fbpx
تقديرات

العلاقات العسكرية المصرية الأمريكية واستقلالية المؤسسة العسكرية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تحليل سياسي

مقدمة

كان عام 1948، بداية المعونات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية لمصر في لحظة أفول شمس الإمبراطورية البريطانية التي كانت الولايات المتحدة تستعد لوراثتها. واستمر تدفق المعونات الأمريكية منذ تلك اللحظة والتي لم تتوقف حتى اليوم، واكتسبت العلاقة المصرية الأمريكية خصوصية إضافية بعد انقلاب ٢٣ يوليو ١٩٥٢، والذى كان بمثابة التدشين الرسمي للحضور الأمريكي في المنطقة على حساب القوى الاستعمارية التقليدية (بريطانيا وفرنسا). وبعد حربي ١٩٦٧ و١٩٧٣، مثلت اتفاقية كامب ديفيد ١٩٧٩ المحطة الأبرز في مسار العلاقات المصرية ـ الأمريكية، إذ ربطت مصر استراتيجيا وعسكريا واقتصاديا بالولايات المتحدة، فأصبحت درجة الاستقلالية المصرية محدودة بالتعريف الأمريكي ومؤطرة بالحدود التي ترسمها.

تتناول هذه الورقة الموضوع عبر المحاور الآتية:

أولا: العلاقات العسكرية: حجمها وصورها ومحدداتها.

ثانيا: أسطورة المؤسسة العسكرية المصرية واستقلالها.

ثالثا: نحو إطار استراتيجي للقوى الثورية.

أولا: العلاقات العسكرية: حجمها وصورها ومحدداتها

بينما كانت قوات تابعة للجيش والأمن المصري تقتل مئات المصريين المعارضين للانقلاب العسكري في قلب القاهرة في منتصف أغسطس ٢٠١٣، منحت القوات الجوية الأمريكية شركة جنرال إلكتريك عقد تطوير المقاتلات الجوية التابعة للقوات الجوية المصرية في صفقة بلغت ١٤ مليون دولار تقريبا[2].

وتواصل الرضا الأمريكي، فبعد العملية الدموية الأكثر وحشية في تاريخ مصر الحديث لفض الاعتصام في محيط مسجد رابعة العدوية، أبرم الجيش المصري عقدا مع ”رايثيون“عملاق صناعة الأسلحة حصل بموجبه علي تقنيات وأجهزة حديثة للكشف عن الأنفاق لاستخدامها في سيناء، وبعدها حصل علي عقد آخريخص أنظمة رادار متطورة.

تلك الملايين الأربعة عشر هي جزء من ٧٦ مليار دولار هي حجم المساعدات العسكرية الأمريكية بدءا من عام ١٩٤٨ وحتى عام ٢٠١٥، بما في ذلك المعونة العسكرية السنوية التي تبلغ 1.3 مليار دولار المستمرة منذ عام ١978.

وتمثل المساعدات العسكرية الأساس الصلب للعلاقات المصرية الأمريكية. تتلقى مصر الجزء الأساسي والدائم من أموال المعونة العسكرية الأمريكية من: برنامج التمويل العسكري الأجنبي (Foreign Military Financing-FMF)، وبرنامج التدريب والتعليم العسكري الدولي (International Military Education and Training-IMET)، إضافة لبعض البرامج الأخرى غير الدورية.

يوضحها الشكل التالي

شكل ١: المعونة العسكرية الأمريكية التي تتلقاها مصر، المصدر: وزارة الخارجية الأمريكية

منذ معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في عام ١٩٧٩، استقبل الجيش المصري تدفقات كبيرة من المعونات العسكرية ثابتة سنويا عند رقم 1.30 مليار دولار، تُشكل أكثر من خمس الميزانية العسكرية المصرية، حيث قُدرت ميزانية الجيش المصري في عام ٢٠١٤ بخمسة مليارات دولار وربع مليار تقريبا. ولا تفرض المعاهدة أي إلزام علي الولايات المتحدة بتقديم معونات لمصر، ولكن كوسيط للسلام بين البلدين التزمت الولايات المتحدة بتقديم الدعم والمعونات للبلدين تحت عنوان حفظ توازن القوة الإقليمي وإدامة التعاون الأمني مع البلدين.

