fbpx
ترجمات

WPR: النزاع  المصري-الإثيوبي حول سد النهضة الآن بِيَد “بريكس”

WPR: النزاع  المصري-الإثيوبي حول سد النهضة الآن بِيَد “بريكس”
نشرت مجلة وورلد بوليتيكس ريفيو (WPR) الأمريكية، مقالاً بعنوان: “النزاع  المصري-الإثيوبي حول السد على النيل الآن في يد مجموعة بريكس” لجوناثان فينتون هارفي، المحلل والصحفي البريطاني، حيث يرى أنه “قد ترى إثيوبيا ومصر في عضويتهما الجديدة في مجموعة بريكس فرصة اقتصادية، لكن إدراجهما في عضوية المجموعة دون إيجاد حل للنزاع بينهما حول سد النهضة قد يزيد من تقويض فعاليتها”.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

وسط ضجة إعلامية كبيرة ودهشة البعض، وافق مجموعة “بريكس” على توسيع عضويتها أثناء قمتها التي عُقدت في جنوب أفريقيا الشهر الماضي. وقد لفت قرار دعوة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى منافستهما التقليدية إيران للانضمام للمجموعة، اهتماماً خاصاً. وكانت التوترات التي امتدت طويلاً بين عضوين آخرين بصدد الانضمام للمجموعة، مصر وإثيوبيا، أقل بروزاً، وذلك حول مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي أصبح الآن في مراحله النهائية من الاكتمال. ومن خلال عرض العضوية على كلا البلدين، استوعبت مجموعة بريكس بين جنباتها صراعاً إقليمياً معقداً، وهو الأمر الذي أثار التساؤلات حول قدرة المجموعة على العمل على تشكيل الشؤون العالمية.

ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى عادت التوترات بين أديس أبابا والقاهرة إلى الظهور على السطح من جديد. ففي العاشر من سبتمبر، أي بعد ما يزيد قليلاً عن أسبوعين من عقد تلك القمة، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عن استكمال المرحلة الرابعة من ملء سد النهضة، مما أجّج المزيد من الغضب في القاهرة. حيث تؤدي الخطوة الأحادية التي اتخذتها إثيوبيا إلى تفاقم المخاوف المصرية القائمة منذ فترة طويلة من فقدان الوصول إلى مياه النيل الحيوية، وتسلط الضوء على الإخفاقات الحالية للدبلوماسية الرامية إلى حل هذا النزاع.

وبعد فترة وجيزة من دعوة البلدين للانضمام إلى مجموعة بريكس في قمة أغسطس، استمرت المحادثات الثلاثية حول سد النهضة بين إثيوبيا ومصر والسودان -وهي دولة مصب أيضاً- مما يشير إلى زخم متجدد لحل النزاع. ومع ذلك، فقد انهارت تلك المفاوضات مرة أخرى، وكان قرار إثيوبيا بالمضي قدماً في ملء السد الضخم الذي تبلغ تكلفته 4.2 مليار دولار سبباً في خنق الآمال في تحسين الزخم الدبلوماسي.

وكانت مصر قد حذّرت إثيوبيا منذ السبعينيات من بناء سد على نهر النيل، بل وهدّدت بشن عمل عسكري ضدها. لكن بناء سد النهضة بدأ بالفعل في عام 2011، في أعقاب الثورة المصرية، وهو الآن على وشك الانتهاء. ولا يزال هناك المزيد من الأعمال التشغيلية والإنشائية في المستقبل، بما في ذلك استكمال نظام إدارة المياه وتركيب المزيد من التوربينات لتوليد الكهرباء. لكن من المتوقع أن يتم تشغيل السد بكامل طاقته بحلول عام 2024.

وتُعتبر تلك الأخبار مبشّرة بالنسبة لإثيوبيا، حيث يقدم سد النهضة طريقة واعدة للخروج من النقص المزمن في الطاقة الذي تُعاني منه، وهو ما يعني تاريخياً أن أكثر من نصف السكان لا يحصلون إلا على القليل من الكهرباء. ويُنظر إلى السد أيضاً على أنه محفّز لمزيد من النمو الاقتصادي من خلال الصادرات المحتملة للطاقة إلى البلدان المجاورة.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن سد النهضة يشكّل تحديات شديدة بالنسبة لمصر، التي تواجه بالفعل عجزاً مائياً وحتى إنها قد تُعاني من ندرة في المياه بحلول عام 2025، وفقاً لتقرير حديث للأمم المتحدة. ويمكن أن تؤثر التغييرات الجذرية في تدفق المياه عند المنبع أيضاً بالسلب على الصحة العامة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، في حين أشارت دراسات علمية مختلفة، بما في ذلك علماء وكالة ناسا، إلى مخاطر حقيقية على إنتاج الغذاء في مصر.

