عدالة منحازة: دعم انقلاب السيسي وضرب خصومه - Al Jazeera Center for Studies

أخبار

الجزيرة للدراسات ضمن أهم مراكز الفكر تأثيرًا في الشرق الأوسط

المزيد

دراسة تحليل مضمون

توجهات السياسة الخارجية الإيرانية..الأولويات والأدوار

المزيد

منتدى الجزيرة

منتدى الجزيرة الحادي عشر

المزيد

النشرة الإخبارية

المرصد

المزيد
قضايا

عدالة منحازة: دعم انقلاب السيسي وضرب خصومه

شاركت هيئات قضائية مصرية رفيعة في الانقلاب الذي قاده الجيش على الرئيس محمد مرسي، فخالفت القانون الذي يمنع مشاركتها في السياسة، وخرقت الدستور الذي تعهدت بتطبيقه والحفاظ عليه.

الاثنين, 07 أبريل, 2014 10:09 GMT

الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور (يمين) ووزير الدفاع المستقيل المشير عبد الفتاح السيسي (الجزيرة)
ملخص
شاركت هيئات قضائية في مصر في مساندة الانقلاب، بل إن رئيس المحكمة الدستورية بات الرئيس المؤقت للنظام الجديد، وعُوقب القضاة الذين يرفضون استخدام القضاء في مساندة النظام الجديد، وشكّلت السلطة التنفيذية دوائر قضائية خاصة، يرأسها قضاة بعينهم لمحاكمة مؤيدي الشرعية؛ فأصدرت إحدى المحاكم حكمًا جماعيًا بالإعدام على المئات دون احترام للإجراءات القانونية. كل هذه الوقائع تشير إلى أن مستويات عديدة من القضاء المصري تخلت عن حيادها وباتت أداة في يد السلطة التنفيذية لتصفية كل من يعترض طريقها.

مقدمة

عقب مظاهرة جرت في 30 يونيو/حزيران 2013 للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، قدّم الرئيس محمد مرسي مبادرة تهدف لاحتواء المظاهرة سياسيًا من خلال التمسك بالمسار الدستوري والاحتكام إلى الصناديق في انتخابات برلمانية عاجلة، يقرر بعدها مجلس الشعب وفقًا لأغلبيته عزل الرئيس من بقائه وفقًا للدستور، وذلك كان تمسكًا منه بالخيار الديمقراطي وبالشرعية الدستورية التي أقرها الشعب المصري، إلا أنه في يوم 3 يوليو/تموز 2013 قام وزير الدفاع -السابق- عبد الفتاح السيسي، وبمعاونة قائد الحرس الجمهوري ومساعديه، باعتقال الرئيس الشرعي للبلاد محمد مرسي؛ مما يعد انقلابًا على المسار الديمقراطي في مصر ومكتسبات ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني. وقد شاركت عدة مؤسسات في الدولة في هذا الانقلاب كان من بينها المحكمة الدستورية العليا المكلفة أساسًا بضمان احترام الدستور وليس المشاركة في خرقه كما حدث في الانقلاب، وقبول رئيسها عدلي منصور أن يكون رئيسًا مؤقتًا للسلطة الجديدة.

 قضاة الانقلاب

تدل عدة وقائع على انخراط هيئات قضائية كبرى في دعم الانقلاب والمشاركة في النظام السياسي الذي انبثق عنه: 