غير أن المعونات هي في حقيقة الأمر المدخل الأمريكي لإحكام السيطرة علي الجيش المصري، والتحول من السلاح السوفيتي إلي السلاح الأمريكي، وتغيير عقيدة الجيش العسكرية، لا سيما من خلال برامج التدريب الأمريكي التي يخضع لها قيادات الجيش المصري، ناهيك عن العمولات المقدرة بعشرات الملايين والتيترافق أوامر التوريد كل عام. فالمعونات العسكرية بالنسبة للأمريكان هي بمثابة استثمار طويل المدى علي صعيد الاستقرار الإقليمي وفق التعريف الأمريكي، هذا الاستقرار ذو ركنين أساسيين: التعاون العسكري بين البلدين، واستدامة اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.

فالجيش في مصر لا يتلقى أموال المعونات بشكل نقدي وإنما في شكل سلع وخدمات عسكرية عبر عقود حكومية مباشرة. ولا يحظى بهذا الامتياز الأمريكي (ومقتضاه: احصل على سلاحك، وسندفع نحن ثمنه في السنوات القادمة) سوى دولتين فحسب في العالم: إسرائيل ومصر.

عمليا، عندما يُمنح الجيش المصري ضوءاً أخضر أمريكي بخصوص شراء الأسلحة، يحصل الجيش علي الأسلحة دون أن يدفع دولارا، لاحقا تسدد الحكومة الأمريكية ثمن هذه الأسلحة من أموال المعونة العسكرية السنوية. إن هذا لا يعني سوى أمرا واحدا: أن المعونة العسكرية للجيش المصري لا زالت هي الاسثمار الأمريكي الأفضل في المنطقة بعد إسرائيل ذاتها. ناهيك عن أن قيادة الجيش المصري هي جزء أساسي من هذا الاستثمار.

الأهم من ذلك أن التدريب علي الأسلحة وصيانتها تصبح حقًا حصريًا للخبراء الأمريكيين، وكذا قطع الغيار. فالمعونة العسكرية الأمريكية لمصر تنقسم إلى عدة مستويات كبرى:

1ـ التسليح العسكري:

الجيش المصري مدين بأموال طائلة ولسنوات قادمة لشركات السلاح الأمريكية (مثلا تمتد بعض الطلبات المصرية الآن حتى عام ٢٠١٨)، والأهم أن إرادة الجيش مرتهنة للبنتاجون الذي يملك إن أراد تعطيل معظم القوة الضاربة للجيش المصري، خاصة وأن المساعدات العسكرية الأمريكية تغطي ٨٠٪ تقريبا من مشتريات السلاح المصرية ()

الشكل الأبسط لفعل ذلك هو تعطيل تسليم قطع الغيار أو الذخيرة أو عمليات الصيانة مثلا. كما تشكل أموال المعونة سيفا مسلطا علي مصر، حيث يملك الرئيس الأمريكي أن يوقف البيع بالآجل لمصر ويلزمها بالدفع المباشر، الأمر الذي يعني ديونا فوق الديون وهزة عنيفة للاقتصاد.

قبل نهاية عام ٢٠١٣ كثف الكونجرس الأمريكي ضغطه علي البيت الأبيض لتعطيل تسليم قطع غيار دبابات إم 1 إيه 1 وصواريخ هاربون بعد توتر العلاقات علي نحو طفيف، ولتهدئة الرأي العام وتجاوز توتره وهيجانه تم تأجيل بعض الأسلحة غير المهمة، والتي لا تؤثر لا على الجيش المصري ولا علي العلاقة الثنائية.