وبعد فشلها في تحقيق اختراق دبلوماسي، ركّزت القاهرة على مشاريع أخرى، مثل مشروع النهر الأخضر، لتخفيف العجز المائي لديها. ومع ذلك، فإن نهر النيل، الذي يوفر 95% من مياه مصر، لا يمكن أبداً تعويضه. فمصر يُطلق عليها تقليدياً اسم “هبة النيل”، وهو ما يعني أن مصر كأمة لم تكن لتوجد على الإطلاق لولا وجود النهر، الذي يمثل أيضاً جزءاً مهماً من الهوية الوطنية والتراث الثقافي للبلاد.

ومصر ليست وحدها التي ستواجه مخاطر التأثير المحتمل لسد النهضة على مياه النيل. فالسودان سيواجه أيضاً مخاطر جمّة على قطاعه الزراعي، حيث يمكن أن يعاني المزارعون السودانيون من أي انقطاع سريع في المياه، على الرغم من وجود بعض الاقتراحات حول فوائد طويلة المدى من السد، مثل تنظيم تدفق المياه خلال الموسم الزراعي في السودان. ومع ذلك، كان آبي أحمد يتعامل بشكل منتظم مع شخصيات عسكرية سودانية على جانبي الصراع الداخلي في البلاد منذ اندلاعه في إبريل، مما عزّز موقف إثيوبيا وترك مصر أكثر عزلة.

وعلى الرغم من بعض التقدم في المحادثات بين الجانبين، إلا أن القضايا الرئيسية مثل إطلاق المياه أثناء فترات الجفاف لا تزال دون حل قبل حلول الموعد النهائي بشأن كيفية تشغيل السد في يناير 2024. وربما تكون العقبة الأكبر أمام التوصل إلى حل نهائي هي انعدام الثقة بين الطرفين، بما في ذلك مخاوف القاهرة من أن إثيوبيا تريد بسط سيطرة أحادية على تدفق نهر النيل. وفي وقت سابق من هذا العام، حذّر وزير الخارجية المصري سامح شكري من أن “جميع الخيارات مفتوحة” لحل النزاع، ملمحاً إلى أن العمل العسكري لا يزال محتملاً.

ولكن المحللين بشكل عام واثقون من أن الصراع المباشر بين مصر وإثيوبيا غير مرجّح في أي وقت قريب. ومع ذلك، ونظراً لعدم قدرة مصر وإثيوبيا على حل خلافاتهما بشأن سد النهضة بشكل ثنائي، فإن الوساطة الخارجية أمر بالغ الأهمية. لقد تعثّرت الجهود السابقة التي بذلتها الولايات المتحدة، ولم تنجح المساعي الإقليمية التي يديرها الاتحاد الأفريقي في تحقيق أي تقدم، باستثناء تسهيل المزيد من الحوار. وكانت روسيا أيضاً قد عرضت التوسط في نزاع سد النهضة في الماضي، بالنظر إلى “علاقاتها الممتازة” مع البلدين، حيث حثّت موسكو إثيوبيا على مراعاة مطالبات مصر. ومع ذلك، فإن الجهود الروسية لم تسفر بعد عن أي نتائج.

ومع الموعد المقرر لانضمام إثيوبيا ومصر رسمياً إلى مجموعة بريكس في يناير2024، فإن الدور المحتمل للصين في التوسط في نزاع سد النهضة أمر جدير بالاهتمام، خاصة في ضوء مصلحة بكين الراسخة في ضمان نجاح المجموعة. ويأتي هذا على الرغم من أن بكين كانت تأمل إلى حد كبير في تجنب التورط في هذا الصراع، حيث قامت باستثمارات كبيرة في إثيوبيا، بما في ذلك البنية التحتية المرتبطة بسد النهضة. وتتراوح هذه الاستثمارات بين القروض لخطوط نقل الطاقة التي تربط السد بالمجتمعات المحلية، والمشاركة المباشرة في بناء سد النهضة من خلال شركات صينية مثل “تشاينا جيزوبا جروب” و “فويث هيدرو شنغهاي”.

