wpr بايدن وخطوات تحسين العلاقات مع طالبان
نشرت مجلة وورلد بوليتيكس ريفيو (WPR) الأمريكية، في 6 نوفمبر 2023 مقالاً بعنوان: “قد يكون بايدن يستعد حالياً لتحسين العلاقات مع طالبان” لـ “آني بفورزهايمر”، المهتمة بقضايا حقوق الإنسان في أفغانستان، وخبيرة السياسات في مركز الأمن الأمريكي الجديد ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، والأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في جامعة مدينة نيويورك وجامعة بيس، حيث ترى بفورزهايمر أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد بدأت بالفعل بهدوء في التخفيف من موقف واشنطن تجاه حركة طالبان في أفغانستان.
وجدير بالذكر أن “آني بفورزهايمر” كانت قد شغلت من قبل منصب نائب رئيس البعثة الأمريكية في كابول والقائم بأعمال نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون أفغانستان خلال مسيرتها المهنية التي استمرت 30 عاماً كدبلوماسية أمريكية.
وقد جاء المقال على النحو التالي:
بدأت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بهدوء في تخفيف موقف الولايات المتحدة تجاه حركة طالبان حول اعتبارها “راعية للإرهاب”، وذلك على الرغم من صدور تقرير رسمي عن خبراء الأمم المتحدة في يونيو 2023 أشار إلى وجود روابط “قوية وتكافلية” بين حركة طالبان، وشبكة حقاني، وتنظيم القاعدة، وجماعات “إرهابية” أخرى.
حيث تُعتبر المشاورات الأمريكية المستمرة مع سلطات طالبان على المستوى الفني، بناءً على واقع السيطرة المادية للحركة على أفغانستان، ضرورية لتعزيز مصالح محددة وعاجلة، مثل إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين وهجرة الأفغان إلى الخارج للحصول على الإقامة الأمريكية. لكن المبادرات الإضافية ورفيعة المستوى نسبياً تجاه قيادة طالبان ستتطلب تحولاً في المشهد السياسي.
وقد يفسِّر ذلك بعض الإجراءات التي اتخذتها إدارة بايدن، مثل الاقتراح في سبتمبر بإزالة حركة طالبان من قائمة الأهداف المحتملة لتشريعات تفويضات الكونجرس لاستخدام القوة العسكرية. ومن التحركات الأخرى التي من شأنها أن تشير إلى تحولات سياسية جادة قيد النظر هي الجهود لتخفيف عقوبات الأمم المتحدة التي تستهدف طالبان عندما يأتي أوان تجديدها في ديسمبر 2023؛ وإعادة فتح بعثة دبلوماسية أمريكية في كابول؛ وشطب حركة طالبان من قائمة الكيانات الإرهابية العالمية المصنفة بشكل خاص، وشبكة حقاني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو التصنيف التي تحدده الولايات المتحدة.
ومن المفارقات أن أحد الأسباب المنطقية لتحسين العلاقات مع طالبان هو محاولة استعادة قدرات مكافحة الإرهاب التي فقدتها الولايات المتحدة بعد انسحابها من أفغانستان في أغسطس 2021، بما في ذلك القواعد العسكرية والاستخباراتية في دولة مجاورة لإيران والصين وباكستان وثلاث دول في آسيا الوسطى. وجادل مسؤولو الإدارة الأمريكية الذين أدلوا بشهادتهم أمام الكونجرس حول إزالة طالبان من تفويضات استخدام القوات العسكرية، جادلوا بأن نظام طالبان لا يشكل تهديداً للولايات المتحدة وربما يكون شريكاً محتملاً ضد تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، المجموعة المرتبطة بتنظيم داعش والتي تعمل داخل أفغانستان.
لكن هذا منطق قصير النظر لعدة اعتبارات، منها:
أولاً، أن أي خسائر في ساحة المعركة التي يمكن أن تُساعد الولايات المتحدة حركة طالبان في إلحاقها بتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان هي خسائر ضئيلة نسبياً، وسوف تأتي على حساب إضفاء الشرعية على توطيد طالبان لسلطتها في أفغانستان. كما أن ذلك من شأنه أن يشجع الجماعات “المتطرفة” الأخرى في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم، بما في ذلك حركة حماس، التي هنأت قيادتها طالبان في أغسطس 2021 على استيلائها على السلطة عسكرياً في أفغانستان، بدلاً من الوقوع في فخ “الكلمات البراقة مثل الديمقراطية والانتخابات”.
ثانياً، على الرغم من أن بايدن أوضح في عام 2021 أن حقوق الإنسان ليست “مصلحة وطنية حيوية للولايات المتحدة” في أفغانستان، إلا أن تعزيز حقوق الإنسان ومحاربة التطرف مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. فينبغي على الولايات المتحدة حماية المعايير الدولية لحقوق الإنسان وإنفاذ العقوبات، وليس تقويضها، لأن هذه الأدوات ضرورية لصنع سياسات الأمن القومي الأمريكي.