حتى إن الضغط من الكونجرس، والذي عطل بعض الأسلحة حتى تمام ما أطلقت عليه القاهرة انتخابات رئاسية بفوز الجنرال السيسي بالرئاسة المصرية، كان ضغطًا هشًا وصوتيًا فقط، يمكن فهم ذلك بسؤال السيناتور راند باول الذي تقدم باقتراح للكونجرس لوقف المساعدات حتى تتم الانتخابات الرئاسية، لكن جون ماكين نفسه الذي انتقد كيري والبيت الأبيض بسبب تأييدهم لما يحدث في مصر، قاد تحالفًا شرسًا لإنهاء التصويت ورفضه، وتم له ذلك بالفعل ورُفض اقتراح السيناتور باول بأغلبية 83 صوتًا مقابل 13 صوتًا فقط.

وحتى تحمي الإدارة الأمريكية نفسها من انتقادات الكونجرس المتزايدة بشأن الوضع المصري، قامت بتمرير قانون فرعي استثنائي معدل لمصر فقط ضمن قانون تمويل الدولة الفيدرالية الأمريكية الذي صوت عليه في مجلس الشيوخ بـ 56 صوتًا لنعم مقابل 40 صوتاً، القانون الفرعي “قانون الإنفاق العسكري” يعطي الحق للإدارة الأمريكية باستثناء مصر من أي محاولات لقطع المعونة، ويتيح للبيت الأبيض التصديق على المساعدات بدون أي التفاف للكونجرس أو سلطة منه لوقفها إن رأى الرئيس الأمريكي أن قطع المساعدات قد يضر بالأمن القومي().

إن التعاون الأمني يسرع ويؤمن استخدام قناة السويس ومن ثم يسهل وصول القوات البحرية الأمريكية لكل من البحر المتوسط والمحيط الهندي، وقد أثبتت هذه الخدمات أنها حيوية ولا غنى عنها لأمريكا في حروبها علي العراق وأفغانستان().

2ـ التحديث العسكري:

يشمل التعاون المصري الأمريكي أيضا إنتاج الدبابات القتالية من طراز إبرامز M1A1. يتم تصنيع نسبة من أجزاء الدبابة في مصر وتنتج أمريكا باقي المكونات ثم يتم تجميع الدبابة في مصر. وتعتبر شركة جنرال دينمكس هي المتعاقد الرئيسي لهذا البرنامج، وقد تم إخطار الكونجرس في يوليو ٢٠١١ باتفاقية محتملة بشأن الدبابةM1A1 ولم يعترض الكونجرس على الصفقة التي يتم بموجبها إمداد المصريين بمكونات مجمعة من شركة جنرال دينمكس التي تلقت ٣٩٥ مليون دولار في ٢٠١١ لإمداد مصر بعدد ١٢٥ وحدة مجمعة لتزويد الدبابة بها بما يدفع عدد الدبابات المنتجة مع مصر إلى ١١٣٠ دبابة على أن يتم التوريد في يوليو ٢٠١٣ لينتهي في يناير ٢٠١٦.

ومن المهم في هذا الإطار إدراك كيف ينظر ويقيم “الشريك الأمريكي” القدرة القتالية للجيش المصري، ففى مقابلة تلفزيونية في إبريل ٢٠١٢ لخص هاري كريسلر الخبير في معهد الدراسات الدولية الأمر قائلا: “لا يوجد دليل علي أن لدى القوات المسلحة المصرية كفاءة قتالية، إنهم لا يستخدمون المعدات التي اشتروها من أمريكا بكفاءة عالية، ولا يستخدمونها بصورة صحيحة. كمثال: المصريون لديهم دبابات M1A1ولكنهم يستخدمونها كقطع سلاح بأرض المعركة، وهذا إهدار للتكنولوجيا. دبابات M1A1يفترض أن تستخدم في حروب المناورة، لكنهم لا يعملون كيف يقومون بصيانة هذه الدبابات، ولا تقديم الخدمات اللوجيتة للدبابات التي يتم تشغيلها لفترات زمنية طويلة. الطيارون المصريون غير معروفون بالكفاءة، بالتأكيد يمكنهم الإقلاع والهبوط، لكنهم ليسوا علي درجة كفاءة غيرهم في المهارات الأخرى”.

