسعاً. فعلى سبيل المثال، دولة مثل الإمارات  تعمل على زيادة ثقلها في المنطقة وتقوم بأدوار أكبر منها بكثير. إنهم يتدخلون عسكرياً وسياسياً ومالياً في جميع أنحاء المنطقة وخارجها – من القرن الأفريقي إلى اليمن إلى ليبيا إلى السودان. إنهم يحاولون تشكيل النتائج السياسية كما يريدون. وكل هذا يحدث تحت شعار تحقيق الاستقرار، في ظل شعور بأن الجميع منهك وأن معظم الصراعات قد وصلت إلى طريق مسدود.

جون ألترمان: نظراً لأن دول الشرق الأوسط تلعب دوراً إقليمياً أكثر نشاطاً، فإن الظروف التي يحاولون تشكيلها ليست تلك التي ستوافق عليها الولايات المتحدة بالضرورة. فهذه الحكومات، بشكل عام، مهتمة بالنظام أكثر من اللبرلة (التحول لليبرالية) وهي تركز على النتائج أكثر من العمليات. إنها مجموعة من التفضيلات التي طالما جادل المعلقون الأمريكيون بأنها كانت أحد الأسباب وراء هجمات 11 سبتمبر. لكن الحكومات الإقليمية تجادل في المقابل بأن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإضفاء الطابع الديمقراطي على العالم العربي ساعدت في إثارة الفوضى والحروب الأهلية خلال الربيع العربي وما أعقبه من أحداث. فبالنسبة لأشخاص مثل وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي، فإن التطلعات الغربية للمنطقة لا تزال تلقى صدى لدى الجمهور حتى لو بدت غير قابلة للتحقيق.

نبيل فهمي: إذا تحدثت إلى المصري العادي فإنك سترى أن أحلامه غربية أكثر منها شرقية. لكن هل يشعر بأنه قادر على تحقيق هذه الأحلام؟ لا، لأنه يريد نتائج فورية بالأمس وليس اليوم وغداً. فبعض مشاكلنا تحتاج إلى أجيال لكي يمكن حلها.

جون الترمان: ويقول نبيل فهمي إنه يمكنك رؤية الدليل على ذلك في أن الاستثمارات الأمريكية طويلة الأجل قد آتت أكلها في الحكومة المصرية.

نبيل فهمي: في وقت معين كان 40% من حكومتنا على مستوى الوزراء حاصلين على شهادات جامعية أمريكية، سواء من الجامعة الأمريكية بالقاهرة أو من جامعات في الولايات المتحدة. لذلك فقد فكروا بعقلية أمريكية وظيفية فيما يتعلق بالأعمال والإدارة، وإن كان بنكهة مصرية.

جون ألترمان: بالنسبة لبعض الدول، فإن التوجه المؤيد للولايات المتحدة الذي حافظوا عليه لعقود لم يعد منطقياً الآن. فروسيا والصين تتطلعان إلى رفع مستوى صورتهما وسمعتهما في منطقة الشرق الأوسط، وهما يران أن رغبات الحكومات الإقليمية تجاه تبني نهج الاقتصاد من القمة إلى القاعدة والنظام السياسي الصارم هي التوجهات الصحيحة. وبدلاً من إعادة التباحث حول التوترات القديمة مع حكومة الولايات المتحدة التي يبدو أنها في طريقها إلى التخارج من المنطقة، فلماذا لا يستكشفون إقامة علاقات أوثق مع الحكومات التي يبدو أنها في طريقها إلى الانخراط في المنطقة؟

عبد الخالق عبد الله: السؤال الذي يطرحه الناس هنا هو ما إذا كنا ننتقل إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب؛ وإذا كان الأمر كذلك، فهل من المناسب للجميع هنا أن يروا أي نوع من التموضع داخل ذلك العالم متعدد الأقطاب يحتاجون للقيام به في السنوات القادمة.

مها يحيى: أود أن أقول أيضاً، إنه مع انتقالنا إلى عالم ما بعد السلام الأمريكي، انتقل آخرون أيضاً للسقوط في الفجوة – فروسيا والصين هما الأكثر بروزاً الآن.

جون ألترمان: لكن بالنسبة إلى ألون بينكاس، فإن الابتعاد عن الولايات المتحدة سيكون خطأً كبيراً.

