fbpx
دراساتاقتصاد

الاقتصاد المصري بعد 2013: السياسات والتحديات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

لقراءة كتاب الاقتصاد المصري بعد 2013: السياسات والتحديات كاملا برجاء الاطلاع علي ملف الـ PDF

مقدمة الكتاب :

يكمن جوهر إشكالية التنمية في البنية المعرفية لمفهوم التنمية، والتي تعني تلك المنظومة من المسلمات والمفاهيم والغايات والأهداف العاكسة لرؤية معينة للإنسان والكون والحياة، واختصاراً ما يمكن تسميته بنموذج التنمية.

ويعبر مفهوم «نموذج التنمية» عن مجموعة من التوجهات الاقتصادية – الاجتماعية التنموية، وهذه التوجهات هي التي سوف تحدد المسار والديناميكية التي تنتج في الاجلين المتوسط والطويل تشكيلة اقتصادية – اجتماعية يمكن تسميتها نموذج تنموي للبلاد.

ويبني النموذج التنموي على رافعتين أساسيتين، أولاهما الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والذي يعتبر الرافعة الحيوية والجوهرية لنموذج التنمية المستهدف، وثانيهما الصناعة(التكنولوجيا) والزراعة وهما حافظتا السيادة الوطنية، والامن القومي.

  تتعدد متطلبات النهوض بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني كرافعة اولي للنموذج التنموي، ما بين سن التشريعات والإجراءات والقواعد، وكذلك بناء أسس التمويل وآليات العمل، وفتح أبواب المبادرات الموجهة الي سد حاجيات المهمشين، بما يضمن انخراطهم في العملية التنموية.

 كما يعد النهوض بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني السبيل الوحيد الي مواجهة المعضلات الاجتماعية من بطالة وأمية، كما انه الداعم لإعادة بناء منظومة القيم الاجتماعية، وانتهاج التفكير المبدع والابتكار كأسس رئيسة للتقدم والرقي.

الرافعة الثانية للنموذج التنموي هي الصناعة (التكنولوجيا) والزراعة، وهما مكنة القوة والسيادة، ومنعة التبعية والذيلية، وحصن الرفاهة وجودة الحياة، وتتطلب التنمية الصناعية والزراعية عوامل انطلاق تتبناها السلطة وتمررها داخل الشرايين الاقتصادية للمجتمع، فمنها القانوني والمؤسسي، ومنها التمويلي والتدريبي، ومنها التسويقي والتكنولوجي، ويقف في القلب من كل ذلك الرؤية والإرادة اللازمين للتحريك والدفع.

وقد مر الاقتصاد المصري خلال الست سنوات الماضية بمجموعة من القوانين والقرارات والاتفاقيات أنتجت وضعاً اقتصادياً واجتماعياً يكاد يختلف كلية عما مرت به مصر خلال الستين عاما الماضية.

وبعيداً عن الجدل حول طبيعة ما يجري في مصر، سواء من يؤكد صحة التوجه، وجدوى التصرف، واستدامة الأثر، أو الآخرين الذين يرون كارثية التوجه، وانعدام الجدوى، وسرعة زوال الأثر، تبقى الحاجة إلى قراءة متأنية ومستفيضة لمجمل الأوضاع الاقتصادية المصرية، بصورة تحليلية محايدة، تأخذ في الاعتبار الأرقام والإحصائيات، والقرارات والقوانين، والمشروعات المنتهية أو تحت الإنشاء، بل وحتى بالخطط المستقبلية، ولا تهمل في نفس الوقت أبعاد وروافع النموذج التنموي، والتي تعتبر معيار الحكم علي طبيعة النتائج الملموسة.

وسوف يستعرض هذا الكتاب التغيرات في المؤشرات الاقتصادية الكلية، وأهم مسببات تلك التغيرات من قرارات وقوانين ومشروعات ومبادرات، والواقع الناتج عن تلك التغيرات، كما يحاول أن يستقرئ المستقبل حول مآلات الحالة الاقتصادية المصرية خلال الأعوام القادمة.

