fbpx
ترجمات

WPR: السيسي يجلس على برميل بارود بمصر

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشرت مجلة وورلد بوليتيكس ريفيو (WPR) الأمريكية، ومقرها تامبا، فلوريدا، في 7 ديسمبر 2022 مقالاً لألكسندر كلاركسون، المحاضر في الدراسات الأوروبية في جامعة كينجز كوليدج بلندن، تحت عنوان: “سيسي مصر يجلس على برميل بارود”، حيث يرى كلاركسون أن حال الاقتصاد المصري واستشراء الفساد في البلاد في عهد السيسي يشبه لحد كبير الواقع الذي تعاني منه لبنان منذ فترة. كما يرى الكاتب أن الواقع الذي تعيشه مصر الآن يشبه إلى حد كبير الحال الذي كانت عليه البلاد قبيل سقوط حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي تمت الإطاحة به عام 2011 بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير. وقد جاء المقال على النحو التالي:

عند متابعة بحث جديد، يتعثر الأكاديميون أحياناً في مشاريع تكاد تكون منسية تذكرهم بمدى بُعد ذلك الماضي القريب. ففي الأسابيع القليلة الماضية، قدّمَت بعض ملاحظاتي القديمة حول التطورات التي حدثت خلال الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في مصر عام 2012، إحساساً متناقضاً حول مدى التغيير الذي طرأ في هذا البلد وبلدان أخرى من حوله على مدى العقد الماضي. وبالنظر إلى العالم في عام 2012 –حيث كان الاتحاد الأوروبي يكافح لإنقاذ اليورو، بينما كانت روسيا تروج لنفسها كمورِّد موثوق للطاقة وكانت الاحتجاجات الجماهيرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط تطيح بزعماء أقوياء مثل حسني مبارك في مصر– فإن التطورات السياسية في عام 2022 تبدو متطابقة تماماً للواقع الذي كان سائداً في تلك الفترة .

ومع ذلك، فإذا نظر المرء إلى الضغوط الهيكلية المتجذرة، فقد أصبح واضحاً للعيان الحد الذي وصلت إليه الأزمات التي تعيشها البلاد منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين والتي أشعلت فتيلها العديد من الديناميات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية التي كانت هي ذاتها وراء اندلاع الاضطرابات التي وقعت في أوائل العقد الأول من القرن العشرين. وكانت نتيجة تلك الانتخابات التي جرت في مصر قبل عقد من الزمان قد جعلت محمد مرسي أول عضو في جماعة الإخوان المسلمين على الإطلاق يصبح رئيساً للبلاد. وترمز الإطاحة بحكومة مرسي لاحقاً، في يوليو 2013، من خلال انقلاب عسكري قاده عبد الفتاح السيسي – الذي كان آنذاك جنرالاً، يشغل منصب وزير الدفاع، ثم أصبح الآن على رأس البلاد في زي رئيس مدني، إلى الفشل الذي آلت إليه الانتفاضات العربية التي كانت قد ولّدت الكثير من الأمل بربيع ديمقراطي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومع ذلك، فبعد مرور عقد من الزمان، لا تزال التفاوتات الاقتصادية والخلل المؤسسي التي كانت قد أشعلت فتيل الثورة لفترة قصيرة من قبل، لا تزال تهدد بحالة معمّقة من عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.

و يُنظر إلى الانتفاضات العربية الآن في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، على أنها، إلى حد كبير، فصل تاريخي مغلق آل مصيره إلى الدخول في أتون حروب أهلية وعودة الاستبداد. وسواء تبدّى ذلك في سقوط مدينة حلب السورية التي كان يسيطر عليها الثوار، في ديسمبر 2016، أو في تفكك المجتمع الليبي أو في الحرب الأهلية الدائرة رحاها في اليمن، فقد تقبل صناع السياسة الغربيون حقيقة تراجع آفاق الإصلاح، حيث يسعون من جديد إلى إبرام صفقات مع زعماء محليين أقوياء في اليمن، أملاً في تحقيق استقرار محدود بشكل كبير. أما في الدول التي لم تتأثر بشكل مباشر بالانتفاضات العربية، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فقد ترافق تعميق حكوماتها للقمع الداخلي مع رغبتها المتزايدة في تمويل استعادة الديكتاتورية في المجتمعات العربية الأخرى، مثل نظام السيسي في مصر أو تلك الجهود الأخيرة التي بذلها الرئيس التونسي قيس سعيد في تأسيس دولة الحزب الواحد في البلاد. ومع ذلك، فعلى الرغم من هذه الجهود، إلا أن هناك علامات متزايدة في جميع أنحاء المنطقة على أن الجهود المبذولة لاستعادة الأشكال القمعية للنظام الأبوي للدولة قد تكون أقل استقراراً مما تبدو عليه في ظاهر الأمر.