وعلى الرغم من هذه التكاليف، فإن الدلائل التي تشير إلى أن واشنطن تستعد لتخفيف موقفها تجاه طالبان واضحة لأي شخص مطلع على الأساليب التي تستخدمها الحكومة الأمريكية بشكل روتيني في مواقف مماثلة. ويشمل ذلك:
تغيير السردية:
تعد شبكة حقاني، وهي منظمة “إرهابية” مدانة بقتل مواطنين أمريكيين، جزءاً لا يتجزأ من نظام طالبان، لكن هذه الحقيقة تم إزالتها بعناية في الاتصالات الرسمية الأمريكية. ولا تزال وزارة الخارجية الأمريكية تدرج سراج الدين حقاني على قائمة الإرهابيين، مع إعلان مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بأي معلومات حول “مكان وجوده” تؤدي إلى القبض عليه؛ ومكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي عرض بالمثل مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على حقاني، يعتبره المجرم المطلوب الأول والذي “يعتقد أنه يعيش في باكستان”. ولكن حقاني، في الواقع، يعيش بشكل علني وحر في كابول باعتباره وزير الداخلية الفعلي لأفغانستان. وعندما قتلت الولايات المتحدة أيمن الظواهري بغارة بطائرة بدون طيار في يوليو 2022، كان زعيم تنظيم القاعدة يقيم في منزل مملوك لشبكة حقاني، مما أدى إلى تكهنات حول ما إذا كانت قيادة شبكة حقاني ستكون “التالي” على قائمة المستهدفين من الولايات المتحدة. ومع ذلك، فبعد الاجتماع الأخير بين ممثلي الولايات المتحدة وطالبان في يوليو، ذكر بيان لوزارة الخارجية الأمريكية بشكل يدعو للحيرة أن “المسؤولين الأمريكيين قدموا إحاطة باستمرار حول التزام طالبان بعدم السماح باستخدام أراضي أفغانستان من قبل أي شخص لتهديد الولايات المتحدة وحلفائها”.
تشويه سمعة الخبراء الموثوقين:
فكثيراً ما تُستخدم تقارير خبراء الأمم المتحدة كأساس لإجراءات السياسة الأمريكية ويتم اعتمادها بالإجماع، بما في ذلك بعثة الولايات المتحدة. ولكن بعد أن أصدرت لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة تقريرها في يونيو 2023، والذي ذكر أن طالبان والقاعدة حافظتا على علاقة عمل قوية بينهما وأن نشطاء القاعدة يشغلون مناصب عليا لتدريب مقاتلي طالبان، نقلت وسائل الإعلام عن “مصادر حكومية أمريكية مختلفة لم تذكر اسمها” القول بأن التقرير كان “بعيداً تماماً عن التناغم” مع التقييمات الأمريكية. ومع ذلك، رفضت تلك المصادر توضيح كيف ولماذا تختلف تقييماتها عن تقييمات فريق الأمم المتحدة.
تجنيد غطاء رفيع المستوى:
وبالحكم من خلال تصريح بايدن غير الحذر للصحافة في يونيو 2023 بأن الولايات المتحدة “تحصل على مساعدة من طالبان” في الحرب ضد تنظيم القاعدة، فقد تم إطلاعه على تطور العلاقة الأمنية الأمريكية مع النظام في كابول. ومن الواضح أنه لم يكن من المفترض أن يعلن ذلك على الملأ؛ وفي توضيح لاحق لتصريحات بايدن، ذكر مستشار الأمن القومي جيك سوليفان فقط أن الولايات المتحدة “تحاسب طالبان” على التزامها كجزء من اتفاق الدوحة بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية للجماعات “الإرهابية” التي تهدد الولايات المتحدة وحلفائها. وبالطبع لا يرقى هذا إلى مستوى “المساعدة” التي ذكرها بايدن، لكن تصريحات بايدن يجب أن يُنظر إليها على أنها محاولة لتخفيف وجهات النظر العامة تجاه طالبان باعتبارها زلّة لسان أو تحريفاً.
إطلاق بالونات الاختبار على مستوى الخبراء:
في مقال رأي نُشر في مايو 2023 في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، طرح ضابط العمليات السابق في وكالة المخابرات المركزية دوجلاس لندن والدبلوماسي الأفغاني السابق جاويد أحمد قضية الاعتراف بطالبان كوسيلة لتحقيق وجود أمريكي في أفغانستان لمحاربة داعش وتطوير علاقات العمل مع من يُسمَّون بالبرجماتيين من حركة طالبان. وفي وقت لاحق، استضاف معهد الشرق الأوسط مائدة مستديرة في يوليو مع هؤلاء الكُتَّاب، حيث تمت مناقشة نفس الأفكار – بالإضافة إلى وجهات النظر المتعارضة بشدة.
