fbpx
ترجماتسيناء

INSS: هل نجحت مصر في احتواء سيناء بعد 40 عاماً من تحريرها؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في 19 مايو 2022 دراسة عن شبه جزيرة سيناء بعنوان: “في الذكرى الأربعين لانسحاب إسرائيل من سيناء: هل تم دمج شبه الجزيرة في مصر؟”، حيث قام على إعداد الدراسة كل من جوني عيسى، الباحث المشارك في المعهد والمرشح لنيل درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية؛ وعوفير وينتر، الباحث في المعهد والمحاضر في قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة تل أبيب. وأخطر ما جاء في هذه الدراسة هو الجزء الأخير منها، تحت العنوان الفرعي، “التداعيات على قطاع غزة وإسرائيل”، والذي يُذَكّر بما أثير حول دور مصر في صفقة القرن. فهل ستفتح الأزمة الاقتصادية الحالية في مصر الحديث حول هذه القضية من جديد؟

وقد قام المعهد المصري للدراسات بترجمة الدراسة كاملة وإتاحتها للباحثين، لأهميتها، والتي جاءت على النحو التالي:

مضت أربعة عقود كاملة منذ أن أتمَّت إسرائيل انسحابها من سيناء. ومع ذلك، فما لبثت الحكومة في القاهرة أن بدأت في السنوات الأخيرة فقط في بذل جهود شاملة لتطوير شبه الجزيرة وتحويلها من “أرض حرام” منزوعة السلاح إلى جزء لا يتجزأ من الدولة المصرية. فما هي الإنجازات التي حققها نظام السيسي في هذا الملف؟ وما هي التحديات التي يواجهها؟ وما هي تداعياتها على إسرائيل؟

ففي خلال السنوات الثماني التي مضت في ظل حكم عبد الفتاح السيسي لمصر، تم التخطيط لسلسلة من المشاريع الكبرى والشروع في تنفيذها في شبه جزيرة سيناء. حيث يوافق عام 2022 الذكرى الأربعين لانسحاب إسرائيل من سيناء. ومع ذلك، فإنه على الرغم من تحقيق تقدم كبير في تنمية المنطقة، لا تزال هناك العديد من التحديات، بما في ذلك التمرد الدائر في شمال سيناء، والاستياء المستشري بين بعض السكان من البدو (تجاه الحكومة)، وكذلك نقص الموارد المالية اللازمة (لتلك التنمية). ويُعتبر تحقيق النجاح في تنمية شبه جزيرة سيناء  أيضاً مصلحة إسرائيلية، حيث من الممكن أن تساعد تنمية سيناء في استقرار الأوضاع في قطاع غزة، وخاصة حدوده الجنوبية.

ففي الخامس والعشرين من إبريل 2022، احتفلت مصر بالذكرى الأربعين لتحرير سيناء. وقد برزت أهمية سيناء كأولوية قصوى في الأمن القومي المصري منذ تولى عبد الفتاح السيسي السلطة في البلاد. وأكد السيسي مراراً التزام نظامه تجاه أهل سيناء، معتذراً لهم عن سنوات عديدة من الإهمال من جانب الأنظمة المصرية السابقة.

وفي أكتوبر 2021، أكد السيسي خلال مؤتمر صحفي بعنوان “العبور إلى المستقبل” إحياءً لذكرى حرب أكتوبر عام 1973، أنه حتى لو كانت سنوات عديدة قد مرت ولم يتم تطوير سيناء بالشكل الذي ينبغي، فإن التطور الهائل الحالي لشبه الجزيرة سيجلب الازدهار والأمان لها من خلال تحسين حياة مواطنيها وصولاً إلى حقبة جديدة في المنطقة، خالية من الإرهاب. كما أكد السيسي أيضاً على أهمية الحرب على الإرهاب والتضحيات التي قدمها أهل سيناء في هذه المعركة المستمرة. وقد برزت هذه المسألة بشكل أكثر وضوحاً في خطاب ألقاه السيسي في الذكرى الأربعين لعيد تحرير سيناء، حيث شكر سكان سيناء على تضحياتهم المستمرة في الحرب على الإرهاب، نيابة عن الشعب المصري.

