fbpx
ترجماتمجتمع

GPF: أزمة الغذاء في مصر ستدفع البلاد إلى حافة الهاوية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشر موقع جيوبوليتيكال فيوتشرز الأمريكي في 30 مارس 2022 مقالاً لهلال خاشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، والكاتب والمحلل السياسي في شؤون الشرق الأوسط، بعنوان: “أزمة الغذاء في مصر ستدفع البلاد إلى حافة الهاوية”. وبحسب المقال، فإنه استناداً إلى “سياسات السيسي الاقتصادية والإقليمية الخاطئة”، والتي لا تحظى بالقبول من الجيش، والآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليها، يتوقع الكاتب أن تشهد مصر من جديد اندلاع انتفاضة شعبية، حيث ستأتي في مقدمة دول المنطقة التي ستشهد أحداثاً مماثلة، وذلك بالنظر إلى عدد سكانها وتأثيرها الثقافي والأدبي والسياسي الكبير. وقد جاء مقال جيوبوليتيكال فيوتشرز على النحو التالي:

أثرت الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا سلباً على المنطقة العربية، والتي تعتمد بشكل كبير على واردات القمح من الخارج، بما في ذلك من تلك الدولتين. ورغم أن تداعيات وتأثيرات الحرب على المنطقة تختلف من دولة إلى أخرى، إلا أنخا أضرت بإحدى الدول العربية أكثر مما فعلت بغيرها: وهي مصر. ففي مصر، أدى نقص القمح إلى تفاقم مشاكل الإمداد التي ساهم في التعجيل بحدوثها سوء التخطيط الحكومي والنمو السكاني السريع في البلاد. وعلى سبيل المثال، فقد تعرض القطاع الزراعي في مصر لضغوط شديدة جرّاء انخفاض التدفق من نهر النيل والناتج عن سوء إدارة الحكومة للخلاف حول سد النهضة الإثيوبي الكبير.

وقد تفاقمت هذه المشاكل بسبب التضخم، الذي تسارعت وتيرته بعد انقلاب عام 2013 الذي قاده وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي. وتوقع الكثيرون أن تعمل القيادة السياسية الجديدة على تحقيق الاستقرار في البلاد ودفع عجلة الاقتصاد من جديد، لكن الوضع للأسف ازداد سوءاً.

وفي معرض رد فعله على ارتفاع التضخم بالبلاد، أثار السيسي غضب العديد من المصريين من خلال حثهم على الامتناع عن شراء المواد الغذائية باهظة الثمن والبدء في فقدان الوزن. إن الثورة قادمة، لا مفر من ذلك، ولكنها فقط مسألة وقت قبل أن يقوم حادث صغير بإشعال فتيل ثورة شاملة.

قضية متفجرة

يُعتبر الخبز – الذي يُترجم بالعامية المصرية على أنه ’العيش‘، ومعناه الحرفي “الحياة” – أكثر من مجرد غذاء أساسي لمعظم المصريين. فمصر تُعَد أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث يغطي إنتاجها المحلي 50 % فقط من الاستهلاك. وبالإضافة إلى ذلك، يأتي ما لا يقل عن 80 % من واردات مصر من القمح وزيت الطعام من روسيا وأوكرانيا.

وعلى الرغم من عدم وجود نقص حالياً في الغذاء، فإنه يتعين على الحكومة في مصر الآن السعي للعثور على مزودين جدد لهذه السلع الأساسية، بتكلفة أكثر من مناطق بعيدة بسبب انقطاع الإمدادات من اثنين من مصادرها التقليدية، روسيا وأوكرانيا. (ومن الجدير بالذكر أن الحرب أثرت أيضاً على قطاع السياحة في البلاد، حيث قللت من نسبة تدفق المسافرين إلى مصر من روسيا وأوكرانيا. وبالتالي، فإن فقدان عائدات السياحة والهروب المفاجئ للاستثمار الأجنبي من البلاد يجعل من الصعب جداً على الحكومة أن تفي بالتزاماتها المالية.)

