تحقيقات

06:58 مساءً EET

تقرير حول العلاقات المصرية الروسية بعد 30 يونيو،

على الرغم من مؤشرات الحراك الإيجابي للعلاقات المصرية الروسية بعد 30 يونيو، إلا إن الزعم بأن تلك المؤشرات ستسفر عن تحالف سيكون بديلاً عن التحالف الاستراتيجي الوثيق بين القاهرة وواشنطن هو أمر مستبعد إلى حد كبير، ومن ثم فليس من السهولة الإجابة عن تساؤل من قبيل؛ هل تحل موسكو محل واشنطن في قلب العروبة النابض، القاهرة، وإذا كانت الخبرة التاريخية قد أكدت على دعم ومساندة الاتحاد السوفيتي السابق لمصر في ظل الحقبة الناصرية والحرب الباردة بين القطبين الدوليين، فقد يكون السؤال مطروحًا بشأن احتمال دخول وريثته روسيا في مواجهة مع الولايات المتحدة بشأن إعادة تقسيم دوائر النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في مصر التي تدخل ضمن دائرة النفوذ الأمريكي الرئيسة في المنطقة، من أجل الحصول على قاعدة جديدة في مصر كبديل عن قاعدتها البحرية العسكرية في طرطوس، لضمان وجود دائم لقواتها البحرية فى البحر المتوسط(9).استحضار دروس التاريخ يؤكد إنه من بين العوامل التي ساعدت على حصول مصر في ظل الحقبة الناصرية على الدعم السوفيتي هو التنازع والصراع بين القطبين الأمريكي والسوفيتي، الأمر الذي تغير الآن، حيث باتت الصورة مختلفة في ظل تغيرت موازين القوي الدولية بعد انهيار القطب السوفييتي وانفراد القطب الأمريكي بالهيمنة على مجمل التفاعلات الدولية، الأمر الذي حدا بالبعض مبالغة أو تعظيمًا إلى تسمية الحقبة الجديدة التي يعيشها العالم بالقرن الأمريكي، وذلك على الرغم من التسليم ببروز فاعلين جدد يحاولون لعب دور في النظام الدولي موازن بشكل أو بآخر لدور الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي قد يحمل فرضية مفادها إنه على الرغم من حالة الإحباط التي تنتاب العديد من حلفاء واشنطن في المنطقة من سياسة أوباما الشرق أوسطية، إلا إنه من غير المحتمل أن يفكر أي من هؤلاء الحلفاء بسهولة في التخلي عن واشنطن لصالح موسكو، نظرًا لوجود اختلال في الميزان العسكري بين الحليف التقليدي، الولايات المتحدة، والحليف المحتمل أو البديل، روسيا، فالولايات المتحدة تمتلك شبكة كبيرة من القواعد العسكرية على امتداد المنطقة وتقنيتها العسكرية المتفوقة عن التقنيات الروسية، بما يمكنها في الأخير من توفير نوع من الضمانات الأمنية التي تسعى إليها الدول العربية القلقة والمضطربة(10).العلاقات المصرية الأمريكية، إذن، وعلى الرغم من حالة الفتور التي تشهدها، تبدو في الأخير علاقات قوية، فالقاهرة لا تستطيع أن تستغني عن واشنطن، كما أن واشنطن لا تسطيع أن تتخلى عن القاهرة قلب المنطقة العربية، لاسيما وإن مصر تعد أكبر دول المنطقة التي تتلقى دعمًا من واشنطن بعد إسرائيل، كما أنه من الصعوبة بمكان أن تعتمد مصر على السلاح الروسي حاليًا كبديل عن الأمريكي نظرًا لأن تسليح الجيش المصري يعتمد بشكل أساسي على الولايات المتحدة، فالمعونات العسكرية الأمريكية تغطي نحو 80% من نفقات الجيش المصري ونحو ثلث ميزانيته، وفقًا لمركز أبحاث الكونجرس الأمريكي. كما إن المعونات العسكرية لمصر تشمل إمداد قواتها المسلحة بأسلحة متطورة، حيث تسلمت مصر منذ 1980 حتى الآن أكثر من 220 طائرة إف-16، ما يجعل مصر أكبر مستخدم لهذه الطائرات بعد الولايات المتحدة واسرائيل وتركيا(11)، ومن ثم فمصر لن تستطيع الاستغناء عن التبعية والدعم العسكري الذي تتلقاه من واشنطن على المدي القريب أو المتوسط، وإنما يحتاج ذلك إلى فترات زمنية ممتدة(12) قد لا تكون الحكومة الحالية بصدد الإقدام على خطوة بهذا الحجم في ظل تعقيدات المشهد المصري الراهن بعد 30 يونيو.