ويبدو  أن التطور الجاري في سيناء ليس مجرد بادرة حسن نية من قبل الحكومة تجاه سكانها المحليين، ولكنه يُعتبر أيضاً جزءاً لا يتجزأ من جهود مصر للقضاء على الإرهاب. فعلى مدى العقد الماضي، أدى الإرهاب إلى مقتل الآلاف من المدنيين المصريين والقوات العسكرية والأمنية في محافظة شمال سيناء، وأدى إلى استمرار حالة اللا استقرار بها. وطبقاً للإحصائيات الرسمية المصرية، فقد أودت الحرب على الإرهاب في سيناء بحياة 3277 من أفراد الأمن، بينما أصيب 12280 بجروح خطيرة، خلال الفترة من 2013 إلى أبريل 2022.

وتُغذي المظالم المحلية، وكذلك التطورات الإقليمية الأوسع، التمرد في سيناء. وقد تعزز صعود هذا التمرد، جزئياً، من خلال ثورة يناير 2011 و أحداث 2013 التي انتهت بالانقلاب على الحكومة المنتخبة، مما أدى إلى خلق بيئة مواتية للتمرد ضد النظام في القاهرة؛ وتعزز التمرد أيضاً بشكل جزئي من خلال تدفق العناصر الأجنبية للدولة الإسلامية (داعش)، حيث انضمت أيضاً بعض قبائل البدو المحلية إلى الجماعات السلفية الجهادية المتشددة، فيما يمكن أن يُطلق عليه “زواج توافق”.

وكما اعترف السيسي ضمنياً، فإن أحد الأسباب الأساسية للصراع هو الغضب الذي يُظهره البدو تجاه السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية طويلة الأمد للدولة المصرية والتي اعتمدت على التمييز ضد البدو وتهميشهم. وتشمل هذه العوامل التمثيل السياسي غير الكافي للبدو، والحرمان من حقوق امتلاك الأرض، واستبعادهم من صناعة السياحة في سيناء – وهي مصدر رئيسي للإيرادات لمصر – ومن التوظيف للمصريين المهاجرين إلى منطقة وادي النيل. وبسبب حرمانهم من الفرص الاقتصادية المشروعة، تحولت بعض العناصر البدوية بشكل متزايد إلى ممارسة أنشطة غير مشروعة، لا سيما تهريب الأسلحة والمخدرات والبضائع إلى غزة وإسرائيل.

وبينما نفّذ الجيش المصري عدة عمليات ضد ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة (داعش)، ولا سيما العملية الشاملة – سيناء 2018، إلا أنه لم يتمكن من القضاء عليها أو هزيمتها بشكل كامل. وبالإضافة إلى ذلك، فقد ثبت أن استراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب أحياناً ما تأتي بنتائج عكسية. فبدلاً من القضاء على الإرهاب واستئصاله، أوجدت أرضاً خصبة لتزدهر فيها الجماعات المتطرفة وتقوم بتجنيد أعضاء جدد وتكثف من هجماتها.

ولتجنب المزيد من العزلة والتمييز الذي يُمارس ضد السكان البدو الذين يقطنون شبه الجزيرة، فقد توصلت القاهرة إلى استنتاج مفاده أن الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي ضروري لمحاربة الإرهاب، وأدركت حاجتها إلى تبني استراتيجية أكبر. حيث يستند هذا النهج الشامل في مكافحة الإرهاب إلى ثلاثة مبادئ أساسية:

الأول، يتعلق بضمان وتحقيق أمن المواطن؛

الثاني، يتعلق باستعادة هيبة الدولة وسيطرتها على جميع أنحاء البلاد؛

الثالث، يتعلق بإعادة الثقة في الأجهزة المعنية بضبط الأمن وتحقيق الاستقرار.

ويتأتى ذلك من خلال الاعتماد على مجموعة متكاملة من المحاور: الأمنية، والعسكرية، والتشريعية، والفكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتنموية.