وبينما أدى الخوف من الحركات الإسلامية أو الجهادية في البداية إلى تقديم الممالك الخليجية دعماً واسع النطاق للزعماء الأقوياء بالمنطقة، فقد ساهم سحق جماعة الإخوان المسلمين والهزيمة العسكرية التي مُنيت بها داعش في إزالة العوامل الرئيسية التي مكّنت في نهاية الأمر من عودة الحكم الاستبدادي في المنطقة. وعلى الرغم من أن الحركات الجهادية لا تزال تمثل تهديداً خطيراً في أجزاء من المنطقة، فإنه في ضوء التدمير الشديد الذي لحق بهم على مدى عقود من الحرب وأثر على قدرتهم على العمل بوتيرة عالية، تبدو دوافع السكان العرب أقل في تقديم دعم غير مشروط لمؤسسات الدولة التي شرَّعت القمع من خلال حرب لا نهاية لها على الإرهاب.

كما أن التدهور الموازي للحركات الإسلامية من خلال مزيج من فشل السياسات والفساد الذي حدث أثناء وجودها في السلطة، ثم ما أعقب ذلك من التفكيك الممنهج لبنيتها التحتية التنظيمية بعد الإطاحة بها، زاد في الحقيقة من صعوبة استخدام الأنظمة الاستبدادية الاستقطاب حول دور الدين في الحياة العامة لصرف الانتباه عن الأزمة الاقتصادية.

وقد خلق ذلك بيئة لم تعد فيها الهجمات الجهادية والعداوات الطائفية والمخاوف من شبكات الإخوان المسلمين التي تكاد تحتضر حالياً كافية للحفاظ على الدعم الشعبي اللازم  للنخبة الحاكمة.

في مثل هذه الأجواء، من الممكن أن ينفتح الفضاء أمام الحركات الأخرى القائمة على الهويات الطبقية أو القومية أو العرقية أو الجنسانية للحشد بفعالية كافية لتصبح مراكز قوة في حد ذاتها.

وظهرت أولى العلامات على أن عدم قدرة النخب القائمة على منع انهيار الدولة يمكن أن يولد أشكالاً جديدة من المقاومة الشعبية في لبنان في عام 2019. فبعد عقود من سوء الإدارة من قبل البنك المركزي في البلاد والتي استفاد منها سماسرة السلطة الطائفية، أدى انهيار قيمة الليرة اللبنانية إلى اندلاع موجة من الاحتجاجات الجماهيرية من شتى الأطياف الطبقية والدينية. وبحلول أواخر عام 2019، كانت هناك مؤشرات على أنه حتى حزب الله، بكل الأدوات الاستبدادية المتوفرة له، كان يكافح أيضاً من أجل السيطرة على الغضب المنتشر داخل قاعدته في المجتمع الشيعي بلبنان.

وتشير الاختلالات الاقتصادية طويلة الأمد التي دفعت لبنان إلى حافة الهاوية والتي تهدد مصر الآن إلى أن الوضع الراهن في الشرق الأوسط لا يزال غير مستقر بطبيعته.

ورغم أن جائحة كوفيد -19 والانفجار الهائل الذي دمر ميناء بيروت في أغسطس 2020 والضغوط الاجتماعية الناجمة عن الشلل الاقتصادي الكامل، قد أدى إلى توقف هذه الموجة الاحتجاجية، إلا أن المدى الذي بلغه الغضب الشعبي بسبب الفساد المستشري بين النخبة القديمة قد مكّن التعاون بين الأطياف المجتمعية المنقسمة لمساعدة بعض مرشحي الإصلاح على الفوز بمقاعد في الانتخابات البرلمانية في وقت سابق من هذا العام، وهو مؤشر على مدى الاختلالات التي طال أمدها والتي قد تفرز أشكالاً جديدة من المقاومة والتعبئة والتنظيم في دول الشرق الأوسط. كما أن هذه الديناميات المماثلة التي تكشَّفت في العراق خلال نفس الفترة هي واحدة من عدة مؤشرات على كيفية انعكاس الأحداث التي تقع في لبنان على التوجهات الإقليمية الأوسع.

وقد تنذر الاضطرابات التي حدثت في لبنان، على وجه الخصوص، بديناميات مماثلة في مصر يمكن أن يكون لها تأثير عالمي أكثر دراماتيكية. ففي دولة يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة، فإن تفاعلاً مشابهاً بين الانهيار الاقتصادي والخلل الوظيفي المتصاعد للدولة سيكون له آثار غير مباشرة يمكن أن تزعزع استقرار النظام الإقليمي الهش بالفعل وكذلك النظام الدولي. وحتى في الوقت الذي يحاول فيه نظام السيسي إبراز مظاهر القوة من خلال مشاريع وجاهة مثل بناء عاصمة جديدة، بدأت المؤشرات على وجود مشاكل خطيرة مع مالية الدولة والاقتصاد الأوسع في مصر تتصاعد، بطرق تعكس العديد من المشاكل التي يواجهها لبنان.