والله الموفق والمستعان

أحمد ذكرالله

ملخص الكتاب:

يجري الجدل بين الكثير من المراقبين حول طبيعة ما يجري في الاقتصاد المصري مصر، في ظل توالي القرارات والقوانين والمشروعات التي وصفت بالقومية، وفي نفس الوقت ما يصفه البعض بالإفراط في الاعتماد على القروض الداخلية والخارجية لتمويل تلك المشروعات، إضافة الي الجدل حول أولوية تلك المشروعات بل وجدواها الاقتصادية.

حاول الكتاب ان يقدم صورة متأنية ومستفيضة لمجمل الأوضاع الاقتصادية المصرية، انطلاقا من تحليل الأرقام الرسمية، بهدف استقراء النتائج حول صحة التوجه وجدوى التصرف واستدامة الأثر، كأهداف أصيلة لأي عملية تنموية مستهدفة، وذلك ضمن إطار كلي باحث عن الروافع الرئيسة للنموذج التنموي. وكان اهم ما توصل اليه الكتاب ما يلي:

ترجع طفرة النمو في الناتج المحلي الإجمالي أساسا إلى النمو في ستة قطاعات، شكلت نحو 77% منه خلال العام المالي 2017/2018، كانت أهم تلك القطاعات هي قطاع الاستخراجات بنسبة 15.8% والصناعات التحويلية بنسبة 12.2% وقطاع التشييد والبناء بنسبة 10.3% إلى جانب قطاعات تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 9.6% والأنشطة العقارية بنسبة 7% وقطاع الزراعة بنسبة 6.8%.

النظرة المتفحصة الي القطاعات المساهمة بصورة رئيسية في نمو الناتج المحلي تشير الي أن القطاعات الثلاثة الرئيسة هي التعدين (بعد طرح الناتج الصناعي) والبناء والبيع بالتجزئة والجملة، وإذا ما اضيف اليها عائد قناة السويس والسياحة وتحويلات العاملين في الخارج، نجد ان مكونات الناتج المحلي الإجمالي في مصر تتصف بالريعية، وتهيمن عليه بشكل رئيس القطاعات التي تعتمد على الاستهلاك، وبالتالي يمكن القول أن النمو الاقتصادي الحالي غير شامل وليس مستداماً.

معدل النمو الحالي يغيب عنه الهدف الرئيس من تحقيق النمو، وهو رفع مستويات معيشة المواطنين، لا يزال المواطن العادي يعاني من ارتفاع معدلات التضخم، وضعف التعليم والرعاية الصحية وتحسين خدمات النقل.

 كما يغيب عنه التركيز على الجانب الحقيقي من الاقتصاد، مع تعزيز كفاءة وفعالية الخدمات التي يعتمد عليها المواطن.

بصفة عامة لا تزال مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي هزيلة، ولا تضع مصر في مسار التنمية الحقيقة، ولا تستوعب اعداد العمالة الوافدة الي سوق العمل سنوياً، فضلاً عن غياب التطوير التكنولوجي.

مبادرة البنك المركزي بتوفير 200 مليار جنيه للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بأسعار فائدة ميسرة، كانت كفيلة بتحقيق نقلة نوعية ليس لقطاع الصناعة المصرية فقط بل لمسار الاقتصاد المصري بأكمله، ولكن ما شاب عملية التنفيذ من قيود ومعوقات، واستيلاء الشركات الكبرى على القروض بدعاوي مختلفة، كل ذلك أفقد المبادرة فاعليتها وجدواها.

لا يوجد تفسير لعدم استهداف المصانع المتعثرة في مبادرات البنك المركزي، لا سيما ان معظمها يعاني المشاكل التمويلية، وكذلك يصعب على الفهم الاهتمام ببناء مدن صناعية جديدة والانفاق على ترفيقها في ظل عطالة الموجود بالفعل.

 إلغاء مشروع قانون صناعة السيارات المعروف بـ”استراتيجية صناعة السيارات” بعد سنوات من الانتظار، وتحويل قانونه الي مجلس النواب، جاء كاشفاً لغياب الرؤية الاستراتيجية لتطوير القطاع الصناعي برمته -علي وجه الخصوص قطاع السيارات-، وفي القلب منها نمط التصنيع المستهدف، والتوطين التكنولوجي، واستخدام الإمكانات المحلية المادية والبشرية.

ضعف العمل في الملف الزراعي مقارنة بالتصميم على انجاز مشروعات العاصمة الإدارية ومن قبلها تفريعة القناة، وغيرها من المشروعات الغير منتجة، تثير علامات الاستفهام حول التصميم على اهمال العمل بالقطاعات الإنتاجية مقارنة بالسرعة في غيرها.