وبالرغم من أن تنمية شبه جزيرة سيناء وتحسين بنيتها التحتية قد أصبحت بالفعل إحدى الأولويات الوطنية لنظام السيسي في السنوات الأخيرة، إلا أنه في الواقع، كان هذا هو نفس الهدف الذي سعت لتحقيقه أيضاً الحكومات المصرية السابقة، منذ استعادة شبه الجزيرة إلى السيادة المصرية في أبريل 1982، ولكن لم يتمكن أي منها البتة من بناء استراتيجية تنمية شاملة وترجمة هذه الخطط بالكامل إلى نتائج على الأرض. وقد يكون الجهد الذي يتم بذله حاليا هو الأكثر طموحاً، لكن لا تزال هناك عقبات كثيرة أمام إمكانية تحقيق ذلك.

استراتيجية تنمية سيناء في عهد السيسي

على الرغم من أن نظام السيسي عمل على تبني خطط لتطوير شبه جزيرة سيناء على عدة مستويات منذ عام 2013، إلا أن الحكومة  لم تقدم حتى عام 2016 خططاً طويلة الأجل لتنمية شبه الجزيرة تهدف إلى زيادة الاستثمارات والتركيز على المشاريع التي تتمحور حول السكان. وبحسب تقرير نشره المرصد المصري، فإن هذه الخطط تضم ميزانية ضخمة بقيمة 600 مليار جنيه (ما يعادل حوالي 11.09 مليار دولار) لتنفيذ مشاريع تنموية في شبه جزيرة سيناء. كما أن مخصصات التنمية لمحافظات سيناء زادت بنسبة 300% على الأقل من العام المالي 2009/2010 إلى العام المالي 2019/2020.

وقد خصص الجهاز المركزي للإعمار والقوات المسلحة المصرية وديوان الرئاسة مليارات الدولارات لتنمية سيناء. وتشمل المشروعات:

– خططاً لإنشاء شبكة طرق شاملة تربط شبه الجزيرة بأجزاء أخرى من الدولة مثل أنفاق قناة السويس الخمسة (بقيمة 12 مليار جنيه مصري)؛

– مشروعات سكنية مثل مدينة رفح الجديدة (بقيمة 1.38 مليار جنيه)؛

– التنمية الزراعية، بما في ذلك إنشاء 11 مجمع سكني زراعي متكامل للتنمية (بقيمة 450 مليون جنيه مصري)؛

– التطورات الصناعية، وتشمل مجمعاً صناعياً بمنطقة الجفافة (بقيمة 4 مليار جنيه)؛

– شبكات المياه والصرف الصحي، مثل إنشاء محطة تحلية في العريش (بقيمة 10 ملايين دولار)؛

– شبكة الإمداد بالطاقة، مثل تطوير حقول غاز شمال سيناء (بقيمة 187 مليون دولار).

وقد تم الإعلان عن أهداف خطة تنمية سيناء كجزء من رؤية “مصر 2030” التي تهدف إلى تقديم الرعاية الاجتماعية والنمو الاقتصادي للمواطنين المصريين. وبالإضافة إلى التركيز على السياحة في سيناء، تقوم الحكومة بتطوير مشاريع في 24 منطقة: من القضايا اليومية، مثل الترفيه والحدائق للشباب، ومعاهد التعليم العالي، والمستشفيات؛ إلى مشاريع البنية التحتية الأضخم والتي تهدف إلى ربط سيناء بباقي مصر والعالم الخارجي.