  • مشاركة رئيس وأعضاء الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا في أحداث الانقلاب: عمد قائد الانقلاب العسكـري إلى إشراك السلطة القضائية في مصر في صراعه السياسي، ظنًا من قيادة الجيش أن هذا الأسلوب سوف يضفي شرعية على الانقلاب العسكري ؛ ففي يوم 3 يوليو/تموز 2013 أعلن قائد الانقلاب العسكري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسًا للبلاد وكلّفه بأداء اليمين قبل توليه المنصب أمام المحكمة الدستورية العليا. وفي صباح يوم 4 يوليو/تموز 2013 اجتمعت المحكمة الدستورية العليا بكامل قضاتها في أجواء احتفالية؛ فأدى المستشار/ عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، اليمين القانونية لتولي منصب رئيس الجمهورية؛ فجعل هذا الإجراء القضاء المصري طرفًا أصيلاً في الصراع السياسي؛ وهو ما أثّر بشكل سلبي على أداء العمل في منظومة العدالة في مصر بصفة عامة؛ ذلك أن القاضي الذي تُعرض عليه قضية ضد ما قام به قادة الجيش في مصر من انقلاب على السلطة الحاكمة، كيف يستطيع أن يحكم في مطابقة تلك الإجراءات للدستور أو مخالفتها له إذا كانت هذه السلطة الجديدة أوصلت رئيس المحكمة الدستورية العليا إلى سدة الحكم، وبالتالي لن يقتصر دور القاضي على إصدار حكم في مجرد نزاع قانوني فقط، ولكنه ينظر قضية تخص رئيس أعلى المحاكم في مصر، وأعضاء جمعيتها العمومية الذين وافقوا على خرق الدستور وتولي رئيسهم رئاسة النظام الجديد.

  • مشاركة رئيس مجلس القضاء الأعلى في الانقلاب: شارك رئيس مجلس القضاء الأعلى في مصر، المستشار حامد عبد الله، في الاجتماع الذي أعلن أثناءه السيسي بيان الإطاحة بالمؤسسات المنتخبة؛ فألقى كلمة بارك فيها إعلان الانقلاب وتمنّى التوفيق لقادة العسكر في المرحلة القادمة، علمًا بأن العمل السياسي محظور على القضاة ممارسته،  ويشكّل جريمة بموجب أحكام القانون المصري. وبعيدًا عن أي جدل قد يثيره أنصار الانقلاب العسكري في هذا الشأن فسواء تم تسمية 3 يوليو/تموز 2013 انقلابًا عسكريًا أو ثورة شعبية فإن ذلك لا يجيز، بأي حال من الأحوال، مشاركة رئيس المجلس الأعلى للقضاء في هذا الحدث لأن المشاركة من قبل هذا الرمز القضائي تعد طعنًا في استقلال القضاء المصري وحياده. لقد نجحت سلطة الانقلاب العسكري في مصر في أن تشل القضاء المصري بأكمله وبكل مكوناته عن إمكانية أن يصدر حكم ما من أية محكمة مصرية يدين سلطة الانقلاب أو ينشئ مركزًا قانونيًا يعيد فيه الشرعية لمن اختارهم الشعب في سدة الحكم(2).

  • بعد انتخاب القضاة للمستشار أحمد الزند رئيسًا لنادي القضاة: قاد مسيرة من القضاة للمشاركة في أحداث التظاهر  التي بدأت في 30 يونيو/حزيران 2013؛ فوقفوا أمام مقر دار القضاء العالي يهللون ويهتفون ويصيحون في مكبرات الصوت، معلنين مباركتهم لأحداث التظاهرة التي تمت في ذلك اليوم، وهذا عمل سياسي ضد سلطة منتخبة(3).

قضاة وقضاة

كانت دائرة التأديب للقضاة، التي يرأسها، محفوظ صابر، الأمين العام للهيئة المشكّلة للإشراف على انتخابات مجلس الشعب 2010 التي عرفت تزويرًا غير مسبوق، ومساعد وزير العدل المستشار عادل عبد الحميد، لشؤون التفتيش القضائي في فترة المجلس العسكري بين فترة خلع مبارك وانتخاب مرسي، تُعاقبُ القضاة الذين يرفضون الخروج عن الشرعية الدستورية؛ فأزاحت رموز حركة (قضاة من أجل مصر) الذين عُرفوا بمواقفهم المؤيدة للدستور والشرعية (عماد البنداري وعماد أبوهاشم ومصطفى دويدار وحازم صالح وأحمد رضوان ومحمد عطا الله وأيمن يوسف ووليد شرابي).