وقد جعلت هذه الاستثمارات الضخمة من الصعب على الصين الحفاظ على سياسة عدم التدخل التقليدية في الشؤون الأفريقية، وتجد بكين نفسها الآن تسير على حبل دبلوماسي مشدود في هذا الصدد. ففي الوقت الذي عزّزت التزاماتها المالية مصالح إثيوبيا، فإنها قد وفّرت لها النفوذ أيضاً. لكن أي ضغط علني لحل النزاع قد يؤدي إلى تعقيد علاقة بكين مع أديس أبابا. وقد تكون بكين مترددة أيضاً في السعي إلى منع إثيوبيا من القيام في نهر النيل بما كانت تفعله الصين نفسها في نهر ميكونغ على مدى العقد الماضي (من التحكم في تدفق نهر الميكونج إلي دول المصب عبر سلسلة من السدود أنشأتها بكين علي الجزء العلوى من النهر الذى يتشاركه في حوضه 6 دول)، الأمر الذي أثار ذعراً كبيراً في دول المصب في جنوب شرق آسيا. ومع ذلك، فإن فشل الصين في استخدام نفوذها على إثيوبيا قد يجعل مصر أكثر تهميشاً ومعرضة لخطر مواجهة عواقب نقص المياه، والتي قد تتفاقم بسبب تأثير تغير المناخ الذي يؤدي بدوره إلى تفاقم هذه المخاطر.

ومن الواضح حتى الآن أن عضوية مجموعة بريكس الوشيكة لم تكن بمثابة حافز لتحسين العلاقات بين إثيوبيا ومصر. ويضيف احتمال أن يؤدي النزاع إلى خلق توترات داخل مجموعة بريكس إلى المزيد من الأسئلة حول قدرة المجموعة على العمل معاً بشكل متماسك. وكان على مجموعة بريكس بالفعل أن تتغلب على التوترات القائمة بين الصين والهند. وعلى الرغم من اتفاق التطبيع الذي توسطت فيه الصين بين السعودية وإيران في مارس، فإن إدراج هؤلاء المنافسين التقليديين في عضوية المجموعة يضيف المزيد من التعقيدات إليها. وعلى الرغم من أن السعودية والإمارات شريكتان منذ فترة طويلة في مجلس التعاون الخليجي، فإنهما تخوضان حاليا منافسة اقتصادية لجذب المزيد من الاستثمارات في الوقت الذي تعملان فيه على تنويع اقتصاداتهما التي تعتمد على النفط والغاز.

وقد ترى إثيوبيا ومصر في عضويتهما الجديدة في مجموعة بريكس فرصة لتحسين أوضاعهما الاقتصادية الصعبة، لكن إدراجهما في عضوية المجموعة دون إيجاد حل لنزاع سد النهضة قد يزيد من تقويض فعالية المجموعة. وفي نهاية المطاف، فإن حل النزاع حول نهر النيل سوف يتلخص على الأرجح في تطبيق الأطر القانونية ذات الصلة. وشدّدت القاهرة في الواقع على الحاجة إلى معاهدة قانونية عادلة، كما أن اتهامها الأخير بأن ملء إثيوبيا لسد النهضة “غير قانوني” يؤكد هذه النقطة بشكل أكبر. وقد اعتمدت مصر تقليدياً على معاهدات تم التوصل إليها خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية مثل اتفاقية مياه النيل لعام 1929، التي تم التصديق عليها مع السودان في عام 1959، في سياق المطالبة “بالسيطرة على النهر بشكل غير متناسب”. وفي ظل هذا الإطار الذي مر عليه زمن طويل، فمن الممكن أن يتمحور إطار محدّث حول أحكام أكثر حداثة، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، والتي تدعو إلى الوصول العادل والمنصف إلى الأنهار المشتركة.

لطالما كانت هناك العديد من المقترحات التي يمكن أن تؤدي إلى تقاسم عادل لموارد مياه نهر النيل، ومع ذلك فإن التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يبني على المناقشات السابقة والمستقبلية سيكون حاسما لتعزيز أي ترتيب ينبثق عنها. ورغم أنه قد يكون من السابق لأوانه معرفة كيف ستؤثر عضوية مجموعة بريكس على هذا النزاع، فمن المنطقي الافتراض أن قدرة المجموعة على صياغة نتيجة دبلوماسية ستظل محدودة. وبناءًا على ذلك، فإن عوامل أخرى، مثل القانون الدولي، ستكون أساسية لحل هذا النزاع وغيره من النزاعات بين أعضاء مجموعة بريكس الحاليين والمستقبليين.

WPR: النزاع  المصري-الإثيوبي حول سد النهضة الآن بِيَد “بريكس”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close