الشكل التالي يبين واردات مصر من القمح وزيت الطعام في عامي 2020 و 2021، ومدى تركزهما في روسيا وأوكرانيا، مما يوضح حجم الأزمة التي تتعرض لها البلاد:

واردات مصر من القمح وزيت الطعام في عامي 2020

منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا الشهر الماضي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 25 % إلى 50 % في مصر، ومن المرجح أن تستمر في الارتفاع بشكل أكبر. لكن رد فعل السيسي على المشكلة جاء على شكل ملاحظات تفتقر إلى الحساسية، حيث دعا الشعب المصري إلى الابتهال إلى الله تعالى عسى أن يخفف عنهم ما هم فيه من غلاء؛ وبالتالي، فقد علّق السيسي رفاهية الشعب وبقاءه على قيد الحياة رهيناً بالتدخل الإلهي لحل الأزمة (مُعفياً نفسه وحكومته من المسؤولية أمام الشعب وأمام الله). ودفع ذلك البعض على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الإعراب عن أسفهم واستيائهم من رد فعل هذا من جانب السيسي.

لطالما كانت التموينات الغذائية وأسعارها قضية متفجرة في مصر على مدار تاريخ البلاد. وقد أدت محاولات الحكومات السابقة لتقليص دعم الخبز إلى احتجاجات شعبية ضخمة. ففي عام 1977، تسبب قرار الرئيس الراحل أنور السادات خفض الدعم عن المواد الغذائية الأساسية في اندلاع أعمال شغب عنيفة في البلاد ألقى باللائمة فيها على الشيوعيين المصريين.

ورغم إصرار صندوق النقد الدولي على تقليص الدعم، أعاد السادات مختلف أنواع الدعم من جديد، معتبراً أن بقاءه السياسي أهم من الإصلاح المالي. وخلال انتفاضة عام 2011، كان المتظاهرون المصريون يهتفون “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”.

وعندما فكرت الحكومة في خفض دعم الخبز في عام 2017، اندلعت الاحتجاجات مرة أخرى. وقطع المتظاهرون حركة المرور ولم يردعهم انتشار الجيش في الشوارع. ورد السيسي على ذلك بالأمر بإصدار فوري للبطاقات التموينية المؤقتة لصرف الخبز المدعوم، من أجل نزع فتيل الأزمة.

وفي الأسبوع الماضي، أعلن السيسي أن برنامج “تكافل وكرامة” المصري سيؤمّن حوالي 7 مليارات دولار من أجل التخفيف من تداعيات أزمة الغذاء والطاقة العالمية. لكن من غير المرجح أن تُحدث هذه المبالغ من الأموال فرقاً كبيراً في دولة يزيد عدد سكانها عن مائة مليون نسمة، حيث يؤدي سوء التغذية إلى أكثر من 65 % من الوفيات بين الأطفال. حيث تُعتبر مصر واحدة من بين ثلاثين دولة تمثل جميعها معاً 90 % من نسبة سوء التغذية عبر العالم.

الوضع الاقتصادي والسياسي

وبالإضافة إلى ذلك، فإن مسألة الغذاء تحتاج إلى دراستها على خلفية التدهور الاقتصادي والسياسي الحاصل في مصر. حيث يُقدر متوسط دخل الفرد بنحو 3570 دولار أمريكي، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 11000 دولار أمريكي، وأن مصر تُعتبر دولة متخلفة اقتصادياً. فالمعلوم أن الاقتصاد المصري لا يسير وفق أسس اقتصادية، بل يسير وفق أهواء السيسي نفسه.

وقد خفض البنك المركزي المصري في الآونة الأخيرة قيمة الجنيه المصري بنسبة 17 % مقابل الدولار. كما رفع البك المركزي أيضاً سعر الفائدة بنسبة 1 % استجابة لارتفاع التضخم في البلاد، حيث سعت الحكومة للحصول على قرض جديد بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. ويتضح جلياً أنه ليس لدى السيسي رغبة حقيقية في تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام في البلاد. يؤدي الفساد والمحسوبية وتعزيز حصة القطاع العام في السوق المصري إلى إخراج عنصر المنافسة من عالم الأعمال.

والشكل التالي يوضح نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بغيره من بعض دول العالم:

نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي

بعد تكثيف الاستثمار في المشاريع العملاقة مثل العاصمة الإدارية الجديدة والقصور المبهرة تحت إدارة السيسي، أثقلت الحكومة أيضاً بتراكم الديون. فعندما قام السيسي بالانقلاب على الرئيس المنتخب عام 2013، كان الدين العام لمصر أقل من 17 مليار دولار. أما في العام الماضي، فقد وصلت الديون إلى مستوى قياسي، حيث بلغ الدين العام 138 مليار دولار؛ والأدهى من ذلك أن خدمة هذه الديون الضخمة تعادل ثلاثة أضعاف الإيرادات المتحصلة من قناة السويس والسياحة معاً.

واستغلت الإمارات العربية المتحدة الصعوبات المالية التي تعاني منها القاهرة، في الاستحواذ على أصول تجارية كبيرة في مصر، حيث تجاوزت استثماراتها الآن 6 مليارات دولار. وبينما تنشط ما يقرب من 1200 شركة إماراتية في العمل داخل مصر بالفعل، يستهدف صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي شراء الأسهم التي تملكها الحكومة المصرية في العديد من الشركات والبنوك، بما في ذلك البنك التجاري الدولي، مقابل ملياري دولار. وفي نفس الوقت، تهيمن الإمارات على مجال الفنون، وصناعة السينما، والإعلام في مصر.

وتحت حكم السيسي، تتصاعد أيضاً مظاهر الاستبداد في مصر. فقد كانت البلاد في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك تنعم على الأقل بالتظاهر ببعض سمات الديمقراطية . وقد تحمل المصريون حكمه الاستبدادي حتى طفح بهم الكيل عندما بدأ في رعاية مشروع توريث الحكم لابنه (جمال). أما السيسي، فهو، مع كل ذلك الاستبداد الذي يمارسه، لا يختبئ وراء حتى ولو قشرة من الديمقراطية.

لقد قضى بوحشية على المعارضة في البلاد، بل وعم طغيانه واضطهاده المسؤولين وقادة الأحزاب والنشطاء وحتى ضباط الجيش الذين دعموا انقلابه عام 2013 للإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في مصر. وعندما تولى السلطة حاول أن يفتن الشعب المصري به ويجمعهم حوله، بقوله لهم: “انتو مش عارفين إن انتو نور عينينا ولا إيه؟” ولكنه في الواقع كان يفتقر إلى الكاريزما التي كان يتمتع بها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وعوضاً عن ذلك، أصبح طاغية مصر.

لقد قام السيسي بقمع المجتمع المدني المصري ونحّاه تماماً عن ممارسة السياسة، سواء بسجن قادته أو بدفعهم للسعي إلى اللجوء خارج البلاد. كما أنه لا يثق في الأشخاص من حوله، بل وصل الحال إلى نعت كل من يخالفه بأنه عميل أجنبي يهدد نسيج الأمة.

وعلى خطا الرؤساء العرب الآخرين، يقوم السيسي الآن بتهيئة ابنه محمود للعب دور حاسم في السياسة المصرية، أملاً في أن يخلفه في النهاية. حيث قام مؤخرا بترقيته إلى نائب رئيس المخابرات العامة المصرية، وتكليفه بإدارة العلاقات المصرية مع إسرائيل. وبناء على ذلك، يشارك نجل السيسي في محادثات سرية مع الإسرائيليين لإنشاء مدينة صناعية في شمال سيناء، كجزء من خطة لإعادة توطين الفلسطينيين هناك. ولكن، بالنظر إلى تدهور الظروف المعيشية في مصر، فمن الممكن أن يؤدي استبداد السيسي إلى تسريع محاولات الإطاحة به.

مدفوعين للثورة

إذن.. إلى أين يمكن أن يقود مثل هذا الوضع؟ فقد كان التصور الشائع على مدى سنوات أن معظم المصريين كانوا سلبيين تجاه السياسية لأنهم كانوا يشعرون بالعجز. وحتى أولئك الأشخاص الواعين والمتعلمين، أشيع عنهم بأنهم باتوا أعضاء فيما اصلح المصريون على تسميته “حزب الكنبة”، وهو مصطلح مصري يشير إلى تلك الأغلبية الصامتة. لكن ثورة يناير 2011 كشفت زيف الادعاء بأن الجماهير المصرية لا يمكن أن تثور.