لقد روّج النظام المصري بقوة لتصور التنمية واسعة النطاق في كل من شمال وجنوب سيناء، بحسب ما جاء في (الشكل 1، الشكل 2):

INSS: هل نجحت مصر في احتواء سيناء بعد 40 عاماً من تحريرها؟-1

الشكل (1)

INSS: هل نجحت مصر في احتواء سيناء بعد 40 عاماً من تحريرها؟-2

الشكل (2)

وقد تم التركيز بشكل خاص على تنفيذ مشاريع تنمية في شمال سيناء لتحسين الفرص الاقتصادية، وذلك في أطر زمنية متفاوتة. وشمل ذلك تقنين ملكية الأراضي للمواطنين، والتعويض عن الأضرار الناجمة عن العمليات العسكرية. وتضمنت الخطط أيضاً بناء مدينة جديدة في رفح، حيث تم تدمير جزء كبير من المدينة  بسبب الضربات الجوية العسكرية؛ وإنشاء منطقة عازلة على حدود غزة. وبهدف حشد الدعم وزيادة شرعيته، عمد الجيش إلى إرسال بعثات لإعادة الإعمار إلى مدن: رفح، والعريش، والشيخ زويد، وبئر العبد؛ التي مزقتها العمليات العسكرية.

ووفقاً للبيانات الواردة على بوابة “خريطة مشروعات مصر” الحكومية، فإن هناك 112 مشروعاً قيد التنفيذ أو تم تنفيذها في جنوب سيناء و 90 مشروعاً قيد التنفيذ أو تم تنفيذها في شمال سيناء. ففي الشمال هناك 6 مشاريع قيد الإنجاز بينما تم الانتهاء من 84 مشروع بأشكال مختلفة. ومن ناحية أخرى، فهناك 10 مشاريع قيد الإنجاز في الجنوب، بينما تم الانتهاء من 102 مشروعاً بأشكال مختلفة (انظر الشكل 3). وبينما يتم تنفيذ مشاريع أكبر للبنية التحتية والخدمات العامة في الجنوب، يتم تنفيذ المزيد من المشاريع ذات التوجه الاجتماعي في الشمال، والتي تعزز الحياة اليومية للمواطنين، كمشاريع التعليم والصحة والثقافة.

INSS: هل نجحت مصر في احتواء سيناء بعد 40 عاماً من تحريرها؟-3

الشكل (3)

ربما كانت التوقعات أن يتم تخصيص المزيد من المشاريع لشمال سيناء أكثر من جنوب سيناء، بحسب ما تستهدفه الحكومة من تحقيق المساواة للمحافظة الشمالية الأكثر فقراً، والأكثر تضرراً، والتي تعرضت للإرهاب بشكل أكبر. ومع ذلك، فعند تحليل المبالغ المخصصة لمحافظة شمال سيناء مقارنة بمحافظة جنوب سيناء، تشير البيانات المتوفرة إلى أن الحكومة لا تزال تفضل تخصيص تمويل أكبر للجنوب. فقد قامت الحكومة حتى تاريخه بتمويل قدره 17,339,435,817 جنيه مصري للمشروعات في شمال سيناء، مقابل 24,575,737,859 جنيه مصري لتمويل المشروعات في جنوب سيناء (انظر الشكل 4).

INSS: هل نجحت مصر في احتواء سيناء بعد 40 عاماً من تحريرها؟-4

الشكل (4)

في نفس الوقت، تحاول الحكومة التباهي أمام الرأي العام المصري بجهودها في محاربة الإرهاب من جهة، وتطوير شبه جزيرة سيناء لخدمة سكانها من جهة أخرى. فقد استهدف مقطع فيديو تم عرضه في منتدى شباب العالم في يناير 2022 بشرم الشيخ إبراز ما أسماه ملحمة التعمير في سيناء، والتنمية غير المسبوقة، فضلاً عن الفرص الأمنية منها والاقتصادية التي تم توفيرها لسكان سيناء. وبنفس الطريقة يسلط متحف شرم الشيخ، الذي تم افتتاحه في عام 2019، الضوء بشكل إيجابي على قبائل سيناء، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع المصري.

تحديات تنمية سيناء

وبينما تسجل تنمية سيناء أرقاماً قياسية جديدة، لا تزال هناك العديد من التحديات التي لابد من مواجهتها والتغلب عليها:

التحدي الأول:

من هذه التحديات هو الإرهاب المستمر في شمال سيناء، والذي ازدادت وتيرته في الأشهر الأخيرة ولا يزال يوقع خسائر فادحة في صفوف الجيش والسكان المحليين. وهذا بدوره قد يقلل من قيمة بعض الإنجازات الأخيرة لمصر في سيناء، وخاصة في الشمال.

