تقديرات

التدخل الخارجي والدور المصري في الأزمة الليبية

مقدمة

بدا موقف النظام المصري داعما منذ البداية لاتفاق الصخيرات، في حين لم يكن خافيا على احد ان النظام المصري كان مساندا وداعما بوضوح لأحد اهم طرفي اتفاق الصخيرات وهو مجلس النواب المنعقد في طبرق “برلمان طبرق”، المتابع للمشهد يستطيع ان يلمح وبسهولة حجم الزيارات التي يقطعها رئيس حكومة الوحدة الوطنية “فايز السراج” ورئيس الحكومة الليبية الحالية “عبد الله الثني” الى القاهرة في الايام التي تلت توقيع اتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر من العام الماضي، نحاول في هذا التقرير القاء الضوء على حجم التنسيق الذي يدفع فيه النظام المصري، بين حكومة الوحدة الوطنية من جهة وبرلمان طبرق من جهة ثانية، بهدف ايجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية، تتوافق مع رؤية النظام المصري وتحقق مصالحه.

المشهد الليبي..انقسام وفوضى سياسية محتملة

شهدت الساحة الليبية بعد توقيع اتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر 2015، حالة من الارتباك على مستوى جميع الاطراف الفاعلة في المشهد، لم يمتد هذا الارتباك ليصل الى المستوى السياسي فقط بل امتد الى العسكري وربما الاجتماعي، حيث أن أهم طرفي النزاع في الساحة الليبية، مجلس النواب المنعقد في طبرق “برلمان طبرق” والمؤتمر الوطني العام المنعقد في طرابلس، قد اصابهما حالة شقاق وتنازع داخلي بشان التوقيع على اتفاق الصخيرات، أدت في نهاية الامر إلى توقيع فريق من كلا الطرفين لاتفاق الصخيرات وسط تأييد دولي واقليمي عالي، في حين صرح كلا من رئيسي مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام بأن الأعضاء الموقعين علي اتفاق الصخيرات لا يمثلون سوى أنفسهم، في اشارة إلى عمق الانقسام السياسي الواقع في كلا الطرفين، هذا الانقسام الحاد داخل طرفي الصراع الرئيسي في الازمة الليبية، ربما ادى الى صعوبة انعقاد الجلسات في كلا من برلمان طبرق والمؤتمر الوطني العام، للتصويت على القرارات الخاصة باتفاق الصخيرات في ظل تغيب الاعضاء الرافضين للاتفاق.

على المستوى العسكري، في الغرب ايدت بعض الكتائب المحسوبة على فجر ليبيا التوقيع على اتفاق الصخيرات في حين أبدت كتائب اخرى اعتراضها على الاتفاق، وفي الشرق استمر تحفظ حفتر لاتفاق الصخيرات تخوفا من المساس بوضعه كقائد عسكري لما يسمى الجيش الوطني التابع لبرلمان طبرق.

على المستوى الاجتماعي خلقت حالة الانقسام السياسي والعسكري بشأن اتفاق الصخيرات مساحة تباين داخل الشارع الليبي ما بين مؤيد ورافض للأتفاق، حيث ظهرت بوادر الانشقاق في خروج مظاهرات في طرابلس تعارض الاتفاق( 1).

ولم تقف حالة الانقسام الممتدة على الساحة الليبية على الاطراف الرافضين لاتفاق الصخيرات فقط، بل امتدت للاطراف الموقعين انفسهم، لتشير الى احتمالية وقوع فوضى سياسية، فبينما قام فايز السراج بتشكيل حكومة وحدة وطنية تتألف من 32 حقيبة وزارية اعتمد في تشكيلها على المحاصصة الجهوية على حساب الكفاءة مما زاد من عدد الحقائب الوزارية لتشميل أكبر تمثيل لكل أطراف وقبائل المشهد الليبي، لم تنل حكومة فايز السراج استحسان برلمان طبرق الذي اجتمع في 26 يناير 2016، حيث صوت بإجماع على رفض منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني المشكلة وربما كان الرفض لسببين رئيسيين:

الأول: رغبة برلمان طبرق في تقليص عدد الحقائب الوزارية المقترحة، بحيث يضمن البرلمان أكبر نفوذ داخل الحكومة المشكلة.

الثاني: رفض برلمان طبرق للمادة الثامنة التي تنص على “نقل كل صلاحيات المناصب الأمنية والعسكرية والمدنية إلى مجلس رئاسة وزراء حكومة الوفاق، بعد توقيع الاتفاق مباشرة، على أن يتخذ مجلس الوزراء قرارا بشأنها خلال مدة لا تتجاوز عشرين يوما، وفي حال عدم اتخاذ قرار خلال هذه المدة، يقوم المجلس باتخاذ قرارات تعيينات جديدة خلال مدة ثلاثين يوما”.

ويأتي رفض برلمان طبرق في إطار التخوف من إمكانية خسارة حفتر لموقعه كقائد لما يسمى الجيش الوطني الليبي التابع لبرلمان طبرق، في حين أن مجموعة الموقعين على اتفاق الصخيرات من المؤتمر الوطني الليبي ترى أن المطالبة بإلغاء المادة الثامنة يعد انتهاك صارخ لإتفاق الصخيرات( 2).