ولم يُلقِ السيسي بالاً لمخاوف المصريين من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ظناً منه أنهم يمكنهم اللجوء إلى شراء أغذية أقل تكلفة عن تلك التي ارتفعت أسعارها. لكنه، من ناحيته، أنفق مليارات الدولارات في بناء القصور الرئاسية والعاصمة الإدارية الجديدة، واشترى معدات عسكرية باهظة الثمن، منها حاملتا مروحيات، وطائرات رافال القتالية، رغم أن مصر لم تدخل في صراعات خارجية، ولا حتى من أجل الدفاع عن مطالبها وحقوقها في مياه نهر النيل.

لذلك، يجب على السيسي ألا يشعر بالأمان تجاه وضعه السياسي. فالجيش – الذي كان تاريخياً يتمتع بشعبية كبيرة بين المصريين، على الرغم من انحسار ​​شعبيته في الآونة الأخيرة – لا يدعم توريث الحكم في البلاد، مثلما ظهر منه عندما حاول مبارك توريث الحكم لابنه. واستناداً إلى “سياسات السيسي الاقتصادية والإقليمية الخاطئة”، والتي لا تحظى بالقبول من الجيش، فمن غير المرجح أن يظل عبد الفتاح السيسي في السلطة لفترة طويلة تتيح له الفرصة لتوريث الحكم لابنه.

وقد خسر السيسي دعم الجيش، ولو جزئياً، بعد أن قضى على كبار الضباط الذين دعموا انقلابه ضد مرسي، ومن ناحية أخرى لحقيقة أن الجيش لا يرغب في الارتباط بحاكم فشل في الوفاء بالوعود التي قطعها للشعب. لقد كان جيشاً محترفاً حتى بدأ حسني مبارك ومن بعده عبدالفتاح السيسي في استخدام الرشوة لكسب التأييد له بين صفوفه. ولكن يبدو أن ضباط الصف الثاني غير راغبين في الانخراط في السياسة، وينتابهم شعور بأن السيسي سيكون آخر حاكم عسكري لمصر.

وقد خصصت القنوات الفضائية العربية تغطية على مدار الساعة للغزو الروسي لأوكرانيا، ووصفت الغزو بأنه حرب بين قوى الديمقراطية والسلطوية. ومع إخفاقات الجيش الروسي هناك، استيقظ العرب فجأة على حقيقة أن الديكتاتوريات ضعيفة بطبيعتها على الرغم من مظاهرها الكثيرة المثيرة للإعجاب.

وبهذه المناسبة، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، “يجب أن تستعد ديمقراطيات العالم لمعركة طويلة الأمد ضد الاستبداد”. ومع تطور الصراع، ستتردد صدى كلمات بايدن القوية في المنطقة العربية. ويمكن للمرء أن يتوقع أن تقود مصر – الدولة العربية الأكثر اكتظاظاً بالسكان والتي عاشت فترة وجيزة، وإن كانت غير مستقرة، في ظلال الديمقراطية في 2011-2012 – أن تقود المرحلة الثانية من الانتفاضات العربية.

إحدى الشرارات المحتملة لمثل هذه الثورات هي الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في مبنى التليفزيون المصري المعروف بـ “ماسبيرو”، وهو مقر اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، على قرار تقليص العمالة، وتسريح عدة آلاف من الموظفين، وخفض الرواتب وتقليل المزايا الممنوحة لهم.

لقد دأب اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري الذي تسيطر عليه الدولة على دعم حكم السيسي بشكل عام، والدفاع عن سياساته، وتشويه سمعة منتقديه، وشرعنة نظامه بعد الانقلاب عام 2013. وحتى الآن، لم تقُم قوات الأمن بقمع تلك الاحتجاجات. لكن إذا امتدت الاحتجاجات إلى القاهرة، فسوف تقوم الشرطة بسحقها بقوة قد تؤدي إلى إشعال فتيل انتفاضة جديدة.

غالباً ما توصف المنطقة العربية بأنها بركان على أُهبة الانفجار. ومن المحتمل أن تكون مصر، التي تعد تاريخياً دولة رائدة في المنطقة العربية، هي موقع التفجُّر الأول لتلك الثورات، وذلك بالنظر إلى عدد سكانها وتأثيرها الثقافي والأدبي والسياسي الكبير.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close