وأضاف: “هذه ليست قوة قتالية معتبرة، هذا جيش منخرط في مصالحه الاقتصادية الخاصة به، والحفاظ علي التحكم في الجيش المصري …عندما دخلت أمريكا ومصر في هذه العلاقة الاستراتيجية، عندما بدأت المساعدات العسكرية الأمريكية في بداية الثمانينات الهدف كان تحويل الجيش المصري إلي قوة مسلحة أمريكيا، وقوة قتالية أكثر كفاءة، لكن الحقيقة هي أنه على مدى خمسة وثلاثين سنة أدى برنامج المعونة بالأساس إلي تسريح الجيش المصري من الناحية القتالية …هم ليسوا قوة قتالية فعالة”.

3ـ التدريب العسكري:

يمثل التدريب العسكري المشترك أحد أركان العلاقة المصرية الأمريكية. فمنذ عام ١٩٩٤ بدأت عملية تدريب النجم الساطع، وهي مجموعة مناورات تدريبية ضخمة تجري كل عامين بمشاركة دول أخرى مثل الأردن والكويت وألمانيا وبريطانيا. ورغم أنه تم إرجاؤها عام ٢٠٠٣ مع الغزو الأمريكي للعراق إلا أن أنها عادت للانتظام في ٢٠٠٥.

كما شاركت الدولتان في مجموعة مناورات بحرية مشتركة عام ٢٠٠٨ سمتها تحية النسر، وكانت بشكل أساسي تدريبا علي التصدي لعمليات القرصنة البحرية وتأمين المضايق البحرية الجيو إستراتيجية،وشملت المناورات التدريب على عمليات الاستطلاع والبحث وإنقاذ السفن وتدمير الأهداف السطحية والجوية ومكافحة الغواصات المعادية.

وقد تم تدشين مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات العسكرية المصرية الأمريكية في 31 مارس ٢٠١٥، حيث أبلغ الرئيس الأمريكي باراك أوباما الجنرال عبد الفتاح السيسيبرفع الحظر الرئاسي على تسليم طائرات إف-16، صواريخ هاربون، وقطع غيار دبابات ام 1 ايه 1 والذي ظل قائما منذ أكتوبر ٢٠١٣.

وأكد أوباما علي جوهرية العلاقة المصرية الأمريكية إذ أعلم السيسي أنه سوف يستمر في طلب 1.3 مليار دولار سنويًا كمساعدات عسكرية لمصر. وأنه بداية من العام المالي ٢٠١٨ سوف يتم تقسيم المساعدات الأمنية لمصر إلى أربعة أقسام:

· قسم خاصة بمكافحة الإرهاب.

· قسم خاص بأمن الحدود.

· قسم خاص بأمن سيناء.

· قسم خاص بالأمن البحري.

وهو ما يعني ضبط الدور المصري تماما وفق الأجندة الأمريكية والتصور الأمريكي لدور الجيش المصري في الاستراتيجية الأمريكية: مجموعة من القوات الفعالة القادرة علي الانتقال السريع وتنفيذ المهام التي توكل إليه لحفظ الأمن والأهداف الأمريكية بدلا من كونه جيشا كاملا يستعد لمعركة شاملة مع إسرائيل. كذلك سيتم إيقاف الائتمان الممنوح لمصر لشراء الأسلحة بالأجل، وهو ما يعني تكثيف الضغط علي مصر وإحكام الرقابة المشددة من قبل الولايات المتحدة.