ويرى السيسي أن الحرب على الإرهاب في سيناء هي حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار في مصر، حيث أنفق الجيش حتى الآن 84 مليار جنيه لمكافحة هذا التهديد. ووفقاً لتقرير صادر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فقد انخفض عدد الهجمات الإرهابية في سيناء من 330 عام 2016 إلى 43 عام 2018. وبعد تحقيق زيادة طفيفة خلال عامي 2019 و 2020، تراجعت النسبة مرة أخرى في عام 2021. ويُعزَى بعض هذا التحسن إلى تجنيد بعض أفراد القبائل البدوية، بما في ذلك قبائل الترابين والسواركة والرميلات، للقتال إلى جانب الجيش المصري لمحاربة الإرهاب، على الرغم من حقيقة أن هذه القبائل غالباً ما تفتقر إلى التدريبات العسكرية الرسمية، وبالتالي تواجه صعوبة في التعامل مع الجماعات الإرهابية المدرَّبة.

وأدى التواجد الموسع للدوريات المحلية بشكل عام إلى منع شن هجمات واسعة النطاق؛ فمعظم الحوادث الآن هي عبارة عن عمليات اختطاف أو إطلاق نار، ولا تتجاوز الحدود الجغرافية لمناطق شمال شرق سيناء و وسط شرق سيناء. ومع ذلك، فعلى الرغم من النجاح النسبي الذي حققته مصر في الحد من الهجمات واحتواء التهديدات، إلا أن ما حدث مؤخراً، تحديداً في 7 مايو 2022، يذكّرنا بأن الإرهاب لا يزال عبئاً كبيراً، حيث هاجم الإرهابيون محطة رفع مياه شرق المنطقة الاقتصادية الاستراتيجية لقناة السويس، مما أسفر، بحسب التقارير الواردة، عن مقتل ضابطين و 15 جندياً.

التحدي الثاني:

هو التأثير السلبي للحرب على الإرهاب على التجمعات البدوية في شمال سيناء. ففي ظل الافتقار إلى التغطية الإعلامية المحايدة للتطورات على الأرض، تشير تقارير دولية إلى انتهاكات لحقوق الإنسان، وإجلاءات قسرية، وتهجير للمجتمعات المحلية. حيث اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان الجيش بارتكاب “عمليات قتل خارج نطاق القضاء ضد أشخاص غير مسلحين”، وكذلك “إطلاق نار وتفجيرات بشكل عشوائي” و “إخلاء قرى وبلدات بأكملها واحتلالها بدعوى محاربة الإرهابيين”. وبحسب العديد من التقارير الواردة، فإن سكان شمال سيناء الأبرياء الذين عادوا إلى القرى التي أجبروا على إخلائها وجدوها في حالة من الفوضى الكاملة.

التحدي الثالث:

في هذا الشأن هو تجنيد المجتمعات البدوية وحشدها لدعم خطط التنمية الوطنية. وبينما تسلط الصورة التي يقدمها النظام الضوء على إعادة إعمار شمال سيناء، فإنها لا تعكس دائماً حقيقة الدمار والخراب الذي حدث هناك، بالشكل الذي يعيشه جزء من السكان الأصليين للمنطقة؛ حيث لا تزال الجهود المبذولة في المناطق المنكوبة أقل كثيراً مما يجب، ولا يزال هناك الكثير الذي يتعين على الحكومة المصرية القيام به.

وبالإضافة إلى ذلك، فعند تحليل المشاريع والأموال المخصصة للتنمية، ينصب التركيز على هدف تحقيق الرخاء لجميع أنحاء البلاد بشكل عام دون التركيز على المجتمع البدوي. وتخطط الحكومة لإنشاء مدن جديدة ونقل ما لا يقل عن 3 ملايين شخص إلى سيناء في المستقبل القريب، وتأمل في نهاية المطاف أن يصل عدد سكان سيناء إلى 8 ملايين. وقد تؤثر هذه الخطط بشكل كبير على الحياة التقليدية للمجتمعات البدوية في شبه الجزيرة (حوالي 600,000 مواطن). ولذلك، لا تدعم جميع المجتمعات البدوية خطط النظام أو ترى نفسها ملتزمة بالعمل على إنجاحها.

