fbpx
ترجمات

MEI: العلويون في سوريا يكسرون حاجز الصمت – انتقاد الديكتاتورية من الداخل

نشر معهد الشرق الأوسط (MEI)، وهو مؤسسة أكاديمية مستقلة، غير حزبية وغير هادفة للربح، في 11 أغسطس 2023، مقالاً بعنوان: “العلويون في سوريا يكسرون حاجز الصمت؟ .. انتقاد الديكتاتورية من الداخل”، لمحمد علاء غانم، وهو أكاديمي سوري، وناشط حقوقي، وناشط داعم للديمقراطية، ويشغل حالياً منصب رئيس السياسات في التحالف الأمريكي من أجل سوريا، وهو مظلة من تسع منظمات متخصصة ومتعددة الأديان.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

في الآونة الأخيرة، ظهر اتجاه لا تُخطئه العين بين العلويين في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد في سوريا، بما في ذلك أولئك الذين ينتمون إلى عائلات قوية. حيث اتجه الكتّاب والصحفيون وعموم العلويين إلى منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن إحباطهم العميق من سياسات النظام الاقتصادية والطبيعة المركزية للديكتاتورية في عهد الرئيس السوري بشار الأسد، فضلاً عن النفوذ الكبير لزوجته أسماء الأسد والفساد المرتبط بـ “مجلسها الاقتصادي” السري.

وتوضح حالة لمى عباس، الكاتبة الموالية للنظام من مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية، هذا التطور المثير للاهتمام. حيث أثارت حلقات البث المباشر والمنشورات التي نشرتها عباس مؤخراً على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك والتي تنتقد فيها عملية صنع القرار في النظام السوري والخضوع المتزلف لقاعدته العلوية – أثارت الدهشة وشكّكت في رواية النظام عن كسب الحرب.

كلام لمى عباس الجريء على فيسبوك

في ابتعاد كبير عن الخطاب الموالي الذي اعتادت عليه، اتجهت لمى عباس إلى فيسبوك في أواخر يوليو للتعبير عن انتقاداتها للتداعيات الناتجة عن السياسات الاقتصادية الكارثية التي نفذها نظام الأسد. وانتقدت أيضاً “جلسة غير عادية للبرلمان” عُقدت مؤخراً، وتبرأ خلالها رئيس الوزراء نفسه من المسؤولية، زاعماً أن المشاكل الاقتصادية خارجة عن إرادته. لم يُبرز هذا الامتعاض المُعلن القضايا المتعلقة بسوء الإدارة الاقتصادية فحسب، بل سلّط الضوء أيضاً على هيكل صنع القرار شديد المركزية وسيطرة الأسد الكاملة على السلطة.

وفي حديثها العاطفي في جلسات البث المباشر، واصلت لمى عباس توجيه انتقادات أخرى للمواطنين في المناطق السورية التي يسيطر عليها النظام، وشبهتهم بالخراف التي تتبع النظام وتطيعه طاعة عمياء. وقالت إن هذا الموقف السلبي يسمح للنظام بالعمل دون مساءلة، مما يمكنه من القيام بما يحلو له دون خوف من التداعيات. وبالإضافة إلى ذلك، وفي إشارة مستترة إلى مخطط إيران للتغيير الديموغرافي في سوريا – بشأن الجهود التي تبذلها طهران لشراء الأراضي والقيام بشكل ممنهج بإعادة إسكان المناطق التي تم تهجير المواطنين السنّة منها من خلال المسلمين الشيعة من لبنان والعراق وأفغانستان وإيران – وقالت لمى عباس في منشورين منفصلين لها على فيسبوك يشيران إلى أن الجهات الفاعلة نفسها كانت وراء الحرائق الكارثية الأخيرة في دمشق القديمة وحرائق الغابات في المنطقة الساحلية، وانتقدت النظام في المنشورين لفشله في إطفاء النيران.