وعلى الجانب الآخر، ثمة إدراك لدى الحليف الأمريكي لمدي خطورة التقارب المصري الروسي، ونظرًا لأهمية مصر في السياسة الخارجية الأمريكية فقد عملت واشنطن مؤخرًا على  امتصاص غضب الشعب والحكومة المصرية إزاء موقفها المتردد من مسار 30 يونيو، وذلك من خلال ما أعلنه أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة وأكد عليه وزير خارجيته كيري خلال زيارته الأخيرة لمصر، من تأييد بلاده للحكومة الانتقالية الحالية، ودعم التحول الديمقراطى على أسس خارطة الطريق التى تم الإعلان عنها، وأكدت الإدارة الامريكية على إن واشنطن ملتزمة حيال دعم مصر، الشريك الحيوى للولايات المتحدة بالمنطقة، مؤكدة على إن تعليق المساعدات ليس عقابًا، وأن العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لا يمكن أن تختصر فى المساعدات، وأن الولايات المتحدة ستدعم مصر فى مجالات أخرى مختلفة(13).لا يمكن لواشنطن إذن أن تسلم بخسارتها لتحالفها مع القاهرة لأي طرف كان، فواشنطن تدرك تمامًا إنه في مقابل المعونات التي تقدمها لمصر فهي تحصل على مزايا من خلال حماية ابنها المدلل في المنطقة، إسرائيل، من خلال الحفاظ على معاهد السلام بين الجانبين المصري والإسرائيلي، بجانب المرور الآمن للطائرات العسكرية الأمريكية في الممرات الجوية المصرية، وتأمين القطع البحرية أو المرور التفضيلي في قناة السويس(14). كما أن المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر تعطي واشنطن قدرًا من التأثير على استقلالية القرار المصري وتجعله دائمًا في حالة من التبعية، ولعل هذا هو سبب انزعاج إسرائيل من تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر مؤخرًا، حيث إن تلك المساعدات تجعل الجيش المصري بصورة دائمة تحت مراقبة ومتابعة واشنطن، بما يساعدها هي وإسرائيل على معرفة  قدرات الجيش المصري وحدود قوته، ويحافظ على توازن القوى في المنطقة ومن ثم فإن واشنطن وتل أبيب يدركان أن استمرار تعليق المساعدات الأمريكية لمصر قد يجعلها تبحث عن بديل آخر بما يمس في الأخير بتوازنات القوى في المنطقة وهذا ربما ما لن تسمح به الولايات المتحدة بأي شكل كان.بالإضافة إلى ذلك، فإن الحليف الروسي البديل أو المحتمل يسعى حاليًا لتوطيد قدمه في منطقة الشرق الأوسط ولعب دور فاعل ومؤثر فيها كما في الأزمة السورية من خلال التوافق مع واشنطن وليس التصادم معها، ومن ثم فإن روسيا نفسها لن تدخل في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن مصر، إلا في إطار من تبادل المصالح وتوزيع المكاسب بين الدولتين الكبيرتين في العلاقات الدولية المعاصرة. ومن ثم فإن العلاقات الأمريكية المصرية ستبقى علاقات استراتيجية قوية، وسيظل كل طرف من الطرفين بحاجة للآخر، حتى وإن بدا في الأفق ما قد يؤشر إلى غير ذلك، فتحالفات الدول لا تبنى بقرار فجائي كما إن انهيار التحالفات أيضًا لا يمكن أن يحدث بجرة قلم.

التعليقات