محدودية المتاح من الموارد المائية-وفي ظل أزمة سد النهضة-تتطلب مشروعات للارتقاء بكفاءة نقل وتوزيع المياه بداية من الترع والمساقي الحقلية ونهاية بالارتقاء بنظم الري الحقلي، وكل ذلك لا يلاحظ فيه أي مشروعات يمكن اعتبارها قومية أو حتى غير اعتيادية، بل وغابت العادية كذلك.

الاستصلاح والمشروعات الجديدة ليست المهمة الوحيدة المطلوبة للقطاع الزراعي، بل يحتاج القطاع الي مجموعة من السياسات المكملة-تسويقية – تمويلية – مائية-تركيب محصولي-جمعيات زراعية – برامج مساندة للفلاح وغيرها، وحتى الان يمكن الجزم بغياب اية رؤية استراتيجية لتطوير هذا القطاع.

حدثت مجموعة من التحسينات الرقمية على الموازنة العامة المصرية في العامين التاليين لتنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، ورغم ذلك فوفق مشروع موازنة العام المالي 2019/2020، يتبين أن العجز الكلي قدر بـ 445 مليار جنيه مصري، في مقابل 438.6 مليار جنيه للعام المالي السابق تقريبا، ويشير ذلك الي تزايد العجز بحوالي 7مليار جنيه عن العام المالي السابق.

يلاحظ في بند النفقات العامة ان النسبة الكبرى منها لا تزال تتجه الي نفقات لا يمكن للحكومة ان تتملص منها، مثل فوائد الديون المقدرة بنحو 569 مليار جنيه، ومخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية بنحو 327 مليار جنيه، ومخصصات الأجور بنحو 301 مليار جنيه، ومخصصات الاستثمارات العامة بنحو 211 مليار جنيه.

بينما انخفض دعم المواد البترولية والكهرباء عن العام الماضي 36.1 و12 مليار جنيه على الترتيب، وخفضت مخصصات دعم المزارعين بنحو 500 مليون جنيه، كما خفض دعم التأمين الصحي والأدوية بنحو 244 مليون جنيه، نجد ان موازنة السطر الواحد قد قفزت مخصصاتها من 75 مليار جنيه في موازنة العام المالي الماضي إلى 90 مليار جنيه، أي بزيادة قدرها 15 مليار جنيه، وبنسبة زيادة تصل إلى 20%.

يقر الدستور المصري أن الحكومة ملزمة بألا تقل مخصصات بندي التعليم والصحة عن 7% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن الحكومة لم تلتزم للمرة الخامسة على التوالي بتلك النسبة.

– سيبقي الاقتراض هو الخيار الوحيد لتغطية العجز المتزايد، وستتحمل المصادر المحلية العبء الأكبر لسداد هذا العجز، مما يشكل تزاحماً مع القطاع الخاص على الودائع المصرفية، ويضر بالاستثمار الخاص، إضافة الي الإبقاء على قطاع مصرفي غير احترافي يعتمد على اقراض الحكومة كنشاط رئيس، بينما يهمل نشاطه الرئيس في تمويل القطاع الخاص.

– هناك ارقام ضعيفة جدا تدخل الموازنة العامة للدولة من مؤسسات هامة، فحصيلة الخزانة العامة من قناة السويس هي 36مليارجنيه، أي حوالي 2.2 مليار دولار فاين تذهب باقي إيرادات القناة والبالغة ما يزيد عن خمسة مليار دولار عام 2018.

تبلغ الإيرادات المقدر دخولها من الصناديق الخاصة فقط 5.5 مليار جنيه، وهي نسبة 25% المفروض على الصناديق توريدها، وبذلك فان اجمالي إيرادات تلك الصناديق 22 مليار جنيه، وهو ما يفرض التساؤل اين تذهب بقية الحصيلة؟ وكيف تنفق ومن يراقب على الانفاق؟ ولماذا تتعنت الدولة في زيادة النسبة المفروضة لصالح الموازنة في ظل ما تعانيه من فجوة تمويلية، واعباء خدمة الدين؟

– اعتماد طريقة تقييم الشركات المطروحة من قبل الدولة، اعتمادا على متوسط سعر السهم خلال الشهر الأخير قبل الطرح، يقلل من عوائد الدولة من وراء البيع -إضافة الي خسائر بيع شركة رابحة-، ويفتح باب الشكوك حول القيمة العادلة، والتلاعب في قيمة السهم، ولماذا الإصرار على البيع ولم تسترد الأسهم سعرها، وغيرها من التساؤلات.