ثانيا: استقلالية المؤسسة العسكرية المصرية(10):

إن استقلال الجيش المصري هو قول أقرب إلي الادعاء المحض، لا سيما بالنظر إلي بنية الجيش وظروفه التكوينية وأوضاعه المؤسسية ودوره الوظيفي، وهو ما تؤكده الشهادات التالية:

1ـ شهادة رئيس الأركان الأمريكي مارتن ديمبسي

في جلسة الاستماع بمجلس الشيوخ الأمريكي أثناء التمديد لرئيس الأركان الأمريكي مارتن ديمبسي يوم الخميس ١٨ يوليو ٢٠١٣. قال ديمبسي:

“لقد تعامل الجيش المصري بمهنية عالية وثبات خلال السنوات الثلاث منذ إزاحة مبارك في ٢٠١١، وهنا:

أولا: علينا أن نحافظ علي قوة هذه العلاقة لتمكيننا من مساعدة والتأثير علي قادة مصر العسكريين.

ثانيا، إن الولايات المتحدة ستكون قصيرة النظر إذا قللت من شأن العائد علي الاستثمار الذي تحصل عليه من الجيش المصري، مثلا، التعاون في محاربة الإرهاب، التعاون الاستخباراتي، الحصول علي حق المرور لسفننا الحربية عبر قناة السويس. هذه أمثلة علي الفوائد التي نجنيها من تلك العلاقة.

ثالثا، لقد لعب الجيش المصري دورا موازنا خلال الفترة الانتقالية في مصر. رابعا، إن التزاماتنا في إطار اتفاقيات كامب ديفيد قد أزهرت سلاما دائما بين إسرائيل ومصر”.

وأضاف ديمبسي: “أتفق أنه فيما يتعلق بأهمية العلاقات العسكرية العسكرية كأمور تجعل تحقيق السياسة الخارجية الأمريكية أمرا ممكنا”. كما أقر أنه علينا الاستمرار في الحفاظ علي قوة العلاقة العسكرية المصرية الأمريكية وتمتينها “الجيش المصري شريك قوي جدا للولايات المتحدة”، “الجيش الإسرائيلي يعتبر الجيش المصري شريكا قويا”، “إنهم يستحقون الاستثمار فيهم”.

2ـ شهادة القائد الأسبق للقيادة المركزية للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط أنطوني زيني:

في ندوة ناقشت ”الدور المستقبلي للجيش في مصر الديمقراطية ما بعد الثورة“ في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن أواخر إبريل ٢٠١٣، كشف أنطوني زيني اللواء المتقاعد والقائد الأسبق للقيادة المركزية للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط: إنه تغيير شامل في المفاهيم والعقيدة والتسليح، إنهم لا يدركون أية فوائد نجنيها من وراء علاقتنا بالجيش المصري، علام حصلنا من وراء ذلك؟. حرب الخليج، الصومال، القدرة علي القتال المشترك بناء على العقيدة العسكرية نفسها، مكان للتدرب يتميز بمساحة جوية وبحرية وجوية متجاورة تمكننا من العمل على مستوى كنا بحاجة للتدرب عليه، لقد قدم المصرين ذلك لنا”، “يظن الناس أن المساعدة الأمريكية البالغة 1.3 مليار دولار هي نوع ما من الهدايا”. “إن هذه العلاقة الوطيدة كانت مهمة للغاية لنا منذ ١٩٧٩ في تحقيق مهامنا العسكرية كما كانت العلاقات الشخصية البينية بين الضباط من الجانبين حميمة للغاية”. “لقد كنا في ساحات القتال معا، ولقد منحونا كل شيء احتجناه للاستجابة لمواقف حرجة وماتوا بجانبنا عندما حدث ذلك”.

3ـ شهادة العميد السابق لكلية الحرب الوطنية كين آلارد:

في عام ٢٠١٣ زار الكولونيل الأمريكي والعميد السابق لكلية الحرب الوطنية “كين آألارد” مصر وقال في حوار إعلامي في ٣٠ سبتمبر 2013: “أنا فخور للغاية حيال حقيقة أننا كنا نُدرس لاثنين من الفاعلين الرئيسيين في كل هذه الدراما الحادثة، الجنرال السيسي والجنرال صبحي. وفخور جدا كونهم قالوا لي أن ما فعلناه هو ما علمتوه لنا في كليات الحرب في بلادكم. واو”.