وأخيراً، تدعم الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية الأخيرة في مصر هدف الترويج لجعل سيناء أكثر حيوية. ومع ذلك، لا توجد تقارير واضحة تتعلق بالأموال اللازمة المخصصة لإكمال هذه المشاريع الطموحة، وغالباً لا توجد صورة واضحة للتسلسل الهرمي أو الترتيب الانتقائي للمشاريع التي بدأت فيها مختلف الأجهزة المتنافسة.

إن تنمية سيناء تتطلب إرادة سياسية وآلية تمويل واضحة تضمن تدفق الأموال على المدى الطويل من الحكومة وكذلك من المصادر الأجنبية المختلفة، حتى في أوقات الأزمات. وقد تسببت التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد -19 في تدهور الوضع المالي في مصر، وأدت الجائحة إلى توقف وتأجيل استكمال العديد من المشروعات. وأيضاَ قد يؤثر الغزو الروسي لأوكرانيا بشكل أكبر على تدفق الأموال إلى المشاريع المدعومة من روسيا في سيناء، لا سيما في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

التداعيات على قطاع غزة وإسرائيل

على الرغم من أن مصر ليست مهتمة كثيراً بتحمل أعباء قطاع غزة على عاتقها، إلا أنها مؤخراً أصبحت أكثر استعداداً من ذي قبل للعب دور فعال في إعادة إعمار غزة وتنميتها – من أجل تعزيز مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض مشاريع تنمية شمال سيناء يمكنها أيضاً التخفيف من حدة المشكلات الأساسية في قطاع غزة.

فعلى سبيل المثال، في مجال النقل، قد يتيح التوسع الحالي لموانئ العريش البحرية والجوية إمكانية تصدير واستيراد البضائع من وإلى غزة. وبنفس الطريقة، فإن إنشاء مرافق لتحلية المياه بالقرب من العريش، والتي من المتوقع أن تساهم في جلب المياه إلى رفح، فإنها قد تعبر أيضاً الحدود وتساعد سكان غزة على معالجة نقص موارد المياه لديهم. أما بالنسبة لقطاع الطاقة، فإن الخطط المصرية لبناء منشأة لتوليد الكهرباء في العريش قد تلبي بعض الاحتياجات الفلسطينية أيضاً، وفي نفس الوقت تعزز استراتيجية مصر في أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة لخدمة جيرانها. وأخيراً، فقد يؤدي إنشاء مناطق صناعية بالقرب من حدود رفح إلى خلق فرص عمل جديدة وزيادة التجارة المتبادلة بين الجانبين (غزة ورفح) وكذلك الحد من التجارة غير المشروعة.

ومن جانبها، تهتم إسرائيل بمشاريع التنمية المصرية التي تعزز الحكم الرشيد والاستقرار والرفاهية عبر حدودها الجنوبية، مع شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة. وبالتالي، فمن الأفضل تشجيع المانحين الدوليين والإقليميين على تقديم حوافز اقتصادية لمصر لتكييف بعض عناصر استراتيجيتها التنموية في شمال سيناء مع احتياجات قطاع غزة.

وعلى المستوى الثنائي، على إسرائيل ومصر العمل معاً على توسيع علاقاتهما الاقتصادية في سيناء في مجالات مثل السياحة والزراعة والطاقة. وعلى كلا البلدين في الوقت نفسه أيضاً تعزيز تعاونهما العسكري ضد تنظيم الدولة (داعش) والتهديدات المحتملة الأخرى التي يمكن أن تقوض الأمن في شبه الجزيرة، وتردع استثمارات رأس المال الأجنبي، وتحجب جهود التنمية الحالية.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close