– برزت السياسة النقدية كأحد المحاور الأساسية لبرنامج الصندوق، ورغم التخبط في بداية البرنامج والذي نتج عنه ارتفاعات حادة في سعر الدولار-مما انعكس على عدم استقرار الأسعار في الأسواق-الا ان البنك المركزي اتخذ مجموعة من الإجراءات التي ساهمت في تحسن الأوضاع واستقرار سعر الصرف، وان كان لها العديد من التداعيات الأخرى.

-اعتمد البنك المركزي سياسة انكماشية، كان أبرز ملامحها رفع الاحتياطي الالزامي من 10% الي 14%، ورفع أسعار الفائدة لأكثر من مرة، في محاولة للحفاظ على الودائع بالجنيه من جهة، ومن اخري خفض الطلب على القروض بصفة عامة، واعتمد الاحتياطي بشكل كبير على الأموال الساخنة، واموال القروض الخارجية، وذلك في محاولة للسيطرة على معدلات التضخم المتزايدة.

مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي الأكبر من نوعها في التاريخ المصرفي، وكان جديرا بها لو نفذت بصورة صحيحة ان تحقق نقلة نوعية للاقتصاد المصري، ولكن تم نهب أموالها، والتي وجهت في الغالب للشركات الكبرى التي انشات شركات صغيرة وحصلت من خلالها على التمويل الميسر، ولا يمكن اعفاء البنك المركزي من تحمل مسؤولية ذلك، حيث تقاعس في الرقابة وتراخي في العقوبة.

فكرة مبادرة التمويل العقاري جيدة، وكان من المنتظر منها أن تعمل على تنشيط السوق، لكن هناك بعض العيوب الجوهرية في المبادرة، منها انخفاض الحد الأقصى لسعر الوحدة التي تتيح المبادرة تمويلها (300 ألف جنيه)، بجانب انخفاض قيمة الحد الأقصى للدخل الشهري لمحدودي ومتوسطي الدخل الذي وضعه البنك المركزي كحد أقصى للاستفادة من المبادرة. وقد اضطر البنك المركزي لتعديل هذه الحدود ثلاث مرات خلال العام 2014، كما ان المبلغ المرصود للمبادرة قليل جدا (20 مليار جنيه).

يعاني سوق التمويل العقاري في مصر من الكثير من المشاكل الهيكلية، ومنها تسجيل العقارات -ارتفاع أسعار الوحدات-عدم وجود شروط واضحة للشروط والمتطلبات الواجب توافرها في شركات التمويل أو إعادة التمويل العقاري، وعدم وجود جهة مستقلة لاعتماد المقيّمين العقاريين-عدم وجود معايير مصرية للتقييم العقاري -عدم وجود محاكم مستقلة لقضايا الرهن.

حرص البنك المركزي على الإعلان عن أرقام مبالغ فيها لعدد المستفيدين من المبادرة، حيث أعلن أن إجمالي عدد المستفيدين وصل إلى 230 ألف عميل، وبالقسمة على الحد الأقصى لتمويل المبادرة 20 مليار جنيه، هذا يعني أن كل عميل حصل على 87 ألف جنيه فقط.

بصفة عامة يمكن القول ان الخسائر او تراجع الأرباح التي حققتها البنوك، كانت نتيجة تدخل القرار السياسي في اعمال السياسة النقدية، وذلك يعكس عدم قدرة مجلس إدارة المركزي على الاحتفاظ بمكتسبات الاستقلالية التي منحها له القانون والدستور، ومدي انصياعهم للسلطة.

أرباح البنوك الكبرى هزيلة للغاية مقارنة بحجم الودائع، فعلي سبيل المثال، تخطت ودائع البنك الأهلي التريليون جنيه، أي ان أرباحه 1% فقط نسبة الي حجم ودائعه.