إعادة ترتيب الأولويات:
كما أشادت القراءة الأمريكية للموقف بعد الاجتماع مع طالبان في يوليو 2023 بجهود طالبان في مكافحة المخدرات، بما في ذلك حظرها زراعة الخشخاش وكذلك إنتاج الأفيون والهيروين والاتجار بها. وفي شهر سبتمبر، سافر أعضاء غرفة التجارة الأفغانية الأميركية إلى كابول، حيث أشادوا بحكومة طالبان لما وصفوه بتعاملها الذكي مع الاقتصاد الأفغاني، دون التنصل العلني من الحكومة الأميركية.
إطلاق بالون اختبار عبر وسائل الإعلام الرئيسية:
غالباً ما تكون إحدى الإشارات الواضحة للتغيير القادم في سياسة الإدارة هي مقال بقلم كاتب عمود مؤثر في صحيفة لها سجل، يكون مليئاً بتسريبات من داخل المطبخ السياسي. في هذه الحالة، اتخذ ذلك شكل مقال الرأي الذي كتبه كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست، ديفيد إجناتيوس، في منتصف سبتمبر، والذي ضم مرة أخرى مسؤولين في المخابرات لم يذكر أسماءهم.
بالإضافة إلى مسؤول في مجلس الأمن القومي لم يذكر اسمه. وقد قدم مسؤول مجلس الأمن القومي، بشكل مناسب، نسخة رفعت عنها السرية من تقييم جديد لوكالة المخابرات المركزية، لم يتم نشره علناً، وهو ما يتناقض مع تقييم تقرير الأمم المتحدة لقوة تنظيم القاعدة وعلاقتها بحركة طالبان. وزعم المقال أيضاً أن بعض أعضاء طالبان كانوا “على الأرجح” على علم بأن الظواهري كان مختبئاً في كابول وقت مقتله، وأنه “كان على الأرجح محمياً من قبل أعضاء من فصيل حقاني المتطرف”، مما يتجاهل مرة أخرى حقيقة أن زعيم فصيل حقاني هو وزير الداخلية الأفغاني الحالي.
ولكن على الرغم من كل هذه الإشارات، فإن التحول في السياسة ليس مضمونا بالضرورة. فمن الممكن أن يتم إسقاط بالونات الاختبار من قبل أولئك المهتمين بالأمر، وهم في هذه الحالة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، التي حذرت وزارة الخارجية عدة مرات بشأن هذه المسألة. ففي رسالة بتاريخ يوليو 2023، على سبيل المثال، حذر رئيس اللجنة النائب مايكل ماكول المسؤولين الأمريكيين من احتمال زيارة كابول.
وفي أوائل أكتوبر، كان رد فعل ماكول وأعضاء آخرين في اللجنة قوياً على التصريحات التي أدلت بها نائبة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند في جلسة استماع سابقة للجنة. وأعرب ماكول علناً عن معارضته لما وصفه برغبة الإدارة في “تطبيع” العلاقات مع طالبان. واستشهد بقرار إزالة المجموعة من تفويض القوة العسكرية وتأكيد نولاند على عدم وجود دليل على انتقام طالبان المنهجي ضد الحكومة الأفغانية السابقة أو المسؤولين العسكريين، على الرغم من التقارير المتعددة التي تشير إلى عكس ذلك.
ويتعين علينا أن نرى ما إذا كانت هذه المعارضة كافية لمنع مثل هذا التحول في السياسة الأمريكية تجاه حركة طالبان. وإذا مضت إدارة بايدن قُدُماً في ذلك، فإن التداعيات الأوسع ستتجاوز الإضرار بالجهود المهتزة بالفعل التي تبذلها جماعات المعارضة الأفغانية والمدافعون عن حقوق الإنسان للحفاظ على الدعم الدولي لقضيتهم. وعلى الرغم من أن هذا مهم بما يكفي، إلا أن هناك المزيد على المحك. إن تقويض تقارير خبراء الأمم المتحدة بشأن العقوبات يقوض أداة رئيسية في السياسة الأمريكية تُستخدم غالباً لمحاسبة روسيا وكوريا الشمالية وإيران وخصوم الولايات المتحدة الآخرين.
والحجة القائلة بأن طالبان لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة تتجاهل حقيقة مفادها أن تأثيرها يمتد إلى ما هو أبعد من حدود أفغانستان، ويعمل بمثابة مصدر إلهام لحركات متطرفة أخرى. إن تطبيع العلاقات مع طالبان كاعتراف سياسي واقعي بقبضتهم على السلطة يقوض السياسات الأمريكية المهمة بشأن إدانة الانقلابات وتعزيز الديمقراطية. والفكرة القائلة إن الولايات المتحدة ينبغي لها أن “تعمل مع الأشرار لمحاربة الأشرار” هي وهم خطير على المدى الطويل، حتى عندما تحقق نجاحاً مؤقتاً.
نعم، إن لدى الولايات المتحدة مصالح مهمة على المحك في أفغانستان، ولكن هذه المصالح لابد أن يتم تعزيزها على أساس ضمان احترام طالبان لحقوق الإنسان ورفضها للجماعات “الإرهابية”، وهو الأمر الذي يمكن التحقق منه، وليس من أجل استرضائها.