لعل من أبرز القضاة الذين تمت معاقبتهم المستشار/ محمود الخضيري الذي كان قد شغل عدة مناصب قضائية رفيعة؛ حيث كان آخر منصب قضائي شغله هو نائب رئيس محكمة النقض المصرية، كما كان رئيس نادي القضاة بالإسكندرية، وأحد أبرز قضاة تيار الاستقلال، وأحد رموز ثورة 25 يناير/كانون الثاني، ثم أُحيل للتقاعد حيث تجاوز عمره السبعين عامًا، ثم أصبح نائبًا في البرلمان المصري (مجلس الشعب)، إلا أنه بمجرد حدوث انقلاب 30 يونيو/حزيران 2013 أعلن عن موقفه بعدم مشروعية ما يتم من إجراءات انقلابية على السلطة الشرعية للبلاد؛ فزُج باسمه في عدة قضايا منها التعدي بالضرب على شاب في الثلاثينات من العمر، وهو الآن محتجز منذ ما يقرب من أربعة أشهر حجزًا انفراديًا، ومُنع عنه الدواء والملبس والغذاء.

المستشار/ أحمد سليمان الذي كان قد شغل منصب وزير العدل أثناء حكم الرئيس محمد مرسي، وهو أحد القيادات داخل تيار الاستقلال في السلطة القضائية، ورئيس نادي قضاة محافظة المنيا السابق، لم يُسمح له بالعودة إلى منصبه القضائي مثل غيره من الذين عادوا إلى مناصبهم، فضلاً عن أن السلطات الأمنية داخل مطار القاهرة منعته من السفر دون مسوغ قانوني لذلك.

إعدامات بالجملة

  • في أكثر التقارير والتصريحات وضوحًا ضد السلطة القضائية في مصر قالت منظمة (هيومن رايتس ووتش بتاريخ 2  نوفمبر/تشرين الثاني 2013): إن السلطات المصرية لم تعلن حتى الآن عن أي إجراء للتحقيق في مقتل متظاهرين يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2013 على أيدي قوات الأمن.

    قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "في التعامل مع مظاهرة بعد مظاهرة، تقوم قوات الأمن المصرية بالتصعيد السريع ودون إنذار إلى الذخيرة الحية، فتكون النتائج مميتة. لقد فقد 1300 شخص أرواحهم منذ يوليو/تموز، فما الذي يلزم حتى تتولى السلطات كبح جماح قوات الأمن أو حتى تشكل لجنة لتقصي الحقائق في استخدامها للقوة المميتة؟"؛ وهو ما يعد إشارة صريحة في هذا التقرير إلى أن منظومة العدالة بهذا الجهاز القضائي متوقفة، ولا تتخذ أي إجراء للتحقيق في وقائع القتل مهما بلغت أعداد القتلى طالما أنها تمت ضد طرف سياسي معارض للسلطات العسكرية الحاكمة(4).

  • إن معايير العدالة الجنائية الدولية تنص على عدم اختيار قضاة بعينهم لمحاكمة أشخاص محددين، إلا أن في مصر، بعد الانقلاب، أصدر وزير العدل قرارًا تم بموجبه تخصيص ست دوائر جديدة لنظر قضايا بعينها. هذه الدوائر تخصصت في محاكمة الإخوان المسلمين أو مؤيدي الديمقراطية الوليدة في مصر. وبتاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول 2013، قررت محكمة استئناف القاهرة تشكيل 6 دوائر خاصة (محاكم خاصة وقضاة يتم انتقاؤهم) من محاكم الجنايات للنظر في القضايا المتعلقة بما سُمي بالإرهاب، وهي التي تنظر الآن قضايا الإخوان المسلمين ومناصري الشرعية.

لذلك لم يكن غريبًا على إحدى هذه الدوائر أن تصدر حكمًا بإعدام 528 دفعة واحدة، خلال  جلستي مرافعات لم تستغرق كل منهما عشر دقائق ودون السماع لمرافعة أي من المتهمين أو المحامين الذين مثلوا أمام المحكمة للدفاع عن موكليهم، ودون أن تنظر المحكمة للوثائق التي أُرفقت في ملف القضية؛ فأثار ذلك إدانات دولية واسعة على مستوى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

وداعًا للحياد

شاركت هيئات قضائية في مصر في مساندة الانقلاب، بل إن رئيس المحكمة الدستورية بات الرئيس المؤقت للنظام الجديد، وعُوقب القضاة الذين يرفضون استخدام القضاء في مساندة النظام الجديد، وشكّلت السلطة التنفيذية دوائر قضائية خاصة، يرأسها قضاة بعينهم لمحاكمة مؤيدي الشرعية؛ فأصدرت إحدى المحاكم حكمًا جماعيًا بالإعدام على المئات دون احترام للإجراءات القانونية. كل هذه الوقائع تشير إلى أن مستويات عديدة من القضاء المصري تخلت عن حيادها وباتت أداة في يد السلطة التنفيذية لتصفية كل من يعترض طريقها.
____________________________
وليد شرابي - قاض مصري

الهامش
1. أداء المستشار عدلي منصور لليمين كرئيس للجمهورية كقرار وزير الدفاع http://www.youtube.com/watch?v=UVhJHahZT2E
2. كلمة المستشار حامد عبد الله رئيس المجلس الأعلى للقضاء بعد بيان الانقلاب يوم 3 يوليو/تموز 2013 في حضور وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي وبعض الرموز
http://www.youtube.com/results?search_query=%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9+%D8%AD%D8%A7%D9%85%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87+
3. مشاركة القضاة برئاسة أحمد الزند في تظاهرة 3 يونيو/حزيران (هل هي يونيو أم يوليو/تموز؟) 2013  http://www.youtube.com/watch?v=ne4ZonfNicY
4. تقرير الهيومن رايتس ووتش عن عدم قيام السلطات القضائية باتخاذ إجراءات التحقيق في قتل المتظاهرين http://www.hrw.org/ar/news/2013/11/02

تعليقات

 

نرشح لكم

جعلت السلطة الإسلاميين أكثر واقعية وبراغماتية، وأثَّرت على سلوكهم وتصوراتهم السابقة المستمدة من التجربة السياسية التاريخية، حول إدارة الحكم. وباتت فصائلهم التي وصلت السلطة أكثر حرصًا على مدنية طابعها، متجاوزة فكرة "أسلمة الدولة والمجتمع" وتضع ما أمكن من المسافة مع أصولها الدعوية.

2016/04/17

تقوم جمهورية صربيا تاريخيًّا على مشروع قومي ترك بصماته على بنية الدولة وعلى توجهاتها السياسية، لاسيما في علاقتها مع دول الجوار وشعوبها، وهي تسعى بعد حروب عدة في البلقان للعودة إلى محيطها بمساعدة من الغرب؛ ولكن دون التخلي عن روسيا أو عن هويتها.

2016/03/01

يتناول هذا الجزء الرابع والأخير من هذه الدراسة بحث النتائج التي أفرزتها اتفاقيات دايتون للسلام في ذكراها العشرين. ويرى الكاتب أن اتفاق السلام، وإن كان قد حقق وقف العدوان الصربي على جيرانهم البوشناقيين، فإنه أصبح عاملا معرقلا لتطور البوسنة والهرسك نحو استكمال طريقها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

2016/02/08

ينبغي التسليم بأن هناك خلطٌ بين مفهومي الدولة والسلطة السياسية في عالمنا العربي، ويبدو أن ذلك ما هو إلَّا نتيجة متوقعة لما يُمارَس على الإنسان في الوطن العربي من فيضِ السيطرة والتحكّم من قِبل السُلطات الحاكِمة تجاه الشعوب المحكومة بجميع الوسائل والأُطر.

2016/01/28