-كان من المنتظر أن تحقق الصادرات المصرية طفرة كبيرة بعد تعويم الجنيه في نوفمبر 2016، حيث أصبحت قيمة الصادرات المصرية مقومة بالدولار منافسة للغاية، ولكن هذا لم يتحقق وجاءت الزيادات متواضعة.

-تُمثل الفجوة الكبيرة بين صادرات وواردات مصر السلعية، واحدة من المشكلات المزمنة، ولا يظهر أن هناك سياسات جديدة لسد هذه الفجوة، ولو في الأجل المتوسط، وحسب أرقام ميزان المدفوعات للعام 2018 يتبين أن العجز التجاري بحدود 45 مليار دولار في مقابل 37 في 2017.

غالبية الاستثمارات الأجنبية تتركز في قطاع النفط والغاز، مما يضيع على مصر فرص دعم التنمية من خلال هذه الاستثمارات، كم انه يؤخذ على هذا الهيكل غير الإيجابي، أن قطاع البترول قطاع كثيف رأس المال، ولا يوفر فرص عمل تتناسب مع ما ينفق من استثمارات، والجانب الثاني أن استفادة الشريك الاجنبي عالية، والأمر الثالث أن مصر لم تستفد من تلك الاستثمارات على مدار العقود الماضية في توطين تكنولوجيا هذا القطاع، أو محاولة إنتاج متطلبات الاستثمار به من الناحية التكنولوجية.

العامل الأهم في تراجع الاستثمار الأجنبي هو تراجع طلب المستهلكين بعد حوالي ثلاث سنوات من إجراءات للتقشف وأسعار فائدة مرتفعة وتوسع شركات مملوكة لجهات سيادية في الاقتصاد، وساهم كل ما سبق في تثبيط شهية المستثمرين.

كشف البنك المركزي عن ارتفاع معدلات الدين الخارجي بنهاية مارس الماضي إلى 106مليار دولار مقابل 82.88 مليار دولار بنهاية 2017، بزيادة 23 مليار دولار تقريباً، وبذلك تتوالى ارتفاعات الدين الخارجي، في غياب عوائد للمشروعات تغطي خدمة تلك الديون، وتقلص فرص استمراراها على نفس المعدلات السابقة بعد استهلاك معظم المصادر المتاحة.

كشفت بحث الدخل والانفاق لعام 2019 أنه تم تحديث خط الفقر الوطني لعام 2019 ليبلغ 735 جنيه شهريا (44.5 دولار)، في مقابل 1.9 دولار/ اليوم تعادل (100 جنيها تقريباً) حدًا للفقر عالميا، 1.25دولار/يوم للفقر المدقع، يحددها البنك الدولي.

– ووفقاً للمؤشرات الأولية المعلنة في تلك التقارير، فقد ارتفع معدل الفقر إلى 32.2%، كما أظهرت أن هناك نحو 26.8% إضافية من السكان فوق خط الفقر بالفعل، لكنهم شبه فقراء ومازالوا بحاجة إلى الدعم، (المجموع 57% تقريباً) كم أشار البنك الدولي، وهذه النسبة ارتفعت 2.5% مقابل معدلات 2015.

– حتى في ظل تحرك خط الفقر المدقع من 482ج شهريا عام 2015 الي 491 ج شهريا عام 2019(95 سنت تقريبا)، فلايزال 6.5 مليون مصري على الأقل تحت هذ الخط، ومن المرجح لأن يكون العدد الحقيقي 10 مليون مواطن لو أخذنا بالخط العالمي.

– ساهمت العديد من العوامل لزيادة معدلات الفقر بقفزات ضخمة خلال الأربع سنوات الماضية، وعلى راسها زيادة معدلات التضخم، ورفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، وفرض ضريبة القيمة المضافة، وزيادة الجمارك ثلاث مرات متتالية، ورفع أسعار المواصلات العامة.

-أعلن البنك الدولي في بداية مايو 2019، أن نسبة الفقر بين المصريين قد ارتفعت من ٢٤% عام ٢٠١٠ إلى ٣٠% عام ٢٠١٥ ثم قفزت إلى ٦٠% عام ٢٠١٩، وحول النسبة الأخيرة أشار البنك الي ان حوالي ٦٠% من شعب مصر يعاني إما من الفقر أو مهدد به، وهو نفس التعبير الذي استخدمه جهاز الإحصاء، الذي هو مصدر معلومة البنك الدولي على الارجح.