وقد شرح ألارد لاحقا ما الذي علمه للسيسي وصبحي وغيرهم من الضباط المصريين في كليات الحرب الأمريكية، وذلك في كلمته أمام المؤتمر السنوي الرابع للتضامن القبطي في واشنطن:”لماذا نملك الجيوش؟ لسببين: الجيوش تسيطر علي الشعوب وتحارب الجيوش الأخرى. متى حارب الجيش المصري جيشا آخر؟ في ١٩٧٣. ما الذي يفعله منذ ذلك الحين؟ يسيطر علي الشعب. لذلك حقيقة ما هم عليه وما يجب أن يفعلوه أمر مهم للغاية بالنسبة للمجتمع المصري”.

خلاصة:

لابد من تطوير إطار استراتيجي للقوى الثورية يتضمن ويستوعب أي خيار سياسي قد تحتمه التفاعلات الحالية في ظل اختلال توازن القوى وضيق الأفق وحرق موارد القوة المحتملة وتضييع الفرص المستمر. ومجمل القول أن من يريد الثورة الحقة والتحرر والاستقلال الحقيقي فلا بديل عن تبني برنامج طويل الأجل أهدافه الاستراتيجية ما يلي: العمل على تفكيك الجماعات الوظيفية التي تشكل أدوات لاستمرار التبعية ومؤسساتها، وتطوير بنى تنظيمية فعالة وكفؤة تراعى التوازن بين الثنائيات التنظيمية، وإقامة مؤسسات وسيطة تمكن الناس من التعاطي مع تلك المؤسسات التي تفرض هيمنتها على مقدرات الدولة، بل وترهنها للخارج.

 

([1]) الأراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري، ولكن تعبر عن وجهة نظر كاتبها.

([3]) Jeremy M. Sharp, Egypt: Background and U.S. Relations, Congressional Research Service.

([4]) Eric Schmitt, Cairo Military Firmly Hooked to U.S. Lifeline, New York Times, August 20, 2013.

([5]) يقول روبرت سبرنجبورج، بروفيسور شئون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا للبحرية الأمريكية: من دون هذه المعونة المساعِدة، لن تطير الطائرات ولن تتحرك الدبابات”. أنظر: Eric Schmitt, Ibid.

([6]) هيثم قطب، الأساطير الثلاثة المؤسسة للعلاقات المصرية الأمريكية!، ساسه بوست، ٢٦ مارس، ٢٠١٥.

([7]) هيثم قطب، المرجع السابق.

([8]) تقرير مكتب المحاسبة الحكومي (GAO) الصادر في ٢٠٠٦ تحت عنوان: ”المساعدة الأمنية: حاجة وزارة الخارجية ووزارة الدفاع لتقييم كيفية تحقيق برنامج التمويل العسكري الأجنبي لمصر أهداف السياسة الخارجية والأهداف الأمنية للولايات المتحدة، انتهي إلى أنه: “في السبعة وعشرين سنة الماضية زودت الولايات المتحدة مصر بأكثر من 34 مليار دولار من خلال برنامج التمويل العسكري الأجنبي لدعم الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط”. ص ١٦.

وقدم التقرير أمثل عن التعاون العسكري والمساعدة العسكرية بين مصر وأمريكا عقب ديباجة تقول: ”أكد المسئولون وعدة خبراء أن مصر تدعم الأهداف الأمريكية من برنامج التمويل العسكري الأجنبي، والموجودة في خطة الأداء السنوية حيال مصر وكذلك في مبررات اعتماد الموازنة الخاصة بها في الكونجرس”، ص ١٦.