رد فعل جهاز الأمن

بعد وقت قصير من نشرها هذه الانتقادات على فيسبوك، حاول جهاز أمن النظام اعتقال لمى عباس من منزلها. ونظراً لخلفيتها العائلية العلوية القوية والتي تتمتع بعلاقات جيدة، قامت هي وعائلتها بكل ثقة بصدّ ورفض قوات الأمن وطالبت بإصدار أمر (نيابة) مناسب في حالة أي محاولة اعتقال محتمل، وبثّت الحلقة بأكملها على الهواء مباشرة. وأثارت هذه الحادثة مزيداً من الجدل وأثارت نقاشات حول أولويات النظام في تخصيص الموارد.

معلِّقون آخرون يدعمون عباس

وانتقد بشار برهوم، المؤيد أيضاً لبشار الأسد والمقيم في قلب منطقة العلويين، المداهمة ووصفها بأنها عمل من قِبل “المحتلين”، معرباً عن عدم موافقته على عدم توجيه قوات الأمن للوقوف ضد أعداء أجانب مثل إسرائيل. كما سخر من عدم وجود مذكرة توقيف للكاتبة لمى عباس، ملمّحاً إلى أن مثل هذه الأحداث كانت تتم بشكل روتيني في الدولة البعثية. واستنكر برهوم فساد الحكومة، مشيرا إلى أنه حتى في المداهمات الأمنية، يستخدم المسؤولون سيارة واحدة بينما يطالبون ببدل وقود لأربع سيارات.

واستخدم أحمد إبراهيم إسماعيل، أحد المؤثّرين العلويين الآخرين، أيضاً وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاد جلسة “استثنائية” للبرلمان. واستناداً إلى تجربته كموظف سابق في مؤسسة الإسكان العسكرية، كشف إسماعيل عن بيع مقاعد في البرلمان، مما أدى إلى انتقاء النواب من قبل النظام وبالتالي عدم الوقوف في وجهه. وأشار إلى العملية برمتها على أنها “مهزلة” وأكد أن سوريا تفتقر إلى مؤسسات مستقلة. واختتم إسماعيل حديثه بالتأكيد على أن شعار النواب هو “يعيش الإمبراطور” وأن القرارات تتخذها سلطة مركزية فقط يشار إليها باسم “سوبرمان”. وعندما حاولت قوات الأمن اعتقال عباس بسبب تصريحاتها، أيّد إسماعيل آراءها بشكل صريح، قائلاً: “حان الوقت لأن يفهم الجنرال (الأسد) أننا نريد أن نعيش … لا يمكنك اعتقال كل السوريين”.

وخرج الدكتور عمار يوسف، الاقتصادي الموالي للأسد والذي يعيش في منطقة يسيطر عليها النظام، في بث إذاعي مباشر ليقول إن التعليق على “عقوبات قيصر” هو مجرد ذريعة لفشل السياسات: “هذه العقوبات لا تشمل الغذاء والدواء وغاز الطهي، أو أي شيء يتعلق بمعيشة المواطنين “.

وانتقد بسام حسام الدين، قائد ميليشيا “أسود الجبل” الغلوية، على صفحته الشخصية على فيسبوك، النظام، قائلاً إنه “لا عدالة” في المناطق التي يسيطر عليها النظام، لأن القاضي الفاسد لم يحكم بالعدل في قضية قتل غير عمد. ووعد حسام الدين أن يمضي قُدماً من أجل تحقيق العدالة.

أمّا كنعان وقاف، وهو صحفي سوري علوي من طرطوس فر من سوريا العام الماضي بعد مداهمة ليلية لمنزله من قبل أجهزة المخابرات بعد أن انتقد النظام، فقد قلّل من شأن الجلسة البرلمانية (غير العادية) وسياسات مجلس أسماء الأسد الاقتصادي الفاسد. ولكنه خرج في بث مباشر على الإنترنت ليلقي باللوم على الأسد وأسماء في الانهيار السريع لليرة السورية، وقال إن السياسات الحالية تعني أن السوريين الذين “لم يموتوا في الحرب سيموتون جوعاً”.