ضعف تمويل مشروع تكافل؛ يظهر في قلة المقابل المادي المُقدم، حيث أن مبلغ المعاش المذكور للأسرة الواحدة وهو 325 جنيه، أي ما يعادل 18.5 دولار، أي ما يساوي 0.6 دولار يوميًا، في حين أن خط الفقر الدولي هو 1.9 دولار يوميًا.

هناك بعض الانتقادات إلى صياغة المشروع، ومنها احتواء معايير الإقصاء من الدعم على شروط لا تعكس انتفاء الفقر، بالإضافة أن هيكلة المشروع لم تأخذ في الاعتبار التباين في معدلات الفقر بين المحافظات المختلفة، فلم يتم توجيه برامج خاصة للمحافظات ذات معدلات الفقر المرتفعة.

كان من الطبيعي بعد وقوع أعداد متزايدة من المصريين تحت خط الفقر، ان تتجلي مجموعة من المظاهر المرتبطة بالفقر، منها زيادة حجم التجارة الخارجية من الملابس المستعملة “البالة” بنسبة 273.8% عام 2017 مقارنة بانخفاض فى عام 2014 بنسبة 23.4%.

ومن مظاهر الفقر كذلك ما أصدره المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، تقريرا يؤكد فيه أن 20% من أطفال مصر يعانون التقزم الناتج عن سوء التغذية، وأن 27% من الأطفال تحت خمس سنوات مصابون بالأنيميا، وأن 11% من وفيات الأطفال ترجع لسوء التغذية، والمثير أن وزارة الصحة اعترفت بالأزمة كاشفة أن النسبة تبلغ 40%، ومشيرة إلى أن 17% منهم يعانون التقزم الشديد.

كما تزايد عدد وفيات الأطفال الرضع الأقل من سنة ليبلغ 15.1% عام 2016 في مقابل 14.6% عام 2015، كما بلغ معدل وفيات الأطفال الأقل من خمس سنوات حوالي 19.6% لإجمالي الجمهورية.

ارتفع النقد المصدر بمقدار 33.6 مليار جنيه بمعدل 7.4% ليبلغ 486.7 مليار جنيه بنهاية يوليو 2018[1].

بلغ مجموع ما طبعه البنك المركزي خلال الفترة المشار اليها 222.4 مليار جنيه، وإذا ما نسبت الي 264.2مليار جنيه والتي هي اجمالي رصيد النقود المطبوعة والمتداولة خارج الجهاز المصرفي قبل عام 2013/2014 لتوصلنا ان السلطة اضافت حوالي 84.2% الي كمية النقود المطبوعة خلال ست سنوات فقط، وإذا اضفنا رقما تقديريا للعام الحالي(2018/2019) 10% فقط، نجد ان النسبة اوشكت ان تبلغ 100% في خلال سبع سنوات.

شكل الافراط في طباعة النقود أحد المحفزات الرئيسة للتضخم خلال الفترة الماضية، وهو ما يدفع نحو التساؤل، أولا حول كيفية سماح السلطة النقدية لمصر بذلك، وثانياً اين ذهبت تلك الأموال، وثالثا لماذا لم تمول زيادة في الأجور او في بعض المشروعات الموجهة للاقتصاد التضامني بنفس الطريقة.

بمقارنة معدل الزيادة السنوية في الإصدار النقدي وبين معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي، سنجد تزايد طبع النقود بثلاثة أضعاف معدل النمو طيلة فترة الدراسة تقريبا – مع استبعاد سرعة دوران النقود والتي تعبر عن عدد مرات تداول الوحدة النقدية من يد ليد خلال العام-ويعبر عدم التناسب ذلك عن عظم مساهمة التمويل التضخمي في شحذ التضخم، مع التأكيد على ان نسبة طبع النقود يجب ان تقل عن معدل نمو الناتج المحلي، مع الاخذ في الحسبان سرعة دوران الوحدة النقدية.

اختلف الاقتصاديون حول الأكثر تأثيرا في زيادة معدل التضخم، هل الزيادة في الإصدار النقدي ام الزيادة في مديونية الحكومة للمركزي، وخلص النقاش الي غلبة تأثير الإصدار النقدي، بفعل سرعة تداول الإصدار الجديد، أو على الأقل تساويهما في الأثر عليه.