ألون بينكاس: إنها ليست معضلة وليست مفارقة في نفس الوقت. حيث يتعين على إسرائيل التمسك بالولايات المتحدة مهما حدث. وإذا وجدت نفسك مضطراً لاتخاذ قرار ما، فيمكنك أن تناور باستخدام كل ما تريد. لابد لك من اعتماد نهج التأخير والمماطلة، ولا تتخذ قرارات عندما لا يكون يتحتم عليك اتخاذ قرار ما. ولكن عندما يتعين عليك الاختيار بين الرئيس بايدن الذي يقول، “س” والرئيس الصيني شي جين بينج الذي يقول، “ص”، فعليك بالتأكيد أن تتبع “س” التي يقولها بايدن. فأنت في هذه الحالة لا تلهو بأحد الألعاب. تحتاج إسرائيل إلى أن تكون أكثر تفهماً لتغيير الولايات المتحدة لأولوياتها. وعندما تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل ألا تكون مصدر للترفيه عن الصينيين وألا تقبل الاستثمارات الصينية في مشاريع البنى التحتية الاستراتيجية، فعلى إسرائيل عندئذٍ أن تستجيب للنصيحة. وهذا ليس لأن الولايات المتحدة على حق. فقد تكون الولايات المتحدة مخطئة جداً في طرح هذا السؤال، لكن هذه هي مقتضيات العلاقة التي بيننا.

جون الترمان: ولكن عبد الخالق عبد الله لا يوافق على ذلك.

عبد الخالق عبد الله: دعنا نفكر في عام 2025 أو حتى في عام 2030. فمن المرجح أن ترى دور الولايات المتحدة عسكرياً وسياسياً وغير ذلك قد تضاءل في المنطقة. وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن نرى المزيد من انخراط الصين، والهند، وكوريا في الشرق الأوسط. لقد وقعنا بالفعل صفقة عسكرية مع كوريا الجنوبية — صفقة أسلحة تُقدر قيمتها بـ 3.7 مليار دولار، ربما لن توفرها الولايات المتحدة لنا.

جون ألترمان: من جانبها، لا تعتقد مها يحيى أن الولايات المتحدة يمكن أن تترك المنطقة بهذه السهولة.

مها يحيى: لكي تفك الولايات المتحدة ارتباطها بالمنطقة، فهي تحتاج إلى تحقيق الاستقرار هنا. ولكي يتحقق الاستقرار، هناك سياسات محددة للغاية يجب وضعها موضع التنفيذ. هناك أيضاً حاجة إلى استثمار القوى العاملة والموارد حتى نتمكن من التحرك في هذا الاتجاه. ولكن للأسف الشديد، لا أرى تحقق ذلك. فنظراً للظروف السائدة في المنطقة اليوم، أعتقد أنها مسألة وقت فقط، قبل أن تبدأ الأمور في الانهيار مرة أخرى. وقد تجد الولايات المتحدة نفسها -على مضض- تنخرط مرة أخرى في منطقة تريد في الحقيقة الخروج منها.

جون ألترمان: منذ جيل مضى، كانت الولايات المتحدة تعتبر نفسها “الأمة التي لا غنى عنها”. ففي الشرق الأوسط وأماكن أخرى حول العالم، كانت الولايات المتحدة هي المحرك الرئيسي للدبلوماسية والضامن الرئيسي للأمن. وبعد عقدين من الزمن وبعد اندلاع عدة حروب، تغيرت التصورات عن الولايات المتحدة ومصالحها. فالشركاء والخصوم على حد سواء يشككون في قدرات الولايات المتحدة والتزام الولايات المتحدة بإعادة تشكيل العالم على طريقتها.

في الشرق الأوسط على وجه الخصوص، يبدو أن الولايات المتحدة في طريقها للخروج من المنطقة، في حين يُنظر إلى قوى مثل روسيا والصين على أنها في طريقها إلى الانخراط في المنطقة. وترى إيران، وهي خصم على مدى طويل للولايات المتحدة في المنطقة، بعض الاحتمالات للتكيف مع الولايات المتحدة. ويرى العديد من جيران إيران أن أي تسوية أمريكية مع الجمهورية الإسلامية تنذر بكارثة. فماذا يتعين القيام به إذن؟ فبالنسبة للبعض، لا يزال منطق الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة منطقياً. وإذا حدث شيء أو جد جديد، فإنهم يرون في حرص الولايات المتحدة على مغادرة المنطقة حجة كافية لمزيد من التقرب منها.

ويرى آخرون أن النظام العالمي يتغير، ولذلك فهم حريصون على رسم مساراتهم الخاصة في عالم متعدد الأقطاب. وهناك أصوات في المنطقة تعتقد أن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك. ففي رأيهم، أن الولايات المتحدة لم تسعَ أبداً إلى لعب دور رئيسي في الشرق الأوسط، لكنها اضطرت إلى ذلك عندما أصبح الخلل الوظيفي في المنطقة يهدد المصالح الأمريكية والعالمية. والآن، عادت الانقسامات التي اندلعت في شكل موجات من العنف والعداوة للظهور من جديد. قد تكون الولايات المتحدة قد سئمت من الشرق الأوسط، لكن في المقابل ربما لم يسأم الشرق الأوسط من  الولايات المتحدة.

في المرة القادمة من هذا البودكاست، سنستكشف وجهات النظر حول كيفية تناغم الشرق الأوسط مع الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close