وذكر التقرير عدة أمثلة للدعم المصري للأهداف الأمريكية: أرسلت مصر حوالي ٨٠٠ فرد من القوات المسلحة لإقليم دارفور في السودان في ٢٠٠٤؛ دربت ٢٥٠ ضابط أمن عراقي و٢٥ دبلوماسي عراقي في ٢٠٠٤؛ أقامت مستشفى عسكريا وأرسلت طواقم طبية لقاعدة باجرام الجوية في أفغانستان من ٢٠٠٣ إلي ٢٠٠٥؛ قدمت إذن عبور الأجواء المصرية لـ ٣٦٥٥٣ طائرة أمريكية من ٢٠٠١ حتى ٢٠٠٥؛ منحت ٨٦١ سفينة أمريكية الإذن بعبور قناة السويس خلال ذات الفترة وقدمت كل الدعم الأمني لتلك السفن”. ص ١٧.

([9]) محمد مجاهد الزيات، واقع ومستقبل العلاقات العسكرية بين القاهرة وواشنطن، الرابط.

([10]) https://www.whitehouse.gov/the-press-office/2015/03/31/readout-president-s-call-president-al-sisi-egypt.

”عندما أخبرت الرئيس مبارك أن السعوديين قد وافقوا علي انتشار القوات الأمريكية، كان مستعدا للمساعدة. “«ماذا تحتاج» سألني هو. طلبت منه حقوق المرور الجوي كي تتمكن طائراتنا من عبور الأجواء المصرية. وافق هو. أخبرته أننا نحتاج كذلك إذنا حتى تتمكن إحدى حاملات طائراتنا التي تعمل بالطاقة النووية (اليو إس إس أيزنهاور) من عبور قناة السويس. في العادة لا يحب المصريون مرور السفن التي تعمل بالطاقة النووية عبر قناة السويس وقد تستغرق الحصول علي الإذن عدة أسابيع، لكنه وافق فورا. «متى ستأتي تلك السفينة؟» سألني، أجبته «الليلة»“.

هكذا يحكي ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الأسبق في مذكراته عن واحدة من المواقف التي جمعته برئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة (ص ٤٤٠). ومع التنقيب الدءوب في كتب التاريخ الدبلوماسي والسير الذاتية للمسئولين يمكننا الحصول علي مئات القصص والحكايات والمواقف التي تلخص حقيقة واحدة: ليس هناك استقلال للمؤسسة العسكرية المصرية، وليس هناك مؤسسة عسكرية أصلا . راجع الروابط التالية:

http://www.meforum.org/441/why-arabs-lose-warshttps://www.youtube.com/watch?v=OwFuwMxVzIk

([12]) في رسالة ماجستير بكلية الدراسات العليا للبحرية الأمريكية في العام ١٩٩٦، أوضح الضابط جوفر (Gover) كيف أن برنامج مبيعات الأسلحة الأجنبية وبرنامج التعليم والتدريب الدولي يعملان كأدوات تأثير وتنشئة لتحقيق المصلحة الأمريكية: إن برنامج مبيعات الأسلحة الأجنبية يؤثر علي السلوك المصري عبر تطوير علاقات شخصية متعددة مصرية أمريكية علي كل المستويات الحكومية وعبر الاعتماد المصري علي الولايات المتحدة في الأسلحة والتدريب والتمويل والدعم المستمر. إن برنامج التعليم والتدريب الدولي يؤثر علي القادة المحتملين لمصر من خلال تعرض الطلاب للثقافة والقيم الأمريكية. إن الجهود الأمريكية للتأثير في الحالة المصرية كانت بالغة النجاح في تحقيق أهدافها (p. v).

وقد لخص رعنان جيسسين، كبير مستشاري شارون المتحدث الأسبق باسم الحكومة الإسرائيلية، أسطورة الجيش المصري المستقل في ٥ فبراير ٢٠١٣ قائلا: “أتذكر أنه عندما كنا ننسحب من سيناء كان اهتمامنا الأكبر منصبا علي نزع السلاح من سيناء، أن يخرج الجيش المصري من سيناء. كنا نقول مازحين: نريد سيناء فقط ببدوها وجمالها. أتعلم؟ لو كنت حينها ذكيا بما فيه الكفاية كما أنا اليوم لقلت: لا خذوا البدو والجمال خارج سيناء واتركوا الجيش المصري فيها.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close