في الحالة المصرية اقترن الافراط في الإصدار النقدي مع الزيادات غير المسبوقة بالديون المحلية والخارجية، مما أنتج معدلات غير مسبوقة من التضخم، ومعالجة الوضع الحالي يحتاج لسنوات طوال، واي تراجع لمعدل التضخم تعلن عنه السلطة سيكون مصدره النسبة لسنة أساس مرتفعة التضخم، وليس لتراجع حقيقي ينتج عن العوامل المسببة به لا سيما منها طبع النقود.

تشير البيانات الرسمية الي تراجع معدلات البطالة فى مصر بوتيرة متسارعة بدايةً من الربع الأول للعام الماضي، لتنخفض أكثر من 3.8% خلال 18 شهرًا من 11.3% فى ديسمبر 2017، إلى 7.5% في يونيو الماضي.

لم تتسع قوة العمل رغم هذ التراجع، بل انكمشت إلى 28.06 مليون فرد في يونيو الماضي مقابل 29.04 مليون فرد في يونيو 2018، و29.18 مليون فرد يونيو 2017، مما يعني تراجع قوة العمل بنحو 1.12 مليون عامل خلال عامين، وبنحو 980 ألف فرد خلال 12 شهرًا فقط.

تزامن هذ التحسن كذلك مع خروج 1.4 مليون سيدة من قوة العمل، مما يعني أن ما يزيد على 1.12 مليون سيدة قررن بشكل جماعي التوقف عن العمل-وهو أمر غير معقول ولا توجد له مبررات حقيقية لا سيما في ظل موجة التضخم العارمة التي اصابت البلاد في اعقاب تطبيق برنامج الصندوق-ليصل عدد النساء فى سوق العمل نحو 3.9 مليون عاملة بنهاية مارس الماضي مقابل 5.02 مليون بنهاية يونيو 2018.

عدم التوسع في قوة العمل، وخروج هذا العدد الضخم من السيدات يفتح باب التشكك في الأرقام الرسمية، ليس فقط المتعلقة بالبطالة وانما كذلك المتعلقة بالتضخم والذي تراجع رغم رفع أسعار الوقود مؤخراَ.

يبدو التوسع المحموم والغير مسبوق للجيش في النشاط الاقتصادي، كردة فعل عنيفة، ليس فقط لثورة 25 يناير وما تبعها من احتمالية تقليص لبعض المغانم الاقتصادية لكبار قادته، بل ايضاً لما سبقها مما قيل عن نية خصخصة بعض مشروعاته بنهاية عصر مبارك.

السيطرة على أراضي الدولة هي أخطر الأدوات التي يمتلكها الجيش، ويستخدمها لمزيد من التغول على الاقتصاد المصري.

لا تتوقف أهداف مشروعات الجيش عند الربحية، والمغانم، بل تتعداها الي مجموعة أخري من الأهداف، منها السيطرة على الطرق الرئيسية، والتي تشكل منافذ الامداد والتموين، للسلع الرئيسية، سواء بين الموانئ والمطارات وبين مناطق الجمهورية المختلفة، أو بين المحافظات وبعضها البعض، والسيطرة على انتاج بعض السلع الاستراتيجية، مثل ادوية الانسولين، ولبن الأطفال، وغيرها، للظهور بدور المنقذ في أوقات الازمات، والتحكم العقابي في حال الانفلات.

– تلعب أنشطة الحكومة والجهات السيادية دوراً كبيراً فى العديد من قطاعات الاقتصاد، وتتمتع بوصول تفضيلي إلى التمويل والأراضي والمشتريات، وبدأ هذا الدور المتنامي بالفعل ليكون مزاحماً للقطاع الخاص.

– عانى الاقتصاد المصري قبل عام 2011 من مجموعة من الاختلالات الهيكلية، والتي لا يزال حتى وقتنا الحالي رهينة لها، بل زاده انفلات معدلات القروض الداخلية والخارجية اختلالاً، كما ساهم التدخل السياسي في توجيه المشروعات الاقتصادية في تشكل وضع اقتصادي ينذر بخطر شديد.

لقراءة كتاب الاقتصاد المصري بعد 2013: السياسات والتحديات كاملا برجاء الاطلاع علي ملف الـ PDF


[1] البنك المركزي المصري: التقرير السنوي 2017/2018، ص 15.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close