وكما استمرت النخب السياسية اللبنانية في العمل وكأن شيئاً لم يكن، حتى مع خروج الاختلالات غير المستدامة، التي تراكمت على مدى سنوات، خارج نطاق السيطرة، فقد استمرت أيضاً القيادة المصرية التي تهيمن عليها شبه طبقة الضباط في النهب من خلال نظام اقتصادي شديد الفساد، يتجه بسرعة نحو مزيد من خفض قيمة العملة المحلية وأزمة كبيرة في ميزان المدفوعات.

ومع تصاعد مخاطر انهيار سلاسل التوريد وارتفاع نسب التضخم في المجتمع المصري الذي يواجه نفس البطالة المتوطنة والبنية التحتية المنهارة والحوكمة غير الكفؤة التي أشعلت فتيل الثورة في عام 2011 ضد حسني مبارك، فهناك شيء يكاد يكون مذهلاً بشأن الرضا الممنهج عن الذات لنظام السيسي. فعلى الرغم من مؤشرات الضائقة المجتمعية المتزايدة، استمرت الدولة المصرية في تبجحها. ربما تكون مقتنعة بأنها محصنة، بعد أن نجت من مواجهة أي اعتراضات دولية على المذبحة التي ارتكبتها في ميدان رابعة ضد أنصار الإخوان المسلمين في عام 2013، والضغوط الأمنية على حدودها، وعمليات الإنقاذ التي تلقتها من دول الخليج، وجولات التقشف التي قللت من الدعم الشعبي للنظام. وعلى الرغم من القلق المتزايد داخل نطاق وزارة المالية في القاهرة، فيبدو أن الضباط المصريين مقتنعون بأن الحصول على قرض آخر من صندوق النقد الدولي هو كل ما هو مطلوب لتجنب العواقب المترتبة على الفساد وتوسيع نطاق الهيمنة العسكرية، والذي قوض الاقتصاد المصري منذ السبعينيات.

لكن الثقة الزائدة بالنفس وحالة اللامبالاة التي تعيشها النخبة العسكرية المصرية تبدو في غير محلها، خاصة في بيئة لم يعد من السهل فيها الحفاظ على الولاء الشعبي من خلال إثارة الخوف من الحركات الإسلامية والجهادية في ظل حقيقة أن حظوظها آخذة في التضاؤل.

وهذا صحيح بشكل خاص بالنظر إلى أن الاستياء من الإدارة الاقتصادية لنظام السيسي يصل الآن إلى أعلى المستويات الإدارية في قطاعي التصنيع والخدمات في مصر – وهي حقيقة لم تغب عن انتباه الشخصيات البارزة من نظام ما قبل عام 2011 الذين يأملون في العودة للحكم من جديد. وفي هذا السياق، تُعدّ جهود جمال مبارك، النجل الأكبر لحسني مبارك، لرفع صورته العامة بعد تبرئته من تهم فساد مختلفة على مدى العامين الماضيين، هي علامة بارزة على كيفية استكشاف الفرص التي تتيحها الأزمة المصرية حتى داخل الدوائر التي أطاحت بها موجات ثورية سابقة.

ويشير المدى الذي وصلت إليه الاختلالات الاقتصادية طويلة الأمد والتي دفعت لبنان إلى حافة الهاوية وتهدد مصر حالياً إلى أن الوضع الراهن في الشرق الأوسط لا يزال غير مستقر بطبيعته. حيث تُعتبر موجة الاحتجاجات التي تجتاح إيران الآن بمثابة تذكير بمدى السرعة التي يمكن أن ينزلق بها الهدوء السطحي للنظام الاستبدادي إلى الفوضى إذا رفضت نخبها القيام بالإصلاح لهياكل الاقتصاد والدولة في مواجهة التغيير العالمي. ومن المرجح أن تكون جهود الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو دول الخليج للحفاظ على الاستقرار في دولة مثل مصر غير مجدية إذا كانت النخب الحاكمة غير راغبة في القيام بما يلزم لتوليد الازدهار والحكم الرشيد اللازمين للحفاظ على الشرعية الاجتماعية والسياسية للنظام الحالي.

قد يكون الإحساس بالمسافة التاريخية بين السياسات الحالية للشرق الأوسط واندفاع موجات الثورة والمقاومة في عام 2011 التي جمعت الكثير من المصريين معاً في ميدان التحرير بالقاهرة أملاً في مستقبل أفضل، سائداً في الوقت الحالي. ولكن عند تفحص الأمر بشكل دقيق، فإن أوجه التشابه بين الأزمة المصرية في عام 2022 والجمود الاجتماعي الذي أصبح جلياً في الأعوام التي سبقت سقوط حسني مبارك أصبحت واضحة بشكل متزايد. وما لم تتصالح النخب المصرية مع عالم يكون السبيل الوحيد للبقاء فيه هو التكيف مع عوامل التغيير، فسيرون أن المستقبل الذي يقدمه نظام السيسي سيكون شبيهاً إلى حد كبير للماضي القريب لمصر.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close