ونشر رامي مخلوف، ابن عم بشار الأسد المعروف بثروته الهائلة وممتلكاته في كل صناعة تقريباً في سوريا، توقعات على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الليرة السورية ستصبح بلا قيمة، وستُوزن بالكيلوجرام.

وسيم الأسد يوبخ العلويين على السخط

قد يميل البعض إلى رفض ردود الفعل الأخيرة هذه باعتبارها منعزلة أو متقطعة، لكن الاتجاه كان مقلقاً بشدة لدرجة أنه أثار صدور رد عليه من وسيم الأسد، زعيم ميليشيا سوري صدرت ضده عقوبات من الغرب، ورجل تجارة المخدرات، وابن عم بشار الأسد. حيث انتقد وسيم الأسد أنصار بشار الأسد التقليديين لاستيائهم من تدهور الأوضاع الاقتصادية، مذكّراً العلويين بالامتيازات التي يتمتعون بها اليوم بفضل النظام وحزب البعث. وفي حديثه الذي بثّه من فندق فخم في دمشق، رفض انتقاداتهم، وقال لهم “احرثوا الأرض” بدلاً من الانخراط في الاحتجاجات وبث المظالم على وسائل التواصل الاجتماعي.

(بشار الأسد يتحدث في اللاذقية موقع حرائق الغابات الأخيرة. صورة من صفحة الفيسبوك الخاصة بالرئاسة السورية)
(بشار الأسد يتحدث في اللاذقية موقع حرائق الغابات الأخيرة. صورة من صفحة الفيسبوك الخاصة بالرئاسة السورية)

الأسد: “نحن في حالة حرب. والآن ليس وقت البكاء.”

ويبدو أن الانتقادات المتزايدة الصادرة عن الطائفة العلوية دفعت الأسد إلى السفر في 3 أغسطس إلى اللاذقية، موقع حرائق الغابات، لتهدئة الغضب المتصاعد ضد نظامه. وفي تناوله للاحتجاج على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير مباشر، ذكّر جمهوره المفتعل بأن “هذا ليس الوقت المناسب للتذمر، حتى لو كان هناك سبب مشروع. نحن في حالة حرب. في زمن الحرب، يجب على المرء أن يقاتل لا أن يبكي”. كما سافرت أسماء زوجة الأسد إلى طرطوس حيث زارت مصنعاً للملابس. وفي جلسة تصوير تم تنظيمها، أخبرت عمال المصانع الذين يغلب عليهم من ينتمون للطائفة العلوية أنه على الرغم من أنه قد تكون هناك معاناة واسعة النطاق، فإن الحل “الوطني” الوحيد هو مضاعفة “التفاني” و “العمل الجاد” و “الشغف”.

(زيارة أسماء الأسد لمصنع ألبسة في طرطوس. الصورة من صفحة الرئاسة السورية على الفيسبوك)
(زيارة أسماء الأسد لمصنع ألبسة في طرطوس. الصورة من صفحة الرئاسة السورية على الفيسبوك)

 وفي الختام، ففي حين أن نظام الأسد قد يحاول إظهار صورة القوة والنصر، فإن الواقع الأساسي يكشف عن حكومة تتصارع مع التحديات الداخلية، والمصاعب الاقتصادية الشديدة، والمعارضة حتى من أقوى قواعدها تاريخياً. أما الرحلات التي يقوم بها الرئيس والسيدة الأولى إلى قلب مناطق العلويين والكلمات المدهونة التي تهدف إلى القضاء على المعارضة في مهدها، فبإمكانها أن تستمر فقط لفترة، مهما طالت. وما لم يتمكن الأسد من تقديم مخرج لقاعدته من براثن مستنقع هو من قام بصنعه، فمن المرجح أن تستمر هذه الظاهرة في النمو، مما يعرض للخطر ركيزة أساسية من ركائز حكمه.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close