ومن هنا يمكن القول أنه بالرغم من حاجة حكومة الوفاق الوطني الملحة لدعم دولي وإقليمي مستمر تستطيع من خلاله أداء دور سياسي واقعي، إلا أنها تقف امام مجموعة تحديات قاسية، فمن ناحية لا تملك الحكومة مقومات حقيقية لتطبيق بنود الاتفاق علي أرض الواقع أو تخطي حالة الانقسام السياسي، ومن ناحية أخرى لا تستطيع التحكم في المجموعات المسلحة المتصارعة علي الساحة الليبية، مما يقوض اداء حكومة الوفاق الوطني من اي ممارسات حقيقية قبل بداية عملها.

تدخل عسكري وشيك في ليبيا

جاءت تصريحات المسؤولين الغربيين صريحة وواضحة بشأن احتمال تدخل عسكري وشيك في ليبيا، حيث صرح رئيس الأركان الأميركي “جوزيف دانفورد“( 3) إنهم يفكرون في تنفيذ عملية عسكرية حاسمة ضد تنظيم الدولة في ليبيا ويتوقع المسؤولون في البيت الأبيض أن يشارك في العملية بليبيا عدد من الدول الأوروبية الحليفة، بما فيها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، بينما اشار وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي “باولو جينتيلوني”( 4) إلى استعداد بلاده للتعاون في أي عملية عسكرية في ليبيا إذا ما لزم الأمر، وكانت وزيرة الدفاع الألمانية “أورسولا فون دير لاين” قد كشفت في وقت سابق عن إمكانية إرسال بلادها قوات إلى ليبيا، في حين ذكرت مصادر مطلعة ان الولايات المتحدة وفرنسا أبلغتا الجزائر اعتزامهما القيام بعمليات عسكرية كبيرة ضد تنظيم الدولة في ليبيا(5 ).

ربما يبدو واضحا مما سبق سر تعجيل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا “مارتن كوبلر” بتوقيع اتفاق الصخيرات قبل أن يحظى بموافقة كاملة من برلمان طبرق والمؤتمر الوطني الليبي، طرفا الصراع الرئيسيين في الساحة الليبية، يعكس هذا التسارع الدولي والاقليمي في توقيع الاتفاق رغبة في ايجاد حكومة ليبية تمرر التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، تحت مظلة تعزيز القدرات العسكرية للحكومة الجديدة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية والكيانات المسلحة الاخرى.

الدور المصري في المشهد الليبي

تسير سياسة النظام المصري في التعامل مع الملف الليبي في مسارين أحدهما سياسي والاخر عسكري، بما يضمن للنظام استمرار لنفوذه وتحقيق لمصالحه في ليبيا:

في المسار السياسي، لا يزال التنسيق بين النظام المصري والحكومة الليبية الحالية مستمر حتى اللحظة، فيما يستمر التواصل من الجهة الثانية مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني المنبثقة من اتفاق الصخيرات، وشهدت الايام القليلة الماضية زيارة عبد الله الثني رئيس الحكومة الليبية الحالية وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الى القاهرة في زيارتين منفصلتين، ثم وصول خليفة حفتر في زيارة لم يفصح عنها النظام المصري(6 )، لتشير من قريب الى سعي النظام المصري لاحداث توافق بين حكومة الوفاق الوطني من جهة وبين برلمان طبرق و”خليفة حفتر” من جهة ثانية، لضمان سرعة الانتهاء من تشكيل حكومة وفاق وطني تشمل حقائب وزارية تحظى بموافقة برلمان طبرق والحكومة الحالية وتضمن من جهة أخرى عدم المساس بمنصب حفتر، كقائد لما يسمى بالجيش الوطني الليبي.

في المسار العسكري، استمرار التعاون العسكري والتسليح للقوات التابعة للمؤسسات المدعومة من النظام المصري بحيث تكون قادرة على مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية والتنظيمات المسلحة الاخرى لضمان تأمين الحدود الغربية لمصر وضمان استمرار النفوذ المصري على الساحة الليبية.

التدخل العسكري الغربي المحتمل في ليبيا ربما أضاف بعدا آخر للمسار العسكري المصري في ليبيا، حيث أن أي تدخل عسكري في ليبيا لن يمر إلا عبر بوابة الجيش المصري وما يسمي “الجيش الوطني الليبي” المدعوم من النظام المصري، وهذا ما يفرض حالة عالية من التنسيق وتبادل الأدوار بين الطرفين، للتمهيد لتدخل القوات الغربية وتأمين الجبهات الشرقية والامداد اللوجيستي لها، من مصر والإمارات، التي تتواجد كذلك هي وفرنسا في مالي وتشاد والنيجر.

———————-

الهامش

(1) مظاهرات احتجاجية في العاصمة طرابلس على اتفاق الصخيرات

(2) المؤتمر الليبي: المطالبة بإلغاء المادة الثامنة انقلاب

(3) ليبيا. جبهة أميركية ثالثة ضد تنظيم الدولة

(4) إيطاليا وألمانيا تبديان استعدادهما للتدخل العسكري في ليبيا

(5) تدخل عسكري قريب في ليبيا

(6) حفتر يصل القاهرة في زيارة مفاجئة

خالد فؤاد

باحث بالمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، متخصص في العلاقات الدولية، وقضايا الشرق الأوسط.

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى